رواية سجينة جبل العامري الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ندا حسن
#سجينة_جبل_العامري
#الفصل_الواحد_والعشرون
#ندا_حسن
“ربما، خدعة بسيطة بتدمير العلاقات تكن بداية ظهور الحقائق”
وقف أمامها ذلك الذئب البشري الذي رأته كثيرًا من المرات منذ أن أتت إلى الجزيرة ولكن منذ فترة طويلة لم ترى طيفه ولم تشعر بوجوده.. كيف له أن يخرج الآن!..
تحرك أهدابها بكثرة تنظر إليه بخوف ورهبة شديدة، الارتعاش احتل سائر جسدها وأخذ قلبها يخفق بعنف وقسوة خوفًا مما هو قادم عليها معه..
أقترب منها ينحني على الفراش يستند عليه بإحدى قدميه ليقبض على خصلات شعرها مرة أخرى بقسوة ضارية فصرخت خائفة من اهتياجه وشراسته الواضحة ولكن صوته خرج خافتًا أمام وجهها:
-طاهر طريقك لجهنم يا غزال.. عرفاها؟
رفعت يدها تقبض على يده الممسكة بخصلات شعرها بعد أن شعرت بالألم المُميت يضرب رأسها وكأنه يقتلع شعرها من جذوره قائلة بتردد وارتعاش:
-اسمعني يا جبل أنا هفهمك اللي حصل
سألها قاطبًا جبينه مضيقًا عيناه عليها شاعرًا بالألم يغذو قلبه والغدر متربع على عرشه:
-تفهميني ايه بالظبط
اشتدت يده على خصلاتها يكرر بعنف وغلظة:
-تفهميني إنك خاينة وغدارة وحقيرة
أكمل بنظرات محتقرة ولا يحركه تجاهها إلا العشق الذي اضنى قلبه:
-بس العيب مش عليكي العيب على الخايب اللي زيي اللي سمحلك بالتمادي كده.. العيب عليا علشان حبيت واحدة زيك
حركت يدها أمام وجهه وترقرت الدمعات بعينيها بعدما رأت نظرته المحتقرة نحوها غير مدرك ما الذي حدث يظلمها بقسوة:
-والله العظيم أنا هفهمك كل حاجه بس استنى
وضع إصبع يده أمام شفتيه قائلًا بجمود:
-شش، مش عايز أسمع صوتك..
انهمرت العبرات من عينيها بكثرة خلف بعضهما وكأن باب السجن فتح على مصراعيه، تنظر إليه بضعف وقهر شديد لا تصدق أن كل ما امتلكته سيضيع بهذه الطريقة خرج صوتها ملحًا:
-لازم تسمعني لازم تفهم اللي حصل علشان يبقى رقمه عندي علشان خاطري يا جبل بلاش تعمل كده اسمعني
نظر إلى عبراتها، وشعر بارتعاش بدنها، خفق قلبه داخل أضلعه وأشبع عيناه من ملامحها، تلك الطعنة تؤثر على ما يخرج منه، ينظر إليها بعتاب خالص وتحدث بخفوت:
-قولتيله السر اللي مأمنتش حد من أهلي عليه غيرك! ضربتيني في ضهري وقولتيله إني بشتغل مع الحكومة
حركت رأسها بقوة يمينًا ويسارًا تتابعه بعينين متسعة للغاية فهي لم تفعل لذلك لتصرخ بهستيرية:
-لأ والله العظيم لأ.. أقسم بالله لأ يا جبل لأ أنا معملتش كده
ترك رأسها وخصلاتها ووقف مستقيمًا ينظر إليها بخذلان واضح تعبر عنه عيناه القاسية التي تحاول جاهدة إخفاء ما به ليظهر لها فقط الغلظة والعنف:
-اومال عملتي ايه؟ كنتي بتدوري ورايا علشانه مش علشان ترتاحي
اعتدلت جالسة على الفراش تمسح عبراتها قائلة بحزن طاغي عليها:
-والله لأ أقسملك بالله لأ افهمني واسمع كلامي الأول بعدين أحكم عليا
أومأ إليها برأسه يقول بجدية:
-قولي كلامك
ازدردت ريقها بصعوبة بالغة، وأخذت نفس عميق ثم بدأت بسرد ما حدث باستفاضة:
-هو كلمني وأنا مكنتش أعرفه والله قالي إن اسمه طاهر موجود في الجزيرة هنا ويقدر يخرجني منها من غير أذى لأنه عارف إنك مقعدني غصب عني الكلام ده كله قبل ما أفكر فيك ولا تفكر فيا أقسم بالله كل ده من زمان
جف حلقها أكثر وتابعت عيناه المناظرة إليها ببغض يماثلة الضعف، أكملت بخفوت:
-كلمته كام مرة بس استعجله في خروجنا من هنا وهو كلمني كام مرة يسألني عن حاجات عنك بس أنا مكنتش أعرف أي حاجه عنك أصلًا
ابتسم بتهكم، يبكي على قلبه المُتألم الذي لعبت به لعبة قذرة ومازالت تكمل بها معتقدة أنه طفل صغيرة سيصدق ما تقوله كما كان يفعل، سألها ساخرًا:
-ولما عرفتي قولتيله كل حاجه
نفت حديثه بقوة شديدة:
-والله العظيم محصلش
استدار يقف يعطيها ظهره لا يريد النظر إلى وجهها، ذلك الحب بقلبه كبير للغاية يضعفه بشدة وكأنها آخر نساء الأرض، كلما نظر إليها شعر بأنها صادقة لا تفعل ذلك ولكن العقل والمنطق يكذبونها..
-وهو عرف منين!..
أمسكت بكف يده وهو مازال يعطيها ظهره لتبدأ في البكاء الحاد خائفة من فقدانه بعدما شعر قلبها بمذاق العشق معه، ارتفع صوتها بالنحيب:
-معرفش والله معرفش بس أنا مقولتش حاجه يا جبل صدقني أنا عمري ما اغدر بيك أنا وقتها كنت عايزة أمشي بأي طريقة.. والله ما عرفته غير لما أنت حكيت عنه
صدح صوته في الغرفة صارخًا يبعد يدها عنه بعصبية:
-لو مش أنتي اللي قاله إني شغال مع الحكومة يبقى مـــيـــن
أجابته دون علم بجدية وصدق:
-معرفش
أقترب منها يُميل عليها بجسده إلى الأسفل، تحولت نظرات عينيه الراجية صدقها إلى نظرات أخرى مفترسة ثاقبة يخرج الكلمات من فمه بجمود:
-أنتي كدابة يا غزال.. كدابة عارفه ليه
وضع يده على وجنتها كما كل مرة يقوم بفعلها بحميمة، ولكن الآن يده لا تعبر إلا عن القسوة والجمود ككل ملامحه وحديثه:
-علشان بقالي سنين وسنين شغال وهو ولا عشرة زيه عرفوا حاجه عني.. معرفش غير لما امنت لواحدة زيك.. ولا عايزة تشككيني في عاصم من تاني
انهارت في البكاء أكثر، تهاب الفقدان بشدة، تهابه لدرجة لا يمكن تحملها ولأول مرة تكن هكذا تبكي بكل هذا القدر ولكن مذاق الحب غالي.. وفقدانه مرير، تفوهت قائلة:
-أنا مش عايزة اشكك في حد بس والله مش أنا
حرك عينيه عليها، لا يستطيع التصديق وإن صدق كيف يمرر ما حدث لا يوجد غيرها يعلم و “عاصم” إن كان يريد فعلها لما الآن.. ولما قد يفعل:
-حتى لو عايزة أنا مش هشك في عاصم علشان هو ميعملهاش.. ولو كان عايز يعملها كان عملها من زمان أوي.. مافيش غيرك
بررت موقفها مرة أخرى بضعف وبكاء حاد:
-احلفلك بايه إني معملتش كده كل اللي عملته إني كلمته علشان يهربني من الجزيرة ومن فترة كبيرة أوي.. ومكنتش أعرفه هو اللي كلمني والله
بقيٰ ينظر إليها، يشعر بقلبه يطالبه بالرحمة والغفران يطلب منه أن يسامحها ويلقي ما حدث خلف ظهره، ولكن كيف وهو ليس وحده! لم تؤذية هو فقط بل قدمت الأذى على طبق من ذهب للجميع ودمرت كل شيء.. كيف سيصدقها وهي من تحدثت معه؟ كيف وهي الوحيدة التي تعرف ذلك السر والذي لم يعرفه أحد إلا من بعدها ولم يكن أي أحد..
ضيق ما بين حاجبيه وسألها ببرود:
-ايه أسوأ حاجه ممكن تيجي في بالك هعملها فيكي!
اخترقت قلبها تلك الكلمات الغليظة المعبرة عن قسوة القادم، شهقت بعنف وحدة من بين بكائها لتقول بيقين تنظر إلى عيناه برجاء:
-مش هتعمل فيا حاجه يا جبل.. أنت بتحبني
أبتعد للخلف وتعالت ضحكاته في الغرفة ينظر إليها بقوة، إلى هذه الدرجة أصبح ضعيف أمامها لتتحدث بكل هذه الثقة! صرخ بعنف وصوت حاد:
-علشلن كده جبل ماينفعش يحب.. ماينفعش علشان كلكم اوساخ
سار في الغرفة بهمجية شديدة ليتقدم من الطاولة يضربها بقدمه لتقع على الأرضية تهبط بكل ما عليها ليتهشم فيعود صارخًا:
-بس تعرفي أنتي تستاهلي أي حاجه أعملها فيكي.. أي حاجه
تابعته بنظرات خائفة مذعورة مما قد يفعله بها وعلى الرغم من ذلك كان قلبها يحثها أنه لن يؤذيها
أقترب منها يقبض على خصلاتها من الخلف يقربها منه وتحدث أمام وجهها بألم كبير وادمعت عيناه مرة أخرى أمامها:
-بس علشان أنا بحبك مش هعرف اذيكي.. بس هقهر قلبك يا زينة.. هقهرك
ابتلعت ما وقف بحلقها ورفعت يدها الاثنين إلى وجنتيه تمررهما عليه بحنو ورفق قائلة ومازالت تبكي بضعف:
-جبل صدقني أنا معملتش حاجه.. أنا عارفه إنك في موقف صعب وعارفه إن معاك حق تشك فيا بس والله العظيم معملتش حاجه وحياة ربنا
ابتسم أمام وجهها وتحولت نظراته المتألمة إلى أخرى عنيفة ليجذبها من خصلاتها بضراوة وهتف بصوت يجلجل أرجاء المكان:
-تـعـالـي
وقفت رغمًا عنها يجذبها معه متمسكًا بشعرها بعنف وضراوة يخرجها من الغرفة عنوة ليتبع خروجهما صوتها المتألم:
-هتوديني فين.. الجبل
ابتسم بقهر وازلال ناظرًا إليها:
-أسوأ
وقفت تثبت قدميها في الأرضية لا تريد النزوح عن عنها خوفًا مما سيفعله فلا شيء ينذر عن وجود خير أبدًا ولم يقابلها منه إلا البغض والغلظة وهو يجذبها:
-يــلا
رفعت يدها إلى يده تحاول بكل قوتها أن تجعله يتركها صارخة به بعنف وهي تُسير في القصر أسفل قبضته:
-جبل اوعا سيبني اوعا
شدد على قبضته عليها لا يعيرها اهتمام ولكنه توقف يصيح بهمجية واحتقار:
-اخرسي خالص مش عايز أسمع نفسك فاهمه ولا لأ
حاولت مرة أخرى وبكائها يعلو:
-بقولك اوعا أنا والله معملتش كده أنت ظالمني يا جبل والله
لم تجد منه إلا الصراخ القاسي:
-اخرسي
خرجت والدته على صوتهم المرتفع تنظر إليه باستغراب شديد وتوجهت نحوه سريعًا تدفعه بعيدًا عنها صارخة عليه بقسوة:
-أنت بتعمل ايه يا جبل سيبها
قابلها بالقسوة والكره الشديد يخرج صوته متألمًا:
-محدش ليه دعوة.. اللي هيدخل مش هرحمه
أتت على الصوت شقيقتها التي اقتربت منه بقوة شدية تحاول جذبها منه تقوم بضربه على ذراعه الممسك بها تصرخ بخوف وارتعاش:
-أبعد عنها.. اوعا سيبها أنت بتعمل فيها ايه حرام عليك
تحدثت “زينة” بضعف وهي أسفل قبضته قائلة بصوت خافت مقهور:
-اسكتي يا إسراء اسكتي
هبط بها درجات السلم عنوة وكادت أن تسقط على وجهها أكثر من مرة ولكنها تشبثت بذراعه تحاول النظر إليه بضعف وقلة حيلة لا تعلم ما السبيل للتخلص من هذا العذاب تحاول مرة أخرى أن تثبت له أنها بريئة..
ركضت ابنتها تتشبث بها تبكي بقوة وهي تحاول دفعه للخلف تضربه في قدمه بقبضة يدها:
-سيب ماما.. سيب ماما
نظر إلى والدته بقسوة شديدة مُشيرًا إليها لتتقدم تأخذ الصغيرة بين يديها محاولة السيطرة عليها وهي تنظر إلى ابنها الذي لم يصل إلى هذه الحالة أبدًا حتى عندما تركته “تمارا” ورحلت.. فلم تستطع التدخل وهي تشعر أنه صقر جريح محجوب عنه التعبير عن ألمه
لم تستطع “إسراء” الصمود وهي تراه يجذبها نحو البوابة فصرخت عليه مرة أخرى لم تستطع التحمل وهي ترى شقيقتها تبكي بكل هذا القدر لا تقوى على أبعاده عنها فأقتربت هي تحاول أن تبعده تصيح عليه بهمجية شديدة تغلبت على ضعفها وخوفها منه تقف أمامه بالمرصاد للدفاع عن شقيقتها..
دفع بـ “زينة” إلى الحائط ليرطدم ظهرها به بعنف فتألمت بخفوت لتراه يفتح البوابة يصيح باسم “عاصم” فوقفت “إسراء” معها تحتضنها بقوة بينما ابنتها تحاول جاهدة في أن تتركها جدتها ولكن لا مفر
وقف أمامها قائلًا بنظرات محتقرة كارهه:
-مش هخلي حد يشمت فيا بسبب واحدة زيك.. أنتي مكانك مش من هنا
كان يُشير ناحية بوابة القصر الذي كان عازم أمره على خروجها منها ولكنه غير رأيه في آخر لحظة، أتى “عاصم” إليه ليصرخ قائلًا مشيرًا ناحية “إسراء”:
-خد البت دي في أي داهية
استعادت “زينة” قوتها وهي تصرخ بوجهه تمسك بشقيقتها بقوة:
-جبل متتجننش البنت معملتش حاجه وملهاش دعوة
خرج صوته غاضبًا:
-عـاصـم
كان “عاصم” يقف مذهولًا لم يفهم ما الذي يحدث بينهم من الأساس ولكنه لم يكن قادرًا على الإقتراب منها عنوة ووقف ينظر إليهم باستغراب فصرخ “جبل” عليه بقسوة ليتقدم جاذبًا إياها بقوة شديدة محاولًا السيطرة على جسدها وهي تحاول أيضًا الفرار منه تبكي بعنف تصرخ عليه:
-أبعد عني يا عاصم.. حرام عليك خليه يسيبها هو عايز منها ايه
بينما كانت “زينة” تفعل المثل معه تترجاه أن يترك شقيقتها خائفة أن يفعل لها شيء بشع كالذي هددها به سابقًا لكنه لم يعطيها أهمية وسار بها يجذبها من ذراعها إلى خلف الدرج ليرفع ذلك الباب الخشبي من الأرضية مرة أخرى يجعلها تهبط إلى الداخل عنوة..
تحت صراخ شقيقتها وابنتها التي تتلوى بين يدي جدتها.. والجميع يقف مذهولًا مما حدث بينهم في لمح البصر..
هبط بها إلى الغرفة في الداخل يغلق الباب من خلفه، ثم أخذها قهرًا وبغضًا ليُسير في الممر الذي يؤدي إلى غابة الجزيرة بعدما أشعل ضوء هاتفه الذي أخذه معه في جيبه..
وقفت في المنتصف دافعة إياه بقوة وعنف لتصرخ بجنون:
-أنت موديني فين يا جبل.. قولتلك إني معملتش حاجه
أجابها ساخرًا متحكمًا بمشاعره:
-أنتي قولتي اسمعني وأحكم وأنا حكمت
ابتلعت ريقها الذي شعرت بمرارة العلقم به وصرخت عاليًا:
-حكمت ظلم أنا معملتش حاجه
أقترب ممسكًا بذراعيها الاثنين قابضًا عليهم بعنف وقسوة يهتف بجدية وجمود:
-مافيش غيرك كلمه.. من ورايا حتى لو قبل كل ده وأنتي صادقة بردو كنتي هتغدري بيا.. محدش يعرف سري غيرك وهو عرفه كل الأدلة ضدك يا زينة.. يمكن قلبي مصدقك بس مش هديله فرصة أنه يخليني مضحكة الناس من تاني
لانت ملامحها وانهارت الدموع من عينيها مرة أخرى بغزارة أكبر وهي تنظر إليه برجاء:
-جبل صدقني
شدد على يدها بغضب أسفل قبضته، اخترق عينيها بعيناه الخضراء ليقول بنبرة مرهقة متألمة:
-هطلع قلبي من مكانه وادوس عليه بكل قوتي علشان ميصدقش واحدة ست مرة تانية
صاحت أمام وجهه بضراوة وهي متمسكه به لأبعد حد توضح له بحدة:
-أنا مراتك مش واحدة.. أنا مش تمارا
ابتسم ساخرًا محركًا رأسه بياس ثم صدمها بحديثه الجاد:
-تمارا كانت أحسن منك مليون مرة.. تمارا مشيت من غير أذى إنما أنتي.. أنتي طعنتيني وعلى قد الحب كان الوجع يا غزال
أكمل يقبض عليها أكثر يخرج قوته وسطوته عليها وعلى الجميع:
-بس أنا جبل العامري.. وغلاوتك عندي ما هصرخ ولا هتألم.. أنا هنا بس علشان أتعلم
حركت عينيها على ملامحه، تراودها مشاعر كثيرة أوضحها الخوف والرهبة، الخوف منه ومن فقدانه، تألمت سائلة إياه:
-عايز تعمل فيا ايه يا جبل
خفف من حدة قبضته على ذراعيها، ليحرك يده بهدوء ينظر إليها بضعف شديد غير قادر على أن يؤذيها:
-مقدرش اذيكي.. هبقى كداب لو قولت أقدر.. بقيت ضعيف بسببك.. بسبب حبك بس مع خروجك من هنا هرجع جبل اللي الكل يعرفه
استنكرت تردد:
-خروجي
قال بنبرة جافة قاسية:
-دي الأذية اللي أقدر أعملها فيكي.. هبقى مقربتش منك بس قهرتك يا زينة
أبعدت يده عنها ونظرت إليه بذهول وتحولت ملامحها تسأله بنبرة مترددة:
-أنت بتقول ايه.. ووعد وإسراء
ابتسم ساخرًا ثانيةً ليقول مهزوزًا:
-هو محدش قالك
حركت رأسها متسائلة:
-قالي ايه
تعمق في النظر إليها ليلقي عليها قنبلته الموقوتة:
-مش أنا قررت أجوز إسراء لعاصم.. ووعد بنتي مش هتطلع من هنا
تعلقت به وهي تقبض على يداه كما فعل معها تصيح بقوة وخوف:
-أنت أكيد اتجننت مستحيل اسيبك تعمل كده
استرد بخشونة على الرغم من أنه يشعر بالشفقة عليها:
-أنتي هتبقي بره يا زينة.. بره
عادت مبتعدة عنه تنظر إليه بذهول، الآن فهمت أنه لن يؤذيها ولكن يدمرها.. صاحت قائلة:
-جبل إسراء أختي أنا اختي.. مش من العامرية علشان تتحكم فيها ووعد بنتي
أجابها ببرود:
-وده حكمي
اخترقت سمعه بكلماتها القاسية:
-ظالم.. ليه مع كل الناس عادل إلا أنا
اهتاج وهو يقبض على يدها بشراسة قائلًا من بين أسنانه:
-وأنتي ليه عملتي معايا كده
صرخت بعنف بعدما نفذ صبرها:
-معملتش صدقني معملتش
بكيت بضعف والحديث بينهم مختلف والمشاعر مهتاجة ومتضاربة، خرج صوتها ضعيف للغاية راجية منه التصديق:
-والله العظيم أنا بحبك.. كل كلمة قولتها ليك صدق أنا حبيتك من قلبي ومش عايزة اسيبك عايزة أفضل معاك يا جبل.. وأنا غلطت لما كلمت طاهر عارفه بس والله العظيم ما قولتله أي حاجه عنك ده ملعوب صدقني
فكر قليلًا في حديثها، ولكن مَن مِن الممكن أن يفعلها مَن مِن الأساس يعلم بمجال عمله، نعم ربما كما قالت خطة مدروسة ومحكمة التنفيذ ولكن كيف؟ كيف عقله سيجُن أنها الوحيدة التي تعلم ولا يستطيع الشك بـ “عاصم” إنه معه في جميع الأحوال..
سألها مضيقًا عينيه عليها بقوة:
-ملعوب من مين محدش يعرف غيرك
أجابته بعدم معرفة مُتحيرة ولكنها مُتأكدة مما تقوله:
-معرفش بس اتعملت قبل كده مع عاصم يقدر يعملها معايا
عقب على حديثها بعدما عاد للخلف ينظر إليها بتركيز:
-اللي عملها مع عاصم فرح وجلال
أكملت بجدية موضحة:
-وطاهر
بقي ينظر إليها للحظات، لا يدري أهو تسرع في الحكم عليها أم أنها كاذبة مخادعة استطاعت أن تفعل به ذلك وتجعله اضحوكه أمام نفسه وأمام الجميع.. ولكن كل الأدلة ضدها.. كيف يصدق كيف
قالت بلهفة بعد أن تذكرت:
-طاهر قالي أنه جايب رقمي من جوا القصر
لن يصدقها، يحبها ويعشقها وبات عشقها يسري في أوردته ولكنه لن يضحي ببلدة بأكملها لأجل حب خادع:
-أنا حكمت.. وحكمي طول عمره بيتنفذ
جذبها من ذراعها بقوة ليسير بها مرة أخرى يخرجها من الجزيرة عنوة لم يسلك الطريق العام كي لا يراه أحد من أهلها فيصبح أضحوكة الجميع..
عارضت ما يفعله تضربه بقوة وهو يحكم قبضته عليها لا تستطيع الفرار منه تصرخ بعنف وقهر خائفة مما يفعله أنه يسلبها حياتها كلها.. ابنتها وشقيقتها وهو!..
نظرت إلى الأرض وهو يسير بها كان عليها سلاح ملقى منذ تلك المرة الأولى التي دلفت بها إلى هنا..
عمقت النظر إلى السلاح ثم إليه وهو يجذبها معه فدفعته بقوة كبيرة مبتعدة عنه لتقع على الأرضية تتمسك بالسلاح بيدها تشعره بصدمة كبيرة ينظر إليها بحدة..
رفعت السلاح وهي تقف أمامه على بعد خطوات فضحك بقوة متألمًا:
-هتقتليني
ابتسمت هي الأخرى ودمعاتها تفر من عينيها بغزارة وجهت السلاح إلى منتصف صدرها قائلة بصوت خافت ضعيف:
-هقتل نفسي
صرخ بعنف وهمجية شديدة بعدما خفق قلبه من فعلتها وارتعدت أوصاله يُشير بيده بغضب كبير محاولًا الإقتراب منها:
-سيبي السلاح بلاش جنان
انهرمت الدموع من عينيها بيأس وضعف:
-مش هسيبه.. هتفيد بايه حياتي وأنت واخد مني كل حاجه عايشة علشانها وأنت واخد مني روحي بعد ما ربنا رجعهالي
أقترب أكثر بخطوات بطيئة وعيناه متعمقة عليها يقول بلهفة وقلق:
-سيبي السلاح وهنتفاهم
حركت رأسها بالنفي تبكي بشدة وأردفت بحزن:
-أنا حاولت افهمك واوضحلك اللي حصل بس أنت مش عايز
أومأ إليها برأسه والخوف يخترق روحه فقال بهدوء ليجعلها تطمئن:
-سيبي السلاح يا زينة متعمليش كده
صرخت بعنف وهي تنتحب بشدة:
-أنت عملت كده وقتلتني وأنت مش واثق فيا
يدري أن حديثها صحيح، هو ليس رجل أحمق وليس طفل لا يستطيع التفكير ولكنه للأسف مشتت للغاية وما حدث يؤثر عليه، قال بارهاق:
-حطي نفسك مكاني يا زينة محدش يعرف غيرك
انهارت من حديثه المتهم إياها به ونظرته المشكلة بإخلاصها له فصرخت بعنف وتهور:
-يارب وعد بنتي تموت لو كنت أنا اللي قولتله أنك شغال مع الشرطة
نظر إليها طويلًا وهو يدرك مدى حبها لابنتها وتمسكها بها، إنها أم لمن المستحيل أن تدعي على ابنتها فلذة كبدها بالموت وهي بريئة
مد يده إليها بهدوء وقد أشفق عليها بسبب حالتها وهو يرى مدى تمسكها بأن تثبت له براءتها:
-هاتي السلاح يا زينة مصدقك
نظرت إلى عيناه مباشرة للحظات وهي على نفس الوضع ثم بعد أن أدركت ما به قالت بانهيار:
-لأ أنت مش مصدقني يا جبل.. مش مصدقني
تقدم خطوة واسعة منها فعادت هي للخلف فوقف مكانه وهو يصيح بنفاذ صبر خوفًا من تهورها:
-الله وكيل صدقتك خلاص.. هاتي السلاح وهنرجع نتكلم بالراحة ومش هسيبك يا زينة
تابعته أكثر بعيون متمسكة له لأبعد حد تنتظر أن يدلي بثقته الكبيرة بها وبتصديقه لحديثها فقالت من بين بكائها الحاد:
-مصدق بجد إني مغدرتش بيك.. أقسملك بالله ما عملتها أنا بس كلمته علشان يخرجني من الجزيرة ووقتها مكنتش بحبك يا جبل والله.. أنت معملتش فيا كده لما حاولت اقتلك
تنهد بعمق وزفر الهواء بقوة، وقف معتدلًا ينظر إليها بهدوء وخرج الحديث من داخل أعماقه يقول بجدية شديدة وحزن طاغي على نبرته:
-أنا مجروح.. حبيتك، حبيت بجد ومحبتش حد قدك ومن وقت ما قلبي حس وبدأ ينبض وأنا عندي نقطة ضعف اسمها زينة.. حسي بيا وقدري اللي فيه محدش يعرف غيرك يا زينة وهو عرف شغل سنين هيروح مني.. عمري كله هيروح
اجفلت بعينيها ثم سألته بعدما نظرت إليه مرة أخرى:
-أنت ايه عرفك إني قولتله كده
أشار إليها يتحدث بهدوء وهو يقترب منها ببطء:
-كلمته من رقمك وهو اللي قال
ازدادت دمعاتها وهي تكذب ما قاله له تنفي بقوة:
-والله كدب والله العظيم كدب وحياة بنتي كدب
أقترب أكثر بهدوء ينظر إليها بترقب ومد يده وهو على بعد بسيط منها يقول برفق:
-خلاص أنا مصدقك هاتي السلاح.. يلا
بقيت تنظر إليه ولم تجيبه تتمسك بالسلاح بيدها بقوة شديدة فاقترب هو منها أكثر ليحاول جذبه ولكنها متمسكه به بقوة فرفعه للأعلى سريعًا في لمح البصر عند لحظة إدراكه أنها لن تتركه.. عندما رفعه إلى الأعلى متمسكًا به فوق يدها انطلقت منه طلقة نارية تخترق سقف الممر الذي هم به وانطلقت صرخة منها توازيها في الخروج لتجد الأتربة تهبط عليهم من الأعلى..
سحب السلاح منها عندما ارتخت يدها بسبب الرصاصة وأقترب يجذبها بقوة إلى صدره يأخذها بأحضانه فلم تجد ما تفعله إلا أنها دست نفسها به تخفي وجهها عنه تبكي بقوة والدموع تنهمر منها بغزارة..
تعلم أنها وقعت بخطأ كبير عندما تحدثت إلى “طاهر” ولكنه كان في هذا الوقت الوحيد الذي يستطيع إخراجها من الجزيرة على حسب حديثه فتعلقت به وكأنها غريق وهو المنقذ.. كل هذا كان منذ فترة بعيدة ولم تخبره أي شيء عن “جبل” فكيف علم!.. يحق له أن يشك بها ولكن ليس بهذه الطريقة فهي والله لم تكذب بشيء..
شعر بأن روحه كانت تنسحب منه أمام عيناه ولا يستطيع أن يفعل أي شيء، شعر وكأن العالم يضيق من حوله والجميع يطالبون بموته..
كانت تقتله وهي لا تدري، لم يستطع أن يرفع يده عليها أو يرى الألم بها فذهبت لتفعل أسوأ شيء على الإطلاق.. إنه لا يكذب صدقها ولكن يصدق الأدلة التي أمامه.. يصدق أن لا أحد يدري غيرها ولا يستطيع أن يُخَون “عاصم” مرة أخرى.. يصدق أنها كانت تبغضه ووعدته بأن نهايته على يدها فربما كانت تريد!…
ليس غبي إلى هذه الدرجة ولكنه ضل الطريق.. سيحاول جاهدًا أن يعلم كل شيء بعيد عنها، وبعيدًا عن الشك بها، أن تقوم بالدعاء على ابنتها وتحاول قتل نفسها لأنه لا يصدقها أمر لا نقاش به.. وتصديقها بات حتمي
شدد على احتضانها وهو يقربها منه ليشعر بأنها مازالت هنا.. تلك التي أصبحت تجري داخل شرايينه..
❈-❈-❈
“صباح اليوم التالي”
دلف “جبل” إلى غرفة الصالون صباحًا مكفهر الوجه وملامحه حادة عابثة، نظر إلى “إسراء” ثم قال بصرامة:
-خدي وعد واطلعي فوق
أومأت برأسها باستغراب لتقف تأخذ الصغيرة وذهبت من الغرفة تاركه إياهم صاعدة إلى الأعلى، نظرت إليه “زينة” باستغراب ظهر على ملامحها..
قد تسائل الجميع عن ما حدث بينهم في الأمس فكذبت قائلة بأنها أخطأت بحقه كثيرًا وكان خطأ لا يغتفر ففعل بها ذلك ولكن الأمر مر عليهما.. لم يدلف حديثها عقل أي منهم ولكنهم تغاضوا عنه بإرادة منهم..
تحدث بجدية شديدة وهو يتقدم إلى الداخل ليقف أمام “وجيدة” وشقيقته ومعهم “زينة” خرج صوته بحدة:
-أنا هرجع تمارا الجزيرة من تاني
هبت والدته واقفة فجأة وكأن صاعقة ضربتها بعدما استمعت إلى حديثه لتتحول ملامحها تصرخ عليه:
-ترجع مين يا جبل أنت اتتجننت.. عايز ترجع تمارا اللي كانت هتقتل مراتك
أشار إلى “زينة” بيده ساخرًا:
-متخافيش أهي مراتي قدامك بسبع أرواح
وقفت “زينة” على قدميها والدموع تترقرق في عينيها قائلة بحزن:
-لو رجعت تمارا القصر تاني أنا اللي هامشي يا جبل
أجابها ببرود واستفزاز:
-لو عايزة تمشي أمشي أنا مش همنعك.. لكن زي ما قولتلك امبارح هتطلعي من هنا لوحدك.. بطولك
أحرقها بحديثه ولا مبالاته أمامهم فانفعلت قائلة:
-لأ يا جبل مش هامشي لوحدي أنا هاخد كل اللي ليا معايا
نظر إليها بقوة وتمعن يحتقرها أمامهم بشدة وذلك الرجل الذي كان موجود سابقًا متيم في هواها محاه وكأنه لم يكن يومًا:
-أنتي عارفه كويس أوي إنك مش قدي.. أنا قولتلك عايزة تمشي في ستين داهية بس لوحدك وإلا أنتي عارفه اللي هيحصلك
أشارت إليه والدته صاحبة الملامح القاسية الحادة تقول بعنف:
-كلمني أنا هنا يا جبل.. الكلمة كلمتي هنا وأنا قولت تمارا مش هترجع
ابتسم ببرود لوالدته ونفى حديثها بلا مبالاة قائلًا:
-تمارا هترجع.. وهتجوزها
أبعد نظرة إلى زوجته قائلًا بقسوة:
-على الأقل تمارا لما مشيت كانت مسالمة مأذتنيش مش خاينة وغداره
تذكرت ما حدث منذ الأمس إلى اليوم، لم تعد تتحمل أي إهانة منه أمامهم فقالت بنفاذ صبر:
-هو إحنا مش خلصنا من الموضوع ده حرام عليك كفاية بقى
تحدث بجدية دون إهتمام بما تقوله يلقي عليها كلمات قاسية:
-مخلصناش.. أنا مش هتغابى وهسمع كلام عقلي وأشوف الأدلة اللي قدامي واللي وصلني النهاردة يخليني امحيكي بس أنا مش هعمل كده
وضع يديه في جيوب بنطاله وأقترب يتابع ذلك البرود الذي هو عليه ينظر داخل عينيها مباشرة:
-عايزة تمشي مع السلامة يلا.. بس لوحدك
أقتربت من والدته راجية إياها بعدما اخفضت نظرها من عليه:
-طنط لو سمحتي اتصرفي أنتي معاه
أبعدت والدته نظرها من عليه واتجهت إليها هي تنظر إليها بحدة واستغراب تام، أهذا هو ابنها وهذه زوجته؟ هل هي من حسدت ما كان بينهم ليصل الأمر إلى هنا بهذه الطريقة الموجعة..
سألتها باستغراب:
-أنتي عملتي ايه
وجهت عينيها إليه بقلة حيلة لا تدري ما الذي تقوله فأجاب هو بدلًا عنها بسخرية ثم أكمل بجدية:
-ما تقولي ليها عملتي ايه يا غزال.. تمارا راجعة وأنتي تروحي تلمي حاجتك من اوضتي
أكمل بصرامة:
-لو هتقعدي هنا هتقعدي علشان خاطر بنتك ومزاجي بس
وجدها تنظر إليه بعيون حزينة، وملامح مقهورة مخذولة منه أيشعر بالشفقة عليها! أم يعود في حديثه مرة أخرى ويترك كل شيء يذهب عرض الحائط… لا سيكمل ما بدأه
اسطرد ثانيةً بقسوة:
-غير كده لأ
صاحت بغضب تجيب عليه بعدما لم تستطع مجاراة حديثه أو حتى فهم ما الذي يريده منها ألم ينتهي الأمر في المساء:
-وأنا مش هستحمل كده ومش مجبوره استحمله
ابتسم بسخرية شديدة ولم يعطي لغضبها اهتمام بجيبها بجود:
-هتستحمليه غصب عن أهلك
أشار إليها بعصبية بعدما وجدها تقف تنظر إليه بعمق وعينيها تحاكيه بكثير من القهر والألم الممزوج بحزنها منه:
-غوري لمي حاجتك من اوضتي
غادرت الغرفة سريعًا بعدما هبطت الدمعات من عينيها وهي تدرك جيدًا أن حديثه صحيح لن تستطيع الخروج من الجزيرة وهم معها إلا بإذن منه وهذا لن يحدث لن يكن هناك مجال لأن تقف أمامه تجادله وتعاديه..
أقنرب من شقيقته قائلًا:
-معاكي رقم تمارا مش كده
أومأت إليه برأسها وهي تنظر إليه بخوف وقلق فقال بجدية:
-هاتيه
أعطته الرقم تحت نظراته الجامدة عليهم فلم تستطع فهم أي شيء مما حدث بينهم ومازالت والدته هي التي تقف تتابع ما فعله بأعين حادة قاسية تصمت وتكبت بداخلها تفكر فيما يفعله أو ما فعله ويريد التكملة به.. ترى أن “زينة” مؤكد فعلت شيء بشع للغاية حتى يتحول هكذا ولكنها حتى لم تدافع عن نفسها أمامهم ولم تكابر في الحديث معه.. ولم تقول سبب ما حدث بينهم في الأمس ولم يدلف عقلها أي من كل هذا.. الأمر مريب وليس كما يبدو وعليها أن تعلم ولكن ولدها لن يتفوه بحرف معها أنها تعرفه جيدًا..
أن يجعل “تمارا” تعود بهذه السرعة!.. يتزوجها وعلم قيمتها؟ ويترك تلك التي ذاب بها عشقًا.. ابتسمت ساخرة وهي تراه يخرج من الغرفة.. أيعتقد والدته طفلة بلهاء حتى يدلف عليها هذا الحديث ولكن صبرًا كما يقولون للحديث بقية ولن تكن هذه النهاية من المستحيل أن تجعل “تمارا” زوجة له من هنا سيبدأ الخراب أن حدث وستبتعد حفيدتها عنها عنوة عن الجميع.. صبرًا
❈-❈-❈
تحدث مع “تمارا” بعدما أخذ رقم الهاتف الخاص بها من شقيقته، قدم إليها الكثير من الاعتذارات عن كم كان قاسي معها وتناسى كل ما كان بينهم لأجل تلك الغريبة التي اقتحمت عالمه دون إنذار..
قابلته بالسعادة الخالصة متعلقة في شباك غرامه الذي عبر إليها عنه من خلال المكالمة ولم تكذب الخبر ووافقته على كل ما يريد وطالبت هي بالعودة إلى الجزيرة مرة أخرى لتسترد حقها بعدما أعطاه إليها كامل..
قد كان بعد ساعات مرت أرسل رجاله إليها ليعودوا بها إلى الجزيرة مرة أخرى..
وقف أمامها في المكتب بعدما عادت تنظر إليه بحزن اجادت تصنعه جيدًا تقول:
-أنا زعلانه منك أوي يا جبل
بدى وكأنه رجل مُسالم للغاية يتحدث برفق معتذرًا وملامحه هادئة:
-أنا آسف.. أنا مكنتش عارف قيمتك يا تمارا كل اللي عملته معاكي كان من حرقتي علشان مشيتي وسيبتيني ولما رجعتي كانت زينة معايا بس خلاص
علقت عينيها عليه تسأله بلهفة:
-خلاص ايه
أمسك يدها بين يديه بحنان بالغ ونظرته نحوها تحمل الأسى والندم:
-أنا عرفت قيمتك.. تمارا
أكمل بحزن شديد:
-تمارا زينة خانتني وغدرت بيا وأنتي عارفه الخيانة عندي ديتها ايه
سألته وهي تقترب منه للغاية متعلقة بعيناه وراق لها كثيرًا رؤيته هكذا محب مسالم حزين من أخرى يلقي بنفسه بين أحضانها فاستغلت الفرصة قائلة:
-وهي لسه هنا ليه يا جبل أنت عمرك ما سامحت حد خان
دقق النظر بها وأردف بجدية بعدما زفر بضيق:
-أنا مش عايز اقتلها.. اللي عملته قهرها أكتر أنا كنت هخرجها من الجزيرة لولا أمي رفضت خروجها علشان وعد
ترك يدها واستدار يعطي إليها ظهره قائلًا بشر:
-استني بس عليا أنا بحضرلها مفاجأة يا تمارا
أقتربت منه تضع يدها على كتفه تسترق السمع لحديثه بتركيز شديد متسائلة باستغراب:
-ايه
استدار ينظر إليها بقوة يجيبها بجدية:
-هخليها تتنازل عن كل حاجه ليها هنا حتى بنتها وهطردها من الجزيرة كلها زي ما عملت معاكي وهجبلك حقك..
أكمل ناظرًا إلى داخل عينيها بعمق وآسف نادمًا على كل ما بدر منه تجاهها:
-أنا آسف سامحيني أنا دلوقتي بس عرفت إني ماليش غيرك على الأقل أنتي بنت عمي اللي متربية معايا.. عمرك ما هتغدري بيا
اقتربت منه للغاية تجذبه لتحتضنه بحب والسعادة ترفرف داخل قلبها مبتسمة باتساع وتشفي:
-أنت بتقول ايه يا جبل أنت حبيبي.. أنا أبيع نفسي وأنت لأ
رفع يده يبادلها العناق وقال بثقة:
-عارف.. علشان كده عايزك تسامحيني
أومأت إليه برأسها ومازالت محتضنة إياه:
-سامحتك
سألها برفق:
-هتستحملي معايا لحد ما أخرجها من هنا واتجوزك
أومأت محركة رأسه عليه بقوة تؤكد بثقة كبيرة:
-طبعًا يا جبل أكيد
لم يأخذ وقت في إقناعها بأنه نادم، ولم تأخذ وقت في العودة إلى الجزيرة، شعرت أن الحياة تبتسم إليها مع “جبل” من جديد لتسرق منه الفرصة التي من الأساس هو قدمها إليها على طبق من حديد قاسي معتقدة أنها عادت مرة أخرى إلى الجزيرة تسترد أملاكها بها.. القصر والجزيرة و “جبل”.. والكلمة وكل ما أخذته “زينة” منها لتبقى هي سيدة القصر وزوجة “جبل العامري” لتتمتع بالنفوذ والجاه وكل شيء يملكه هو بعدما علمت أنها أخطأت في تركه..
ذهبت في أول مرة بكامل إرادتها وفي المرة الثانية عندما ذهبت عنوة كانت على علم أنها ستعود بإرادته..
ابتسم هو ومازال محتضنًا إياها يشدد على عناقها يقربها منه أكثر بعدما أبعد “زينة” عنه ليستطيع أن يرى الحقيقة بعيدًا عن ذلك الحب الذي شوش قلبه وبدأ في تخريب حياته وتدميرها..
نظر إلى الخارج عبر باب المكتب الذي كان مفتوحًا ليرى “زينة” تنظر إليه بحقد دفين وشر لا نهاية له ولو وقع بين يدها الآن ستقتله دون شفقة أو رحمة.. رأى الغيرة واضحة بعينيها والحزن قابع بقلبها ولكنه مخفي عنه..
ابتسم إليها باتساع يتشفى بها يقترب من “تمارا” أكثر يحرك يده على ظهرها لتنظر الأخرى إليه بكره أكبر لما يفعله ثم سارت مبتعدة قبل أن تنفجر به وبها وتقلبها رأسًا على عقب..
❈-❈-❈
دلفت “تمارا” إلى غرفة “جبل” في المساء لتجد “زينة” مازالت تجمع في أغراضها نظرت إليها بشماته وتشفي وخرج صوتها باستهزاء:
-ايه ده زينة أنتي لسه هنا.. هو مش جبل حبيبي قالك تخرجي من اوضته.. علشان هتبقى بتاعتنا إن شاء الله بس أنا مش هدخلها على نفس العفش ده..
تركت “زينة” ما بيدها وهي تزفر بضيق تستغفر ربها مطالبة بالثبات والهدوء كي لا تأتي لها من خصلات شعرها:
-أنتي ايه دخلك الاوضه اطلعي بره
سارت بغنج واضح قائلة ببرود:
-السؤال ده المفروض أنا أسأله دي بقت اوضتي أنتي لسه هنا ليه
استدارت لتجذبها من يدها بعنف وقوة تقبض عليها بشراسة وهي لا تحتمل الحديث مع أحد يكفي ما مرت به اليوم، صرخت بوجهها:
-بت أنتي اطلعي بره وإلا والله العظيم هزعلك
دفعتها بعنف للخلف وتحولت نظرتها إلى الكره الشديد والغضب الذي سيفتك بها قبل أي أحد، تحدثت بشر قائلة:
-تزعلي مين يا بت أنتي.. أنا لو قولت يا جبل دلوقتي ونزلت دمعتين هيجي يفرمك ويرميكي بره..
قطبت جبينها ثم تحدثت ضاحكة بقوة:
-وده من ايه إن شاء الله
وضعت “تمارا” يدها الاثنين أمام صدرها قائلة بتعالي وإهانة واضحة ترسلها إليها من خلال نظراتها وحديثها المهين:
-مبقاش عايزك ولا بيحبك ولا بيطيقك.. عايزني أنا بنت عمه وحبيبته.. آه وكمان مش خاينة وغداره
وقفت “زينة” تماثلها تنظر إليها مبتسمة بغل تود الفتك بها الآن والندب عليها وكأنها كانت من الغوالي ولكن هذا لم يحين وقته إلى الآن فقالت مدافعة عن حقها به:
-وهو لو مش بيحبني سابني هنا ليه
أجابتها ببرود:
-علشان بنتك مرات عمي عايزاها
ابتسمت باتساع قائلة بمكر وخبث ومازالت تتمسك به إلى أبعد حد:
-يعني مش علشان هو عايزني
أشارت إليها بأصابع يدها وهي تبتعد تسير في الغرفة تشير إليها بكراهية وبغض:
-تؤ تؤ.. علشان بنتك.. جبل رجعني علشان نتجوز بس لسه شوية كده يكون خلص من أشكالك
صرخت “زينة” بها ولم تحتمل الحديث أكثر من ذلك، أنه لحديث أطفال ليس به أي شيء نافع أنها تريد أن تكيدها وهي لا تستطيع الإجابة عليها بصدق ووضوح:
-اطلعي بره يا بت
ذهبت تجلس على المقعد واضعة قدم فوق الأخرى تبصرها بتشفي قائلة ببرود:
-مش طالعه قولتلك دي مبقتش اوضتك يلا أنتي لمي حاجتك وخلصينا
أقتربت منها الأخرى بعدما نفذ صبرها تجذبها عنوة عنها لتقف على الأرضية رغمًا عنها تصيح بها وهي تقبض عليها بعنف وشراسة:
-والله يا تمارا هزعلك
رفعت أحد حاجبيها ثم أبعدت يدها عنها بالقوة وقالت مرددة باستنكار:
-تزعليني؟ طب ماشي
رفعت يدها ولطمت وجهها بعنف وقسوة فتركت علامات أصابعها على وجهها ثم صرخت بعنف وقوة تبكي وهي تضع أظافرها في لحم ذراعيها تخدشهما بعنف تحت نظرات “زينة” المستغربة منها ومما تفعله ولكنها أدركت سريعًا ما تريده..
وقفت مبتسمة بهدوء تبصر ما تفعله إلى أن أتى “جبل” يدلف إلى الغرفة هلعًا خوفًا من أن تكون فعلت بها شيء مرة أخرى..
أقتربت منه “تمارا” تلقي نفسها داخله تبكي بقوة وصوت مرتفع تقول وشهقات بكائها تقاطعها:
-شوفت عملت فيا ايه.. ضربتني وبهدلتني يا جبل
رفع نظره من على “تمارا” إلى “زينة” التي كانت تقف ضاحكة لا يهمها أي مما تفعله ولكنه تبدلت ملامحه من الاستغراب إلى القسوة الشديدة.. تطلق ملامحه عليها شر لأ نهائي وهو يربت على ظهر “تمارا”..
بقيت تتابعه مبتسمة بلا مبالاة وهو يبادلها الشراسة والغلظة بنظراته ولكن العيون داخلها يتبادل غير ذلك.. والقلوب تهتف بترابط غير ذلك.. فما يصدر عنهما أمام الجميع ليس هو ما تحمله الأرواح والقلوب..
ربما حب مغلف بشر لحمايته، ربما قوة تتخفى بضعف لتجنب المعركة.. ربما كثيرًا وكثيرًا بينهم مخفي..
صرخ “جبل” بصوت مرتفع حاد ينظر إليها بشراسة بعدما أبعد “تمارا” عنه:
-اعتذري حالًا
تابعته بنظرات باردة تبادل نيرانه المشتعلة بمحيط جليدي، رفعت يدها الاثنين أمام صدرها لتقف قائلة بعناد:
-مش هعتذر.. هتعمل ايه
أقترب منها بخطوات بطيئة وعيناه مثبتة عليها بتمعن وتركيز، وقف أمامها وذهب بنظره إلى “تمارا” ثم عاد إليها مرة أخرى ليهبط على وجنتيها بصفعة مدوية اتتها منه دون سابق إنذار، وضعت يدها على وجنتها التي لطمها وبقيت ناظرة إليه بقوة وصدمة عينيها متسعة عليه بغرابة شديدة لا تصدق أنه فعل ذلك لأجل تلك الخائنة..
❈-❈-❈
يتبع…