رواية شعيب ولتين الفصل التاسع عشر 19 بقلم شيماء عصمت
في صباح اليوم التالي .. في قسم الشرطة
جلست بتوتر أمام الظابط الذي هتف بصوت غليظ: خير ياست؟ بَلَغني إنك عايزاني
أجابته بإرتباك: أنا جاية أعمل محضر في حد زق عمـاد توفيق مهران من على السلم وكان قاصد يقتله
أنصت إليها الأول بإهتمام ثم تم إعداد بلاغ ضد الجاني .. وتم إرساله إلى النيابة العامة ومن هنا بدأت الإجراءات والبحث النيابي في قضية قتل مع سبق الإصرار والترصد!..
×××××××××××
كانت نائمة بين ذراعيه بوداعة وإطمئنان .. ملامحها مسترخية وشعرها منسدل بدلال
رمقها بوله وعشق أضناه .. متى تحن تلك القاسية وتبادله نفس المشاعر؟ متى تدرك عذابه ولوعته في فراقها وحتى وصالها! وكأنها خُلقت ليحترق بنيرانها!..
تنفس بعمق مؤلم .. آثار جروحها رآها ليلة أمس وليته لم يفعل .. قبضة ثلجية أعتصرت قلبه وهو يراها .. كانت جروح قديمة عفى عليها الزمن.. لكن من إجفالها وبكاءها ليلة أمس بعدما أدركت أنه رآهم جعلته يدرك مقدار ألمهم داخل روحها .. شروخ تركها الحقير عمـاد .. شروخ شوهت روحها وقلبها الجميل.. ليته إعترض على زواجها من عمـاد منذ البداية .. ليته منعها ولو بالإجبار ولكن مهما حدث فهو قدر ومكتوب
رمشت بأهدابها عدة مرات قبل أن تفتح جفونها بنعاس. إنتبهت لوجود شعـيب الذي يحيطها بذراعيه إبتسمت بخجل وإحراج قائلة: صباح الخير
بادلها الإبتسامة: صباح النور على أحلى عيون
ضحكت لتيـن بخجل وحاولت الإبتعاد ولكنه منعها بإصرار قائلاً بخشونة: خليكِ جنبي عايز أحس بوجودك معايا
اتسعت إبتسامتها ورمقته بإنبهار وكأنه كائن لم ترَ له مثيل من قبل .. ليلة أمس شعرت بمشاعر لم تختبرها من قبل. كان يعاملها برقة وكأنها مصنوعة من زجاج .. رأى ندوبها وتعامل معها بطريقة جعلتها تتشبث به ترفض إبتعاده فزاد من وصلة غرامه وازدادت تعلقاً به
أفاقت من شرودها على لمساته التي زادت جرأة فهتفت بإعتراض واهن: شعـيب
عانقها بقوة قبل أن يقول بخشونة: عيون شعـيب
ضاع إعتراضها وسط دوامة مشاعره فانسجمت بها معه ..
×××××××××××
في المستشفى
صرخ عمـاد بهياج: قولت مش عايز أشوف حد سيبوني لوحدي
هتفت وفـاء ببكاء: يا ابني الله يهديك إهدى هنسيبك إزاي بس؟ أنتَ مش شايف الحالة اللي أنتَ فيها! هتعمل أيه وأنتَ لوحدك؟
إزداد غضبه أضعاف مضاعفة من تلميح والدته بعجزه فصرخ بقوة أجفلتها: أنا مش محتاج مساعدة من حد مش محتاج أي حد إرحموني بقى وسيبوني لوحدي
هتف توفيق بغضب رغم تلك الغصة التي تخنقه:إحترم نفسك وأنتَ بتكلم أمك يا عمـاد ده جزاءنا إننا جايين نطمن عليك؟ نقف جانبك في محنتك
هدر بيأس: أنتوا ليه مش فاهمني أنا مش عايز حد مش عايز أشوف حد فيكم أنا .. أنا
صمت بعجز يبتلع غصة بكاء تخنقه .. كيف يشرح لهم شعوره! يخجل من كرمهم معه يخجل أن يروه بهذا الضعف هو لا يستحق تلك المعاملة الطبية! هو يستحق ما حدث له يستحق أكثر من هذا بكثير ، يستحق هذا الإبتلاء فوالله ذنوبه كثيرة كثيرة لدرجة تؤلمه
أفاق من شروده على صوت مـازن الذي قال لوالديه بهدوء: لو سمحت يا حاج خد أمي و روح وأنا هنا معاه مش هسيبه لحظة اتطمنوا
رمقه توفيق بقلق فأكد مـازن بثقة: أطمن والله عيني عليه دايما وهبلغك كل حاجة أول بأول
أومأ توفيق بالموافقة وهو يشعر بالثقل قبل أن ينسحب مع وفـاء التي رمقت عمـاد بنظرات جائعة ملأها الخوف والقلق وعينيها لم تتوقف عن ذرف الدموع قط
××××××××××
مرت الأيام وعماد مازال يرفض رؤية الجميع ماعدا مـازن الذي كان يرافقه كظله وكم كان ممتناً له ولكنه بالطبع لم يظهر ذلك! ولكن مـازن كان يعلم من نظرات أخيه وعدم معارضته البقاء معه
كان مـازن يقيم أغلب الوقت داخل المستشفى حتى عمله تركه وكم كان يشتاق لـتقى ورؤيتها ولكنها كانت دائماً على تواصل معه عبر الهاتف تتحدث معه ليلاً حتى يغط في سبات عميق
وكم كان حديثها يبث فيه القوة والتفاؤل والقدرة على المتابعة .. لم تتذمر ولم تشكُ غيابه كانت متفهمة داعمة بشكل يستحق الثناء
×××××××××××
مر أكثر من ثلاث أسابيع تبدلت خلالهم علاقة لتيـن بشعـيب أصبحا أكثر قربًا يقيمان في نفس الغرفة كأي زوجين طبيعيين
كعادتها كل صباح كانت لتيـن تساعد شعـيب بارتداء ملابسه .تهتم بكل صغيرة وكبيرة تخصه وكم أسعده هذا
هتف شعـيب بغرور مصطنع بعد إنتهاءه من إرتداء الملابس: ها أيه رأيك؟ زي القمر مش كده؟
إبتسمت لتيـن برقة قبل أن تقول: مش بطال .. حلو
رمقها بنظرات ذات مغزى قبل أن يحيطها بذراعيه قائلًا بخشونة: مش بطال؟ أنتِ متأكدة من الكلام ده؟
لفت ذراعيها حول عنقه بدلال داعب مشاعره: عايزني أقولك إنك أحلى من القمر يعني؟ للأسف مقدرش أخدعك
إرتفع حاجبه الأيسر قائلًا بشّر: لا والله؟!!!
اقتربت بوجهها تقبّل ذقنه الغير حليقة قائلة بمُهَاوَدَة: أنتَ حقيقي أحلى من القمر يا شعـيب .. أنت أحلى حاجة في حياتي
طالعها بإفتتان وذراعيه تعتصرها بخشونة أصبحت محببة لها قائلاً: بركاتك يا ست الدكتورة واضح إن سرها باتع
إبتسمت بحبور وهي تتذكر طبيبتها النفسية "غادة" التي تتابع حالتها من بعد حادثة عمـاد صحيح أنها لم تشفَ بالكامل ولكنها تحسّنت كثيراً تشعر بروحها حرة طليقة
أفاقت من شرودها على تذمر شعـيب فهتفت بهدوء: يلا ياشعيب يا ابني اتأخرت على الشغل بقيت كسول أوي الناس تقول إيه بس
لم يبتعد بل اقترب منها أكثر قائلًا بشغف: هيقولوا مراته سرقت قلبه والمسكين مش قادر يبعد عنها
همست بحبور ذاهل: شعـيب أنا فعلًا ملكت قلبك
تأوه بعذاب عشق أضناه قائلًا: أنتِ مالكة القلب والوجدان أنتِ ضلع من ضلوعي .. أنتِ روحي اللي ما صدقت رجعتلي
لتيـن بإنبهار: شعـيب
وتاهت حروف اسمه بين شفتيه ينهال منها ترياق الحياة
×××××××××××
كانت تعيش على أعصابها حتى أُهلكت .. كان الخوف ينهشها دون رحمة .. وكأنه يقتلها ببطئ
تنفست نـورا بإضطراب وهي تقضم أظافرها بتوتر متى ينتهي هذا العذاب الذي تحياه .. كل دقيقة تمر يزداد رعبها .. فعمـاد صامت حتى الآن لم يتكلم ولم يخبر أحداً عنها وهذا ما يقلقها!
أَمن الممكن أن يتعمد تركها تتراقص على مخاوفها! أم يخطط لشئ ما!!
مر شهر وهو صامت يرفض رؤيتهم جميعا هل ينوي أذيتها! فبعد إصابته بـعجز بِكلا قدميه لن يصعب عليه كشفها أمام الجميع .. فقد خسر كل شيء وبالتأكيد سيسعى حتى تفقد هي كل شيء!!
اللعنة صرخت بغضب جم ، كل شيء خرج عن مساره الصحيح .. كل مخططاتها انهدمت فوق رأسها
همست نورا بشراسة: عمـاد لازم يسكت لازم يسكت ولو غصب عنه دا عارف عني بلاوي ولو بس قال إني قتلت زهرة هروح في ستين داهية .. عمـاد لازم يسكت للأبد حتى لو اضطريت أقتله .. مستحيل أخليه يفضحني مستحيل
أسرعت ترتدي ملابسها تنوي زيارة عمـاد في التو والحال
×××××××××××
انتفضا معًا على صوت طرق قوي على الباب أفزعهم فأسرع شعـيب نحو الباب وهو يفتحه قائلاً بغضب: في إيه؟
اتسعت عيناه بـمفاجأة وهو يجد ظابط شرطة ومعه عدد لا بأس به من العساكر يقول له: أنتَ شعـيب سـالم مهران؟
أجابه شعـيب: أيوه أنا!
ارتدت لتيـن حجابها كيفما اتفق وأسرعت تقف جوار شعـيب وقد سقط قلبها بين قدميها وهي ترى رجال الشرطة
قال الظابط بمهنية: معانا أمر بالقبض عليك بتهمة الشروع في قتل عمـاد توفيق
صرخت لتيـن بوجل صرخة وصلت للجميع
رمقها شعـيب قائلاً بصرامة: أدخلي جوه حالا
هزت رأسها نافية ودموعها تتساقط على وجنتيها.. بصعوبة بالغة أبعد نظراته عنها