اخر الروايات

رواية المعاقة والدم الفصل التاسع عشر 19 بقلم هناء النمر

رواية المعاقة والدم الفصل التاسع عشر 19 بقلم هناء النمر




فى نفس الوقت أو قبلها بساعتين اى فى حدود العاشرة مساءا ، خرجت رانيا من غرفتها وهى قلقة ، متجهة ناحية باب الشقة لترى من يدق بابها فى هذا الوقت ،

رفعت غطاء العين الخفية لتجد وجهه أمامها ،حقا انه هو ،
فتحت الباب ووقفت مجمدة أمامه دون أن تنطق بكلمة ، ولا تعرف حتى لماذا أصيبت بهذه الحالة من رؤيته ،
قال هو مبتسما ... مفيش حمدالله على السلامة ، أو حتى اتفضل ولا انا خلاص بقيت غريب ...

أشارت بيدها للداخل وهى تفسح له الطريق ليدخل ، اغلقت الباب والتفتت وعينيها تتبعه وهو يتتطلع حوله يمينا ويسارا على دواخل الشقة ، ثم استدار لها و قال
... وحشتينى ...

رفعت حاجبيها مندهشة وقالت ... وحشتك !

قال مؤكدا ... ايوة وحشتينى ، بقول حاجة غريبة ..

... دى أغرب حاجة سمعتها منك لحد دلوقتى بصراحة ، بس مفيش مشكلة ، حتى الأصحاب بيوحشوا بعض ، عادى يعنى ...

تساؤل مستنكرا. .. هو احنا أصحاب ؟

... لا طبعا ، إحنا اتنين متجوزين برتبة أصحاب ، كبر دماغك ، اتفضل اقعد ، واقف ليه ...

... ممكن تتفضلى ، عايزة أتكلم معاكى لو سمحتى ...

اتجهت لأقرب كرسى وجلست ، واختار هو أقرب كرسى لها وجلس هو الآخر ،

... رانيا ، انا اسف على طريقتى فى الكلام معاكى يوم حفلة أميرة ، حقيقى آسف ، انا بس كنت متعصب جدا ، ومدايق انك خبيتى مش اكتر ...

.. ليه ؟

... هو ايه اللى ليه ؟

... مدايق ليه ، ايه اللى دايقك فى انى اخبى ، انا اعرف عنك ايه ، انت بتبلغنى دايما بعد ما تقرر وتنفذ كمان ، ممنوع انا اعمل كدة ، بالمثل يانادر ...

.. ارجوكى متصعبيش الموقف اكتر من كدة ..

... بالعكس ، انا بسهله جدا ، بحاول افك تعقيداته ، لأن الشخص الوحيد اللى تعب من التعقيدات دى ، انت ليك طريقة معينة فى التعامل ، وأنا ليا طريقة تانية ، والاختلاف ده تعبنى انا ،
قررت انى أتعامل مع كل شئ بطريقتك انت ...

... بس ده غلط ؟

... هو ايه اللى غلط ، طريقتك؟

... أقصد غلط انك تغيرى طريقتك لطريقتى انا ...

... مبقتش تفرق اصلا ...

... يعنى ايه ، مش فاهم ...

... يعنى مش محتاجين نجبر نفسنا على الوضع ده اكتر من كدة ، مبقاش فى سبب ،
أميرة وبقت كويسة والحمد لله ،
كل واحد يختار طريقه وطريقته فى التعامل براحته بقى ...

... أنتى شايفة كدة ...

... طبعا ، وكان ده إللى مفروض يتم من زمان ، بمجرد ما سافرنا ، وكنا هنشترك فى رعاية البنت برده ، 7 سنين كتير اوى ، كفاية كدة ...

لم يعد قادرا على الرد بكلمة ، كل الكلام الذى جهز فى عقله ليقوله ، ذهب أدراج الرياح بعدما قالته الآن ، ظل يتأمل وجهها لثوانى وهى صامتة منتظرة رده على ما قيل ،

... يعنى عايزة تطلقى. ..

... أنا متجوزتش أساسا عشان أطلق ، ده عقد كتبناه سوا من سنين ، إحنا بس هننهى العقد ده ، وياريت فى أقرب وقت ممكن عشان اشوف انا هعمل ايه ...

انتفض واقفا وعينيه لا تفارق عينيها ،
يعلم جيدا ان رانيا قوية جدا وتمتلك قدرة السيطرة على نفسها ، لكن هذا لم يكن ابدا معه ، كانت مختلفة تماما عندما يخلو المكان حولهم من البشر ، كان لا يرى فى عينيها إلا أمرأة فى حضرة رجل ترغبه ، صحيح أن أفعالها بعيدة تماما عن ذلك ، لكن هو يمتلك القدرة على التفريق بين هذا وذاك ،
لماذا الآن ، لماذا تغيرت ، هل فقدت فيه الأمل إلى هذا الحد ،

تابعت بتقريرية تامة وتماسك مما أخرجه من سيل أفكاره
... العقد ده عقبة فى طريقك زى ما هو فى طريقى ، خلينا نشيل العقبة دى عشان نقدر نكمل ...

... اشمعنى دلوقتى ، فى جد دخل حياتك ؟

... وايه المانع ، عندى مشكلة تمنع ده ؟

... واضح انك مجهزة كل حاجة من زمان يارانيا ...

... دى مش مشكلتك يانادر ، دى حياتى انا وانا حرة فيها ...

سكت لثوانى كمن يجمع شيئا ليقوله ثم قال

... يعنى انا اتأخرت اوى ...

..، فى ايه ؟

... رانيا انا ، أقصد ، انا وانتى ، يعنى ...

... أتكلم على طول ، انا سامعاك ...

بدأ يغضب ويرفع صوته وهو يقول
... بطريقتك فى الكلام دى مش هعرف اقول حاجة ...

... طريقة ايه ؟

...بتتكلمى ببرود كأنى اللى بقوله مش فارق معاكى اصلا ...

... من بعض ما عندكم دكتور نادر ...

... رانيا ، ارجوكى ..

... خلاص خلاص ، اتفضل ، قول اللى انت عايزه وانا هسكت خالص ...

... رانيا ، انا بس جيت هنا عشان انتى وحشتينى ، حاسس أن كل حاجة بقت مش مظبوطة كن غيرك ، مش قادر ادخل البيت وانتى مش موجودة ...

... كل ده كويس ، ليه بقى ؟

... هو ايه اللى ليه ؟

... جاى ليه دلوقتى ؟ عايزنى ارجع أكمل الديكور اللى نقص تانى ؟

... رانيا ...

وقفت من غضبها وتابعت كلامها ووقف هو تباعا

... ومتدايق من البرود فى صوتى ، أنت شايف نفسك الأول بتتكلم ازاى ، كأنك راجع تشترى تحفة راحت من بيتك والديكور ناقص من غيرها ،
كلام مجهزه وبتقوله و مش حاسة منه اى حب أو حتى افتقاد زى ما انت بتقول ...

حاولت التمالك وبدأت فى تهدئة نبرة صوتها وقالت
...اسمع يانادر ، انا عارفة أن جواك حاجة مش قادر تقولها أو توصفها ، انا حاسة بيها من فترة ، وأنا كمان جوايا حاجة تشبهها ، بس الفكرة أن انا اصلا مش قادرة أحدد هى ايه ،
بس الهدوء والبرود ده مينفعش ، إحنا اتشغلنا فى أميرة اكتر من خمس سنين ، مفوقناش غير آخر سنتين ، مبدأتش انا أركز معاك ومع الاختلافات اللى بينا دى غير آخر سنتين بس ،
لقيت حاجات متخيلتهاش ، قمة فى تبلغ الإحساس والميكانيكية الغريبة اللى انا مش فاهماها اصلا ، وده مش هينفعنى فى الوقت الحالى ،
انا عديت التلاتين يانادر ، مبقاش فى وقت الهدوء دى ، السنين اللى جاية عايزة أعيشها وفى نفس الوقت اعوض فيها السنين اللى فاتت ،
وبطريقتك دى ، اللى ممكن اعيشه فى يوم ، انت هتعيشهولى فى أسبوع ، دا اذا حصل يعنى ،
أرجوك يانادر ، خلينا ننفصل بهدوء ، وكل واحد فينا يشوف طريقه احسن ...

طوال مدة كلامها وعينيه متسعة على آخرها ، لا يصدق كل ما تقول ، هل كانت تحمل كل هذا داخلها وهى صامتة ،
انتهت من حديثها وانتهى هو أيضا من كل ما كان يحمل من كلام ، انسحب وخرج وأغلق الباب دون أن ينطق بكلمة ،
أما هى ارتمت بجسدها جالسة لا تصدق هى الأخرى كل ما قالت ، والتى لم تتخيل ابدا ان تقوله ، وله هو بالذات .

.............................................

استيقظت أميرة بعد التاسعة صباحا على مكالمة من كريم ، يطمئن عليها ويؤكد عليها موعد زيارة المصنع ، والعشاء ،

تناولت إفطار خفيف ، وارتدت ملابس كاجوال بسيطة مكونة من بنطلون جينز اسود وبلوزة قطنية بيضاء بثلاثة أرباع كم ،
مرت على الاستقبال وطلبت سيارة خاصة بدون سائق ، سوف تقودها هى ،
وافق موظف الاستقبال واخبرها انه سوف يتم تجهيز السيارة فى خلال 10 دقائق ،

خرجت متجهة للحديقة تحت اعين موظف الاستقبال الذى تعود تبليغ اخبارها ، جلست على أحد الطاولات فى الحديقة تتابع المارة أمامها وعقلها شارد فى وجهتها التى قررت الذهاب اليها ،
داخلها نداء قوى لا تستطيع مقاومته لرؤية هذا المكان مهما كانت العواقب ،

استقلت السيارة واتجهت لخارج الفندق وهى تسير ناحية وجهة معينة ، لم تكن على علم بالطريق ، انما تسير وفق ذكرى بسيطة داخل عقلها عندما كانت داخل السيارة التى تعود بها من المركز ،

وبالفعل وصلت للمكان الذى أرادته ، توقفت بالسيارة بعيدا نسبيا حتى لا يلاحظها أحد ، رغم أن المكان يبدوا خاليا تماما من البشر ،
وقفت لأكثر من نصف ساعة تتأمل المنظر العام للمكان الذى لطالما حلمت بالعودة اليه مشيا على قدميها ، وها هى الان كما ارادت بل اكثر ،
اقتربت من البوابة الحديدية الكبيرة المغطاة بالاتربة والمغلقة باحكام بأقفال حديدية كبيرة ،
ما هذا الهدوء الغريب ، لما باب البيت بهذا الشكل ، هل هجروه ولم يعد يعيش فيه أحد ،

تأملت الطريق من خلف البوابة لثوانى ، ثم تلتفت حولها لتبحث عن أى شخص فلم تجد ،
وفجأة أمسكت بأحد أعمدة البوابة وبدأت تسلقها برشاقة كأحد محترفى السرقة حتى وصلت لآخر ارتفاعها ، انتقلت للجانب الآخر وبدأت التسلق لأسفل ، وصلت للأرض وهرولت متعددة عن خلفية البوابة حتى لا يراها أحد ،
تلفتت حولها ، وجدت الحديقة مهملة تماما ، الأعشاب فى كل مكان وأغلب الأزهار التى تعودت رؤيتها من بعيد قد زبلت وماتت ،اتجهت لمبنى الفيلا الداخلية سيرا على قدميها ، رغم بعد المسافة والوقت الذى استغرقته فى الوصول ، إلا أنها لم تصب بأى تعب ، فهى رياضية من الدرجة الأولى ، إلى جانب انها كانت تتأمل فيما حولها أثناء سيرها وهى شاردة ، وليس فى ذكرياتها فى هذه الأماكن ، فهى لم ترها إلا وهى فى السيارة اثناء الذهاب والعودة من المركز الذى كانت تقطنه،
وصلت للمبنى ، تأملت البناية الشاهقة بملامحها التى بهتت من الأتربة التى غطتها وهجر أصحابها لها ،
بدأت تتفقد كل الأماكن والغرف التى لم تدخلها من قبل ، بداية من المضيفة الخارجية مرورا بغرفة المكتب والغرف المجاورة ، وصعودا بكل دور على حده ، حتى وصلت للدور الذى كانت تقطنه والذى يقع فيه غرفة والدها ووالدتها ،
دخلت أولا غرفة والدها ، يبدوا أن الغرفة قد تم تجديدها وتجهيزها بشكل أحدث مما تذكر ،

ابتسمت بسخرية ، فقد توقعت أن تكون الغرفة قد جهزت لتكون غرفة له ولعروسه الجديدة التى اختارها ووالدتها على سرير الموت ،

وأخيرا وصلت للسجن الخاص بها أو هكذا كانت تسميه ، غرفتها التى ظلت حبيسة لها لسنوات ،
فوجئت بما رأته ، كانت الغرفة كما تركتها تماما ، لم يتغير بها اى شئ على الإطلاق ، حتى نفس فرش السرير الذى تركته فى اخر ليلة لها هنا ، هى تذكره جيدا ، فهو الفرش الذى نسجت عليه أمها اسمها بيدها ، لكن لماذا ؟

نفضت التراب من على السرير وجلست على حافته ، تتحسس اسمها المنسوج على الملاءة المفروشة ،
لم تشعر إلا ودموعها تسيل عل خديها دون أدنى قدرة لها فى السيطرة عليها ،
رفعت يديها الاثنين وغطت بهما وجهها وتركت العنان للحظات من النحيب الصامت حتى هدأت وحدها ،

لم تثنيها هذه اللحظات عن ما تريد ، بل زادتها أصرارا عليه ،
رفعت رأسها بيقين وثقة بنفسها كما تعودت ، ثم قامت وهمت بالخروج ،

تجمدت تماما مكانها واتسعت عيناها عندما فوجئت بمن يقف أمام الباب بأريحية وكأنه يراقب الموقف من بدايته ،
تقدم منها بعض خطوات حتى أصبح الفاصل بينهما خطوتين لا أكثر وقال

... كنت واثق أن فى حاجة غلط ، فيكى حاجة غامضة انا مش فاهمها ، سألت عنك كتير هناك محدش عرف يساعدنى بحاجة ، قلت اجيبك مصر ، هنا هقدر أتصرف معاكى وافهم ايه الحكاية ،
شفتك مع نادر سلام وهو خارج من شقتك ، ودلوقتى دخلة بيت السلامية القديم وقاعدة فى اوضة بنتهم اللى ماتت وبتعيطى ،
انتى ايه حكايتك بالظبط ؟ انتى مين ؟

تمالكت أميرة نفسها وقالت وهى تهم بالمرور من جانبه ... مفيش حكاية ، اعتبر نفسك مشفتش حاجة ...

قبض على زراعها وهى تمر من جانبه ومال عليها بعض الشئ وقال
... يبقى نحكم السلامية نفسهم فى الموضوع ، اروح لكبيرهم وابلغه بالحكاية دى كلها وهو يتصرف ، وصدقينى ده عنده هسهس من اللى يقرب من عيلته، مبيترددش يعمل اى حاجة ...

تطلعت إليه بغضب مستتر ، بالطبع يقصد بكبير السلامية ، محسن ، الذى أصبح هذه الأيام هو كبير العائلة لما يمتلكه من أموال ،
وبالطبع لا يصلح ابدا ان يشك محسن بأمرها بأى شكل من الأشكال فى هذا الوقت بالذات ،
ومن الجانب الآخر هى لا تثق بكريم حتى الآن ، فهى الآن فى حيرة من أمرها ، ماذا تفعل ؟

هزها من زراعها وقال ... ردى عليا ، انتى مين ، بعتك نادر عشان تأذى محسن فى حاجة ...

بهذه الجملة تحول الأمر بالنسبة لأميرة لسخرية ، ضحكت على أثرها بصوت عالى جدا ،
فتنته ضحكتها ، فهو حقا معجب بها ،
جذبت يدها من بين يديه ، وتوجهت لكرسى هزاز كانت تضعه فى غرفتها لمجرد الحلم بالجلوس عليه فى يوم من الأيام ،
تلمسته بأصابعها ثم جلست عليه ، وأخذت تتحرك به وهى تقول ... تفتكر بعد السنين دى كلها وبعد ما بقى محسن بالقوة دى ، وبعد ما انفصلوا الاتنين تماما عن بعض ، هيفكر نادر يأذى محسن ،
مش واسعة شوية دى ...

... واضح انك تعرفى حاجات كتير عن العيلة دى ...

... وانت كمان تعرف بما لا يتناسب مع فكرة انك أخو مراته ، ولا عشان انت أخو مراته ، وشريكه وكمان تلميذه النجيب زى ما بيقولوا الناس عنك ...

معلوماتها ليست بالجديدة ، فمعظم الناس تعلم هذه الأمور ، لكن ما قالت زاده أصرارا على أن يفهم من هى ،

اقترب من حافة السرير وجلس فى نفس المكان الذى كانت تجلس فيه وانتظر منها أن تكمل ،
تابعت

... المشكلة بالنسبالى انى مش واثقة فيك عشان اقولك حاجة ، بس عايزة أفهم الأول ، انت عرفت انى هنا ازاى ، باعت حد ورايا ...

... ليه ، العربية كفاية ، فيها جهاز تتبع ، ولما بلغونى بمكانها مصدقتش وجيت وراكى ،
إنما بالنسبة للثقة ، صدقينى انا مش وحش ومعنديش نية انى ائذيكى ، بس أفهم ...

توقفت أميرة عن الحركة بكرسيها وقالت
... أنا أميرة محسن سلام ...

يتبع



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close