اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة كامله وحصريه بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة كامله وحصريه بقلم فاطمة احمد 



لعنة الخطيئة
الفصل الأول : بداية اللعنة
__________________
."بين الغفلة والخيانة يوجد خط رفيع ...
فإذا إستقام الخط نجت الروح من الوقوع في الخطيئة، و إن مال قليلا ... تشتت منطق العقل و غرق القلب في قعر السواد ... والموت هو النتيجة "
في بلدة صغيرة بعيدة عن المدن وصخبها ، المتميزة بجمالها وهدوئها ، وبساطة سكانها..
وبالضبط داخل مزرعة واسعة حيث المناظر الطبيعية الخلابة التي تظهر مدى إهتمام أصحابها بها نظرا لمكانتها بالنسبة إليهم ...
كان يركض في الساحة على منحى دائري ممتطيا جواده في هذا الوقت المبكر من صباح يوم خريفي ، حيث انتهى من فرز البساتين والإطمئنان على سير العمل بشكل مثالي ليتوجه للإسطبل ويزين الحصان بالسرج واللجام سارحا به وسط المروج الخضراء الممتدة من حوله ...
وبعد دقائق قفز من على الحصان وأعطاه للرجل الذي يكلفه عادة بالإهتمام بالإسطبل ثم تقدم إلى الساحة التي أعدت خصيصا للتدريب على التصويب ورمي السهام ، حمل البندقية ووقف في نقطة معينة حاملا إياها بين يديه المتينتين ثم رفعها للأعلى معطيا إشارة للشخص الذي يبعد عليه بمسافة طويلة كي يبدأ بإطلاق الكرات المطاطية في الهواء ...
وبينما تنطلق الكرات بسرعة فائقة بإتجاه السماء قام الأخير بتصويب الرصاص عليها واحدة تلوَ الأخرى بمهارة وتركيز شديدين حتى انتهى منها دون أن يخطئ هدفا واحدا !
- طول عمرك شاطر في التصويب وبتجيب الهدف بتاعك من أول مرة يا آدم بيه.
صدر صوت من خلفه فتهكم آدم وهو يعطي الإشارة لإطلاق الكرات في الهواء مجددا :
- لسه بدري يافاروق.
تنحنح الآخر واقترب منه مبررا سبب تأخره :
- اخويا محمد كان تعبان النهارده الصبح ومقدرش يروح يوصل اخت حضرتك للكلية بتاعتها علشان كده انا وصلتها بداله.
- ماله اخوك مجبتلوش طبيب يشوفه ليه.
- لا مفيش داعي هو اخد شوية برد و الحجة بتاخد بالها منه دلوقتي هيبقى كويس من هنا لبكره.
صمت فاروق قليلا يفكر في شيء ما قبل أن يستجمع شجاعته ويسأله :
- سمعت ان العمدة طلبكم امبارح انت و ابن عيلة الشرقاوي خير كان عايز ايه منكو؟
تجهم وجه آدم عند ذكر سيرة ذلك البغيض لكنه لم يظهر ذلك وهو يجيبه بهدوء شابه ملامحه التي لا تظهر مايفكر به عادة :
- كان عايز يعمل جلسة صلح مابيننا لان مشاكلنا كترت والأهالي بدأوا يشتكوا وانا فهمته ان عيلتنا ملهاش دعوة ومش عايزين نحتك بيهم أساسا بس التاني هو اللي بيعمل المشاكل وانا طبيعي أرد عليه لما ألاقيه بيتعرضلي، وبعدها اخد العمدة وعد شرف مننا عشان نهدا ومنعملش مشاكل بس انا مش واثق فيه
- ليه ؟
- لانه عديم شرف علشان كده مش هيلتزم بوعد الشرف بتاعه.
أجابه ببساطة فهمهم فاروق بإقتناع مفكرا بأن تصالحهما سيكون أفضل شيء يحل على العائلتين وعلى أهل البلدة فعلا ولكن مثلما قال آدم لا يمكن الوثوق بذلك المتحذلق الذي يسعى لخلق المشاكل دائما.
في نفس الدقيقة رن الهاتف فأجاب على الإتصال لينكمش وجهه بعد سماع كلام الطرف الآخر ثم أغلق الخط ونظر إلى آدم الذي سأله بإحتراز بينما يطلق الرصاص :
- في ايه.
لعق شفته السفلية مجهزا الكلمات التي سيقولها ثم رد على سؤاله بإحتراز :
- إبن الشرقاوي رجع عمل مشاكل من تاني.
ورافق كلمته تلك آخر رصاصة إنطلقت من بندقية آدم الذي توعد له بالنهاية هذه المرة !
__________________
في إحدى المقاهي بالبلدة.
صدر صوت لكمة قوية سقطت على وجه رجل خمسيني فوقع على الأرض متأوها يستمع للذي يصرخ عليه بسخط :
- انت مبتفهمش بقولك عايز حقي يعني عايزه فاكر هتقدر تفلت مني لما تشتكي للعمدة.
إنقض مساعدوه على الجسد المنهك ليرفعوه بعنف تحت استنكار الأهالي الذين يشهدون على هذه الواقعة بينما يتمتم الرجل بقلة حيلة :
- يا صفوان بيه والله انا محيلتيش قرش واحد اديهولك ومش لاقي اكل لعيالي بالله عليك اصبر عليا شويا وانا هردلك الدين كامل.
أمسكه صفوان من ياقة قميصه المهترئ وهو يهزه هادرا :
- مش على أساس بدأت تشتغل عند ابن سلطان من كام يوم ايه هو مبيديلكش حقك ولا ايه.
- كتر خيره آدم بيه اول لما سمع ان بقالي اسبوع مدخلتش لقمة لعيالي بعتلي اللي فيه النصيب وستر عليا.
أجابه بخوف وحرج من إهانته أمام الجميع لكن صفوان الذي انكمشت ملامح وجهه بكره عند سماع إسم عدوه لم يلقِ بالا لمكانته أو لسِّنِ الرجل فطفق يهدر بقسوة :
- وانا مالي بيك وبعيالك بتشكيلي ليه اومال بتستلف ليه مادام انت مش قدها ! انا عايز فلوسي وإلا اقسم بالله لموتك.
نزلت دموعه بإنكسار مخزٍ مستمعا للإهانات التي يتعرض لها من هذا الظالم ورجاله الذين لا يعرفون معنى الرحمة وقبل أن يتوسله أكثر لمح سيارة يعرفها جيدا تدخل وسط الساحة ثم يظهر من داخلها آدم الذي غمغم بصوت جهوري :
- في ايه بيحصل هنا انت بتعمل ايه !
تهللت أسارير البعض وإحترز البعض الآخر خاصة صاحب المقهى الذي طفق يجمع ما يمكن إنقاذه من محتويات محله خوفا من بدء شجار بينهما كالعادة فيتضرر رزقه ، بينما رد عليه صفوان متأففا بضيق :
- ديه حاجة بتخصني انت ملكش دعوة.
اقترب منه آدم وأزاحه عن طريقه لينتشل ذلك المسكين ثم قابل صفوان وجها لوجه ، تطلع في تقاسيمه التي تبعث في نفسه الإشمئزاز ومالبث أن هتف ببلادة :
- طالما عملت المسرحية ديه قدام الناس يبقى مبتخصكش انت لوحدك ثانيا المفروض تراعي ان الراجل ده في سن أبوك ومتهينوش بالطريقة ديه ثالثا والأهم لو عندك مشكلة اتعامل معاها زي الرجالة و اشرحهالي عشان نلاقي حل ليها.
- وانت مين بقى علشان اشرحلك مشكلتي ايه حد وكلك محامي ليهم ولا مصمم كل مرة تلعب دور الشهم اللي بيدافع عن المظلومين؟ امشي يا آدم انا مش عايز ارد عليك عشان هتروح جري للعمدة تشكيله مني زي عوايدك.
تنحنح فاروق الذي كان يقف خلف آدم وهو يتأهب في حال اندلع الشجار الآن وهجم رجال صفوان عليهم، إلا أن آدم لم يعر بالا لعجرفته بل أشاح وجهه ونظر للرجل المكدوم هاتفا :
- عمي محسن انت روح كمل شغلك دلوقتي ... وانت يا صفوان انا هتكفل بالدين بتاع الراجل يلا امشي معايا نروح نتفاهم في مكان تاني لأننا عاملين دوشة هنا.
تفاجأ الآخر من موقفه بعدما كان يتوقع أن يغضب ويتهجم عليه أمام الجميع ليظهر بصورة المخطئ فزاد هذا من حنقه خاصة عندما انحنى محسن على يدي آدم ليقبلها مرددا بلهفة :
- ربنا يحفظك ويسترك دنيا وآخرة زي ما سترتني.
لكنه سحب يداه سريعا متمتما بأن لا لزوم للشكر وطلب منه العودة إلى منزله، ثم عندما أوشك على المغادرة هو أيضا أوقفه صفوان متمتما بسخرية :
- عرفت تلعب دورك كويس وتظهر للناس قد ايه انت راجل جدع مش كده انا لازم اتعلم الاستعراض منك.
رفع يده ليحك طرف ذقنه مبتسما قبل أن يجيبه ببرود :
- وحتى لو تعلمت مش هيليق عليك لأن معدنك قذر زيك يابن الشرقاوي الجدعنة والشهامة مش مناسبين ليك.
حدجه صفوان بحقد أهوج وهو يشد على قبضته محاولا اِسترداد حق كرامته المهدورة :
- بس الاستعراض لايق عليكم يا إبن سلطان الصاوي بتاكل حق الناس من جهة وبتعمل نفسك بريء من جهة تانية زيك زي كل عيلتك.
- عيلتي مكلتش حق حد وأي حاجة كسبناها وخدناها كنا بنستاهلها بس انتو اللي كدبتوا الكدبة وصدقتوها ! وتاني مرة متجيبش سيرة عيلتي بالباطل عشان مغرقش وشك في ترعتكم.
رصَّ آدم حروفه بصلابة تتخللها نبرة تحذير عساه يدخل الفكرة في رأسه ثم أشاح وجهه عنه مستعدا للمغادرة...
لكن صفوان الذي قبض على ذراعه لم يسمح له بذلك وهو يأبى أن ينهي المواجهة بسهولة :
- خايف من وجع الحقيقة صح؟ مش جدك وأبوك سرقو مننا حق الزعامة متحججين بمرض جدي و ع أساس ابويا وعمي مكنش ينفع يورثوه لانهم مش قدها؟
نظر آدم إلى موضع يد صفوان على ذراعه وقد بدأت عضلات فكه تنقبض بإنفعال مما يسمعه ومع هذا حاول السيطرة على نفسه قدر الإمكان فغمغم مهددا :
- سيب دراعي ومتلعبش بالنار.
إبتسم الآخر بإستمتاع متابعا :
- حتى لو انكرت بس الحقيقة هتفضل موجودة انت حرامي ابن حرامي والخداع والسرقة ماشيين في دم عيلة الصاوي ااا...
في اللحظة الموالية وبدون أن تتاح له فرصة الرمش حتى ، وجد صفوان نفسه يتراجع خطوة للخلف إثر قبضة ادم التي نزلت على وجهه بغفلة منه فصرخ بألم مفاجئ بينما دخل رجال كلا منهما في الإشتباك فورا وعاد الأهالي للتجمع ومشاهدة القتال المحتدم !
رفع ساقه يركله والآخر يلكمه ويواصل ضربه في اشتباك عنيف جعلهما ينزفان بدون اِهتمام منهما وبعد مرور دقائق على الصراع انتهى الأمر بجعل آدم يلوي يد صفوان خلف ظهره ويضربه على ساقه ليسقط الأخير جاثيا على ركبتيه فورا، حاول الإفلات منه لكن آدم ثبته مغمغما بصلابة :
- هدي الرجال بتوعك ومتخليش الموضوع يكبر من مفيش لاني مش هقدر اصبر عليك اكتر من كده !
توقف الرجال عن الشجار وتعالت هتافات المتفرجين بحماس مريب من بعضهم وخوف وقلق من البعض الآخر بينما شعر ذاك الذي مازال يجثو على ركبتيه بأن كرامته هُدرت تماما فقال بعجرفة يائسة محاولا النهوض دون جدوى :
- مبتقدرش تعمل حاجة انت اخرك الكلام وبس.
زفر آدم بصبر نافذ وقد تأكد من أنه يهادن بلا فائدة فاِنحنى يستل سكينا من داخل حذائه الجلدي ليضعه على عنق صفوان هادرا بقسوة :
- صدقني لو معقلتش هتبقى نهايتك على ايدي انا يابن الشرقاوي وانا مبهددش زيك انا بنفذ اللي بقوله !
تهكم مظهرا الإستهزاء رغم ألم الجرح الطفيف الذي سببه السكين الموضوع على بشرته مباشرة، والخوف الذي بدأ يتسلل إليه فهو يعلم جيدا بأنه طالما سحب السكين إذا هو بالتأكيد قادر على قتله الآن، وقبل أن يبدي رد فعل آخر صدر صوت صهيل الخيل من بعيد فجأة منبئا عن قدوم أحد وربما صفوان يعلم جيدا من الذي جاء فرفع رأسه بسرعة وهمس :
- نيجار !
إشرأبت أعناق الجميع ومنهم آدم إلى الفتاة التي قفزت من على ظهر الحصان بمهارة وطفقت تقترب منهم بشموخ تاركة شعرها الأسود يتطاير في الهواء حتى وصلت إلى التجمع هاتفة :
- ايه اللي بيحصل وايه اللي حضرتك بتعمله يا آدم بيه هي الأحوال وصلت بيك لهنا ؟
- نيجار ايه اللي جابك امشي من هنا بسرعة.
وبخها صفوان بحنق لكنها تجاهلته و اإلتفت للآخر الذي تمتم ببرود :
- ديه حاجات بتخص الرجالة واحنا مش متعودين نحشر الحريم وسطينا.
- لو الحرمة ديه شايفة واحد ناوي يدبح ابن عمها يبقى هي مضطرة تدخل مش معقول تفضل ساكتة.
تنهد وقد أرخى ضغط السكين من على رقبته :
- ابن عمك اللي بدأ مع اني حذرته كتير بس مسمعنيش علشان كده لازم يتعاقب.
اقتربت منه نيجار بخطوتين مطالعة ابن عمها الذي يتوعد لها ثم رفعت وجهها ناحية آدم تقول برصانة :
- هو لو غلط في عمدة يحاسبه او بتقدرو تتواجهو وانتو لوحدكم و متأملة من حضرتك متأذيش واحد قدام فرد من عيلته حتى لو عدوك.
ركز بنظره على وجهها الجامد لعدة ثوان قبل أن يزفر ويفلت صفوان مرددا :
- ادعي لبنت عمك لأنها هي اللي حاشتني عنك وتاني مرة متحاولش تستقوى على واحد تبعي.
وقف الآخر على قدميه مطالعا إياه بحقد دفين وهو يشعر بالخزي مما حدث للتو لكن آدم لم يبالي به بل رمى نظرة أخيرة على نيجار وغادر ساحة المقهى ليتبعه فاروق ورجاله ...
*****
فتح باب السرايا ليدخل منه وهو يقبض على ذراعها بقوة مزمجرا بأعلى صوته :
- انتي ايه اللي وداكي هناك ايه اللي جابك فهميني.
تمالكت نفسها قبل أن تقع ثم نظرت إليه مجيبة :
- انا كنت برا وسمعت ناس بتقول انك روحت تهين الراجل اللي استلف منك الفلوس ومرجعهاش ف قدرت اتوقع اللي كان هيحصل بينك وبين ابن سلطان.
حينها صرخ عليها بحدة :
- وانتي مالك ازاي تدخلي وسط الرجالة وتترجيه عشان يعفي عني يا غبية انتي حطيتي راسي في الطين هتخلي الناس يتكلمو عليا ويقولو اني بتحامى في الحريم وكل ده بسببك.
تأففت نيجار بملل مستنكرة تفكيره السطحي :
- سيبك من الناس دلوقتي آدم كان هيقتلك لو اتا ملحقكتش وأساسا اللي انت عملته غلط في غلط وبدل ما تلومني ادعي ربنا ميكبرش الموضوع اكتر من كده لأنك عماله تغلط وهتودي نفسك وتودينا معاك في داهية.
تجمعت العائلة على صوتهما العالي فنزلت على إثره زوجة عمها و إبنتها التي هي في نفس سن نيجار وبدأتا التساؤل عما حدث وعن سبب هذا الشجار القائم إلا أن الأخير غادر بسخط بدون أن يجيبهما، فإتجهت والدته "جميلة" والتي تكون أم نيجار بالرضاعة إلى الأخيرة تسألها بهلع :
- مالكم ايه اللي حصل ؟
- ابنك كان هيتقتل يا مرات عمي.
- إيه !!
اندلعت صرخاتهما فشرحت لهما الأمر بإختصار وصعدت إلى غرفتها لتلحق بها ابنة عمها وتتساءل بدهشة :
- بجد انتي دخلتي وسط الرجالة وترجيتي آدم عشان ميأذيهوش.
تململت بضجر من نفس السيرة المتداولة :
- مترجيتوش يا سلمى انا طلبت منه وهو سمع مني بس أخوكي مسابش كلمة إلا وقالهالي كأني عملت فيه جريمة وبعدين ايه الغريب ف اني احمي ابن عمي وأخويا مش فاهمة معقول اشوفه بيتأذى واسكت.
- خلاص اللي حصل حصل وصفوان شويا وهيروق ... بس ايه رايك يا نيجار.
همهمت سلمى بنبرة خافتة فسألتها الأخرى بدون فهم :
- رأيي في ايه ؟
زمت شفتها وقالت وكأنها تتآمر :
- متعمليش نفسك مش فاهمة انا بقصد ايه رايك في ابن سلطان يعني هو عامل ازاي ... انا سمعت انه وسيم وجسمه قوي وعنده هيبة وكلمته مسموعة خاصة انه مقرب جدا من العمدة.
بهتت نيجار لثوان ثم نهضت ترتب بعض الأغراض متمتمة :
- انا مكنتش مركزة معاه.
- بتتكلمي كأنك مشوفتيهوش من قبل.
- لا اكيد شوفته بس مهتميتش كتير وبعدين ايه اللي انتي بتفكري فيه ده أمك لو سمعتك هتجيبك من شعرك.
أجابتها مازحة فهمهمت سلمى بملل :
- مكانوش كلمتين قولناهم اهو سكت خلاص.
سمعت صوت والدتها تناديهما من الأسفل فقالت :
- ماما عايزانا علشان نساعدها في الغدا انتي عارفة خالتي حسناء واخدة اجازة النهارده يلا ننزل.
أفاقت نيجار من شرودها مرددة :
- تمام يلا ....
______________
- اللي عملته النهارده تستاهل مدح عليه بس انا خايف العمدة ينزعج منك يا آدم.
نطق فاروق بهذه الكلمات وهو يقود السيارة بينما يجلس الآخر على الكرسي المقابل له بهدوء، وجه نظره إلى مساعده وصديقه ثم رد عليه :
- انا حاولت اتمالك نفسي بس صفوان مكنش ناوي على خير و انا أكيد مكنتش هسكت ع اهانته لعيلتي.
تنهد الثاني معارضا :
- مش من حقي أقول رأي فوق رأيك بس كنت بتمنى لو مدخلتش نفسك في الموضوع من البداية ومشغلتش محسن عندنا انت عارف عيلة الشرقاوي بتاعت مشاكل واحنا مش ناقصين والعمدة ااا...
قاطعه آدم بحدة و اِنزعاج :
- متخلنيش ابدأ بالعمدة بتاعك ده انت كنت عايزني اخرس واهرب علشان خاطره انا صحيح وعدته معملش مشاكل معاهم بس ده ميعنيش اني احط كرامتي تحت رجليهم ! وأساسا لازم صفوان يحمد ربنا عشان سبته ومقتلتوش.
ابتسم الآخر عند آخر جملة وكاد يتكلم لكن عند دخوله للزقاق المؤدي للسرايا فضل السكوت و تأجيل الحديث إلى حين آخر ثم وصلا بعد لحظات قصيرة ونزلا ليدخل الأول إلى الفناء الضخم ويتبعه فاروق الذي عاد للتعامل معه برسمية على أساس صاحب عمل ومساعده.
- نورت البيت يابن الغالي.
صدع صوتها من أعلى درجات السلم فإبتسم وهو يراقب جدته التي تنزل من عليه بخطوات رصينة تعادل ملامحها القوية رغم كبرها ، وصوتها الذي يجبر رجالا صغار وكبار على الإصغاء إليها واحترامها.
السيدة "حكمت" أرملة أغنى تاجر في البلدة والعمدة السابق لها ،ووالدة المرحوم سلطان زعيم البلدة السابق ، والآن هي جدة آدم الذكر الوحيد للعائلة ووريث أعمالها وتجارتها.
وصلت للفناء مبتسمة فأقبل عليها حفيدها مقبلا يدها بإحترام :
- بيتنا منور بوجودك يا ستي.
مسحت على شعره بحنان تسأله عن يومه كالعادة ثم هتفت بنبرة حسابية :
- ايه اللي حصل مع ولد الشرقاوي.
طالعها بصمت وقد كان متوقعا بأن الأخبار ستصل إليها حتما فجدته لا يخفى عنها شيء في البلدة لكنه أجابها بإيجاز :
- مفيش مجرد جدال بيني وبين صفوان زي العادة متشغليش بالك.
أدركت أنه يتهرب من الموضوع فإحترمت رغبته وغيرت سير الحديث مرددة :
- تمام اطلع لأوضتك عشان ترتاح وانا شويا وهندهلك عشان تتعشى ، انا موصية أم محمود تعملك كل الأكل اللي انت بتحبه هتتعشى وبعدها نقعد نسهر مع بعضنا.
- تسلم ايديكو يا ستي بس انا مش هقدر اسهر لأن عندي شغل وهرجع اطلع بعد العشا.
كادت تعترض لكن مجيء شقيقته قاطعها بينما هرعت الأخرى لتحتضنه بقلق :
- ابيه انت كويس انا خفت عليك لما سمعت انك اتخانقت مع واحد برا.
بادلها العناق ثم أبعدها قليلا وداعب أرنبة أنفها برقة ملاطفا إياها :
- انا كويس يا ليلى متخفيش عليا انتي عملتي ايه في امتحاناتك النهارده.
- حليت كويس الحمد لله ومن شويا كنت بذاكر عشان الامتحان الجاي بس في كام حاجة واقفة معايا معرفتش أحلها ممكن تساعدني.
أومأ آدم بإيجاب رغم إرهاقه الكبير وحاوط ذراعها صاعدا معها للطابق العلوي قائلا :
- أنا تحت أمرك يا سلطانة بس مش هنطول كتير يدوب الحق اتعشى وارجع اطلع.
صعد معها تحت نظرات حكمت حتى تأكدت من إبتعاده كليا ثم رشقت فاروق بنظرات حازمة متشدقة :
- قولي دلوقتي ايه اللي حصل بالضبط وازاي الخناقة ديه بدأت وانتهت.
تنحنح بإرتباك جلي وكاد يجيبها بمثل إجابة حفيدها لكنها رفعت يدها في وجهه موقفة محاولته وحذرته :
- منصحكش تخبي عليا.
تنهد الآخر وهز رأسه بيأس ليبدأ بسرد ما حدث...
****
كانت واقفة في شرفة غرفتها تتأمل السماء المظلمة ونجومها المتلألئة بتدقيق وملامحها جامدة لا تعبر عن شيء ، من يراها لا يستطيع توقع ماتفكر أو ماتشعر به، تجلس مطالعة السماء كل مساء وكأنها تستنبط منها الكلمات دون جدوى.
فجأة ضربتها نسمة هواء خريفية باردة ليقشعر جسدها فقررت الدخول لكي لا تصاب بالمرض من تأثيرات التغير الموسمي وقامت بإطفاء الأضواء لكن عند وصولها للسرير سمعت ضجة خفيفة من خارج الشرفة لتنتبه حواسها وتركز على الباب المفتوح متسائلة بصوت عالٍ نسبيا :
- مين هنا ؟
لم يرد عليها أحد حتى كادت تفكر بأنها تتخيل ولكنها عادت تسترق السمع وإستطاعت تمييز الصوت هذه المرة وكأن أحدهم تسلّق على الحائط وقفز للداخل.
ارتفعت دقات قلبها بإنفعال وإزدردت ريقها بحذر قبل أن تنتشل السكين الموضوع على صحن الفاكهة وتقبض عليه بقوة متجهة للشرفة ...
وحين دخولها مررت بصرها على المكان ووجدته فارغا تقدمت تطل من على الشرفة لكنها لم تجد سوى المساحات الخضراء مقابلة إياها وقبل أن تستطيع التركيز وجدت يدا تسحبها من الوراء وتدفعها على الجدار خلفها فإنطلقت صرخة تلقائية كتمها بيده فورا وباليد الأخرى أوقف كفها الذي توجه نحو صدره بسرعة فائقة تنوي غرزه بالسكين !
تململت بين يديه بقوة محاولة التحرر منه والصراخ لكنها لم تستطع فضربت ساقه بقدمها لتسمع تأوها خفيفا يصدر منه ثم صوته الرجولي يهمس :
- هشش اهدي ده أنا.
سكنت فجأة تميز نبرته بينما إمتدت يده هو تشعل الأضواء ووقف يطالع هيأتها المشعثة بإبتسامة هامسا مجددا :
- نيجار.
وضعت يدها على صدرها موضع قلبها حتى تسيطر على وتيرة تنفسها المتزايدة ثم تمتمت بعدم تصديق :
- آدم !
وقبل أن تستوعب تماما وجوده هنا في هذا الوقت حاوطها آدم بذراعيه ودفن وجهه في ثنايا عنقها متأوها بشوق :
- وحشتيني ...
___________________
نهاية الفصل الأول


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close