اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل التاسع 9 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل التاسع 9 بقلم فاطمة احمد 

الفصل التاسع : خير .. أم شر ؟
_________________
بعد مرور يومين وفي صباح يوم جديد.
إستيقظ آدم من غفوته بعد ليلة قضاها في التفكير ولم تنغلق عيناه إلا بعد الفجر، إغتسل وإرتدى قميصا واسعا باللون الأبيض مع بنطال أسود وأرفقه بحذاء جلدي ذو رقبة مرتفعة يصل لأسفل ركبته بقليل، ثم عدّل مكان السلاح وأخفاه بسترته الخفيفة.
نزل للطابق السفلي ليجد الخادمة تضع اللمسات الأخيرة على طاولة الإفطار وعندما رأته إبتسمت بإحترام :
- صباح الخير يا آدم بيه.
هز رأسه مجيبا عليها :
- صباح النور يا ست أم محمود، ستي فين لسه مصحيتش ؟
- لا هي فايقة من ساعة الفجر اصلا بس يمكن الهانم الصغيرة قاعدة معاها عشان كده اتأخرت.
- ايه ده هي ليلى رجعت من عند عمتي ؟
في هذه اللحظة نزلت شقيقته مرددة بإبتسامة معاتبة :
- ايوة جيت امبارح ع اساس هلاقيك بتستقبلني بس انت اتأخرت برا وانا نمت من التعب.
وصلت له وعانقته بحب أخوي فبادلها إياه ببسمة غلبتها معالم الإمتعاض لأنه تعمد إرسالها منذ أسبوع لمنزل أخت والده (من ناحية الأب فقط) حتى لا تكون شاهدة على الأحداث التي تحصل في المنزل خاصة ماحدث من يومين لكنه لا يعلم لماذا عادت وهي من توسلته حتى يسمح لها بالسفر للمدينة.
سمع صوت خطوات مقترن مع صوت العكاز فرفع نظره ورأى جدته تنزل من على الدرج بثقة وشموخ وهنا ضغط على أسنانه بإقتضاب مدركا بأنها هي من جعلت أخته تعود.
إلا أنه لم يظهر مايفكر به وإبتعد عن ليلى قليلا مداعبا شعرها :
- في كام حاجة شاغلة بالي الأيام ديه عشان كده بتأخر برا البيت يلا اقعدي جمبي وافطري.
جلست حكمت على رأس الطاولة وبدأوا تناول الإفطار في جو يسوده الصمت حتى نطقت ليلى كمحاولة لكسره :
- امبارح وانا جاية لقيت زفة فرح في الشارع يا أبيه وكانت بتجنن طلبت من السواق يوقف عشان اتفرج اكتر بس مرضيش.
همهم متفاعلا معها :
- محمد عمل المطلوب منه انا مكلفه يوديكي ويجيبك من غير ما يضيع وقت في السكة.
زمت شفتها بعبوس وعلقت :
- بس انا بقالي زمان مشوفتش زفة هنا وحضرتك عارفني بحب الأجواء ديه.
في هذه اللحظة دخلت حكمت في الحوار وهي تردد بنبرة ذات معنى :
- غالبا هتشوفي زفة في البلد عن قريب وممكن تكون لواحد من العيلة ديه.
ضرب آدم الكأس على سطح الطاولة بحزم أمام ليلى فشهقت بذهول وحماس :
- ايه ده بجد انت نويت تتجوز أخيرا يا ابيه ؟
كان وجهه متصلبا وعيناه ملتصقتان في الصحن أمامه ولو نظر لشقيقته الآن لهالتها النيران المشتعلة فيهما، رطب شفته السفلية ثم حمحم وهو ينتصب واقفا :
- صحا وهنا انا عندي شغل في المزرعة دلوقتي ولازم اروح هنبقى نتكلم بعدين.
رشق حكمت بنظرة حادة بادلتها بأخرى باردة وهي ترشف من الشاي ثم غادر متجها إلى المزرعة ليجد فاروق يساعد العامل في رفع الصناديق الخشبية وعندما رآه إقترب منه برسمية :
- صباح الخير يا آدم بيه انت جاي بدري النهارده.
همهم وتحرك ناحية المقاعد الجانبية وهو يجيبه :
- ده لأن الست حكمت حالفة متسيبنيش في حالي.
- عشان قصة الجواز ؟
- اه، انا وصفوان هنتجمع مع العمدة بكره بليل ونقوله اذا موافقين ولا لأ ومع الأسف صعب جدا اني ارفض.
جلس آدم متابعا بتهكم :
- انا حاسس نفسي بقيت لعبة كل واحد بيحركها بمزاجه مش كفاية ان ابن سلطان اتلعب عليه واتسرق لأ هو كمان هيتجوز أخت عدوه ولو معملتش كده مكانتي هتقل عند العمدة ومش بعيد يرشح حد غيري للزعامة أو العمودية.
رفع فاروق حاجباه وأخفضهما دليلا على الحيرة التي إكتنفته هو أيضا بسبب ما يحدث، منذ أيام معدودة فقط كان آدم يخطط للزواج من نيجار التي يعشقها والآن أصبحت أكثر شخص يكرهه في الحياة ولم يكفي هذا بل سيتزوج قريبتها أيضا.
تردد قليلا في الكلام لكنه حسم أمره وقال :
- أنا شايف أن الست حكمت معاها حق في تفكيرها يعني انت ليه لازم تضيع حلمك من بين ايديك عشان كرهك لواحدة متستاهلش اتجوز اخت صفوان ديه وضمن المنصب بتاعك وبالمرة تخليها ورقة رابحة ضد صفوان كفاية أنه هيكون عارف ان اخته معاك.
علق آدم ساخرا وهو يفكر بأن صفوان الذي أرسل إبنة عمه لحضنه في السابق قادر على جعل شقيقته نسخة أخرى من نيجار :
- يعني هيخاف على اخته مني ؟ اطمن واحد زي ده متعود يستخبى ورا الحريم مش بعيد يرميها ويقولي هي مبقتش تخصني اعمل فيها اللي انت عايزه او يخليها نقالة علوم زي ما بيقولو ...
بس كفاية بقى انا زهقت وصبري عليه خلص.
ردد جملته الأخيرة بحزم ناهضا فجأة ليجد فاروق يقف ويُعدل سلاحه على وضعية الإستعداد للإطلاق فعقد حاجباه بتعجب :
- انت بتعمل ايه !
رد عليه فاروق ببساطة وكأنه يمارس فعلا إعتياديا :
- مش احنا رايحين نتهجم ع صفوان ونقتله ؟
- مين قال كده ؟
- انت اللي قولت دلوقتي ان صبرك عليه خلص.
تنهد آدم قائلا بإستهجان :
- انت يابني مابتصدق تحصل حاجة عشان اقولك يلا نعمل مداهمة ؟ انا مكنتش بقصد اننا نروح دلوقتي ونقتل صفوان خبي اللي ف ايدك ده.
تنحنح بحرج وهز رأسه بطاعة فتأفف الآخر متمتما وهو يتركه :
- ماهي لو الظروف سامحالي اقتله كنت قتلته من زمان مش هستناك انت يعني.
بدأ بإنجاز الأشغال مع عماله ومساعدتهم حتى مر اليوم سريعا وإقتربت الشمس من الغروب ، إتجه آدم إلى إسطبل الخيل وأخرج حصانه الذي سرعان ما بدأ يصهل عند رؤيته فإبتسم عليه قائلا بينما يداعبه بحب خالص :
- ايه ده انا وحشتك ولا ايه وانت كمان وحشتني يا سلطان عارف أنك زعلان مني بس أنا كنت مشغول في كام حاجة كده وأول ماخلصتهم جيتلك بسرعة.
صهل "سلطان" مجددا كأنه يبدي تفهما ثم أحنى رأسه فضحك هو ومسح عليه بلطف قبل أن يركب عليه ويبدأ جولته في الساحة الواسعة ، وبينما هو يركض ويستقبل الهواء الذي يضربه بعنف أغمض عيناه ورفع رأسه للأعلى ممررا شريط حياته في ذاكرته وسامحا لنفسه بإستقبال مشاعره الشتى ...
مشاعر الغضب والحقد على تلك العائلة، مشاعر خزي من ذاته لأنه سمح لإمرأة بإيقاعه في شباكها وهو الذي كان معروفا بحكمته وصلابته سمح لها بالتلاعب به تلك التي كانت أول امرأة يضعف معها فتبين بأنها لم تكن سوى ساقطة مخادعة ...
ومشاعر غدر لأنها طعنته بخنجر مسموم من أجل الحصول على المال وتقاسم الذهب مع إبن عمها.
في الحقيقة هو ليس حاقدا على نيجار بقدر ماهو حاقد على نفسه لأنه لو لم يسهل عليها الأمور لما إستطاعت خداعه.
تُرى كم مرة ضحكت سِرًّا وهي تنظر لإبتسامته معها، كم مرة جلست مع صفوان وسخرا منه مسترجعة الكلمات التي كان يقولها في لقاءاتهما عند البحيرة وكم مرة وصفته بالأحمق، وكيف رمقته بشماتة ورحلت تاركة إياه يحترق وسط النيران حتى تضمن موته ؟
تعمق آدم في الأفكار وإرتفع نسق دقات قلبه فضغط على لجام الحصان وشرع يركض بشكل دائري بعدما زاد من سرعته فقط يتذكر كل ما جعلته يعيشه حتى حينما صمم على قتلهما وكاد يفعلها وجد من يعترض طريقه والآن بدلا من أن يفكر في المكان الذي سيدفنهما فيه عليه أن يستعد ليكون صهرا لهما !
ركضه المريب هذا وعرقه المتصبب بغزارة من وجهه جعل أنظار العمال في المزرعة تلتفت إليه وبعضهم وقف بتوجس ينتظرون فقدان سيطرته على حصانه والوقوع في أي لحظة وبالفعل شعر آدم بنفسه يسقط ولكن ليس من على ظهر "سلطان" بل أحس أنه سقط من الهاوية حين فتح عيناه فتراءت له صورتها من بعيد وهي تمشي نحوه !!
شد آدم على اللجام فجأة وأدى ذلك إلى رفع الحصان لجزئه الأعلى في الهواء وهو يصهل بحدة ولوهلة كاد يفقد السيطرة عليه إلا أنه إستطاع التوقف بسلام أخيرا فحدق فيها بقوة وهو لا يسمع سوى صوت أنفاسه المتسارعة بنسق مجنون ونبضات قلبه المتقاتلة كأنها تتنافس على من ستنجح في شق صدره.
قبض على يده مستشعرا أحاسيس الكره التي تدفقت عليه في هذه الأثناء كتدفق قطرات المطر في ليلة عاصفة ولحظة فكر أنه يتخيل لكن نظرات العمال التي تحولت إليها جعلته يقفز بسرعة ويتجه نحو الإصطبل صارخا في فاروق الذي كان يطعم مهرة صغيرة :
- اطلع قول للبنت اللي برا اني مش عايز اشوفها قدامي دلوقتي وإلا انا مش عارف ممكن اعمل فيها ايه ... بسرعة !
إنتفض الآخر بتوجس ورغم أنه لم يعلم هوية هذه التي يتحدث عنها إلا أنه ركض ليرى ما الأمر فضرب آدم بقبضته على الباب الخشبي بوجه تخلو منه تقاسيم الآدمية وتعقل تطاير بفعل عواصف الهمجية التي تقدح من عينيه متذكرا وجهها الذي حفر في ذاكرته كالندبة.
إلا أن الخيال تجسد في الواقع فجأة عندما سمع صوتها الهادر خلفه :
- انا مش همشي من هنا قبل ما اكلمك.
زفر ماسحا على وجهه وإستدار ليجدها تقف عند الباب بعينين تنضحان بالتصميم وفاروق خلفها يشير له بأنه لم يستطع منعها فغمغم بجمود مشيحا وجهه عنها :
- اتقي شري واخرجي من هنا.
رفضت نيجار وتقدمت منه خطوة متجاهلة الذعر الذي جعل ركبتيها كالهلام الرفيع :
- انا عايزة اتكلم معاك عارفة انك مش طايقني بس مش هاخد اكتر من عشر دقايق لو سمحت.
بعد لحظات كانا يقفان بمفردهما فدنت نحوه وتمتمت بشجن :
- اول حاجة حابة اقولها اني آسفة ... صدقني مكنتش عايزة نوصل للنقطة ديه صحيح ا...
- انجزي.
قاطعها ببلادة جعلت الجو يتوتر أكثر ويزيد من خوفها ولوهلة ندمت لأنها جاءت إلى هنا كي تكلمه لكنها تحكمت في أحاسيسها وتنهدت مستطردة :
- انا سمعت بالقرار بتاع العمدة وبصراحة هو فاجأنا زيكم واكتر، وأكيد انتو مش موافقين تناسبونا واحنا نفس الشي بس صفوان مش هيقدر يرفض علشان كده بتمنى الرفض يجي من عندك بما انك مقرب من العمدة وهو مش هيزعل اوي منك.
- ايه ده انا هعمل ده كله ... طيب والمقابل ؟
- انا عارفة اني أذيتك ووجعتك كتير وللسبب ده هكون مستعدة لأي عقاب منك حتى لو قتلتني بس رجاء مينفعش تتجوز سلمى لانها بريئة وملهاش دعوة باللي حصل مابيننا.
سكتت نيجار منتظرة رده عليها وطالت مدة إنتظارها مساهمة في زيادة توترها حتى نفذ صبرها ورفعت عينيها له لتصدم حينما وجدته واقفا أمامها مباشرة تفصل بينهما مسافة لا تتعدى الخطوتين، أرجعت رأسها للخلف بإحتراز فأشرف آدم عليها من فوق موزعا بصره عليها بهدوء حتى قال :
- اقتلك ... بس كده ؟
قطبت حاجباها بعدم فهم فأكمل :
- مع اني كنت متوقع عرض أفضل من ده.
- مش فاهمة ؟
ولصدمتها وجدت آدم يقترب حتى إلتصق بها وأصبحت أنفاسه الساخنة تلفح بشرتها بضراوة فإزدردت نيجار ريقها بإرتباك بينما رفع هو يده وأزاح شعرها الذي كان يغطي وجهها هامسا :
- يعني اللي سبق ولعبت ع راجل وسمحتله يقرب منها ويحضنها عشان كام جرام دهب بتقدر تقدملي حاجات تانية عشان ابعد عن عيلتها مش كده.
جحظت حدقتاها وشحب وجهها عند فهمها لتلميحه فشهقت مبتعدة عنه بذهول ليضحك آدم ويردد :
- انتي بتتقلي ليه ياحبيبتي مش ده اللي ناوية عليه وجاية علشانه عامله نفسك مكسوفة ليه دلوقتي.
رمقته نيجار بذهول هاتفة :
- انت بجد شايفني كده ؟
- انتي اللي جاية في الوقت ده ودخلتي الاسطبل بتاعي وقفلتي الباب علينا وكل ده ليه تفسير واحد وهو انك جاية تعرضي نفسك عليا وأنا بقى موافق ... اقلعي اللي لبساه ده وقضي شوية وقت معايا وأنا بوعدك اعيد النظر في طلبك ده وممكن كمان أضيف عليه جرامين دهب حلاوة بعرفك بتموتي فيه.
صمت متابعا وقع كلماته عليه وأردف بإستهانة :
- بس تصدقي صفوان عرف يلعبها صح زي كل مرة لدرجة بعت بنت عمه تعرض نفسها على عدوه بصراحة أنا مبهور بيه.
كان يتحدث بجمود وهو يطالعها بنظرات لم تراها نيجار من قبل، نظرات تلاعب وإحتقار كمن يتكلم مع ساقطة ففكرت لهنيهة إن كان هذا الرجل الواقف أمامها هو نفسه آدم الذي كان ينتظرها لتكون حلاله ويعتذر منها إذا بالغ في معانقتها او لمس يدها !
ترقرقت عيناها بدموع أبت إنزالها حتى لا تظهر كسرتها أمامه وسيطر عليها غضبها بسبب إعتبارها رخيصة تقدم جسدها بمقابل فإنتفضت تدفعه من صدره ورفعت يدها كي تصفعه فأمسكها ضاغطا عليها بعنف مغمغما :
- هشش منصحكيش تعملي كده.
تململت نيجار محاولة إزاحته بينما تردد بإنفعال :
- ازاي تتجرأ تقولي الكلام ده انت فاكر نفسك ايه انا كنت جاية اعتذر منك واطلب منك تبعد عيلتي عن انتقامك ومحدش عارف اني جاية لعندك فاهم اوعى تتكلم عني بالطريقة ديه تاني.
حادت شفتاه في إبتسامة جانبية وإنخفض هامسا بقسوة في أذنها :
- كل واحد بيحدد قيمة نفسه في عيون غيره يا بنت الشرقاوي وبالنسبة ليا هو ده مقامك مجرد واحدة بتستخدم نفسها عشان تمشي شغل الرجالة ده لو اعتبرت ان ابن عمك راجل اصلا ومستعدة تنزل لأي مستوى علشان تحقق مصالحها.
كلماته الكارهة طعنتها في الصميم ، دون أن تعي بأن قهره كان مختبئا خلف قشرة كرهه الصلبة !
إستقبلت إهاناته بصمت بارد إستفز آدم وجعله يرغب في خنقها وقطع أنفاسها على الفور ثم تراجعت قليلا لتستدير في النهاية مغادرة الإسطبل غير منتبهة للأنظار المسلطة عليها والمتهمة فهذه أول مرة يرون فيها امرأة من هذه البلدة تذهب لمكان عمل رجل بكامل رغبتها وتنزوي معه بعيدا عن أنظار الجميع دون خجل !
راقبها آدم حتى إختفت عن أنظاره ثم تبددت معالم جموده وقرعت طبول الخبل في رأسه فأطلق سُبابا ساخطا وركل الباب بعنف جعل الأحصنة تلتاع ليستند بيديه على إطار خشبي لاهثا حمما من سعير.
سيجن ! وجنونه هذا سيحرقه قبل أن يحرقها هي...
كما لو أن الشياطين قد تلبسته عندما رآها تقف قباله بكل وقاحة وتعتذر طالبة منه الرفق بعائلتها والإنتقام منها هي !
جاءته برضوخ تلتمس الصفح متوقعة أن يقول لها نعم ككل مرة ثم تسأله إن كان حقا يراها بتلك الصورة الشائنة وهو من كان يعتبرها مبجَّلة نقية لدرجة أنه لو قام والده من القبر وأخبره أنها لا تنفعه لما صدق ذلك !
فجأة سمع صوت فاروق من خلفه متسائلا :
- ايه اللي حصل البنت ديه جت لهنا ليه ؟
تنهد ونظر له مغمغما :
- جاية تعمل صفقة قال ايه بنت عمها ملهاش دعوة باللي ما بينهم ولو انا عايز انتقم فهي موجودة قدامي عشان اقتلها.
إنكمش وجه فاروق مستنكرا وقاحة تلك الفتاة ثم زفر قائلا :
- مكنش ينفع تسمحلها تتكلم معاك انت مشوفتش العمال كانو بيبصولها ازاي انا خايف ان القصة تكبر والكلام يكتر عليك ماهو مش معقول تجي واحدة ست وتقعد مع راجل لوحديهم في الساعة ديه وفهمك كفاية.
لم يعقب عليه مما زاد من فضول الآخر ليسأله :
- طيب ممكن اعرف انت رديت عليها ب ايه ؟
___________________
مع غروب الشمس تماما دخلت هي للسرايا وعيناها لا تبصران من شدة الإنفعال فقابلتها زوجة عمها وسألتها بلهفة لا تخلو من الغضب :
- انتي كنتي فين ومردتيش على اتصالاتي ليه ؟
نزلت سلمى من الطابق العلوي وأعادت عليها نفس السؤال مردفة :
- احنا قلقنا عليكي بعد ما طلعتي من غير ماتكلمي حد وخفنا تحصلك حاجة يا نيجار معقول تعملي كده.
زفرت تمسح على وجهها محاولة تهدئة نفسها وقالت بخفوت :
- انا روحت لـ....
قاطعها صوت صفق الباب الخارجي بعنف يليه صراخ حاد :
- نيجار !
إنتفضت النساء ونظرن إلى صفوان الذي كان كمن تكالبت عليه شياطين الجن والإنس ولم تلحق أمه لسؤاله عما يجعله يصرخ هكذا لأنه تقدم ناحية نيجار وكاد يهجم عليها لولا أوقفته جميلة بذعر :
- في ايه مالك انت هتعمل ايه.
- سيبيني ... بقولك سيبيني خليني ارجع اربيها.
صاح بعصبية إسترعت خوف نيجار التي قالت :
- انت بتقول ايه انا مش فاهمة ايه اللي حصل.
صفوان :
- ومش عارفة حصل ايه كمان انتي ازاي تروحي لمزرعة ابن سلطان وتقعدي معاه لوحدكو كنتو بتعملو ايه سوا جوا !
فغرت فاهها بصدمة كما فعلت جميلة وهي تضرب على صدرها :
- يالهوي انت بتقول ايه.
- بقول الحقيقة البلدة كلها شافتها وهي داخلة لعنده وبتقفل الباب وراها ديه الناس كلها بتتكلم في السيرة وعمالين يقولو كلام طالع نازل علينا.
هزت رأسها نافية التهم الموجهة ضدها ونظرت لإبنة عمها قائلة :
- أنا روحت عشان سلمى وطلبت من آدم يبعد عنها وينتقم مني أنا لوحدي ومتكلمناش كتير أصلا هو رفض طلبي وطردني.
رفع يده في الهواء ملوحا بها بينما يهدر بصوتٍ عالٍ :
- وانتي ايه اللي وداكي ليه مخفتيش يؤذيكي او يعمل فيكي حاجة ويحط راسنا في الطين نسيتي ان الكل بيعرف الكل في المكان ده والكلام هيكتر علينا احنا مش هو لأنك انتي اللي روحتيله بنفسك ايه انتي مش لاقية حد يلمك ؟
وقفت نيجار تستمع لحديثه مدركة بأن غضبه ليس خوفا عليها بل خوف من الفضائح في حال حدث لها شيء ما، وهنا تذكرت كلام آدم عن أنها مجرد امرأة تحقق مصالح الرجال على حساب نفسها فإبتسمت بإستهزاء تداري كسرتها :
- مش لاقية حد يلمني؟ مكنش ده كلامك وقت كنت بتبعتني لآدم وتخليني اقعد معاه بالساعات عشان اسحب الكلام من لسانه ولا ده كان عادي ومسموح مادام مدارى عن عيون الناس.
ثانيتان فقط ووجدت نفسها ترتد للخلف إثر الصفعة التي وقعت على وجهها في غفلة منها فجعلتها تفقد توازنها لتلتقطها سلمى قبل وقوعها، إنتفضت جميلة مطالعة صفوان الذي ضرب نيجار لأول مرة في حياته وصاحت :
- لا ده انت اتجننت بقى ازاي تضرب اختك قدامي ايه مش عاملي حساب ولا كأني أمك.
- وهكسر دماغها كمان قليلة الرباية ديه !
وضعت نيجار يدها على شفتها النازفة بملامح جامدة تخفي وراءها قهرا عظيما ثم رفعت عيناها له بشموخ جعل صفوان يحترق حيرة من جبروتها الذي لا يُكسر مهما عايشت، لذلك وفي لحظة مجنونة وعند رؤيته لها تتحرك لتذهب إلى غرفتها ألقى بقنبلته إلى الوسط وهو يقول :
- مادام بتتصرفي على هواكي يبقى انتي اللي هتتجوزي آدم مش سلمى.
وقفت لبرهة دون أن تلتفت إليه، متمسكة بطرف فستانها تنشد منه تماسكا واهيا وعقلها عاجز عن إيجاد ثالث لإحتمالين إما أن صفوان جُنَّ وفقد رصيدا كبيرا من عقله الذي لا يملك منه الكثير بالمناسبة أو أنه يود اللعب على أعصابها ليعاقبها من وجهة نظره ، ولذعرها كان كل إحتمال أكثر رعبا من الثاني !
تجلّدت وإستنفرت حواسها فإلتفتت بوحشية إتقدت من عينيها متمتمة :
- بلاش الكلام الفاضي ده.
هدأ صفوان قليلا عند ملاحظته لصدمتها وإستطرد :
- انا مبقولش كلام فاضي يا نيجار ... بصراحة الموضوع زاد عن حده وعيلة الصاوي مش ناوية ع خير هما قدرو يضرونا في شغلنا وخلونا تابعين ليهم بسبب خسايرنا المادية والديون اللي علينا.
- و علشان كده انت قررت تقدمني قربان ليهم ؟
همهمت متجاهلة الغصة التي إحتكمت حلقها وتابعت :
- بس انا مش هنولهالك يا صفوان انا هسافر واروح للمدينة وابدأ حياتي هناك كفاية اللي عملته عشانك مش مستعدة اضحي بنفسي تاني.
أنهت جملتها وركضت إلى غرفتها وطفقت تكسر ما تطوله يداها حتى دلف صفوان وقال :
- عايز اتكلم معاكي.
شدت شعرها بحدة صارخة :
- وانا مش طايقة اشوف وشك اطلع برا !
لم يتزحزح من مكانه فإقتربت منه متشدقة بحرقة :
- مهانش عليك تبعتلهم سلمى بس هان عليك تبعتني ليهم صح كل ده لأني مش أختك الحقيقية مستعد تضحي بيا بالسهولة ديه.
أمسك ذراعيها سريعا وضغط عليهما مرددا بلهفة :
- عمري ما فكرت بالطريقة ديه انتي اختي اللي اتربيت معاها وبأتمنها على أسراري يا نيجار انتي بنت عيلة الشرقاوي وهتفضلي طول عمرك كده بس ... بس انتي عارفة اللي حصل بينك وبين آدم هو دلوقتي حاقد علينا ولو اتجوز سلمى هيؤذيها ومش بعيد يموتها وهي اساسا ضعيفة ومش قده مش هتقدر عليه معقوله هترضي تحصلها حاجة وحشة ؟
أزاحت يداها عنه معقبة بنقمة :
- وانا ايه اللي هيحصل فيا اول ما ادخل بيته نسيت اني خدعته وطعنته وسرقنا سبايك الدهب منه ؟
- انتي قوية وهتعرفي تواجهيه وتقفي في وش حكمت هانم أرجوكي جوازكم هيكون مؤقت على ما ألاقي حجة تخليه يطلقك وتبعدي عن هنا.
رغم لينه معها ومحاولته لإستمالتها إلا أن نيجار لم ترضخ فكيف ستدخل بنفسها لغرفة الرجل الذي غدرت به وطعنته كيف ستعيش في منزل مليء بأشخاص يكرهونها خاصة آدم الذي سبق وتركها للموت واليوم قام بإهانتها في شرفها.
لهذا مسحت دموعها مجيبة بتصميم :
- مستحيل انا مش موافقة أبدا هسيب هنا وأسافر و ابقى انت اتصرف معاه لوحدك.
نفذ صبره منها عند عجزه عن إقناعها وفكر بأنه ربما تسرع في الأمر لأن والدته ضغطت عليه، همَّ بالذهاب لكن قطعه طرق باب غرفتها يليه دخول جميلة وهي تقول بهدوء :
- ممكن اتكلم معاكي شويا.
أومأت نيجار بإقتضاب فتقدمت منها الأخرى وأمسك يدها متمتمة بحشرجة :
- انتي عارفة اني بعزك زي سلمى رضعتك مع عيالي لأن أمك كانت عيانة بعد ما خلفتك وساعدتها في تربيتك وسهرت عليكي وأبو صفوان ربنا يرحمه مخلاكيش تحسي بفقدان الأب هو خد باله منك ودرسك وكبرك وانا نفس الشي ومامتك كانت أعز من اختي بالنسبة ليا وهي كمان اعتبرتني كده ووصتني عليكي قبل ما تموت من عشر سنين.
شعرت بغصة في قلبها وحرق في عينيها عند ذكر والدها الذي توفى في طفولتها تبعته خسارة والدتها في سنوات مراهقتها فأخفضت رأسها ساحبة الهواء بعمق كي تهدأ ثم بلعت غصتها هامسة بنبرة مهزوزة :
- ايوة عارفة ... وانا اعتبرتك زي أمي.
إبتسمت جميلة ومررت كفها على شعر نيجار مردفة :
- طيب الست اللي معتبراها والدتك ملهاش حق عليكي ؟ معقول تعبي عليكي طول السنين ديه مخلاش ليا خاطر صغير عندك يا بنتي.
- لا طبعا خاطرك غالي.
- يبقى اعملي فيا الخير ده والحقي سلمى من الحفرة اللي هتقع فيها واتجوزي آدم بدالها يابنتي.
تفاجأت نيجار من كونها تفكر في نفس الشيء فسحبت نفسها منها ولكن جميلة ضغطت عليها باكية :
- ابوس ايديكي ديه سلمى رقيقة ومش قد عيلة الصاوي لا هو هيرحمها ولا جدته خاصة أنها أخت صفوان الحقيقية صفوان اللي لعب عليه وكان هيولع فيه اتخيلي هيعمل فيها ايه لو راحتله.
دمعت نيجار مجددا وشعرت كأنها تقف على خط رفيع بين نارين وكل طرف يسحبها إليه بضراوة حتى تحترق باللهيب !
أغمضت عينيها مستنجدة التماسك ثم فتحتهما وهزت رأسها موافقة :
- ماشي هعمل اللي انتو عايزينه أنا موافقة اتجوزه.
__________________
مساء اليوم التالي في قاعة الإستقبال الخاصة بعمدة البلدة.
جلس هو على المقعد الرئيسي وأشار لهما بالجلوس بجواره وقال :
- فكرتو في اللي قولتهولكم.
- ايوة.
أجاباه في نفس الوقت وأردف آدم بجدية :
- لقيت ان كلامك صحيح وده الحل الوحيد علشان نعمل صلح بين العيلتين عشان كده أنا موافق على الجواز.
هز رأسه برضا وإلتف لصفوان الذي قال :
- وأنا نفس الشي حضرتك بتمنى العداوة ديه تخلص وكل واحد مننا يكمل حياته في هدوء بس من بعد إذنك انا عايز اقول حاجة ... اجوزله بنت عمي نيجار مش سلمى.
ناظره آدم بذهول ولسان معقود عاجز عن الكلام قبل أن ينفرط تعقله وتتوحش ملامحه ويجز على أسنانه مبرطما :
- انت اتجننت مين ديه اللي ...
أحكم بقية كلماته في حلقه حتى لا يقول شيئا خاطئا أمام العمدة وزفر بغلظة مستطردا :
- ممكن افهم في ايه بعتقد اننا عملنا الإتفاق كرجالة يعني احنا مش بنلعب علشان كل مرة تجيبلي حاجة جديدة والمفروض أقول أمرك.
إنتصب واقفا وهمَّ بالمغادرة لكن العمدة إلتمس منه الهدوء والعودة لمكانه ثم خاطب صفوان مستفسرا :
- انا قلت انه هيتجوز أختك اشمعنا رايد تستبدل العروس بواحدة تانية.
حكَّ ذقنه ببلادة وقال :
- وأنا فعلا تكلمت مع عيلتي والست الوالدة وافقت مع أنها كانت خايفة على بنتها من الجوازة ديه بس اللي حصل امبارح قلب الموازين ووقعنا في مشكلة.
بنت عمي نيجار قلقت ع اختي جدا وده خلاها تغلط وتروح لمزرعة الصاوي عشان تقابل آدم وتطلب منه ميؤذيش سلمى وهو بدل ما يطردها او على الأقل يقابلها برا راح استقبلها في الاسطبل بتاعه والناس شافوهم وهما جوا لوحدهم ... وفهمك كفاية.
إستمع لتلميحاته المبطنة وإستشاط غضبا شاعرا بالنار تحرق خلايا تعلقه الذي لا يملك منه الكثير فضرب بقبضته على الطاولة الخشبية الموضوعة بجانبه وهدر بثورة :
- قصدك ايه بالكلام ده انت واعي للي بتقوله يلا !
رد عليه الآخر مدعيا الرصانة :
- أنا عارف انك مقصدتش حاجة وحشة وبنت عمي جتلك بنفسها علشان كده انا قاعد وبكلمك دلوقتي وإلا كان الموضوع هيتقبل لقضية شرف بس أنت كان المفروض تبقى واعي أكثر وتستوعب أنها صغيرة ومش دارية بنتايج اللي عملته مش تمشي معاها في الخط وتقابلها لوحدكو بعيد عن عيون الناس وأنت أدرى بالكلام اللي هيطلع عليكو.
مبالغة، كان حديثه من أوله لآخره مبالغا فيه حتى يضع نفسه في موضع الأخ الخائف على شرف أخته صفوان يعلم بأن آدم لن يكون قادرا على إخبار العمدة أنه كان على علاقة مع هذه الفتاة لأنه بهذه الطريقة سيظهر بشكل الأحمق الذي سمح لإمرأة بخداعه، لهذا هو الآن يستغل الموقف ويستفزه حتى يخرج أسوء ما لديه.
ضغط العمدة على عصاه بوجوم مرددا :
- الكلام ده صحيح يا ولد سلطان ؟
- ايوة صحيح بس انا مكنتش في نيتي حاجة وحشة هي جتلي بنفسها وانا قولتلها ان المواضيع ديه بين الرجالة بس وطلبت منها تطلع مش شايف ان الموضوع مستاهل الدوشة ديه كلها.
أجابه ببرود مفتعل مفكرا بأن نيجار جاءته قصدا حتى تفتعل هذه المشكلة ويرفض هو الزواج بها فيغضب العمدة منه ، كان يجب عليه أن يتوقع ذلك تلك الخائنة لا تفعل أي شيء بغرض شريف ولهذا السبب كان عليه أن يقرر في الحال شيئا سيقلب موازين حياته كليا فإعتدل في جلسته ورفع رأسه بشموخ هاتفا بوقار :
- بس طالما حصلت المشكلة ديه من غير قصد يبقى مفيش حل تاني ... مبتفرقش مين العروسة سواء نيجار او سلمى علشان كده انا موافق على عرضك يا صفوان وهتجوز بنت عمك عشان احفظ شرفك.
ضغط على يده بغيظ من إستفزاز الآخر له وتبيان بأنه سيفعل فيه خيرا ويحفظ شرفه لكنه أظهر إبتسامة مصطنعة وهز رأسه بإيجاب ، إنشرحت أسارير العمدة على تفاهمها فوقف وأشار لهما حتى يتصافحا بينما يردد :
- انتو بقيتو عيلة واحدة من النهاردة وأنا بوعدكم هعملكم فرح محصلش قبل كده.
إدع كل منهما التسليم على الآخر وقال آدم مبتسما :
- خيرك مغرقنا حضرتك بس بعد اذنك انا مش عاوز اعمل هيصة كبيرة كفاية كتب كتاب واحتفال صغير المهم حياتنا هتبقى ازاي بعد الجواز.
ربت على كتفه موافقا :
- انت إبن أصول وأنا متأكد أنك هتصون الست اللي ع اسمك حددو امتى ميعاد الفرح وانا معاكو.
همهم صفوان بإبتسامة صفراء سرعان ما اختلفت عندما نطق آدم على حين غرة :
- مفيش داعي نضيع وقت خلينا نجيب بنت عمه ومعاها مأذون يكتب كتابنا دلوقتي والفرح يتعمل الأسبوع الجاي ...
(بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير)
وكانت هذه العبارة بداية لصفحة جديدة بالنسبة إلى الجميع ... وبداية جحيمها هي !
__________________
ستووووب انتهى البارت
رايكم بيه انصدمتو بزواج آدم ونيجار في الفصل ده ولا كنتو متوقعينه ؟
رايكم بتضحية عيلة الشرقاوي بنيجار وهل هي هتفضل متسامحة معاهم ؟
ايه اللي هيحصل بعدما تدخل نيجار لبيت الراجل اللي خدعته وغدرت بيه ؟



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close