اخر الروايات

رواية مذاق العشق المر الفصل التاسع 9 بقلم سارة المصري

رواية مذاق العشق المر الفصل التاسع 9 بقلم سارة المصري



                                  
الفصل التاسع 
حاول أن يشتت تركيزه فى أي شىء 
تابع التلفاز لفترة ثم أغلقه 
طالع كتابا  ولم يتعد صفحتين منه وألقاه جانبا  لم يستطع الدوري الاسباني لكرة القدم ولا أدب نجيب محفوظ اللذان يمثلا عشقا خاصا له ان يطرحا صورة الفاتنة الشقراء عن خياله ، احتلت صورتها شاشة التلفاز وهي تتهادى في مشيتها أمامه بينما تتناثر خصلاتها في عشوائية حول وجهها وعنقها .. 
محت ابتسامتها ما خط على صفحات الكتاب لتخلق سطورا نقشتها ببريق ثغرها ...
أغلق جفونه تماما فتسللت بينهما في خفة كأنها تتحداه برقة تبدو أقوى من أي ارادة يمتلكها  ..
أمسك جبهته بيده وهو يتأفف ماذا فعلت به ؟؟
لم يحدث أن نبض قلبه بتلك الطريقة حتى فى مراهقته ..بينهما مجرد أيام ..ماذا بها لتلبسه الحيرة في أغرب ثيابها؟؟...اختلطت مشاعره لأول مرة تجاه نفس الفتاة ، شعر بحاجته للطمها على ملابسها المثيرة .. ولكن لما ؟؟...حين كان يرى مديرة مكتبه ترتدي مثلها كل ما كان يفكر به أن يبعدها فوجودها يضايقه ..أماهي فلا ..بل الأدهى انه شعر بحاجته لضمها حين رأى دموعها ..شعر للحظة أن أنامله ستخونه وتمتد لتمسحها...لا ليس أنامله بل شفتيه هي من ارتجفت تبغى التقاطها و....  
عليها اللعنة الى الجحيم ستأخذه عاجلا أم آجلا ..من تكون لتأخذ كل هذا الحيز من تفكيره ، أخذ يدق على جبهته وهو يهتف مرددا” ابتعدي ” 
دق باب غرفته فظنها أمه فلا يوجد شخص يطرق غرفته في هذا الوقت المتأخر سواها ، نهض فى خفة وهو يبتسم ليفتح لها فتفاجىء بسمر أمامه ، رمقها فى ذهول ولكنه تخطاه سريعا ليسألها  فى صرامة 
” سمر عايزة ايه وايه اللى جابك هنا فى ساعة زى دى؟؟ ” 
ردت وهى تهم بالدخول 
” ممكن بس ادخل الاول ” 
سد عليها زين الطريق يمنعها في حزم 
” تدخلى فين انتى مجنونة !!! ”
وأضاف وهو يزفر فى ضيق 
” سمر انتى مبقتيش صغيرة ..انتى هتخلصى جامعتك السنة دى وهتشتغلى ..مينفعش عمايلك دى ..قولى عايزة ايه بسرعة وخلصينى ” 
نظرت  الى يديها التى شبكتها فى توتر ثم الى وجهه وتلعثمت  
” أنا أنا ” 
ضرب زين كفيه ببعضهما وهمس  من بين أسنانه
” يارب نخلص ” 
تفاجىء بعدها  بيدها تمتد الى وجنته ..تسمر للحظات والصدمة أعجزته عن اتخاذ أي رد فعل فواصلت وهي تهمس بنبرة هائمة 
” انت هتفضل لحد امتى مش حاسس بيا ابدا ..زين انا بحبك ” 
اتسع ثغره فى ذهول..حملق بها في بلاهة ..حبس أنفاسه للحظة ..لم يظن أن يصل تفكيرها الى تلك النقطة مطلقا ..معاملته لها كمعاملته لايتن ..كم كرر على مسامعها أنها أخته الصغرى ...لم يصدر منه مطلقا ما يؤجج تلك الهلاوس ...
حرر انفاسه الحبيسة ليمد يده يزيح كفها عن وجهه فى عنف في نفس اللحظة التى مر فيها محمود ليراه يضع يدها فى كفه قبل أن يفلتها وهو يدقق في  نظراتها الهائمة لولده فهتف والدم يندفع الى رأسه   
” ايه اللى بيحصل ” 
واقترب منهما ليبدل النظر فيهما للحظات قبل أن يضيف في صرامة 
” كنتى بتعملى ايه عند زين يا سمر ” 
رد زين  بسرعة نافيا عنه تلك التهمة التى كادت ان تلحقها به تلك المجنونة 
” سمر مكنتش عندي يا بابا ”
وأضاف في تلعثم وهو يرمقها في غيظ  
” دي كانت جاية تسألنى على حاجة ”  
لفحه محمود بنظرة شك أحرقت ما يحاول خلقه من مبررات وسأله في ترقب 
” تسألك على ايه ان شاء الله فى ساعة زى دي ؟؟“ 
تراجع خطوة وحاول اضفاء كل ما امتلكه من ثبات الى نبرته التى هزها كذب لم يتقنه مطلقا وفتتها نظرة أبيه المتمعنة في انتظار اجابة 
” كانت بتسألني على سنتر تاخد فيه كورس انجليزي غير اللي بتروحه عشان مش عاجبها ” 
عض محمود على شفته السفلى وأشاح بنظره الى سمر  فلم تعلق على أي كلمة ..فقط احتفظت ببقايا نظراتها الهائمة محاولة هدرها في أي اتجاه ..أمرها فى حزم 
” روحي يا سمر أوضتك يلا ”
هزت رأسها ونظرت الى زين الذى أشاح بوجهه في حنق ، تابعها محمود حتى دلفت الى غرفتها ليقترب من ولده  ويقف امامه  للحظات يتبين صدقه ويقرأ ما يخفيه ، هو غير يوسف يعلم هذا جيدا ولكنه شاب فى النهاية وسمر ابنة عمه جميلة ويثق أنها تميل اليه ، تنهد وهو يقول في محاولة لاحتواء موقف لايفهمه ولكنه يخشى أن يضعه في اطاره الصحيح 
” زين ..سمر تبقى بنت عمك يعنى شرفك وعرضك ” 
اتسعت عينا زين ..ماذا ظن به ابيه !!! ..همس مسرعا في عتاب  ” ايه لزمته الكلام ده يا بابا ..حضرتك بت...“
لم يستطع أن يكمل عبارته لم يطعه لسانه أن يناقش أبيه في شكه به فواصل أبوه ” لو عايز سمر اتجوزها ..انا بتمنى ده من كل قلبي ..لكن اللى شوفته من شوية ده مش ابني ..ابني عمره ما كدب عليا وانت بتكدب يا زين ” 
كاد زين  في تلك اللحظة أن يخبره بكل شىء عن جنون ابنه اخيه فهو يرفض مجرد ظنه سوءا به ولكنه اكتفى بقوله 
” بابا ..سمر بالنسبالى زى ايتن بالظبط ” 
كتف والده ذراعيه نافيا حديثه 
” لا يا زين سمر مش زى ايتن ..ايتن اختك سمر لا ...وياريت تفكر دايما فى حسام وتشوفه بيحافظ على أختك ازاي ” 
حاول زين أن يرد فأنهى والده الحوار قائلا 
” روح نام يازين عندك شغل بدري” 
ألقى محمود جملته وانصرف ليغلق زين  باب غرفته في غيظ ، تلك الحمقاء فيما تفكر بالضبط ، لابد ان يؤدبها على ماقالت لتستيقظ من أوهامها تلك ، كادت أن تتسبب له في أزمة مع أبيه ...وبين نوبات غضبه عادت صورتها تتهادى أمامه في خفة متحدية كل شيء ليبتسم رغما عنه قائلا 
”وبعدين معاكي .. انتى مش عايزة تحلي عني ابدا ”
*****************************
فتح  عينيه على صوت نحيب وشهقات مكتومة تخترق أذنيه ..فرق جفنيه عن بعضهما في بطء مقاوما هذا الصداع المزعج الذى ألم به ، أغمضهما مجددا بقوة قبل ان يفتحهما ثانية ويحاول أن يستوعب أين هو وماذا يحدث حوله ، انتفض بسرعة من كرسيه حين رآها تقف مرتجفة فى احدى زوايا الغرفة وهي تغطى جسدها بسترة له وتمسك بطرف حجابها تحكمه على رأسها محملقة به في ذعر ، للحظات لا يعرف كم مرت ظل يرمقها بعينين متسعتين كأنه سيحتويها بأكملها فيهما ليستوعب ما يحدث ، المشهد أمامه لا يحتمل سوى تفسير واحد يرفضه بكل تفاصيله ،لم يفعلها سابقا و لن يفعلها الان معها بالأخص  ، استطاعت حروفه أن تفلت أخيرا من قيد صدمته فهدر وهو يلهث فى انفعال  
” ايلينا ايه اللى حصل ” 
تعالت أنفاسها للحظات قبل أن تصرخ به   
” مش عارف ايه اللى حصل ..انت مش بنى ادم ابدا ..انت حيوان حيوان ” ” 
استدار وهو يضع كفه على جبينه يفركه بقوة محاولا تذكر اى شىء دون جدوى ، لقد ثمل كالعادة ولا يعرف حتى كيف وصل الى هذا المكان 
اقترب منها وحاول ان يمسك كتفيها فصرخت 
” اوعى تلمسنى ” 
واضافت فى بكاء ألجم كثيرا من صراخها  
” انت ليه عملت كدة ؟؟...ليه حرام عليك ” 
لوح  بكفيه في عجز وهو يصرخ 
” انا مش فاكر حاجة ..ايلينا انا اذيتك ...معقول اكون اذيتك ...ارحمينى وردى عليا ” 
ردت فى مرارة ” معقول مش فاكر جريمتك كمان ” 
همس فى خفوت وصدمته تبعثر حروفه مجددا 
” جريمتي ” 
وارتمى على مقعد قريب فى تهالك غير مصدق انه اصبح ذئب انتهك عرض فتاة وثقت به ، اضطربت انفاسه أكثر فسمعها تقول 
” هات المفتاح اللى قفلت بيه الباب خلينى اخرج ” 
ضرب رأسه بكلتا يديه وهو يتهكم من نفسه ضاحكا في هم 
” انا حبستك كمان ؟؟“
حبس رأسه بين كفيه للحظات وهو يطرقها بهما كأنه يحاول استدعاء أي جزء من ذاكرته ..يتوسل عقله أن يخبره كيف غاب وماذا حدث في غيابه.. نهض بعدها في ضعف وهو يحاول ان يتمالك نفسه قائلا وهو يواجهها من جديد 
” ايلينا انا لازم اصلح اللى حصل ده فورا ...هنكتب الكتاب فى أسرع وقت انا هظبط كل حاجة من غير حد ما يحس ” 
تغيرت فجأة نظرتها المذعورة الى نظرة نارية يعرفها جيدا ..خلعت سترته عنها وألقتها تجاهه فى غضب وهي تهتف في صرامة 
” حصلني على تحت ” 
حملق  بالسترة على الأرض ثم تابعها وهي تخرج من الباب الذي لم يكن موصدا من الأساس و ثغره يتسع  في ذهول ، هل كانت مزحة أم خدعة أم ماذا ؟؟..كلا الأمرين يعني أنها أجادت التمثيل إلى أبعد حد ، تبعها وقد تملكه غيظ العالم منها وتمنى لو تمكن من رأسها وحطمه جراء لعبها بأعصابه على هذا النحو، وجدها تنتظره أمام سيارته تكتف ذراعيها وتنظر له من أعلى الى أسفل في جمود فاقترب منها قائلا من بين أسنانه في غيظ 
” ايه اللى انتى عملتيه ده ؟؟“ 
أجابته وجسدها يهتز غضبا 
” ده اللي سيادتك كنت هتعمله ” 
أشار اليها بسبابته نافيا في قوة
” أنا مستحيل اعمل حاجة زي دي ” 
هزت رأسها وهي تطلق ضحكة متهكمة
” هوا أنت فاكر حاجة اصلا ؟؟...أنت دخلت عليا سكران وقربت مني ولولا أن اغمى عليك من الشرب الله اعلم كنت هتتمادى لحد فين ” 
هز رأسه نافيا فى استنكار واضح مشوب بكثير من غضبه مما فعلته به
” كدابة ...أنا عمري ما أقرب لست غصب عنها حتى لو كانت حالتي ايه ” 
أشارت بسبابتها  تخبره في ثقة 
” هو انت فاكر ولا عارف ..انا فى خمس دقايق أقنعتك باللى انا عاوزاه كله ” 
استند الى باب سيارته يبحث عن رد ..قدرتها على خداعه أغاظته بالفعل فمال اليها فى غضب
” ده يثبتلي قد ايه  انتي ممثلة شاطرة وتستاهلي الأوسكار على أدائك ” 
تأملته لحظات قبل أن تردف فى مرارة 
” هوا ده اللى فارق معاك ...ليه يايوسف ؟؟...ليه ؟؟...ليه تغضب ربنا وتسكر ..ليه تعمل فى نفسك كدة ..ليه تشرب حاجة تفقدك عقلك وارادتك ..انا عملت اللى عملته بس عشان اثبتلك ان ممكن اى حد يستغل حالتك فى يوم ويخدعك .انت ناقصك ايه لده كله ..شاب من عيلة وعنده فلوسه وشغله ونجاحه بدل ما تشكر ربنا على نعمه بتعصيه ” 
تغيرت ملامحه الممتعضة وارتخت عضلات وجهه المتشنجة بغضب لتشعر ببعض من أمل يخبرها أن طريقها معه قد يصبح أسهل ان تخلى فقط عن بعض من عناده ، لمحت حزنا يطفو على السطح ويمتزج بنبرته وهو يغمغم في ألم شاردا 
” للأسف كل الناس بتشوف من برة وبس ” 
ضيقت عينيها  فى تساؤل تمنت أن يعطها جوابه 
” مش فاهماك ”  
تنهد فى خفوت والتفت لها ..تأملها للحظات ظنت فيها أنه سيخبرها الان بكل شيء ولكن أمنيتها البسيطة تلاشت بجملته الحازمة 
” مش مهم ..يلا عشان اوصلك ” 
استعادت جديتها ونظرت حولها قائلة  
” فى وقت زى ده مينفعش طبعا اركب معاك لوحدي” 
ضرب بكفه على السيارة وهتف في غضب 
” نعم !!!...وانتي لو خدتي تاكسي ان شاء الله مش هتبقى لوحدك ..وانتى ضامنة سواق التاكسي ومش ضامناني مثلا ..اومال لو مكنش الفيلم اللى اتعمل من شوية ده كله من اخراجك ” 
لم تستطع أن تخفي ابتسامتها فابتسم  بدوره وهو يقول في حنان تساءلت هل تحمله نبرته بالفعل أم أنه من محض ما تتخيل 
” اركبي يا ايلينا ...مش هطمن عليكي تروحي لوحدك فى وقت زي ده ” 
رمقته فى دهشة.. هل يعني ما قاله حقا ؟؟..هل يخشى عليها بالفعل؟؟ ..و أصابه نصيب من دهشتها فهو لا يعرف كيف خرجت منه تلك الكلمات بهذه البساطة فلم يمهل لتأثيرها وقت ليمحوه تماما قائلا  
” متنسيش انك أمانة فى رقبتي ولازم احافظ عليكي ” 
تنهدت وهي ترفع رأسها في شموخ تخفي به خيبة أملها بجملته التالية ..فتحت باب السيارة لتجلس الى جواره ولم يتفوه أحدهما بكلمة طيلة الطريق فكل منهما كان شاردا فى عالمه الخاص ..
هي تفكر ببوادر الأمل التي لاحت بوضوح فى تلك الليلة.. فقط تمنت لو فتح قلبه وأخبرها بما يشغله ، تمنت لو شاركته أحزانه.. أحلامه ..كل حياته ، أغمضت عينيها فى قوة ،لم يعد هناك داع للانكار هي بالفعل تحبه ..
أما هو فجزء منه يفتك به الغيظ  يقاومه جزء آخر يحمل لها انفعالات أخرى لا يجد لها مسما ..مشاعر لم يختبرها مسبقا وليس لديه أدنى فكرة ليفك طلاسمها  .. لم يعد يعرف الى أين تأخذه  ..ولكن ربما ترك لها يده وتنازل عن جزء من غروره وعناده ..والبداية قراره من هذه الليلة  ألا يقرب الخمر مجددا . 
*************************
ارتفعت ضحكات الفتيات وهن يفترشن أرض حديقة قصر البدرى بعد انتهائهن من تناول الغداء الذي دعا محمود عائلة ايلينا اليه ، أخذن يتبادلن الحديث والذكريات في سعادة وأكثرهن مرحا بالطبع كانت صوفيا بطفولتها المعتادة ،تابعتها سمر في تمعن ..لا تشعر بالراحة مطلقا لوجود تلك الفرنسية الفاتنة التي لاحظت أكثر من مرة نظرات زين المبهمة اليها ...لم تتحمل وجودها أكثر فنهضت تاركة المكان تماما  ، لم يتأثر الجمع بغيابها واستمرت الفتيات في حديثهن حيث قالت صوفيا وهى تميل الى ايتن فى عبث 
” واااو شكله بيحبك أوي ” 
التفتت لها ايتن تسألها في توتر
” قصدك مين ؟؟“ 
أشارت صوفيا برأسها باتجاه حسام الذى أخذ يسترق النظر اليها بين الحين والاخر كمراهق غر فزفرت ايتن فى ضيق  
” بس يا صوفيا انتي كمان الله يكرمك ” 
عقبت ايلينا وهى تتناول تفاحة من طبق الفاكهة أمامهن ” والله حسام شاب محترم وطيب وناجح جدا في شغله وبيحبك كتير يا ايتن ” 
عقدت ايتن حاجبيها وهي تهتف فى ضجر 
” غيرو السيرة الزفت دي ..ممكن ؟؟“ 
وحين همت صوفيا بالرد رمقت زين يمر من الحديقة الى الجانب الخلفي من المنزل فتنحنحت وهي تنهض فى خفة قائلة 
” عن اذنكو شوية وراجعة ”
، ولم تمهل  سؤال ايلينا الوقت لتسمعه 
” على فين صوفيا ”
ونظرت الى الشال الذى نسته  كالمعتاد وهى تتمتم فى غضب 
” برضه صوفيا نسيتيه.. البنت دى مش معقولة ” 
تبعته حتى وجدته يقف أمام حوض صغير للزهور تتوسطه زهرة حمراء مميزة وهو يمسك بخرطوم مياه ويبدأ فى ريه ، اقتربت وتنحنحت لتلفت انتباهه فالتفت لها لحظة ثم أشاح بوجهه فابتسمت وهي تقترب من الحوض أكثر  قائلة 
” الله ..حلو الحوض ده اوووى ..انت اللى بتهتم بيه على طول ” 
رد  فى اقتضاب ” أيوة ” 
همست  وهى تشير بسبابتها تجاهه 
” الوردة دى شكلها مميز ..اسمها ايه ؟؟“ 
كاد زين ان يلتفت اليها ولكنه تراجع وأجابها  
” مبهتمش اسمي الورد ” 
قالت وهى تقترب تتأمل الوردة فى اعجاب 
” بس وردة مميزة زى دي لازم يكون ليها اسم ” 
لم يرد  فسألته  في احراج 
” زين هوانت ليه مش بتبصلى وانت بتكلمني ؟؟” 
عض  على شفته السفلى يجيبها في حذر
” لو قلتلك مش هتزعلى ؟؟“ 
عقدت صوفيا ساعديها تجيبه ببساطة
” مش هزعل أوعدك ”  
رد دون ان يلتفت اليها 
” بصراحة مش قادر أبصلك وانتي لابسة اللى انتي لابساه ده ” 
احمر وجهها خجلا..نظرت الى جسدها في بطء .. الى قميصها عاري الذراعين والكتفين فتذكرت الشال التي أعطته له ايلينا وطلبت منها ارتداؤه ونسيته كعادتها في نسيان كل شىء فطرقعت اصابعها وقالت 
” طيب ثوانى ” 
وركضت كالأطفال لتعود اليه بعد لحظات وهى تغطي ذراعيها وصدرها بالشال.. ابتسمت وهى تحكم اغلاقه عليها 
” كدة تقدر تبصلي ” 
أفلتت منه ضحكة صغيرة رغما عنه وهو يسألها 
” صوفيا انتي عندك كام سنة ” 
ردت دون أن تدرك ما يعنيه 
” واحد وعشرين سنة بالظبط ” 
اتسعت ابتسامته لتسأله فى فضول
” شكلي أكبر من كدة ؟؟“ 
اتجه ليغلق صنبور المياه والتفت اليها أخيرا نافحا اياها نظرة باسمة وهو يجيبها 
” بالعكس شكلك بالكتير تمنتاشر سنة ” 
شعرت لأول مرة ببراءة نظرة رجل لها ، شعرت برقيه وبالفعل أحبت اشاحة نظره عنها وعدم تدقيقه فى وجهها وملامح جسدها ، أحبت اخلاقه ، اختلافه التام عنها ...وهو كان يقاوم بشدة سعادته من هذا القرب .. يود أن يعرف أكثر عنها ،كل شىء يتعلق بتلك الحورية التى تدخله الجنة بمجرد نظرة واحدة من عينيها هاتين ، لم يعد يهتم بالطريق الذى تأخذه اليه ، فلتأخذه الى جنتها أكثر ليغرق في نعيمها  ، نظر اليها لحظات قبل أن يسألها 
” صوفيا ..هو انتي اهلك ازاى موافقين تسيبيهم وتيجى تعيشى مع بنت خالتك وفى بلد لوحدك ..على حسب ما قولتي والدك مصرى ازاي يقبل بحاجة زى كدة ؟؟“ 
مررت يدها فى شعرها وجذبت بعض خصلاته كعادتها ان توترت ..خفضت رأسها للحظات قبل ان تهمس فى حزن لم يعد يهتم بتفسير تأثيره عليه
” ممكن اقولك بعدين ” 
وأحكمت الشال اكثر على جسدها وهى تقاوم ارتجافة ألمت بجسدها فجأة .
................ 
وفى مكان آخر نهضت ايتن من جوار ايلينا لترد على هاتفها ....تركتها وحدها لتشرد فيما حدث منذ أيام ، فؤاد ابن عمها قد تجاوز حدوده بالفعل ، ظهر في البداية مطالبا بالمنزل الذى يقيمان فيه فالطابق باكمله عبارة عن شقتين مملوكتين للعائلة ، والذى لايعلمه فؤاد هو أن جده قد كتب هذا المنزل باسم سمير قبل وفاته كتعويض له فهو لم يرث أي شىء من أمواله الطائلة التى استولى عليها اخوته بتوكيل عام حرره لهم فى مرضه ، عاد فؤاد بعد زمن يطالب بحقه فى المنزل رغم عدم حاجتة اليه فقد أورثه أبوه الكراهية لعمه مع المال الطائل الذى تركه له ، ولكن كل شىء تغير حين رأى ايلينا بقوتها وتحديها له فتغيرت وجهته تماما اليها هي وطلب من عمه الزواج بها ولكنها رفضت بقوة لتبدأ ملاحقاته ومضايقاته لينال موافقتها غير مبال بخطبتها لاخر ...
“ سرحانة فى ايه ؟؟؟“ 
شعرت  بصوته فرفعت رأسها اليه تجيبه فى حزن 
” ولا حاجة متخدش فى بالك ” 
قطب جبينه فى اهتمام نافيا اجابتها
” ولا حاجة ازاي شكلك متضايق..لو عندك مشكلة قولى يمكن اقدر اساعدك ” 
نهضت لتقف أمامه تخبره بما تتمنى أن ينكره 
” عايز تفهمنى انه هيفرق معاك اصلا ..انت ما بتصدق تلاقى حاجة تضايقنى ” 
تراجع خطوة للخلف ..لقد توقف عن مضايقتها ،توقف عن اغراقها فى العمل كعادته ، علاقته بها لم تكن كأى خطيبين ولكن كانت هناك هدنة على الاقل في الوقت الحالي ..،أشاح بوجهه يهمس في ألم
” للدرجادى ايلينا شايفانى انسان وحش ؟؟“ 
تنهدت فى عمق وهي تهمس في حب لم تشعر بمعانقته لنبرتها 
” لو كنت شايفاك انسان وحش مكنتش ارتبطت بيك يا يوسف ” 
ابتسم  فى شرود 
” وبعد اللى عرفتيه عني بتشوفينى كويس ؟؟“ 
ابتسمت قائلة 
” احساسى قالى انك ممكن تتغير ...واحساسى مش هيكدب عليا ابدا ” 
التفت لها  بابتسامة صافية فبادلته ابتسامته لأول مرة دون تهكم او اصطناع أو تحدى أو أي شىء من هذا القبيل ، ابتسامة كانت كافية لتجعل قلب يوسف يستجيب لنبضاته لأول مرة دون مقاومة .
*********************
” زين ..زين ” 
قالتها سمر في عنف فالتفت لها زين الذى كان لازال شاردا فى الطريق الذى رحلت منه صوفيا  ، رد فى ضجر وهو ينظر الى سمر الذى أصبح يعاملها بجفاف منذ ما كادت ان تتسبب به بينه وبين والده 
” نعم فيه حاجة ؟؟“ 
كتفت ذراعيها وردت  فى حدة 
” الخواجاية دى كانت عايزة منك ايه ؟؟“ 
تراجع  فى دهشة فواصلت  
” نظراتها ليك طول الوقت مش مريحانى ..والنهاردة كمان كانت ..“ 
قاطعها  هذه المرة فى حدة قائلا
” كفاية يا سمر ..صوفيا ضيفتنا عيب تتكلمى  عنها كدة ” 
اقتربت منه خطوتين وهمست في رقة  ” اعمل ايه يازين ..بحبك وبغير عليك ” 
زفر زين في حنق من أين جاءت تلك الفتاة بكل تلك الجرأة بل الوقاحة ...لم يعهدها هكذا مطلقا فهتف فى استنكار 
” تانى ...احنا مش قفلنا الموضوع ده خلاص ” 
ردت فى اصرار غريب 
” تانى وتالت ورابع ..زين ارجوك ادينى فرصة مادام مفيش حد فى حياتك ”
وفجأة لاحت صورة حوريته أمامه وكأنها تنفى ما قالته سمر نفيا قاطعا ولكنه تجاهل هذا ليخبرها فى جديه
” شوفى يا سمر انتى بنت عمى وعارفة انا بعزك اد ايه ..انتى اختى ومفيش اخ بيتجوز اخته ولا ايه ؟؟“ 
ردت والدموع تلمع بعينيها 
” حرام عليك يا زين ليه تعمل فيا كدة ؟؟“ 
تنهد زين في نفاذ صبر 
” لاحول ولا قوة الا بالله ..سمر افهمينى هيبقا حرام عليا لو اتجوزتك وظلمتك معايا ..انتى بكرة ربنا هيكرمك بحد يحبك ويقدرك ” 
ردت وصوتها يتمزق من النحيب 
” انا مش عاوزة غيرك انت يا زين حتى لو هتظلمنى انا راضية بالظلم مادام هبقا معاك ” 
كان لايدرى حقا ماذا يفعل لها.. هي اخته ولا يمكن ان ينظر اليها الا هكذا فهتف فى قسوة متعمدة 
” الموضوع منتهى يا سمر ومش هنفتحه تانى فاهمانى ” 
نظرت له فى خيبة امل وانطلقت تركض من امامه ، تاركة داخله اسئلة شتى ؟؟، هل كان الأمر سيتغير لو لم تظهر صوفيا فى حياته ..هل كان رد فعله سيختلف ، لم يكن يخطط ابدا للزواج عن حب ، كان سيتزوج زواجا تقليديا بحسابات العقل فقط وربما ترك الأمر برمته لأمه لتبحث له عن الزوجه المناسبة ولكن كل هذه الموازين قد انقلبت فى لحظة فلم يعد العقل وحده كافيا لاقناعه ، القلب الذى يتحدى المنطق وكأنه يختار الصعاب ليعشقها ، عاد الى نظرة الحزن فى عينى صوفيا فزادت حيرته وتمنى لو عرف عنها الكثير والكثير وبالفعل فى الصباح كان على مكتب ايلينا يتحجج بمراجعة بعض الملفات ..أخذ يدور فى الحديث ولا يعرف من أي زاوية ينفذ الى غرضه حتى وجدها فتسلل منها 
” بس صوفيا مش شبهك خالص يا ايلينا ..حاسس ان انتو الاتنين اتربيتو بطريقة مختلفة رغم انكو قرايب ” 
شعرت ايلينا باهتمامه بصوفيا كما شعرت بميلها اليه وفى نفسها تمنت لو كان كل منهما للاخر فزين بالفعل قادر على انتشال صوفيا مما هى فيه ، ردت وهى تعرف انه يدور حول السؤال ليس اكثر ” فعلا ” 
حك  ذقنه بسبابته قائلا 
” هيا اهلها فين ؟...وازاى سايبينها كدة ؟؟؟“ 
شبكت ايلينا اناملها امام وجهها تخبره في حزن 
” دى حكاية طويلة وتوجع القلب بجد ...توجع القلب بجد يازين ” 
فى تلك اللحظة كان يوسف يخرج من مكتبه واخر ماسمعه هو عبارة ايلينا الاخيرة ورأى اخاه ينظر لها فى تأثر واضح وتركيز وهو يكاد يلتهم ملامحها بعينيه او هكذا خيل له ليضرب بداخله هذا الاعصار ، أعاصير ونيران وزلازل وكل الكوارث الطبيعية  التى تصيبه حين يراها تحادث اى رجل حتى وهو يوقن انها لاتتجاوز اى حدود ، مشاعره تصيبه بالدهشة مالذى يتطور بداخله تجاهها ؟؟، ماهذا الشعور السخيف الذى الم به وهو يراها تحادث زين ،ربما لأنه يرى زين هو الانسب لها او يشك انها تراه كذلك ، تنحنح حتى لايظهر عليه الانفعال وقال 
” ازيك يا زين ..كنت عاوز حاجة ؟؟“ 
نهض زين وهو ينظر الى ايلينا يابتسامة زادت من سخط يوسف حين بادلته اياها كأنه قد اتخذ فرمانا بحكر ابتسامتها عليه  
” لا خلاص شوية ملفات وراجعتها مع ايلينا وماشى ..بعد اذنكو ” 
تابعه يوسف وهو يزمر شفتيه حتى اختفى لينظر الى ايلينا بغضب لم تعرف مصدره وهو يسألها في غيظ مكتوم
” مش ملاحظة انك مزوداها معاه ؟؟“ 
ردت في استنكار واضح 
” مع مين وقصدك ايه ؟؟“ 
رد فى تهكم وهو يشير برأسه حيث خرج زين 
” مع زين وعارفة انا اقصد ايه كويس ” 
نهضت من مقعدها فى غضب لتهتف في فى شراسة 
” انا عمرى ما اتجاوز حدودى مع حد ..ومسمحلكش بتلميحات من النوع ده ” 
تابع  وكأنه لايسمعها 
” لما هوا عاجبك كدة ؟؟؟متجوزتيهوش ليه من الاول بدل ما اتدبس انا فيكى ”
وكعادته فى غضبه لاينتبه ابدا لما يتفوه به ...وهى لم تستطع ان تبتلع اهانته هذه المرة ، حبها له  منعها من مواصلة تلك اللعبة التى تأخذ كثيرا من كرامتها وهى تفرض نفسها عليه مرة بعد مرة .. بل الأدهى يتهمها بعلاقة مع أخيه يعرف جيدا برائتها منها فقط ليتملص من ارتباطهما ، فى الماضى تحملت ولكن الان وهى تعى تماما حقيقة مشاعرها لم تستطع ...رفعت رأسها فى شموخ تخبره
" انا بقول كفاية لحد كدة ..لما توصل للدرجادى يبقى كل حاجة بينا تنتهى احسن ”
قالتها وهى تنتظر منه اى رد.. اى كلمة تدل على تمسكه بها ولو لمرة واحدة  ..
زاد حنقه عليها من تظن نفسها ...أهو مجرد لعبة بين اصابعها تلهو بها كما تشاء ابتلع ريقه فى غضب قائلا  وهو يرفع كفه الايمن
” على فكرة انا اصلا ملبستش دبلتك ...لانى عارف من الاول ان المهزلة دى لازم تنتهى ” 
لم تتوقع ابدا ان يكون بهذه القسوة ..وقتها علمت أنها تعيش حبه وحدها وهولايبالى بها فكان قرارها التى اتخذته في حينها ..




العاشر من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close