رواية مذاق العشق المر الفصل الثامن 8 بقلم سارة المصري
الفصل الثامن
أغلقت ايلينا باب المنزل خلفها ووقفت تستند اليه لحظات ،تنهدت وهى تفك حجابها فى ارهاق واضح ، قدمت صوفيا على صوت اغلاق الباب وصاحت فى طفولة وهي تفتح ذراعيها
” وحشتيني ايلي”
اندفعت اليها ايلينا وضمتها فى قوة و بادلتها الأخرى مشاعرها فى حرارة وهي تتشبث بها تشبث الطفل التائه الذي عاد الى أحضان أمه ،ابتسمت ايلينا وهي تمسح على شعرها هامسة في شوق
” وانتى وحشتينى صوفيا ..وحشني جنانك وهبلك ”
أفلتت صوفيا نفسها من بين ذراعي ايلينا وهي تتظاهر بالغضب
” وانتي يا عاقلة ..نازلة الشغل يوم خطوبتك وراجعة كمان متأخر ”
ردت ايلينا فى تعب وهى ترتمي على أحد المقاعد القريبة
” حكم القوي بقا نعمل ايه ”
قطبت صوفيا حاجبيها في تساؤل
” حكم ايه ؟؟“
تنهدت ايلينا وابتسمت فى ارهاق مردفة
”مع الوقت هتتعودي على المصطلحات دي متخافيش ”
جلست صوفيا على يد المقعد فى خفة وهي تنفي ما قالته صديقتها
” وقت مين ..دى زيارة وهرجع باريس تاني”
مسحت ايلينا جبهتها فى ارهاق ، هي ليست على استعداد لمناقشة الأمر مطلقا معها الآن
” سيبيها لله ..يمكن الظروف تتغير ”
وأضافت وهي تغمز بعينها لتحول الأمر إلى مزحة
” أو ربنا يرزقك براجل مصري أصيل يتجوزك ويلمك فى بلدك بقا شوية ”
مالت صوفيا اليها متهكمة
” راجل ايه ؟؟مصري ؟؟...لا لا انسي ...مش كفاية اللي بعتهولي يجيبني ده ”
نظرت لها ايلينا فى اهتمام تسألها
” زين ..حرام عليكى يا شيخة ”
عقدت صوفيا ذراعيها وقالت في ازعاج
” شكله نسخة تانية من اخوه ”
تراجعت ايلينا هاتفة في دهشة
” زين ؟؟“
أكملت صوفيا وهي تشيح بوجهها
” قليل الذوق الا حتى ما مد ايده يسلم عليا ”
هزت ايلينا رأسها وقالت فى تفهم
”اه كدة فهمت ..هوا عشان الراجل بيغض بصره ومحترم يبقا ميعجبكيش ”
لوت صوفيا فمها فى عدم فهم وهمست
” بي ايه ؟؟؟“
نهضت ايلينا ومسحت على رأسها لتخبرها في حنان” للأسف صوفيا انتي متعرفيش حاجات كتيرة عن دينك وأنا ياما حاولت معاكي وانتي مكنتيش بتديني فرصة ..والحقيقة ان زين غير يوسف خالص ” واضافت وهي تتنهد في حزن
” للأسف ”
ابتسمت صوفيا فى خبث قائلة
” وللأسف دى عشان انتى حبيتى يوسف مش كدة ؟؟“
تراجعت ايلينا فى ارتباك وقالت كأنها تدرء عن نفسها تهمة
” لا طبعا مبحبوش مين قال كدة ؟؟“
تمعنت به صوفيا واقتربت منها لتواجهها بما تنكره
” عمرك ما كنتى هتجازفى تانى بتجربة زى تجربة ريان ..عمرك ما كنتى هتغيرى نظريتك ان الطبع يغلب التطبع ”
حاولت ايلينا التملص منها بأي سبب اخر
” مكالمتك فرقت معايا كتير وكمان كلام باباه خلانى احس انه غير ريان تماما ..وانه مر بظروف خلته يحكم بمعايير مختلفة ”
امسكت صوفيا بكتفيها تجبرها على مواجهتها من جديد وهي تردف
” انتى خلاص اتورطتى معاه بمشاعرك ايلينا ..انتى بس كل خوفك انك متقدريش تغيريه فتضطرى تبعدى عنه وانتى مش عايزة تبعدى ايلينا ”
تسللت كلمات صوفيا الى اذنيها بل الى ذهنها مباشرة رفض عقلها التسليم لهذا وهي اعتادت أن تتبعه ، اعتادت أن تكون له اليد العليا .. فانحرفت الكلمات الى طريق آخر تبحث عن اجابة أكثر صدقا، الى قلبها الذي كان له رأي صريح أعلنه بنبضة عالية قوية كادت أن تهز كيانها بأكمله لتخبرها أن الحقيقة أقوى من أن تنكرها.. لتخبرها أن العقل هذه المرة لن يفيدها مطلقا فالاجابة الواضحة لدى القلب وحده ، لقد أحبت... لقد سقطت في عشق لن يفيدها انكار وجوده من عدمه ، محتال ..وقح ..وبه كل ما تكرهه من صفات ولكنها ...أحبته .. حاولت ان تبتسم لتتهرب من المواجهة وهي تهمس في تعب
” بقيتى فيلسوفة يا صوفيا ”
واضافت وهى تقترب منها فى حنان
” مقدرش انكر ان كلامك وقتها فرق معايا جدا وخلانى اغير طريقة تفكيرى ..طمنينى صوفيا انتى دلوقتى احسن ”
اطرقت برأسها فى حزن قائلة
” هبقا أحسن ايلينا ..هبقا أحسن ”
وكعادتها تخلصت من حزنها سريعا وقفزت وهى تصفق بيديها قائلة
” يلا بقا خلينا نستعد ..انا جبتلك فستنان خطوبتك معايا زى ما طلبتيه بالظبط ..هنبهرهم النهاردة بجد"
وبعد ساعتين بالضبط كانت ايلينا تتألق بثوبها الستان الذى أحضرته لها صوفيا من اللون الموف الهادىء ، كان مميزا وراقيا كأغلب ثيابها ، لفت حجابا من نفس اللون على رأسها وفوقه أضافت صوفيا طوقا صغيرا من الورد الابيض واقتربت في حذر لتضيف لها بعضا من مساحيق الزينة فرفضت ايلينا بشدة وزجرتها فى حنق ” صوفيا دى حاجة ع الضيق مش مستاهلة ده كله ” وانهت الحوار قبل أن تعطي فرصة لالحاحها المضجر ملقية نظرة اخيرة على نفسها فى المرآة لتخبرها بامتنان
” جميل ذوقك صوفيا ...الفستان تحفة ”
لوت صوفيا فمها فى انزعاج وهي تمتم
” ده مش ذوقى خالص انا جبته على ذوقك انتى ” وأزاحت خصلة من شعرها خلف أذنها وهي ترهف السمع لتهتف وهى تقطب حاجبيها
” ايه ده الناس جم وأنا لسة مجهزتش ” ...قفزت من مكانها كمن لدغها عقرب سام واتجهت لحقيبتها تنبش محتوياتها في عشوائية ، تابعتها ايلينا للحظات وهى تلوح باصبعها محذرة
” صوفيا البسي حاجة مناسبة ”
لم تعبأ بها مطلقا وهى تقلب بمحتويات الحقيبة يمينا ويسارا في حيرة ، هزت إيلينا رأسها في يأس ، تنهدت وهي تنظر إلى الباب وتضع يدها على صدرها تقاوم توترها وتتساءل للمرة الألف هل تسير بالطريق الصحيح ؟؟هل سيلاحقها الفشل في تجربتها المجنونة تلك كما لاحقها من قبل ، هل يوسف يستحق منها المجازفة وتحمل كل ما تجابهه من مخاوف ، هل يستحق أن تتوقف من أجله عن مقاومة تلك المشاعر الخبيثة التى تتسلل الى قلبها وتتملك كل يوم من كيانها أكثر ، مشاعر أشبه بأعراض مرض يضعفها ويسلبها ارادتها حتى في الخلاص منه فقد انتهى الوقت ، تخشى أن تكون هى الأضعف فيسحبها هو الى عالمه ، رفعت رأسها فجأة ترفض بقوة هذا الاحتمال ...لا لن يحدث ...لن تتنازل عن مبادئها من أجل هفوة من هفوات النفس ..أطرقت برأسها مجددا وقلبها ينفي مؤكدا رفضه لهذا التصنيف ..قلبها يرفض الاهانة فهو لايعرف الهفوات ..قلبها يخبرها
"توقفى عن الكذب ايلينا ، واجهى نفسك ، انه ...“
قاطع أفكارها طرق والدها على الباب فابتسمت وسمحت له بالدخول بعد ان نظرت الى صوفيا لتجدها لازالت تعبث فى حقيبتها ، أطل والدها بابتسامة هادئة وقال فى اعجاب وعينيه تلمع من السعادة
” بسم الله ما شاء الله ..قمر حبيبتى ”
ابتسمت فى خجل وانحنت تقبل كفه فقبل جبينها بدوره واحتضن وجهها بين كفيه قائلا فى حنان بالغ
” انتى متأكدة من الخطوة دى ايلينا ”
تنهدت وهي تنظر له في رجاء ، لا يعرف أنها فقط على وشك انهاء كل شىء بمجرد كلمة ، استعادت بعضا من ثباتها لتخبره بنبرة هادئة
” ادعيلى بابا وادعيله هوا كمان ”
ربت سمير على وجنتها في حب
” طب يلا العريس مستنى برة مع اهله ”
اومأت برأسها قبل ان تلتفت الى صوفيا تنبهها مجددا
” صوفيا اجهزى بسرعة هستناكى ”
ردت صوفيا وهى تقارن بين ثوبين في كلتا يديها ” حاضر حاضر عشر دقايق بس ”
تأبطت ذراع ابيها في تردد وخرجت اليهم ..وقع نظرها فى البداية على سميرة التى نهضت على الفور واحتضنتها فى سعادة وهى تتمتم بكل عبارات الاعجاب ، بحثت عيناها عنه في تلقائية وهى بين احضان سميرة حتى تلاقت بنظراته التي لم تستطع ان تفسرها ، حدق بها طويلا وخيل اليها أنه يرمقها باعجاب وتلاشى الخيال حين اشاح بوجهه في حنق وملل واضحين .. تجاهلته وهى تتلقى التهانى من باقى العائلة ، اتجهت سميرة اليه ولكزته في خبث ليتقدم الى عروسه فتنهد قائلا بابتسامة مصطنعة
” مبروك ”
ردت بابتسامة فاترة بدورها
” الله يبارك فيك ”
اشارت سميرة الى الاريكة قائلة
” تعالى يا عريس يلا جنب عروستك ..عشان تلبسها الشبكة ”
تقدم اولا ليجلس على طرف الأريكة وهو يجذب حافتى سترته فى غيظ مشوب بتوتر لايعرف مصدره ، تبعته وجلست على طرف الأريكة الاخر وكل منهما يشيح بوجهه فى اتجاه فقال زين محاولا تلطيف الأجواء
” تلبسو الدبل قبل ولا بعد الجاتوه ؟؟“
لم يعبأ يوسف به بينما ضحك الباقون فأجابته ايلينا وهى تفرك يديها ” هنستنى صوفيا ..دقيقة وهتخرج ”
عقد محمود حاجبيه متسائلا
” مين صوفيا ؟؟“
” أنا ”
قالتها صوفيا وهى تتبختر فى دلال مرتدية ثوبا من اللون الاحمر يضيق على جسدها ويرسم منحياته باثارة وقد رفعت شعرها بتسريحة بسيطة ووضعت زينتها بشكل دقيق افقدها مظهرها الطفولى لتخرج امرأة تضج أنوثة وجمالا ، نظر الجميع اليها فى دهشة فأوضحت ايلينا
” صوفيا بنت خالتي ”
وعرفتها بالباقيين حتى وصلت الى زين وقالت
” الباشمهندس زين اكيد عارفاه ”
نظرت اليه بابتسامة واسعة ولكن وجهه المقتضب أزاح ابتسامتها جانبا وهو يلوي فمه قائلا
” أهلا ”
تنحنحت سميرة قائلة
” مش يلا يا عريس تلبس عروستك شبكتها ”
رفعت ايلينا حاجبها فى اعتراض لتقول ” لا طبعا ولا هيلمس ايدى من اصله ”
رفع يوسف حاجبه بالمثل وعجز عن اخفاء غيظه فمال اليها هامسا من بين أسنانه
” لا حوش انا اللى هموت والمسك ”
ابتعدت عنه وهى تحدق به فى صرامة، ابتسم محمود وسمير وهما ينظران الى بعضهما البعض ، لينظر الأول الى سميرة قائلا
” خلاص يا سميرة لبسيهالها انتى ”
وبالفعل التقطت سميرة العلبة المخملية الأنيقة لتفتحها امام ايلينا التى لم تستطع ان تنكر ذوقها العالى رغم كراهيتها للمجوهرات ، البستها سميرة شبكتها وقبلتها فى حنان واعطت يوسف حلقته الفضية فدسها فى جيبه بعد ان احتفظ بها لحظات بين اصابعه ..التفت الى ايلينا ليقرأ رد فعلها فبرعت كالعادة فى رسم اللامبالاة على وجهها ، لم ينتبه الحضور بما فعله يوسف وانشغلو بتهنئة بعضهم البعض على الخطبة وتقديم التهانى الحارة واطلقت سميرة زغرودة رغم عدم اتقانها للامر مما اثار ضحك الجميع ،تدخل زين بخفته المعتادة ليلطف الأمر
” دلوقتى بقا ناكل الجاتوه ”
ضرب محمود كفيه ببعضهما قائلا
” هوا انت ايه حكايتك يا ابنى انا حاسس انك جاى مخصوص تاكل جاتوه ..هوا انت محروم ولا حاجة ”
تصنع زين الجدية وقال
” اومال انت فاكرنى جاى عشان يوسف مثلا ..الا الجاتوه ده انا موصي عليه ”
نظرت له صوفيا فى تمعن... ابتسامته بدت لها جذابة وزادت من وسامته أكثر ...لم تتخيل ان هذا المتجهم بامكانه أن يضحك هكذا
ضحك سمير بدوره قائلا
” خلاص ياعم زين نقوم نجيب الجاتوه ”
وهم ان يغادر الى المطبخ فأوقفه زين بكفه قائلا
”ابدا والله ما يحصل ارتاح انت يا عم سمير قولى بس المطبخ فين وانا هتعامل ”
حاول سمير اثناءه و ولكنه اصر فتبعه وهو يحمل علب الجاتوه الى المطبخ ونظر الى صوفيا قائلا
” معلش حبيبتي روحى ساعديه ”
هزت صوفيا رأسها وهى تتبعه فى تردد... وجدته يوزع الاطباق امامه بعد ان فتح علب الجاتوه ليبدأ فى رصفه بها ، تنحنحت لتنبهه الى وجودها وقالت
” أساعدك ازاى ؟؟“
أجاب دون ان يلتفت اليها ” متشكر مش محتاج مساعدة ”
نظرت الى اليمين واليسار فى احراج .. تقدمت وأخذت ترصف الجاتوه فى الأطباق مثله ولم تستطع أن تقاوم رغبتها فى تذوقه بعد كل حديثه عنه ، فأخذت قطعة صغيرة وتذوقتها ولاكتها فى فمها فى تلذذ واضح وهى تغمض عينيها قائلة
” امممم ..حلو اوى ”
التفت لها ولاحظ سقوط قطعة من الكريمة على ذقنها فابتسم دون أن يعلق ..قطبت حاجبيها وهى تتساءل عن سر ابتسامته هذه وقبل أن تستفسر منه وجدته يقلب في الأدراج كأنه يبحث عن شىء فاستبدلت السؤال
” بتدور على ايه ”
رد وهو يفتح درجا
” على الشوك ”
مدت يدها لتفتح أحدهم فى نفس اللحظة التى مد يده بدوره ليفتح نفس الدرج فتلامست أنامله مع اناملها الباردة ليبعدها بسرعة كمن لسعته نار .. لم تنتبه هي للامر أو ربما لم تعطه اهمية فهمس زين وهو يعطيها ظهره ” انا آسف ”
رمقته فى حيرة وسألته
” على ايه مش فاهمة ؟؟“
قطب زين حاجبيه فى حيرة واستنكار هل لم تشعر بلمسته ؟؟، ام انها اعتادت ان تلمس عن قصد ودون قصد حتى اصبح الامر لديها عاديا ، ازداد حنقه منها حين وصل الى رأسه هذا الاحتمال .. انتهت من رصف بعض الأطباق فقالت في هدوء وهي تحملها لتخرج بها ” يلا بينا ” .. تابعها وهي تخرج بطريقة لم يتابع بها انثى من قبل تابع شعرها الاشقر وقدها الممشوق و..، هز رأسه بعنف ماذا فعلت به هذه الفتاة ستقوده الى الجحيم حتما ان ظلت امامه ، عادت الى المطبخ من جديد لتحمل طبقين آخرين فوجدته لازال فى مكانه موليا لها ظهره وهو يضع يديه فى جيب سترته فمدت أناملها فى تلقائية الى كتفه قائلة
” انت واقف كدة ليه ؟؟فيه حاجة ؟؟“
انتفض من لمستها ولعن نفسه اكثر أن تؤثر به كل هذا القدر فالتفت لها فى حدة وقال فى لهجة أشبه بالتهديد ” ايدك دى ما تلمسنيش تانى ..فاهمة ؟؟“
تراجعت وهى تقبض كفها فى الهواء لا تفهم بالضبط مافعلته لتنال منه هذا ، تسمرت للحظات تبحث عن اجابة يخبرها بها فلم تجد سوى نظرات سخطه الغير مبررة ، التمعت الدموع فى عينيها فتنهد فى عمق وهو ينظر حوله ليجد صينيه كبيرة وضع عليها أطباق الجاتوه المتبقية وخرج بل فر من أمامها ..فر من قلبه الذى كاد يتوقف من تزايد نبضاته الغير مفهوم وهو يرى التماع الدموع فى عينيها .. يحثه على اشياء يرفضها عقله وتدحضها مبادئه تماما ، لم يعش صراعا هكذا من قبل ومن أجل من ؟؟، من اجل فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر لم يلتقى بها سوى من ساعات ، حاول ان يقنع نفسه انه اعجاب ذكورى بحت بفتاة صارخة الجمال لتعود نبضات قلبه تكذب ادعائه فهو لم يرها بتلك النظرة ابدا بل تمنى لو خلع سترته وغطى جسدها به ليحميها من اى نظرة تخترقها ، اللعنه لما تمنى ذلك ؟؟، من تكون تلك الشقراء بالنسبة اليه ؟؟،لقد رأى أجمل منها من قبل ولم تحدث احداهن ولو ذرة من هذا التأثير به
تابعته عيناها حتى خرج لتتحرر من دموعها ، لما عاملها بهذه القسوة ؟؟، لما فر منها كأنها شىء يثير تقززه ؟؟، ماذا فعلت لتستحق كل هذا الغضب ؟؟..ضغطت على شفتيها فى غيظ ، لماذا لم تعنفه ؟؟؟لماذا تركته يذهب هكذا دون ان ترد له الصاع صاعين ، منذ متى يهينها شخص وتتركه يذهب هكذا فى سلام ، لماذا غرقت فى نظراته هكذا حتى تاهت بين قسوته وجاذبيته وتأرجحت الى أيهما تميل ، شعورها بالنبذ دائما يقتلها ، لقد لفظت من ابيها وامها وعائلتها بأكملها وتلقت العطف من كل اسرة بعضا من الوقت ، لولا وجود سمير وعائلته لتدمرت تماما ، حافظت لها ايلينا على بعض من شرقيتها بقدر المستطاع ولكن ازدواجيتها لم تفارقها ابدا ،أما ما حدث الليلة فلا يمكنها تقبله أو تفسيره، زين هو اول رجل ينظر اليها هكذا ، لم يكترث بجمالها فيجيل نظره فيه بنهم ، هو اول رجل يشيح بنظراته عنها وكأنها قطعة من القماش البالى لا قيمة له ، اقسمت فى نفسها ان ترد له اهانته والا تتركه يمر هكذا مرور الكرام .
..............
مال حسام الى أيتن التي تقف جواره وهو يهمس في حب
"عقبالنا "
زفرت وهي ترمقه في حنق للحظة قبل أن تشيح وجهها لتخبره وهي ترفع كفها الأيمن
" ما احنا مخطوبين اهو ..عقبالنا في ايه "
ابتسم ليقف أمامها ويقول
"أقصد فرحنا أن شاء الله ..لما انتي ترضي عني وتحددي معاد بقى "
عضت على شفتها ، لقد ملت حقا من تلك اللعبة السخيفة ، ملت من احتمال حسام هذا ولو بعضا من الوقت لتتمكن من اقناع أبيها أنها أخذت فرصتها ولم تحبه لينهي الأمر كما وعدها ..لو أخبرت حسام نفسه بالأمر سيبلغ أباها وسيرفض انهاء الخطبة ، تساؤله دوما لا يمل من طرحه ، كرره مرارا وتكرارا هل هي مرغمة على هذا واجابتها لاتتغير هي ليست مرغمة هي تأخذ فرصتها ليس أكثر ، اجابة قد تبدو له منطقية وهي اكثر كذبة منمقة تمكن خيالها من صياغتها حتى تمر تلك الشهور على سلام .
..............
تركت العائلتان يوسف وايلينا على أريكتهما وابتعدا قليلا حتى يتركا لهما مساحة فى الحديث وضع يوسف ساقا على الأخرى وأخرج هاتفه يعبث به بينما ظلت ايلينا تنظر في كل الاتجاهات وهو يتابعها بطرف عينه حتى زفر فى ملل
” خيليتني بتدوري على ايه ؟؟“
لم تنظر اليه وهى تتابع بحثها وتجيبه
” على صوفيا ”
ابتسم فى خبث وهو يفكر فى طريقة جديدة لمضايقتها قائلا في نبرة حاول صبغها باعجاب
” صوفيا ...مش عارف مطلعتيش زيها ليه ”
التفتت اليه فى تساؤل فواصل فى استفزاز
” بصراحة أجمل منك بكتييييير ”
كان يعرف جيدا طبيعة اى امرأة وحساسيتها من الانقاص من جمالها امام اخرى وان كانت اقرب الناس الى قلبها ولكن لايلينا قواعدها الخاصة دائما ،ابتسمت وهى تميل اليه قليلا هامسة في ثقة
” ده بمقاييسك انت ”
صفر بشفتيه كمحاولة لدهس ثقتها كعادته
” للدرجادى شايفة نفسك حلوة ؟؟“
اعتدلت وهي تضع ساقا على الأخرى مثله وتقول
” مش مهم انا شايفة نفسى ازاى ..المهم انا راضية عن نفسى ولا لا ..لما بقف قدام المراية بحب اللى انا شايفاه ..لما انام بحس انى مرتاحة ..كفاية اوى احساسى ده ..اهم حاجة فى الحياة هيا الرضا ..اهم حتى من السعادة ..لأن السعادة مش معناها انك ماشى صح بالعكس الغلط ساعات بيكون طعمه أحلى بس الندم احساس مبيتوصفش ”
وأضافت وهى تتمعن به
” راضى عن نفسك يا يوسف ؟؟”
تنهد ولم يجد ردا .. وجدت كلماتها طريقها الى قلبه وغزته فى لطف لتشعر هي ان هناك بعضا من الامل وان الأمر يستحق الصبر والمجازفة ، نهضت من جواره الى المطبخ تبحث عن صديقتها وفي نيتها أن تؤنبها على ثوبها الملفت فقد خالفت اتفاقهما تماما، ولكنها نست كل شىء فجأة حين رأت صوفيا وهى تستند الى الحائط وتبكى بطريقتها الطفولية التى اعتادتها ايلينا تبكيها حين تحزن بشدة ، كانت تنتحب وهى تمسح دموعها بظهر يدها ، انتفضت لرؤيتها هكذا واندفعت تجذبها لتضمها الى صدرها تسألها في قلق
” صوفيا حبيبتى مالك ..انتي تعبانة ؟؟“
هزت صوفيا رأسها بالنفى فواصلت ايلينا
” حد هنا ضايقك ؟؟“
هنا اندفعت صوفيا تهتف في غضب من بين شهقاتها
” البنى ادم المتخلف الهمجى ده اللى اسمه زين ”
اتسعت حدقتا ايلينا من وصفها لزين وسألتها في استنكار
” عملك ايه ؟؟“
انتحبت صوفيا اكثر فأمسكت ايلينا بكتفيها تكرر سؤالها ” عملك ايه صوفيا ؟؟“
رفعت صوفيا عينيها المنتفختين الى ايلينا وقصت لها كل ما حدث وهى تكيل لزين كل انواع السباب والشتائم التى تعرفها حتى كادت ايلينا ان تصرخ بها لتتوقف ولكنها تمالكت نفسها قائلة فى حسم
” صوفيا عيب كدة ميصحش ”
تذمرت صوفيا وقالت في اعتراض
” كل ده بس عشان لمست كتفه ..يكلمنى بالطريقة دى ”
عقدت ايلينا حاجبيها فى تفكير ...صوفيا هذه المرة محقة ..حتى لو كان زين ملتزما الى هذا الحد فلم يكن هناك داعى لهذه الثورة كان يكفيه ان يلفت نظرها بلباقته التى اعتادتها منه ، هذا الفج الغليظ الذى تتحدث عنه صوفيا ليس بزين مطلقا ، ربما ...خاطر مر على بالها فابتسمت فى أعماقها وتمنت لو صح ظنها ولكن كيف بهذه السرعة !!..ربما كانت مجرد بدايات.. وصوفيا ايضا ليس من طبعها ان تكتفى بالبكاء او تبكى من الأصل جراء اى اهانة ، الطبيعي انها كانت ستصفعه او ترد له كلماته اللاذعة كما اعتادت منها ..أما ان تقف هكذا تبكى بحرقة فهذا لم تعهدها عليه مطلقا ، قاطعت صوفيا افكارها تسألها
” انا بقا عملت ايه لده كله ؟؟“
انتبهت لها فتنهدت وهى تمرر يدها على شعرها قائلة فى حنان
” صوفيا حبيبتى فيه حاجات هنا كتير مختلفة عن باريس مع الوقت هتتعودى عليها ”
برمت صوفيا شفتيها وتهكمت
” وقت ؟؟....وقت ايه ..انتى متخيلة انى ممكن اقعد فى بلد زى دى ...انا هرجع باريس تانى وفى اقرب فرصة كمان ”
وانسحبت من امامها لتخرج ...اصطدمت بنظرات زين التي علقت بمدخل المطبخ دون وعي .. لاحظ احمرار عينيها وأنفها من البكاء فأشاح بوجهه فى ألم أنكره على نفسه ولم يكترث بوجوده بقدر اكتراثه بايجاد مبرر له ..بينهما فقط ساعات كيف يهتم لأمرها من الأساس ...وحين تلاشى نظراتها شعرت أنه كالعادة يزدريها فأسرعت الى الشرفة في محاولة لتنظيم انفاسها وهى تضع يدها على قلبها الضعيف تتوسله ألا يلحق بها نوبة من نوباته ، لحظات مرت قبل ان تلتفت على صوت طرقات على باب الشرفة ..وجدته يقف فى تردد ، اخذت انفاسها تتسارع من جديد.. لن تتركه يفلت هذه المرة ، هذا المتعجرف يستحق اقسى الكلمات فى قاموس اللغة ولكن أين ذهبت الكلمات عليه اللعنة فتحت فمها لتحاول ايذاءه بأى عبارة ولكنها توقفت حين قاطعها
” أنا آسف ”
اتسع ثغرها أكثر وصمتت تماما كأنه خدرها بكلمته تلك ..خدرها للدرجة التي لم تشعر فيها بدمعتها التى غافلتها وسالت دون وعى ...أخفض رأسه ليخفى تأثيرها عليه مرددا
” حقيقى اسف ”
ولم يترك لها مجالا للرد اذ انسحب على الفور وهو يهمس
” بعد اذنك ”
أهو بالحق يتعمد أن يثير جنونها... لا تنكر ان ملامحه لفتت نظرها من البداية فهى اقرب صورة من ملامح فارسها... بشرته القمحية وعينيه السوداوين التى يعلوهما حاجبان كثيفان وشعره البني الداكن الذى تعشق صوفيا لونه ولولا انها شقراء لصبغت شعرها بنفس اللون بعد ان رأت كم يبدو جذابا به ، حين رأته تخيلت انه سيكون ككثير من العرب فى باريس متساهلا ووقحا الى حد كبير فى التعامل مع من يظنها اجنبية ولكنها تفاجئت به يزهد بعينيه عنها ، تفاجئت بفظاظته التى تلاشت منذ دقائق بحنان غريب أخرسها تماما ، حنان جعلها تغرق فى عينيه اكثر وتغوص باحثة عما هو اجمل فى اعماقه ، كلمة واحدة كانت كافية لتفعل بها كل ما فعلته وجعلتها تتساءل هل من الافضل ان تغادر الى باريس قبل أن يثير هذا الفارس العربى جنونها اكثر ؟؟؟؟
************************
مر أسبوعان على الخطبة ويوسف لايتوقف عن سخافاته باغراقها فى العمل حتى تمل ، لازال يقاوم وهى تعرف أن معركتها تحتاج الى كثير من الوقت ولكن هناك فرصة وستتمسك بها ، أغلقت المكالمة مع ابيها بعد أن اطمئن عليها وشعور خفي بالقلق يداهمها عليه فهى تلاحظ ان صحته تتدهور ويجاهد بقوة ليخفى المه عنها مخبرا اياها ان الامر لايتعدى كونه ضيقا من تصرفات ابن عمها الذى ظهر فجأة ، انشغلت فى عملها اكثر حتى تتمكن من انجاز ما طلبه منها هذا المتغطرس ، وبعد فترة نظرت الى ساعتها لتنتفض فى فزع لقد تعدت الساعة الحادية عشر مساءا دون ان تشعر ، اللعنة عليك يا يوسف ، القت بقلمها ونهضت لتستعد للذهاب وقبل ان ترحل دخلت الى مكتبه لتضع بعض الملفات التى انجزتها وابتسمت دون وعى وهى تشم رائحة عطره لازالت عالقة بالمكان ، شعرت بقوة الرائحة تزداد تدريجيا فقطبت حاجبيها وهى تنظر تلقائيا تجاه الباب ..تراجعت فى فزع حين وجدته خلفها وهو في حالة ثمالة واضحة ، أمسك بجبينه وهو يترنح فى عدم توازن ليرفعه بعد قليل ناظرا اليها يسألها فى تلعثم
” انتى بتعملى ايه هنا ؟؟؟..مروحتيش ليه ؟؟“
كتفت ذراعيها وهتفت فى غضب فتلك هي المرة الأولى التى تراه هكذا
” ايه خايف على منظرك عشان بشوفك وانت سكران ”
اقترب منها بخطوات غير متزنه و هتف بها
” دى حياتى اذا كان عاجبك ..بسكر وبعرف ستات ..عاوزة تتجوزينى ليه بقا ؟؟“
وأضاف وهو يقترب منها أكثر ويمسك كتفيها ليهزها فى قوة أدركت بها انه ليس فى وعيه تماما فهو لم يفعلها من قبل مطلقا
” ليه ؟؟...فيكى ايه يحيرنى ويتعبنى كدة ؟؟؟...انتى مين اصلا ..اخرجى من حياتى ”
لم يكن فى وعيه أبدا وهو يقربها منه اكثر وهى تحاول التملص من بين ذراعيه وتصرخ به
” انت بتعمل ايه يا يوسف فوق بقا.. ”
قربها أكثر منه وهو يميل عليها بأنفاسه المشبعة برائحة الخمر لتشيح بوجهها في تقزز ويهتف هو
" قولتلك ابعدي ...انتي أصريتي ...لازم تعرفي القرب مني بيوجع ازاي "
"فوق يا يوسف ..فوق ...أنا ايلينا "
صرخت بها وهى تحاول الفكاك منه باستماته ولكنه كان فاقدا للادراك تماما واخذ يقترب ويقترب اكثر وهى تحاول التملص والمقاومة دون أدنى فائدة ..
+