رواية مذاق العشق المر الفصل السادس 6 بقلم سارة المصري
فصل السادس..
لم تره هكذا ربما منذ أن خرج للحياة من رحمها ، لم تعهده غاضبا من قبل الى هذا الحد ...قاد السيارة بسرعة دفعت أباه الى الصراخ به فلم يعبأ بأحد وهو يعتصر المقود بين يديه ويتجنب النظر اليهما ..كأنها رحلة فرار لا يعلم سببها سواه ، أو كأنها رحلة موت يهدد الجميع باصطحابهم معه فيها ...وصل الى القصر فهبط من سيارته مسرعا وتبعه أبواه في صمت ..تقابل مع زين الذي ناداه عدة مرات ولم يجبه ،فتح باب غرفته فى عنف ، فك رباط عنقه فى عصبية والقاه ارضا في حنق ، نظرت سميرة الى الرباط وتنهدت لتنظر اليه من جديد قائلة ” ايه مالك ؟؟..ماتهدى كدة وتكلمنى ”
استدار لها يوسف فى حدة ، فتح ثغره للحظات وأغلقه وهو يغلق عينيه في قوة كمحاولة للسيطرة على ما سيتفوه به لسانه ، عض على شفته السفلى قبل أن يفتح عينيه ويمسح وجهه هاتفا ” مالي..انتي بتدبسيني يا ماما ؟؟“
عقدت سميرة حاجبيها تسأله في استنكار ” بدبسك!!!! ..بنت اخلاق وأدب وجمال وانت نفسك ياما قلت فيها شعر ..جاى دلوقتى تقولى بدبسك ؟؟“
اقترب زين ليربت على كتف أخيه قائلا” اهدى بس يا يوسف وفهمنى فى ايه ..العروسة معجبتكش زى كل مرة ؟؟ايه الجديد بقا ؟؟“
نظر له يوسف وهو يعض على شفته مجددا فى غيظ حتى كاد يدميها ليهتف مجددا” حضرتك عارف العروسة تبقى مين... تبقى ايلينا اللى بتشتغل معانا ”
ضيق زين عينيه في دهشة ليهمس ” ايلينا ازاى يعنى ؟؟“
اشار بكفه الى سميرة وهو يهتف بزين ” اسألهم ”
هزت سميرة رأسها واقتربت من زين تمسك ذراعه تسأله ” انت عارفها يا زين ؟؟؟مش كدة ؟؟؟البنت تتعايب فى حاجة ..شوفت عليها حاجة ؟؟“
مرر زين يده فى شعره وهو ينظر الى وجه يوسف الذى احمر من الغضب قائلا ” بصراحة البنت مشوفتش لا فى اخلاقها ولا فى ذكائها ”
رمقه يوسف وتهكم به” خلاص يا اخويا ما دام عاجباك اتجوزها انت ” ابتسم زين وهو يشيح بوجهه ليقول ” والله انا معنديش مانع بس انت سبقتنى وخلاص مبقاش ينفع ”
دفعه يوسف فى حنق فقاطعته سميرة فى عصبية ” فى ايه يا يوسف انت فاكر ان البنت رمية ومش لاقية حد يتجوزها ولا ايه دى الف مين يتمناها ”
بسط يوسف كفيه امامه قائلا ”بسسسس... اديكى قولتى الف مين يتمناها ..تتجوز واحد من الالف دول وتحل عن سمايا ”
اقتربت سميرة منه كأنها تتوسله” يوسف البنت دى فعلا لو ضاعت منك مش هتلاقى زيها .. .الزوجه الصالحة فى الزمن ده بقت عملة نادرة ..اه البنات فعلا على قفا من يشيل بس اللى هتنفعك واحدة زى ايلينا ” واضافت فى حنان وهى تمسك بكفيه ” بس يا حبيبى لو فيه حد فى حياتك قول وانا اروح اخطبهالك بنفسى ..انا ميهمنيش غير سعادتك ...نفسي أفرح بيك بقا يا يوسف ” وافلتت دمعة من عينها تعلم جيدا تأثيرها به فرق لها قلبه على الفور ...يحبها لدرجة التقديس ، يضعها فى مرتبة خاصة لا يضاهيها احد ..يعلم كما تعلم أنها نقطة ضعفه الوحيدة ، اقترب ليمسح بأنامله دمعتها ...رسم ابتسامة بسيطة على وجهه ليتخطى الموقف معها وقبل رأسها قائلا ” انا اسف يا ماما انى اتعصبت عليكى ..أنا بس اتفاجئت ..حاضر هعملك اللى انتى عاوزاه ...وهتجوز اللي انتي اخترتيها ”
صفر زين وهو يضع يده فى جيب سترته ” مش شايفين انكو بتتكلمو على اساس انها وافقت ..ممكن جدا متوافقش على فكرة ”
امتقع وجه يوسف بينما ابتسمت سميرة لتخبره في جذل" لا ماهى وافقت "
وهذا ما حير يوسف لماذا ؟؟، لماذا قبلت به وهي تعلم عنه كل ما تعلم ..لحظات ابتسم بعدها فى خبث مرددا وهنا مربط الفرس .
**************************************
تمددت ايلينا فى فراشها وتنهدت فى عمق في محاولة لاسترخاء تحتاجه بشدة بعد كل هذه المواجهات الساخنة مع يوسف ، ابتسامة خبيثة طلت في حياء مجتازة شفتيها وهي تتذكر وجهه حين أعطتهم موافقتها على الخطبة ، مررت يدها في شعرها شاردة فيما حدث حين عادت من عملها الى المنزل لتجد محمود يجالس سمير اباها ، تقدمت بابتسامة عذبة لتحيييه وعينيها تتابع بتساؤل نظرة الوجوم على وجه والدها الذى ربت على الأريكة جواره مبتسما وهو يقول ” تعالى يا حبيبتى جنبى ..عمك محمود عايزك فى كلمتين ”
نظرت الى محمود في ترقب قبل أن تتحرك لتجلس الى جوار ابيها ، ابتسمت مجددا وهى تضع حقيبتها على المنضدة قائلة ” اؤمرنى يا عمى ”
ابتسم محمود من أدبها وقال ” الامر لله يا حبيبتى ..اخبار شغلك ايه ويوسف عامل معاكى ايه ؟؟“
نظرت له فى حيرة تخلصت منها سريعا لترد قائلة ” الحمد لله الشغل ماشى كويس ”
نظر محمود الى سمير وشبك اصابعه وهو يطأطأ رأسه ارضا للحظات قبل ان يرفعها من جديد قائلا بسرعة وكأنه يخشى التراجع ” شوفى يا بنتى من غير لف ولا دوران ومقدمات ملهاش لزمة انا عاوز اطلب ايدك ليوسف ابنى ”
تراجعت ايلينا فى ذهول ونظرت الى أبيها فى انتظار اى رد منه او تفسير ، عن أي خطبة يتحدث هذا الرجل انها عائدة لتوها من شجار محتدم معه كالعادة من أين خرج بتلك الفكرة المختلة !!!،حاولت قول أي شىء فتلعثمت ” ح..حضرتك قولت ايه ؟؟“
استند محمود بمرفقيه على ركبتيه مواصلا وكأنه يدير صفقة ما ” قبل أي حاجة لازم تعرفي حاجات كتير عن ابني وأولها عيوبه ...يوسف بتاع ستات ومش بس كدة ده بيشرب كمان ”
شهقت في عنف وهى تسمع منه هذا الكلام ، نعم سمعت حواره مع جينا ولكن لم تتخيل ان تسمع وصف أبيه بنفسه ، لم تتخيل أنه يعرف حقيقة ولده ويتجاهل، تنهدت في عمق فالحوار على كل حال ليس منطقيا من الأساس وليكن ابن البدري هذا ما يكن ، ماشأنها هي وقبل أن تعطي فرصة لتفكيرها في انكار هذا وادعاء عدم أهميته سارعت قائلة وهى تحاول ان ترسم ابتسامة على ثغرها ” وحضرتك متخيل ان بعد كلامك ده أنا ممكن أوافق عليه ”
واصل محمود وكأنه يزيح حملا من على كتفه ” يوسف مش كدة ايلينا ..أقصد ان فيه ظروف وصلته لده ..يوسف محتاج مساعدة ..محتاج حب حقيقى يوجهه للصح ..محتاج ست تصحح مفاهيمه ..مش من حقي أقول ظروفه ايه لأن دي حكاية مر عليها سنين طويلة ممكن هوا مع الوقت يقولك بنفسه ..للأسف هوا كان جزء من حكاية قديمة وصعبة خلته يرفض أي ارتباط من أي نوع ”
قالت ايلينا وهى تدير حدقتى عينيها فى تفكير ، هذا الرجل سيدفعها الى الجنون حتما ” رافض أي ارتباط ازاي اذا كان حضرتك دلوقتي بتقول انه بتاع ستات ”
تنحنح محمود قائلا في حرج” اه بس ده لزوم أنه يتبسط وبس ”
أشاحت ايلينا بوجهها فى تقزز قائلة ” اه كدة فهمت ”
لحقها محمود قائلا ” متفهميش غلط يوسف علاقته بيهم عمرها ما وصلت للحرام ابدا ”
ابتسمت ايلينا فى سخرية قائلة ” على أساس ان العلاقات بالطريقة دي مش حرام ولا لازم يرتكب كبيرة من الكبائر ..انا اسفة يا عمى انا مش هقدر ارتبط بيه ”
وهمت بالنهوض لولا أن وقف محمود بدوره أمامها يمنعها قائلا ” انتي بتشتغلى مع يوسف بقالك اد ايه ايلينا ”
ردت ايلينا في بساطة دون أن تعى ماسبب السؤال ” من ست شهور تقريبا ”
ضم محمود كفيه الى بعضهما قائلا ” عمره حاول مرة انه يتجاوز حدوده معاكى ..عمرك شوفتيه تجاوز حدوده مع اى موظفة من الموظفين ” اغمضت ايلينا عينيها وهي تحاول أن تستخلص اجابة منصفة ، رغم ماعلمته عنه الا أنه كان مهذبا معها الى أبعد حد ، بالفعل كان يتعمد اغاظتها ولكن حتى نظراته لم تحمل أي تجاوز والحال مع باقى الموظفات ، ردت ايلينا بعدها ” لا عمره ما حاول وده لأنه بيحب يحافظ على شكله ومنظره فى شغله مش اكتر ”
هز محمود رأسه قائلا ” مش بس كدة ...يوسف عمره ماضحك على واحدة ولا عشمها بحاجة ..أغلب اللى يعرفهم هما اللى جريو وراه وعارفين كويس وضعهم فى حياته ايه ”
تذكرت ايلينا وقتها حواره مع جينا ، نعم لقد ذكر لفظ علاقة عابرة في طيات حواره وطلب منها الاتنتظر منه اى مشاعر موضحا أنهما اتفقا على ذلك من البداية ،الان فهمت ما يعنيه ولكن هذا لا يمنع كونه منحطا ولن تغير رأيها في أخلاقه مطلقا ، وجدت نفسها تقول في تهكم ” لا فعلا ونعم الاخلاق ”
ونظرت الى أبيها الذي كان يتابع الحوار في صمت وقالت ” ساكت ليه يا بابا متتكلم ”
هز سمير كتفيه قائلا ” انتي ناضجة وكبيرة كفاية يا ايلينا عشان تقررب أنا واجبي أنصحك وبس ”
أشار محمود الى ايلينا قائلا ” اقعدي بس يا بنتى خلينا نكمل كلامنا ”
جلست فى استسلام فواصل محمود وهو يجلس بدوره ” انا قولتلك لحد دلوقتى على عيوب يوسف بس متكلمتش على مزاياه ..يوسف راجل بمعنى الكلمة ..طول ماانتي معاه هتكوني فى أمان ..هوا بس محتاج واحدة زيك تشده معاها للطريق الصح ..أنا من أول ما شوفتك وأنا واثق انك تقدري تقومي بالدور ده ” وأضاف في تردد ” واللى خلانى أصر اكتر اني حسيت ان ابني شايلك احساس جواه ”
التفتت له ايلينا وقالت وهى تشير بيدها الى صدرها في ذهول ” ناحيتي أنا ..أكيد بتهزر ؟؟؟“
رد محمود فى جدية ” يوسف عمره ما هيعترف بسهولة حتى قدام نفسه انه حب ..مش هيقدر يترجم احساس مجربوش قبل كدة من أصله بالعكس ده هيرفضك بكل طريقة وهيحاول يبعدك كمان ”
ضحكت ايلينا وهى تضرب كفيها ببعضهما قائلة ” ده على أساس انى هوافق عليه اصلا عشان هوا يرفض ..انتو عايزه يرفضني واروح اقله انا اللى هموت واتجوزك ..انت بتتكلم ازاي يا عمي ”
قال محمود في حزم ”احنا هنحطه قدام الامر الواقع ”
ابتسمت ايلينا من اصراره على موافقتها وهو يعطيها بنفسه كل أسباب الرفض ” حضرتك بتتكلم كأني وافقت ”
رد محمود فى رجاء ” ايلينا انا ابني فعلا محتاج مساعدتك وانا واثق ان محدش هيقدر يقوم بالدور ده غيرك ..وبعدين مفيش حاجة هتتم غصب عنك مفيش جواز من اصله هيحصل غير لما يوسف يتغير بجد وانتى اللى هتقرري ده ..انا مش هخدعك واقولك ان معركتك معاه سهلة بالعكس دى هتبقى عنيفة وزى ما قولتلك هيحاربك بكل طريقة وهيحاول يبعدك ”
شعرت بحيرتها تتضاعف وهي تدفع ارادتها خطوة للموافقة وجزء من كيانها الغبي يدفعها معه فردت وهى تضع جبينها بين سبابتها وابهامها تخبره باحدى مبرراتها التي لازالت في طور المقاومة وترفض الاستسلام ” عمي للاسف انا مقتنعة تماما ان مفيش بنى ادم بيتغير وان الطبع غلاب زى ما بتقولو هنا فى مصر ”
قال محمود بسرعة ” ويوسف طبعه مش كدة ..قولتلك مجرد ظروف اتعرضلها ”
هزت ايلينا رأسها ، لا يعرف كم تكره تلك الكلمة ” تاني ظروف ..حضرتك مش متخيل انا بكره الكلمة دى قد ايه ..الشماعة اللى بنعلق عليها كل غلطنا والحقيقة ان الغلط عمر ما بشوفله مبرر ”
قال وهو يتشبث ببعض الامل معطيا اياها مثال يفهمه مثلها جيدا ” أي انسان ممكن يتغير ..رابعة العدوية مثلا شوفي كانت ايه وبقت ايه ..ربنا قادر على كل شىء بس بيبعتلنا اسباب وانتى هتكونى السبب اللى هيغير يوسف للأحسن ”
نظرت له هذه المرة دون ان تنطق ، تفتت كل مبرراتها فجأة وتهاوت أمام جزءا من ارادتها الخبيثة في الموافقة فواصل محمود ” طبعا انا عارف انك محتاجة وقت تفكرى فيه ” ابتسمت في تعب وهزت رأسها ليشعر محمود بالأمل يتزايد ” انا هستنى تليفون منك متتأخريش عليا ”
وذهب تاركا اياها مع أبيها الذى ابتسمت وهى تربت على يده قائلة ” ها يا بابا رأيك ايه ”
نظر لها سمير فى تعب وقال ” رأيي ان مهما تحاولى تخبى مش هتقدرى تخبى عليا انا ابدا ..انتى زيك زى يوسف بالظبط ..انتي كمان مشاعرك اتحركت ناحيته بس اخلاقك وتربيتك ودينك رافضين وجودها ناحية يوسف بالذات ..ومشاعرك دى هيا الى مخلياكى عاوزة تساعديه وخايفة عليه من الطريق اللى ماشى فيه ”
ارتبكت ايلينا ووالدها يواجهها على هذا النحو بما لم تعترف به حتى لنفسها فقالت ”بابا انا ” اشار لها والدها لتصمت مواصلا وهو ينهض لينهى الحوار ” لو قررتى تساعديه خدى بالك من حاجة مهمة وحطيها حلقة فى ودنك لو حد واقع فى حفرة وانتى مادة ايدك عشان تخرجبه فرصته انه يوقعك تحت اكبر من فرصة انقاذه ..بس انا عارفك كويس وعارف انى عمرك ما بتستسهلى ..تجربتك مع ريان مختلفة عن دى خدى بالك ..ريان كانت مجرد خطوبة تقليدية ومكنش فيها أي مشاعر من ناحيتك ..لكن يوسف ” وصمت بعدها ليغادر المكان قائلا ” زى ماقولتلك قبل كدة ده قرارك وانا دورى انصحك وبس ” وقبل جبينها وهو يدعو لها بصلاح الحال ، انتشلتها نغمات العود الخاص بعلي من أفكارها ، الصغير يحب الموسيقى وأتقن العزف عليه في وقت قياسي والمدهش أنه يختار نغمات شرقية عتيقة وكلمات صعبة الفهم على فتى في عمره ، ابتسمت وهي تنهض من فراشها لتقترب أكثر من صوته الشجي بمرح ، استندت الى الباب وهي تسمعه يشدو رائعة احمد شوقي
"مضناك جفاه مرقده
وبكاه ورحم عوده
حيران القلب معذبه
مقروح الجفن مسهده
يستهوي الورق تأوهه
ويذيب الصخر تنهده
ويناجي النجم ويتعبه
ويقيم الليل ويقعده
الحسن حلفت بيوسفه
والسورة أنك مفرده
وتمنت كل مقطعة
يدها لو تبعث تشهده " ، رددت كلماتها دون وعي وعقلها شارد تماما
الحسن حلفت بيوسفه
والصورة أنك مفرده "، لفت خصلة من شعرها حول اصبعها بابتسامة حالمة ترسم ملامحه للحظة ، عينيه البنيتين وتلك الخطوط الصغيرة التي ترتسم حولهما حين يبتسم ، شعره الناعم حالك السواد وأنفه المستقيم في شموخ غريب ، لحيته القصيرة المهذبة باستمرار والتي لاحظت اخفائها لغمازة صغيرة في ذقنه او ما يسمى طابع الحسن ..أما شفتيه فهما ....هزت رأسها في عنف وهي تردد " استغفر الله ..استغفر الله ،"
وعضت على شفتها السفلى وهي تغلق الباب لتقف خلفه مستندة اليه وهي تقول في نفسها " مش حلو أوي يعني ...عادي خالص وأقل من العادي كمان "
رن الهاتف لينقذها من مواجهة نفسها بادعائها الكاذب فابتسمت وهى تعود الى واقعها بصوت صوفيا ونبرته الطفولية المميزة قائلة ” صوفيا ..لسة صاحية ؟؟“
ردت صوفيا فى ارهاق ” مكنش ينفع انام من غير ما اطمن عليكى ..انتى واثقة من قرارك ايلينا ”
جذبت ايلينا الغطاء عليها وقالت كأنها لم تسمعها ” انا اسفة صوفيا اسفة بجد اني كنت بالقسوة دى عليكى ”
تنهدت صوفيا قائلة ” اللى حصل حصل ايلينا ..انا خلاص نسيت ”
قالت ايلينا في تقدير مشوب بكثير من الاعتذار ” متعرفيش مكالمتك معايا فرقت كتير ازاى ”
ابتسمت صوفيا قائلة ” خدتى قرارك بسرعة ايلينا ..كنتى محتاجة وقت اكتر من كدة ”
ردت ايلينا فى شرود ” لوفكرت مش هغامر ..هيا فى الأول والآخر مغامرة ”
لحظات من الصمت قطعتها صوفيا قائلة في حماس مفاجىء كعادتها ” على فكرة انتى ليكى عندى خبر حلو ...انا جايالك مصر قريب ”
***********************************
وفي الصباح كانت ايلينا على موعد مع معركة اخرى تعرف انها ستواجهها حتما مع يوسف ، جلست على مكتبها الجديد كمديرة لمكتبه وهى تنقر بقلمها فى توتر وتحاول ان تكون اهدأ ، رفضت المنصب مسبقا ولكنها الآن تحتاجه بشدة ، أنبأتها رائحة عطره المميزة عن قدومه ، لحظة مرت وجدته بعدها يدلف الى المكان وخلفه الساعى كالعادة يحمل حقيبته ، توقف عند مكتبها وخلع نظارته الشمسية ليرمقها بنظرة نارية جاهدت لتخفي انفعالها بها ، التفت بعدها الى الساعي ليأخذ منه حقيبته ويصرفه بايماءة من رأسه قبل ان يميل اليها قائلا فى غلظة” حصليني” تنهدت في قوة لتستعد لمواجهة تعرف صعوبتها وتحمست في الوقت ذاته لرؤية بارد المشاعر هذا وهو ينصهر أمامها غيظا كلوح الجليد ، تبعته الى مكتبه وهي ترسم على ثغرها ابتسامة تعرف جيدا أنها سيتفز تماما بها ، لن تننكر انها تراه جذابا أكثر وهو على عصبيته تلك ، وجدته واقفا يعطيها ظهره وما ان شعر بالباب يغلق حتى التفت لها قائلا ” انتى بتستعبطى صح ؟؟“
هزت ايلينا كتفيها قائلة في هدوء " فيه حاجة غلط فى الشغل يا فندم ؟؟“ وفتحت ملف كان بيدها قائلة ” أنا رتبت لحضرتك المواعيد النهاردة على حس..“ قاطعها وهو يلتقط الملف من يدها ويطيح به أرضا قائلا من بين أسنانه ” بطلي استعباط انتي عارفة أنا بتكلم على ايه ”
علقت نظراتها للحظة بينه وبين الملف الملقى أرضا وعادت تبتسم من جديد لتخفي توترها ” حضرتك احنا فى شغل والمفروض ان ” لم يمهلها فرصة للكلام وهو يشير بسبابته اليها قائلا ” مش انتي اللى هتعلمينى اتكلم فين وازاى ..ومش حته عيلة زيك هتقدر تضحك عليا ”
كتفت ايلينا ذراعيها وقالت فى هدوء كاد ان يفتك به غيظا ” أنا مش فاهمة حضرتك بتتكلم على ايه ”
نظر الى الأعلى لحظات وقال بعد أن مسح وجهه بيده " مش فاهمة ؟؟....مقولتيش ليه من الاول انك تبقى بنت صاحب بابا ”
هزت كتفيها بلا مبالاة قائلة ” وكانت هتفرق معاك فى ايه ..انا قدمت السي في بتاعي زي أي حدد وحضرتك بنفسك اللى اخترتني ”
وضع يديه فى خصره وقال ” والله!!!... طيب مكنتيش تعرفى اني جايلك مع اهلي باليل ”
ردت فى صدق ” مكنتش اعرف ”
مال اليها وقد اوشك حاجبيه الكثيفين ان يلتصقا ببعضهما من شدة تقطيبه لهما ” ووافقتى ليه ؟؟“
ردت وهى تعود خطوة للخلف متجنبة مزيدا من التوتر بقربه ” وانت اتقدمتلي ليه ؟؟“
صاح في نفاذ صبر ” مترديش على سؤالي بسؤال ”
ردت في تحد ” خلي اسئلتك منطقية الأول وانا ارد عليك ”
استدار يوسف ليعطها ظهره لحظات مسح فيها وجهه بكفه وعاد ليواجهها من جديد قائلا ” ما علينا من ده كله ..انت دلوقتي هتروحي وتقولى لباباكى انك مش عايزانى ”
قطبت حاجبيها في اهتمام قائلة ” لا مش هقول كدة ..انا اديت لباباك ومامتك كلمة وانا مش برجع فى كلامى ..لو حابب انت ترجع براحتك ”
بسط كفيه امامه قائلا كأنه يساير طفلة ” خلاص ياستى وانا اهو بقولك انى رجعت فى كلامى ومش عاوزك.. روحى بلغيهم ”
قالت فى برود وكأن الامر لا يمثل لها أي قيمة ” طنط سميرة وعمو محمود اللى كلمونى فى الموضووع من الأول انت روح قولهم انك رافض وهما يبلغونى ”
رد فى ذهول ” وهيا هتفرق معاكى فى ايه ان شاء الله ” واضاف وهو ينظر اليها فى حنق يزداد وهو يراها لا تعبأ به مطلقا ” دى لو واحدة غيرك واحد قالها انه مش عايزها مكنتش اديته فرصة حتى يكمل الجملة ”
هي تعرف انه يختار اقسى الكلمات ليجعلها تتراجع و لن تجعله ينتصر هكذا من اول جولة ” اوكى انا هكلم طنط سميرة واقولها انك مش عاوز ” وهمت ان تغادر لولا ان اوقفها صوته وهو يقول ” استنى هنا رايحة فين ...اوعى تقوليلها كدة ”
ابتسمت للحظة قبل أن تتصنع الحيرة والتجهم مجددا بتميز وتلتفت اليه قائلة ” حيرتنى معاك ..عايزنى اعمل ايه دلوقتى ؟؟“
حك يوسف جبينه بيده وقال في ترقب ” عاوزك تقولى ان الرفض من ناحيتك انتى ”
ردت وهى تقلد لهجته وطريقة نطقه للجملة” اسفة مبكدبش ”
اقترب منها تدريجيا وهو يقول ” يعنى ايه مبتكدبيش وانتى موافقة عليا ازاى وليه اصلا ” واضاف فى وقاحة وهو يغمز بعينه ” تكونيش بتحبيني ..ولا طمعانة بقا فى الهيلمان ده كله ”
عضت ايلينا على شفتها فى غيظ ، هذا الوقح المغرور يتجاوز حدوده ” لا ده ولا ده واسبابى هحتفظ بيها لنفسى ”
رد وهو يشيح بكفه ” احتفظى باللى انتى عاوزاه بس خليكى فاكرة انا مش عاوزك واتقدمتلك واتدبست فيكى بس عشان رغبة ماما مش اكتر وانا مبحبش ازعلها ” واخفض صوته وهو يقول فى جدية ”بس خدي بالك انتى متعرفيش حاجة عنى ..احسنلك ابعدى ...افتكر اني نصحتك ”
نظرت الى اليمين واليسار وقالت ” على فكرة النهاردة احنا عندنا شغل كتير فياريت لو خلصت كلامك نبدأ ..ولا غيرت رأيك ومش هبقا مديرة مكتبك ”
هز يوسف رأسه فى خيبة امل قائلا ”لسوء حظى وحسن حظك انى مش برجع فى كلمة قولتها والا كان زمانك مرمية برة الشركة ”
علمت جيدا نيته فى استفزازها فلن تعطه ما يريد أبدا ..ابتسمت لتغيظه قائلة في استفزاز ” خلاص بعد اذنك هروح اشوف شغلى ” ، تابعها وحنقه منها وصل الى اقصاه ، تمنى لو صفعها فقد استفزته كما لم يفعل انسان على البسيطة من قبل .. سؤال واحد لازال يحيره ...سؤال ترفض تلك السمجة الاجابة عليه .. لماذا قبلت به ،كيف وهى على الاقل علمت جزء من حياته بحواره مع جينا ، جلس على مقعده فى تهالك...هل عليه أن يسلم بالأمر الواقع ..هل حبه لأمه وتقديره لها سيدفعه للاستسلام ...هل سيخالف وعده لنفسه ويربط أنثى باسمه ...لا لن يكن ...لن يسمح لهذا الزواج ان يتم مهما كلفه الثمن وسيسحق ثقة المغرورة تلك فى نفسها هذه تحت قدميه لتعلم من تواجه .
*****************************************
استرخى محمود فى مقعده وأخذ نفسا عميقا قبل ان يرتشف من فنجان القهوة الذى اعدته له سميرة بيديها، لسنوات طويلة لم يستسغ طعم القهوة الا من يدها ، ابتسم لها قائلا وهو يستلذ بمذاقها في فمه ” لسة ابنك شايط ”
ضحكت سميرة قائلة في تسلية ” هوا شايط بعقل ..ده خرج من بدرى عشان ميشوفش حد فينا ”
وأضافت وهى تنظر الى الفراغ فى تفكير ” انا بدعى ربنا ليل نهار ان ربنا يهدى ابنك ويحببه فيها ويتم الجوازة دى على خير ..لو ضاعت منه مش هيلاقى زيها ابدا ”
ربت على كفها في حب قائلا " اطمنى يا ام يوسف ...ابنك فعلا جواه حاجة ليها..بس اقول ايه بقا العند ”
احتوت كفه في كفها وهي تقول بابتسامة حالمة ” ياما نفسى يكون ليها اخت زيها كدة ناخدها لزين ”
تنهد محمود قائلا في حزم ” زين الدين بنت عمه اولى بيه ..بس فى الأول والاخر راجل مقدرش اغصب عليه وفى الاخر يظلم البت معاه ..انتى عارفة ولاد اخويا امانة فى رقبتى هتحاسب عليها قدام ربنا ” وطأطأ رأسه مضيفا في وجع ” كفاية كنت السبب فى حرمانهم من ابوهم وامهم ”
قالت سميرة فى رقة وهى تضع يدها على كفه ” تانى يا محمود ...الموضوع عدى عليه كتير اخرج منه بقا ”
هز رأسه قائلا فى حزن ” بس لوكنت ..“ وضعت اصبعها على ثغره قائلة ” ربنا يرحمهم برحمته يا محمود انت عملت اللى عليك وزيادة وعيالهم حطتهم فى عنيك وعاملناهم حتى أحسن من عيالنا ”
رفع محمود نظره اليها لتطالع بهما حزنه الذى عاش به لسنوات طويلة وعقدة الذنب التى ظلت ملازمة له ودمعة تناضل أن تظل محافظة على مكانها خلف جفونه فغيرت من مسار الحديث قائلة ” بقولك ايه ؟؟؟احنا عايزين نحدد معاد للخطوبة ..وننزل مع البنت تنقى شبكتها ..ايه رأيك ”
ابتسم محمود فى حزن قائلا ” كلميها واتفقى معاها ”