رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل الخامس 5 بقلم سهام احمد
زئير القلوب
الفصل الخامس
عندما قررت ليلى أن تقف لتمسك بفوزي وتضفي غضبها عليه، لم تكن تعلم أنها ستسقط؛ لأنها غير مدركة انها لم تقف على أقدامها منذ أكثر من ثلاثة أشهر وهذا من الطبيعي؛ لأنها لم تستعد كامل قوتها وصحتها الجسدية بعد.
سقطت ليلى وأمسك بها فوزي بين احضانه، عندما التقت عيناهما هناك لغة لا يفهمها سواهم عتاب يصدر من عيونها وندم يجيب من اعينه، غضب تخبر به أنفاسها ومحاولة احتواء تنادي بها ضربات قلبه وانفاسه معا، لغة العشق التي لا مثيل لها ولا يفهمها سوى عاشق ومعشوق.
حملها فوزي بين يديه واعادها إلى فراشها قائلاً:
-من فضلك اهدي دلوقتي وبعدين اعملي اللي انتي عايزاه.
قامت بدفعه بيديها وصرخت في وجهه:
-جبان ندل أخرج برا مش عايزه اشوفك قدامي، أخرج برا.
تراجع فوزي خوفاً من أن يصيبها مكروه مرة أخرى وهو يشير إليها بيديه أن تهدأ وهو يتراجع إلى الباب قائلاً:
-حاضر حاضر هخرج بس اهدي انا خارج اهو خلاص اهدي اهدي.
قال السيد فارس وهو يحمل الصغير ويمسك بيدها:
-اهدي يا ليلى يا بنتي خلاص علشان خاطر ابنك، الواد مرعوب من الصبح من اللي شافه.
نظرت إليه وسيطرت على غضبها ثم قامت بحمله وضمته إليها وهي تقول:
-معلش يا ماما حقك عليا انا اسفة، انا مش هسيبك تاني ابدا ولا حد هايقدر ياخدك مني تاني ابدا.
بعد مرور ثلاثة أيام في المشفى وبعد أن استطاعت ليلى أن تقف على قدميها بخطوات متعسرة قليلاً، قررت الخروج والعودة إلى المنزل على ضمانتها، في تلك الفترة لم يتمكن السيد فارس أن يخبرها بوفاة والدتها، وأخبرها في كل مرة سألت عنها انها مريضة لأجلها ولم تستطع القدوم.
خرجت ليلى برفقة والدها وابنها إلى المنزل حيث استقبلتهم جارتهم السيدة "زينب" صديقة والدتها على باب المنزل، ترجلت ليلى من السيارة وهي تستند على يد السيدة زينب:
-حمد الله على سلامتك يا ليلى يا بنتي والله الدنيا ماكان ليها طعم من غيرك يا حبيبتي، الحمد لله انك بخير، تعالي على مهلك.
-الله يسلمك يا خالتي زينب تعبتك معايا، ربنا يخليكي.
-لأ يا حبيبتي ولا تعب ولا حاجة على مهلك ادخلي بقا برجلك اليمين علشان ربنا يبعد عنك كل شر يا بنتي، استني بقا أما ابخرك، بسم الله الرحمن الرحيم، قل اعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، صدق الله العظيم.
-بس يا طنط والنبي كفاية علشان ماما وصدرها والدخان.
تعجبت الخالة زينب وسرعان ما ادركت انها لم تعلم بعد، نظرت إلى السيد فارس اومأ إليها بأنها لا تعلم، فقالت:
-اه يا حبيبتي حاضر حاضر، تعالي بقا ارتاحي في اوضتك، أما أنا بقا عملتلك حبة شوربة خضار وفرحة بلدي كده ترمي بيها عضمك هاتاكلي صوابعك وراهم.
-ههههههه ارم ايه بس يا خالتي، تسلم ايدك يا حبيبتي امال فين ماما هي ماتعرفش إن انا جايه انهارده والا إيه دي وحشتني اوي.
قال والدها وبتر كلام الخالة زينب قائلاً:
-لأ يا حبيبتي هي ماتعرفش كان تعبانه شوية من امبارح ولسه نايمة، ماحبيتش اصحيها انتي عارفه قلت اسيبها ترتاح علشان بتصحى بدري.
-اه يا بابا حبيبتي يا ماما اكيد تعبت اوي في غيابي، انا هقوم أشوفها من بعيد وابوسها لحد ماتصحى.
-لأ يا ليلى خليها بعدين يا بنتي ارتاحي انتي دلوقتي.
-ماتخافش يا بابا مش هصحيها انا هبوسها واطلع انت ماتعرفش وحشاني اد ايه.
غضب السيد فارس وصرخ بوجه ليلى قائلاً:
-قلتلك لأ، خلاص بقا.
تعجبت ليلى من ردة فعله وانتابها القلق أنه يخفي عنها شيئاً، زادها ذلك إصرار على رؤية والدتها:
-هو في ايه يا بابا انتو مش عايزيني اشوف ماما ليه؟ ماما مالها؟ ماما فيها حاجة مش كده؟ هي تعبانه صح؟
خرجت من الغرفة بخطوات متعسرة قليلاً تستند على الجدران والأثاث تتجه إلى غرفة والدتها وهي تنادي:
-مامااااا، ماماااااا .
خلفها الخالة زينب والسيد فارس يحاولون منعها، حتى فتحت بابا الغرفة ولم تجد والدتها، صدمت عندما رأت فراشها فارغاً، دخلت الغرفة وظلت تنادي عليها، فتحت خزانة ملابسها فلم تجد بها شيئاً:
-ايه ده؟! هي ماما فين؟ بابا انت زعلتها؟ ماما سابت البيت؟ لأ دي عمرها ماعملتها، ماما فين؟
صمت الجميع وفجأة نظرت إلى الحائط فوجدت صورتها تعلوها شريطة سوداء، ظلت تقترب وتنظر إليها وتزرف عيناها دمعاً في صمت وصدمة وهي تهز رأسها يمينا ويسارا بالرفض إلى أن وضع والدها يده على كتفها برفق قائلاً:
-وحدي الله يا بنتي، البقاء لله.
أردفت تنظر إليه بسرعة ثم انهارت من البكاء وارتمت بين احضانه صارخة:
-مامااااااااا، مامااااااااا، لااااااااااا.
سمع فوزي صوت صراخها من خارج المنزل، ارتعب خوفاً ودخل مسرعاً إليها ظن أن أحد اصابه مكروه، وجدها تبكي بحضن والدها، فعلم أنها عرفت بموت والدتها، بعد لحظات صمتت ليلى فجأة وهي في حضن والدها، اعتقد السيد فارس أنها هدأت وأخيراً، لكن علم فوزي انها ليست بخير.
أقدم عليها يقول:
-ليلى؟
أبعده والدها بيده وهو يضمها بالاخرى:
-ابعد عنها اوعى تحط ايدك عليها ولا تلمسها.
-عمي ليلى تعبانه.
-مالكش دعوة بيها انت السبب في كل ده أخرج برا.
-عمي بقولك ليلى تعبانه خليني أحدها على اوضتها ونكلم الدكتور.
-قلتلك أخرج برا.
لم يستمع فوزي لحديثه، أقبل عليه بقوة وجذب ليلى من بين احضانه فوجدها فاقدة للوعي، نظر إليه بغضب قائلاً:
-قلت لحضرتك ليلى تعبانه، اتأكدت دلوقتي.
-ليلى بنتي؟! يارب استرها عليها يارب.
حمل فوزي ليلى إلى غرفتها، وقام بالاتصال بطبيب صديقه في المشفي المجاور، حضر الطبيب بسرعة وقام بفحصها:
-ايه يا فوزي في ايه مالها ليلى؟
-بعدين احكيلك يا خالد من فضلك شوفها هي لسه خارجة من المستشفى بعد غيبوبة تلات شهور، وعرفت أن والدتها اتوفت.
-تمام تمام ماتقلقوش يا جماعة إن شاء الله خير.
قام الدكتور خالد بفحصها، هو يعمل في المشفى التخصصي المجاور للمنزل، شاب وسيم ومهذب وخلوق، يبلغ من العمر ثلاثون عاماً، اعذب ويقطن في احدى الحارات المجاورة لمنزل السيد فارس، يعيش منزله مع والدته ووالده ولديه شقيقة واحدة تدعى "داليا" متزوجة من صديق له في المشفى.
قال الطبيب خالد بعد فحصها:
-انا خديها إبرة دلوقتي وخلوها ترتاح، محدش يزعجها لحد ما تقوم لوحدها، فوزي تعالى معايا عايزك.
خرج فوزي مع الطبيب خالد إلى باب المنزل، وقفت يتهامسان بصوت منخفض:
-فوزي على فكرة ليلى نفسيتها تعابنة اوي ومحتاجة دكتور نفسي ضروري جدا، ليلى بتعاني من انهيار عصبي حاد بالإضافة للدمة الأخيرة اللي كانت فيها، العقل والجسم منهارين يا فوزي، ارجوك خلى بالك منها ولازم يشوفها دكتور نفسي ضروري جدا وف اسرع وقت.
-حاضر يا دكتور خالد هعمل كل اللي تقول عليه، وهحاول أقنعها بموضوع الدكتور النفساني.
-تمام وانا هاجي اطمن عليها بكرة إن شاء الله تكون هديت شوية وفاقت، انا هكتبلها أدوية تمشي عليها بانتظام فاهم بانتظااام.
-حاضر فاهم شكراً يا خالد تعبتك معايا.
-ياراجل عيب عليك احنا اخوات، يلا اشوفك بكره إن شاء الله، ربنا يطمن عليها يا صاحبي، سلام.
-مع السلامة.
فتح فوزي بابا الغرفة وقال وهو يحمل فارس الصغير:
-انا هروح اجيب الأدوية اللي كتبها الدكتور، خالة زينب من فضلك ممكن تاخدي فارس لحد مارجع هو تقريباً عايز ينام.
قامت الخالة زينب من جوار ليلى وقالت:
-اه يبني طبعاً ماتقلقش عليه، تعالى يا لولو تعالى يافارس لا يا حبيبي بس بس.
بكى الصغير وحاولت السيدة زينب التعامل معه حتى خلد إلى النوم، وضعته في غرفة ليلى على فراشها، بينما كانت ترقد ليلى بجواره، خرج الجميع من الغرفة وليلى تمام بجوار صغيرها، جلس السيد فارس والحالة زينب في صالون المنزل، دخل فوزي وبيده الأدوية فقال:
-فارس فين؟
اجابته الخالة زينب:
-نايم يبني مع أمه جوا.
تحدث السيد فارس بتهكم قائلاً:
-كتر خيرك لحد كده متشكرين اوي، تقدر تمشي وجودك هنا مالوش لزمة.
وجدت السيدة زينب أن الأمر أصبح عائلي الآن ولا يمكنها البقاء، فقامت تستعد للمغادرة قائلة:
-طيب انا همشي بقا اشوف البيت وابقا اجي ابص على ليلى لما تروق كده وتهدى، لو في حاجة ابعتلي يا ابو ليلى.
-كتر خيرك يا ست زينب تعبناكي معانا، سلمي ع الحج محمد والاولاد.
-ماتقولش كده يا ابو ليلى انتو اهلي، الله يرحمك يا سلوى يختي، تسلم يا ابو ليلى سلام عليكم.
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جلس فوزي بعد وضعه الأدوية على الطاولة ثم نظر إلى السيد فارس قائلا بعدما التقط أنفاسه ندما:
-انا مش هبرر لنفسي يا عمو فارس ولا هدافع عن نفسي، بس بما اني سبب كل اللي حصل ده والسبب في حالة ليلى، انا مش همشي من هنا غير لما ليلى ترجع زي الاول وأحسن، وكل حاجة ترجع زي ماكانت.
شبك أصابعه متكئا بيديه على فخذيه مائلاً قليلاً للأمام وهو جالس على كرسيه، تحدث إليه يتهكم وسخرية:
-امممم هاترجع كل حاجة زي ماكانت مش كده؟!
-ان طبعا إن شاء الله وأحسن من الاول كمان.
-اه ويا ترى بقا هاترجع سلوى يا فوزي بيه؟ هاترجع التلات شهور اللي ضاعوا من عمري وانا بعيد عن بنتي؟ هاترجع التلات شهور اللي ضاعوا من عمرها وعمر ابنها وهو بعيد عنها، هاترجع ام لبنتها والحياة تاني يا فوزي بيه؟!
لجم لسانه وكأنه مقيد، لم يستطع الرد على كلامه، ماذا سيقول فلا مجال للحديث هنا، شعر فوزي بالذنب الشديد والندم الشديد على فعلته، لم يكن يعلم أن الأمور ستوصله إلى هذا الحد، أطرق عيناه أرضا خجلاً قائلاً:
-انا معنديش كلام أقوله لحضرتك بس كل اللي اقدر اقولهولك اني مش همشي من هنا لحد ما ليلى ترجع لطبيعتها وتقدر تاخد بالها من ابنها.
قام فوزي واتجه إلى خارج المنزل جلس في حديقة المنزل على الأريكة حتى غلبه النوم، بعد مدة قاربت الساعتين وتخطت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، تتقدم خطوات شخص ما إلى فوزي حتي ظهر الظل على وجهه وهو نائم، ثم قامت يدان بوضع فراش عليه وتغطيته أثناء نومه.
ربما تتوجع القلوب وتزأر الماً، لكن هناك دائماً دور للقدر والاعيبه، ويقال دائماً أن الركن كفيل بدواء الجروح وعلاج الروح، لكن ربما هنا يكون الزمن عامل أساسي في التغيير وليس التداوي، فلن يعود شيء انكسر كما كان في الاصل، ولن يعود جسد مجروع كما كان من قبل، فهناك دائما آثار للكسور والجروح مهما كانت التقنيات التي استخدمت لمعالجتها، حتى وإن كان الظاهر غير ذلك.
الفصل الخامس
عندما قررت ليلى أن تقف لتمسك بفوزي وتضفي غضبها عليه، لم تكن تعلم أنها ستسقط؛ لأنها غير مدركة انها لم تقف على أقدامها منذ أكثر من ثلاثة أشهر وهذا من الطبيعي؛ لأنها لم تستعد كامل قوتها وصحتها الجسدية بعد.
سقطت ليلى وأمسك بها فوزي بين احضانه، عندما التقت عيناهما هناك لغة لا يفهمها سواهم عتاب يصدر من عيونها وندم يجيب من اعينه، غضب تخبر به أنفاسها ومحاولة احتواء تنادي بها ضربات قلبه وانفاسه معا، لغة العشق التي لا مثيل لها ولا يفهمها سوى عاشق ومعشوق.
حملها فوزي بين يديه واعادها إلى فراشها قائلاً:
-من فضلك اهدي دلوقتي وبعدين اعملي اللي انتي عايزاه.
قامت بدفعه بيديها وصرخت في وجهه:
-جبان ندل أخرج برا مش عايزه اشوفك قدامي، أخرج برا.
تراجع فوزي خوفاً من أن يصيبها مكروه مرة أخرى وهو يشير إليها بيديه أن تهدأ وهو يتراجع إلى الباب قائلاً:
-حاضر حاضر هخرج بس اهدي انا خارج اهو خلاص اهدي اهدي.
قال السيد فارس وهو يحمل الصغير ويمسك بيدها:
-اهدي يا ليلى يا بنتي خلاص علشان خاطر ابنك، الواد مرعوب من الصبح من اللي شافه.
نظرت إليه وسيطرت على غضبها ثم قامت بحمله وضمته إليها وهي تقول:
-معلش يا ماما حقك عليا انا اسفة، انا مش هسيبك تاني ابدا ولا حد هايقدر ياخدك مني تاني ابدا.
بعد مرور ثلاثة أيام في المشفى وبعد أن استطاعت ليلى أن تقف على قدميها بخطوات متعسرة قليلاً، قررت الخروج والعودة إلى المنزل على ضمانتها، في تلك الفترة لم يتمكن السيد فارس أن يخبرها بوفاة والدتها، وأخبرها في كل مرة سألت عنها انها مريضة لأجلها ولم تستطع القدوم.
خرجت ليلى برفقة والدها وابنها إلى المنزل حيث استقبلتهم جارتهم السيدة "زينب" صديقة والدتها على باب المنزل، ترجلت ليلى من السيارة وهي تستند على يد السيدة زينب:
-حمد الله على سلامتك يا ليلى يا بنتي والله الدنيا ماكان ليها طعم من غيرك يا حبيبتي، الحمد لله انك بخير، تعالي على مهلك.
-الله يسلمك يا خالتي زينب تعبتك معايا، ربنا يخليكي.
-لأ يا حبيبتي ولا تعب ولا حاجة على مهلك ادخلي بقا برجلك اليمين علشان ربنا يبعد عنك كل شر يا بنتي، استني بقا أما ابخرك، بسم الله الرحمن الرحيم، قل اعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، صدق الله العظيم.
-بس يا طنط والنبي كفاية علشان ماما وصدرها والدخان.
تعجبت الخالة زينب وسرعان ما ادركت انها لم تعلم بعد، نظرت إلى السيد فارس اومأ إليها بأنها لا تعلم، فقالت:
-اه يا حبيبتي حاضر حاضر، تعالي بقا ارتاحي في اوضتك، أما أنا بقا عملتلك حبة شوربة خضار وفرحة بلدي كده ترمي بيها عضمك هاتاكلي صوابعك وراهم.
-ههههههه ارم ايه بس يا خالتي، تسلم ايدك يا حبيبتي امال فين ماما هي ماتعرفش إن انا جايه انهارده والا إيه دي وحشتني اوي.
قال والدها وبتر كلام الخالة زينب قائلاً:
-لأ يا حبيبتي هي ماتعرفش كان تعبانه شوية من امبارح ولسه نايمة، ماحبيتش اصحيها انتي عارفه قلت اسيبها ترتاح علشان بتصحى بدري.
-اه يا بابا حبيبتي يا ماما اكيد تعبت اوي في غيابي، انا هقوم أشوفها من بعيد وابوسها لحد ماتصحى.
-لأ يا ليلى خليها بعدين يا بنتي ارتاحي انتي دلوقتي.
-ماتخافش يا بابا مش هصحيها انا هبوسها واطلع انت ماتعرفش وحشاني اد ايه.
غضب السيد فارس وصرخ بوجه ليلى قائلاً:
-قلتلك لأ، خلاص بقا.
تعجبت ليلى من ردة فعله وانتابها القلق أنه يخفي عنها شيئاً، زادها ذلك إصرار على رؤية والدتها:
-هو في ايه يا بابا انتو مش عايزيني اشوف ماما ليه؟ ماما مالها؟ ماما فيها حاجة مش كده؟ هي تعبانه صح؟
خرجت من الغرفة بخطوات متعسرة قليلاً تستند على الجدران والأثاث تتجه إلى غرفة والدتها وهي تنادي:
-مامااااا، ماماااااا .
خلفها الخالة زينب والسيد فارس يحاولون منعها، حتى فتحت بابا الغرفة ولم تجد والدتها، صدمت عندما رأت فراشها فارغاً، دخلت الغرفة وظلت تنادي عليها، فتحت خزانة ملابسها فلم تجد بها شيئاً:
-ايه ده؟! هي ماما فين؟ بابا انت زعلتها؟ ماما سابت البيت؟ لأ دي عمرها ماعملتها، ماما فين؟
صمت الجميع وفجأة نظرت إلى الحائط فوجدت صورتها تعلوها شريطة سوداء، ظلت تقترب وتنظر إليها وتزرف عيناها دمعاً في صمت وصدمة وهي تهز رأسها يمينا ويسارا بالرفض إلى أن وضع والدها يده على كتفها برفق قائلاً:
-وحدي الله يا بنتي، البقاء لله.
أردفت تنظر إليه بسرعة ثم انهارت من البكاء وارتمت بين احضانه صارخة:
-مامااااااااا، مامااااااااا، لااااااااااا.
سمع فوزي صوت صراخها من خارج المنزل، ارتعب خوفاً ودخل مسرعاً إليها ظن أن أحد اصابه مكروه، وجدها تبكي بحضن والدها، فعلم أنها عرفت بموت والدتها، بعد لحظات صمتت ليلى فجأة وهي في حضن والدها، اعتقد السيد فارس أنها هدأت وأخيراً، لكن علم فوزي انها ليست بخير.
أقدم عليها يقول:
-ليلى؟
أبعده والدها بيده وهو يضمها بالاخرى:
-ابعد عنها اوعى تحط ايدك عليها ولا تلمسها.
-عمي ليلى تعبانه.
-مالكش دعوة بيها انت السبب في كل ده أخرج برا.
-عمي بقولك ليلى تعبانه خليني أحدها على اوضتها ونكلم الدكتور.
-قلتلك أخرج برا.
لم يستمع فوزي لحديثه، أقبل عليه بقوة وجذب ليلى من بين احضانه فوجدها فاقدة للوعي، نظر إليه بغضب قائلاً:
-قلت لحضرتك ليلى تعبانه، اتأكدت دلوقتي.
-ليلى بنتي؟! يارب استرها عليها يارب.
حمل فوزي ليلى إلى غرفتها، وقام بالاتصال بطبيب صديقه في المشفي المجاور، حضر الطبيب بسرعة وقام بفحصها:
-ايه يا فوزي في ايه مالها ليلى؟
-بعدين احكيلك يا خالد من فضلك شوفها هي لسه خارجة من المستشفى بعد غيبوبة تلات شهور، وعرفت أن والدتها اتوفت.
-تمام تمام ماتقلقوش يا جماعة إن شاء الله خير.
قام الدكتور خالد بفحصها، هو يعمل في المشفى التخصصي المجاور للمنزل، شاب وسيم ومهذب وخلوق، يبلغ من العمر ثلاثون عاماً، اعذب ويقطن في احدى الحارات المجاورة لمنزل السيد فارس، يعيش منزله مع والدته ووالده ولديه شقيقة واحدة تدعى "داليا" متزوجة من صديق له في المشفى.
قال الطبيب خالد بعد فحصها:
-انا خديها إبرة دلوقتي وخلوها ترتاح، محدش يزعجها لحد ما تقوم لوحدها، فوزي تعالى معايا عايزك.
خرج فوزي مع الطبيب خالد إلى باب المنزل، وقفت يتهامسان بصوت منخفض:
-فوزي على فكرة ليلى نفسيتها تعابنة اوي ومحتاجة دكتور نفسي ضروري جدا، ليلى بتعاني من انهيار عصبي حاد بالإضافة للدمة الأخيرة اللي كانت فيها، العقل والجسم منهارين يا فوزي، ارجوك خلى بالك منها ولازم يشوفها دكتور نفسي ضروري جدا وف اسرع وقت.
-حاضر يا دكتور خالد هعمل كل اللي تقول عليه، وهحاول أقنعها بموضوع الدكتور النفساني.
-تمام وانا هاجي اطمن عليها بكرة إن شاء الله تكون هديت شوية وفاقت، انا هكتبلها أدوية تمشي عليها بانتظام فاهم بانتظااام.
-حاضر فاهم شكراً يا خالد تعبتك معايا.
-ياراجل عيب عليك احنا اخوات، يلا اشوفك بكره إن شاء الله، ربنا يطمن عليها يا صاحبي، سلام.
-مع السلامة.
فتح فوزي بابا الغرفة وقال وهو يحمل فارس الصغير:
-انا هروح اجيب الأدوية اللي كتبها الدكتور، خالة زينب من فضلك ممكن تاخدي فارس لحد مارجع هو تقريباً عايز ينام.
قامت الخالة زينب من جوار ليلى وقالت:
-اه يبني طبعاً ماتقلقش عليه، تعالى يا لولو تعالى يافارس لا يا حبيبي بس بس.
بكى الصغير وحاولت السيدة زينب التعامل معه حتى خلد إلى النوم، وضعته في غرفة ليلى على فراشها، بينما كانت ترقد ليلى بجواره، خرج الجميع من الغرفة وليلى تمام بجوار صغيرها، جلس السيد فارس والحالة زينب في صالون المنزل، دخل فوزي وبيده الأدوية فقال:
-فارس فين؟
اجابته الخالة زينب:
-نايم يبني مع أمه جوا.
تحدث السيد فارس بتهكم قائلاً:
-كتر خيرك لحد كده متشكرين اوي، تقدر تمشي وجودك هنا مالوش لزمة.
وجدت السيدة زينب أن الأمر أصبح عائلي الآن ولا يمكنها البقاء، فقامت تستعد للمغادرة قائلة:
-طيب انا همشي بقا اشوف البيت وابقا اجي ابص على ليلى لما تروق كده وتهدى، لو في حاجة ابعتلي يا ابو ليلى.
-كتر خيرك يا ست زينب تعبناكي معانا، سلمي ع الحج محمد والاولاد.
-ماتقولش كده يا ابو ليلى انتو اهلي، الله يرحمك يا سلوى يختي، تسلم يا ابو ليلى سلام عليكم.
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جلس فوزي بعد وضعه الأدوية على الطاولة ثم نظر إلى السيد فارس قائلا بعدما التقط أنفاسه ندما:
-انا مش هبرر لنفسي يا عمو فارس ولا هدافع عن نفسي، بس بما اني سبب كل اللي حصل ده والسبب في حالة ليلى، انا مش همشي من هنا غير لما ليلى ترجع زي الاول وأحسن، وكل حاجة ترجع زي ماكانت.
شبك أصابعه متكئا بيديه على فخذيه مائلاً قليلاً للأمام وهو جالس على كرسيه، تحدث إليه يتهكم وسخرية:
-امممم هاترجع كل حاجة زي ماكانت مش كده؟!
-ان طبعا إن شاء الله وأحسن من الاول كمان.
-اه ويا ترى بقا هاترجع سلوى يا فوزي بيه؟ هاترجع التلات شهور اللي ضاعوا من عمري وانا بعيد عن بنتي؟ هاترجع التلات شهور اللي ضاعوا من عمرها وعمر ابنها وهو بعيد عنها، هاترجع ام لبنتها والحياة تاني يا فوزي بيه؟!
لجم لسانه وكأنه مقيد، لم يستطع الرد على كلامه، ماذا سيقول فلا مجال للحديث هنا، شعر فوزي بالذنب الشديد والندم الشديد على فعلته، لم يكن يعلم أن الأمور ستوصله إلى هذا الحد، أطرق عيناه أرضا خجلاً قائلاً:
-انا معنديش كلام أقوله لحضرتك بس كل اللي اقدر اقولهولك اني مش همشي من هنا لحد ما ليلى ترجع لطبيعتها وتقدر تاخد بالها من ابنها.
قام فوزي واتجه إلى خارج المنزل جلس في حديقة المنزل على الأريكة حتى غلبه النوم، بعد مدة قاربت الساعتين وتخطت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، تتقدم خطوات شخص ما إلى فوزي حتي ظهر الظل على وجهه وهو نائم، ثم قامت يدان بوضع فراش عليه وتغطيته أثناء نومه.
ربما تتوجع القلوب وتزأر الماً، لكن هناك دائماً دور للقدر والاعيبه، ويقال دائماً أن الركن كفيل بدواء الجروح وعلاج الروح، لكن ربما هنا يكون الزمن عامل أساسي في التغيير وليس التداوي، فلن يعود شيء انكسر كما كان في الاصل، ولن يعود جسد مجروع كما كان من قبل، فهناك دائما آثار للكسور والجروح مهما كانت التقنيات التي استخدمت لمعالجتها، حتى وإن كان الظاهر غير ذلك.