رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل السادس 6 بقلم سهام احمد
رواية زئير القلوب (عروس مصر)
الفصل السادس
دق جرس الباب وتقدمت روبا لفتحه بينما كان يجلس ضاهر بيه يقرأ جريدته ويحتسي القهوة صباحاً وهو يرتدي نظارته، فتحت روبا الباب وابتسمت:
-اهلا وسهلاً سلمى هانم، اتفضلي.
-ازيك يا روبا عمو ضاهر موجود؟
-اه طبعا اتفضلي هو في الصالون بيشرب قهوته.
-تمام شكراً.
رفع عينيه أسفل نظارته مبتسماً عندما رآها قائلاً:
-اهلا اهلا بعروستنا.
اقبلت عليه تقبله من خديه:
-صباح الخير يا عمو عامل ايه؟
-الحمد لله يا سلمى اتفضلي اقعدي يابنتي.
-بصراحة وبدون مقدمات أنا جاية اقول لحضرتك ماتزعلش من بابا، انت عارف طبعاً أنه ماكنش يقصد كلامه ده.
ضحك بهدوء قائلاً:
-تشربي ايه يا سلمي، والا نفطر سوا اكيد لسه مافطرتيش.
-تسلم يا عمو ربنا يخليك انا مش بفطر دلوقتي.
-روبا ؟ شوفي سلمى هانم تشرب ايه.
-تشربي ايه يا سلمى هانم؟
-ممكن قهوة مظبوط يا روبا.
-تمام يا هانم دقيقة وتكون عند حضرتك.
-شكرا روبا.
-بتؤمر بشيء تاني يا بيه.
-لأ ياروبا شكراً.
اعتدل في جلسته ينظر إليها:
-بصي يا سلمى يا بنتي ابوكي معاه حق في كل اللي قاله ولازم تعرفي أن قيمتك عندي كبيرة جدا على عكس ما ابوكي قال، بس انا عشمي فيكي وفيه اكبر بكتير، انا ايامي معدودة وعايز اموت وانا مطمن على فوزي، ومش هطمن عليه غير وانتي معاه ياسلمى، انا مش بضغط عليكي والله يا بنتي ومهما كان جوابك وجواب والدك انا هقبله، وقبل اي حاجة لازم ظافر يكون راضي.
-انا عارفه يا عمو وفاهمه حضرتك عموما انا جيت اقولك ماتزعلش من بابا اما موضوع فوزي ده فأنا مش هقول غير بشرط واحد لو حضرتك اسمحلي.
تعجب من كلامها، أن تشطرت على ضاهر بيه شيئاً إنه أمر غريب ولم يسبق لأحد فعله، بالرغم من ذلك تقبل الأمر واستمع إليها:
-اسمعه يا سلمى.
-مش عايزه حضرتك تفهمني غلط لكن أعتقد إن ده من حقي لو حضرتك زي ما بتقول بتعتبرني بنتك.
-طبعا يا سلمي انا سامعك يا بنتي قولي.
-شرطي هو إن فوزي هو اللي يجي يطلبني بنفسه من بابا.
رسمت ثلاث خطوط طولية بين حاجبيه من كثرة الاستغراب، تغيرت ملامح وجهه ثم قال بضيق:
-انا مش قد المقام يا سلمى؟
-العفو يا عمو ضاهر، افتكر اني قبل ماتكلم قلت لحضرتك ماتفهمش كلامي غلط، فوزي لما يجي بنفسه يطلبني ده معناه أنه مش مجبر عليا، وانا لا يمكن هافرض نفسي على حد؛ لأن حضرتك عارف اللي حصل وسبب موقف بابا ده.
-فهمتك يا سلمى.
-استأذن انا بقا.
اتت روبا وهي تحمل القهوة بينما تستعد سلمى للخروج:
-القهوة يا ست سلمى.
-شكرا يا روبا معلش مرة تانيه يا دوب الحق الشغل سلام.
-مع السلامة يا ست هانم.
كانت روبا متجهه إلى المطبخ فنادى عليها ضاهر بيك قائلاً:
-روبا؟ فوزي بيه لسه بيتمشى برا من امبارح هو وفارس.
تقلقلت روبا في حديثها أجابته تدعي الجهل:
-ليه يا بيه هو فوزي بيه لسه مارجعش من امبارح معقول؟!
تحدث إليها بصوت حاد قائلاً:
-روبا، اول وآخر مره تكدبي فيها عليا وتخلي عليا حاجة تخص فوزي فاهمة، انا عارف أنه رجع مصر وعارف أنه راجع تاني برضو، لكن اياكي انتي او مصطفى تخبوا عليا شي تاني.
-بعتذر منك يا بيه بس فوزي بيه.
-عارف يا روبا عارف لكن ده مش معناه انك تكدبي عليا.
-انا اسفة يا بيه حاضر اللي تؤمر بيه.
-اتفضلي شوفي شغلك.
-بعد اذنك.
أشار إليها بإصبعه أن تذهب، زفر بضيق ثم طرأت له خاطرة، ذلك العجوز الذي لا يفعل شيء هباء فهناك دائما هدف وسبب بتصرفاته وأفعاله، امسك بهاتفه وقام بالاتصال بفوزي، رن جرس الهاتف لفوزي وهو يجلس يطعم فارس الصغير:
-حبيبي جدوا بيتصل اه يا عمري جدوا، الو بابا انا حبيت اقضي شوية وقت مع فارس بالاوتيل.
-فوزي ابني مفيش داعي تكدب على ابوك في السن ده، انا عارف انك في مصر، ومش ممانع يا ابني ده واحب عليك.
تعجب فوزي من تغير والده المفاجئ ثم قال:
-اسف يا بابا بس مقدرتش اقولك، كان لازم اجي.
-طبعا يا ابني في الاول والاخر دي ام ابنك، ومراتك ولازم تكون جنبهم في وقت زي ده.
امسك فوزي بالهاتف ينظر إليه وهو يقول في خاطره:
-معقول اللي انا سامعه، هو بابا تعبان والا حاجة.
ثم عاود وضع الهاتف على أذنه مرة أخرى قائلاً:
-بابا معلش انا ممكن اتأخر شوية.
-ابني خد راحتك لحد ماتطمن على مراتك وعيلتها، ووصل سلامي ليهم.
-شكرا يا بابا انا هكلمك وقت مافضي المهم انت تاخد بالك من نفسك ومن صحتك.
-حاضر يبني خد بالك انت من نفسك ومن فارس عامل ايه حبيب جدوا وحشني اوي.
-بخير يا بابا، فارس كلم جدوا جدوااا .
-اه يا قلب جدوا مستنيك يا حبيبي، يلا يبني مش هطول عليك اكتر سلام.
-مع السلامة يا بابا.
اغلق فوزي الهاتف وهو متعجب من طريقة حديث والده لكنه اقنع نفسه أنه ربما تغير حاله بعد رؤية فارس الصغير، تابع اطعام طفله إلى أن أتت الخالة زينب لتعتني به:
-صباح الخير ع الشطور فارس حبيبى، برافوا انت أكلت طبقك كله يا عمري، برافوا عليك يلا تعالى نلعب سوا، عامل ايه يا فوزي يبني؟
-الحمد لله يا خالة زينب انا بخير، انا هدخل اشوف ليلى ادعيلي ربنا يهديها عليا علشان اعرف اتكلم معاها.
-معلش يبني اللي حصلها مش شوية خليك صبور وطول بالك ربنا يهديكم لبعض.
-يارب شكراً خالة زينب.
-حبيبي روح يلا.
~~~
دخل فوزي الغرفة حيث كانت ليلى نائمة كالملائكة، اقترب منها برفق، ثم جلس على مخدعها يلامس بأصابعه خصلات شعرها المسدول، يتمعن النظر إليها اشتاق لتلك الملامح الملائكية، بدأ يقترب بوجهه إلى وجهها ليختطف قبلة من شفتيها الوردية، شعرت بانفاسه وافرجت عن اهدابها برفق ثم صرخت بفزع:
-انت بتعمل ايه هنا؟ يا بابا بابااااا.
-اهدي يا ليلى انا جيت اطمن عليكي.
-اخرج برا أخرج برا، قلتلك اني مش عايزة اشوف وشك تاني انت مابتفهمش.
وقف من على فراشها يشيل إليها بيديه أن تهدأ:
-حاضر يا ليلى انا ماشي حاضر اهدي اللي انتي عايزاه هعملهولك.
أدار ظهره وتقدم خطوة إلى باب الغرفة ليخرج فقالت:
-استنى.
رفع أنظاره إلى السماء يتمنى من قلبه أن تكون قررت إعطائه فرصة اخرى، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، أردف وهو يبتسم:
-نعم يا ليلى.
-ابني فين؟
زفر بضيق ثم قال بهدوء:
-مع خالة زينب برا بتاخد بالها منه.
-محدش هاياخد باله من ابني غيري وسع كده، فارس فارس، بابا؟
كادت أن تسقط فأمسك بها ثم قال مازحا بسخرية:
-خد بالك من نفسك الاول وبعدين خدي بالك من إبنك، انتي حتى مش قادرة تقفي على رجليكي.
استفزتها تلك الكلمات المقصودة والتي كان غرض فوزي منها أن يعيد إليها ثقتها وقوتها وإصرارها، ثم رسمت ابتسامة ساخرة على ثغره جعلتها تدفعه بعيدا عنها قائلة بضيق:
-اوعى كده بني ادم مستفز.
خرجت ليلى إلى حديقة المنزل وحملت فارس من ارجوحته وأخذته إلى غرفتها وأغلقت الباب، وضعته على مخدعها وجلبت بعض الالعاب وجلست جواره وهي تحدثه شاكية:
-حبيبي انت يا عمري قال بيقولي مش قادرة اخد بالي من نفسي، انا حتى لو مش قادرة اخد بالي من نفسي هاخد بالي منك انت يا قلبي، انا روحي فداك يا فارس، بس اوعدك اني هعمل كل اللي ربنا يقدرني عليه علشانك، انت تعرف أن ماما مش هتعرف تاخد بالها منك، انسان مستفز، ايه يا عمري دي خدها يا قلبي بطة، انت اللي بطة يا روح ماما.
في الخارج اعتذر فوزي من الخالة زينب:
-خالة زينب انا اسف ماتزعليش منها.
-لأ يا حبيبي ابدا دي بنتي وانت ابني ربنا يهديها يارب ويشفيها، انا همشي بقا لو احتجت حاجة ابعتلي ماتتكسفش.
-شكرا خالة زينب.
~~~
امسكت بهاتفها وقامت بالاتصال بوالدها:
-الو بابا حضرتك فين؟
-ليلى حبيبتي صباح الخير، انا جاي ع البيت طلعت اجيب حبة طلبات علشانك انتي وفارس وجاي يا حبيبتي، انتي كويسه محتاجة حاجة؟
-لأ يا بابا شكراً ربنا يخليك تيجي بالسلامة.
-ماشي يا حبيبتي سلام.
-سلام يا بابا.
وضعت الهاتف على الطاولة ووضعت رأسها على وسادتها تلعب مع فارس بجوارها.
كان فوزي أمام باب المنزل يتحدث إلى الدكتور خالد عبر الهاتف، أتى السيد فارس أثناء حديثه ترجل من سيارته وحمل الاغراض وتقدم إلى باب المنزل، بتر فوزي حديثه مع الطبيب:
-طيب يا دكتور خالد هكلمك بعدين، سلام، عمو فارس؟
تجاهله السيد فارس وتخطاه بخطوتين، امسك بيده وقال:
-عمو فارس لو سمحت انا عايز اتكلم معاك بخصوص ليلى، في حاجات قالي عليها دكتور خالد حضرتك لازم تعرفها علشان مصلحة ليلى.
سقطت من بين يديه تلك الاغراض وقال بخوف:
-ليلى بنتي مالها؟! في ايه؟ ليلى مالها.
-اهدى يا عمو أهدى ليلى كويسه هي مع فارس جوا، بس الدكتور قال ضروري نعرضها على دكتور نفسي؛ لأن حالتها الصحية والنفسية ممكن تسؤ، واحنا في غنى عن كده؛ علشان كده لازم لازم نشوف دكتور نفساني في اقرب وقت علشان ليلى.
وهما يتحدثان صدر صوت يقول:
-انا مش مجنونة.
نظر كل منهم باتجاه مصدر الصوت وهو من داخل بابا المنزل فوجدوا ليلى تقف أمامهم وهي تحمل فارس الصغير، نظر كل منهم إلى الآخر خوفا عليها من سماعها الأمر وتأسف كل منهم على ذلك بصمت.