اخر الروايات

رواية ميراث الندم الفصل الخامس 5 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل الخامس 5 بقلم أمل نصر


 

طرق عنيف على باب الغرفة جعله يستيقظ عن نومه بفزع ، وصوت شقيقته من الخارج يصل لاسماعه تهتف منادية باسمه، بنبرة يتخللها الارتياع، زاد من توجسه
فهذا الفعل منها وبهذه الصورة، لا يصدر الا اذا كان الأمر جلل،

– أيوة يا روح انا صحيت اها.
قالها وقدميه تخطو نحو الباب كي يرى ما بها، متجاهلًا زمجرة لزوجته الحانقة من خلفه:
– اعوذ بالله يارب، في حد يصحى الناس كدة؟ وعلى خمسة الفجر كمان؟

حدجها بنظرة محذرة قبل أن يضع يده على مقبض الباب كي تغلق فمها، حتى إذا ما ظهرت شقيقته أمامه خرج صوتها بلهفة وكلمات سريعة غير مترابطة:

– اللحج يا غازي، البلد كلها مجلوبة برا على سيرة العربية التريلا اللي اتجلبت في الترعة الكبيرة، البس بسرعة عشان تحصل الناس، وتشوف اللي كانوا سايجبنها ايه ظروفهم، روح طمنا يا واد ابوي

طالعها بعدم فهم يسألها مستفسرًا:
– عربية ايه؟ ومين هما اللي اطمنك عليهم؟
على صوتها بعدم احتمال للاخذ والرد:
– بجولك عربية تريلا يا غازي، واللي كانوا سايجها طالع كلام انه جوز بت عمك هريدي.

– يا مري حجازي؟
صاحت بها فتنة بصوت أجفلهما؛ وذلك لالتماسمها الاهتمام منها، وهذا قلما يظهر عليها في أي أمر لا يخصها، استدركت لتصحح سريعًا موضحة:
– ما هو يبجى جوز نادية، ودي بت عمي وصحبتي برضو من مدرسة الصنايع.

– نادية مين؟
اردف بالسؤال ليفاجأ برد فعل شقيقته التي هتفت به صارخة:
– تاني هتسأل؟ اتحرك يا غازي وشوف المسؤلين اللي تعرفهم، نادية تبجى بنت عمك هريدي واخت عزب شريك ناجي اخو مرتك، يعني في كل الأحوال أمرها يهمنا .

اومأ بتفهم، ليتحرك برأس مثقل ما زال متأثرًا بالنعاس، وتناول هاتفه كي يقف على حقيقة الأمر من المسؤلين أولًا

❈-❈-❈

وفي خارج في المنزل
كان الخبر قد انتشر كاشتعال النار في الهشيم، لتزحف اعدادًا مهولة من البشر، تهرول نحو موقع الحادث الذي تم في جوف الليل، ولا شواهد حتى الاَن تونبئ عن السبب الحقيقي لها ، ان كان حادث مدبر، أم هو قضاء وقدر، بالإضافة إلى المصير المجهول لقائدها ومساعده،

كانت هي ضمن من علموا، وذلك لانقطاعه المفاجئ عن مكالمتها او حتى الرد على اتصالاتها العديدة برقم هاتفه، حتى تمكن منها القلق، ليسرق النوم من أجفانها والراحة من بدنها، فظلت على محاولاتها حتى يأست لتتصل على شقيقها لمساعدتها في السؤال، وكان رده القاسم لها ، حين أخبرها بالمقولات المتواترة من أهل البلدة، يطالبها بالانتظار حتى يذهب ويتأكد بنفسه، ولكنها لم تفعل، بل خرجت على الفور بعباءتها السوداء تهيم على وجهها، نحو المكان الموصوف، دون تفكير أو تردد، لتقابل بنظرات الاشفاق العديدة من الجمع المتجمهر في بقعة الحادث.

كانت كالتائهة، تطالع الوجوه بأعين مشتتة، خاوية ، تبحث بعيناها عن مقصدها، غير منتبهة لأي شيء حولها، ولا بغرابة مجيئها، حتى وقعت انظارها على القسم الخلفي من السيارة المنقلبة في قلب المصرف العميق، لوهلة شعرت بقلبها توقف عن النبض، قبل أن تتمالك لتتعمق حتى وصلت لموضع الماء وقد أصبحت الصورة أقرب واعين الجميع تلفتت إليها، حتى انتبه لها شقيقها، ليهرول لها بغضبه يمنعها من التقدم:

– انتي اتجنيتي يا نادية؟ جاية برجلك ولوحدك كمان؟ ارجعي خلصي على ما نشوف اخرتها.
خرج صوتها المهتز، باهتزاز قلبها من الداخل، وكلمات غير مترابطة:
– دي عربيته…. عربيته يا عزب….. طب هو فين؟ سابها ومشي؟ ولا بدل مع واحد تاني يسوجها بداله؟ اكيد مش هو اللي بيدوروا عليه دلوك؟ صح؟ أكيد؟

علم أنها ليست على حالتها الطبيعية، لذلك فضل التعامل معها بتريث، يهادنها بالحديث:
– اكيد طبعًا، تعالي معايا استنيه في بيتك ياجي بنفسه ويطمنك، بلاها منها الجاعدة هنا وسط الرجال، تعالي يا بت ابوي،

– لاه انا مش متحركة من هنا غير لما اتأكد بنفسي.
صاحت بها بوجهه تجفله بقوتها، حتى عاود محاولاته بانفعال وحزم قابلته بإصراراها، غير قابلة عن تحريك قدمها ولو خطوة للخلف، حتى اصطدمت بمشهد أحد الأفراد الذي كان يتم إخراجه محمولًا على الأيادي، ورأت طرف الثياب المبتل يعلمها عن صاحبه، لتخرج صرخة باسمه، شقت صخب المكان، لتلتف جميع الرؤس حولها، مما إدخل الغضب بقلب شقيقها، الذي صار يزجرها بعنف كي تتراجع عن اصرارها في التقدم، وتزداد صدمتها:

– سيبني اشوفه، اتأكد هو ولا مش هو.
– ارجعي معايا خلصي دلوك، وبعدين هلخليكي تشوفيه.
– سيبني يا عزب سيبني، سيبني.
صارت تهذي بالكلمات حتى تمكن منها الإجهاد، لتسقط فاقدة الوعي، وتلقفتها ذراعيه قبل تقع أرضًا، ولكن حجابها نتيجة الشد والجذب انفلت نصفه اثناء السير بها، فانفطرت عقدة شعرها في الخلف، ليتدلى كشلال اسود، خطف أعين الجميع لروعته، رغم سوء الظرف.

في هذا الوقت كان غازي قد وصل بسيارته لتقع عينيه عليها كالجميع وقد انحجب وجهها في حضن شقيقها الذي كان يحملها مهرولًا نحو سيارة ناجي، الذي أوقفها بالقرب منهما، متطوعًا بشهامة ليقلها معه إلى منزلها، فخرج صوت غازي متجهمًا بتسأؤل نحو أحد رجاله المقربين بسيوني:

– مين دي اللي شايلها عزب وبيفر بيها؟
دمدم له الرجل بأسف:
– دي تبجى اخته يا كبير، مرة حجازي؟
– ااه.

تمتم بها قبل أن يواصل طريقه، نحو مركز التجمع والحادث، يغمغم داخله بسخط:
– كان غطالها شعرها زين المخبل ده، بدل ما هو مفلوت كدة وخلى كل الناس تتنح فيه.

❈-❈-❈

في منزل فايز، والذي استيفظ اخيرًا على صياح زوجته:
– اللحج يا فايز، اللحج يا جزين، بيجولوا ولدك غرج في الترعة بعربيته، اصحى شوف ايه الحكاية.
انتفض يطالعها بعدم تصديق مرددُا:
– ايه بتجولي؟ ولدي مين اللي غرج؟ مالك؟

– الشر برا وبعيد. .
نهرته بها ملوحة بيدها أمام وجهه، لعدم تكرارها، واستطردت ساخرة باستهجان :
– مالك الصغير! هو معاه رخصة اساسًا؟ يا راجل فوج كدة، البلد كلها ملمومة من الفجر هناك، ع المكان اللي وجعت فيه، جوم شوف هتعمل ايه؟ ولا عايزهم يمسكوا سيرتك؟
رفرف بأهدبه، وكأنه لم يسمع جيدًا، يردد بعدم استيعاب:
– كيف يعني؟ مات ازاي؟ الكلام دا صح ولا كدب؟
بنفاذ صبر عادت مشددة بكلماتها:
– أمر الله، وجته وازف، انت هتعترض؟ ما تخلص ياللا ، الناس كلها جاعدة هناك من الصبح :

انتفض يجلس بجذعه على الفراش، بوجوم اعتلى ملامحه، ومشاعر مختلطة لا يعرف ماهيتها، هذا الولد الذي كان يسخط عليه مساءً، يردف لسانه بأقبح الأوصاف عليه مع زوجته، والتي كانت في هذا الوقت تتحرك سريعًا لتبديل ملابسها وكأنها لم تدعي عليه منذ ايام، وكأن الله استجاب لداعائها، ليعيد إليه حقه المسلوب، لكن لما يشعر الاَن بألم غريب يغرز صدره؟

عادت إليه ناصحة:
– ياللا يا فايز، جوم اتحرك، مش عايزين حد يجول ان ابوه بس اللي ناجص، لازم تبجى معاهم وتبين وشك، ابوك كمان وجع من طوله وجابوله الدكتور .
– ابويا انا كمان وجع من طوله.
تمتم بها ليكمل حديثه متسائلًا:
– معجولة كل ده من دعوايكي يا شربات؟ تجيبهم ارض والسرعة دي؟

اومأت لاوية ثغرها بضيق متمتمة:
– لا هو كان بالدعاوي ياك، دا جدر ومكتوب، يعني مش لساني هو اللي هيعدلها، جوم ياللا وبلاها حديت يا فايز.
شددت بالأخيرة ليستجيب ناهضًا باقدام متثاقلة، وفكر متشتت، وما زال هذا الجزء الخفي بصدره يؤلمه، ولا يعرف سببه.

❈-❈-❈

بداخل منزل عبد المعطي الدهشوري والذي امتلأ بأعداد النساء الملتفة حول أهل المنزل لمؤازرتهم كسليمة التي تلقت الخبر بإيمان متعاظم، قد تحسد عليه، مصابها جلل وأكبر من أي تحمل ولكنها وبرغم ضعفها وسكوتها دائمًا؛ إلا أنها أثبتت للجميع أنها قوية بصبرها، عكس الرجل الكبير الذي لم يحتمل قلبه لينقل إلى المشفى تحت الرعاية المشددة، ولا سكينة التي انفطرت من الحزن على ذهاب حبة قلبها، أما هويدا وشقيقتها نعيمة التي نزلت من المدينة المتزوجة بها فور علمها بالخبر، لتعبر عن حزنها بالصراخ والنواح مع باقي النسوة، التي شق قلبهم رحيل اعز شباب العائلة وأحسنهم خلقًا،
شربات والتي اتخذت وضعها في البكاء والتعديد، لم تلقى أي تجاوب من أحداهن، فتقلت معاملتها كالغريبة، وكيف للأذهان أن تنسى فعلها؟

أما نادية فقد التزمت الفراش، بحقنة مهدئة بأمر الطبيبب في هذا الوقت، والذي أتى به شقيقها بعد حالة الانهيار التي تعرضت لها، ليتركها برعاية والدتها وشقيقاتها وبعض النسوة التي كانت تطل للاطمئنان عليها.

حين خرج من المنزل، وجد ناجي في انتظاره ، ليتلقفه فور ظهوره سائلًا :
– ايه الأخبار؟ عاملة ايه دلوكت؟
اومأ له بحركة من رأسه غير قادرًا على التفوه ببنت شفاه، ربت بكفه على عظم أكتافه ليفتح له باب السيارة، كي يستقلها معه، يوجه بسؤاله الاَخر:

– طب والواد جاعد مع مين دلوك؟
خرج صوت عزب ببحة مختنقة:
– أمي مرعياه، ومش سايباه واصل، دا غير خلاته كمان، ربنا يجومها هي بس؟
عقب على قوله سريعًا:
– ان شاء الله هتجوم، وهتبجى اخر تمام كمان، شد حيلك انت وبس وخليك جامد، وانا معاك ومش هسيبك واصل يا واد عمي، احنا مشوارنا دلوك ع المستشفى عشان نخلص الإجراءات صح؟

❈-❈-❈

في وقت لاحق
وبداخل دار المناسبات العائلية، والتي اقيم بها عزاء الفقيد، يتلقى عزاءه مجموعة كبيرة من أعمامه الكبار وأولا أعمامه من العائلة، كفعل طبيعي اتخذ والده وضعه وسطهم، ومع ذلك كان منبوذًا، لا أحد يوجه له هذه الكلمات المعروفة في المؤازرة، ولا حتى تتخذ مشورته في ترتيبات الصوان الضخم وما قد يكلفه من مال، حتى استقبال الشخصيات الكبيرة والتي تقوم بواجبها في هذه الأوقات .

هذا بالإضافة لتلك النظرات العدائية والكارهه التي كانت توجه نحوه، وكأن وجوده بينهم كعصرة ليمون مجبورين عليها، من أجل التقاليد العائلية المتوارثية، ليزيد بقلبه السخط عليهم جميعًا، فقلبه الأحمق ما زال أعمى بحب النفس، بشعورٍ بالاضطهاد وحقدُا على من استأثر بالحب والتقدير حيًا، ثم حتى في مماته.

من جهة أخرى كان غازي يقوم بواجبه، بقضاء أكبر قدر من الوقت بحكم ارتباط العائلتين بصلة نسب تجمع بينهم، علق منتبهًا لما يراه من أمر عجيب، لرجله:

– ايه الحكاية؟ مال الجزين دا عامل زي الجربان وسطيهم؟ اشحال اما كان الميت ده يبجى ولده
مصمص بسيوني بشفتيه في البداية قبل أن يجيبه بأسى:

– ليهم حج، مدام راح الزين واتبجالهم ابو وش عفش ده، اعوذ بالله، راجل سو فضل يداعي ويشنع على ولده لحد ما راح المسكين وسابهالوا خضرة مخضرة، ياك يتهد، ويستريح.

طالعه غازي بدهشة اختلطت بحنقه سائلًا:
– وه، وليه الكره دا كله ناحية الراجل؟ يعني عشان خمورجي وصاحب كوباية؟

تجعدت ملامح بسيوني بضيق شارحًا:
– يا عم غازي افهم، الموضوع كبير ويخص بتنا اللي كانت مرة المرحوم دلوك كمان، انا مستعد احكيلك على كله.

االقى غازي نحو صهره ناجي والذي مر من أمامهم بصحبة عزب ليتخد مقعده بجواره، وكأنه التصق به، حتى جعله يستغرب أمره وهذه المبالغة في تأدية الواجب، قبل أن يعود منتبهًا للآخر يجيبه:
– جول يا بسيوني، على ما يبدأ الشيخ من تاني، كدة كدة الجعدة مطولة.

❈-❈-❈

في المساء
وبعد انتهاء اليوم الأول في العزاء، دلف غازي لمنزله، بعد أن أدى واجبه كاملًا، تقديرًا لابن عمه عزب، في تقليد متوارث بالدعم المؤازة في هذه الأوقات الخاصة من الحزن قبل الفرح، لجميع الأفراد حتى لو كان الأمر يخص عائلة أخرى:

وجد جدته على مقعدها بوسط الصالة، ممسكة بسبحتها تردد عليها الأذكار.
– مسالخير يا حجة.
– مسالخير يا ولدي.
خرج ردها بصوت غلفه الحزن، ليرتد عليه بتأثر جعله يقرر الجلوس معها، متراجعًا عن الصعود الى طابقه ليستريح، رغم أجهاد جسده المتعب، وبادرها بسؤاله:

– البت روح مش باينة ليه؟ لحجت تنام؟
نفت تجيبه بتنهيدة مسبقه:
– لا يا ولدي، روح مببتة مع بنات هريدي النهارده، مرديتش تسيبهم ولا تسيب البنية التعبانة، اهو الحزن لما بيتوزع برضوا بيجل.

اومأ بتفهم لوجهة نظرها، والتي قد تكون بسيطة في مفهومها، لكنها في الحقيقة تحمل أكبر التأثير، فما أصعب الحزن الذي يأتي على الأنسان وحيدًا، انتابه الفضول لفتح حديث معها:

– لكن هي بت هريدي اللي دي اترملت النهاردة، هي الأكبر ولا عزب؟
على الفور نفت فاطمة بذاكرة نشطة:
– لا يا ولدي اكبر كيف؟ دي اصغر واحدة فيهم، ست وعشرين كمان متمكلهاش، في عمر مرتك ويمكن أصغر، انا فاكرة زين يوم ولادتها، أمها ومرت سعيد ولدي كانوا الاتنين حوامل ، بس مرة ولدي ولدت جبلها بخمس اتشهر انا افتكرت دلوك زين.

تبسم لها بإعجاب يثني عليها:
– لا ما شاء الله عليكي يا حجة فاطمة، الذاكرة حديد صح يعني، طب تصدجي بالله، انا كنت سمعت فتنة مع الصبح بتجول انها كانت معاها في المدرسة، ومكملتش اليوم اها ونسيت، لكن انتي…… الله اكبر عليكي.

بادلته استجابة ضعيفة بالابتسام تعقب على قوله:
– وانا ايه اللي هيخليني انسى بس؟ طب انت مشغول بميت حاجة ، انا بجي ايه اللي ورايا؟

توقفت لتسأله باندهاش:
– يعني انت متعرفهاش خالص يا غازي؟ ولا مرة شوفتها.
نفى بصدق ظنه:
– عمري ، او يمكن اعرفها ومش واخد بالي، ما انا مش بركز في الحريم يعني.

ردت تجيبه بتأثر:
– لا يا ولدي، مش موضوع تركيز، انت كنت دايما مشغول مع جدك، يا اما في الدراسة، مكنش عندك وجت تروح وتاجي زي باجي الشباب، ولا تعرف دي ولا تشوف دي، طول عمرك كبير يا حبيبي.

اومأ بنصف ابتسامة لها، لا يعلم المغزى خلف كلماتها ان كان أطراءًا له، أم اشفاقًا عليه.
انتبه على صوت بناته الصغار يدلفن بجلبتهن، مهلالات نحوه:

– بابااا
تلقف يستقبل كل واحدة منهن بالقبلات، قبل أن يجفل بهيئة زوجته، مرتدية ملابسها الملونة، وكأنها لم تذهب للعزاء من الأساس.

– ايه ده يا فتنة؟ هو انتي مروحتيش الواجب.
سألها بدهشة اعتلت تعابيره، فردت تجيبه بتقليل:
– لا طبعا روحت، بس هي لحضة لحد الضهر وبعدها جضيت بجيت اليوم عند امي.

مال برأسهِ لها يطالعها باندهاش مرددُا:
– لحد الضهر، كتر خيرك والله، اللي يشوف صرختك في الصبح على جوز صاحبتك، ما يشوفكيس وانتي داخلة بالملون ولا هامك.

أجفلها تعليقه المباغت لها، حتى بدا عليها طيف من توتر، سرعان ما سيطرت عليه، لتعترض قائلة:
– وافرض يا سيدي زعلت ع اللي اترملت، ما انا روحت وجضيت الواجب اها، هعمل ايه تاني زيادة، اشيل الطين بجي وافضل حزينة عشان خاطرها، هي لو انا مكانها كانت هتعمل زيي…….

– الف بعد الشر، ما تنجي كلامك يا بت.
هتفت بها فاطمة بمقاطعة حادة، وقد ازعجها القول، لتحدجها بنظرة نارية اغضبتها فردت مدافعة:
– خبر ايه يا جدة، انا بجول لو لو، مش بفول يعني، وع العموم انا طالعة شجتي وسايبهالك اها.

قالت الاَخيرة وتحركت على الفور نحو الدرج دون انتظار، ليعلق غازي للمرأة التي اكفهرت ملامحها:
– خبر ايه يا جدة؟ وشك جلب كدة، دا حتى الموت علينا حج.

ضغطت فاطمة تزفر أنفاس ساخنة، مشحونة بغضبها، لتردف بلهجة لانت بعض الشيء:
– وانا مجولتش حاجة يا ولدي، انا بتكلم ع اللفظ، دا حتى بيجولوا اللفظ سعد، ما تعرفش هي الكلام ده.

تبسم يرد بسخرية خلت من المرح:
– لا ما هي متعرفش سعد ولا سعيد، تعرف بس ابو الغضب.

❈-❈-❈

وعودة الى منزل الدهشوري
حيث استيقظت في وقت متأخر من الليل، بعد ان ذهب منها مفعول المهدئ، لتجد نفسها داخل الغرفة وحيدة، ترتدي ثوبها الأسود وشقيقتها ، غافية بملابسها السوداء هي الأخرى، وقد افترشت الأرض أسفلها، كي لا تبتعد عن رعايتها، عاد الوعي إليها تدريجيًا لتستفيق على واقعها المؤلم، بأنها أصبحت وحيدة، حتى ابنها لم يكن معها….. لتخرج صرخة من جوفها، تشق قلب الظلام، توقظ جميع من في منزل، من ساكنيه، أو نساء باتت ليلتها في تادية للواجب معهن.

– يا حجازي.

انتفضت شقيقتها مُفزعة لتخفف عنها، ثم امتلأت الغرفة بعدد من البقية كوالدتها وسليمة التي ضمتها لتخفف عنها، تتلقى بكاءها الحارق على صدرها، حتى جعلتها هي الأخرى تضعف وتذرف الدمعات معها، قبل أن تجفلها بندائها الملتاع:
– انا عايزة ولدي، هاتولي ولدي، فين معتز؟
ركضت شقيقتها لتأتي به وتسلمه لها نائمًا، تخاطبها بحرص:
– حن عليكي ما تفزعيه من نومته.

تناولته منها، تضمه برقة، وتجاهد لتنفيذ رغبتها، لكن سرعان ما غلبتها عاطفتها لتشدد عليه ببكاء مكتوم جعل الجميع يخشى استيقاظه، قبل أن تتجرأ روح لتهادنها بهدوء تمتص فزعها:
– براحة يا نادية، سيبه يكمل في حضن امك، هو انتي مش هتأمني أمك، حن عليكي يا حبيبتي، نادية.

استلته من يدها بصعوبة لتخطفه والدتها على الفور منها، وجلست جواره من الناحية الأخرى لتضمها بحنان جعلها تسكين، تمسح بكف يدها على شعر رأسها، تتلو عليها من ايات القرآن الكريم، حتى استسلمت آمنة للنوم اخيرُا.
فهمست شقيقتها بتقدير واعزاز:
– الله يبارك فيكي ويسعدك يا روح، حضنك الحنين، خلاها تطمن وتنام.

عقبت على قولها زوجة شقيقها عزب:
– طب النهاردة ونامت، بجية الايام هتعمل ايه؟ الله يكون في عونها.
عبست روح لتشد الغطاء عليها قبل أن ترد على المرأة، والتي تدعى عزيزة:
– ان شاءالله خير وربنا معاها واحنا مش هنسيبها، كلنا في ضهرها، هي مش بت عمي لزم، لكن اكتر من اختي،

❈-❈-❈

وفي منزل فايز.
والذي ظل مستيقظًا بأجفان مفتحة، لا يقربها النوم، يدخن بشراهة ولا يتوقف، حتى استفز زوجته والتي استيقظت من نومها على حركته:
– خبر ايه يا فايز؟ رايح جاي ع البلكون تدخن وتشرب شاي لما خايلتني يا راجل، وصحيتني من أحلى نومه.
نهرها بأعين حمراء نتيجة السهر والتدخين يرد:

– ما انتي لو عندك دم ولا احساس، كنتي تجومي تسويلي انتي، ولا حتى تسهري معايا تونسيني، بدل ما انا جاعد زي جرد جطع، وانتي البعيدة بتفكري بس في نومك.

لوت ثغرها بزواية تخبئ وجهها عنه، قبل أن تنهض على غير ارادتها لتذهب وتجلس جواره متصنعة اللطف:
– معلش يا خوي، انا بس غلبني النوم، لكن اها هجعد جمبك ان شالله حتى لحد الصبح .

ظل على صمته يطالعها بتجهم، غير اَبهًا لمبادراتها في الانضمام اليه، حتى علقت بعتب:
– خبر ايه يا فايز؟ ايه لزوم جلبة الوش دي يا راجل؟ حصل ايه؟

زفر مرددًا لها بسخط:
– حصل ان ولدي مات….
ضيقت عينيها تستوعب عبارته، ولكنه تابع مصححًا بعند:
– والناس كلها محسساني ان انا السبب في موته، عشان دعوة ولا شتيمة طلعت مني في وجت ضيق، طب يعني انا كان ايه بيدي؟ بعد ما كل عليا حجي في البيت، كنت ابوس راسه واهني يعني ولا ايه؟ محدش فيهم جاعد في مكاني، كلهم بيعاملونني النهاردة، ولا اكني مرض، يسلموا عليا بالعافية، والكلمة تطلع من تحت الضرس، فيه ايه؟ كلت ورث ابوهم انا؟

استدركت على حالته، لتمتص غضبه مهونة:
– خلاص يا خوي ولا يهمك، دول كلهم ناس سو اساسًا، ربنا يبارك في عيالك، وأي حد يلوم عليك ربنا يبتليه.
سألها مرددُا خلفها باستفسار:
– يبتليه بإيه؟
– يبتليه باللي ياكل حجه طبعًا، ولا انت فاهم جصدي ايه؟
اومأ رأسه بتفهم، ليعود شاردًا في الفراغ مرة أخرى، لتأخذ هي فرصتها في التطلع إليه ورأي ترسخ بعقلها، زوجها متقلب ولا أحد يعرف بما يدور برأسه أبدًا

❈-❈-❈

بعد عدة أيام
وقد هدأ الوضع إلى حد ما، وصل غازي بصحبة رجل الأمن إلى منزل الدهشوي، بغرض التحقيق معهم بصفة ودية، بعد ما توصلوا إليه من معلومات جديدة، نتيجة البحث وتقرير المعمل الجنائي.

استيقظت هي في هذا الوقت من الصباح مبكرًا عن أي يوم، بطاقة غريبة جعلتها تمارس نشاطها العادي قبل الحادث، بالاستحمام مبكرًا ثم تأدية فرضها من الصلاة، حتى تفاجأت بها والدتها التي لم تترك المنزل أو تتركها، لتعلق بتهليل:

– بسم الله تبارك الله، حرمًا يا بنتي.
ردت وهي تلملم سجادة الصلاة، لتخلع عنها الاسدال وتتناول منها طفلها:
– جمعًا ياما ان شاءالله، فطرتيه؟
– أيوة يا حبيبتي فطرتوا وشرب كوباية اللبن كلها كمان.

قالتها جليلة لتتوقف متأملة وجه ابنتها المشرق في مداعبة صغيرها وغمره بحنانها المعهود، لتجدد على الإثناء عليها:

– ما شاء الله يا بتي، ايوة كدة فوجي واصحي لدنيتك وولدك، ربنا يبارك فيه.
رفعت رأسها إليها بابتسامة راضية:
– حمد لله، بس انا جايمة النهاردة وفايجة شوية عشان شوفته ياما.

ذوت جليلة ما بين حاجبيها تسألها بفضول:
– شوفتي مين يا نادية؟
– حجازي.
– حجازي!
– أيوة حجازي ياما، جاني بوشه اللي زي الجمر في حلم جميل خلاني صحيت وانا جلبي مستريح ومبسوط.

زاد الفضول لدي جليلة لتعود اليها بالحاح:
– وعلى كدة شوفتي ايه يا بتي؟
دنت نادية على الوجنة المكتنزة لطفلها، تطبع عليها قبلة متلهفة قبل أن ترد:
– هجولك واحكيلك عليه كله، بس الأول عايزة أسألك، فين عمتي سليمة ولا جدتي، عايزة اشوفهم الأول جبل ما اطلع اروح لجدي عبد المعطي واطمن عليه في المستشفى.

ابتسامة ضعيفة شقت زاوية بوجه جليلة، وقد اكتنفها الذهول لتعقب:
– وماله يا بتي، اطلعي وخشي، دي الحبسة في البيت تجصر العمر، بس استني شوية، على ما يمشي الظابط اللي تحت……..

انتفضت تقاطعها بتساؤل:
– وايه اللي جاب ظباط عندينا، وهو جاعد مع مين اساسًا؟
التوى ثغر جليلة، لتجيبها بامتعاض؛
– جعد شوية مع سليمة وهويدا ودلوك جاعد مع فايز .
– جاعد مع مين؟
هتفت بها بحدة، قبل أن تباغتها لتنهض وتعيد إليه الطفل، متجهة نحو خزانة ملابسها تردف:
– انا نازلة اشوفه بنفسي.
بخوف غريزي، حاولت جليلة منعها:
– ولزموا ايه بس تنزلي يا بتي، احنا اساسًا جولنالوا تعبانة واخوكي جاعد تحت مراعي مع ولاد عمك، دا غير كمان سند وعيسى، ولاد نعيمة وهويدا
تناولت عباءة جميلة سوداء، لتلتف أليها بملامح مشتدة، تخاطبها بحدة:
– يعني اللي من الشرج والغرب حاضر، وانا اللي اسمي مرته ويخصني الأمر، اجعد مكاني زي السرير اللي كنت نايمة عليه، الله يسامحك ياما، كان لازم تبلغيني من الأول، ولا يكونش فاكراني هخاف وادسى

❈-❈-❈

وفي الأسفل
كانت الجلسة التي جمعت رجل الأمن بفايز في جهة قريبة الى حد ما، من مجلس غازي مع باقي الأفراد، يتابع بتململ هذه الأسئلة الروتينية والمكررة من فرد لاَخر، يحصي الدقائق لانتهائها.

– احنا الساعة كام دلوك؟ عايز بجي اشوف مصالحي.
تمتم بها هامسًا لرجله الدائم بسيوني، والذي اجابه على الفور بنفس الطريقة
– الساعة داخلة على تسعة، هانت، ينتهي بس من الراجل العفش ده، وبعدها نخلص ان شاءالله.
– ان شاءالله.

غمغم بها من خلفه قبل أن يتوقف عن الكلام، مجفلًا برؤيتها تنزل درجات السلم أمامه بثقة وهيئة اسرته، لتتعلق ابصاره بها، غير قادر على إحادة عينيه عنها، حتى تسائل مع الرجل الذي جالسًا جواره:
– مين دي؟

تطلع بسيوني نحو ما ينظر اليه، قبل أن يقترب منه يجيبه:.
– ما هي دي نادية، اللي تبجى مرة المرحوم حجازي، واللي كان هيموت عليها ناجي واد عمك، واخد بالك؟
قال الاَخيرة بمغزى فهمه ليلتف نحو المذكور ، فوجد ابصاره تلتهم تفاصيلها، حتى اقتربت من ضابط الأمن تعرفه عن نفسها، قبل أن تجلس مقابلة لفايز، وتعطيه ظهرها،

اشتعلت رأسه لفعلتها، وضاق ذرعًا بشغف يقتله للمعرفة، مستهجنًا هذه المسافة الفاصلة بينها وبينه، وقد رأها في هذه اللحظة أميال، لينتفض فجأة ناهضًا عن مقعده، ينوي تقريب المسافة،
استوقفه بسيوني سائلًا بدهشة:
– رايح فين يا كبير؟.
رد يوجه انظاره نحو البقية بتجهم:
– رايح اجف مع بت عمي.

قالها وتحرك حتى احتل المقعد المجاور لفايز، ليتضح وجهها بالكامل، رجفة مفاجئة تسللت داخل جسده الضخم، وصورة الفتاة صاحبة أجمل عيون رأها قبل ذلك، تتشخص أمامه لحمًا ودمًا، ولكن ينقصه فقط نظرة من عينيها، حتى يتأكد، فتلك الفتاة العالقة في ذهنه كانت في الثانية عشر من عمرها، أما من يراها الاَن، فهي امرأة مكتملة الأنوثة،

تتحدث غير منتبهة اليه، وهو يتحرق لنظرة واحدة منها، حتى تؤكد له صدق ظنه، يجزم داخله ان من يراها الاَن امامه، هي من احتلت خياله وأحلامه عدد السنوات الفائتة من وقت لقاءه اليتيم بها، ولكن كيف يتأكد وهي تحجب نفسها عن النظر إليه؟

لقد نسى الزمان ونسى الظرف ولم يعد برأسه سوى فكرته ألمترسخة بداخله للتأكد من شخصيتها، لذا لم يتردد أو يعطي نفسه مساحة من التفكير، فور رؤيته للطفل الذي كان يتقدم بخطواته الصغيرة نحوها، ليوقفه مسيرته، بأن التقطه بيداه الاثنتان بحنو ليحمله على حجره.

نجحت خطته بأن لفت انتباهاها، والتفت نحوه بأعين متسائلة متجاهلة كل شيء، ليلتقي قمريها الاسودين، عيون الريم الواسعة، والمزينة بكحل طبيعي يجعلها كالحورية .

انتفاضة قاسية، شعر بها كصاعق كهربائي ضربت قلبه من الداخل، ليشعر بألمها وكأنها أعادت إليه الحياة، وبرودة غريبة زحفت لتجمد الأعضاء الحيويه بجسده، تحرم عليه الحركة، ليظل مزبهلًا لها بانشداه، وقد خلى عليه العالم الا منها،
انها هي، هي الفاتنة التي سرقت منه النوم، وجعلته أسير البحث عنها .

وجهها كالبدر، لم يؤثر فيه الحزن ولا الذبول، بل زاده اللون الأسود لحجابها وما ترتديه، اشراقًا ونضارة، يتسائل داخله، ان كان هذا وضعها في الحزن، فكيف تكون في هيئتها العادية أو الفرح؟ ثقة لم تغب عنها منذ طفولتها، وبراءة تغلب طبعها مهما ادعت غير ذلك، تبقى فقط ضفيرتها الطويلة السوداء……. تبًا

تذكر بخاطره الاَخيرة، شلال شعرها الأسود والذي تساقط من الحجاب يوم وفاة زوجها، ليكون قبلة لكل الأعين حتى دلف بها شقيقها داخل سيارة صهره ناجي،

انتقلت عينيه نحو الاخير، فوجده ما زال على وضعه بجوار عزب شقيقها، يتحين الفرصة بأعين متربصة،
يفهم الاَن سبب التصاقه به منذ موت زوجها.

ثم هذان الشابان أقرباء الراحل، المدعو سند والاَخر عيسى، يرى بأعينهما المسلطة عليها الإعجاب الواضح، مهما كانت طريقتهما مهذبه أو بها أخلاق، حتى رجل الأمن هو الآخر…… اللعنة انها مطمع للجميع.

تسارعت أنفاسه، يجاهد للسيطرة على غضب مكبوت بداخله يدفعه لحرق الأرض ومن عليها، ابتلع بصعوبة ليجلي رأسه من أفكارها المجنونة، ليلتهي بالحديث الدائر بينها وبين رجل الأمن .

– يعني انتي متأكدة ان جوزك ملهوش عدوات يا مدام نادية؟
القت بنظرة نارية نحو فايز، فهمها جيدًا، ليحدجها بأعين مشتعلة تلقفتها بتحدي وهي تجيب الرجل:
– لا طبعًا أكيد في، انا جوزي مكنش هين؟ ولا أي كلام، والزين لازم يبجاولوا اعداء.
استدركت فجأة لتسأله عن مغزى السؤال:
– جصدك ايه بالكلام ده، انت مش جولت ان دا إجراء روتيني عشان حادثة الغرج؟

صمت يطالعها بنظرات زادت من توجسها قبل أن يجيبها بمراواغة:
– هو فعلا إجراء روتيني، واحنا بس بنعطي تخمينات عشان يعني لو تقرير المعمل الجنائي، اثبت ان سبب الحادثة، وراه فعل فاعل في تخريب السيارة.

صمت مهيب خيم على رؤوس الجميع، بصدمة الجمتهم في البداية قبل ان يقطعه قول هذا المدعو سند بحمائية نابعة من صداقة قوية مع الراحل:
– ازاي يعني؟ الكلام دا لو طلع صح؟ احنا لا يمكن نسكت، لو حتى كان الجاني مين؟

قال الاَخيرة بنظرة واضحة نحو خاله، ليضيف على قوله عيسى:
– أيوة امال ايه؟ معزة حجازي تغني عن أي جربة ولا صلة دم .

الاخيرة كانت واضحة كضوء الشمس أمام الجميع، فلم يفهمها فايز وحده، بل ورجل الأمن أيضًا، والذي تابع تحقيقه مع نادية، والتي كان صمتها ابلغ رد على حالتها الغريبة:
– لو حاسة انك تعبانة ممكن نأجل لوقت تاني….

بانفعال لم يقوى غازي على كبته، قاطعه بحده يجفله:
– تأجل فين تاني يا سعادة الباشا؟ ما اديك شايفها تعبانة اها، لو ظهر دليل يثبت تخمينك، يبجى ساعتها فيها تصرف تاني .

لملم الرجل أوراقة لينهض بوجه اعتلاه الضيق، مستئذنًا في الانصراف، نهص معه بسيوني ليتكفل بواجب الضيافة له، ليلحق بهما فايز الذي تحرك مغادرًا دون استئذان.
ليهتف هو الاَخر منهيًا أي فرصة لبدء نقاش قد يدور معها:

– خلاص واحنا كمان نجوم نشوف مصالحنا، ياللا يا اخ سند انت وعيسى، على المندرة، تكملوا واجب عزاكم .
وانت يا ناجي، اسبجني ع العربية عايزك.

اعترض الاخير امام نظرات الاستغراب من الشابين؛
– انا جاعد شوية مع عزب.
رد بجرأة احرجته:
– طب عزب واجب عليه يجعد مع اخته عشان يراعيها، انت بجى هتجعد معاه في بيوت الناس؟

تبدلت ملامح الاسترخاء على وجه الأخر، لينهض مجبرًا للذهاب يتمتم بحرج:
– لا يا سيدي مش هجعد في بيوت الناس،،عن اذنك.
خرج خلفه عيسى وسند، رغم اندهاشمها لهذا التدخل السافر من هذا الرجل ، والذي يوشك على طردهما من منزل العائلة.

خلت الجلسة عليه وعليها بعد خروج عزب خلف صديقه، لتنحل عقدة لسانه اخيرًا، ويخاطبها مناديًا باسمها، حتى ينزعها من جمودها:
– نادية.
أجبرها بندائه أن ترفع عينيها الجميلة إليه، يلتقط نظرتها وكأنه سهم رشق في منتصف قلبه، فقال موضحًا وكأنه يُصلح خطأ مرته الأولى، في عدم التعريف عنه نفسه:

– أنا غازي واد عمك يا نادية، عارفاني؟

يتبع…



السادس من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close