اخر الروايات

رواية ميراث الندم الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر


 

 أسفل المظلة الخشبية في القسم الأمامي من حديقة المنزل الكبير، كان جالسًا وحده مستغلًا سكون الليل وهدوء المكان، بعيدًا عن الضجة والازدحام الذي يحاوطه يوميًا في كافة الأنشطة التي يقوم بها، كمسؤل عن عائلة كبيرة، بمصالح لابد من تأديتها، أو مشاكل لابد من البت فيها، وغيرها من المهام التي لا تنتهي.

اما الاَن؛ فهذا وقته للإختلاء بنفسه، وقته للتفكير في غازي، وحظه البائس في العثور اخيرًا على فتاة احلامه، والتي سرقت منه النوم أيامًا لا حصر لها، على مدار الأعوام التي مرت عليه في البحث عنها، ليجدها اليوم، وقد ضاعت فرصته بالارتباط بها سابقًا، وتزوج وأنشأ حياة تعيسة مع امرأة ذات واجهة جميلة وقلب فارغ، وكأن القدر يسخر منه.

الاَن فقط علم بصلة قرابتها به! الاَن فقط بعدما توفى زوجها وأصبحت لقمة سائغة، تدعو الجميع للطمع بها، يالحظه التعيس، يعيد برأسه لقاءه القصير بها منذ ساعات، حينما خلى المنزل عليه وعليها، ليُحدثها بقلب يرتجف بصدره، وكأنه مراهق صغير، وليس رجلا ناضجًا، بل وقائد لعائلة كبيرة تحجب عين الشمس بأعداد أفرادها، ومصالح تهتز لها بلادًا لثقلها.

لقاءه بها قبل ساعات.

– انا واد عمك غازي يا نادية عرفاني؟

– طبعًا عارفاك، هو انت في حد ميعرفكش؟

خرجت منها عادية جوفاء، لم يبدوا عليها ولو لمحة واحدة حتى من مشاعر هوجاء كتلك التي تعبث بداخله، وكأنها وحش يتغذى على عزيمته، فيجعله يجاهد بصعوبة للثبات على شخصيته الجادة أمامها ، ولكن ماذا كان ينتظر منها؟ وهي امرأة في عز حزنها الاَن على زوجها الراحل، انه بالفعل أحمق بالغوص في أوهامه.

أجلى حلقه ليظهر خشونة يدعيها بقوله كمسؤل العائلة:
– تمام، طب عايزك تعرفي زين بجى ان عيلتك في ضهرك وانا كبيرها أولهم، يعني أي طلب تعوزيه تجولي عليه على طول، ولو عندك أي مشكلة، عمرنا ما حنسيبك تواجهي لوحدك.

أومأت رأسها بتفهم رغم شرودها في حضرته، مما اثار الحنق بداخله ليعود بقوله مشددًا:
– سامعاني بجولك ايه؟
رمقته بنظرة خاطفة من التعجب قبل ان تحجبها مرة أخرى ، مع قولها بخجل:
– انا زينة والحمد لله، مفيش حاجة تستدعي الكلام ده، لما اعوذ حاجة هبجى اجول.

تتحدث بعزة رغم ضعفها، رقيقة حتى في ادعائها القوة أمامه، حديثه معها في هذه المسافة القصيرة زاد على تأكيد نظرته الأولى لها جميلة حد الفتنة، للدرجة التي تزيد من عذابه، في الخوف عليها.

لم يشعر بطول تأمله لها، إلا من بعد ما رفعت اليه نظرة متسائلة، جعلته يعود لصوابه، مستدركًا ضعف موقفه في الانفراد بها بعدما صرف الجميع، فقال موضحًا:
– احنا عارفين ان انت زينة، بس احنا بنسأل ع اللي جاي، لازم تعرفي ان عيلتك كبيرة ولا يمكن هتفرط فيكي ولا تسيبك لوحدك، انتي بتنا.

عادت تومئ برأسها بتململ، وكأنها تدعوه للإنصراف، لن يلومها، فهو بالفعل قد اطال رغم قصر الوقت ولكن ماذا بيده؟ ود لو ظل العمر كله يتأملها، وقد زادها الاَن حمرة جميلة اللهبت وجنتيها لتبدوا كطقعة للتفاح ناضجة…. تبًا

زمجرة خشنة خرجت من حلقه قبل ان يرفع كفه أمامها، بجملة اَخيرة قبل الإنصراف:
– ع العموم دلوك هي فرصة عشان اعزيكي جبل ما أمشي، البجية في حياتك، ومتنسيش اللي جولتلك عليه.

استجابت تبادله المصافحة برد روتيني:
– في حياتك الباجية، مش هنسى ان شاء الله

كان سلامًا عاديًا، كفها فقط لامست كفه سريعًا، ولكنها مرت كشرارة كهرباء، سرى مفعولها على جميع جسده، لتجعله يقبض على اثرها حتى الاَن، لا يصدق ليونتها ورقتها، لا يصدق كم هذا اللطف والجمال المتمثل بها وحدها، ليته لم يتركها أبدًا، ليتها كانت من نصيبه.

استفاق من شروده على دلوف شقيقته بملابسها السوداء لداخل البوابة الحديدية الكبيرة للمنزل، انتفض واقفًا ينتظرها حتى اذا اقتربت من الدرجات الرخامية للباب الداخلي، هتف مناديًا باسمها:

– روح.
التفت على النداء، تجفل على جلسته في الظلام، وقد أطفًا انوار الأعمدة الصغيرة من حوله، ارتدت بخطواتها لتغير الاتجاه نحوه، تبادره بسؤالها:
– جاعد عندك في الضلمة بتعمل ايه؟ اقسم بالله ما خدت بالي منك وانا جاية.
ابتسامة خفيفة شقت زاوية جانبية لفمه، قبل أن يتود لجلسته، ويدعوها هي الأخرى:

– يا ستي انا عايز الضلمة والهدوء، تعالي اجعدي معايا بس ونسيني شوية تعالي.
فكت طرف حجابها في الأمام لتجلس به مغطيًا شعرها فقط، وقالت توافقه:
– بصراحة عندك حج، الهدوء هنا مع صوت الليل وريحة الخضرة اللي جاية من الشجر والزرع، كمان مع نسمة الهوا اللطيفة، حاجة تسحر يا عم غازي، تصفي النفس وتهدي الروح.

ردد خلفها بتفكه، وقد راقه حديثها:
– يا حلاوتك انتي يا روح؟ بتجولي شعر يا بت؟
تبسمت لتعقيبه ترد بخجل:
– يا عم مش شعر، انا بس كدة اتأثرت بالجو اللي عامله، لكن مجولتليش يعني، ايه اللي مخليك منزوي مع نفسك كدة؟ مش برضك دا وجت جعدتك مع شباب العيلة في المندرة، ولا انت جفلت منهم.

– ايوة يا اختي جفلت منهم.
قالها متبسمًا لتخمينها، قبل أن يردف بتردد:
– ما انتي كمان جاية متأخر من واجب صاحبتك، كل ده، حتى بعد ما جطعوا التلات تيام، برضك مش سايباها.

اعتلى وجهها طيف من الحزن، تجيبه بتأثر:
– واسيبها ليه بس؟ هي مصيبتها جليلة يعني امشي واعمل اني عملت اللي عليا وخلاص؟ دي اترملت في عز شبابها حبيبتي، خمسة وعشرين سنة، الله يكون في عونها.

اومأ برأسه بشيء من الأسى يردد خلفها:
– ياللا بجى محدش بياخد أكتر من نصيبه، لكن معني كلامك كدة انها اصغر منك، ومع ذلك اها مش سيباه، دي المحروسة اللي كانت معاها في نفس الفصل، مش سائلة.

فهمت بمقصده عن زوجته، التي ذهبت تعزيها كالأغراب، وبعدها انقطعت حتى عن الاطمئنان عليها عبر الهاتف، لذلك فضلت الاكتفاء صامته بابتسامة ضعيفة، فواصل هو سائلًا بفضول يقتله:
– بس اللي انا عايز اعرفه ومجنني، هي كيف بت هريدي واد عمي وانا معرفهاش؟ كانت مختفية يعني ولا ايه؟

تبسمت هذه المرة بمرح ترد على كلماته:
– لا يا سيدي مكنتش مختفية، بس هي اساسًا كانت جلوعة عشان اصغر خواتها، من يومها متحبش الطلوع كتير من بيتهم، حتى لما كانت تاجي في تجمعات العيلة في الأفراح والليالي، مكنتش بتتحمل غميز الحريم وغلاستهم عليها في الكلام اللي انت عارفه، هتتجوزي مين يا بت؟ وامك بتشغلك في البيت ولا لا؟ هتاخدي ولدي يا بت، وهي هادية اساسًا متحبش الرط والرغي، كانت تلم نفسها وتمشي على طول، دا غير انها اتجوزت صغيرة جوي في سنتها الأخيرة في الصنايع ، جبل حتى ما تظهر نتيجتها، مكنتش مكملة حتى سبعتاشر سنة.

– يعني رباها على يده كمان، ومدهاش فرصة حتى تشوف من الرجالة غيره، وانا اللي كنت زي المخبل بدور عليها وهي جمبي
غمغم بها ساخطًا بصوت خفيض، جعل شقيقته تسأله:
– أنت بتجول حاجة يا غازي.
نفى كاذبًا ليتابع سحب الكلمات منها:
– لا متشغليش نفسك انتي، كملي بجى على بت عمك الغريبة دي، بعد ما اتجوزت مكنتش كمان بتاجي هنا؟ ولا حتى حضرت أي ليلة من اللي بنعملها كل سنة؟

رغم استغرابها لتحقيقه، إلا انها تغاضت لتردف له:
– لا طبعًا مجاتش غير مرتين تلاتة ع الأكتر، بس بنتت عمك بجى الله يباركلهم، اللي تجول ابويا جابلي كذا، واللي تجول جوزي جابلي وعملي، عشان بس يغيظوها انها طلعت من العيلة، وهي اساسًا كانت راضية ومبسوطة مع جوزها، المهم انهم خلوها منعت خالص.

– ضربة دم تاخدهم.
علق بها بانفعال حقيقي، ظنته هي مزاح، ولم تخبره ان زوجته هي أكثر من كان يقوم بهذه الأفعال معها، قبل أن تنتبه على انعقاد ملامحه، وهو يتابع بسؤاله:
– على كدة مخلفة كام عيل منه؟
– عيل واحد.
– كيف؟

ضحكت تشاكسه:
– هو ايه اللي كيف؟ رزجها كدة من العيال.
زفرت بتنهيدة من العمق قبل أن تستطرد بجدية:
– حبلت جبل كدة بتوأم بس للأسف نزلوا جبل ميعادهم، ودا نتيجة الحسد وليعوذ بالله، اول بس ما اتنشر انها حامل في ولدين، حريم البلد الفجرية اشتغلوا بجى، بيت هريدي حامل في ولدين، مرت حجازي هتجيب ولدين، لما جابولها الكافية، والعيال نزلوا جبل اوانهم، متحملوش يومين في الحضانة وربنا افتكرهم، بعدها جعدت كام سنة على ما جابت معتز واهو تلت سنين دلوك، ما شاء الله عليه بدر منور.

– زي أمه.
تمتم بها داخله وعقله جاء بصورة الطفل الذي يشبها بدرجة كبيرة، البياض النقي وزوج العيون الواسعة، لقد رق قلبه له، حتى قبله على وجنته وداعبه بيده، وهذا الأمر قلما يفعله مع أحد غير بناته أو أبناء شقيقاته، فقال مستوعبًا كلماتها:

– يعني على كدة هي خلفتها كلها ولاد، عكس اخوكي اللي خلفته كلها بنتة.
تطلعت به باندهاش، فهذه أول مرة تسمع له تعقيبًا عن هذا الشيء، فقالت:
– جرا ايه يا حجازي؟ انت عمرك ما جيبت سيرة البنتة ولا الولد، ولا فرج معاك اساسًا الكلام ده، مالك الليلادي؟ ليكونش هو دا الموضوع اللي مزعلك؟

– مين جالك اني زعلان؟
سألها عاقد الحاجبين بتفسير اجابت عنه:
– شكلك يا واد ابوي، ونبرة الشجن اللي طالعة في صوتك دي.

ظل على صمته ولم يرد، لأنه بالفعل لا يفرق معه هذا الأمر، لكن اليوم؛ يقتله شعور بالغيرة، الغيرة من هذا الرجل، الذي نال عشقها وحصل على ما كان حق له، نعم، فهي ابنة عمه، وهو الأقرب لها، لو كان علم بصفتها منذ ذاك اليوم الذي التقاها فيه صغيرًا، يقسم انها لكانت من نصيبه مهما كان الوضع.

❈-❈-❈

على تختها وقد غفى صغيرها بين ذراعيها التي كانت تضمه اليها بحنان، مالت به بجذعها حتى وضعته بحذر ليتسطح بجوارها، ثم طبعت قبلة طويلة على جبهته قبل أن تنزل على وجنتيه تتلمس نعومتها، تسحب رائحته برئرئتيها وكأنها تتنفس الحياة بها، صغيرها المتبقي لها، قطعة غالية من حبيبها الراحل.

– نام يا بتي؟
سألتها جليلة وهي تدلف الغرفة اليها بصنية ارتصت عليها العديد من الأصناف المحببة لابنتها، والتي نهضت على الفور تشير لها بتوخى الحذر، حتى لا يصدر منها صوت عالي خوفًا من استياقظه:

– براحة ليصحى.
أذعنت لرغبتها تضع الصنية على الطاولة القريبة بهدوء شديد، قبل أن تقترب وتسحبها هامسة:
– خلاص كدة، يبجى تاجي تاكلي.
– ياما ما ليش نفس.
تفوهت بها معترضة، قبل أن تغلبها وتجذبها بقوة، جعلتها تنهض مجبرة، لتجلسها حول الطعام مشددة:

– اترزعي بجى وحطي لجمة في جوفك، من الصبح ما في غير كوباية اللبن اللي شربتيها غصب، انتي عايزة توجعي من طولك ولا إيه؟
استسلمت مجبرة لها، وجليلة لم تقصر في وضع اللقيمات بفمها حتى لا تعطيها فرصة للتهرب، حتى أنت بين يديها منزعجة:

– خلاص ياما الله يخليكي، ما انا فيا يدين اها، مش مشلولة يعني، خلاص الله يرضى عنك.
تركتها اخيرًا تلوك بفمها الذي امتلأ بفضلها، فقد كانت هذه هى الطريقة الوحيدة لإطعامها، بعد أن ارهقتها بالمحايلة دون فائدة، وخرج صوتها وهي تجلس على الكرسي المقابل لها:

– لازم تغلبيني معاكي حتى ع اللجمة.
مضغت قليلًا حتى أوجدت مساحة بفمها للرد عليها:
– انا برضوا؟ دا انتي دفستي الوكل ولا اكنك بتظغطي بحة ولا طيرة عندك، انا طاوعتك وجعدت، لزوموا ايه الوكل بالعافية؟

– لزموا انك تجفي زين على رجليكي، النهاردة جيتي من مشوار المستشفى دوختي وكان هيغمى عليكي، لولا بس كوباية العصير اللي لحجتك بيها اختك، وبعدها زي الهبلة اترزعتي وسط الحريم اللي جاية تعزي ولا فكرتي في نفسك.

حينما لم ترد تابعت جليلة بتأنيبها:
– بلاش اهمال وخلى بالك من صحتك، ولدك محتاجلك،
– ما خلاص عرفت ياما.
هتفت بها متذمر لتتابع بدفاعية:
– انا فوجت لنفسي دلوك، وعرفت اني لازم اقاوم عشانه، هو الهوا اللي باجيلي اتنفسه دلوك واعيش بيه.

طالعتها جليلة بأسى سرعان ما تغاضت عنه لتضع امامها لقيمات الطعام سريعًا، حتى تلهيها عن الغوص في احزانها، وقالت سائلة:
– عامل ايه جدك عبد المعطي دلوك؟ لسة برضو في العناية المشددة

أومأت بهز رأسها بحزن تتوقف عن تناول الطعام تجيبها:
– تعبان جوي ياما، دا حتى معرفنيش لما كلمته، متوقعش انه هيجوم منها المرة دي، أو زي ما جاولوا الدكاترة كلها مسألة وجت.

تنهيدة مثقلة زفرت بها جليلة، متأثرة لحال الرجل الصالح والذي عاشت في كنفه ابنتها مدللة، وكأنها في منزل ابيها بعد زواجها من الراحل….. اجلت رأسها سريعًا من ذكرى ما زال جرحها طازجًا لتستفيق على الواقع وتخبرها بغيظ:

– اخوكي اشتكالي منك يا نادية، هو مرديش يشد عليكي النهاردة عشان ظروفك، لكن اعملي حسابك بعد كدة ، لا يمكن هيسمح واصل يسيبك تروحي أي مشوار من غيره.

أكفهرت ملامحها لتردف بغضب متعاظم:
– عنه ما سمح، عايز يوصلني المستشفى بعربية ناجي الدهشان ولا اكنها عربيته، حد جالوا اني مخبلة وهرضى بالمسخرة دي ياك؟ الراجل ده انا لا بطيجه ولا بطيج أي حاجة من وشه، يعني خلي ولدك يفهمها كدة من أولها.

قارعتها جليلة غير متأثرة بكل ما تفوهت به:
– يعني مش طايجة ناجي اللي هو واد عمك ومن بدنتك، لكن سند واد هويدا ياخدك ويوصلك بعربية أجرة، عادي وعلى جلبك زي العسل؟

طالعتها بصدمة، لا تستوعب ما التقطته أسماعها منها، لترد بحمائية وانفعال:
– ايه اللي انتي بتجوليه دا يامه؟ سند واد عمتي هويدا، في مجام اخويا، ولا انتي ناسية محبته للغالي، راجل محترم، هو عيسى متخيروش عن بعض.

التوى ثغر جليلة ترمقها بامتعاض تقول ساخرة:
– طيب يا محروسة، متزعليش نفسك جوي كدة، ربنا يخليلك خواتك، اما نشوف بس الايام اللي جاية هتودينا على فين؟.

غمغمت بالاخيرة بصوت خفيض، ولكنها وصلت لابنتها، لتنتفض ناهضة عن مقعدها بجوارها تاركة الطعام بغضب، مدمدة بالحمد، لتعود لصغيرها على الفراش وتندس بجواره،

رددت خلفها جليلة سائلة:
– مش هتكملي وكلك،
ردت بحدة دون أن تلتف لها:
– أنا جولت الحمد لله، يعني شبعت.

راجعت نفسها جليلة بندم، وقد اكتنفها شعور بالإشفاق على أصغر أبنائها، لتنهض من خلفها، وتخطو حتى جلست بجوارها على طرف الفراش، تمسد بكفها على كتفها وذراعها، تخاطبها بحنو:
– انا مش جصدي حاجة عفشة يا بتي، متزعليش مني لو زودت معاكي في الكلام، بس انتي عارفة انك أغلى خواتك، وانا خايفة عليكي يا نور عيني.

ظلت معطية لها ظهرها ولم تستجيب لها، فواصلت جليلة من أجل ترضيتها، لتميل عليها هامسة بجوار أذنها:
– طب جوليلي ع الحلم اللي خلاكي جومتي رايجة ومفرفشة.

اعتدلت على الفور بحماس تجيبها:
– جصدك على حلمي بحجازي؟
اومأت لها بابتسامة تخفي داخلها الألم، لتتابع لها الأخرى بلهفة تخللت صوتها:
– شوفته وهو بيضحك ياما، كان جاعد معايا في جنينية كلها ورد من كل الأشكال، بوشه اللي زي الجمر، انا كنت حاسة انه عايش معايا ومامتش، حجازي هيفضل طول عمري في جلبي ياما، عمري ما شوفت من رجال ولا هشوف غيره أبدًا.

رق قلب جليلة لتميل عليها وتحتضنها بصمت، غير قادرة حتى على اخبارها انه لم يعد موجودًا كي تربط نفسها به، ولتترك جرحها للأيام، هي خير مداوي

❈-❈-❈

بعد مرور أكثر من شهر

كان اللقاء حول القبر، حيث التف معظم افراد العائلة، في ذكرى مرور أربعين يوم على الوفاة، والذي تحييه العائلات بزيارة المدافن، وعمل مأدبة طعام في سهرة لتلاوة القرأن الكريم على روح الفقيد، بعد السهرة الأولى والتي تتم بعد أسبوعين، حتى تقام الثالثة بمرور السنة، في تقليد تتعاقب على تنفيذه الأجيال.

كالعادة كانت منهارة رغم إمساكها بالكتاب الكريم، بجوارها روح الدهشان تهون عليها، بالاضافة لشقيقتها وبعض من أفراد عائلة زوجها ووالدته المتماسكة دائمًا، وصغيرها يتنقل من ذراع الى أخرى برعاية وحرص.

وقد كان هو من جهة بعيدة إلى حد ما، يراقب من داخل سيارته بأعين كالصقر، لها ولكل شاردة أو واردة حولها، لقد استغل اليوم رغبة شقيقته في مرافقتها في هذا الوقت العصيب، ليتخذها فرصة لرؤيتها، واستطلاع الاحوال.

فمن وقت لقاءه القصير بها داخل منزلها وهو لم يترك فرصة خرجت فيها، الا وقد كانت تحت أنظاره، يفرض عليها حمائية لا تشعر بها، ينتظر ويتابع ليرى ما يستجد معها، لو كان يملك الحق بزيارتها يوميًا ليطمئن لفعلها، فهو الكبير ويعلم قدر نفسه، لا يستطيع ان يفعل كصهره ناجي والذي لا يترك شقيقها منذ الحادث، وهو الاَن يقف بالقرب منهم بسيارته هو الاَخر، من أجل التكفل بأن يقلها إلى منزلها، ليته يمتلك نصف بجاحته.

او زوج الثيران الاَخران أقرباء الفقيد، واحد منهم يحمل طفلها الاَن كذريعة للتقرب، والاَخر اتخذ موضعه بجواره من أجل التهوين عليها وعيناه تلتهمها رغم كل الأدب الذي يدعيه.

– أوغاد
غمغم بها يضرب بقبضته على عجلة القيادة بغضب حارق، يكوي جلده قبل قلبه، فهو الوحيد العاجز من الوصول إليها منهم، ينتظروا الفرصة، يتحينون الوقت المناسب من أجل الفوز بها، وهي الحمقاء لم تستفق بعد لما ينتظرها.

زفر هواء ساخن بدفعه كثيفة يطردها من صدره ليردد بصوت واضح لنفسه، ويده تضرب على مقود السيارة بغضب:
– اصبر يا غازي اصبرر، لما نشوف ايه آخرتها.

❈-❈-❈

– خلاص يا نادية كفاياكي بكا، القران احسن حاجة تجدميها للمرحوم.
تفوه بالكلمات عيسى لتضيف على قوله والدته:
– اسمعي الكلام يا بتي، متعذبهوش في جبره، كلام ربنا شفا ورحمة للحي وللميت.
– عندها حج والله ياخالة نعيمة، ربنا يبرد جلبها، ويدخل في جلبها الصبر.

قالتها روح في تدخل منها، لتعقب على قولها هويدا:
– ان شاء الله يا بتي، هي كل حاجة بس بتاخد وجتها، والزمن كفيل انه يطفي النار ويعوض.
ضاقت عيني روح بشيء من شك لعبارتها الأخيرة، تغاضت عنه سريعًا لتجيب بصفاء نية:
– ان شاء الله يا خالة، ان شاء الله

وجاء رد سليمة بأن ضمتها لصدرها تهون عليها ببأس اختلط بحنانها:
– دي بتي ام جلب رهيف، هي كدة لازم تدليهم من عنيها عشان تستريح.

استسملت نادية، تستكين داخل أحضان المرأة، وبجوارها روح تناظر حالتهما بإعجاب، رغم هالة الحزن التي تحاوطهما، لا تستعجب وصف المرأة بأنها ابنتها، فهي بالفعل استلمتها ابنة السادسة عشر منذ زواجها بحجازي وحيدها، لتكبر أمام عيناها، في علاقة ودية لم تشهد لروعتها على أرض الواقع إلا معهما، لا عجب إذن أن ينتهي هذا الحلم سريعًا، كأي شيء جميل لا يصمد أمام قسوة الزمن.

❈-❈-❈

وفي منزل فايز
حيث كانت زوجته تزفر وتنفخ كل دقيقة تلتف حوله بعصبية، وحركات انفعالية بغرض لفت نظره لها، حتى ضج منها ومن أفعالها المكشوفة أمامها دائمًا، حتى هدر بها:

– خبر ايه يا مرة انتي؟ ما تهمدي على حيلك خيالتيني، بتحركي وتفركي، زي اللي عليها بيضة ومش عارفة تبيضها فين؟ مااالك؟

وكأنها كانت تنتظر الإذن انطلقت تخرج ما في جعبتها:
– انا هتجن ونار جايدة فيا يا فايز، عيال خواتك ماسكين البيت والأرض ولا اكنهم ورثوا الراجل بالحيا، دا غير السهرة اللي عملينها الليلة لاربعين المرحوم، ودابحين دبيحة، في عز الغلا اللي احنا عايشينه، الفلوس دي كلها جابوها منين؟ ها؟ تجدر تجولي؟ أكيد من الحجة سكينة الوحيدة اللي عارفة بسر الراجل التعبان وحاطة يدها على الفلوس اللي مكنزها، وانا وانت وعيالك بنكح تراب والديون ركبانا.

حرك رأسه بعدم اكتراث يسألها ببرود:
– وافرضي انه صح كلامك، انا بجى عايزاني اعملك ايه؟ ايه في يدي؟ امي ومش طايجة حتى تشوف خلجتي، يبجى فكرك يا ناصحة هتجبل تديني مليم احمر حتى، ثم متنيش الكمان انهم متكفلين بفلوس المستشفى اللي جاعد فيها الحج عبد المعطي، يعني انا بأي وش هروح اطلب منيها فلوس؟

كادت تصرخ بأعلى صوتها لهذه السلبية المفرطة منه، فخرج صوتها بضغط شديد:
– انا مجولتكاش روح اطلب منيها، لأني عارفاها مش هتديك، انا كل اللي شاغلني دلوك، اننا نبجى على نور ، نعرف كل جرش وكل مليم بيتصرف، ودا كله مش هيتم ابدًا واحنا مطوحين اخر الدنيا وجاعدين زي الأغراب، لازم نبجى في البيت معاهم يا فايز.

بدا على ملامحه الإجفال لطلبها المباشر، رغم علمه برغبتها بذلك منذ زواجها منه، ليشيح بعينيه عنها، يفاجأها بقوله:
– شيلي الكلام ده من مخك يا شربات، انا على كدة ومش خلصان من نظراتهم اللي كلها اتهام، اشحال بجى اما اروح اسكن وسطيهم، هي ناجصة وجع مخ.

صرخت به وكأنها صدق عليها ما تخشاه:
– هو دا بس اللي انت شاغل نفسك بيه؟ مش عايز وجع مخ يا شربات، وبلاها ليجولوا علينا يا شربات، لكن تفكر في حجك لا، انت عايز تجنني يا راجل انت؟

– جن لما يلهفك.
صاح بها لينهض متابعًا بغضب:
– اجفلي خشمك الزفر يا مرة انتي، بدل اطلعهم عليكي الليلادي، انا دماغي على اخرها…..

– وتجفل خشمها ليها يا ابوي؟ مش بتجول اللي انت خايف منه؟
هتف بها مالك بمقاطعة، والذي خرج من غرفته على صوتهم،، الجم الذهول والده عن الرد، ليستطرد هو غير ابهًا بحالته:
– أنا سألت وعرفت، ان البيت بجى لينا فيه، بعد ولدك الكبير ما مات، دا غير انك تعتبر وصي دلوك على ولده الصغير، وضيف على كدة انك الوريث لجدي بعد ما يموت عن جريب ان شاءالله.

طالعه فايز بصدمة، ليظل مزبهلًا له لحظات قبل ان يستجمع القول له:
– انت جايب منين الكلام دا يا واد؟
ابتسامة قاسية على طرف ثغره سبقت رده:
– ما انا بجولك سألت يا ابوي، يعني هكون جايبه من مخي مثلًا!

❈-❈-❈

وعودة الى المدافن حيث غادرت جلستها بجوار قبر المرحوم بعد أن سكنت صديقتها عن البكاء، وتركت امرها في تلاوة القرآن على روح الفقيد

كانت تعدوا بخطوات متسارعة حتى تقاربت المسافة لتهتف باسم من كانت تسبقها وهي غير منتبهة لها:
– جميلة، جميلة.
سمعت الاَخيرة لتلتف اليها بابتسامة متسعة، لتعود إليها في سلام حار معها:
– حبيتي يا غالية، عاملة ايه يا ست البنات؟

بحرارة لا تقل عنها في الترحيب، ردت تبادلها:
– حمد لله يا حبيبة جلبي من جوا، انا اول ما شوفت طيفك، جريت اسلم عليكي بسرعة، وحشتيني يا بت،

ردت بابتسامة لا تفارقها:
– وانتي اكتر يا صحبة الهنا والعمر كله، عاملة ايه بجى؟ سامحيني لو مجصرة في السؤال عنك، انتي عارفة البيت والعيال بجى.

رددت تقابل عذرها بابتسامة عذبة مثلها:
– عارفة يا حبيبتي عارفة، المهم بجى سيبك من السؤال عني دلوك، وخلينا في الأهم….. عامل ايه؟!
هتفت الأخيرة بهمس فهمته الأخرى، لتقارعها ضاحكة:
– يعني انتي مش عارفة حاله ايه؟ بالذمة!

تبسمت بخجل وقد تخضبت وجنتيها بحمرة ساخنة تردف بحرج:.
– وه، وانا هعرف منين يعني؟ دي كلها اخبار عامة، زيي زي أي حد يعني، أنا بسألك ع الخاص، هو زين دلوك؟

ضيقت جميلة عينيها بخبث ظاهر، تجيبها:
– زين واخر تمام كمان، وجربت رجعته، يعني الفرح جرب ان شاء الله، فاهماني يا ست العرايس.

الجملة وحدها الهبت مشاعرها لتجعل بريق من سعادة منتظرة يغزو خيالها بأحلام طال تحققها، لتتبسم بغبطة تغمرها تردد لها:
– ان شاء الله يا جميلة، ان شاء الله.

❈-❈-❈

حين انتهت من لقاءها القصير السعيد، وهي ما زالت على حالة الابتهاج، كانت في طريقها نحو الذهاب الى شقيقها، الذي ينتظرها في السيارة ليًقلها الى المنزل، تفاجأت بمن يقف لها متصدرًا، وكأنه كان في انتظارها، بل ومتابع لها من موقعه.

كتمت بداخلها زفرة حانقة، لتتابع سيرها وتتخطاه، متجاهلة حتى القاء التحية نحوه، لتستقل بجوار شقيقها في الأمام صامتة بغيظ جعلها تصفق باب السيارة بقوة، مما ارتد على غازي لبعقب ساخرًا:
– داخلة زي البومة كدة من غير سلام ولا كلام، مش كفاية الاسود اللي لابساه؟

لوت ثغرها بامتعاض ونظرة غريبة لم يفهمها سوى بعد استماعه للصوت الخشن:
– ابو غازي.
التف نحو النافذة مجفلا، ليبادله ابتسامة باردة يجيب التحية، قبل ان يعود لشقيقته بنظرة فهمتها جيدا:
– اهلا يا واد عمي، عامل ايه يا عم عارف؟

تقدم الاخير، حتى مال بجذعه يدنو منه نحو النافذة ويحدثه:
– انا رايج يا سيدي وعال العال، الحمد لله الصحة تمام، والعجل لسة بيعافر مع الدنيا، جبل ما يطير مني.

تلقى غازي مغزى حديثه بابتسامة متسعة، وقد فهم ما يرنو اليه، بنظراته الموجهة نحو شقيقته الجالسة كالجماد، عينيها في الأمام ، قاصدة عدم النظر اليه، فقال ردًا له:
– وماله يا سيدي، اهم حاجة بس تفضل ماسك فيه ليطير منك، حكم العجل دا لو راح ياللا السلامة.

– ربنا كريم .
قالها عارف، قبل أن يكمل سائلًا ببعض الجدية:
– مجولتليش بجى، جاي النهادرة تتوانس معانا انا والشباب ولا هتجصر زي امبارح والأيام اللي فاتت.

خرج رد غازي مرددًا خلفه بجدية:
– لا هجصر زي الأيام اللي فاتت، النهاردة سهرة المرحوم حجازي، مجدرش ما اروحش، حتى عشان خاطر عزب واد عمنا ، دول نسايبه بردك.

اممم.
زام بها عارف يطرق بكف بأصابع يده على سطح السيارة، وكأنه مترددًا في الذهاب، وترك هذه الجنية المتمردة بغضبها وتجاهلها له، فقد فاض به منها، ومن معاملتها الجافة تلك، في الاخير استسلم ليستقيم بظهره، مودعًا غازي بقوله:
– تمام يا واد عمي انا منتظرك بكرة، متتأخرش بجى، ولا اجولك……. اتأخر براحتك انا برضوا مستنيك.

قالها وذهب، تاركًا روح في مرمى شقيقها وسخريته:
– خدتي بالك من الكلام الاَخراني؟ واد عمك جاب آخره خلاص دا متكسفش حتى يبينها جدامي الملعون.

لوت ثغرها بامتعاض، قبل أن ترفع طرف شفتها باستنكار قاطع، اذهب العبث من وجه شقيقها ليعقب، قبل أن يدير محرك السيارة:
– براحتك يا بت ابوي، لما نشوف اخرة الفيلم الهندي دا ايه؟ صبرني يارب

❈-❈-❈

في اليوم التالي

بداخل غرفتها ، وبعد أن حممت طفلها وقد كانت تمشط له شعر رأسه، بعد ان ارتدى ملابسه النظيفة المعطرة، والتي تجعله كقعطة الحلوى لها، فتقبله كل دقيقة بابتهاج:
– حبيب ماما يا ناس الجمر ده، هات بوسة تاني يا واد .

اوقفها صوت هويدا تنادي باسمها بعد ان طرقت على باب الغرفة:
– ممكن ادخل؟
– يا سلام، طبعا أكيد، اتفضلي يا عمتي، هو انتي غريبة عشان تستأذني؟

تلقت هويدا ترحيبها، لتدلف بخطواتها الرزينة، تبادرها بالسؤال:
– امك مش باينة يعني من الصبح، لحجت تمشي ولا ايه؟

اجابتها بدون تركيز، وقد انشغلت برفع باقي ملابس صغيرها المتناثرة على التخت:
– امي راحت تشوف حالها بجى، كفاية عليها اربعين يوم مربوطة جمبي.

على عكس ما تتوقع من رد وجدتها تقول:
– كويس برضوا، خلي الدنيا تمشي، ما هي عمرها ما هتفضل واجفة كدة على طول.
توقفت عما تفعل لتلتف إليها سائلة بعدم فهم:.
– جصدك ايه يا عمة؟ انا مش فاهمة

سحبت هويدا نفس طويل واخرجته، قبل أن تجلس على طرف السرير تدعوها بلهجة جادة:
– اجعدي يا نادية، انا عايزاكي في كلمتين.
سمعت منها لتجلس جوارها، بعد أن وضعت الصغير بجوار العابه على الأرض، قائلة بتوجس:

– نعم يا عمة، خير؟
– كل خير ان شاء الله يا بتي.
تمتمت بها هويدا، ثم صمتت وقد بدا التردد يعلو قسماتها، وكأن الكلام ثقيل على شفتيها ، قبل أن تحسم سريعًا بقولها:

– شوفي يا بتي، انا عايزاكي تسمعي كلامي زين وتركزي فيه، اللي هجوله دلوكت دا عشان مصلحتك ومصلحة ولدك جبلك، فهمتي الأخيرة، مصلحة ولدك جبلك، ركزي عليها جوي دي.

زادت على وجهها علامات الاستفهام، المختلطة بخوف يلوح في الأفق، من شيء لا تعلمه، فخرج صوتها بقلق متعاظم، ما تجولي يا عمة، وجعتي جلبي، ماله ولدي؟

❈-❈-❈

في الأسفل
كانت سكينة تتمتم بالذكار على سبحة زوجها التي هجرها منذ رقدته الأخيرة بالمشفى، يصارع مصيره، متعمدة عدم الالتفات نحو هذا الذي يقطع الصالة بجوارها، دون هوادة بقلق من ينتظر نتيجة فحص امتحان تحديد مصيره،

ضج من تجاهلها له، حتى اقترب يجلس بجوارها يسألها مباشرة:
– تفتكري هتجبل يا جدة؟ ولا امي هتعرف تقنعها؟
توقفت عن تسبيحها لتلتف اليه تجيبه بحدة:
– وايه لزوم التخمين والسؤال؟ ما تتصبر اللحضة دي، ولا مش جادر تصبر؟

عبس ينتفض من جوارها متمتمًا بحرج:
– وه، ايه لزوم الكلام الواعر ده، ما احنا اتفجنا من الاول، ان الأمر دا ضروري عشان مصلحتها هي ومصلحة ولدها، ولا انتي نسيتي؟

أطبقت شفتيها الرفعتين بخط رفيع وطيف الأسى ارتسم على ملامحها المجعدة بوضوح، لتردف بضعف، وأعين التمعت بدموع حبيسة:
– انسى كيف؟ وهو انا لو ناسية، كنت وافجتكم على الجنان ده، جال ايه اللي راماك ع المر، غير اللي الأمر منه.

– مر ايه يا شيخة؟ فال الله ولا فالك.
هتف بها بسخط يبتعد عنها، ثم ارتفعت عينيه لأعلى مغمغمًا بصوت خفيض:
– دي جشطة باللبن

❈-❈-❈

في الأعلى
وبعد ان استمعت لشرحها الوافي انتفضت، بعد صدمة الجمتها للحظات، قبل أن تستجمع شتات نفسها وتصيح بها بعدم استيعاب:
– يا مري، عايزاني اتجوز سند؟ ايه اللي بتجوليه دا يا عمه؟

انتفضت هويدا هي الأخرى تقابلها بقوة مكررة:
– خلي بالك يا نادية، وافتكري انا شددت عليكي بإيه قي بداية كلامنا، اللي بجوله دا عشان مصلحة ولدك، جبل مصلحتك ومصلحتنا، وانا برضك حاطة جدامك الاختيارين، ان مكانش سند ولدي، يبجى عيسى ولد نعيمة

يتبع…..



السابع من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close