اخر الروايات

رواية مذاق العشق المر الفصل الثالث 3 بقلم سارة المصري

رواية مذاق العشق المر الفصل الثالث 3 بقلم سارة المصري



صل الثالث 
تابعته في شرود وهو يتفحص آخر ما أنجزته من تصميمات على حاسوبها الصغير، عبثت باحدى أطراف حجابها المتدلية على كتفها في ابتسامة لا تعرف كيف تستوطن شفتيها كلما تأملته عن قرب هكذا ، نظر اليها بابتسامة رضا  محت بسرعة ابتسامتها البلهاء تلك وهو يقول في حماس ” التصاميم غريبة بس جميلة ..انا شايف ان شاء الله شركتنا هتنفرد بيها ” 
ازدردت ايلينا ريقها فى ارتباك لا تعرف مصدره ، ارتباك يصيبها فقط حين يثني على عملها أو ينفحها احدى ابتساماته ، ارتباك لا تجد له تفسير  وتخشى أن تعرف له مبرر ” أتمنى يا فندم ” 
اغلق يوسف الحاسوب أمامه ونظر لها فى تمعن ، داعب ذقنه بسبابته لحظات قائلا ” قلقانة ؟؟“ 
هزت كتفيها محاولة التظاهر بالثبات من هجوم نظراته المباغت دون أن تتحاشاه قائلة ” أكيد ..حضرتك شيلتنى مسئولية واسم المجموعة ودى حاجة مش سهلة أبدا ” 
رفع يوسف حاجبيه وخفضهما قائلا في تقدير ” مكنتش هعمل كدة لو مكنتش واثق من النجاح ” واضاف وهو يشبك اصابعه ويميل اليها قليلا معطيا الفرصة لعطره أن يتسلل الى أنفها ليربكها أكثر  ” وواثق كمان انك اضافة كويسة للمجموعة ”، تراجعت للخلف وتنحنحت لتستعد  ان ترد مجاملته ،وقبل أن تفعل فتح الباب فجأة فظنها يوسف هالة مديرة مكتبه ولكنه تفاجىء بما جعل فكه الأسفل يتدلى ببلاهة فقد وقفت فتاة شقراء تبدو فى منتصف العشرينيات تقربيا ترتدى تنورة قصيرة جدا من اللون الاسود لا تتجاوز منتصف فخديها مع سترة من نفس اللون يظهر من تحتها قميص ابيض فتحت أزراره بما يكفى لإظهار جزء لايستهان به من صدرها ، خطت فى ثقة بكعبها المرتفع الذى تعالى صوت ارتطامه بالارض مع تعالى نبضات قلبه المتوترة ، اقتربت أكثر  وقالت فى دلال وبلكنة أجنبية معربة ” يوسف ” تنهد  ليعادل أنفاسه المتسارعة والتي تشي بوضوح عن حالة القلق الحادة التي أصابته   وحين ركضت فى اتجاهه لترتمى بين ذراعيه ابعدها فى رفق وهو ينظر الى ايلينا فى احراج والتى بدورها كانت تتابع ما يحدث وهى تخفض رأسها أرضا لتهدر نظرات ذهولها بعيدا عنهما  ، نظر يوسف الى الفتاة قائلا فى غضب وبفرنسية سليمة ” جينا ؟؟..ماذا تفعلين هنا ؟؟؟“ ..وكيف تمكنت من الدخول الى مكتبى ؟؟“ 
ابتسمت جينا وهى تحاول ان تحيط عنقه بذراعيها ” لا يوجد احد بالخارج ..ماذا عزيزى ألم تشتق الى جينا حبيبتك ” 
أنزل يوسف ذراعيها قبل أن يبلغا عنقه قائلا في تأفف” لايصح ما تفعلينه هذا أبدا ...هذا مكان عمل رجاءا توقفى عن هذا واخبريني ماذا جاء بك الى هنا ” 
ابتسمت فى خبث قائلة ” اتعني الى مصر أم الى عملك ؟؟“ 
زفر فى نفاذ صبر وهو يترك ذراعيها في ملل” الاثنان ” 
مالت بوجهها قليلا لتنسدل خصلة من شعرها على وجهها فى اثارة وهي تقول ” أنسيت أنني مضيفة طيران ياعزيزي ..كان لدي رحلة إلى مصر ..وبمجرد أن وطئت قدمي أرض وطنك قدمت إلى هنا مباشرة لأستزيد برؤية عينيك البنيتين هاتين وملامحك التى أعشقها يا فارسي الجميل ” 
نظر يوسف الى ايلينا التى أشاحت بوجهها الى الاتجاه الآخر وهو يتنهد ظنا أنه قد افلت فهى لا تعرف الفرنسية على حد علمه ، عليه أن يتظاهر بأقصى درجة من الجدية اذن لتظن أنها مجرد عميلة أجنبية تتعامل بوقاحة الغرب وانفتاحهم ليس أكثر ، التفت الى جينا قائلا في صرامة  ” جينا لا تخدعي نفسك لم تكن بيننا هذه العلاقة أبدا ..علاقتنا كانت عابرة خالية من أي مشاعر....علاقتنا كانت للمتعة فقط....أنا لم أخدعك فلاتوجد أنثى على وجه الأرض بامكانها تحريك مشاعر يوسف البدرى ” 
اقتربت جينا وأمسكت بياقة قميصه قائلة في دلال ” أواثق أنت أنني لم أفعل أم أنني لا استطيع أن أفعل ” 
زفر في ضيق وهو ينزل كفيها " أخبرتك أن تتوقفي عن هذا "
التفتت جينا الى ايلينا ورمقتها من اخمص قدمها الى رأسها كأنها لم تنتنبه لوجودها سوى الان، رفعت الثانية  نظراتها اليها هذه المرة لتتواجه العيون بتحد لم يفهم له يوسف معنا ،  نظرت جينا من جديد اليه قائلة وهى تكتف ذراعيها ” حسنا عزيزى انت تعرف اين انتظرك ..واعرف جيدا كم تشتاقنى وان تظاهرت بالعكس ..هل ستأتي ؟؟“ 
اراد يوسف ان يصرفها من امامه بأى طريقة فهو يخشى من تماديها أكثر من هذا فعض على شفته السفلى قائلا ” نعم سأفعل ” 
ابتسمت فى ظفر وهى تتراجع للخلف وترسل له قبلة فى الهواء ، اغمض يوسف عينيه فى تقزز كأنه يمتنع عن استقبال تلك القبلة المجازية،  التفت الى ايلينا التى كانت تشيح بوجهها عنه محاولة بقدر المستطاع اخفاء انفعالاتها وصدمتها فيه فقال لها بالفرنسية دون وعي ” اذهبي الى مكتبك الان ايلينا وسنتابع غدا ” انتبه للغة وحين هم ان يكرر ما قاله بالعربية وجدها ترد فى حنق بالفرنسية أيضا ” حسنا سيدي نتابع غدا ” 
اتسعت حدقتا يوسف وقبل ان تصل الى الباب لترحل ناداها قائلا فى تلعثم ” انتى بتعرفى فرنساوى ؟؟“ 
توقفت لحظات قبل ان تستدير له قائلة ” فرنساوى والمانى وانجليزى ..بعد اذنك ” 
مرر يوسف يده فى شعره وهو يشده فى غيظ من هذه الفرنسية الغبية ، لا يحب ان تنتقل تلك الصورة عنه بين موظفينه او اهله وان كان والده قد علم بالمصادفة فلن يسمح لتلك المصادفة بالتكرار من جديد ، لايعرف حقا هل يمقت نمط حياته هذا ام يحبه ام هو مجرد اعتياد ورهبة من التغيير ، هل بامكانه ان يغير معتقده عن النساء يوما ما انهن لم يخلقن الا من اجل المتعة وان الزواج بمسئولياته قد يسلبه اياها، عض على شفته السفلى فى حنق وهو يتذكر نظرة ايلينا له وحظه العاثر فى معرفتها بالفرنسية بينما كان يتحدث مع جينا بحرية ظنا منه انها لاتفهم اى شىء مما يقول ، حاول تذكر ماقاله وهو يجول فى مكتبه فى غضب حاول التنفيث عنه فرفع سماعة الهاتف اخيرا وطلب من هالة مديرة مكتبه الحضور وفى لحظات كانت أمامه ، نظر لها يوسف فى غضب أرعبها قائلا ” سيادتك كنتى فين ؟؟“ 
نظرت له هالة فى تساؤل فواصل يوسف بلهجة لاول مرة يحدثها بها ” الاقى الناس داخلة عليا من غير معاد وكأنها وكالة من غير بواب ..سيادتك ملكيش لزمة هنا ولا ايه ” 
قالت هالة بسرعة وفى توتر ” يافندم انا روحت الحسابات عشان ” 
بسط يوسف كفه امامه قائلا ” ولا كلمة ...انتى من النهاردة مش مديرة مكتبى وهنقلك مكان تانى ” لمعت الدموع فى عينى هالة ولكنها لم تؤثر تماما فى يوسف وحين همت بالحديث لتسوق له اى مبررات اكتفى يوسف بأن اشار الى الباب وقال فى اصرار ” على مكتبك وفترة مؤقتة وحد هياخد مكانك ” فذهبت من امامه وهو يلعنها ويلعن جينا فى سره كلما تذكر ماحدث ونار غضبه تتأجج اكثر ولا يعرف لما غضبه يتضاعف اكثر لان المصادفة هذه المرة اختارت ايلينا بالذات ، زفر فى غضب وهو يغلق عينيه ويزيح تماما الفكرة عن رأسه ، نعم هى مختلفة فى كل شىء وذكية ولكن اعجابه بها لا يتعدى اعجابه بموظف نشيط ومجتهد ولا يمكن ان يتخطى اكثر من ذلك فهى فى النهاية مجرد انثى ، والاناث لديه يخضعن لقاعدة لاتشذ عنها سوى أمه، لم يستطع ان يبقى فى مكانه اكثر غادر المجموعة بعد ان ترك خبرا لزين وحسام برحيله ، وبينما كان يغادر  طرد هاجسا قويا عن باله بلا رجعة ، هاجسا يدفعه الى الذهاب الى مكتبها وتقديم اى مبرر لما حدث ولكنه تراجع فلتعتقد ما تعتقد ولتذهب الى الجحيم ما شأنه فقد حدث ما حدث .
***************************************************
” قلقتنى ياسمير مالك ؟؟“ هتف بها محمود في خوف  بينما كان يجلس مع سمير على إحدى الطاولات فى مقهاه 
وضع سمير جبينه بين سبابته وابهامه ليمسده قائلا ” خايف اوى يا محمود ” 
قطب محمود حاجبيه  في قلق قائلا ” من ايه يا سمير ما تتكلم على طول ” 
لاحت شبح ابتسامة يأس على شفتى سمير وهو يتنهد قائلا ” الدكاترة قالو خلاص اني حالة قلبى مش مستحملة ” 
اغمض محمود عينيه فى ألم متذكرا ماعاناه سمير مع مرضه في الماضي وقال ” المرض ده لسة بتعاني منه ؟؟“ 
مسح سمير وجهه كأنه يخفي علامات ألمه البادية بوضوح على ملامحه  قائلا ” طول عمرى متعايش معاه بس الظاهر خلاص هنجيب اخرنا مع بعض ” 
مد محمود يده ليربت على كف سمير قائلا في حنان  ” متقولش كدة يا راجل الدكاترة بتحب تهول خلى املك فى الله كبير ” 
رفع سمير حاجبه قائلا ” انا مش خايف على نفسى يا محمود انا خايف على عيالى من بعدى مش هيبقالهم حد ...انا لما لقيت المرض بيتمكن منى رجعت بيهم على مصر على طول كنت خايف يكملو باقى حياتهم فى الغربة وينسو كل اللى اتعلموه ويبقو خواجات زى اللى عايشين معاهم ..لكن هنا اهو الاسم عايشين وسط اهلهم وناسهم ” 
، عض على شفته السفلى وهو يقاوم تأثير هذا الهاجس الصعب في تخيل قسوة الحياة على أبنائه من بعده ، قبل أن يرفع رأسه مجددا ويضيف  بلهجة كلها رجاء“ لو جرالى حاجة يا محمود ..عيالى أمانة فى رقبتك ” 
قال محمود ودمعة تعاطف  تلوح فى عينيه ” ياراجل ان شاء الله تبقا كويس وتفرح بيهم وعيالهم وعيال عيالهم كمان ” واشاح بوجهه للحظات قبل ان يقول ” هوا حد فيهم عارف بالموضوع ده ؟؟“ 
اشار سمير بسبابته في نفي  ” لا أبدا ..على بس هوا اللى حاسس ...بس ايلينا متعرفش ومش عايزها تعرف كفاية اللى هيا فيه ..شالت مسئوليتنا انا واخوها وهيا مكملتش عشرين سنه اكيد هتعرف بس فى الوقت المناسب ...المهم دلوقتى يا محمود ..عيالى مش هيبقالهم حد بعدى ابقى خلى بالك منهم عشان خاطرى ” امتعض وجه محمود وقال ” ياراجل بطل بقا ..الأعمار بيد الله ان شاء الله خير ..ان شاء الله ” وشرد محمود بعينيه وهو يتذكر نيته تزويج ايلينا بوسف وتمنى لو كان بامكانه ان يخبره على ما خطط له ولكنه تراجع وشىء ما حول الامر كله الى النقيض تماما ، لقد أوصاه الرجل بولديه وهو يسعى لتزويج ابنته بولده الذى يعرف جيدا هفواته ونزواته ، ألايعد هذا ظلما لايلينا ؟؟ ، ألايمكن اعتبارها خدعة وانانية منه للنظر الى صالح ولده فقط دون أدنى اعتبار لتلك التى ستعانى معه حتى وهي تحاول اصلاحه ؟؟، ومن هنا  بدأ محمود جديا فى صرف الفكرة عن باله .
*******************************************
دخلت ايلينا الى منزلها ، اغلقت الباب خلفها واستندت بظهرها اليه للحظات وهى تقطب حاجبيها فى غضب لم تتخيله هكذ ابدا ، كان مهذبا دائما فى التعامل معها وراقيا الى ابعد حد لم يتجاوز معها ولو بنظرة، ابتسمت فى سخرية وهى تتذكر انها فى بعض الأحيان ظنته خجولا ،كيف يجيد التمثيل الى هذا الحد الذى لا يجعله يختلف عن الواقع ، تذكرت كلماته مع جينا في اشمئزاز ماذا يعنى بعلاقة عابرة دون مشاعر ؟؟، هذا الحقير الذى خدعت فيه ماذا يقصد ، شعرت بالاختناق وهى تستحضر بذاكرتها مشهدها وهى تحاول ان ترتمى بين ذراعيه وتحيط عنقه بذراعيها ، قطع افكارها تسلل رائحة طعام الى انفها فظنته اباها ولكنها تفاجئت حين ذهبت الى المطبخ بعلي وهو يقلب بعض الطعام على النار ، شهقت فى صدمة فالتفت لها على حين شعر بوجودها قائلا ” حمدلله ع السلامة ” 
لوحت ايلينا بكفها قائلة في صرامة ” انت بتعمل ايه يا على ؟؟“ 
واصل على تقليب الطعام قائلا في بساطة  ” بطبخ ” 
اقتربت ايلينا وحملت الاناء من على النار وخبطته على السطح الرخامى فى غضب كادت به أن تحطمه وهى تقول ” انا كام مرة قولتلك متولعش البوتاجاز ولا تدخل المطبخ وانا مش موجودة ” 
قال على فى احتجاج  ” دى مش أول مرة ايلينا أنا كنت بدخل المطبخ هناك على طول ” 
انحنت ايلينا لتكون فى مستواه قائلة فى حزم ” هناك انت حافظ المكان وعارف كل حاجة فيه هنا لسة ..عارفين كلنا ان عندك قدرات خاصة بيك بس فى الاول والاخر لازم تقدر ظروفك مش كل مرة الدنيا هتمشى تمام ..فاهمنى ؟؟“ 
اخفض علي رأسه بانكسار ولم يرد فشعرت ايلينا بالندم على طريقتها الجافة التى تتحدث بها اليه لاول مرة ، عن اى ظروف تتحدث ،علي حتى لم يتعثر مرة واحدة فى طريقه وضعت يدها على كتفه وقبل ان تنطق قال  ” انا راجع اوضتى بعد اذنك ” 
نظرت الى اناء الطعام وهزت رأسها فى الم  منذ متى تعامل اخاها هكذا ، منذ متى وهى تلوح بظروفه فى اى مشكلة ، كيف سمحت ان يكون هو وسيلتها في التنفيس عن غضبها ، اتجهت الى غرفته لتجده يجلس على طرف الفراش مطرقا رأسه فى حزن جعلها تلعن نفسها وتلعن هذا اليوسف الذى جعلها تفقد اعصابها على اعز مخلوق على قلبها ، اقتربت منه ومالت على رأسه مقبلة اياه فى حنان وقالت ” حقك عليا يا حبيبى كنت متوترة شوية ومتضايقة ” 
ظل على مطرق الرأس فجلست ايلينا الى جواره وهى تحيط كتفيه بذراعيها قائلة ” خلاص بقا ..انت عارف انى مقدرش على زعلك كنت خايفة عليك ” 
رفع على رأسه قائلا في ألم مشوب بكبريائه المعتاد  ” انا مقدر ظروفى وبتعامل على اساسها بس مش معنى انى اعمى انى اتحرم من كل حاجة... انتو ليه كلكو مستهونين بنعمة الاحساس اللى ربنا ادهالى ” 
تنهدت وهى تضمه الى صدرها قائلة ” يمكن عشان مش عندنا يا علي ..يمكن ” 
وابتسمت وهى تضع وجهه بين كفيها تمسد ما زواه بين حاجبيه قائلة ” لو عايز تطبخ يا سيدى اطبخ بس وانا موجودة ..انت عارف ان هنا ممكن تحصل مشكلة فى الانبوبة بتاعة الغاز الغريبة دى ..اكون موجودة على الاقل عشان اصوت والم الناس تساعدنا ” 
ضحك علي فمسحت ايلينا على شعره الاشقر قائلة ” وعشان اثبتلك ان عندك قدرات وانا مؤمنة بيها هنبدأ اتفاقنا من النهاردة ..المطبخ هناك روح كمل اللى انت بتعمله وانا اهو موجودة ” 
ظهر التردد على وجهه فربتت ايلينا على يده مشجعة وهى تقول ” يلا ” رن جرس هاتفها فأضافت ” يلا هرد على صوفيا وارجعلك ” ابتسم على ولم تحاول ايلينا مساعدته هذه المرة اكتفت بمراقبته من بعيد وهى تتحدث مع صوفيا بصوت منخفض حتى لا يصله ” صوفيا ازيك ” 
صمتت صوفيا ولم ترد فواصلت ايلينا ” صوفيا انتى بتعرفى عربى كويس وانتى اصلا من اصول مصرية فاتكلمى معايا عربى لو سمحتى ” 
صمتت صوفيا قليلا وبعدها تنحنحت قائلة ” داكووووغ هكلمك عربى واهو بالمرة منساش..مال صوتك ” 
أخرجت ايلينا لسانها لترطب شفتيها وتساءلت هى بالفعل ماذا بها ومايهمها فليكن يوسف ما يكن ، كررت صوفيا السؤال فتنهدت ايلينا قائلة ” مش عارفة صوفيا بس انا حاليا فى حالة صدمة ” وقصت لها كل ماحدث صباحا مع يوسف ، ضحكت صوفيا قائلة ” وانتى متضايقة ليه برضه مش فاهمة ؟؟؟.هوا حر فى حياته ” 
تلعثمت ايلينا فى الرد فهو السؤال ذاته الذى تطرحه على نفسها دون ان تجد له اجابة” مكنتش فاكرة انه كدة ..كام شهر اهو بشتغل معاه كان فى منتهى الاحترام والادب وفى الآخر يطلع على علاقة باللى اسمها جينا دى ” 
تنهدت صوفيا قائلة ” امممم واللى مضايقك بقا انه ليه علاقات ولا انه ليه علاقة بجينا بالذات ” واضافت بنبرة هادئة ” ولا لأن الكلام بيتعاد قدامك للمرة التانية ” صمتت ايلينا ولم ترد وذكرياتها تطوف فى رأسها كطواف الحجيج ، لقد شعرت باختلافه فهل أصبح حدسها لاقيمة له لهذه الدرجة لقد تخيلت انه ..وفجأة نفضت عن رأسها الفكرة تماما ، لماذا تبحث عن اجوبة ؟؟، لا ولم ولن يهمها امره مطلقا فليكن ما يكن ، قالت صوفيا حين لم تجد ردا منه ” ايلينا مالك ” 
بعد لحظات ردت ايلينا لتغير من دفة الحوار بأكمله وتقنع نفسه ان الامر لا يعنى لها اى اهمية ” بقولك صوفيا ..فكرتى فى اللى قولتلك عليه ” 
ردت صوفيا فى ضيق ” لسة بفكر ايلينا ..الموضوع مش سهل ابدا ” 
هزت ايلينا رأسها قائلة ” عارفة وعندى ثقة فى دماغك وتفكيرك خدى قرارك براحتك ” 
وتبادلا بعدها حوارا قصيرا قبل ان توصى كل منهما الأخرى بنفسها خيرا وتنهيا المكالمة ، ظلت ايلينا تحتفظ بالهاتف فى قبضتها وهى تطرق به على كفها الاخر دون وعى وشعور بالغضب والسخط على يوسف لا يمكنها السيطرة عليه او التخلص منه او حتى ايجاد مبرر له ، شعور لم يراودها نصفه حتى حين حدث هذا مع ريان خطيبها السابق ودون وعى سقطت دمعة منها انكرتها على نفسها ومسحتها على الفور اللعنة لماذا تبكي ايضا ؟؟، من اين تداهمها تلك المشاعر ولمن ؟؟؟، والى اين تذهب بها ؟؟، لن تخضع لها ابدا وخاصة بعدما رأته منه ،بعد ان خرج من تلك الصورة التى حصرته فى اطارها ، حاولت ان تقنع نفسها انها صدمة طبيعية كصدمتها فى اى انسان تخيلته فى شىء غير حقيقته وربما اراحها هذا الاعتقاد كثيرا ، اطمئنت ان علي قد انتهى مما يصنعه وترك المطبخ الى غرفته فعادت بدورها الى غرفتها ،تمددت على فراشها ويدها تتسلل الى حجابها تنزعه لتطلق العنان لشعرها  المثير يفترش وسادتها  وهى تردد ” جينا من جديد ” 
هزت رأسها وهى تستعيد مشهدها مع خطيبها السابق ريان ، حين وقف امامها فى هذا اليوم وقال بكل وقاحة ” ايلينا بلاش تكبرى الامور جينا مجرد صديقة مش اكتر ..انا بحبك انتى وهتجوزك انتى ايه اللى مزعلك ” 
قالت ايلينا فى سخرية ” انت عمرك ما هتتغير ابدا هتفضل طول عمرك كدة مهما احاول معاك مفيش فايدة ” 
زفر ريان فى ضيق قائلا ” يووه ايلينا انا فعلا اتغيرت كتير عشانك ” 
قالت ايلينا وهى تكتف ذراعيها محاولة التحكم في غيظها من فشل محاولتها معه لاصلاحه ، هي ليست ثائرة من أجله بل من اجل روحها التي لم تألف الفشل ولم تعهده ” اتغيرت عشانى وانا قولتلك مش عاوزاك تتغير عشانى ..عاوزاك تتغير للصح عشان انت غلط لكن تكون معايا انسان ولوحدك انسان تانى وبعد فترة تقول هيا دى حياتى اذا كان عاجبك ” واضافت فى كبرياء ” لا ياريان انا مش هتحمل حياتك بكل هفواتها ونزواتها دى ..انا بدأت اقتنع فعلا ان الطبع بيغلب التطبع وان مفيش بنى ادم بيتغير ..احنا مع الوقت اللى بنتعود .وانا مش ناوية اتعود ولا استسلم لطباعك دى ” 
عقد ريان حاجبيه قائلا ” يعنى ايه ؟؟“ 
تنهدت قائلة ” يعنى تعتبر كل حاجة بينا انتهت والمرة دى بحد ومتحاولش تكلم بابا لان المرة دى فعلا مش ناوية ارجع ” عادت ايلينا من ذكرياتها ، لن تعيد تجربة ريان من جديد ولن تجازف بمشاعرها مع اى رجل وتوهم نفسها انها بامكانها تغييره فقد اقتنعت تماما انه لايوجد شخص يتغير فذاك مجرد وهم تخلقه مشاعرنا لنبرر فقط احتفاظنا بمن نحب فى حياتنا . 
*****************************************
خلع يوسف نظارته الشمسية واخذ يبحث بعينيه عنها فى المكان فوجدها هناك على احدى الطاولات المطلة على الشارع بجوار نافذة كبيرة تحتل الحائط باكمله ، زفر فى ضيق واتجه اليها وما ان رأته حتى رسمت ابتسامة واثقة على شفتيها ونهضت لتعانقه فاوقفها  بكفه قائلا ” اقعدى مكانك انتى فاكرة نفسك فين هنا ” 
هزت جينا رأسها وتنهدت وهى تجلس قائلة ” مادام اتكلمت عربى يبقا انت متنرفز ” 
كاد يوسف ان يجلس ولكنه توقف فى منتصف الطريق وانحنى اليها قائلا ” انتى بتتكلمى عربى كويس كدة من امتى ” 
ابتسمت جينا وقالت وهى تعبث فى شعرها الاشقر وتلف احدى خصلاته على اصبعها ” انا بقالى سنة بتعلم عربى وحبيت اعملهالك مفاجئة ..“ 
جلس يوسف وقال وهو يحاول التصنع بالهدوء ” انت ازاى تيجى شغلى من غير ما تعرفينى ؟؟“ 
ردت جينا فى تذمر وهى تشد خصلاتها ” كنت فاكرة ده هيفرحك مش هيخليك تعمل كدة ” 
قطب يوسف حاجبيه وقال فى صرامة ” جينا الا شغلى ..اللى حصل ده ميتكررش تانى ” 
زمرت جينا شفتيها وقالت فى دلال ” اعمل ايه يا يوسف ..وحشتنى اوى ..انت ليه مش قادر تفهمنى ولا بتحس بيا انا بحبك يا يوسف بحبك ” 
اشاح يوسف بوجهه وزفر فى ضيق قائلا ” بصى يا جينا ...انا من الاول كنت صريح معاكى وقلتلك متستنيش اى مشاعر منى ..احنا كل اللى بينا علاقة عادية جدا بنتبسط فيها احنا الاتنين من غير وجع دماغ ..“ 
عضت جينا على شفتها السفلى حتى كادت تدميها  قائلة ” بس انا كنت فاكرة انك مع الوقت هتقدر تحبنى زى ما حبيتك ..كنت بقول يمكن مع الوقت اكون مميزة عن الباقيين ” 
اخرج يوسف علبة سجائره واشعل واحدة واخذ ينفث دخانها فى بطء وهو يتمعن بها قائلا ” اسمعينى ..انا مفيش واحدة مميزة عندى ..وانتى عارفة كويس ان فى حياتى فيه كتير غيرك .يعنى تقريبا فيه نسخة منك فى كل بلد بسافرها وهنا كمان فيه كتير جدا ” ومال الى الامام وهو يقول فى خبث ” بس ده ما يمنعش ان فعلا عندك ميزة وهيا اننا بقالنا اكتر من سنتين مع بعض واى واحدة غيرك مبتاخدش الوقت ده كله ..انا اتفقت معاكى من الاول جينا ..قلبك ابعديه عن المعادلة ..فمتجيش دلوقتى وتعيشى دور المخدوعة وعموما ملحوقة لو عايزة ننهى كل حاجة دلوقتى ننهيها ” والتقط علبة سجائره وهم بالفعل ان ينهض فأمسكت جينا بكفه وقالت فى حذر ” استنى ” 
نظر يوسف الى كفها وابتسم فى ظفر وعاد ليجلس فى هدوء فتابعت جينا فى الم ” انا محدش حسسنى فى الدنيا انى رخيصة زى ما انتى حسستنى يا يوسف ” 
هز يوسف رأسه قائلا ” هنعيده تانى يا جينا ..بعد اذنك ” وهم بالمغادرة بالفعل فضغطت على كفه اكثر وقالت ” طب حتى لو بالوضع ده توعدنى انى على طول هفضل موجودة فى حياتك ” 
ابتسم يوسف وهو يضع كفه على كفها ” طول مانتى بتسمعى الكلام اه اوعدك ” 
فقالت فى ترقب وهي تلقي بسؤالها التالي” حتى لو فى يوم حبيت واتجوزت ” 
ضحك يوسف ضحكة عالية وقال ” حبيبتى اطمنى انا لا هحب ولا هتجوز فريحى بالك ” واضاف وهو يشير بسبابته ” بس طبعا لو انتى اتجوزتى  انا مش هيبقا ليا علاقة بيكى ” 
سحبت يدها من كفه وقالت ” وانا لو اتجوزت هعرفك ليه من اصله مفيش واحدة متجوزة وبتحب جوزها تعرف حد عليه ” 
ابتسم يوسف فى تهكم وقال ” لا فيه وفيه كتير كمان ” 
قالت فى حيرة ” قصدك ايه ” 
تنهد قائلا ” متشغليش بالك المهم زى ما قولتلك ..الوضع بينا هيبقا بشروطى واهمها ان اللى حصل النهاردة ميتكررش تانى ولو اتكرر ” قاطعته جينا فى خوف ” مش هيتكرر يوسف ..مش هيتكرر“ 
اتسعت ابتسامة يوسف قائلا ” يبقا اتفقنا ” والتقط قائمة الطعام من على الطاولة قائلا ” ها...تحبى تاخدى ايه ” 
نظرت له  وهى تتمعن به فى شرود قائلة ” اللى تحبه انت ” 
لاتدرى ماالذى يفعله بها هذا الشرقى الغبى لقد قبلت منه مالم تقبله من اى رجل قط ، جينا ايقونة الفتنة والجمال التي يركع تحت قدميها المئات من امثاله تلهث خلف من يعتبرها مجرد نزوة ولا يخفى هذا بل يعلنه ويصارحها به ويهددها بالرحيل هكذا بكل بساطة لا يخشى ان يفقد جينا ؟؟؟، لقد ذابت فى سحره منذ زمن منذ ان التقته فى احدى رحلاتها ، سحرتها ابتسامته وملامحه الشرقية التى تجعله يبدو احيانا كأحد فرسان العصور الوسطى ، هى من طاردته مرارا وتكرارا حتى رضخت هى له فى النهاية وبشروطه ، قبلت ان تكون مجرد علاقة عابرة وهى تأمل ان تتعمق تلك العلاقة اكثر واكثر مع مرور الوقت ووقوعه فى سحر انوثتها التى لاتقاوم ولكن كأنه لايبالى بكل ذلك فكم دفعته لان يقترب منها كم دعته علانية لذلك ولكنه رفض وهى لم تفقد الامل بعد ستجعله يوما ما يرضح لها وحينها سيعرف حقا ان الابتعاد عن جينا ليس بالامر الهين ابدا . 
**************************************
وقفت تراقبه من بعيد وهو يهتم بحوض زهوره كما اعتاد كل صباح ، منذ الطفولة وهي تعرف حبه لهذا الحوض المميز ، يرفض أن يقترب منه أي حدائقي ويصر أن يوليه هو كل اهتمامه ، تمنت لو أخذت مكان تلك الزهرة التي يتلمسها هناك في رقة كأنه يخشى على نعومتها من لمسة يديه ، لمسة لازالت تحفظ رقتها   ودفئها منذ الطفولة حين كانا يلهوان سويا ، لمسة ضنت عليها أعرافه ودماثة خلقه من التفكير فيها حين شبت ونضجت وأصبح اقترابه منها بحدود ، تحبه ولا تعرف منذ متى ، تحبه دون أن تفكر في مشاعره تجاهها ، تحبه فقط دون النظر الى أي اعتبارات أخرى ، لا يهم أنها لم يكن لديها الفرصة لتعرف غيره ، لايهم ان لم يكن يشعر بها مطلقا الأهم هو أنه لم يعشق بعد وعمها يعدها بين طيات حديثه بين الحين والأخر انه لها وهي تعرف أنه لن يعترض فان لم يفعلها عشقا فسيذعن لأبيه برا ورفقا ، ابتسمت في نفسها وهي تتمنى ككل مرة تراه يهتم بزهوره ان تذهب اليه وتخبره بحبها الذي لا يشعر به بتاتا ويصر على وضعها في اطار الأخوة ، تنهدت وهي تراه ينصب قامته وينظر الى حوض الزهور الخاص به في رضا ايذانا بانتهاء عمله ، ابتسمت وكل ذرة من خلاياها تكرر اعترافها الذي أصبح كقسم تتلوه كل صباح، قسم بعشقها اللامتناهي لزين الدين البدري. .
***********************************
كانت ايلينا تدقق النظر فى حاسوبها طيلة الاجتماع الذى عقده يوسف بموظفينه ليناقش اخر الاستعدادات للموسم الصيفى الجديد ، حاولت تجنب نظراته بقدر المستطاع فعينيها كانت تعرف انها تحمل انفعالات تخشى ان يلحظها فهى تعرف جيدا انهما كتاب مفتوح يوشى دائما بكل ما يعتمل فى صدرها من مشاعر 
” ها ياجماعة ..نسمع اقتراحتكو ” قالها زين فى عملية وهو ينقر بقلمه على المائدة فانتبهت ايلينا ورفعت يدها تطلب الحديث فنظر لها يوسف نظرة سريعة قائلا ” اتفضلى ” 
بادلته ايلينا نظرة خاطفة وبدأت تتحدث فى عملية قائلة ” احنا براند معروف للكل ويعتبر رقم واحد فى مصر بس الفكرة اانكو بتخاطبو فئة معينة من الناس وهى الطبقة الغنية لان الاسعار زى ما انا شايفة عالية جدا ” 
عقد يوسف حاجبيه فى اهتمام قائلا ” ده طبيعى احنا خامتنا كلها مستوردة وعلى درجة كبيرة من الجودة وده بيدى ميزة لمنتجاتنا عن اى منتجات تانية ” 
هزت ايلينا كتفيها قائلة في عملية ” وليه لازم تكون الخامات مستوردة ..فيه خامات مصرية بجودة عالية برضه ” 
نظر يوسف الى زين وتنهد قائلا ” مش فاهم برضو قصدك ايه ..نشتغل بالمصرى ؟؟
التقطت ايلينا ملفا امامها ومررته الى يوسف وهى تقول ” انا عملت دراسة عن الخامات المصرية المناسبة لشغلنا واخترت اجود الانواع واتأكدت بنفسى انها متقلش فى كفائتها عن المستورد ” واضافت وهى تدقق النظر فى حاسوبها وتضغط بعض الازرار ” عشان بس يكون الموضوع واضح ..انا بقترح نشتغل بالاتنين المصرى والمستورد ونعرف المستهلك ده طبعا ...المصرى اكيد هيكون سعره اقل ومناسب للطبقة العادية اللى بتمثل اغلب الناس فكدة كله هيقدر يلبس من البراند بتاعنا ومنتجاتنا هتكون انتشرت بشكل اوسع وهيكون لينا كمان السبق فى حاجة زى دى ” 
لم يستطع يوسف ان يخفى نظرة الاعجاب وهو يقول ” فكرة عظيمة ” 
تابع زين وهو يقلب فى الملف ” هيا هتبقا مغامرة  باسم الشركة ” واضاف وهو يضيق عينيه قائلا في اعجاب ” بس الدراسة اللى انتى عاملاها مش متساب فيها ثغرة ” 
القى يوسف نظرة على زين وعاد ينظر الى ايلينا قائلا بابتسامة هادئة ” البيزنس كله قايم على المغامرات ..هنبدا التنفيذ من بكرة ..“ 
وتراجع فى كرسيه مضيفا ” ولو المغامرة نجحت هيبقا ليكى مكافئة خاصة ايلينا ” 
لم تستطع ايلينا منع الحنق  السجين  بداخلها من التسلل الى نبراتها وهى ترسم ابتسامة ساخرة على شفتيها قائلة ” انا بقوم بشغلى ومش مستنية مكافئات ” 
نظر لها يوسف فى دهشة منعته ان يرد عليها فى الحال فمن تظن نفسها لتحدثه بتلك الطريقة ، تنحنح زين حين شعر ان يوسف قد يفقد اعصابه من جملة ايلينا فقال مسرعا“ حد عنده اقتراحات تانية ” ولم يمهلهم فرصة للرد وهو يقول بينما ينهض ” الاجتماع انتهى تقدرو تتفضلو ” 
انصرف الجميع وتأخرت ايلينا فى جمع حاجتها واغلاق حاسوبها ويوسف يتابعها فى حنق حتى لمح خروج اخر موظف من عنده وقبل ان تلحق به ايلينا اوقفها وهو يهتف فى صرامة ” استني عندك "

+





الرابع من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close