رواية مذاق العشق المر الفصل الثاني 2 بقلم سارة المصري
الفصل الثانى
دلف محمود الى حديقة القصر ، طوى بقدمه بساط العشب الأخضر المنسق بعناية ، أرسل بكفه تحياته الى العامل المختص برعايتها وهو يثني مجهوده ، ابتسم وأبطأ خطواته وهو يرى زوجته سميرة تجلس على الأرجوحة المقابلة للمسبح ترتدى نظارتها الطبية وتمسكك بين يديها كتاب الله ترتل آياته فى خفوت ،اتجه اليها وجلس الى جوارها فى هدوء فخلعت نظارتها والتفتت اليه وهى تغلق المصحف قائلة ” صدق الله العظيم ” وأضافت بابتسامة حانية” حمد لله ع السلامة ”
بادلها ابتسامتها قائلا ” الله يسلمك ”
احتضنت المصحف قائلة ” صاحبك رجع مع ولاده خلاص ؟؟“
هز محمود رأسه قائلا ” ايوة ” واضاف بعد ان ضيق عينيه وتمعن بوجهها لحظات ” مالك حاسس وشك متغير ليه ”
زمرت شفتيها قائلة في عدم رضا ” هيكون مالي.. هيكون فيه ايه غير البهوات عيالك ” وقصت له باختصار ماحدث صباحا على الافطار
فزفر محمود فى ضيق قائلا” انتى عارفة انه كان هيرفض وبعدين سمر متنفعهوش هوا ”
لوحت بكفها قائلة في يأس” يعنى اعمل ايه كل ما اجبله واحدة يرفضها ..بقا عنده اتنين وتلاتين سنة ولحد دلوقتى عازب ..ناقصه ايه هوا مش فاهمة ؟؟..لو كان هلاس زى باقى الشباب كنت قلت عاوز يقضيها ..لكن ده موارهوش غير شغله وبس واى واحدة تتمنى منه بس اشارة ”
شرد محمود ببصره فى المسبح أمامه لحظات فقالت سميرة وهى تلوح بكفها امامه ” رحت فين بكلمك ”
ظل محمود ينظر الى المسبح في شرود قائلا ” والله يا سميرة انا فى دماغى حاجة كدة لو نفعت يبقا ابنك ربنا بيحبه ”
قطبت سميرة حاجبيها فى اهتمام فنظر لها محمود واخبرها بما يفكر فيه فشهقت وهى تضع يدها على صدرها فى صدمة قائلة ” خواجاية يا محمود ..ده الحل اللى عندك ..عايز تجوز ابنك لواحدة لا عارفين هيا اتربت ازاى ولا على ايه ”
قاطعها محمود وهو يبسط كفيه أمامه لتهدأ قائلا ” اهدى شوية فيه ايه ..انتى لو شوفتيها مش هتصدقى انها اتربت فى فرنسا ..حجاب واخلاق وتربية ومسئولة ويعتمد عليها ”
رمقته سميرة بعدم تصديق وقالت ” مش عشان بنت صاحبك تجامله بابنك يا محمود ”
رد محمود فى عتاب ” اجامله فى ابنى ؟؟...طب ايه رأيك ان البنت اصلا كانت رافضة تشتغل مع ابنك ولحد دلوقتى متعرفش حاجة عن الموضوع اصلا ”
مررت سميرة يدها على وجهها فى نفاذ صبر وقالت ” انا مش فاهماك ..لزمته ايه اللف والدوران ..انا معنديش مانع اخد يوسف ونروح نشوفها مادام عاجباك ”
حك محمود ذقنه بسبابته فى تفكير ” انتى عارفة ان ابنك مش نافعة معاه الطريقة دى وبيروح معاكى تقضية واجب مش اكتر ..ابنك محتاج واحدة تحركه ..واحدة يعرفها من غير ما يكون مفروض عليه انه يعرفها ..يكتشفها هوا بنفسه من غير ضغط ..طريقتك فشلت معاه وانا متأكد ان لو حطيت البنت دى فى طريقه هتعجبه ”
ضيقت سميرة عينيها فى تفكير وقالت ” طب افرض انه رفض يشغلها ولا شغلها معجبوش ..انت لازم تكلمه وتوصيه ”
نهض محمود قائلا ” انا عايز الموضوع يمشى طبيعى ابنك لماح ..وهيا زيه بالظبط ” ونظر اليها نظرة ذات مغزى مضيفا ” بس ده ميمنعش من محاولة من بعيد من غير ما اخلف وعدى معاها ”
**************************************
انهمك يوسف فى تركيز شديد على الحاسوب امامه فى مكتبه الفخم بمجموعة البدرى قبل ان يقطع تركيزه دخول محمود والده ، نهض يوسف فى سعادة مطلقا كل عبارات الترحيب في قاموس اللغة فأشار له والده ليجلس قائلا ” اقعد ياواد انت وبطل الشويتين اللى بتعملهم على امك دول ..انا ابوك ياواد فاهم ”
حك يوسف رأسه بكفه قائلا ” ليه بس كدة يا حاج هوا انا ليا غيركو ؟؟“
نظر محمود ليوسف لحظات تأمل فيها ملامحه المرهقة وقال بامتعاض ” كنت فين امبارح باليل يا يوسف واوعى تقول انك كنت فى شغل ”
اطرق يوسف برأسه ارضا وقال ” لا ياحاج مكنتش فى شغل ”
ابتسم محمود بزاوية فمه فى سخرية قائلا ” يعنى كالعادة كل ليلة فى كباريه شكل ...بتفضل تسكر لحد متبقاش قادر تقف على حيلك وترجع ع الشركة على ما تقدر تفوق الاول وبعدين ترجع البيت ”
مرر يوسف يديه فى شعره وقال دون ان ينظر الى ابيه ” يا حاج ما دام مفيش حاجة بتأثر على شغلى يبقى خلاص من حقى اعيش حياتى زى اى حد ”
ضرب والده كفيه ببعضهما قائلا "هو انت ازاى عايش بالازدواجية دى ؟؟...بالنهار مثال للالتزام والاحترام وباليل بتتحول ..يا شيخ ده انت امك النهاردة بتقولى لو كان هلاس ..امال لو عرفت انك كل يوم مع واحدة شكل هتعمل ايه ..يا بنى ده انت عندك اخت اتقى الله ”
نهض يوسف قائلا في هدوء غريب كأنه يتحدث بالمنطق” انا مبخدعش حد ولا بوعدهم بحاجة ..كل واحدة عارفة اخرها ايه وبتاخد المقابل ..وانا اه علاقاتى كتير بس موصلتش للغلط اللى فى دماغك ”
قال والده من بين اسنانه فى غيظ فهدوء ولده يذهب بضبط نفسه أدراج الرياح ” غلط ؟؟...كل ده ومفيش غلط ..ده مجرد وجودك مع واحدة غلط ..لو مسكت بس ايدها ده اكبر غلط وحرام ..انا نفسى اعرف انت بتعمل فى نفسك كدة ليه ..اطلع من اللى فات بقا يا يوسف ”
تحركت عضلة في جانب وجه يوسف أخبرت أبيه عن استياءه للتلويح بأمر يحاول تناسيه فاحتد قائلا ”بابا لو سمحت انا مش طفل واقدر ..“ تراجع والده فى صدمة من حدته فتنهد يوسف وقال فى اعتذار وهو يتنهد ” انا آسف يا بابا..حقك عليا ..“
اشاح محمود بوجهه للحظات ، ما كان عليه ان يذكر اى شىء يخص ما مضى تماما ، تنهد فى عمق بدوره ليتجاوز الموقف بأسره وينفذ الى ما يريد وقال ” اقعد نستني كنت عاوز اقولك ايه ”
جلس يوسف في هدوء فتابع محمود ” انا حاسس ان احنا بقالنا فترة مبنجددش استايلات اللبس اللى بنزلها وخصوصا ازياء المحجبات ”
تنحنح يوسف قائلا وهو يستعيد عمليته” والله يا بابا على يدك احنا بنتعامل مع اكبر مصممين ازياء فى البلد ”
لوح محمود بكفه في عدم رضا قائلا ” افكارهم كلها بقت قديمة ومكررة ..احنا محتاجين دم جديد ”
مد يوسف شفتيه فى تفكير وقال ” ممكن ننزل اعلان فى الجرايد ”
هز محمود رأسه قائلا ” اعلان ايه بس يا يوسف ده انت بيجيلك الشركة هنا كل يوم يييجى ميت واحد مبتقابلهمش ..“
اخذ يوسف يدق بقلمه على مكتبه وقال فى حنكة رجل أعمال ناجح ” كلهم موهوبين ممكن ..بس مبتدئين وانا مش هغامر بسمعة الشركة ”
ضحك محمود قائلا ” جرى ايه يا يوسف انا اللى هعلمك البيزنس كله ماهو الا عبارة عن مغامرة ”
تنهد يوسف وقبل ان يرد دلفت هالة سكرتيرته فرفع يوسف نظره اليها قائلا ” خير يا هالة فيه ايه ”
قالت هالة فى رسمية ” فيه واحدة برة يا فندم بتقول انها مصممة ازياء وعايزة تقابل حضرتك ..ابعتها على قسم المصممين زى اللى قبلها ولا تحب تقابلها ”
نظر يوسف الى محمود الذى نظر الى هالة قائلا ” واضح ان البنت دى بينها وبين ربنا عمار ”
ابتسم يوسف قائلا ” دخليها ياهالة”
اومأت هالة برأسها فى نفس اللحظة التى نهض فيها محمود فقال يوسف ” على فين يا بابا ..مش هنقابلها سوا ؟؟؟؟“
تصنع محمود عدم الاهتمام وقال ” شوفها انت بقا يا يوسف ” تابعه يوسف في دهشة وهو يخرج وقال ” على فين يا حاج الباب من هنا ”
ازدرد محمود ريقه قائلا بابتسامة” لا ما انا هخرج من هنا عشان هعدى على زين قبل ما امشى ”
ولم يمهله محمود فرصة فحين فتحت هالة الباب كان محمود قد خرج بالفعل ، جلس يوسف على كرسيه فى وقاره المعتاد بينما دخلت ايلينا فى خطواتها المتمهلة الواثقة حين رفع يوسف نظره اليها لتلتقى عيناهما للمرة الاولى، نظر لها يوسف فى تمعن من اخمص قدمها الى رأسها ليلفت نظره زيها الراقى المحتشم وتناسق الالوان الواضح ، ابتسمت فى روتينيه قطعت تأمله ” السلام عليكم ”
رد فى رسمية مماثلة ” وعليكم السلام ”
واشار الى الكرسى قائلا ” اتفضلى اقعدى ” جلست ايلينا فشبك يوسف اصابعه واستند بمرفقيه على المكتب قائلا ” نتشرف بالاسم ”
ردت ايلينا ” ايلينا سمير ..خمسة وعشرين سنة ”
هز يوسف رأسه قائلا ” طيب انسة ...ولا مدام ..“ وقطب حاجبيه فى محاولة لتذكر الاسم الصعب على ذهنه فتنهدت ايلينا قائلة ” انسة يافندم ...واسمى ايلينا ”
ابتسم يوسف قائلا ” سورى بس الاسم غريب شوية ..المهم انتى اشتغلتى قبل كدة ولادى مجرد هواية ”
وضعت ايلينا الملف الذى كان بيدها امامه فى هدوء قائلة ” ده جزء من شغلى قبل كدة ” اخذ يوسف الملف وتراجع على كرسيه وهو يتفحصه جيدا ليدرك انها ليست هاوية ابدا بل محترفة ، الازياء طرازها غريب وجديد وربما هذا ما كان يريده بالضبط ، قال دون ان يرفع عينه عن الورق ” انتى بتصممى لبس لمحجبات وبس ”
هزت ايلينا رأسها قائلة ” ايوة ”
قال يوسف بابتسامة ” شغلك كويس جدا ..افكارك جديدة واحنا محتاجين لده ” واضاف وهو يميل الى الامام قليلا ” هتشتغلى معانا تحت الاختبار شهر وبعدين نقرر هتكملى ولا لا ”
واضاف وهو ينهض ايذانا بانتهاء المقابلة ” اما بالنسبة للمرتب والماديات ونظام الشغل ومواعيده فده كله عند هالة برة هتفهمك كل حاجة ” ومد يوسف يده ليصافحها حين نهضت بدورها قائلة ” فرصة سعيدة انسة ...“
ردت ايلينا بابتسامة ” ايلينا واسفة جدا مش بسلم على رجالة ”
تنحنح يوسف فى احراج وهو يعيد كفه الى جيب سترته ويهز رأسه في تفهم قائلا ” طيب تقدرى تتفضلى ”
خفضت ايلينا رأسها كتحية والتقطت ملفها لتخرج بينما عينا يوسف البنيتان تتابعها بابتسامة لا يعرف لها معنا
***********************************************************************
مر محمود قبل رحيله على مكتب زين ، وجده مشغولا بدراسة احدى المناقصات التي ستدخلها المجموعة فلم ينتبه لظهوره ، تنحنح محمود ليعلن عن وجوده فنهض زين مسرعا في احترام ليرحب بأبيه ويقبل يده ، ابتسم محمود وزين يعرض عليه ان يجلس على رأس المكتب مكانه فرفض باشارة من كفه وجلس على مقعد أخر قائلا "اقعد انت راخر وبلاش أدبك الزايد ده "
ابتسم زين في بساطة ليتأمله محمود لحظات ، هو لا يشبه أخاه مطلقا ، زين مثال للالتزام والاستقامة في كل وقت وحين ، وهو ما اثبته له بطلبه الذي كرره وهو يحك رأسه في خجل "بابا لو سمحت أنا مش عايز السكرتيرة اللي برة دي "
مسح محمود وجهه بكفه في ملل قائلا "وبعدهالك يا زين ...مالها دي كمان ...البنت شاطرة جدا في شغلها ومعملتش غلطة واحدة ..اوعي تقولي لبسها !!"
رفع حاجبيه وخفضهما ليرد على أبيه قائلا "بالظبط ..ومش بس لبسها لا طريقتها في الكلام ولا أسلوبها ولا.."
قاطعه محمود في تذمر قائلا "انت مفيش واحدة بتعجبك أبدا ...كل ما تيجي واحدة تقولي لبسها وطريقتها ...احنا هنلبس الناس على مزاجنا يا زين ..مهياش عايزة تتحجب هيا حرة مش هنقطع عيشها .."
قطب زين حاجبيه في عدم رضا قائلا 'يا بابا مش موضوع حجاب "
استند محمود بمرفقيه على المكتب وهمس له في غيظ "ما تحبكهاش يا زين ..ما تحبكهاش يا حبيبى ..انت حتى أختك مش عاجبك لبسها وعاوزها تتحجب .."
وغمز بعينه قائلا "لما تبقى تتجوز ابقا اعمل ما بدالك في مراتك ان شالله حتى تنقبها "
ابتسم زين وهو يشيح بوجهه فلا فائدة ترجى من محاولة اقناع أبيه بوجهة نظره مطلقا ، دق محمود على المكتب ليلفت نظر ولده وهو يقول "مش ان الاوان بقى ...عاوزين نفرح بيك يلا ..بما اننا خلاص فقدنا الأمل في اخوك نفرح امك بيك انت "
ابتسم زين في تندر وقال "ايه يا حاج لقتلي عروسة "
بسط محمود كفيه قائلا "هو فيه احلى ولا أجمل من سمر بنت عمك "
لم يأخذ زين الحديث على محمل الجدية فهو على تمام الثقة أن الجميع يعلم أن سمر مثل ايتن تماما بالنسبة اليه ، مجرد شقيقة صغرى "وبعدين بقا يا حاج ..ما انت كلكو عارفين انها أختي "
حدق به محمود للحظات في حنق حتى انفجر به قائلا "خوتة لما تبقى تخوتك انت كمان ...أختك منين ان شاء الله "
نهض زين من مقعده واتجه الى أبيه يربت على كتفه قائلا في محاولة لترضيته "ايه بس يا حاج مالك ..انا وسمر اتربينا مع بعض زي الاخوات فعلا ..ما تكبروش الموضوع في دماغ البنت "
ازاح محمود كف ولده في عنف وهو يقول " اوعي يا واد انت ...انا هقوم امشي "
ونهض ليغادر بالفعل بين ابتسامات زين من طريقته ، ابتسامات لم يجعله محمود يهنأ بها وهو يلتفت له قائلا في حنق "وحياة سميرة أمك... السكرتيرة اللي برة دي ما هتتحرك من مكانها "
تلاشت ابتسامة زين وهو يعلم جدية أبيه حتى لو كانت الجملة تبدو كمزحة ، وقبل أن يفتح محمود الباب التفت له مرة أخيرة قائلا وهو يشير باصبعه يمينا ويسارا في سرعة "خليها بقا رايحة جاية قدامك كدهو ..لحد ما تقول حق برقبتي عايزة اتجوز "
************************************
كانت ايتن تعبث بهاتفها حين دخلت امها الى غرفتها بشكل مفاجىء وهي تهز رأسها فى تأفف ، رفعت ايتن نظرها اليها قائلة ” ماما؟؟..خير فيه ايه ؟؟“
اقتربت سميرة والتقطت الهاتف من يدها قائلة ” عاوزة اتكلم معاكى شوية ”
مررت ايتن يدها فى شعرها قائلة في ملل ” فى ايه ”
قالت امها فى ترقب ” فى الموضوع اللى اتفتح الصبح ”
رفعت ايتن حاجبيها فى استنكار وقالت ” موضوع ايه ..هوا بقا موضوع خلاص ؟؟“
تنهدت سميرة قائلة ” انا مش عارفة ايه اللى مش عاجبك فى حسام ”
نهضت ايتن وقالت فى غيظ مشوب بانكار ” قصدك تقولى ايه اللى ممكن يعجبنى فى حسام ؟“
نهضت سميرة وقالت لابنتها فى تحذير ” اتكلمى بأدب عن ابن عمك يا بنت ”
ابتسمت ايتن فى سخرية وقالت وهي تكتف ذراعيها ” ابن عمى وبس على عينى وراسى مش هتكلم ..انما اكتر من كدة لا هقول وهقول كتير كمان ” واشارت بسبابتها الى صدرها قائلة ” انا اتجوز حسام ..طب ازاى ؟؟..ايه اللى ممكن يشدنى فيه من اصله ؟؟...قصير كدة ومكعبر ومش بيعرف يلبس ولا يتشيك زى باقى الناس ..بحسه بيلبس لبس واحد عنده تسعين سنة ..عنده ايه يتحب اصلا ”
اشاحت سميرة بوجهها للحظات حتى تكتم غيظها من سطحية تفكير ابنتها وعجرفتها الفارغة لتلتفت لها من جديد قائلة بأقصى قدر ممكن من ضبط النفس ” عنده قلب من دهب مش عند حد ..بيخاف عليكى من الهوا الطاير ..بس اقول ايه واحدة تافهة زيك بتاخد بالمظاهر هتقدر ازاى واحد زيه ..انتى عايزالك واحد من الخنافس اللى ماشين فى الشارع يضحك على عقلك بكلمتين وبعد الجواز يصبحك ويمسيكى بعلقة ”
زفرت ايتن وقالت فى ضيق وحدة واضحة ” هيا الدنيا كلها مفيهاش غير حسام ..ريحى نفسك يا ماما لو اخر حد فى الدنيا مش ممكن اتجوزه ”
” صوتك عالى ليه ” صوته الصارم جعلها تنتفض على الفور لتلتفت تجد يوسف يعقد حاجبيه وهو يقترب منها ” قلت قبل كدة محدش صوته يعلى فى وجود ماما ”
واضاف فى نبرة غاضبة ” فاهمة ولا افهمك بطريقة تانية ”
امسكت سميرة بذراع ولدها قبل ان يقترب من شقيقته أكثر فهى تعرف نوبات غضبه جيدا وتخشى أن يمس ابنتها احداها ، هي تعرف أنها خطه الأحمر الذي يرفض مجرد الاقتراب منه ، قالت في قلق ” خلاص يا يوسف ..مكنش قصدها ”
ابتسم يوسف لسميرة لينفي ما تفكر فيه وتخشاه بينما التفت الى ايتن وهو يعيد الى ملامحه الصرامة من جديد قائلا ” سيبها يا ماما ..حسام ده الف واحدة بتفهم تتمناه لكن دى واحدة تافهة بتاخد بالمظاهر وبس ” اخفضت ايتن نظرها في خجل بينما ربتت سميرة على كتفه قائلة ” حبيبى شكلك تعبان روح ريح انت ”
فرك يوسف عينيه قائلا ” فعلا كان يوم طويل اوى ”
تذكرت سميرة ان هذا اليوم هو يوم لقائه مع ايلينا فحاولت ان تتحايل عليه لتعرف اى شىء ولو من بعيد لتقول فى تلعثم وحذر” ماهو العادى يا يوسف ولا فيه حاجة جدت ”
رد يوسف وهو يتثاءب ” ايه الجديد يعنى ..اهو نفس الطحنة كل يوم ” ومال على رأسها مقبلا اياه وهو يقول ” تصبحى على الف خير ”
وقبل ان يهم بالخروج نادته ايتن ” ابيه يوسف ”
التفت لها فقالت وهى تفرك يديها فى خجل ” متزعلش منى انا اسفة ”
اتسعت حدقتى يوسف وقال فى استنكار ” اعتذارك ده امك اولى بيه ولو رفعتى صوتك عليها تانى مش هقولك هعمل ايه ..ده آخر تحذير ”
امسكت ايتن بكف امها وقبلته قائلة فى طفولة ” مامى حبيتى مش بتزعل منى ابدا ”
ابتسمت سميرة وهى تمسح على شعرها فرفع يوسف حاجبيه وخفضهما قائلا ” بقا كدة ..ماشى اطلع انا منها بقا ”
وكرر تحيته على امه قبل ان يغلق الباب ويذهب لتتعلق عينا سميرة بالباب خلفه ، تذكرت ذهابها لرؤية ايلينا بالامس مع محمود زوجها وان كان انبهار محمود بها بعد ذلك لايساوى عشر انبهارها بها ، لا يمكن بالفعل ان تقارن بأى عروس اخرى اقترحتها على ولدها من قبل ، بساطتها تدينها حنانها على اخيها ، كل شىء فيها ادهشها عن حق وجعلها تبتهل لله ان تكون هى الزوجة الصالحة لولدها بل تمنت منها نسخة اخرى منها لولدها زين ، اخبرت محمود انها توافقه على خطته وستدعمه فيها بكل قوتها فهى لن تتنازل على ان تكون ايلينا زوجه لابنها .
*************************************************************
كان سمير فى غرفته يكتم تأوهاته فمنذ ان عاد الى وطنه والألم يزداد ، قلبه المريض لم يعد يحتمل المكابرة وهو يجبره على أن يواصل دون ادنى اعتبار لحالته .
تمدد على فراشه بعد ان اخذ قرصا من دوائه واخذ يلهث فى تعب ، طرق باب غرفته ليدخل على وهو يتحسس الطريق امامه ، فاعتدل محمود فى فراشه وحاول ان يوازن صوته قائلا ” فيه حاجة يا على ؟؟“
وصل على الى حافة الفراش وجلس عليه قائلا ” انا اللى جاى اسألك السؤال ده يا بابا ..فيه حاجة ؟؟“
اغمض سمير عينيه في محاولة لكتم المه وقال ” قصدك ايه ؟؟؟“
التفت على بوجهه وتحسس الفراش حتى وصل الى كف ابيه فقبض عليها قائلا ” ليه بتخبى عننا انا حاسس بيك بتتأوه طول الوقت ”
حدق سمير فى ولده للحظات هذا الفتى يفاجئه دوما ، لديه قدرات تفوق المبصرين ، الأعمى هو من يظن بهذا الطفل العمى ، تنهد وهو يضغط على كف ولده قائلا ” معقول يا بابا لسة بتستغرب ...انا صحيح اعمى بس ربنا ادانى نعمة وحاسة تانية اقوى بكتير من البصر ..احساسى ..زى عينيكو بالظبط اللى بتشوفو بيها ..بيه برسم ملامحكو وبشوف وشوشكو ..عمرى ما حسيت انى فيه حاجة ناقصة ”
طالعه محمود من جديد ، هذا ليس طفلا فى التاسعة ابدا بل هو رجل فى حكمة السبعين ، ربت على كفه قائلا ” انت عاوز تعرف ايه يا على انا كويس يا حبيبى ”
ابتسم على قائلا ” حضرتك قررت بعد سنين طويلة نرجع مصر ..رغم ان ماما ماتت من خمس سنين فليه التوقيت ده بالذات وبعدين طول الوقت حاسس انك تعبان وبتخبى ”
دمعت عينا سمير فاقتربت يد على تتحسس خده وتمسح دمعته قائلا ” انا اسف بابا مقصدتش ازعلك انا كنت حابب بس اطمن عليك ”
وقبل ان يرد سمير شعر الاثنان بباب الشقة يفتح فمال سمير الى ولده هامسا بحزم ” على اوعى تتكلم قدام اختك فى حاجة ”
كان على يريد ان يكمل حديثه او يسأله عن سر عدم رغبته فى الافصاح عن مرضه ولكنه رضخ لابيه وقال فى ادب ” حاضر يا بابا ”
دخلت ايلينا عليهما وقالت في مرح ” السلام عليكم ”
رد سمير وعلى ” وعليكم السلام ”
وضعت ايلينا حقيبتها على منضدة مجاورة وارتمت على كرسى قريب وبدأت فى فك حجابها لتحصل على بعض الاسترخاء وهى تطلق العنان لشعرها الغجرى المثير ، قالت وهى تضيق عينيها وتنظر الى سمير ” مالكو ..بابا انت كويس ”
ابتسم سمير قائلا ” اه بس الكافيه خد منى مجهود ” واضاف بضحكة حاول جيدا ان تبدو طبيعيه ” الظاهر انى كبرت وعجزت خلاص ”
ابتسمت ايلينا وهى تدلك رقبتها ” عجوز ايه يا بابا انت لسة فى عز شبابك ”
قال سمير فى اهتمام ” طمنينى عليكى اخبار الشغل ايه ؟؟“
مدت ايلينا شفتيها قائلة في سعادة” ماشى الحال ...الشهر اللى اتحطيت فيه تحت الاختبار عدى خلاص وهبدأ اشتغل فى ازياء هتنزل فى الكوليكشن بتاع الموسم الجاى ..متتخيلش انا قلقانة قد ايه ”
نهض سمير فى الم تحامل ليخفيه ومسح على شعرها قائلا ” وليه القلق زى ما نجحتى هناك هتنجحى هنا برضه ان شاء الله ”
هزت ايلينا رأسها قائلة ” التصميمات اللى انا قدمتها تعتبر غريبة شوية ومش عارفة الناس هنا هتستقبلها ازاى ”
وتنهدت وهى تنظر الى ابيها قائلة ” انا بحب اكون دايما عند ثقة اللى قدامى ويوسف ادانى ثقته وانا مش عايزة اخذله ”
قطب والدها حاجبيه فى اهتمام قائلا ” يوسف ”
تنحنحت ايلينا وقالت ” ماهو الشركة اللى بيديرها الباش مهندس يوسف وهوا ادانى كل الصلاحيات ”
نظر سمير فى عينى ابنته للحظات فارتبكت وتراجعت قائلة ” انا هروح اغير هدومى عشان نتغدى سوا ”
واتجهت ايلينا الى غرفتها ،وقفت تتأمل نفسها امام المرآة لحظات وهى تعبث فى شعرها فى شرود وتتساءل لماذا ارتبكت هكذا حين ذكر اسمه ؟؟، لماذا طالعها والدها بتلك النظرة ، هى لا تنكر مطلقا انها تعجب بذكائه ورجاحة عقله ففى هذا العمر يدير هذا الصرح الكبير ليحفر له اسما ناجحا واضحا فى سوق رجال الاعمال ، يعجبها انضباطه وجديته وايمانه بموهبتها فقد وافق على المغامرة بطرح عملها فى السوق ولا بد ان تكون على مقدار ثقته ، تنهدت وهى تضع يدها على شفتيها تنكر تلك الابتسامة التى تلوح على ثغرها وتكرر على نفسها هذا ليس اعجاب امرأة برجل هو مجرد اعجاب بشخص ناجح فتجربة ريان لم تخرج منها بعد ، نظرت الى الكراس التى رسمت فيه التصاميم بابتسامة وتساءلت هل سيعجبه ؟؟
اما ما حدث فى صباح اليوم التالى فلم يعجبها هى وتغيرت تلك الصورة التى رسمتها فى خيالها ليوسف لتحل محلها صورة اخرى ...
+