اخر الروايات

رواية ميراث الندم الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أمل نصر


بفضول القطة الذي قد يؤدي فعلها في البحث خلف المجهول لهلاكها، تحركت تتبع خالتها جميلة كما تلقبها دائمًا، تحمل عنها قفص الطيور من أجل مساعدتها، ومن جهة أخرى كي تستطلع اخر الأخبار عن اميرها الوسيم، وهذا السؤال المُلح بداخلها والذي لم تكف عن توجهيهه للمرأة، حتى وهي تقطع الطريق معها الاَن نحو وجهتهما:
– يعني معجولة يا خالة جميلة، لحد دلوك العروسة مردتش عليكم؟ كيف يعني؟ دي المدة طالت جوي .
قلبت جميلة عينيها، تزفر داخلها بسأم وملل، فهذه المتطفلة تجبرها على تأليف القصص، وهي ليست جيدة في الكذب من الأساس، لذلك فضلت الصمت، فهي الاَن ليست بحالة تسمح لها بهذا الهراء أو المماطلة، لشيء قد حسم من الأساس، ولم تعد به فائدة الكتمان.
– يا خالة جميلة انتي ليه ما بترديش عليا؟ ولا انتي مسمعتيش سؤالي من الأساس؟….. دا انا كنت بسألك على موضوع خطوبة المحروس اخوك….
– خلاص يا هدير.
هتفت بها تقاطعها بضجر حقيقي داخلها، ولكنها تمالكت كي تجيبها ببعض الزوق:
– بصي يا بتي، انسي الموضوع دا حن عليكي وما تفكرنيش بيه تاني، اعتبريني مجبتش سيرة خالص بيه .
– ليه يا خالة؟….. هو محصلش نصيب؟.
صدرت منها بلهفة أثارت الاستفراز بداخل الأخرى، لتتمتم بضيق ردًا عليها:
– لا محصلش، وفوضيها بجى، خلينا نكمل طريجنا.
قالتها لتسرع بالخطوات امامها، تأمرها بخشونة:
– ياللا بجى، همي برجليك دي ورايا.
لم تطاوعها اقدامها على التحرك سريعًا خلفها، ف لحظة الاستيعاب وهذا الابتهاج الذي كان يسري بداخلها، اجبرها على التوقف، لتغزو ابتسامة بلهاء ملامحها، غير عابئة بوجع رقبتها بحمل القفص التقيل، ولا بتوقفها في وسط الطريق، لتجذب الانظار نحوها بتساؤل.
حتى انتبهت جميلة، لتلتف اليها تصيح عليها بسخط:
– اجولك سرعي، تجفي خالص يا هدير، يا بتي هو انتي بتفهمي الكلام عكس ولا ايه بس؟
❈-❈-❈
بعد قليل
وصلت برفقتها لداخل المنزل ، والذي لم تتوقف عينيها بالبحث و التجول داخله، بشكل فضح تفكيرها امام المرأة والتي ندمت بالفعل على زلة لسانها معها، كما ندمت على قبول مساعدتها من الأساس، لتتناول منها القفص تضعه على الأرض، تردف لها بكلمات الامتنان قبل ان تأمرها بلين:
– ربنا يبارك فيكي يا بتي ويريح جنبك زي ما مريحاني وشايلة عني دايمًا…..
– تعبك راحة يا خالة جميلة، دا انا اساعدك بعيوني التنين.
– تسلم عيونك، خلاص روحي انتي عشان امك ما تجلجش عليكي.
وقبل ان تبحث لها عن حجة للتلكأ في الذهاب، جاءها العون من ناحية أخرى، من الوالدة نفسها، والدة جميلة وعمر، وقد كانت جالسة مع احفادها يتسامرون في هذا الوقت، فاعترضت بخروجها الاَن فور مجيئها”
– وامها هتجلج عليها هنا في بيتنا كمان؟ خبر ايه يا جميلة، هي البت لحجت تاخد نفسها حتى من الشيلة التجيلة، تعالي يا بتي اشربي الشاي، وهرجي معانا شوية.
تلقفت منها الدعوة بترحيب شديد، لتردف بلهفة، ترافق سرعتها نحوهم:
– لا طبعًا، دا هنا زي بيت جدي بالظبط، يبجى امي هتجلج كيف؟
نظرت جميلة في اثرها، وقد اتخذت مقعدها وسط الفتيات من بنات شقيقاتها، لتندمج معهم في الحديث، وكأنها واحدة منهن.
زفرت بيأس تتركها، وتتحرك باحثة عن شقيقها، والذي وجدته بعدها في الباحة الخلفية للمنزل، اسفل الشجرة العتيقة، جالسًا بوضع الاسترخاء، على احد المقاعد، ممدًا قدميه على الآخر، وشرود حاله خير دليل على ما يكتنفه من الداخل.
– عمر.
التف على النداء ليتحمحم بصوت خشن يجيبها:
– اهلا يا جميلة تعالي .
تقدمت لتجلس على أحد الصناديق لتكن بالقرب منه، وظلت تتمعنه للحظات بصمت، مترددة في فتح الحديث معه، حتى مل هو ليبادرها القول:
– طلعي اللي في بطنك يا جميلة، عارفك هتموتي لو متكلمتيش.
تلقت الدعوة لتنطلق على الفور، تبوح بما يدور داخلها:
– والله انت اكد حاسس باللي داير جوايا، انا خايفة عليك يا عمر، طول الوجت جاعد سرحان، وموجف حالك عن….
– عن ايه؟
– عن انك تشوف نفسك يا واد ابوي، متزعلش مني، بس الدنيا مبتوجفش على حد، وانت يدوب تلحج تدور على عروسة، عشان تتجوز انت كمان، وتفرح أهلك بيك ، ابوك وامك ليهم حج عليك، نفسهم بجى يشوفوا خلفتك ولا انت ناسي ان انت الواد الوحيد فينا.
تجاهل عن عمد كل ما أسهبت به، ليخبرها وكأنها لا تعلم:
– النهاردة كتب كتابها وحنتها يا جميلة.
اخرجت تنهيدة متعبة لتطالعه صامتة وهو يتابع:
– مش دا برضوا، كان هيبجى يومي انا معاها ؟
عقبت بما يشبه الرجاء:
– كل شيء نصيب يا واد ابوي، هنفضل نجولها كام مرة بس ؟
ردد بتصميم وكأنه يحدث نفسه:
– كانت نصيبي يا جميلة، كانت نصيبي.
– خالة جميلة انتي جاعدة هنا؟
اجفلت المرأة تستفيق من حالة الحزن التي تلبستها على حال شقيقها، لتتبدل للحنق الشديد، مع انتباها لهذه الخفيفة كما تلقبها، وقد اخترقت داخل المنزل حتى جاءت الى هنا بجرأة تذهلها، في توجيه الحديث لها وعينيها مسلطة عليه:
– اصل انا كنت مروحة، بس جولت اشوفك لو عايزة مني حاجة جبل ما امشي، عامل ايه يا استاذ عمر؟
رمقها بنظرة فاحصة من أعلى الى الاسفل ، قبل أن يجيبها بتمهل:
– اهلا يااا هدير، عاملة ايه انتي؟
– انا زينة والله والحمد لله، تشكر على سؤالك وزوجك يا استاذ عمر .
تبسم يبتعد بوجهه عنها، ونهضت شقيقته، تنهرها بلطف:
– روحي يا هدير وانا لما اعوذ حاجة منك هندهلك أكيد، انا مش عايزاكي تتأخري عن امك ، وتيجي بعد كدة هي تلومني.
همت لتزيد من تلكأها، باختلاق أي حديث برأسها، قبل عن ان يقطع هو بأن انتفض فجأة، بعد أن القى بنظره على شاشة الهاتف، ورأى محتوى الرسالة التي أتت له من احدهم
– رايح فين يا عمر؟.
هتفت شقيقته تسأله، ولكنه تجاهل، ليتخطى الأخرى وكأنه لا يراها، وذهب سريعًا نحو وجهته.
❈-❈-❈
بداخل مدافن القرية
وبعد ان أنهت زيارتها لقبر والديها، وجدها الأكبر، وبعض الراحلين من العائلة، فلم يتقبى سوى زيارة الساحة الكبيرة لشيخ القرية الراحل ، والتي تبقى مفتوحة دائما لإطعام المحتاجين، وذلك من تبرعات المحسنين ، واولهم هي، لا تفوت زيارة للمدافن بدون ان تعطي من مالها الخاص.
توقفت امام الباب الاخضر الكبير الخاص بمدخل النساء، فخرجت تستقبلها المرأة القائمة برعاية الساحة بابتسامة امتنان وحب لها:
– يا اهلا يا اهلا، دا ايه النور ده؟ الست روح بنفسها مشرفانا؟
تبسمت لها تبادلها التحية ، وجاء الرد من شقيفتها:
– ايوة يا ست حفصة، عشان تعرفي بس غلاوتكم عندها، جاية تزوركم النهاردة في يوم حنتها وكتب
على الرغم اننا متأخرين والله .
– وه يا نادرة، جات يعني ع الخمس دجايج دي؟
تفوهت بها عاتبة نحو شقيقتها قبل ان تتجه مباشرة للمرأة:
– انا جاية احط اللي فيه النصيب يا خالة، هتاخدي انتي بجى، ولا لازم ادخل بنفسي؟
– يا بنتي، وانا من امتي باخد بيدي بس؟ ادخلي حطي بنفسك في الصندوج، الدنيا فاضية دلوك، دا وجت صبحية.
– ادخلي انتي وانا هجعد هنا وهستناكي مع الست حفصة، مشوار المدافن هد حيلي
عقبت بها نادرة على قول المرأة، لتدلف هي وحدها، داخل الساحة الشاسعة التي اعتادت عليها، حتى وصلت الى المكان المعروف، وضعت حزمة كبيرة من النقود بعد ان قرأت الفاتحة على روح الشيخ الراحل، ثم استدارت لتتخذ طريقها نحو الخروج ولكنها تفاجأت به أمامها:
– عمر .
تفوهت بالأسم وقد توسعت عينيها بجزع، لتردف بتخوف:
– انت ازاي جيت هنا؟
القى بنظرة نحو السور الصغير للساحة الشاسعة، فهمت منها انه قفز من الخلف، ليأتي اليها الاَن ويفاجئها :
– ازيك يا عروسة، النهاردة كتب كتابك وحنتك جال ؟
ابتعلت غصتها، وجرح رؤيته بهذه الهيئة اضاف على جروح قلبها اضعاف، لتجيبه بتماسك واهي، رافضة ان تعطيه أي أمل كاذب:
– ايوة فعلا النهاردة حنتي وكتب كتابي، ع العموم كتر خيرك ع المجازفة الكبيرة اللي جومت بيها دي عشان تباركلي، عجبالك انت كمان.
قالتها وتعمدت الذهاب لتنهي نقاشًا لا طائل منه، ولكنه أجفلها حينما اوقفها جاذبًا اياها من مرفقها مردفًا بغضبٍ استوحشت به ملامحه:
– استني عندك ، انتي هتمشي وتسيبني كدة بناري، من غير ما ترسيني ع الحجيجة، مفيش مرواح من غير ما تجاوبي على سؤالي يا روح؟ دا انا ما صدجت عثرت فيكي.
نفضت ذراعها عن قبضته لتزجره بقولها:
– فوج لنفسك يا عمر، انا مش واحدة هينة ليك ولا لغيرك، عشان اسمحلك تتصرف معايا كدة؟
رفع يده عنها ليردف متقدمًا نحوها مما جعلها تتراجع هي للخلف:
– يديا الاتنين جدامك اها، ممكن بجى تفهميني يا ست يا ام شخصية قوية، كيف واحدة زيك، مجدرتش تسد مع ناسها زي ما كنتي مفهماني؟ كيف رضختي لرغبة اخوكي، ودوستي على جلبي برجليكي؟
صاح بالاخيرة يجفلها بهيئته الغريبة، وقد اصطدم ظهرها بأحد الأعمده حتى ودت ان تهرب من أمامه، ولكنها اغلق كل الطرق بتصدره بجسده أمامها، فخرج صوتها باهتزاز:
– بعد من جدامي يا عمر، عيب كدة لو حد دخل هيجول عليك ايه؟
– يجولوا اللي يجولوا، انتي جاوبي على سؤالي وبس؟
احتد بها يضرب بكفه اعلى رأسها بعنف جعلها تشك ان من يقف أمامها ويحدثها الاَن هو عمر نفسه حبيبها الذي انتظرت من أجله سنوات:
– يا عمر بجولك سيبني امشي، موضوعي معاك خلص ، انا فعلا مقدرتش اسد مع أهلى ، لأني مجدرش اعترض على قرار اخويا، ولا اتحداه،، سيبني بجى واعتبر نفسك كنت مغشوش فيا .
كانت منكمشة بجسدها عنه، هذه اول مرة تعرف معنى الرعب بحق، وكلماتها كانت كمن يصب الزيت على النار ، لتزداد ملامحه اظلامه، حتى لم يشعر بقبضته التي ارتفعت أمامها بقوله:
– يعني جاية بعد السنين دي كلها، وبعد ما اتغربت، وجدرت اجيب اللي اواجه بيه أهلك وابجى ند ليهم وانا بتجدملك، تيجي انتي على اخر لحظة وتجوليلي مش لاعبة، لا طب انا ماسك في اللعب، و مش ناوي اشيلك من مخي يا روح، جوليلي هتعملي ايه؟
– بعد عنها لاجطعلك يدك.
صدر الصوت الجهوري من صاحبه، لتلتف رؤس الاثنان نحوه، فالتقط هو نظرتها اليه، ليرى ولأول مرة بها الامتنان لمجيئه، قبل ان تتبدل الى الخوف من القادم، خصوصًا بعدما شاهدت تحفز الاَخر وكأنه يرحب بالشجار:
– عارف باشا، ازيك يا عريس، المفروض برضوا اباركلك زي ما باركتلها.
تقدم نحوه بصمت، ليسحبها من ذراعها حتى جعلها خلفه قبل ان يجيبه بازدراء، رافعًا السبابة أمامه بتهديد:
– قسمًا بالله لولا اني عامل جيمة للمكان الطاهر اللي احنا جاعدين فيه، لكنت عرفتك مجامك، وعلمتك كيف تتعامل مع الناس محترمين.
هم ان يتحرك بها، ولكن عمر اوقفه بقوله:
– طب انا راجل مش محترم، وعايز اعرف كيف واحد يتجوز واحدة غصب عنها حتى وهي جلبها معلج بغيره؟ ولا انت مش واخد ان هي كانت ساكتة وانا بكلمها؟
كتمت صوت الشهقة، بوضع كفها على فمها، لتطالعه بخيبة أمل، بأن يتحدث في أمر كهذا امام ابن عمها والذي من المقرر أن يصبح زوجها بعد عدة ساعات، اتعتبرها نتيجة لغضبه؟ ولكن ألا يجدر به أن يراعي ولو قليلًا بخطورة هذا الحديث عليها هي أولاً، فلم تشعر باندفاع الرد منها:
– انا مخبرة واد عمي عن كل حاجة عني يا عمر، كل حاجة بجي عارفها عني.
اتت كلماتها بنتيجة السحر على قلب الأول لتثلج صدره، ان تدعم نفسها بدعمه امام الثاني والذي زادت من اشتعال النيران بقلبه، وافعالها تصدمه:
– يعني عرفتيه….. وبرضوا متجبل كدة عادي؟
– انت عايز ايه بالظبط يا عمر؟
صاحت بها وللمرة الثانية تسبق الاَخر، والذي اوقفها بكف يده عن المتابعة، ليردف امرًا لها :
– اطلعي حالًا، واسبجيني على عربيتي.
همت لتجادل بالرفض نظرًا لقلقها مما قد ينتج فور مغادرتها، ولكنه قاطعها بصرامة رغم هدوء نبرته:
– بجولك حالاً.
– وتطلع ليه ما تخليها جاعدة؟ حتى عشان تكدبني لو بألف عليها .
تجاهل وظل مشددًا عليها بجمرات عينيه المتقدة بحزم نحوها، مما أجبرها على تنفيذ امره بالخروج على الفور، وللمرة الثانية يتجرع الاَخر اثر خذلانها له وكأنه العلقم بحلقه
حتى اذا اختفت من أمامهما، توجه عارف اليه بنظره، يضع كفيه بجيبي بنطاله، فاردًا جسده باسترخاء المظفر يخاطبه:
– طبعًا انت غرضك من دا كله اني اتخانج معاك ، اتحمج لكرامتي بجى واعرفك مجامك، او انت تغلبني بجوة جسمك زي ما انت متصور، المهم ان في الحالتين الموضوع يكبر ويبجى فضيحة، بس انا بجولك بجى، لأ، لأ يا عمر، مش هناولك غرضك، ولا هسمح لأي حاجة تعطلني عن جوازي…….
توقف برهة، يطالع اثر الكلمات على ملامح الاخر والتي ازدادت قتامة وحقد، ليضاعف عليه مستطردًا:
– وعن اجابة سؤالك، اه يا عمر انا جابل، عشان دي بت عمي اللي انا مربيها على يدي، يعني عارف جيمتها زين، وان كان على شوية العطب اللي عشش في تفكيرها الكام سنة اللي فاتوا، انا كفيل اصلحه……
علق عمر على الاَخيرة بابتسامة ساخرة:
– تصلح! انت متأكد منها دي ؟
– اه متأكد يا عمر ، وخد بالك، انا بتكلم ان العطب في التفكير مش القلب، وحط تحتيها دي مية خط…..
توقف ليخيم الصمت للحظات بينهما، ولم يبقى الا حديث الاعين المشتعلة بالتحدي والثقة، في مواجهة الكره والبغض، قبل ان ينهي عارف بقوله:
– عن اذنك بجى، عايز اللحج كتب كتابي بعد شوية، ولفرحي بكرة ، عجبالك يا عمر.
بصق كلماته، وذهب مغادرًا من أمامه، يتركه متسمرًا محله، في نيران قهرًا يسحقه، في يأس فكر يتخبط به الاَن.
❈-❈-❈
اتى بخطواته السريعة يندفع داخل السيارة التي صفق بابها بعنف جعلها تنتفض بخضة، لتحاصرها عينيه المتربصة والمشتعلة للحظات، قبل أن تنفجر به :
– تمام، هتفضل باصصلي كدة كتير وانت ساكت؟ اتكلم يا عارف وطلع اللي في جلبك، انا جيت على عربيتك اها زي ما جولت، وخليت اختي تروح لوحديها، ياللا بجى في انتظار اي قرار منك.
– قرار إيه؟
سألها مستفهمًا، فكان ردها ان ازاحت وجهها عنه بحرج، فوصله مقصدها، ليزفر بعنف، طاردًا كتلة من الهواء الكثيف بصدره، يطالعها بتريث وهي تجيبه بتوتر:
– مش مضطرة احلفلك، بس دا حجك عليا، قسمًا بالله العظيم، انا ما جصدت اجابله، ولا كنت اعرف اني هيهل عليا كدة ويفاجئني، دا انا تجريبًا جطعت مع صاحبتي نفسها اللي هي اخته، عشان اجطع أي صلة.
توقفت تلتف بنظرها للأمام مردفة باستياء:
– اكره ما عليا ان اتحط في موقف دفاع عن نفسي، وموضع اتهام في شيء انا بريئة منه….. وبرضوا انت حر في اي فعل تعمله.
– تجصدي ايه يا روح؟…. اني افلتك؟
توجهت له تخاطبه بجرأة ليست بغريبة عنها:
– انا بجول لو انت عايز، او هيدخل في مخك ذرة من شك ناحيتي، يبجى تجطع من أولها وتوفر على نفسك أي فكر، أو تعب، لاني زي ما برفض ان اتحط في موضع اتهام، ف انا كمان لا يمكن هسمحلك تشك فيا بعد كدة.
– ومين جالك اني شاكك فيكي؟
للمرة الثانية يسألها بهدوء يثير استفزازها، حتى لم تعد بها قدرة على التماسك:
– لأن الموقف نفسه……….
توقفت مجبرة، لتزيح بأبهامها دموع عزيزة غلبتها في السقوط أمامه، لتشيح بوجهها نحو النافذة، تكره ان تُظهر له مزيدًا من الضعف، ولكنه كالعادة وكما أصبحت ترى منه مؤخرًا ادهشها بفعله، حينما أمتدت يده لها بالمحرمة الورقية، تناولته لتجفف بها الاثر المتبقي على خديها ، وصوته يأتي بجوارها مردفًا بلين وتجاهل مقصود:
– لازم اللحج اروحك عشان اشوف ميعادي مع الشيخ المأذون ، اخوكي باينه مأكدتش على الميعاد زي ما جولتلوا.
قالها ثم أشعل محرك السيارة ليتحرك بها على الفور، مما جعلها تتوقف عن ذرف الدموع ، تطالعه بعدم فهم، حتى لم تقوى على كبت سؤالها له:
– عارف انت مردتيش على سؤالي .
التف برأسه يجيبها منهيًا :
– مفيش سؤال يا روح، عشان مفيش حاجة من اللي في دماغك عن شك ولا أي كلام فارغ، يبجى جفلي على كدة.
– اجفل على ايه؟ انا بجولك….
رددت بها بمزيد من التشتت، ولكنه قاطعها بحزمه ملوحًا بكف يده امامها:
– جولت جفلي يا روح…… خلاص.
اردف كلماته ثم التف نحو الطريق يشعل اغنية من مذياع السيارة وكأن شيئًا لم يكن، ليزيدها ازبهلالًا في التطلع له، يشيعها كل برهة بنظرة تربكها، يتصرف وكأن شيئًا لم يكن.
❈-❈-❈
وعلى جانب الطريق الذي مرت من أمامه السيارة ، كانت مفترشة الأرض بجلستها بجانب المرأة قريبتها، تتسامر واضعة طبق التمر بحجرها تتناول منه، غير اَبهة بنظرات المارة نحوها.
لا تعير اهتمام ولا قيمة لحياء النساء الذي لا تعرفه من الأساس، ولا يكف لسانها عن التفوه بنميمة أو همز او لمز، لكل من تعرفه او تأتي سيرته أمامها، لذلك لم يكن غريبًا ان تعلق فور رؤيتها لهم:
– يا حلاوة يا ولاد، دا على كدة الكلام صح؟ وعارف بيه هيجوز ست الحسن والجمال، روح بت عمه.
– حاجة غريبة والله نفيسة، يعني لف الزمن كد ما لف، برضك رجعت من تاني تبجى من نصيبه.
تفوهت يها المرأة قريبتها تشاركها التعجب، فما كادت ان تعلق ساخرة كعادتها، حتى زاد اتساع ابتسامتها، فور ان وقعت ابصارها عليه ، يحفر الأرض بخطواتها الغاضبة امامها، لتغمغم بشماته، تمصمص بشفتيها وقد فهمت بعقلها الجهنمي السبب الاساسي لغضبه الاَن:
– يعيني ع اللي حب ولا طالش.
تسائلت قريبتها بانتباه وقد استبد الفضول بها:
– جصدك على مين اللي حب ولا طالش يا جزينة؟ انتي تعرفي حاجة عن عمر يا نفيسة؟
تداركت تطالعها بهلع وقد تذكرت تهديد غازي الدهشان، بقطع لسانها ان تفوهت ببنت شفاه بأسم شقيقته في أي موضع لتنفي على الفور :
– وانا هعرف منين انتي كمان على عمر ولا ترتان؟ دا راجل بجالوا سنين في الغربة، اش عرفني بتاريخه!
❈-❈-❈
في المنزل الكبير.
كانت التجهيزات على أشدها في هذا الوقت، ذبحت الذبائح، وعلقت الزينة والانوار في أعلى المنزل وداخل الحديقة وخارجها، حتى نصبت بوابة ضخمة في اول الشارع لتخبر الجميع ان هناك ليلة فرح ضخمة ، كما هو سائد في القرية، ويفعل من له القدرة المالية على ذلك.
فريق الطبخ بداخل الساحة الكبيرة، يحتل موقعه على المواقد الضخمة منذ الصباح الباكر، بإعداد أشهى المأكولات الشهيرة في هذه المناسبات، وفريق التقديم يقوم بالتجهيز منذ الاَن على الموائد الطويلة لمأدبة العشاء بمشاركة شباب العائلة من اقارب واخوان العروسين وأبناء عمومتهم، تحت اشراف كامل من كبير العائلة وشقيق العروس غازي الدهشان ، والذي لا يكف عن القاء التعليمات والتفوه بالمزاح ايضًا بطرافة لا يتخلى عنها ابدًا في هذه الاوقات ، ليصبح قريبًا من الجميع، يكسب محبة الصغير، ومشاركة الكبير بتوقيره .
وفي ناحية النساء الأمر لا يقل اهتمامًا، لاستقبال الأقرباء من بكرة الصباح من افراد العائلة التي اَتين متطوعات، لمساعدة شقيقات العروس في تجهيزها، والإعداد لاستقبال المهنئات ليلًا.
وفي جهة أخرى، تفاجأت نادية بمن تقتحم عليها مقر الضيافة خاصتها بصياحها على الأطفال كالعادة:
– غورو جاكم بنصايب، ولا مرة مهنيني على طلعة، باه.
اقتربت تستقبلها لترفع ابنة شقيقها وتقبل الأخرى ، وهي تخاطبها بعتب:
– حرام عليكي يا عزيزة الدعا، مش خايفة ربنا يستجيب يا جزينة.
– يا خيا من غلبى
صرخت بها وهي تجلس على احد الارئك لتجلس الرضيعة بجوارها، ثم تخلع عنها الطرحة السوداء ، لتردف بلهاث:
– شايلة واحدة وبجر في مضاريب الدم دول اللي مطلعين عيني، مش يمشوا كدة بأدبهم ويسمعوا الكلام ، لاه، لازم يتعبوا جلبي في الزعيج عليهم، يعني مش كفاية طلعان عيني في شغل البيت، واخوكي اللي شايل يده حتى عن شيل العيل الصغير، ما كل الرجالة بتساعد حريمها، حرام هو يعملها معايا ولا مرة واحدة حتى، جطيعة.
– اعوذ بالله
تمتمت بها نادية بصوت خفيض، تشمئز من سخط زوجة اخيها الدائم، فلا تعرف الحمد او غلق فمها ولو مرة واحدة عن الشكوي.
– امال فين مرة عمي؟ مجعداش معاكي ليه ، حتى كانت مسكت واحدة فيهم.
ردت نادية بابتسامة تهادنها، حتى تتجنب المزيد من الصياح والتذمر:
– مرة عمك في البيت الكبير دلوك بتساعد مع الحريم، روحي انتي وسيبي البنات انا هسبحهم واجهزهم، متشليش همهم خالص يا عزيزة.
سمعت الاخيرة لتردف بالدعوات الممتنة كالعادة:
– شالله يخليكي يارب، والنبي انتي يا نادية ما في زيك، ربنا يعوض عليكي، ويكرمك، هو الواد معتز راح فين؟ مش شايفاه يعني.
– معتز مع جدته، بيلعب في البيت الكبير مع العيال .
اجابتها لتردف الأخرى بعدها العديد من الأسئلة الفضولية، بتطفل ليس بغريب عنها، حتى اذا انتهت اخيرا لتنهض كي تغادر وتلحق بالنساء في البيت الكبير، تنفست نادية بارتياح تخاطب الطفلتين بمرح ، عاقدة العزم على ممارسة هوايتها المفضلة:
– ليكم عليا بعد ما اسبحكم، لاعملكم احلى تسريحة، هخلي كل البنات في الفرح يتجنوا عليكم .
❈-❈-❈
وفي منزل سعيد
وبعد ان ارتدى جلبابه الفخم، تعلوه العبائة السوداء، ليتبختر في خطواته بزهو يغمره في كل مناسبة تخص العائلة او غيرها.
– برضك هتعجل وتروح بدري يا بوي؟
هتفت توقفه بكماتها، ليستدير اليها يستنكر بضجر:
– امال عابزاني اجعد زي الولايا في البيت، والمندرة مرشجة بكبارات العيلة اللي واجفة من الصبح مع يامن وعياله .
– يامن وعياله برضوا.
تفوهت بها ساخرة لتردف بحقد:
– انت ناسي ان يامن ده عاملك معاملة الغريب، ومخدتش شورتك في الموضوع ده من اوله، متعملش ليه انت زيه وتروح برضوا زي الغريب على الميعاد في العشية، حتى عشان يحسوا على دمهم، ويعملوا حسابك بعد كدة.
كلماتها السامة دائمًا ما تلقى صداها على اسماع والدها، والذي بهت امامها بتفكير وتردد استغلته هي لتكمل:
– يعني مش كفاية مرتك وولدك، اللي راحوا من الصبحية هما كمان ، ومجدروش ولا استنوا يعملولك خاطر، ولدك يخدم مع الشباب، والمحروسة امي سحبت البنتة التلاتة جال ايه جال، عشان ابوهم ما يزعلش لو شاف العيال بتلعب جدامه، وبناته مش وسطيهم، اهي السهوكة والجلب الحنين ده، هو اللي مطمع الناس فينا ، انا اتعركت معاها، بس هي برضوا جدرت عليا وخدتهم يرضيك يا بوي؟
شرد سعيد في مغزى كلماتها، بتفكير جدي في تنفيذ ما تردف، مما جعل انتشاءًا يتراقص داخلها، تظن انها استطاعت التأثير عليه، وبعد ان كاد على وشك التراجع بالفعل، تذكر هيبته وهوايته في فرض التعليمات في هذه التجمعات الكبيرة، والتي سوف تذهب سدى، ان سار خلفها وخلف مشورتها الحمقاء، ان انزوى كالغرباء.
لينفض رأسه سريعًا يرمقها بغيظ متمتمًا قبل ان يذهب:
– انتي اللي بمشي وراكي يا فتنة…… توداهيه في داهية، يخرب مطنك، مبتتهديش واصل على رأي ناجي اخوكي، جال وانا اللي راسي اندارت وكنت هتبعك!. الله يهديكي.
صرخت تضرب الأرض بأقدامها بغضب يفتك بها ، فور خروجه من امامها ، دون ان يبالي بغضبها او الأخذ بنصائحها.
لتركض نحو الهاتف على الفور ، تطلب صاحبة الرقم الأقرب الاًن:
– ايوة يا عزيزة، عايزاكي تخبريني بكل حاجة تحصل النهاردة في الليلة الزفت دي، ان شالله حتى بالصور، فاهمة ولا لاه؟
❈-❈-❈
مساءًا
وسط مجموعة من نساء العائلة التي كانت تدلف وتخرج باستمرار من الغرفة التي تزينت بها، يطلقن الزغاريد ، وكلمات التهاني والإثناء على جمال العروس التي كانت كالحورية اليوم كما يصفنها، رغم التوتر الشديد الذي كان يكتنفها لتعبر عن مخاوفها، فور انفرادها بأقرب الأشخاص البها الاَن:
– جلجانة جوي يا نادية، مش عارفة هتصرف معاه ازاي انا مبجتش فاهماه وربنا، كيف دا هيبجى جوزي بعد شوية من دلوكتي؟
هونت تخاطبها بمشاكسة، وصوت هامس لا يصل الى غيرها:
– ميبجاش جلبك خفيف امال ، هو ديب وهياكلك على رأي جدتك، ما تعجلي يا بت .
شهقت ترمقها باندهاش مرددة بعدم تصديق:
– ايه اللي انتي بتجوليه دا يا نادية؟ هو انتي جاصدة كلامك؟ ولا انا فهمت غلط؟.
ناكفتها بابتسامة خبيثة تردد خلفها بمرح، وقد اسعدها الحياء الشديد من الأخرى، لتستغل بفرض الكلمات الجريئة، كي تخرجها من حالة الجمود والقلق الشديد:
– لا يا ختي مفهمتيش غلط، دا انتي اللي باينك خيبة وهتتعبينا في النصايح معاكي، اروح اجيبلك ام أيمن تكرلك الشريط كله، وتفهمك من البداية.
هذه المرة صدرت شهقتها بصوت عالي، توقفها بالنداء بإسمها لتنطلق بالضحك ، مع ذكر ايمن ونكاتها الوقحة، لتنسى ما كان يطحن عقلها من افكار وهواجس، حتى اخترق جلستهم نداء الصغيرة ابنة شقيقها :
– عمة نادية، هو انتي صح اللي عاملة التسريحة للبت دي؟
أشارت بالاخيرة نحو ابنة عزب والتي كانت تتمايل امامها بتخايل، معجبة بنفسها وهذه القصة التي اثارت انبهار الجميع واولهم صديقتها اَيه، ابنة غازي، والتي تابعت نحو الأخرى:.
– انا كمان عايزاكي تعمليلي واحدة زيها، ممكن يا عمة نادية،
تبسمت الأخيرة لطلب الفتاة، لتجيبها بود شديد:
– من عيوني يا جمر، اعملك تسريحة احلى منها كمان،
– وانا يا عمة.
هتفت بها شروق الوسطى، لتجيبها بنفس الترحاب:
– وانت كمان يا عسل، يالا بجى تعالوا، جبل المأذون ما يعجد للعرسان.
❈-❈-❈
بعد قليل
دلف من اجل ارتداء ملابسه، كي يحضر جلسة عقد القران، قبل ان تبدأ الليلة الكبرى بمأدبة العشاء وقراءة القرآن، ثم السمر والسهر مع الفرقة النوبية التي تم احضارها مخصوص لإحياء حفل الحناء.
– بابا ، شوفت التسريحة الحلوة دي؟
هتفت بها صغيرته قبل ان يرفعها اليه، يتغزل بجمالها:
– اه فعلا والله جميلة، مين يا بت اللي عملهالك؟ ومين اللي لبسك وخلاكي حلوة وعروسة كدة؟ خالتك وجدان ولا خالتك نادرة؟ ها جولي يا بت.
رافق قوله الاخير دغدغات مشاكسة اسفل عنقها وعلى خصرها، لتصدح ضحكاتها العالية في قلب الردهة بعيدا عن تجمعات النساء في المنزل، حتى اذا توقفت أخبرته بحماسة:
– خالتي نادرة هي سبحتني، ولبستني الفستان الحلو، خالتي وجدان سرحتلي شعري بس معرفتش تظبط التسريحة، راحت عمتي نادية عدلتها، وخلتها احلي من تسريحة نورهان بت اخوها.
– عمتك مين؟
سألها باستفهام، وقد ظن بأسماعه سمع الاسم خطأ، ولكن صغيرته، عادت لتؤكد له:
– بجولك عمتي نادية، دي حتى عملت للبت شروج زيي، اهي كمان.. عمة نادية
اجفلته بالاخيرة ليتفاجأ بها بالفعل، وقد كانت في طريقها نحو جهة النساء قبل ان توقفها الملعونة ابنته،
لتلتف نحوها تبادلها ابتسامة كادت ان توقف قلبه من روعتها، بالإضافة لهذا الإشراق وفتنة تصرخ بها ملامحها ، رغم احتفاظها باللون الاسود ، ولكن ببعض الأضافات البسيطة على هيئتها، بدت أمامه اجمل النساء، فخرج صوتها بالتحية اليه، وتقديرا لمحبة الصغيرة:
– الف مبروك لروح، وعجبال أية.
– الله يبارك فيكي يام معتز، تفرحي بيه هو كمان.
– امين يارب .
تمتمت بها ثم اختفت من أمامه، ليظل متمسرًا محله، يطالع اثرها بقلب وجل، حتى استدرك اخيرًا لصغيرته، ولسانها الاحمق، يسالها:
– انتي يا به، ليه بتناديها يا عمه؟
– مش صاحبة عمتي روح ، يبجى اجولها يا عمة .
قالتها ببرائة كادت ان تجلطه، ليشدد مصححًا لها:.
– لا يا ختي مش مفروض، عشان دي مش اخت ابوكي، فاهمة، عايز تناديها، جوليها يا خالة .
جادلته مقارعة بفصاحة كالعادة:
– وبرضك مش اخت امي عشان اندهلها بخالتي.
– بت .
صاح متصنغًا الحزم ، بتوبيخ اضحكها:
– انتي تسمعي الكلام وبس، اياك اسمعك تاني مرة تجوليلها يا عمة، فاهمة ولا لاه؟ ردي.
❈-❈-❈
انعقد العقد، وخطت بخط يدها التوقيع على الدفتر الضخم، تبصم بإبهامها على عدة اوراق به، ليتأكد الجميع انها أصبحت له، زوجته امام الله والقانون.
لحظة انطلقت بها اصوات الزغاريد من النساء ، ترافق تلقي التهاني من هذا وذاك وهذه وتلك، وصدحت صوت السماعات لتتوافق مع خطوات الرقص والفرح من أشقاء وأبناء العمومة تظهر محبتهم في هذا الوقت للإحتفال بالعروسين
كانت كالمغيبة، تندمج في الأجواء لتريح عقلها قليلًا من أفكاره، تتبادل الابتسام وتلقي التهاني، تستجيب احيانا مع تعليقاته رغم عدم تركيزها في المعظم، وقد ساهم الصخب الدائر والزحام في ازدياد تشتيتها، والذي تضاعف حينما اجبرت لتشاركه الرقص وسط نساء العائلة، لإدخال الفرح بقلب جدتها، قبل اخذ مباركتها.
مرت اللحظات حتى وجدت نفسها معه وحدها في قلب الردهة المختصرة، ينفرد بها قليلًا قبل ان يستكمل ليلة حناءه الساهرة التي سوف تحيها الفرقة،
مسبهلة أهدابها عنه بخجل، تضغط بأصابعها، على اصابع كفها الأخرى بتوتر شديد، تسمع لبعض الكلمات عن تجهيزات الغد، كمقدمة، وهي تؤمئ له برأسها، رغم عدم تركيزها، نتيجة لتسلط ابصاره عليها، حتى اجبرها بأسلوبه:
– لدرجادي عاجباكي الرسمة؟
طالعته باستفهام ليجيبها على الفور:
– انا جصدي ع الحنة اللي منجوشة على كفك، اصل مرفعاش عينك من عليها.
اجبرها على الابتسام، ولكن ما زال حاجز التوتر يمنعها عن التواصل، حتى رفع كفيه امامها ليخطف انتباهاها:
– انا كمان راسم على كفوفي الاتنين، خدتي بالك منها دي.
اومأت تجيبه بالكلام هذه المرة:
– بصراحة خدت بالي واستغربت، اصل دي اول مرة يعني على حسب ما اظن، اشوفها في ايدك.
– هي فعلا اول مرة، ودا ملهوش دعوة بشكل ولا هيئة، بس انا حبيت امشي على عوايد جدودنا، ان الحنة في الكف فرح، وانا حبيت الفرح يبان في كفي.
اومأت له بتفهم ، وابتسامة عذبة ارتسمت على ثغرها المطلي بالحمرة تزيدها فتنة، وتشتته عن رزانته، فتابع يلهي نفسه بمشاكستها:
– على فكرة انا كنت بتكلم ع الرجالة، اما انتو الستات ، ف انا شايف اها على كفوفك…..
نزل بعينيه، نحو اقدامها حتى ذهبت بابصارها معه، ليتابع بمكر:
– دا غير كمان النجش اللي على أكبر صوابعك واللى ظاهر من تحت العبايه، يا ترى اخر النجش ده موصل لفين ؟
طالعته متوسعة العينان بعدم استيعاب لجرأته، لكن سرعان ما استدركت، لتهم بالهروب من امامه،، ولكنه منع عنها الفرصة، بأن جذبها فجأة، خاطفًا قبلة من وجنتها ، ليصيبها الذهول هذه المرة كصاعقة ، فقابل نظرتها بابتسامة مردفًا بتملك لا يخلى من خبث:
– مبروك يا عروستي




الخامس والعشرون من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close