اخر الروايات

رواية ميراث الندم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر


– مش بعادة يعني حد يشوف وشك في ساعة صبحية كدة، ليكون صرفوك من الشغل؟
توجهت له بالسؤال، تستغرب الزيارة المفاجأة منه في هذا الوقت من الصباح، وقد اذهلها بافتراشه الارض بجوارها، في هذه البقعة المشمسة بمدخل المنزل، ليزيد من دهشتها بالرد ضاحكًا:
– وه يا حجة سكينة، يعني عشان بس زورتك بدري النهاردة يبجى على طول كدة تظني انهم صرفوني، لا يا ستي النهاردة اجازة من الحكومة نفسها،
– أممم.
زامت بها لتعقب بعدم اقتناع:
– ما هو دا يخليني استغرب اكتر، هو انت بتطلع اساسًا من بيتك يوم اجازتك؟ دا انت ما بتصدج تاخد اليوم كله نوم………. يبجى أكيد دا مشوار مهم اللي خلالك تلبس وتتأنتك كدة على وش النهار.
قالت الاخيرة بإشارة نحو الجلباب الجديد المنشي الذي يرتديه، بالإضافة لرائحة العطر الذي تفوح منه بقوة، وذقنه الحليق باهتمام يلفت الانظار نحوه، ليتنشي هو من داخله لهذا الإطراء الغير مباشر، مستشبرًا داخله بانتباه والدته، لهذه الهيئة الجديدة منه.
عدل من ياقة جلبابه في الأعلى ليردف بزهو:
– لا يا ستي مفيش اي مشوار، انا جايلك النهاردة مخصوص اشوفك يا غالية، عشان اطمن على صحتك، خصوصي بعد ما عرفت ان جوز الحربيات بنتتك هجوا على بلادهم مع عيالهم التيران.
ردت بشبه ابتسامة ساخرة لاحت على جانب فمها:
– والله وفيك الخير يا سيدي، بس عشان تعرف يعني، خواتك روحوا لأجل ما يخلصوا مصالحهم بس هناك، لكنهم كام يوم كدة وراجعين، اهم ع الحال ده بجالهم مدة، يروحوا وياجوا الحمد لله الطربج بجى سهل معاهم بعد العربية اللي جابها عيسى.
– يعني واخدين الطربج سويجة.
عقب بها باستنكار رافعًا طرف شفته ، ليستطرد بحنق:
– ما تجوليلهم يتلموا بجى في بيوتهم ومع عيالهم، لزومها ايه الشحططة والخيلة الكدابة دي؟ ولا هما ما صدجوا السكة خليتلهم وافتكروا انهم اصحاب بيت صح؟ ايه؟ نسيوا اللي عملوه لما مضوا بالتنازل على حجهم فيه.
اغتمت ملامحها المتجعدة، لتشيح بوجهها عنه ناظرة للخارج، متمتمة باستياء:
– والله هما مش محتاجين حد يفكرهم، بس ع الأجل بيعملوا بأصلهم مع امهم وبيجوا يرعوها ويراعوا مصالحها مع عيالهم، ولا عايزنا انا وبت عمك نبجى محتاجين للناس؟
بحماس مفاجئ رد فاردًا اصابع كفه الكبرى على صدره أمامها:
– وتحتاجوا ليه للناس وانا موجود؟ انا سداد ياما، وان كنت بعدت نفسي السنين اللي فاتت عشان ما ازعجكمش، فدا لسبب انتي عارفاه زين، لكن خلاص عاد، مفيش بعاد تاني، والواحد لازم يشيل المسؤلية اللي عليه، مش يسيبها للغريب
– مين الغريب؟
رددت بها غاضبة، وقد بدات تتستشف الاَن داخلها السبب الحقيقي لتبدل حال ابنها ، وتعمده الاَن لتحسين صورته ، والتي طال تشوهها؛ حتى لم يعد هناك فرصة للتصحيح، لتردف كلماتها بقوة علّه يستفيق:
– خواتك مش اغراب، ولا حتى عيالهم برضوا اغراب، دول بيعملوا اللي عليهم معانا، حتى لو هما ملهوش مكان زي ما بتجول، ودا عشان ما نعوزش لحد،،
اما انت بجى هتعمل معانا ايه؟ وانت مكانك سيبتوا بخطرك من غير ما حد يكلمك ولا يجيرك،…. خلاص معدتش ينفع يا ولدي، الاماكن عشش فيها الدبيب والخراب ومعدتش ينفع ليها تصحيح.
زفر رافعًا حاجبه لأعلى، يعتلي تعابييره رفض واضح لكل ما تفوهت به، ولكنه صمت عن الرد عليها ، كي يتجنب سيجالًا معها قد يجبره على كشف جميع مخططاته، وهو الاَن في مراحل البداية، لا يصلح معه الاستعجال.
انتبه وتحفزت حواسه، يُنصت لصوت الخف الذي كان يطرق على درجات السلم بهبوطها من الطابق الثاني، يزداد وضوحًا مع اقترابها، حتى حطت على الارض، متوجهة مباشرة نحو جلسة المرأة، لتقع عينيها عليه، يبرم طرف شاربه وهذه الابتسامة القميئة يستقبلها بها، :
– ازيك يا سليمة، عاملة ايه يا بت عمي.
ازاحت وجهها على الفور للناحية الأخرى ، تتمنم بسباب ، قبل ان تلتف ذاهبة للمرأة بملامح ممتعضة تخبرها:
– ميعاد الدوا يا مرة عمي.
لم يهتز لتجاهلها وقد تركزت عينيه على هيئتها بدون حجاب، شعرها المعقود كجديلة طويلة في الخلف، تُظهر طول عنقها في الأمام، ثم تفاصيل جسدها الرشيق في العباءة المنزلية الخفيفة، والتي يعلم تمام العلم ان لو كانت تعلم بقدومه، ما كانت ارتدتها على الأطلاق،
ازداد اشتعال عينيه وهي تجثو على عقبيها لتُناول اقراص الدواء لولداته مع كوب الماء الذي ارتشفت منه على الفور تتجرع الاقراص دفعة واحدة، قبل ان تعود لابنها ونظراته المتفحصة لزوجته، وهو يخبرها بشرود تفضحه عينيه:
– طب ردي السلام، دا حتي بيجولوا السلام لربنا .
زفرت سليمة ببطء تنهض مخاطبة له بضجر:
– معلش مخدتش بالي، مرحب .
قالتها وتحركت عائدة لطابقها على الفور، تتبعها عيناه وهذه الضحكة المتحشرجة معقبًا خلفها:
– وه يا بوي، لدرجاي انا مش باين جدامك.
توقف بعد لحظات على قول والدته:
– مخدتش بالها من الجلبية الجديدة المكوية، ولا حتى وصلها ريحة العطر بتاعك.
تطلع اليها ليرى تجهما يعلو قسماتها، وكأنها تخبره باستحالة مهمته، غلبه العند كالعادة في الرد عليها :
– معلش ياما، شوية شوية تاخد بالها، المكنش النهاردة يبجى بكرة، الصبر الطيب
❈-❈-❈
اغلقت الباب فور خروجها، والتفت لتبحث عن صغيرها، لتذهب به الى وجهتها، وقعت عينيها عليه على الفور، وقد كان قريبًا منها، محمولاً على ذراعيه، يتحدث معه بأريحية وكأنهم أصدقاء بالفعل، كما يخبرها دومًا.
– عمو خازي ساحبي.
وبرغم كل شيء، وكل ما حدث في الأيام الفائتة، برغم الانطفاء به، وهذا الحزن الذي اثقل هامته، وهجرانه للجميع الا هو ، لم تتأثر العلاقة بين الاثنان، كل ما راَه يرفعه اليه، يبادله ابتسام لا يصدر الا له، يتحدث معه وكأنه رجل كبير يشتكي اليه همه، والعجيب هو استجابة صغيرها معه، ينصت اليه ولا يمل الاستماع حتى وهو لا يفهم منه شيء، لكنه تجده يربت بكفه الصغيرة على كتفه يهون عليه، انه بالفعل شيء عجيب ما يجمع الاثنين.
طالت وقفتها في تأملهم حتى انتبه إليها ، فقام بإنزاله على الأرض مخاطبًا:
– خلاص يا بطل، روح كلم ماما، ونكمل كلامنا بعدين.
همس بالاخيرة ليخطف منه قبلة صغيرة، قبل ان يتحرك مغادرًا، يلقي التحية دون أن يلتف اليها كعادته مؤخرًا:
– مساء الخير.
– مساء النور.
رددت بها من خلفه، تتبعه بعيناها، لقد تبدل لرجل اخر، قامته محنية، فقد الحياة التي كانت تشع مع كل خطوة يخطوها ، مهما تظاهر بالقوة ليخفي ما به لا ينجح
اسبوع مر منذ الواقعة الأخيرة، والتي ترتب عليه الطلاق من زوجته وابتعاد فتياته الصغار عنه، وحرمانه منهم برغم قدرته على الاحتفاظ بهم، وذلك نظرا لصغر سنهم ،
موقفه من شقيقته وما حدث، اشياء تكسر الظهر، انها بالفعل أصبحت تشفق عليه.
تنهدت بثقل تنفض رأسها من الأفكار المتلاحقة، لتتناول كف طفلها والذي كاد ان يبتعد عنها ليواصل اللعب بالكورة المطاطية والتي تركها منذ قليل.
زام بصوت رافض لتتركه، ولكنها اصرت لترفعه اليها وتهادنه بقولها :
– الكورة جاعدة مكانها، تعالى معايا تشوف خالتك روح الاول .
❈-❈-❈
– لسة برضك مش راضي يدخلي؟
توجهت بالسؤال نحو شقيقتها، والتي كانت ترفع صنية الطعام من فرق الفراش من جوارها، بعدما اجبرتها على تناول بعض اللقيمات، والتي ردت تجيبها:
– ما هو بيطمن عليكي دايما يا روح، لازم يدخلك يعني؟
قارعتها بإصرار:
– ايوة لازم يدخلي يا نادرة، انا روحي متعلجة بيه، وهو روحه متعلجة بيا، في حد يجدر ينسى روحه؟
اطبقت على شفتيها الأخيرة، لا تجد ردًا لها، لتلتف مغادرة بالباقي من الطعام تاركة الغرفة لها ولشقيقتها الكبري التي كانت تصلي في هذا الوقت، وفور ان انتهت، نهضت تطوي السجادة، ثم لتخلع عنها رداء الصلاة قبل ان تتدخل بقولها:
– سيبي اخوكي في حاله يا روح، ربنا يعينه ع اللي هو فيه، فوجي انتي لنفسك بس وجومي من تعبك ده، عشان تطلعيلوا وتشوفيه بنفسك.
تساقطت الدموع من مقلتيها لتعلق الأخيرة جوارها بسأم:
– يووه علينا عاد، مش هنبطل احنا بكا ونواح….. خليكي كدة يا روح، عشان متجوميش منها الرجدة دي تاني ، وتقضلي كدة لحد ما تموتي ولا يجيكي المرض، محدش هينفعك ساعتها يا ناصحة.
رفعت رأسها اليها، تخرج كلماتها بإجهاد:
– ما انا مش جادرة اوجف يا وجدان، الظلم عفش، ولما يجي من أجرب ما ليكي، دي حاجة واعرة جوي، بت عمك بنعمل معايا كدة ليه؟ ان عملتها ايه عشان تفتش في حاجتي وبعدها تتهمني في شرفي، دا انا لو واحدة غريبة عنها هتجدر اني ولية وليا حج الستر عليها، مش تجيب وتكوم عليا من غير ما تعمل حتى حساب لكرامة جوزها ولا سيرة بناتها اللي ممكن يطولهم الأذى لو الكلام اتوسع وكبر، والتانية عمي بيوجف معاها وبجويها عليا، والله العظيم دا حرام .
بجدية ليست بغريبة عن شخصيتها الواقعية دومًا:
– دي حاجة مش غريبة على عمك، ولا حتى غريبة عن فتنة نفسها، اللي اتربت على ان غازي العيل الصغير، خد مكان ابوها زي ما كانت بتسمع دايمًا، ودا اللي خلاها عمرها ما حبته، وعشان كدة دايما كانت بتحاول تكسر كلامه، وهو يغلبها بسطوته عشان يكسر شوكتها وما تزيدش في الفرعنة على خلق الله، لكن للأسف….. برضوا مجدرش عليها، عشان نفس خبيثة.
اخوكي اتظلم لما اتجوزها، واتظلم لما شال حمل عيلة كاملة متعلجة في رجبته، وهو مسكين حتى شبابه ملحجش يعيشه زي كل اللي كانوا في سنه، مش جادرة اجيب اللوم على جدك ، اللي شاف فيه صفات القائد اللي كد المسؤلية، بس في نفس الوجت، مش جادرة اسامح انه ورثة شيلة فوج طاجته،
تنهدت بأسى تنظر في الفراغ متابعة:
– شيلة جلبت عليه الكره والجحود، رغم كل اللي بيعمله.
التفت اليها بنظرة تحمل داخلها لومًا؛ رأته جيدا روح، لتقر مضيفة لها:
– وانا كمان عليا جزء من المسؤلية، مش هو دا الكلام اللي عايزة تجوليه؟
– انتي شايفة ايه؟
– طبعا شايفة ان معاكي الحج؟
ارتخت معالمها بعد اعتراف شقيقتها بالحقيقة المؤلمة، لتعقب لها:
– يعجبني شجاعتك يا بت ابوي.
طالعتها بنظرة ساهمة، قبل ان تقطع الصمت بقولها:
– مش عايزاكي تزعلي مني ولا تتعصبي، بس انتي حجانية يا وجدان، حتى لو كان كلامك احيانا بيبجى جاسي، بس يكفي انك بتراعي العدل، ممكن اسألك سؤال؟.
فهمت الأخرى على المغزى من خلف كلماتها، لتخرج بإجابة السؤال الذي لم ينطق بعد:
– لأ يا روح.
– لأ ايه؟
– لأ مش هينفع جوازك من عمر وانتي عارفة كدة كويس بس بتنكري.
سمعت منها للتتجمد ملامحها بأسى تعمدت تجاهله الأخرى، لتتابع ببأس:
– أجيبلك من الاَخر يا بت ابوي، النسب دا زي اللبن، يعني مينفعش يتعكر واصل، ودا مكانش عكار وبس، دا وصل للكرامة، كرامة اخوكي من اللي بيتجال في حجه من عمك وبته، هو كان مفكر أنه يجدر يكسره ويجوزك ولده ، لكن اخوكي رفض وسابه يضرب راسه في الف حيط، بعد ما ضم بته جمبه، ودا مخليه زي المجنون، اخوكي واجف معاكي وفي ضهرك، رغم كل اللي شايفه.
– وانا هرفع راسه يا وجدان، لو اضطريت ادوس على جلبي تحت رجلي، كله الا كرامة اخويا ولا انه يتجرح بكلمة تتجال في ضهره.
قالتها بقوة نابعة من داخلها، لتستطرد بحريق قلبها الذي يأن وجعًا:
– أما بجى اللي ظلمني واتسبب في كل اللي حصلي انا واخويا، فربنا كفيل بيهم، منهم لله .
– ونعم بالله.
تمتمت بها وجدان من خلفها قبل ان تلتف نحو الباب مع دخول شقيقتها الأخرى نادرة تصحب من خلفها نادية، والتي هللت بعزوبة فور ان دلفت الى داخل الغرفة:
– بسم الله ما شاء الله، عيني عليكي باردة النهاردة، ايوة كدة يا جمرنا، اصحي ونوري الدنيا بطلعتك البهية
❈-❈-❈
– أيوة يا ولدي انا معاك اها.
– أيوة يا خالة رئيسة، عاملين ايه البنات معاكي؟
– زين وعال العال، اطمن عليهم، دول في عنيا الجوز.
– تسلم عنيكي يارب، انتي عارفة ان لولا وجودك معاهم ، والله ما كنت فرطت فيهم، بس انا كمان مش عايز اكون جاسي ولا احرمهم من حضن الأم في السن الصغيرة دي، حتى لو هي……. انا جلبي مطمن انهم في رعايتك انتي يا خالة رئيسة.
– تشكر يا ولدي، ربنا يعديها بالستر، تحب تكلم البنات؟.
– ياريت يا خالة، يرضى عنك يارب .
– اللهم امين….. بت يا اَيه، انتي يا بت، خدي كلمي أبوكي، وخلي اخواتك يكلموه معاكي.
تناولت الهاتف الصغيرة وتحركت نحو غرفة شقيقاتها، لتعود المرأة الى ما كانت تعمل عليه في السابق، في طي الملابس وترتيبها داخل أدراج خزانة الملابس، فجاء صوت ابنتها من خلفها باحتقان:
– بلاها منه الكلام ده والمحلسة ياما، مش هيجيب فايدة اسأليني انا .
تركت رئيسة كوم الملابس من يدها، لتستدير اليها قائلة:
– ومين جالك اني بعمل كدة عشانك؟ حتى لو كان في مخي اني افتح طريج ود معاه، يمكن يحن بعدها ويردك، بس كله في الاخر عشان البنات، هما اللي يستاهلوا مش انتي.
صاحت بها بتبجح اعتادت عليه معها:
– تاني برضك هتخربطي في كلامك معايا، ما تراعي يا مرة انتي، ان انا اللي بتك، يعني انا الأحج انك تبصي لمصلحتي
– اااه، زي ابوكي كدة ما عمل يا عين امك
اردفت رئيسة بتهكم لتقترب منها موجهة عينيها نحو خاصتي الأخرى مباشرة تخاطبها:
– انا اللي عايزة اعرفه دلوك، عجلك كان فين لما خربتي الدنيا عليكي وعلى بت عمك؟ غلطت معاكي في ايه عشان تععملي فيها كدة؟
– انتي لسة هتسألي تاني؟ خبر اييه؟ هو انتي مسلطة عليا زيهم؟
صرخت بها في وجه المرأة والتي لم تأبه لها، بل واصلت:
– لاه مش مسلطة يا فتنة، بس كمان انا مش حمارة عشان امشي على هواكي، أو احط مركوب في خشمي وما اتكلمش، ابوكي اللي فرحانة بيه وشايفاه واجف معاكي، دا لو راجل صح، كان سفخك بدل الجلم اتنين،
– يضربني انا جلمين؟
– أيوة يضربك جلمين، عشان ساعتها جوزك كان غصب عنه هيرضخ ويجبل بالصلح بعد عملتك المهببة، لكن لا ، كيف يفوت الفرصة على واد اخوه؟ كيف يخليها تعدي من غير ما يثبت للكل انه ميستحجش؟ بجى دا فعل كبار بأمانة الله يا شبخة؟ وانتي….. ايه استفدتي دلوك بعد اللي حصل؟
بوجه ممتقع تكتفت تطالع والدتها، تهتز في وقفتها، بانفعال مكبوت، حتى خرج صوتها بفحيح:
– استفدت اني كشفتها، وكشف وشها البريء جدامكم، الكل بجى عارف بحجيجتها في العيلة، وحجيجة الواد الأهبل اللي كانت موعداه بالجواز، واللي لو حصل دلوك ، يبجى الكلام ثبت عليها، دي عندي اهم من أي شيء، لانها الحاجة الوحيدة اللي مبردة ناري ياما.
بنهاج شديد ارتدت رئيسة بأقدامها عنها للخلف، لا تصدق كم الحقد الذي يسكن قلب ابنتها، تعلم جيدًا أنها ورثت هذا الجزء من والدها، ولكنها تفوقت عليه، انها بالفعل أصبحت مخيفة
❈-❈-❈
على مدخل الغرفة توقفت قليلًا ترمقه بأسى، وقد كان واقفًا بشرفة غرفته، يضع كفيه بجيبي بنطاله البيتي، قاطب الجبين بملامح متجهمة ارتسمت جليًا رغم شرورده.
تنهدت تجسر نفسها حتى اقتربت منه تخاطبه بتردد:
– مساء الخير يا عمر.
التف البها متجاهلًا الرد على التحية ليسألها مباشرةً:
– عملتي ايه؟ روحتيلها؟
اضطربت تتهرب النظر عن قرب في الرد عليه
– بصراحة معملتش حاجة، ومجدرتش اروح .
طالعها بحدة لتبرر له على الفور:
– يا واد ابوي ما انا مينفعش اروحلها بعد ما نبهت بالرسالة اللي بعتتها ان مروحش غير لما تبعتلي، ثم كمان انا عرفت انها تعبانة صح.
– عرفتي منين؟
– من اختها نادرة، اصلي جابلتها في الطربج وانا جاية على هنا، بتجول ان بجالها أكتر من سبوع راجدة، والدكاترة رايحة جاية عليها.
سألها بخشونة اختلطت بقلقه:
– ولما هي بالحالة دي، مخطفتيش رجلك وروحتي عدلي عليها ليه؟ ايه اللي جابك على هنا جبل ما تروحي وتطمني عليها؟
ابتلعت بتوتر شديد لتردف الكلمات بصعوبة:
– ما هي كمان جالتلي مينفعش اروحلها.
– انتي بتجولي ايه؟
صاح بها يزيدها ارتباكًا في الرد عليه:
– والله زي ما بجولك كدة، انا مش فاهمة ايه اللي حاصل معاها، بس واضح كدة ان الموضوع فيه نكد….. بخصوص جوازك بيها، عشان كلام نادرة كان واضح معايا، لما جولت اني عايزة اروحلها اطمن عليها….. جالتلي استنى على زيارتك دي، على ما نشوف الدنيا هترسى على ايه؟
– يا سلام.
تمتم بها زافرًا بحدة ليلتف نحو الخارج، يستند بكفيه على حاجز الشرفة الحديدي، يردف بتفكير متعمق:
– طب لو كانت تعبانة صح، مش جادرة تضغط وتكتب حتى رسالة، تجولي ع اللي بيها، حاسس جلبي مش مطمن يا جميلة.
كانت تشاركه نفس الشعور، ولكنها مجبرة الا تزيد عليه بظنونها، لابد من التريث والصبر حتى تتضح الامور،
دوى هاتفه بصوت ورود مكالمة، رفعه اليه على الفور بلهفة، ظنا أن تكون هي، لكن خاب امله، برؤية الرقم الاخر، ليغلق بقرف، حتى اثار الفضول لدى شقيقته لتسأله؛
– نمرة مين دي اللي كل شوية تجفل في وشها؟
اجابها بعدم اهتمام:
– ناس كان بيني وبينها مصالح، وخلاص فضت على كدة، يعني ما عدتش ليها عازة خلاص.
❈-❈-❈
اسفل المظلة التي وضعت في الهواء الطلق، داخل احدى حدائق الفاكهة الكبرى، وقد جلس يراجع مع إحدى المختصين، ملف كامل عن المصروفات والخسائر، وما تم تعويضه من ارباح ببيع طلبيات كاملة، وما تم تخصيصه للتصدير.
– كويس يا شنودة براوة عليك، الحسابات بالملي،
اومأ المذكور بكفه على صدره بامتنان يجيبه:
– الله يبارك فيك يا كبير، احنا بس بنراعي ضميرنا في الشغل ، ودي اهم حاجة.
– طبعا امال ايه؟ جدع يا شنودة، سيبني انت دلوك اراجع عليهم براحتي
ذهب الشاب، وتركه يراجع بتأني في الأوراق أمامه، حتى أتى عارف ينضم اليه ، ليجلس على الكرسي المجاور له:
– عم غازي، اخبارك ايه يا كبير؟
ترك الأخير ما بيده، لبعطيه كامل الانتباه في الرد عليه بروتينة:
– زين والحمد لله، اهي ماشية.
لم يكن عارف بالغبي حتى يتجاهل هذا الجمود منه، خصوصًا وهو يرى تعمد الهرب بعينيه عنه:
– غاااازي، احنا اكتر من الأخوات، حطها في بالك دي.
تطلع اليه بتمعن، ليسأله بوضوح:
– يعني عايز تفهمني انك واخد الموضوع عادي، والله ما اصدج، انا نفسي مش جادر اجل عيني فيك.
– ليه بجى متحطش عينك في عيني؟ انت واد عمي وهي بت عمي اللي انا حافظ وعارف تربيتها زين…..
توقف برهة، ثم تابع بتنهيدة مثقلة:
– حتى لو كان عجلها شرد في حتة تانية، او جلبها مال لغيري زي ما هي شايفة…. لكن انا متأكد من أخلاجها ودي مفيهاش نقاش.
طالعه بنظرة غامضة، تحمل داخلها الكثير والكثير، وكأن الكلمات احتجزت داخله، ولا يقوى على الإفصاح عنها، ليأخذ وقتًا في هذه الحيرة، حتى قطع ليطرق بعصاه عن الأرض متمتمًا:
– الله يلعنك يا فتنة، مش جادر ادعي ولا ازود عليكي…. منك لله.
حاول عارف تهدئته ملطفًا بالكلمات:
– شيلها من مخك يا واد عمي، متستهلش التفكير فيها والله.
– هي متستاهلش بس عيالي يستاهلوا، وانا إيدي متربطة، مش هاين عليها احرمهم من امهم في العمر ده.
شرد بعينيه يقول :
– انا كرهت البلد، وكرهت كل حاجة فيها.
ردد خلفه يشاكسه بالمزاح:
– كل حاجة كل حاجة، يعني كرهت اخوانك البنات مثلا؟ ولا الغلاسة على عيالهم؟ كرهت واد عمك اللي جاعد جصادك ؟ ولا تناحته معاك؟
لاحت على جاتب ثغره ابتسامة استجابة لتفكهه، فتابع يستدرجه بمكر:
– طب كرهت حبيبك معتز ولا…….
– بلاش يا عارف.
قطع عليه قبل أن يكمل، وقد فهم مقصده ليردف بتجهم زاد اجهادًا:
– اهي دي بجى من أهم الاسباب، اللي بتوزني اسيب البلد واهج خالص.
– ليه كدة؟
– عشان هو كدة، انا تعبت من وجع الجلب.
❈-❈-❈
على الارض وسط عدد من الالعاب، التهى معتز في اللعب عليها تارة، ثم مشاهدة التلفاز وبرامج الكرتون تارة أخرى، تاركًا لوالدته الحديث الجدي معها، وقد كانت تجاورها على الفراش:
– اخويا زعلان مني يا نادية، وانا يعلم الله جلبي محروج عليه أكتر من نفسي، الخنجر االي طعني في مجتل، خد منه هو السم جبلي،
عقبت الأخيرة لها بمواساة شاعرة بما يؤلمها:
– معلش بجى، ما انتي جولتيها جبل سابج، ان انتو روحكم معلجة في بعض، فشيء طبيعي ان اللي يجرحك لازم يجرحوا.
أومأت بدمعة ساخنة مسحتها فور بزوغها، لتردف بقهر:
– عمري ما هاسامحها، ع اللي عملته فيا وفي اخويا .
– جصدك فتنة؟
– وفي غيرها زفتة، بني أدمة جلبها أسود، لا عندها ضمير ولا احساس، طول عمر اخويا شايف معاها المر ومستحملها عشان البنات، لكن هي بجى مفيش ولا مرة تتعظ، نفسي افهم، هي بييجيلها جلب ازاي تحط راسها ع المخدة بعد كل اللي عملته واتسببت فيه؟ ولا عمي….. جال ايه اتجوز ولده ناجي، يعني احنا خلصنا من نصيبة عشان يدبسنا في التانية.
بشبه ابتسامة غزت ملامحها، شاكستها نادية:
– يعني انتي لو كنتي وافجتي دلوك، كنتي هتبجي حرم سي ناجي؟!
امتعضت تعابيرها لترد رافعة طرف شفتها بازدراء:
– ضربة في بطنه دا كمان، هو انا حمل فجع مرارة؟
ضحكت نادية، لتجبر الأخرى على الإندماج معها في المزاح، قبل ان تخرج بسؤالها الملح:
– طب والموضوع التاني، نويتي تعملي فيه ايه؟ لسة برضوا مصرة عليه؟
سمعت منها، لتطلق تنهيدة طويلة تشبعت بألم كوى قلبها وارهق روحها التي كانت تأن بوجعها، ولكن ان الأوان ان تستفيق، وتتذكر قوتها وعزم رجال ونساء عائلتها الذين حفروا في الصخر وشقوا الصحاري حتى أصبحت بفضلهم جنان خضراء، وهي لن تكون أقل منهم قوة.
– انا خلاص اخدت القرار.
انتفضت فجأة تعتدل بجذعها سائلة لها:
– بجولك ايه يا نادية، خواتي البنات طلعوا زي ما انتي عارفة يطلوا على بيوتهم، كنت عايزاكي تجعدي مع جدتي لحد ما يجي ميعاد الدوا بتاعها وتديهولها، اصل انا طالعة دلوك وممكن افوت الميعاد.
ردت تجيب متابعة لها وهي تنزل بقدميها على السرير ذاهبة نحو الخزانة:
– ماشي تمام، بس انتي رايحة فين طيب.
تناولت عباءة سوداء رافية من ملابسها، تصلح للخروج تلقيها على التخت أمامها، وتجيب قبل ان تخلع عنها بيجامة النوم:
– طالعة مشوار لابد منه، ومش هتأخر ان شاء الله.
❈-❈-❈
خرج من غرفته، بعد ان ارتدى ملابسه وتجهز ليلحق بموعده في هذا الوقت من المساء كل ليلة، التقت عينيه به، وقد كان عائدًا من الخارج يدندن بهذه الاغاني الفلكولورية القديمة، بالجلباب الصوفي الفاخر، ورائحة العطر الفواح، وهذه اللمعة الواضحة ببشرة الوجه، والتي تلفت النظر اليه باهتمام واضح.
اشتدت ملامحه وضاقت عينيه بتفكير عميق، يتأنى بخطواته حتى وصل إلى مخرج المنزل وما ان هم أن يفتح الباب، حتى تفاجأ بدفعه للداخل ووالدته تدلف هي الأخرى عائدة من الخارج، تحمل على يدها عدد من المشتريات التي لا تتوقف عن ابتياعها مهما حدث.
– ايه اللي انتي جايباه في الكياس ده ياما؟
سألها لتتوقف امامه بهم، تشير بحماس على كل صنف:
– دول كام هدمة جداد جيبتهم من ام كرم الدلالة بالجسط، والكيس ده في ملايتين سرير، من اللي طالعين جداد، اهو كله ع الحساب لحد ما يتسدوا،.
تطلع لابتسامتها البلهاء ليزداد السخط بداخله، يردف بغليل واضح اليها:
– يعني انتي تكومي في الحساب على ام كرم، دا غير الشهور اللي متأخرة لصدجي الحرامي ، بتاع الأجهزة الكهربائية، مين اللي هيسد دا كله في الاخر؟
ردت بتحدي غير مبالية:
– واحنا مالنا يا حبيبي بالسداد، ابوك المحروس هو اللي ملزم، ولا بس فالح يشتري في الجديد مع تظبيط مزاجه من الكيف اللي ما بيخلاش من جيبه؟
انشق ثغره بابتسامة جانبية ساخرة يعقب على قولها:
– متفرديش نفسك جوي ياما، عشان ابويا مش فاضيك ولا فاضي لكل الحشو اللي جولتيه، حاولي تلمي يدك شوية لا يرميكي وساعتها متلاجيش اللي يسد عنك، انا فالت يدي من دلوك.
ردت بغضب جلي، رافضة المغزى من خلف كلماته:.
– جصدك ايه يا واد؟ وضح يا عين امك عشان انا على اخري.
– اخر ولا اول، انا طالع لمشواري ومش فاضيلك، عن اذنك ياما.
قالها بحزم ليتخطاها ويخرج، ينركها في تخبطها، قبل ان تحسم مغمغمة بإصرار:
– لا بجى، دا انا هشتري وادلع نفسي واجيب كل اللي عايزاه، لا انا كمان هشيل هم الدفع؟…. جطيعة.
❈-❈-❈
في المحيط الأمامي لمنزله، حيث يزرع بها عدة انواع من الزهور، يعمل على رعايتها بنفسه، رغم عدم استهوائه للزراعة من الاساس، ولكن كل قاعدة ولها استثناء، وهذا أجمل استثناءاته.
وقد كان في هذا الوقت يقوم يسقيها بخرطوم المياه الموصل من الصنبور الخارجي، باندماج شديد جعله يغفل عن من وقفت خلفه منذ لحظات صامتة في انتظار انتباهه، حتى حدث اخيرًا حينما استدار اليها وكأن شيئا اخبره بضرورة الالتفاف.
طالعها للحظات وكأنه يريد التأكد من حقيقتها، ظنا منه ان عقله المريض بها، قد تطور بمراحل جنونه، حتى اصبح يصنع نموذجًا لها من خيالاته.
– ايه يا عارف، هتفضل باصصلي كدة كتير وانت ساكت؟
– دا حجيجي بجى.
دمدم بها قاطبًا ليسقط من يده خرطوم المياه على الأرض الرطبة ويلتف اليها بكليتها، ليقترب منها ليزيد من تأكده:
– روح.
انتصبت تقابله بشموخ مرددة:
– أيوة روح يا عارف، بشحمها ولحمها واجفة جدامك يا واد عمي،
وكأنه استوعب اخيرًا حقيقة وجودها هنا معه في الحديقة الصغيرة، في المنزل الذي بناه من أجلها، وهذه الورود التي كان زرعها قديما لها، امتدت كفه ليصافحها بترحيب روتيني يخفي من خلفه هذا التخبط والصخب الدائر بداخله.
– اهلا يا بت عمي، البيت نور بوجودك، المهم انتي عاملة ايه دلوك.
– كويسة والحمد لله، زي ما انت شايف جدامك اها.
قالتها تبادل المصافحة، ليعقب ردًا لها:
– زي الفل طبعًا، انتي جاية لعمك يامن ولا مرة عمك؟
– لا ده ولا ده، انا جيالك انت
اجفل لترتد رأسه للخلف يطالعها بدهشة لهذا الرد المباغت له، يسأل قاطبًا:
– جيالي اناا، ليه يا روح؟ عايزاني في ايه؟
ما كان يظنه اندهاشًا فيما سبق، فقد تحول لذهول تام مع قولها التالي:
– انا كنت جاية اسألك، لساك عايز تتجوزني؟
❈-❈-❈
– بالشفا ان شاء الله يا جدة.
تمتمت بها، بعد أن ناولت المرأة أقراصها، لتنهض وترفعه محله على الكمود المجاور لفراشها، فرددت فاطمة من خلفها:
– يهنيكي ويرضى عنك يارب، تعبتك معايا يا بتي، هي البيت روح راحت فين؟
اقتربت لتشد الغطاء عليها، ترد بابتسامة عذبة:
– تعبك راحة يا جدة، دا برضك كلام تجوليه؟ ع العموم روح مش هتعوج ان شاء الله، هي بس راحت لواحدة صاحبتها في مشوار صغير كدة.
بشك استبد بعا عقبت فاطمة تسألها:
– ويعني هي لما تجوم من رجدتها تطلع على صاحبتها على طول، طب تنزل تطل على جدتها الأول، خلاص حتمت يعني، اما بت جليلة أصل صح.
تبسمت نادية تجاري المرأة وجهة نظرها:
– أيوة يا جدة هي فعلا جليلة أصل، عابزاكي لما تاجي تشدي عليها البت مضروبة الدم دي، هي محتاجة شوية جرص، عشان تبطل دلع ورجدة ع الفاضي.
تبسمت فاطمة لمناكفتها، وقد أسعدها هذا الوجه الجديد منها، فقد اعتادت عليهم اخيرًا، ونفضت قليلًا حزنها عن الراحل زوجها، لتنخرط في الحياة العادية معهم، وتصبح جزءًا من يومهم،
– انتي كمان بابينك مضروبة دم، بس سهتانة ومن تحت لتحت، صح ولا لاه يا بت جليلة؟
ضحكت تردد لها:
– صح يا جدة، كل اللي تجوليه انتي صح
ظلت معها لنصف ساعة أخرى ، تتبادل معها المزاح والحكايات القديمة التي تقصها فاطمة كعادتها في كل جلسة، حتى غلبها النعاس بجوارها، لتنهض مقررة الذهاب ، بعد ان اعادت على تدثيرها مرة أخرى، بأن شدت عليها الغطاء جيدًا ، حتى اذا انتهت، خرجت على الفور تبحث عن صغيرها الذي غافلها في لحظة وخرج من الغرفة
– معتز، واد يا معتز.
شهقت فجأة ترتد للخلف مجفلة، حينما اصطدمت بجدار ضخم اثناء خروجها من الغرفة بعدم تركيز، وقد كان بالصدفة هو في طريقه للدخول إلى جدته،
تمتمت له باعتذار:
– معلش، مخدتش بالي .
تحمحم بحرج شديد يردف بخشونة ردا لها:
– مفبش داعي للأسف، محصلش حاجة أصلا، بس انا والله ما اعرف ان جدتي معاها حد جوه..
حاولت رفع عينيها اليه كي تزيل عنه الحرج، بأن تخاطبه بلهجة عادية، حتى يمر الأمر، ولكنها تفاجأت بهيئته، وقد كان مرتديًا ملابسه البيته، على غير الصورة التي تراها به دائمًا، بنطول قطني مريح يعلوه فانلة سوداء بدون أكمام التصقت بصدره العضلي الضخم ، لتغزو السخونة وجنتيها، مقررة الذهاب والتخلي عن كل ما كانت تهذي به داخلها منذ قليل:
– ااه انا كنت ماشية اساسًا، عن اذنك.
قالتها تتخطاه، لتردف بالنداء مرة أخرى على ابنها:
– واد يا معتز، انت يا زفت.
– انا شايف معتز بيهزر مع بسيوني برا البيت .
اومأت برأسها كرد له، دون ان ترفع عيناها اليه، ولكنه اوقفها هاتفًا مرة أخرى، وهذه المرة كان بحزم:
– انتي هتطلعي كدة بشعرك؟
انتبهت ترفع كفها لأعلى فتفاجأت بخلو رأسها من أي غطاء، لتشهق بخجل متزايد:
– يا مري، التحجيبة نسيتها جوا……
قالتها لتعود سريعًا نحو الغرفة الذي ما زال هو واقفًا على مدخلها ، لتمر من جواره حتى ظن انها سوف تصطدم به مرة أخرى، قبل أن تدلف وتغطي بطرحتها كي تخفي شعرها، ثم عادت الكرة للمرة الثالثة، وهو مازال متسمرًا محله ، تمر من جواره، تغمره برائحتها كالطيف، لتخرج نهائيًا، ويستند هو بظهره على الجدار من خلفه بتعب، شاعرًا بأقدامه على وشك الارتخاء، ليطلق زفرة ساخنة، مغمغمًا:
– يا وجعتك يا غازي، هو انا كنت ناجص؟
❈-❈-❈
تأثير المفاجأة الاولي مر به كالصاعقة الذي اهتزت لها جميع أعضاء جسده، وحواسه، قبل ان يستدرك اخيرا لحقيقة الوضع، فضاقت عينيه بنظرة علمتها جيدًا، لترد معقبة بجراة:
– انا مش جاية اطلبك في ستر، وانا ستري من عند ربنا، عشان انا عفيفة وتوبي ابيض، بس برضك مش هخبي عليك، ممكن اصبر وهيجلي احسن فرص وانت متأكد منها دي، بس انا عايزة اختصر واسرع في اجرب وجت، عشان اجفل أي خشم يتجرأ عليا ، وفي النهاية الأمر ليك، لو مجبلتش تمام .
افتر فاهه بابتسامة ساخرة ازعجتها ليرد بضحكات متقطعة:
، يعني عايزة تفهميني انك بتعملي اللي عليكي معايا، خلاص راحت فرصتك مع حبيب الجلب، فدلوك مش مهم البديل، يكون زي ما يكون، عارف او غيره ، كله واحد في نظرك.
– انا مجولتش كدة.
– انتي جولتي اللي أكتر من كدة.
رد مستنكرًا نفيها، ليستطرد بحدة:
– طب لو فرضنا اني جبلت بالعرض الكريم بتاعك، تفتكري هجبل مرتي، ان يبجي جلبها وعجلها مع حد تاني، انا مينفعش معايا غير مرة كاملة،.
– ومن جال ان هجصر في حجك؟
قالتها لتردف موضحة:
– انا جبل ما اجيلك، كنت عارفة ومقررة زين اللي ناوية عليه، واهم حاجة عندي، هو اللي جولت عليه دلوك، ان اكون لك مرة كاملة، دا حجك عليا .
طالعها بصمت وملامح مغلفة لا تُظهر ما يدور برأسه فتابعت هي:
– اجدر ازيد في ضغطي على اخويا وساعتها هيجبل يجوزني اللي انا عايزاه ، بحج السنين اللي صبرتها، ويحصل اللي يحصل بجى ، مدام أهم حاجة نفسي.
بس انا دلوك بجولك لاه يا عارف، مش هعملها، كرامة اخويا اهم عندي من أي حاجة، انه يرفع راسه جدام التخين، اغلى عندي من حياتي نفسها، ها يا عارف جولت ايه؟

يتبع…..



الثاني والعشرون من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close