اخر الروايات

رواية مذاق العشق المر الفصل الثالث عشر 13 بقلم سارة المصري

رواية مذاق العشق المر الفصل الثالث عشر 13 بقلم سارة المصري




                    

تعالت نبضات قلبها حتى اصطدمت بصدره القريب منها وهي تلهث في توتر بالغ وتهمس فى ضيق لا تعرف هل تشعر به حقا أم انه سراب من محض عنادها لمشاعرها تجاهه :

 ” يوسف قوم مينفعش كدة ” 

اقترب بوجهه أكثر ، حاصر ما تبقى من ارادتها بنظراته المشتاقة ...

بأنفاسه العاشقة لعناق كل جزء من ملامحها  ..

هدمت جاذبيته ما تبقى من عنادها بسهولة لم تتخيلها ...عليه اللعنه الى أين يأخذها ، لابد أن تفر منه قبل أن تتورط به أكثر ..

حانقة عليه وخجلى ولكن ...

تتمنى أن يظل قريبا هكذا ..بل أقرب وأقرب الى حيث لايمكن أن تفصل بينهما ذرة هواء واحدة ..

 صراع بداخلها يحتدم مابين القلب والعقل وهي لاتعرف الى أي  جهة تنحاز ..ارتعدت أناملها فأحكم أنامله حول كفها يدعمها ويعطيها الأمان بلمسة حين أدركت تأثيرها أفلتت دمعة عجز من عينها دون قصد وهمست بصوت متهدج :

 ” يوسف ..أرجوك أنا مش قادرة أتوازن نهائي وجودك بيربكني ومش بيخليني عارفة أفكر ..أنا عاوزة أبعد ...لا أنا عاوزة ....“ 

قاطعها وهتف بكل حنان الدنيا :

” بحبك ” 

انطلقت من قلبه الى شفتيه فلم يعد للعقل وجود ..أصبح للمشاعر كامل السلطة والقرار ...

شهقت من اعترافه الواضح والصريح ... فمال أكثر ليلامس جبينه بجبينها قائلا :

 ” مش بس بحبك أنا بعشقك يا ايلينا ...اديني قولتهالك ...من النهاردة مش هتبعدي ولاهتروحي في أي مكان ..من النهاردة أمانك وسكنك وحمايتك هوا أنا ..مش بعد ما  خليتى قلبى يدق ترجعى تخلي بيه ”  

انهمرت دموعها أكثر ...اهتزت شفتيها تحاول النطق فذابت الكلمات في حرارة أنفاسه القريبة  ..امتدت أنامله يمسح دموعها ، تدحرجت نظراته الى شفتيها المرتعدتين ...تريدان أمانه ربما ..تريدان تصديقه على وعده وسيفعل ..اقترب فى بطء اليهما وقبل أن ينالهما بأولى قبلاته وضعت أناملها على شفتيه و تنهدت في عمق وهي تخفض رأسها...

أغمض عينيه للحظات قبل أن ينهض من فوقها لتنهض بدورها معطية اياه ظهرها للحظات أخذت تعبث فيها في شعرها الغجرى قبل أن تتنهد مجددا وتلتفت اليه قائلة :

” وانا كمان بحبك يا يوسف ”

 وقبل أن يقترب منها أوقفته بكفها قائلة :

” بس تفتكر الحب وحده كفاية ..كفاية لحياة زوجية ناجحة ” 

قطب جبينه فى حيرة : 

” مش فاهمك ”

تحركت قليلا في المكان وهي تواصل : 

” يوسف أنا وأنت غير بعض في كل حاجة ...أنت ماشى فى طريق وأنا ماشية فى طريق عكسه ازاي هنقدر نتقابل ” 

اقترب ليحتوى كفها بين كفيه :

” ايلينا احنا فعلا اتقابلنا فى نقطة ودلوقتي ماشيين في نفس الطريق ..انتي ليه مش قادرة تصدقي اني فعلا اتغيرت ” 

نظرت له في محاولة لاقناع نفسها بما يقوله :

 ” مش بالكلام يا يوسف ..عاوزة أحس فعلا انك اتغيرت بجد ومش عشاني عشان أنت غلط ولازم تتغير للصح ” 

أشاح بوجهه فلم يعد يعرف ماذا بامكانه فعله ليرضيها بالضبط ...

احتوت هي كفيه  هذه المرة وهي تخبره مقصدها في حنان :

 ” أنا مش عاوزاك تتغير كام يوم وبعد كدة ترجع للي كنت فيه ”

 انتزع كفه من بين يديها في حنق باحت به نبرته وهو يقول :

  ” وأنا اثبتلك ده ازاى ؟؟...خلاص شرب وبطلت وكل البنات اللى كان ليا علاقة بيهم قطعتها ..أعمل ايه تاني ؟؟“ 

ابتسمت للحظات عادت بعدها تردف في ترقب : 

” عاوزة أحس ان ده مش طبعك وأن زى عم محمود ما قال مريت بتجربة صعبة غيرت من حكمك على الأمور احكيلي يا يوسف وافتحلي قلبك ” ...

 تراجع وتعرق جبينه بل شعر وكأنه يغتسل بعرقه فأعطاها ظهره لتلحظ توتره وألمه فوقفت أمامه قائلة : 

” يوسف انت محتاج تتكلم وأنا محتاجة أسمعك ” 

تنهد في حرقة وهو يطرد تلك الذكرى اللعينة عن رأسه ..فرك جبينه بكفه قبل أن يطلب منها في رجاء :

 ” مش هقدر اتكلم يا ايلينا ..مش عشان مش عاوز ...بس الموضوع ميخصنيش لوحدي ” 

قطبت حاجبيها في حيرة :

 ” مش فاهماك ؟؟؟..ممكن تحكي من غير ...“

 قاطعها هذه المرة وهو يضمها اليه بقوة وكأنه يستغيث بأحضانها من هواجسه وأشباح ماضيه...

 وكأنه يخدر روحه بضمتها هذه عن ألمه الذي لا يحتمل  لايريد أن تكون هي من تضغط على جرحه  فالألم بيديها يصبح مضاعف ..

تحشرج صوته كثيرا وهو يهمس في توسل :

 ” ارجوكى يا ايلينا ..اوعدك اني هحكي فى الوقت المناسب ..بس بلاش تبعدى عني أبدا ...انتى عملتى فيا اللى محدش قدر يعمله ...بلاش تقتليني ببعدك يا ايلينا ..بلاش يا حبيبتى ” 

قاومت ارتجافها وهو يضمها اليه للمرة الأولى ، نسيت خجلها ولم تشعر سوى بهذا الألم الذى استشعرته من نبرات صوته وارتجاف جسده ، كان يتشبث بها كطفل تائه وجد أمه بعد سنوات من التخبط والضياع وبعد مالاقاه من قسوة البشر ..يتمنى الاختفاء فى حنانها حتى يتلاشى تماما ... كانت تشعر بدموعه التى اختلطت بحبات عرقه على شعرها الذى دفن رأسه فيه فمدت يدها لتربت على كتفه قائلة : 

” يوسف خلاص اهدى ” 

شدد من ضمته لها وقال فى ألم شابه رجاء:

 ” توعديني اني عمرك ما هتبعدى عني ”

 همست في  نعومة :

” لو وعدتنى ان عمرك ما هتجرحني” 

رفع  رأسه من على كتفها لينظر الى عينيها بينما كفيه لازالا يحيطا بخصرها ونطقا الاثنان فى نفس اللحظة :

” اوعدك ” 

ابتسم واقترب ليضمها من جديد فابتعدت وهى تبعد كفيه عن خصرها قائلة :

 ” أنت ما هتصدق ولا ايه ؟؟؟“ 

ابتعد وهو يعود الى مرحه ودعابته قائلا :

” طيب اذا كان كدة تبقى تدخلى تلبسى حجابك عشان هنتغدى سوا برة ”

 واضاف وهو يغمز بعينه :

 "والفرح كبيرنا اسبوع ولا اتنين وهيتعمل والا قسما بالله كلمة زيادة لارجع اعمل اللى كنت بعمله والمرة دى بجد ” 

ابتسمت وهزت كتفيها فى خجل فاقترب بسرعة وطبع قبلة سريعة على وجنتها فلكزته فى كتفه  برفق ليهمس فى أذنها :

 " هستناكى برة ” 

راقبته  وهو يخرج وتحسست يدها موضع شفتيه على وجنتها وابتسمت فى سعادة وهى تدور حول نفسها ، لقد انتزعت اعترافه اخيرا بعد كل هذه المعاناة .. فغريب هذا الحب الذى يجعلنا نعيش كل المشاعر وتناقضاتها فى آن واحد . 

*****************************************************

جلست صوفيا على حافة حوض الزهور الذى يرعاه ...تأملت تلك الزهرة البيضاء بمنتصفه في حزن .. تبدو مثلها تماما ...وحيدة منبوذة من كل الزهرات ، لقد جرحها وكان جرحه اكثر ايلاما من أي وجع عاشته من قبل ، لقد حكم مثل الأخرين تماما ، لقد نبذها مثلما نبذت من قبل عائلتها ، لقد اتهمها دون ان يسمعها ، هل اخطأت حين ظنت انه ربما يحمل لها مشاعر ، هل عاشت هذا الوهم وحدها ، هل فرضت نفسها عليه فأراد ان يبعدها بأي طريقة ، هل كانت ايلينا على حق حين اخبرتها انهما مختلفان فى كل شىء ورغم ذلك القت بكل هواجسها جانبا واندفعت تحبه بكل طاقة تملكها مشاعرها ، كان من الأجدر ان تفر من البداية قبل ان يصل الامر بها الى تلك النهاية ...منهارة... وحيدة... منبوذه كالعادة تعيش حزنها وتحاول مداواة المها بألم جديد تعرف انه ...

“ سمتها صوفيا ” 

انتفضت على صوته فالتفتت اليه ليواصل :

 ” جمالها مينفعش يشيل اسم تانى غير كدة ” 

رفعت نظرها اليه بعينين دامعتين ليلعن نفسه اكثر وقبل ان يقترب خطوة نهضت في عنف قائلة :

 ” بعد اذنك ” 

وقف امامها ليمنعها من الذهاب قائلا في رجاء:

 ” صوفيا استنى ” 

واخفض رأسه ليضيف في خجل :

  ” انا اسف ..بجد اسف ” 

ردت بنبرة مختنقة:

 ” اكتر كلمة بكرهها فى الوجود ..بنأذى اللى قدامنا ونجرحه ونهينه وبعدين نقول اسف ...المفروض الكلمة دى تريح ضميرك ..طيب هتقدر تمحى اللى انت قولته ..مفتكرش ” 

حاولت ان تتخطاه فأغلق  الطريق عليها قائلا:

 ” صوفيا من فضلك اسمعينى ” 

 نجحت فى تخطيه بالفعل وهي تخبره في حسم :

” سمعت منك كتير ..بعد اذنك ” 

وركضت فى اتجاه المنزل الصغير الذى تقيم فيه مع ايلينا ولكنه كان أسرع منها... حين حاولت ان تغلق الباب دفعه بيده ودخل خلفها ليغلقه هو فتراجعت صوفيا قائلة :

” من فضلك ايلينا خرجت مع يوسف وعلى فى مدرسته ” 

عقد  ساعديه في اصرار واضح :

” وانا مش هخرج من هنا غير لما تسامحينى ” 

ابتسمت فى سخرية قائلة:

 ” اسامحك على ايه ماكل الكلام اللى قولته صح ” وجلست على كرسى قريب فى ضعف وهى تواصل :

” بس المشكلة انه مكانش بايدى ..كان نفسى الاقى حد يربينى ويخاف عليا ..انت اتولدت لقيت ليك اب ام واخوات لقيت حد يعرفك الصح من الغلط ” 

واشارت الى صدرها مواصلة :

“ لكن انا ....انا عشت طول عمرى منبوذة من ناس المفروض انهم اهلى ..انا اتولدت لاب مصرى وام فرنساوية ..بابا كان صاحب عمو سمير ..ولما شاف مونيك اخت جانيت مامة ايلينا حبها او المفروض انه حبها واتجوزها ..بس الحب وحده مكانش كفاية او مكنش موجود من اصله ...اكتشفو بعد كام سنة بعد ما خلفونى انهم بيكرهو بعض ومش قادرين يكملو ..وصل كرهم لابعد حد ...كان كل واحد بيعاقب التانى فيا ...كل واحد كان بيرمينى للتانى ويقوله شيل مسئوليتك مش بنتى لوحدى ...امى كانت بتبص لاسمى تفتكر ابويا وتكرهنى زيادة ..وابويا لما كان بيشوف ملامحى اللى تشبهها كان بيلعن الساعة اللى اتجوز فيها خواجاية بعدته عن اهله ...كل واحد فيهم اتجوز حد شبهه وفضلت انا الحاجة اللى بتفكر كل حد فيهم بغلطه ..رمونى فى مدرسة داخلى عشان يرتاحو منى وهناك مكنتش عارفة انا مين ..نص مصرية ونص فرنساوية ..نص مسلمة ونص مسيحية ..انا ايه بالظبط محدش فكر فيا خالص ..كل اللى كان بينا شوية فلوس ..عمرهم ما قصرو فيها الصراحة ..خالتو جانيت اخدتنى فترة حاولت تعلمنى حاجات كتير عن دينى ولغتى ولما امى لاحظت ده كانت بتحاول تمحيه بكل طريقه ....وفضلت تايهة مش عارفة اعمل ايه ...تعرف يا زين انى عمى ريان عرفته بالصدفة ...كان اخو بابا الصغير وجاى فى بعثة واستقر هناك ..كنت تعبانة فى المستشفى وهوا اللى عالجنى ولما قال لبابا مكلفش خاطره يجى يطمن عليا ...عارف انى قبل ماجى هنا امى طلبت منى اسيب الشقة وارجع اعيش لوحدى تانى عشن ناوية تتجوز واحد غير جوزها اللى سابته ..انا وقتها انهرت وهربت وجيت لايلينا ..عشان انا مليش غيرها يا زين مليش غيرها ” 

ودفنت وجهها بين كفيها تبكى فى حرارة لفحت قلبه وسمرته فى مكانه للحظات وهو يتساءل هل هناك من القسوة التى من الممكن أن تصل بقلوب البشر الى هذا الحد ؟؟...هل يختفى خلف هذا الوجه البرىء والملامح الملائكية كل هذه المعاناة ، هل اختفت خلف تلك الابتسامة المبهجة  ألآم لم يعشها  عجوز تخطى المائة ، الى هذا الحد لم ينتبه الى هذا الشجن الرابض بعينيها وانشغل فقط بسحرهما وبريقهما ، من هو ليحكم عليها ؟؟؟، هل عاش ولو ذرة مما عاشته ؟؟، لقد ولد لأب وأم مسلمين ووجد ألف من يعلمه ويوجهه  لهويته ودينه وتقاليد مجتمعه ...أما هي فلا ...علام يحاسبها ؟؟؟ ..على يتم ابويها وهما على قيد الحياة ....أم على نبذها من أقرب الناس اليها دون ذنب ..

 أي حب هذا الذى يظن انه يحمله لها ...

 كانت تنتفض أمامه من البكاء بعد أن فتح جراحها بجرح جديد .. اقترب منها وجثا على ركبتيه وهو يزيح يدها من على وجهها فى رفق قائلا وهو يمسح دموعها :

” انا غبي ومتخلف ومتسرع ..قولى كل اللى انتى عاوزاه ....انا مش هقدر اسامح نفسى اصلا فمش هطلب منك تسامحينى تانى ...خدى حقك منى بالطريقة اللى تريحك ” 

رفعت رأسها تخبره بين نشيجها :

” زين انا مش متضايقة من اللى اتقال ...انا سمعته بدل المرة الف انا متضايقة انه خرج منك انت ...انت بالذت افتكرت انك مش هتشوفنى زيهم ”

نهض فنهضت بدورها امامه ليسألها في خبث : 

 ” انا بالذات ؟؟؟...يعنى انا مختلف بالنسبالك صوفيا عن اى حد ” 

رمشت بأهدابها عدة مرات لتخفي عينيها الساحرتين عنه قبل ان تخفض رأسها فى خجل لتبتعد عن مواجهته قائلة :

” انا طول عمرى تايهة ومش لاقية مكان ولا بر ارسى واستقر عليه بس لما شوفتك حسيت انى انى ..“ وقطعت الحديث بشهقاتها الباكية  ، فابتسم زين وامسك بكتفيها قائلا :

” مفيش داعى تقولى اى حاجة ..انا اللى هتكلم يا صوفيا ..لو انتى كنتى تايهة فانا كنت عارف كويس اوى انا عايز ايه ومحدد وراسم حياتى بالتفصيل وبالورقة والقلم زى مابيقولو ..لما قابلتك برجلتيلى كل حاجة ..بقيت حاسس فجأة انى مسئول عنك ..عاوز اهتم بيكى ...اقربلك ..صورتك كانت على طول قدامى فى كل لحظة بتجننى ..قاومت احساسى بيكى بكل الطرق ..بكل الطرق يا صوفيا ...حاولت اقنع نفسى بكل المتناقضات اللى بينا ..بس عقلى عمره ما سعفنى وكأنى فجاة بقيت بفكر بقلبى وبس ...او ان قلبى بقا هوا عقلى مش عارف ..بس الاتنين رافضين انى ابعد عنك وشايفين انى بعدك ممكن يموتنى يا صوفيا ” 

اتسعت حدقتاها وكل حواسها تحاول استيعاب ما يوجهه لها من كلمات تمس مشاعرها برقة وبسحر لم تعرفه ابدا ...كادت بالفعل ان تفقد الوعى وهو يسألها في حب :

” تتجوزينى يا صوفيا ؟؟“ 

شهقت وهى تضع كلتا يديها على ثغرها وهتفت فى تلعثم :

” زين ..ده معناه ايه ؟؟“ 

احتوى  وجهها بين كفيه وأردف في رقة : 

” معناه انى عايزك تفضلى جنبى طول الوقت ..معناه انى مش هخليكى تخافى تانى ..معناه انى هعلمك كل اللى المفروض تتعلميه عن دينك وبلدك وكل حاجة ” 

عادت ابتسامتها الطفولية للظهور قائلة  فى خبث :

 ” يعنى بس كدة مش عشان بتحبنى ؟؟“ 

ترك وجهها وقال وهو يتظاهر بالجدية :

” مش لازم الواحد يكون بيحب واحدة عشان يتجوزها يعنى ” 

قطبت  حاجبيها في غيظ واعطته ظهرها فامسك بذراعها لتلفت له يعطيها أمانها الذي تبغيه :

 ” ممكن يكون بيموت فيها مثلا ” 

ابتسمت  وهمت لتتعلق بعنقه فأمسك بكتفيها ليمنعها قائلا : 

” اول درس هعلمه لحبيبتى انه مينفعش تقرب لحد بالشكل ده غير جوزها وبس ” 

هزت كتفيها قائلة فى بساطة :

” ما انت هتبقى جوزى ” 

رد وكأنه يجاري طفلته :

 ” خلاص متستعجليش ” 

وتنهد وهو ينظر للمكان حوله ويضيف:

” اما بقا تانى درس فده ليا وليكى ..مينفعش نكون انا وانتى موجودين فى مكان مقفول كدة لوحدنا ..ده مش هيتكرر تانى ..مفهوم ” 

ابتسمت وهي تشير بيدها كتحية عسكرية هاتفة في مرح :

 ” مفهوم ” 

نظر لعينيها للحظات يأخذ جرعته المعتادة من سحرهما الذى ادمنه قبل أن يتراجع بخطواته الى الخلف حيث الباب الذى حين هم بفتحه نادته :

“زين ”

 التفت في اهتمام فقالتها بعينيها وبكل حواسها قبل ان تنطقها شفتيها :

” بحبك ”

رد وهو يتظاهر بالغرور :

” عارف ” 

تمتمت من بين اسنانها :

 ” غلس ” 

ضحك في عبث : 

 ” عارف برضه ”

 واغلق الباب تاركا اياها فى سعادة تعيشها للمرة الأولى منذ ان ولدت ، عرفت من الان فصاعدا الى اى شىء ستنتمى... ستنتمى الى زين ..الى حبه... الى كل شىء يتعلق به...

 الى عائلته.. وطنه.. حياته ..من هذا الوقت اصبح زين هو الحياة نفسها ولكن ...تبا لتلك الكلمة... لا صوفيا لا تفكرى فيها من الان واستمتعى فقط بحب زين الذى اغرقك فيه منذ لحظات ، زين اى حب هذا الذى سقطت به معك ، يا الهى كم اعشقك .

**************************

اخذ ينظر اليها حين  أطالت الوقوف على قبر ابيها لوقت ظنه اكثر من اللازم ، اصرت ان تذهب اليه قبل ان يذهبا لأى مكان ، نظر الى ساعته ليعرف كم مر من الوقت ، لقد مكثت ما يقرب من الساعة دون ان تشعر...

 طلبت منه ان يبتعد قليلا ليتركها تناجى اباها ..يظن أنه أعطاها مايلزمها من وقت ... تنهد وهو يتجه اليها ، ربت على كتفها فى حنان قائلا :

 ” ايلينا ” 

 سمع شهقتها المكتومة ففهم انها تبكى وتحاول العودة الى طبيعتها من اجله ، امسك بكتفيها ليديرها له بينما كانت يديها تمسح دموعها بارتعاد، ترك كتفيها ليحتضن وجهها بكفيه قائلا :

” معقول يا ايلينا ..الموضوع خلاص عدى عليه شهور ” 

امسكت بكفيه على وجهها قائلة : 

” انا مش بعيط يا يوسف ..انا بس كنت بتكلم معاه واطمنه على نفسى ومن غير ما حس عينى دمعت ” 

التمعت عيناه وسألها في هيام :

” اتكلمتو على ايه ؟؟“ 

نظرت له فى حب مماثل وأجابته :

” كلمته عنك قولتله ان ربنا عوضنى بهدية جميلة ..قولتله انى سعيدة اوى يا يوسف قولتله انى بطلت اخاف خلاص ..قولتله ان فيك كل الصفات اللى اتمنتها فى جوزى واكتر ..قولتله ..قولتله انى بحبك اوى يا يوسف ” 

زفر في غيظ هذه المرة وهو يقول : 

” انتى جاية تقوليلى الكلام ده هنا ..ربنا يسامحك ” وانزل كفيه من على وجهها مواصلا :

 ” اسمحيلى انا بقا اشتكيلو منك ” 

واقترب من قبر محمود قائلا :

” بنتك بقا يا عمى مش عايزة تحن عليا وتحدد معاد الفرح ” 

شاكسته بنفس طريقته وهتفت كأن أباها يحتاج لصوتها المرتفع ليمكنه سماعها من العالم الاخر :

” وانا قولتله يا بابا مادام مستعجل مش لازم فرح ” 

هز رأسه نافيا بشدة :

 ” اه طبعا انا مستعجل ..بس هفضل مصر على الفرح دى هتبقى اسعد ليلة فى حياتى كلها ولازم تكون لها ذكرى خاصة ..لو فضلتى تأجلى للسنة الجاية هستحمل يا ستى ..ايه رأيك بقا ” 

واضاف وهو ينظر الى قبر ابيها :

” حنن قلبها عليا شوية يا عمي ...انا مش هستحمل سنة بجد ” 

ضحكت بشدة لينظر لها وكأنه يتوسلها فقالت وهى تمط شفتيها فى تفكير :

 ” شهر كويس ” 

اطلق يوسف تنهيدة حارة من صدره وهو يقول:

 ” كتير برضه يا ايلينا ..بس أرحم من سنة ” 

أخذت ابتسامتها تتلاشى تدريجيا وهي تلمس قبر ابيها فى شرود تقاوم هذا الخوف والوساوس التى تثير قلقها ، تعلم انه يحبها بل يعشقها ولكن الحب وحده لا يكفى ...

فكل يحب بطريقته حتى وان كانت تلك الطريقة لاتلائم معشوقه ابدا ، تتمنى الا تجرفها مشاعرها فتعميها عما قد يفعله يوسف من ..

 استفاقت على لمسته وهو يحتوى وجهها بين كفيه مجددا كأنه يواجه كل أفكارها بفيض مشاعره

” انتى اغلى حاجة عندى يا ايلينا ..اوعى تخافى ابدا وانا جنبك ...ححميكى حتى من نفسى اوعدك بده قدام ربنا وقدام ابوكى ..وانتى كمان اوعدينى انى عمرك ما هتبعدى عنى او حتى تفكرى ...اوعدينى ايلينا ” 

ابتسمت وهي تهمس :

 ” طول  ما بتحافظ على عهدك ليا اوعدك يا يوسف ”

...................... 

أما زين فقد اتخذ قراره بالفعل بالزواج من صوفيا ولم يتبق سوى ان يخبر والديه ، دلف الى المنزل وهو يطلق صفيرا مبهجا ويضع يده فى جيبه حتى وصل الى غرفة المكتب الخاصة بأبيه فدق الباب ودخل بعد ان سمح له محمود بالدخول ..

رأى اباه جالسا فى تحفز وكأنه ينتظره ، جلس أمامه فى توتر فتمعن به محمود قائلا :

” خير يا زين ” 

ابتسم وهو يمسح بكفه على جبينه فى تردد تخلص منه بصعوبة :

” أنا قررت اتجوز“ 

رفع محمود حاجبيه ونهض ليجلس مقابلا لولده  قائلا فى سخرية : 

” ده يوم الهنا وياترى مين العروسة بقا ...اللى كنت خارج من عندها من شوية ولا واحدة تانية ” 

نهض زين متجاوزا ذهوله لينفي ظن أبيه بسرعة :

” بابا لو سمحت ..بلاش تفهم غلط ” 

نهض محمود بدوره ليواجهه في حدة:

” وانا اللى بقول عليك اعقل اخواتك ده كله يطلع منك ..منك انت يا زين ” 

رد زين فى دفاع مستميت :

 ” بابا ارجوك انت فاهم غلط ..انا فعلا بحب صوفيا وعاوز اتجوزها ” 

هتف والده من بين اسنانه فى غضب :

” بتايه ؟؟؟...ومين دى اللى تتجوزها ان شاء الله ..واحدة خواجاية منعرفلهاش اصل من فصل ولا عارفين اتربت ازاى ولا على ايه ..تتجوزها ازاى وتأمنها على بيتك وعيالك ” 

حاول زين تمالك غضبه ووالده يلحق الظلم بصوفيا من جديد  فقال بعد ان زفر فى بطء :

“ بابا لو سمحت انا اعرف كل حاجة عن صوفيا ...هيا محتاجة لوجودى جنبها وانا مش هتخلى عنها ابدا ” 

تراجع محمود متهكما : 

 ” البت عاجباك مش كدة ..بتحاول تلاقى مبرر  لرغبتك فيها ..بس الجواز عمره ما كان مبنى على رغبة راجل فى ست يا باشمهندس ” 

اتسع ثغر زين وحدق بأبيه فى صدمة وهو يهتف :

 ” انت تعرف عنى كدة ؟؟؟...تعرف ان ابنك ممكن اى واحدة تغويه لمجرد انها جميلة ...انا مش صغير وعارف احساسى ده يتسمى ايه ..عارف انه اطهر وانقى بكتير من انه يتصنف رغبة ” 

قال محمود وهو يدور حوله كأنه يحاول ان يفقده تركيزه :

 ” ولما هوا كدة كنت بتعمل ايه معاها لوحدكو ؟؟ودى اول مرة ولا عملتوها قبل كدة كتير من ورانا ....حصل ايه بينكو خلاك عاوز تعجل بال...“ 

قاطعه زين  وهو يصرخ به

 ” كفاية بقا متكملش ...صوفيا دى اشرف بنت قابلتها فى حياتى ...وانا مش حيوان مش حيوان ” 

تنفس فى عمق وهو يمسح حبيبات العرق التى تجمعت على جبينه فلم يظن ان معركته مع ابيه ستكون بتلك الشراسة :

” انا مش بطلب حاجة عيب ولا حرام ..انا بحب صوفيا وهتجوزها ولازم تعرف ان مهما حصل مش هتخلى عنها ابدا ” 

دخلت سميرة فى تلك اللحظة وهى تقول فى قلق:

 ” صوتكو عالى ليه ..ايه يا زين مالك فى ايه ” 

نظر زين الى والده دون ان يعلق وبعدها نظر الى امه قائلا :

” بعد اذنكو ” 

راقبه محمود فى حنق حتى خرج واغلق الباب خلفه لينظر الى سميرة هامسا فى غضب :

 ” شوفتى اللى عملنا حسابه حصل ” 

واشار الى الباب حيث خرج زين وقال :

” البيه ابنك العاقل اللى فيهم عاوز يتجوزلى صوفيا ” 

شهقت سميرة وهى تضع يدها على صدرها :

”يا نهار اسود ..الواد اتجنن على كبر ولا ايه ” 

ووضعت يدها على رأسها  وهى تتمتم :

 ” هنعمل ايه يا محمود ..نطردها وخلاص ونرتاح ” 

حك محمود ذقنه بسبابته قائلا :

” دى ضيفة مرات ابنك انتى ناسية ؟؟....وبعدين مين قالك ان ده لوحصل ابنك مش هيتمسك بيها زيادة ” 

قالت سميرة وهى تتهالك على المقعد :

” والعمل ايه ؟؟؟“ ” 

تنههد محمود في عمق :

 ” يمكن لو هوا عرفها على حقيقتها وعرف اد ايه هوا موهوم وخلاص يرجع هوا من نفسه ” 

رمقته سميرة فى حيرة بينما شرد هو فى عالم اخر لايفكر فى شىء سوى ان يبعد تلك الشقراء عن حياة ابنه بأى ثمن..


+


الرابع عشر من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close