رواية ميراث الندم الفصل الثاني عشر 12 بقلم أمل نصر
وقف في انتظارها، يراقب السيارة التي تقترب وتدلف من الباب الحديدي الذي انفتح على مصراعيه، من يرى الصورة الخارجية وهذا الجمود الذي يعلو قسماته، يثمن بالفعل دوره كمسؤل وراعي لعائلة كبيرة ولها وزنها المؤثر في البلدة والمحافظة بأكملها
يبدوا كجدار شامخ، عود صلب؛ وكأنه صنع من الخرسان، يبعث في القلوب رهبة غريزية برؤيته، قوي البنية وسريع البديهة، حاسم وحازم في البت في الأمور المصيرية دون تردد، كلها صفات لا تتوافر إلا في قلة قليلة من الرجال المُختارين،
لكن هذا من الخارج، أما داخله، ومن له الحق برؤية ما بداخله؟
وقد ارتجف قلبه الاَن كعصفور بللته الأمطار في أقصى فصول الشتاء بردًا، هذا بمجرد رؤيتها تترجل من باب السيارة خلف شقيقها، الخطوة الأولى نحو ما يتنماه، جاءت اليه بأقدامها، لتبقى تحت أبصاره، حتى يفرد جناحيه عليها وعلى طفلها، ويظلل عليهما من كل خطر، يمنع عنها أي أذى حتى لو كان الثمن هو روحه، لقد كلفه الأمر لحظات من اصعب ما مر عليه، على طول سنوات عمره التي تعدت الرابعة والثلاثون، أن يشهد انهيارها، ولوعتها في افتقاد وحيدها، أن يكون سببًا في حزنها ولو لمدة ساعتين من الزمن، كنتيجة طبيعية لحيلته البسيطة.
قبل يوم
((- فهمت يا واد انا بجولك ايه؟
أوما له الرجل الذي يقف امامه، يحرك رأسه بتفهم لم يقتنع به غازي ، ليعود ويشدد عليه بالسؤال مرة أخرى:.
– طب سمعني انا جولتلك ايه عشان اتأكد.
ابتلع الرجل ريقه بخوف من الخطأ أمامه، ثم سرعان ما أجابه بلهفة:
– ايوة يا بيه، هروح اتجنص حوالين المكان وانجي الوقت الهادي في الشارع، واول ما الاجي الواد لوحديه هجعد الاعبه واشاغله باللعب اللي معايا، لحد ما اخليه ياجي وينضم وسط العيال اللي هشغلهم السماعات واخليها فرح وانا بلففهم معايا
– جدع .
قالها غازي ليردف متسائلًا بتشديد:
– الأهم بجى في الموضوع دا كله، هتعرف تخبيه عن العيون من بين العيال؟
تبسم الرجل بزهو يجيبه:
– دي ساهلة خالص يا بيه، كفاية بس البسه طربوش ورق من اللي بنعمله، حتى خلي الواد يفرح بيه،
لاح على وجهه اقتناع طمئن الرجل لحظات، قبل ان يتجهم فجأة رافعًا إصبعه أمام وجهه بتهديد:
– تخلي بالك زين من الواد، عايزه ينسى نفسه في الضحك واللعب معاك، لو عرفت بس انه زعل ولا تعب هتعرف اللي هيحصلك، انت مش هتغيب عن عين الرجالة ثانية واحدة حتى، فهمني:
على الفور تمتم الرحل ردًا عليه بفزع
– فاهمك يا بيه فاهمك))
عاد من شروده يسحب شهيقًا مطولًا حبسه داخله قبل أن يزفره بعنف ويتقدم بخطواته نحو استقبالهم، يُذكر نفسه ان خطوته على قدر صعوبتها لكنها لم تكن الا للمصلحة، من أجل أمانها وأمان طفلها لن يتهاون ولن يترك أمرًا للصدفة بعد الاَن
– حمد الله ع السلامة، اخيرًا جيتوا يا عزب، يا راجل دا انا اتحمصت في الشمس في انتظارك.
قالها بدعابة قاصدًا فك جمودهما من البداية، وجاء رد الاخير بحرج، وقدميه تخطو نحوه ليقابله بنصف المسافة ثم يصافحه مرددًا:
– وتجعد ليه بس وتنتظرنا يا واد عمي؟ هو احنا جاين من السفر؟ ولا اغراب مثلا عن البيت؟
– ايوة امال ايه؟ انتو أصحاب بيت، صدجت فيها دي يا عزب.
قالها غازي بصوت عالي، قبل أن يتركه ليتبادل التحية مع جليلة التي أردفت معه ببعض الاحاديث الروتينة التي تدار دائمًا في مثل هذه اللقاءات الودية، قابل كل ردودها بابتساماته حتى يخفف من شحونة الأجواء،
قبل ان يقترب منها وقد توقفت محلها وكأنها تنتظر دورها، مسبلة أهدابها عنه، تتشبث بضم طفلها إليها، وكأنها تستمد منها الأمان،
بادرها بالحديث مازحًا:
– الواد عنده تلت سنين يا بت عمي، يعني راجل، سيبيه ينزل على الأرض ويسلم على عمامه
خرج صوتها كالهمس بارتباك:
– خليه في يدي احسن، لما يعرف البيت الأول وياخد عليه بعدها هبجى انزله.
تجاهل الرد عليها واتجه للطفل الذي أشرق وجهه يبتسم له متمتمًا ببعض الكلمات الغير المترابطة والتي لم يفهم منها إلا ” تاح” ليردد غازي بتفهم وكفيه الاثنان ارتفعت له بإشارة مفهومة:
– مفتاح يا بطل، طب تعالى تعالى، وانا اديك كل المفاتيح اللي انت عايزاها.
تفاجأت بطفلها الذي تملص منها ليرتمي نحو الاخر، والذي تلقفه بين ذراعيه يضمه إليه باشتياق شديد، وعاطفة لا يعلم لها مسمى اجتاحتحه من الداخل، لقد شعر من البداية بوجود رابطة ما تجمعه بهذا الصغير، ولكنه تأكد الاَن من قوتها.
طبع على وجنته قبلة بصوت عالي ليدور بينهم حديث سريع، أمام والدته التي وقفت كالمتفرجة تشاهد هذا التناغم بين طفلها الذي تعلقت ذراعيه بهذا الرجل وكأنه يعرفه منذ زمن، يتفاعل مع غمرته القوية له، والاَخر غير اَبهًا بنظرات رجاله المنصبة نحوه.
– هتفضل واجفة كدة مكانك يا نادية، ما تتحركي يا بت عمي .
اجفلها من شرودها بقوله، قبل أن يتحرك يسبقها، مستطردًا؛
– ياللا بينا يا جماعة، هنخش نشرب شاي الأول….
– نشرب فين؟ احنا مش داخلين ع الاستراحة؟
قاطعته تشير بذقنها نحو الأخيرة في الجهة الأخرى، فجاء رده بدماثة، يخاطبها، وعينيه انتقلت نحو والدتها وشقيقها:
– يا ستي حاضر، بس يعني يرضيك تاجي لحد هنا ومتسلميش على ستك الحاجة فاطنة ولا روح بت عمك، دول جاعدين على نار مستنينك من امبارح، ولا انتو رأيكم ايه يا جماعة؟
على الفور ردت جليلة بعفويتها المعتادة:
– وه، كيف دا يا ولدي، دا الحجة فاطنة هي والست روح على راسنا من فوج، ودا برضوا كلام؟ ياللا يا نادية، دا الاتنين وحشوني جوي.
قالتها وتحركت نحو مدخل المنزل على الفور، يتبعها ابنها عزب.
اضطرت هي الأخرى أن تتحرك لتلحق بهما وقد توقف هو مسلطًا انظاره عليها وكأنه ينتظرها حتى إذا خطت جواره تتخطاه، وصل لأسماعها ما جعلها تتوقف مبهوته للحظات:
– نورتي بيتك.
❈-❈-❈
ومن شرفتها في الأعلى
وقفت محلها تشاهد بغيظ يفتك بها، لا تصدق أنه نفذ وعده وفعلها، هذا الرجل يتفنن في تحديها وكأنه يختبر صبرها، غير اَبهًا بغضبها ولا حتى النيران تسري بأوردتها الاَن وقد أغلق فمها بتهدايداته.
مساء الأمس.
انتفضت من أمام مراَتها لتلتفت اليه بأعين مشتعلة ترفض تصديق ما التقطته أسماعها:
– هي مين اللي هتيجي من بكرة وتنور الاستراحة؟ إنت بتتكلم جد يا غازي؟
طالعها بنظرة مستخفة ساخرة قبل أن يجلس على طرف تخته يجيبها ببساطة وبيده يخلع عنه حذاء قدميه:
– اهزر! لا يا ست فتنة، انا معنديش وجت اهزر والله، بس نعيد من تاني.
توقف يردف الكلمات بتمهل مقصود:
– بت عمك هريدي، نادية الدهشان، من بكرة يا غالية هتنور استراحة جدك الدهشان الكبير، يعني يا ست الكل تنزلي دلوك تشرفي ع الخدم اللي بينضفوا…….
– هي مين اللي تنضف؟
صرخت بها مقاطعة، وقد استعادت وعيها وتأكدت الاَن جيدًا مما سمعته، لتتابع صائحة بوجهه، وقد فقدت زمام سيطرتها على لسانها الذي تحرر، فاقدًا لكل درجات الحكمة والتعقل:
– بجى انا فتنة؛ انزل على يد الخدم واشرف على راحة المحروسة؟ طب هي إيه اللي جايبها من أساسه؟ بيت ابوها وجع مثلًا؟ ولا مش لاجية حتة تلمها بعد ما اترمت من الناس اللي كانت متجوزة ولدهم…..
قطعت هذيان كلماتها، وقد باغتها ولأول مرة تمتد يده عليها، ليقبض على ذراعها ولفه لخلف ظهرها، يردف بفحيح قرب أذنها، وصوت أنفاسه الهادرة تحرقها:
– لتاني مرة بتجلي أدبك وتغلطي في واحدة المفروض انها بت عمك، اللي عايز اعرفه بجى، ايه سر الكره في جلبك ناحيتها؟ هي مش برضوا كانت صاحبتك في المدرسة؟ كرهاها ليه يا فتنة؟
صعقت مذهولة لفعلته، حتى غلب الألم كبريائها لترد بصوت باكي:
– انت بتمد يدك عليا يا غازي؟ حصلت تمد وتهيني عشان واحدة زي دي؟
– الله يخرب بيتك.
تمتم بها، يزيد بالضغط بقبضتة على ساعدها ليزيدها ألمًا، فهي بالفعل تتعمد اخراج شياطينه، حتى أنه تعوذ بداخله منها، يتابع بعدها بتحذير:
– انا فاض بيا منك، لمي لسانك الزفر ده، صبري جرب ينفد منك يا بت سعيد، لمي شياطينك عني.
دفعها لتسقط على التخت حتى لا يؤذي نفسه بأذيتها، لقد كان على وشك كسر ذراعها الذي تدلكه، فهتف بها معنفًا:
– يعني حتى مبتدنيش فرصة افهمك، لاجل ما تعرفي بالظرف اللي اضطرنا نجيبها هنا في حمايتنا بعد اللي حصل النهاردة لولدها، ولا اللي بيحصل في بيت جوزها الله يرحمه، دماغك دي فيها ايه؟ نفسي افهمك، ليه مصرة متسمعيش ولا تفكري غير في نفسك وبس؟
تجاهلت الرد عن إجابة السؤال، او المقصود من مغزى حديثه، لتعتدل جالسة بجذعها تريد كسب استعطافه بادعاء الضعف:
– كدة برضوا يا غازي، هونت عليك تهني وتضربني؟ دا انت في حياتك ما عملتها، مكنش العشم يا واد عمي.
وزادت بنشيج بكاءها، علّها توثر فيه، لكنه قابل تمثيلها بنظرة كاشفة ووجه جامد، يردف مشددًا:
– بلاش الدور ده يا فتنة مش لايج عليكي.
توقفت تطالع هيئته الغاضبة، ليميل بجسده نحوها، يزجرها بعنف:
– لو فاكرة ان دي هتبجى الأخيرة، تبجي واهمة حالك، انا خلاص جيبت اخري منك، ومن هنا ورايح مفيش غير اوامر لحد ما تتعدلي……
رفع سبابته يردف متوعدًا:
– بت عمك هتيجي هنا من بكرة، هتجعد ضيفة معززة مكرمة، من غير تحديد لأي مدة، وانتي اللي عليكي تضايفيها بكل أدب، غير كدة ملكيش اختيار تاني، لو سمعت بس انك ضايجتيها بكلمة واحدة يا فتنة، هتبجى نهايتك معايا، انا مش هفضل اوعد ولا اهدد كتير، انتي اسم الله استنفذتي كل فرصك، وانا خلاص شطبت، وياللا بجى اطلعي من الأوضة دي خالص، ارجعي على أوضتك مش طايج أشوف وشك.
صدحت الأخيرة بصيحة وقد تمكن في غفلة منها من رفعها بجذب ذراعها، لتقف مصدومة مما تلفظ به، وقبل أن تهم بجداله، فاجئها بسحبها من يدها، ثم إخراجها لخلف الغرفة التي صفقها بابها بعنف بعد ذلك،
عادت من شرودها تدلك بيدها على ذراعها المتألم وغليل الدماء برأسها، يدفعها للتصرف باي شيء أحمق حتى لو أدى الأمر بها لطرد هذه الملعونة التي تنال الحب والتعاطف معها أينما حلت، كما كانت تخطف الأنظار منها قديما في كل مرة اجتماعا بها، سواء كان الأمر في المدرسة أو التجمعات العائلية، وقد كانت أيضًا سببًا رئيسيًا في كل مشاجرة بينها وبين شقيقها الذي ما زال حتى الاَن مجنونًا بها، حتى بعدما فضلت عليه غيره قبل ذلك، بضربة مزدوجة، حينما خطفت منها الرجل الوحيد الذي اثار إعجابها في سن المراهقة، حبيبها هي ايصًا حجازي
انتفضت فجأة مع اهتزاز الهاتف بيدها لتجيب على المتصل على الفور، تفرغ به شحنة غضبها:
– نعم يا نور عيني، وصلت المحروسة اللي مصدع راسي بالسؤال عنها من الصبح، عايز ايه تاني؟
وصلها صوت الهادئ وكأنه قاصدًا إجلاطها:
– هدي شوية يا فتنة وبلاش جلة حيا معايا يا بت انا اخوكي الكبير
– اخويا الكبير ولا اخويا الصغير، حل عني يا ناجي انا على اَخري، البت دي لا طايجاها ولا طايجة حد يكلمني عنها، دي شكلها جاية تخرب عليا.
تخلى ناجي عن عبثه ليردف بلهجة جادة:
– بلاش جنانك دا يا فتنة واعجلي، لو في خراب هيبجى بيدك، انا مش هجعد ازيد واعيد في الكلام، خبر ايه؟ كل ده ومعجلتيش.
زادت من عصبيتها تهدر بعنف:
– لاه مش هجعل يا ناجي، عشان انت كل كلامك ده عشان مصلحتك، عايز تتجوز المحروسة، ومش هامك اختك واللي بيتعمل فيها، غازي مد يده عليا عشانها، وجابها غصب عني وحكم عليا ما ازعلها بكلمة، ليه؟ كانت السفيرة عزيزة هي ولا كانت السفيرة عزيزة.
– لا عزيزة ولا نفيسة، شغلي مخك شوية يا هبلة، وبيني نفسك انتي الزينة، اتجربي منها، مش عشان مصلحة اخوكي وبس، لأ دا عشان مصلحتك انتي كمان، اعجلي يا بت وازوني الأمور صح، مش كل شوية انا وامك نوصي فيكي، جوزك عصبي وانت البعيدة بتصري تتحديه، دا احنا رجالة كبيرة وبشنبات ونهاوده يا غبية.
❈-❈-❈
في الأسفل
وقد التف الجميع حول المرأة الكبيرة في جلسة جمعت الاسرتين، غازي والذي كان جالسًا بجوار ابن عمه عزب يراقب فتياته الصغار يلعبن مع الوافد الجديد، قبل أن تخطفه روح من بينهن، لتضمه إليها وتقبله بمرح:
– يا حلاوة يا ناس، دا انا الفرحة مش سايعاني النهاردة، الواد الحلو ده هتصبح وتمسى بيه.
غزت ابتسامة جميلة انارت وجهها، تأثرًا بالكلمات العفوية البسيطة من جميلة الخُلق والخلقة قبل أن يعلق شقيقها ايضًا:
– ياللا يا ستي ادينا جيبنالك صاحبتك لحد عندك، افرحري بجى واشبعي حكاوي، مع ان دي أشك فيها .
ضحكت روح بملئ شدقيها لمزحة شقيقها كما فعل الاَخرون، لكن هي تبسمت بخجل، لفت أنظار الجدة الكبيرة لتردف بسجيتها:
– زي ما انتي يا نادية ما تغيرتيش، لساكي يا بتي بتتكسفي من أجل كلمة، أنا فاكراكي زين، كنتي على طول تحبي تدسي في بيتكم، ولما تتغصبي على جعدة وسط حريم، تفري وتسبيها خالص، لمت تلاجيهم اتكلموا عليكي.
كلمات الجدة زادتها خجلًا، وزادته هو ولهًا، كيف يسيطر على الخفقان القوي بداخله؟ كيف يحجم نفسه بالا يطيل النظر نحوها، وقلبه المعذب حتى الآن لا يصدق أنها امامه؟ حلم عمره القديم دائمًا وأبدا، جالسة في بيته وأمامه
– مساء الخير يا جماع، عاملين ايه؟
صدر صوتها من وسط الدرج، لتهبط الدرجات المتبقية، حتى وصلت إليهم ترحب بمبالغة أدهشت روح، وأثارت الريبة بقلب زوجها:
– عاملة ايه يا نادية؟ نورتينا وشرفتينا يا حبيتي.
تقبلت الاخيرة عناقها بمودة رغم استغرابها:
– البيت منور بأهله، تشكري يا فتنة ويشكر زوجك.
– بتشكريني على ايه بس؟
قالتها بنبرة تبدوا عاتبة، قبل ان تنقل وتصافح شقيقها على عجالة، وجليلة التي تقبلت فعلها ببرائة:
– تسلمي يا زينة يا بت الأصول، مرت الكبير صح، عاملة ايه يا بنتي وايه عاملين إيه بناتك؟
زادت بتمثيلها وهي تجلس مجاورة للمرأة:
– والنعمة يا عمة البنتة مطلعين عيني، ما انتي عرفاني جيبتهم فوج روس بعض، واديني متمرمرة معاهم.
– ربنا يعينك ويساعدك عليهم يا حبيتي، الخلفة دي هدة حيل والعيال عايزة الشديد.
– ايوة يا عمة عندك حج، بس بصراحة يعني، انا ربنا رازجني باللي يساعدني، روح عمتهم بتموت فيهم، ولا ابوهم….
توقفت تنقل نظرها نحوه وقد ضاقت عينيه توجسًا لسماعاها، بعدما أذهلته بالثناء على شقيقته، والتي كانت تتابع هي الأخرى بعدم ارتياح لها:
– ابوهم يا عمة، جوزي كبير العيلة والبلد كلها، ممكن يسيب جعدة الرجالة لو بس اتصلت وبلغته على حاجة انا طالباها ولا البنات، ما يتأخرش علينا في أي طلب حتى لو كان لبن العصفور، ربنا يخليهولي ويبارك في عمره على طول يارب.
– يا حبيبتي ربنا يباركلك فيه، هو انتي جوزك ده أي حد ؟
قالتها جليلة بطيبة ليست غريبة عنها، أما هو فقد
فهمها، وفهم مقصدها، ولكنه تماسك ليغير دفة الحديث متجاهلا دعوات جليلة وامتنانها له:
– انت النهاردة هتجضي اليوم كله معايا يا عزب، انا فاضيلك النهاردة ومش طالع من البيت واصل.
ضحك الاَخير في الرد عليه:
– لا يا راجل! يعني انت هتسيب مصالحك، وانا كمان اسيب اللي ورايا، ونجعد نحكي ونهرج وبلاها اي حاجة توجع المخ، دا انت رايج جوي يا عم غازي .
– يا عم وما اروجش ليه بس؟
قالها غازي لتضيف على قوله الجدة الكبيرة:
– وفيها ايه يعني يا ولدي، ايام الجمعات والجعدات الحلوة ما بتتكررش، اسألي انا، دا جدك الدهشان، على كد ما كان شديد وما بيضعش وجت، لكنه لما كان يلاجي صاحب ولا حبيب، والله ما كان بيسيبه، غير وهو متعشي ولا متغدي معاه.
تمتم الجميع بالترحم على الراحل، وهي معهم، حتى نهضت تريد الذهاب:
– طب احنا كدة نجوموا بجى، عن اذنك يا جدة…..
– استني يا بت…..
قاطعتها المرأة لتخاطبها بحزم مشددة:
– اجعدي يا نادية، انتي مش طالعة من هنا غير بعد ما نتغدى كلنا.
ظهر الرفض جليًا على ملامحها الشفافة لتردد باعتراض:
– لا لا طبعًا، انا مليش نفس اَكل اساسًا انا…….
– ما خلاص يا نادية.
صدرت منه يدعم جدته:
– احنا مش اغراب عن بعض عشان يبجى في ما بينا كسوف، دا احنا عيال عم وعيلة واحدة، اخوكي وهو اخويا، واختي هي اختك.
تدخلت روح هي ايضًا تردف بلهفة:
– ايوة يا نادية، دا انا من امبارح والفرحة مش سايعاني والله من ساعة بلغني غازي بجيتك، هتنغدى دلوك مع بعض، وبعدها هاجي معاكي ونجعد نحكي مع بعض، ان شالله حتى انام معاكي، دا لو تسمحيلي يعني، اصل انا ما صدقت لجيتك صراحة.
اجبرتها على الابتسام لها، لتعقب جليلة من خلفهم:
– ربنا يديم المحبة يا بتي، خلاص يا نادية وما تبجيش حنبلية جدتك حكمت، يعني مفيش حد يراجعها.
اضطرت تعود لجلستها مزعنة لطاعة المرأة، رغم عدم رغبتها في الإختلاط او تناول الطعام، وعادت لروح التي كانت لا تصدق نفسها من الفرحة، تشاركها الحديث في مواضيع شتى،
غير منتبهات لأبصار فتنة التي انصبت بحريق متخفي نحوهن، تعيد برأسها عبارته مرارًا وتكرارًا، لتتسائل، لماذا ذكر الآخوة على الأشقاء، ولم يذكرها هي معهم؟
❈-❈-❈
– انت يا واد، يا واد جوم.
استمرت شربات في لكز ابنها الذي جلست على طرف فراشه من أجل أن توقظه من غفوة نومه الثقيل:
– يا واد جوم كفياك نوم، الضهر أدن، خبر ايه؟ ناوي تجعد للعصر.
تذمر يرد بصوت متخشرج، بعد أن اجبرته على الإستيقاظ:
– ايه؟ في ايه؟ حصل ايه يعني للغاغة بتاعتك دي؟ وما انام لحد العصر؟ ورايا ايه؟
– وه، كيف يا جزين تنام للعصر؟ ما تجوم يا واد وبطل جلع ماسخ، جوم عايزاك في كلمتين.
هتفت بها تنزع عنه الغطاء، لتضطره للأعتدال ومواجهته بوجه محتقن مرددًا بسخط:.
– يووووه، اديني اتزفت وصحيت، جولي كلمتينك المحشورين في زورك ياللا وخلصيني.
– يخرب مطنك.
تمتمت بها باستهجان، قبل ان تتغاضى لتخاطبه ببعض اللطف، حتى تصل لمبتغاها معه:
– يعني هعوز ايه منك بس يا حبيبي؟ انا مش مخلصني زعلك مع ابوك، دا شايل في نفسه من امبارح، وحتى كلام مش بيرد علينا، دا مهما كان برضوا اسمه ابوك.
سمع منها، وتقلصت عضلات وجهه امتعاضًا ليخرج رده بسهولة غير مباليًا؛
– وما يزعل ولا يتفلج حتى، انا هعمله إيه؟ ولا انتي فاكرة يعني ان الزعل بيحوج فيه ده كمان؟ طمني جلبك، هو بس ياخدله كاسين، وهتلاجيه نسي حتى نفسه.
اخفت شربات بصعوبة تأيدها لكلماته، لتبدي استياء واهي:
– عيب عليك يا مالك؟ دا مهما كان برضوا يا ولدي، يعني مينفعش تزعج ولا تهب فيه، زي ما حصل وعملتها.
افتر فاهاه بابتسامة جانبية ساخرة، لا يبتلع قولها:
– بلاش الكلام ده ياما معايا، وجولت أب واخ ولا الكلام الفاضي ده، خليه لغيرنا.
امتقعت ملامحها ترمقه بمقت، فقد اصبح حديثه يحمل تلميحات مبطنة لا تعجبها، فتابع يحسم ترددها:
– جومي ياما وخليني اكمل نوم، عشان لو جعدتي معايا لبكرة حتى، برضوا مش هتحرك من مكاني، وكفاية جوي عليا اني سمعتك، ولا اجولك روحي ابلفيه انتي بكلمتين أحسن، جومي جومي، إنتي أكيد مش هتغلبي.
قالها وسرعان ما استلقي جانبها، جاذبًا الغطاء حتى رأسه، لا يبالي تركها بجواره او حتى انصرافها، ولا بتأثير كلماته عليها، مما اضطرها ان تنهض متمتمة بحنق:
– جلبك بجى جاسي وغليض جوي يا ولد بطني، وانا اللي كنت فاكراك محروج عليا وبتدافع عني، وانت أتاريك بتعمل كدة بس عشان تتحداه وتبين جوتك جدامه.
وكأن الكلمات لم تخترق اذنه، تجاهل ليعود لغفوته غير ابهًا بأي شيء
❈-❈-❈
وفي داخل غرفته.
دلفت اليه لتصطدم بنظراته القاتمة نحوها، واجمًا، يعتلي الهم قسماته ليزيده كبرًا فوق سنوات عمره وكأنه تعدى السبعون ربيعًا، انفاسه الهادرة تبدوا واضحة إليها بقوة بصعود والهبوط السريع بصدره، تقدمت نحوه ترسم ابتسامة أجادتها:
– إنت رجعت يا سبعي، دا انا افتكرت واحدة من البنتة جات من الدرس لما سمعت صوت الباب،
خطت لتتخذ مقعدها جواره سائلة:
– جيت بدري من الشغل يعني؟.
ظل على صمته لتتابع قاصدة فك جموده:
– تحب احضرلك غدا ولا اجهز الحمام تسبح وتريح جسمك من التعب، انت أكيد هلكان.
أرفقت كلماتها الأخيرة بالمسح بكفيها الناعمتين على عظام صدره والذراعين، ليدنو بأبصاره نحو ما تفعله من حركات مكشوفة شبع منها وحفظها، وغزت ابتسامة ساخرة شفتيه تحولت بعد ذلك لضحكة صاخبة استعجبت لها، لتناظره مبهوتة حتى توقف يصعقها بقوله:
– انتي جاية تبلفيني زي ما جالك ولدك يا شربات.
على الفور اشاحت بوجهها عنه تعوج شفتيها على زاوية واحدة، وقد تأكدت بسماع حديثها مع ابنهما مالك، دار ذهنها سريعًا لتتذكر ان كانت أخطأت هي الأخرى أم لا، حتى تأكدت من سلامة موقفها، لتعود اليه سريعًا بتبرير:
– متخداتش عليه يا خوي، ولدك فاير والسن ده اللي بيجولوا في التليفزيون سن الخطر، هو من حرجته عليك وع اللي جرالك، معرفش يعبر .
مال بوجهه نحوها مرددًا بملامح مشتدة، وقد ذهب عن وجهه الهزل:
– يعني هو يجل ادبه عليا عشان معرفش يعبر يا شربات؟ بذمتك انتي مصدجاها دي؟ طب حتى جولي بحاجة تدخل العجل.
على الفور تلبست ثوب المسكنة لتوجه الحديث نحو الوجهة التي تريدها:.
– لا يا خوي مش هكدب، عشان هو ده اللي حازز في نفس الواد ومدمره من جواه، انت فين حدك يعني لما عيل كدة طالع على وش الدنيا يلاجي ابوه مش عارف يجيب حجه؟ من ناس حاطة يدها عليه وهو زي العاجز ومش عارف يلاجي صرفة.
عرفت جيدا انها وصلت لهدفها، حينما رأت الوجوم الذي كسى ملامحه، مع هذه النظرة التي تعرفها جيدًا منه، لتزيد عليه قائلة:
– معلش عاد، اهو نصيبه كدة.
قالتها لتنهض من جواره وقد نجحت في صرف حقده عن ابنها، بعد أن وجهته للجهة الأخرى التي تريدها.
❈-❈-❈
على المائدة الكبيرة والتي ارتصت عليها العديد من أصناف الطعام، تجمعوا جميعًا لتناول وجبة الغداء التي أعدتها روح مع باقي العاملات في المنزل، بطاقة عالية من النشاط، ابتهاجًا بحضور رفيقة لها، وقد عزمت داخلها أن تزيد من صلة القرب بينهما.
– كلي يا نادية وسيبي الواد، طبجك جاعد زي ما هو مجربتيش عليه يا بت.
هتفت بها تضع قطع أخرى من اللحم امامها، لتزيد من خجل الأخرى، والتي تخضب وجهها بالحمرة الشديدة، بعد أن كشفتها وهي اللي اتخذت إطعام ابنها حجة.
انتبهت عليها جليلة تتدخل بينهم:
– هاتيه منها يا روح، هي طول ما هي جاعدة توكل الواد مش هتعرف تاكل.
رفضت الأخيرة ترفع الطفل من والدته:
– وانا روحت فين يا خالة؟
قالتها تضحك موجهه نظرتها بمرح نحو نادية بعد ان اجفلتها بخطف الصغير منها تأمرها بحزم محبب، قبل أن تجلس وتضعه بحجرها:
– كُلي يا بت كُلي.
حاولت أن تتجاوب معها بابتسامة ظهرت وقد غلبها خجلها لتهمس لها بنظرة محذرة:
– خلاص يا روح.
زادت الأخيرة بمشاكساتها:
– معندناش خلاص احنا والكلام الفاضي ده، اسمعي الكلام بجولك.
تدخلت الجدة بحزم هي الأخرى:
– ما تاكلي يا بتي، خلي البت دي تهمد على حيلها، دا اكنها اتجنت بجيتك النهاردة.
ضحك الجميع على مزحة الجدة، إلا فتنة فقد اجبرت نفسها على الابتسام بصعوبة، ونار تحرقها، برؤية ما يحدث امامها، يعيدها لنفس العادة القديمة، بخطف الانظار نحوها، والتسابق للإهتمام بها، ضغطت تلعن زوجها، فقد كان ينقصها إعادة احقاد الماضي الاَن.
أما هو فقد كان في عالم اخر، يدعي الحديث مع عزب، ويوزع اهتمامه بالصغيرات، يخطف النظرات نحوها كل دقيقة ، وقد وضعت همها بالطعام حتى تتخلص من إلحاح شقيقته، وورود الوجنتين نتيجة حيائها الشديد تدعو المتيم لقطافها، تفتح الشهية برؤيتها، يشعر بلذة الطعام بحلقه وكأنه يتذوقه لأول مرة،
– مساء الخير عليكم.
اغمض عينيه وقد علق الطعام بوسط حلقه، بمعرفة جيدة لصاحب الصوت، تلتقط اسماعه حركة تقدمه نحوهم دون أن يلتف إليه ولو برأسه، ولا حتى يجيب التحية التي ردد بها معظمهم، ليفاجأ بفعل زوجته التي نهضت عن مقعدها تدعوه بلهفة:
– تعالى يا ناجي، تعالى كُل معانا، دا انت باين حماتك هتحبك.
تقبل دعوتها ممازحًا:
– شالله يارب يسمع منك يا فتنة يا اختي، انا فعلا والله جعان.
قالها ليجلس على الكرسي الذي اشارت نحوه بحركة كشفتها امام زوجها، الذي امتقع وجهه يناظر سماجة الاخر والذي قصد ان يجلس امامها، ويخاطبها بالحديث مباشرةً:
– وانا اجول السرايا منورة ليه؟ عاملة ايه يا نادية؟
أومات رأسها تجيبه بصوت خفيض خرج على مضص:
– زينة والحمد لله تشكر .
واصل بالحديث متلهفًا، وكأنه قاصدًا قفل شهيتها:
– تشكريني على ايه بس؟ والواد معتز جاعد على حجر، روح، عامل ايه يا واد طلعت عينيا باللف واحنا ندور عليك امبارح، رجالتك لجيوه فين يا غازي؟
تمالك بصعوبة الا يسبه، فخرج صوته على مضض:
– ما تاكُل يا ناجي، مش وجت حكاوي دلوك، كُل .
– اه والله عندك حج.
تفوه بها ليهجم على الطعام، يتناول قطع اللحم بنهم وابصاره منصبة نحوها، بشكل اثار استيائها، وغازي يكتم بداخله كم لا حصر له من السباب والكلمات البذيئة،
❈-❈-❈
في المساء
وقد مر اليوم الكارثي اخيرًا، لتنعم بالهدوء في المكان الجديد لها الاَن، تستعيد الخصوصية التي افتقدتها طوال الساعات الماضبة، بدلت ترتدي ملابس عادية مريحة قبل أن تجلس بجوار والدتها التي كانت تعدل معتز في تخته الجديد بعد أن غطس في غفوة نومه العميق.
– نام ياما .
تمتمت تجيبها بخفوت وهي تعتدل في جلستها لها:
– نام يا بتي والحمد لله، اللي خلاه يجعد لحد دلوك ويتأخر على ميعاد نومه هو اللعب مع البنات.
اومأت لها برأسها، وقد انشغلت في تناول حقيبة يدها الكبيرة تخرج منها بعض الأشياء اللتي أتت بها من منزلها، حتى ردت بدون تركيز:
– اهو فرح بيهم عشان مجربين من سنه، ربنا يستر وما يغدروش بيه.
سمعت منها جليلة لتخبط على صدرها بجزع، مرددة لها باستنكار:
– ليه يا بتي بتجولي كدة اكفنا الشر؟
توقفت عما تفعله تزم شفتيها بسأم، قبل ان تجيبها مصححة:
– ياما انا جصدي ع الغيرة العادية بتاعة العيال، يعني واحدة تزجه، واحدة تضربه، والنعمة لو حد جرب منه ما هسكت، انا جاية هنا اساسًا مغصوبة وعلى اَخري .
زفرت جليلة بغيظ منها ومن رأسها اليابس:
– مفيش فايدة فيكي، راسك مركوب جديم، وانا اللي جولت الست سليمة قنعتك بكلامها لحد ما وافجتي، اتاريكي بتهاودي وبس.
تابعت بتحذير مشددة:
– بلاش التلكيك من اولها يا نادية، الناس مرحبة وفاتحين درعاتهم، دا غير الامان، ولدك لو هيرمح بحصان هنا هيلاجي اللي يحرسه.
عبست بوجهها لتنهض من جوارها نحو خزانتها، ترتب بعض الاشياء الخاصة من ملابس، حتى قالت:
– برضك مش مكاني ياما، مهما تجولي ولا تحاولي تقنعيني
التفت إليها تفضي لها عما تشعر به:
– روح الله يباركلها خففت عني كتير النهاردة، وجدتي فاطنة كمان كانها ستي ام ابويا الله يرحمها، بس برضوا…. انا كنت حاسة بخنجة في جعدة اللي اسمه
ناجي جصادي، ولا لهجة فتنة معايا، دي من زمان ما بتحبنيش من أساسه.
– بس جوزها سيد الرجال.
قالتها جليلة، تتابع بثقة اختلطت بالانبهار:
– أديكي شوفتي بنفسك ترحيب واد عمك، غازي شديد، ولا يمكن يرضى ولو بأي كلمة تزعلك، يعني حتى لو فكرت تتعوج معاكي، هو هيعدلها على طول .
لوحت بيدها بعدم اهتمام، لتعود للترتيب في خزانتها مرة أخرى، وقد عقدت العزم، الا تتقبل أي شيء يمس كرامتها، او كرامة صغيرها، لن تنتظر من أحد الانصاف، حتى لو كان من كبيرهم نفسه، على خاطرها الاخير تذكرت افعاله معها، وهذه النظرات التي تتوه في مقصدها معظم الاوقات، ثم وقع اسمها الغريب من فمه، حين يناديها:
– نادية.
❈-❈-❈
– صدق الله العظيم.
صدقت تغلق كتاب الذكر الحكيم، ثم تسنده على الكمود المجاور لها قبل أن ترفع رأسها للتي جاءت منذ قليل وانتظرت جوارها حتى تنتهي .
– تقريه في الحرم ان شاء يا سليمة.
– اللهم أمين، ربنا يسمع منك يارب، ويكرمنا احنا الاتنين.
– أمين.
تمتمت بها هويدا تشيح بعيناها، بملامح اعتلاها الضجر، مما اضطر سليمة لسؤالها:
– خير يا هويدا، شكل عندك كلام عايزة تجوليه
وكأنها كانت في انتظار الدعوة، لتلتف إليها فجأة بوجه محتقن تخاطبها:
– بصراحة ايوة يا سليمة، بعتي مرة ولدك لبيت الدهشان، وكأن الخطر بجى منينا، طب احنا كنا جصرنا معاها مثلا؟ ولا عيالنا مفهمش راجل تتحط في كنفه ويجدر يحميها؟
– بلاش كلامك دا يا هويدا عشان منزعلش
هتفت بها توقفها، قبل ان تسترسل بما يزعجها، ثم سحبت دفعه من الهواء بصدرها، قبل تطرده، حتى تتمالك في الرد:
– نادية ومعتز جعدتهم هناك احسن، محدش عارف اللي جاي ايه؟ ولدك وواد اختك الاتنين مفيش رجالة، لكن انا مستريحة في بعدهم عني.
ضاقت عيني الأخرى،، لتطالعها بارتياب سائلة:
– جصدك ايه يا سليمة؟ مخبية ايه تاني عني يا بت عمي؟
هتفت مرددة خلفها باستنكار:
– مش محتاجة اخبي عنك يا هويدا، لأن انا عارفة ومتأكدة ان اخوكي مش هيسكت، لأن لو هو سكت ، العجربة اللي معاه مش هتسيبه يسكت،
صاحت هويدا بانفعال :
– يعني هيعمل ايه تاني كمان؟ هو ليه عين؟
ردت بتسامة ساخرة خلت من أي عبث:
– دا على اساس انه ببختشي يعني ولا هتغيب عنه الحيلة؟…. ياللا بجى يعمل ما بداله
❈-❈-❈
اقتربت منه تخطو أطراف اصابعها، وقد كان جالسًا في نفس المكان الذي اصبح ينفرد به وحده في الحديقة ، ولكن هذه المرة يدندن بالغناء بمزاج رائق أذهلها، حتى استبد بها الفضول تفاجئه من خلفه:
– جاعد لوحدك بتغني تجول ايه يا عندليب ؟
– بسم الله الرحمن الرحيم.
تمتم بها متعوذًا بإجفال جعلها تنطلق في الضحك مقهقة غير قادرة على التوقف، وظل يناظرها بغيظ رغم ابتهاجه بصوت ضحكتها المميز، ليعلق مدعي الغضب؛
– خلاص يا ختي ماسورة الضحك فتحت عندك، ومش جادرة تجفلي.
أومأت برأسها بضحك توافقه:
– بصراحة ايوة، اصل خضة الكبير ليها طعم تاني برضك.
اصابته العدوي ليشاركها على غير ارداته، حتى اجفلا الاثنان على قول عارف:
– تاني برضوا ! بسم الله ما شاء الله عليكم، انا خايف احسدكم والله.
– تصدج صح، الله أكبر في عنيك، ما بتجيش غير في الوجت المناسب، طب نجي وجت اما يكون ناجي جاعد.
قالها غازي بانفعال، خرج كمزحة ضحك عليها عارف قبل ان ينضم معه على أحد المقاعد أسفل المظلة.
وكالعادة انسحبت من أمامهم نحو وجهتها ولكنها هذه المرة اتخذت طريقها نحو الاستراحة، تخطف انظار شقيقها الذي ظل متابعًا حتى انفتح الباب، فلمح طيف معذبته سريعا قبل تغلق الباب عليهما، وقلبه يرفرف بلهفة، يشتاق لإشباع عينيه من رؤيتها حتى يرتوي الظمأن بعد سنين عجاف.
انتبه فجأة نحو الرأس الممتدة بجواره، ليعلق بحنق:
– خبر ايه يا عارف؟ هو انت استحليت المجية هنا ياك؟
ضحك الاخير يجيبه ببساطة:
– ما انت كمان لزجت هنا وعجبك الجو، يعني هي جعدتي اللي هتعمل مشكلة؟
– اممم
زام بفمه وامتعضت ملامح وجهه ليرد بابتسامة صفراء:
– انا جولت من الاول، فيلم الحب وعذابه ده واجف عليا بخسارة …. منور يا عارف .
يتبع…..
الثالث عشر من هنا