رواية مذاق العشق المر الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة المصري
الفصل الثاني عشر
+
الفصل الثاني عشر
أخذ يقطع ممر المشفى جيئة وذهابا وهو يضرب كفه في قبضته بتوتر بالغ ..
تابعته صوفيا وهو على هذه الحال ولم يعد لديها أدنى شك أنه يعشق ايلينا وأن صديقتها بعنادها فى طريقها لخسارة حب عمرها ولاحقا ستندم فى وقت لن يكن للندم فيه أدنى فائدة ...
ابتسمت لنجاح خطتها التي استغلت فيها ريان حين استدعته وأخبرته بمكان ايلينا التي طالما ألح عليها لتخبره به ، استخدمته كوخزة بسيطة ولم تكن تعرف أنها كافية للغاية لجعل يوسف يصرخ غيرة ..
غيرة كادت أن تحرق القصر بمن فيه وهو يراها بين ذراعي ريان يحملها ولولا أنها أخبرته بالأمر بسرعة ولولا مرض ايلينا وتأوهها لارتكب جريمة ...
تذكرت كيف اختطفها من ذراعي ريان في عنف وتقريبا طرده من المكان مع نظرة نارية محذرة من مجرد الاقتراب من جديد ...
تذكرت كيف تلاشى كل هذا الغضب فى لحظة وهو ينظر الى ايلينا التى تتلوى فى ألم ليحتل القلق كل ذرة من كيانه وهو يحملها ويصرخ بكل من فى المشفى باحثا عن طبيب ...
تذكرت كيف وضعها على سرير الفحص وهى غائبة بألمها عن الوعى تقريبا وكيف قبل أناملها فى رقة بالغة وهو يمسح على رأسها ليطبع على جبينها قبلة أكثر رقة ويهمس فى قلق :
” هتبقى كويسة يا حبيبتي ان شاء الله ”
نعم سمعته يناديها حبيبتي ، خرجت منه دون وعي أو ترتيب ، خرجت من رجل يرى حبيبته تتألم فلم يعد لحسابات العقل والمنطق أي وجود حينها.
تأملت الجميع الذين أتو مهرولين خلفهم باحثة عن لقاء يجمعها بنظرات زين مجددا بعد لقاء قصير غاضب زهد بعده عن النظر اليها تماما ..
هي تعرف جيدا ما يفكر به وستشرح له كل شىء فى وقته ...
فقدت الأمل في التفاته لها فانتقلت بنظراتها الى ايتن التي كانت تعبث فى هاتفها كالعادة وكأنها تراسل شخصا ما بينما يتابعها حسام من بعيد ...كعادته لا يرى فى الوجود غيرها فى أي مكان تكون فيه أيا كانت الظروف ...مسكين هذا الشاب أي قدر تعس ألقى بحبه الى مصير مظلم كمصيره مع أيتن ..
نظرت مجددا الى يوسف لتبتسم وهي تنهض لتضع لمساتها الأخيرة الى خطتها ...
وقفت أمامه وتظاهرت بالاحباط قائلة :
”أنا قلقانة اوى يا يوسف ...كدة مش هنقدر نسافر ”
نظر لها في اهتمام وسألها في ترقب :
" تسافرو ..مين اللى هيسافر ؟؟“
ردت وهى تمنع ابتسامتها من بلوغ شفتيها على مظهره المتوتر :
” انا وايليناوعلي ..هيا كانت هتقولك بس للأسف تعبت ”
أشاح بوجهه للحظات عاد بعدها يسألها مجددا في حذر
” زيارة سريعة وراجعين يعنى ”
هزت رأسها نافية في قوة أرادت بها التلاعب بأعصابه :
” لا مسافرين على طول ..راجعين باريس تانى ”
رفع حاجبيه في دهشة واختطف نظرة سريعة الى حجرة الكشف حيث ترقد ايلينا قبل أن يتحرك حاجبيه لينعقدا في غضب :
” ازاي بقا ان شاء الله ..الهانم ناسية أنها متجوزة ”
تنحنحت صوفيا متظاهرة بالارتباك :
” قالتلي انكو هتنفصلو ”
مال اليها في دهشة وتمتم متسائلا في تلعثم :
” ننفصل ؟؟“
ازدرد لعابه بصعوبة وصدى الكلمة يتردد في داخله...لم يكن يعلم أنها ستكون مفزعة الى هذا الحد ...انفصال!! ...فراق بلاعودة!!! ...كل المرادفات مرهقة بألم يتذوقه لأول مرة ...تمالك نفسه وأحكم على نبرته المتلعثمة بأقوى تماسك امتلكه ليخبرها في حزم :
”مفيش انفصال ولا سفر ولا كلام فارغ من ده كله ”
ابتسمت وهي تعقد ذراعيها وقد قررت أن تسلك معه الطريق المستقيم دون أي مرواغة فقد حصلت على ماتريد وأكثر ..قلقه وارتباكه اجابة أكثر من نموذجية ..لم تعد بعدها بحاجة الى أي تعبير ينفي أو يثبت
” انت مش عايز تطلقها يا يوسف ..مش عايزها تسافر" وأضافت وهي تميل اليه :
” بتحبها يا يوسف ”
اتسعت عيناه في دهشة من جرأتها ..أذهله أكثر قدرة فتاة في مثل عمرها الصغير على مواجهته ليقف أمامها كطفل نسي أداء واجبه الدراسي ويبحث عن حجة يسقها لمعلمه ..لم يجد سبيلا للفرار سوى أن أعطاها ظهره حتى لا تلحظ انفعاله الواضح ...
وقفت أمامه مجددا حتى لا تعطه فرصة للهروب وقالت
” ليه عمرك ما حسستها بده ...ليه مورتهاش أن وجودها فارق معاك ..ايلينا قررت تسافر وتبعد عشان مستحملتش أنها تكمل معاك فى جوازة حاسة أنها بتفرضها عليك عشان شفقة أو شهامة منك ”
أطرق أرضا لتستطرد بعد أن تنهدت في عمق
” ايلينا بتحبك يا يوسف ”
رفع رأسه اليها واتسعت عيناه حتى كادت أهدابه تلامس مقدمة شعره ...
تفتحت كل حواسه وكأنه يطلب منها أن تؤكد له مرارا وتكرارا ما قالته وتعيده على مسامعه ما استطاعت فواصلت في جدية تبدو غريبة على انطباع الجميع عنها
” اللى بيحب حد مش بيقبل منه مشاعر أقل من مشاعره ...هيا مش قادرة تستحمل احساسها انك مبتحبهاش ...من الأول يا يوسف وانت بتحاربها ...من الاول وأنت محسسها أنها مفروضة عليك ..استحملت فى الأول ..بس بعد ما حبتك مبقاش ينفع ”
لاذ بالصمت وتستر بالسكون عله يعيد ترتيب أفكاره مجددا بعد أن أصبح لديه الدليل أنها أيضا تحبه
تراجعت صوفيا خطوتين قائلة :
” انا كدة عملت اللى عليا ”
وأشارت الى باب الغرفة برأسها لتردف :
” ايلينا جوة يا يوسف لو عايزها اتمسك بيها ولو مجرد شفقة أو شهامة منك يبقى تسيبها تمشي ...ايلينا أقوى بكتير من أنها تكون محتاجة لحد ”
وتركته ينظر الى الباب حيث أشارت وهو يبتلع غصة مؤلمة فى حلقه ..تحبه !!! ...
ترحل !!! ...
الى أين !!!، هل أصبحت حياته تحتمل من دونها ؟؟
لم يعد هناك مجال للشك أبدا ...هي أصبحت جزء من حياته بل من روحه وكيانه ، استقرت مشاعره أخيرا وتوقف عن المقاومة وظهرت كل الحقائق المبهمة أمامه... هو يحبها بل تجاوز الحب بمراحل الى مشاعر عاجز ان يجد لها مسما يليق بها ..
مشاعر كادت أن تجعله يفتك برجل دون حتى أن يسمع منه لمجرد رؤيته يحملها ...بل يكاد أن يفتك بأخيه حين يشعر براحتها بالحديث معه وهو يعلم علم اليقين ان لاشىء من الممكن أن يجمعهما ، هو يشعر أنها له فقط ليس من حق أي كائن حى ان ينظر حتى الى ملامح وجهها ..هو يحبها ويريدها ولا يريد أن تفرق بينهما من الان لحظة واحدة ، يريد ان يأخذها الى صدره من الان فصاعدا بل أن يحبسها بداخله تحت ضلوعه فلا تملك حق الفرار منه ابدا ..
*************************************
فتحت عينيها فى تعب فقد نامت بعد أن تم حقنها بالعديد من المهدئات عبر هذا المحلول الذى يتسرب الى وريدها ، معاناتها مع المغص الكلوي لم تنتهى بعد فقد اخبرها الطبيب اثناء فحصه لها بالسونار ان هناك حصوة جديدة فى طريقها للتكون بعد أن انتهت مؤخرا من تفتيت حصوة قديمة ، تحسست جانبها فى تعب وهمت لتنهض فتفاجئت بأنامل تلامس يدها وتساعدها على الجلوس ، كتمت شهقتها وهي تشعر بيده تلامس ظهرها لتساعدها على الاعتدال ،أبعدت يدها عن يده فى توتر وهو يقترب منها قائلا فى حنان :
“ حمد لله ع السلامة ”
اومأت برأسها تتمتم في ارتباك جلي :
” الله يسلمك ”
جلس على كرسى قريب منها يسألها في اهتمام :
” بقيتي أحسن دلوقتى ؟؟“
ردت دون أن تنظر الى عينيه
” الحمد لله ”
تأملها للحظات قبل أن يميل اليها يسألها في عتاب
” ايه الكلام اللى صوفيا بتقوله ده ..انتى فعلا عاوزة تسافرى ؟؟“
تنهدت فى حزن تجيبه بما يؤلمها البوح به :
” ايوة ..مبقاش فيه حاجة أفضل عشانها ..بابا وخلاص راح ”
ربت على كفها قائلا في رفق :
” وأنا يا ايلينا ”
سحبت كفها من تحت يده تتجنب تأثيره المرهق على مشاعرها :
” احنا اتفقنا على الانفصال يا يوسف وانت بنفسك اللى طلبت ده ..بلاش نضحك على بعض ..لولا تعب بابا مكنش زمانك رجعت فى قراراك ”
عاد يحتوى كفها بين كفيه ويضغطهما بقوة لينفي ما قالته بسؤال حمل من ذعره لفقدانها الكثير :
” انتى بجد عاوزة تسافرى وتسيبيني ؟؟؟“
لم تحاول أن تحرر كفها من يده هذه المرة ...قوة غريبة منعتها...قوة ناعمة دافئة تشعر بها تحت أنامله قوةسمحت لضعفها أن يظهر أمامه وهي تترك لدمعة فرصة في أن تسيل على وجنتها قائلة :
” يوسف لو سمحت ”
رفع ذقنها بسبابته ومسح دمعتها بابهامه بينما ظل محتفظا بكفها في يده الأخرى قائلا :
” انا آسف يا ايلينا آسف على كل حاجة قولتها وكل حاجة كان المفروض أقولها ومقولتهاش ..آسف على كل مرة جرحتك فيها وحاولت أبعدك ..أنا محتاجلك يا ايلينا أرجوكى متبعديش عنى ”
رفعت نظرها اليه بعينين دامعتين كأنها تتبين صدقه فواصل في رقة :
” بابا حكالي على كل حاجة ..حكالي اد ايه انتى استحملتينى وليه عملتى ده كله عشاني”
نهض من مكانه وأفلت كفها لينظر الى الأعلى قائلا وكأنه يعلن اعتراف :
” ايلينا أنا فعلا اتغيرت ..انتي غيرتيني ..بلاش تسيبي ايدي في نص الطريق ..كمليه معايا للآخر أرجوكي ..مش عاوز أتوه تاني من غيرك ”
تنهد مطولا وهو يتأملها مجددا ليقول في حنان :
” خدي وقتك وفكري المرة دي مفيش حد هيبقا مرغم على حاجة ..أنا بختارك ..بختار وجودك وقربك وعاوزك انتي كمان تختارينى بعقلك وقناعتك مش عاوزك تضغطي على نفسك ابدا ..خدي وقتك أنا هستناكي ” واقترب ليقبل أناملها فى حب واضح قبل أن يذهب ليجلس على أريكة جلدية فى احدى زوايا الغرفة وهو يخلع سترته قائلا :
” الدكتور قال محتاجة تبقي تحت الملاحظة لبكرة الصبح ..فاستحملي وجودي معلش ..تصبحي على كل حاجة جميلة ”
وقبل ان ترد كان قد أغمض عينيه كأنه يفرض واقع وجوده عليها غير عابىء برفضها اياه من عدمه ...
شبح ابتسامة لاح على ثغرها وهي تفكر في كل ما أخبرها بها ولكن بعضا من الغيظ شاب سعادتها بشوائبه المقيته ليعكر صفوها فأهم شىء لم يخبرها به، لم يخبرها ان كان يحبها أم مجرد احتياج فقط ، لقد قرأت حبه فى عينيه ولكنها كأي انثى تريد أن تسمع وتسمع ما يكفيها من كلمات العشق بكل لغات ومفردات العالم ، تريد ان تشعر بلمعان عينيه وارتجاف شفتيه وهو ينطقها ..تتمنى أن تعرف كيف سيستقبل قلبها اعترافه ..هل سيستقبله بدقات مماثلة لتلك الدقات التي تشعر بها دوما حين تراه ..أم أنه سينبض بطريقة أخرى تعبر عن سعادته وهيامه ، لاتريد ان تسلمه حياتها من قبل ان تسمعها صريحة وهي بالطبع لن تتسولها منه ولن تكون هى البادئة الا بعد أن ينطق هو أولا فلن تحتمل ذرة شك واحدة في مشاعره نحوها وقد أدرك هذا بالفعل بمجرد أن اغمض عينيه متظاهرا بالنوم ..شعر بالحنق على ذاته وأخذ يردد فى نفسه
” غبي ”
لماذا لم يخبرها بأهم مافي الأمر ، لماذا ضن عليها بتلك الكلمة ؟؟ .. هؤلاء النساء لايعترفن الا بسواها ، عقلهن يلغي أي جملة لاتحتويها تلك الكلمة ، لماذا بخل عليها بها... أليست هذه الحقيقة؟؟...
ألم يحبها وكانت هي أول انثى يدق قلبه لها بعنف... ألم يكد ان يقتل هذا الشاب الذى كان يحملها و...، فتح عينيه من جديد ونظر لها وبيد انها انتفضت من حركته المفاجئة فوضعت يدها على صدرها وهو يسألها مباشرة :
” ايلينا ..ليه مكلمتنيش عن ريان ؟؟؟“
*****************************************************
وفي الخارج نظر محمود الى سميرة التى جلست الى جواره قائلا
” صوفيا اتأخرت اوى تحت يا سميرة ”
نظرت الى ولدها زين الذى بدا عليه التوتر بدوره وقالت وهى تلوي فمها فى انزعاج :
” محدش قالها تنزل تجيب أكل لوحدها ...قال ايه عايزة تتمشى انسانة غريبة ”
نهض محمود قائلا في ضيق :
” البنت ضيفة عندنا يا سميرة لو جرالها حاجة نقول لايلينا ايه بس ..أنا ابتديت اقلق البنت غريبة عن البلد ممكن أي حد يضحك عليها ”
شعرت بالحنق أكثر وهي تتابع ولدها ينظر الى مدخل المشفى شاردا وهو يقضم أظافره كعادته منذ الصغر ان توتر ، قلقه عليها كان واضحا وشعرت معه بخطورة تلك الصوفيا التى يزداد تعلقه بها يوما عن الأخر ...ودت لو امتلكت من الجرأة ما يكفى لتتحدث الى ايلينا بأمرها
تنهد محمود ونادى ابنه الذى انتبه من شروده قائلا في أدب :
” نعم يا بابا ”
اقترب محمود مربتا على كتفه وهو يخبره :
” صوفيا نزلت وقالت أنها هتجيب حاجات من السوبر ماركت ومش معقول ده كله تكون مخلصتش ...أنا خايف يكون جرالها حاجة انزل شوفها يابنى ”
حنق زين وغضبه عليها ومنها ومن تصرفاتها الحمقاء لم يستطع أن يخفيه وهو يهمس من بين أسنانه :
” يعنى حد كان قالها تنزل ”
قطب محمود جبينه في ضجر
” زين انا مفياش حيل اناهد انزل شوفها ”
ولم يكن زين بحاجة الى أمر أبيه ليفعل كان سيتحرك دون أن يطلب منه ذلك فهو رغم غيظه وحنقه منها الا أن قلقه عليها يزداد وهو يتخيل تعرضها لأي خطر فهي فى النهاية وقبل أي شىء حبيبته ... لم يعد له حيلة فى الخروج من دوامة مشاعره نحوها فقد فقد السيطرة تماما وخرج الأمر برمته عن قوة أي ارادة لديه ، يكره شعور القلق الذى ينتابه وهو يتخيلها لاتعبأ به تماما يتمنى لو تمكن من رقبتها فخنقها بيده كما خنقته وأوقفت انفاسه وهى بين ذراعي هذا الشاب صباحا ، ذهب الى المتجر القريب وتفاجىء بما لم يكن فى الحسبان...
هذه الفتاة ستفقده عقله وتوازنه لاريب في ذلك ، رآها تهبط من سيارة ليهبط قائدها ويصافحها فى ود قبل أن يذهب وهي تلوح له، هنا بلغ غضبه وغيرته درجة لاجيمكن احتمالها أو حبسها أبدا، هل كاد يموت قلقا بينما هي تقضي وقتا مع آخر لاتعرفه حتى ؟؟، هل كانت بتلك الوقاحة وهو لا يعرف ، انطلق تجاهها كصاروخ يعرف هدفه جيدا لينفجر بها وما ان لمحته حتى ابتسمت قائلة :
” زين انا ”
لم يمهلها فرصة لتنطق اذ أطبق على ذراعها فى قسوة وهو يهتف غاضبا :
” انت ايه بالظبط ؟؟؟...انتى ايه ؟؟؟...انتى ازاى مقرفة كدة ؟؟؟...“
فغرت فاها وشهقت فى صدمة وهى لاتعرف عما يتحدث وبما يعنى بوصفها بهذا اللفظ فواصل وهو يضغط على ذراعها اكثر :
” الصبح ألاقيكي في حضن واحد ودلوقتي نازلة من عربية واحد تاني ...كنتي بتعملي ايه معاه ؟؟...ميفرقش معاكي المهم أي واحد وخلاص ...طبعا ماهو أصلا محدش عرف يربيكي ولا يعلمك الأدب ”
سالت دموعها فجأة ودون مقدمات ..سالت بغزارة وهي تحملق به و تسمع كلماته اللاذعة التى آلمتها لانها خرجت منه هو بالذات...
لمح بعينيها نظرة قهر وانكسار وهى تحاول ان تفلت ذراعها من قبضته القوية فأرخى يده لتقول فى الم وبصوت متقطع :
” ريان يبقى عمي على فكرة ...ولما كنت فى السوبر ماركت في ست اغمي عليها وأنا طلبت الاسعاف وروحت معاها المستشفى عشان ست كبيرة ومعهاش حد ولما ابنها جه أصر أنه يوصلني عشان أنا مكنتش أعرف أرجع لوحدي ”
واضافت وهى تنظر له فى خيبة أمل ولوم
” فى أي اتهامات أو تجريح تانى ”
تنهد فى عمق وهو يترك ذراعها ويطرق برأسه أرضا .. ماالذي فعله ؟؟؟، مالذي تفوه به ؟؟
لماذا لم يسألها فحسب... لماذا فقد تعقله ووضعها في قفص اتهامات نسج خياله وحده قضبانها من شكوك ليس لها أساس ، لحظة غيرة أفقدته كل عقله ، أفاق على حركتها وهي تنسحب من امامه فحاول ان يوقفها قائلا
” صوفيا أرجوكي استني”
نظرت له في انكسار وكأنها تخبره أن أملها خاب فيه ، لم يكن أمامه سوى أن يتركها ريثما يرتب افكاره هو الآخر ويعرف كيف سيصلح ماأفسده...
ليعرف كيف سينتقي حبه من كلمات ما يمكنه أن يمحو ما انتقاه غضبه وغيرته من أكثرها قسوة ..
استرجع ما تفوه به من جديد ومعه عادت نظرتها الكسيرة تحاصره فهتف في أعماقه في حزن
"غبي يا زين ...غبي "
***************************************************
وضعت ايلينا علبة الدواء الخاصة بها في نظام على المنضدة بعد أن تناولت جرعتها المعتادة الذي وصفها لها الطبيب بعد خروجها من المشفى ،كانت تفكر في أمر يوسف وما يجب عليها أن تفعل فقد تعافت تقريبا وتستطيع السفر من الان ..
ولكن هي لمست التغيير الذي طرأ عليه وفي الوقت ذاته تخشى أن يكون مجرد تغيير مؤقت من أجلها ، نعم هي تحبه ولكن هل يكفي الحب وحده ؟؟، وقفت أمام المرآة ترتب شعرها الغجرى المموج حين سمعت دقات على الباب ، نظرت الى هاتف صوفيا على المنضدة وابتسمت فى تهكم ، لابد انها عادت بعد دقيقة من خروجها لأنها نسيته ، متى تتوقف تلك الفتاة عن نسيان أشيائها فى كل مكان ، حملت الهاتف وهي تحتفظ بابتسامتها وتعد كلمات السخرية على ثغرها كالمعتاد ، فتحت الباب وهى تتأهب للحديث فبقى ثغرها مفتوحا بل اتسع اكثر واكثر فى ذهول وهى ترى يوسف يقف أمامها وهو بدوره تسمر فى مكانه محاولا ان يخفى انفعاله وانبهاره بجمالها الأخاذ فلأول مرة يراها بدون حجابها وبملابس عادية ، شعرها كان غجري مثير يمتد الى نهاية ظهرها وقد ارتدت بنطالا ضيقا من الجينز عليه كنزة قصيرة زرقاء تصل بالكاد الى خصرها لتبرز منحنيات جسدها فى دقة ، تخلص هو من ذهوله بشكل أسرع وهو يقول بعد ان تنحنح ليتصنع الجدية :
” لو سمحتي يا انسة أنا عاوز ايلينا ..حضرتك صاحبتها ؟؟“
رفعت حاجبيها وقد خلصتها مزحة يوسف من توترها هي زوجته على أي حال ولن يحدث شىء ان رآها هكذا ، ردت فى جديه :
” نعم يا يوسف فى ايه ..علي فى مدرسته وصوفيا مش هنا ”
ابتسم في نفسه فالفرصة أمامه متاحة تماما فتمادى فى مزاحه اكثر قائلا :
” يا انسة لو سمحتي انديهالي مراتي ”
نظرت الى هيئتها قبل أن تقول في غيظ وهى تهم بغلق الباب :
” طيب روح دور على مراتك في مكان تاني ”
تلقى الباب بيده ليمنعها من غلقه قبل أن يدخل هو لمواجهتها ويغلقه خلفه قائلا وهو يكور وجهه :
” ياباى عليكى الواحد ميعرفش يهزر معاكى ابدا ”
عقدت حاجبيها في تذمر وهي تراه يجول بعينيه على جسدها كأنه يتعمد ارباكها ، نظر الى جسدها المنحوت والذى تخفيه بحجابها ولها الحق فى ذلك وان لم تفعل لطلبه منها فلن يسمح لغيره بأن يرى كل هذه الانوثة ليمتع ناظريه بهما ..
احتضنت نفسها قائلة فى توتر :
” يوسف عاوز ايه ؟؟“
ابتسم وهو يقترب منها قائلا :
” ايه الجمال ده كله ؟؟؟“
ازدردت ريقها واحمرت وجنتيها وانتفضت وهو يمد انامله يلامس شعرها الغجرى هامسا في نبرة مؤذية لارادتها الهشة :
” تعرفى اني طول عمرى بعشق الشعر الغجرى ده ..اوعى تعملي فيه أي حاجة أنا عايزه على طول كدة ”
كاد ان يمد يده الاخرى لتتجول فى خصيلات شعرها اكثر لولا ان مدت يدها لتنزل كفه فى عنف هاتفة
” يوسف انت بتعمل ايه ؟؟انت اتجننت ؟؟؟“
تراجع خطوتين قائلا وهو يضع يديه فى جيبه :
” اتجننت ؟؟؟...واضح انك نسيتى ان احنا متجوزين ”
ردت فى عناد طفولى وهى تضع يدها فى خصرها
” صورى بس واحنا اتفقنا على الانفصال ”
عض على شفتيه ونظر الى اليمين والى اليسار قبل ان يخلع سترته ويلقى بها بعيدا ويشمر قميصه عن ساعديه ويخلع ساعته وهي تراقبه فى قلق وتقول فى تلعثم :
” انت هتعمل ايه ”
اقترب منها فى بطء مميت وعيناه تخترق جسدها بوقاحة أكثر :
” هبطلك تقولى كلمة صورى دى تانى ”
ابتعدت في هلع وهي تشير بسبابتها تحذره
” يوسف اعقل بلاش جنان ”
اقترب اكثر وهو يخبرها في عبث :
” الجنان هوا الحاجة الوحيدة اللى تنفع معاكى ”
وقبل أن تنطق جملة أخرى كان يدفعها على أريكة قريبة ليسقط فوقها بدوره...
اقترب بوجهه منها حتى تلاحمت أنفاسهما سويا وتشابكت أنامله مع اناملها وهو يقيدها عن الحركة تماما و يهمس أمام شفتيها :
” ايه رأيك بقا لو فعلتلك الجواز ده دلوقتي حالا ”
4