رواية لعنة الخطيئة الفصل الثاني عشر 12 بقلم فاطمة احمد
الفصل الثاني عشر : داخل الأسوار 2
________________
تسلل ضوء الشمس الخافت للغرفة ووقع على تلك التي تفترش الأرضية فأرقَّ مضجعها ورمشت عدة مرات قبل أن تفتح عيناها باِنزعاج، اعتدلت في الجلوس وتمطعت بكسل مهمهمة :
- ااخ ظهري اتكسر من نومة الأرض ديه.
نظرت إلى السرير ووجدته فارغا كالعادة فمطت شفتها بعدم اكتراث ونهضت تلملم الأغطية وتضعها في الخزانة ثم نزلت ووجدت العائلة متجمعة على طاولة الفطور وعندما رأتها حكمت هدرت بحدة :
- انتي ملكيش مكان هنا.
- وانا مش جاية اقعد معاكو.
ردت نيجار بهدوء وتوجهت نحو المطبخ لتجلس بمفردها بينما تفكر ...
مرَّ شهران على زواجها من آدم ولم تذق فيهما طعم الراحة بسبب حكمت التي تشغلها عبدة في السرايا وتلقي الإهانات على عائلتها كل يوم مازالت تتذكر ماحدث الأسبوع الماضي حينما حاولت تلك العجوز صفعها فأمسكت هي يدها ودفعتها للخلف بتلقائية ليأتِ آدم في تلك اللحظة ويعتقد أنها هاجمت جدته !
وقتها شدها من شعرها وأجبرها على التذلل وطلب الصفح منها وحين رفضت حبسها في غرفة بالطابق السفلي يوما كاملا ولم يكد يفتح لها الباب حتى أوشكت على الإختناق من شدة ضيق الغرفة والظلام الدامس فيها !
كانت هذه المرة الوحيدة التي يتعامل آدم معها لأنه منذ حطم هاتفها ومنعها من التواصل مع عائلتها لم ينظر لوجهها أو حتى يتكلم معها ويغادر كل مكان تكون موجودة فيه وكأنها وباء مع أنه كان يتوعد لها بالعذاب، حسنا يبدو أن قرفه منها يجعله يرفض الإحتكاك بها لأي سبب كان.
تجهمت نيجار عندما طرأت ببالها هذه الفكرة وهمست باِمتعاض مغلف بالحسرة :
- تجاهلني المدة ديه كلها وفضل ساكت ع اهانات جدته ليا ويوم عبرني كان هيموتني.
ده مكنش بيهون عليه يشوف جرح ف إيديا حتى وفي مرة كنت معاه في البحيرة وخبطت راسي قام نط فورا عشان يشوف مالي.
صمتت وشرد عقلها دون شعور في ذكرى إحدى لقاءاتهما حينما كانا يتمشيان على العشب الأخضر تحت أشعة الشمس التي عكست نورها على مياه البحيرة ثم أهداها قلادة على شكل عباد الشمس وأخبرها بأنه يود التقدم لخطبتها وهي نفسها القلادة التي وقعت من رقبتها يوم طعنته فأعادها هو إليها يوم خطف صفوان واستدرجها إليه ...
كادت نيجار تغيس أكثر إلا أنها اِستفاقت وضربت رأسها بهلع عندما أدركت أن عضلات شفتيها كانت على وشك التقلص في إبتسامة وأدتها قبل الظهور ،ثم انغمست في تحريك كوب الشاي وهي تستعد ليوم حافل بالأشغال المنزلية كعادتها ....
_________________
في الخارج.
رفعت ليلى بصرها عن الطاولة وقالت بعد تردد :
- تيتا حضرتك ليه بتعاملي نيجار كده من يوم ما جت للبيت ده عمرها ما قعدت معانا وعلى طول بتقوليلها كلام انا مش فاهماه.
لم تجب عليها حكمت فتنهدت ونظرت لآدم الذي كان يتناول فطوره بهدوء :
- لو مبعرفكش كويس كنت هقول أنك بتعمل كده لأن عيلتها عدوة لعيلتنا من سنين لكن حتى السبب ده مش وارد لاني عارفة انك مش بتفكر بالطريقة ديه يبقى في حاجة تانية مخبيينها عليا صح ؟
اِرتشف من كوب الشاي ورد عليها مبرطما بجدية :
- من الأحسن متشغليش بالك بالحاجات اللي بتحصل هنا والتهي بدراستك.
فتحت ليلى فمها لتعارضه لكنه حدجها بنظرات حازمة مستطردا :
- انتي لسه صغيرة ع المشاغل ديه والحاجة الوحيدة اللي لازم تركزي فيها دلوقتي هي امتحاناتك ومش عايز كلام في أي موضوع غيرها.
تجهمت بضيق من اِعتبارها طفلة على الدوام وعدم اشراكها في أي شيء يخص العائلة لكنها كتمت إحساسها بداخلها وحضرت نفسها لتذهب إلى الكلية وحينما فتحت الباب اصطدمت بشكل عرضي بفاروق الذي ابتسم :
- صباح الخير يا ليلى ازيك.
بادلته الإبتسامة بأخرى مماثلة وردت عليه ليضيف متسائلا :
- عندك امتحان النهارده ؟
- ايوة.
- تمام بالتوفيق يلا روحي بسرعة عشان متتأخريش محمد مستنيكي برا.
توهجت عيناها فجأة وتلعثمت بلهفة محرجة :
- أخوك اللي هيوديني النهارده ؟
ردَّ عليها بإيجاب وتجاوزها فشرعت تعدل مظهرها بإرتباك ومشت بخطوات متزنة لتركب خلف السائق الشاب الذي حيَّاها ببرود وبدأ بالقيادة دون النظر إليها ...
*** دخل فاروق عليهما وألقى تحية الصباح فأشار له آدم بالجلوس مستفسرا :
- شوفت العمال لو خلصو شغل ع الشحنة الجديدة ؟
- أيوة الشحنة جاهزة وهنبعتها للتاجر بعد شويا بس ..
تردد في إنهاء الجملة لتسأله حكمت :
- بس ايه ؟
وجه آدم أنظاره له بينما يكمل الآخر :
- التاجر عيسى بيه اللي كنا متفقين معاه ع صفقة كبيرة واتصل بينا عشان يلغيها بحجة السيولة سمعت أنه اتفق مع صفوان وهيبدأو يشتغلو مع بعض.
رفع حاجبه مستنكرا :
- عيسى اللي أهم حاجة عنده الربح اتفق مع صفوان اللي بستانه ومحاصيله الزراعية اتحرقو والعمال بتوعه خلعو وغرق في الديون ازاي ده يحصل!
تنهد فاروق مجيبا بحيرة :
- عشان كده انا استغربت وقلت صفوان هيجيب فلوس منين عشان يشتغل ده المفروض محدش يقبل يتعامل معاه اصلا لأن وضعه المادي مش زي قبل.
تدخلت حكمت في الحوار بعدما استمعت لهما :
- يمكن صفوان كان مخبي فلوسه عشان اليوم ده او استلف من حد بيعرفه علشان كده قدر يعمل صفقة جديدة.
مسح آدم يداه بالمنديل ثم وضعه على الطاولة وهو ينهض هاتفا :
- عموما احنا مش خسرانين حاجة هو يدوب زبون واحد ومش هيأثر علينا بعد اذنك يا ستي خدي بالك من نفسك.
ودع جدته وأشار لفاروق بالخروج للبيت حكمت بمفردها على الطاولة لتهرع لها الخادمة وتقول :
- اؤمريني ياست هانم.
- جيتي انتي ليه يا أم محمود فين المحروسة التانية.
- أنا هنا.
قالتها نيجار وهي تقترب منها بتلكؤ لتشرع في تنظيف مائدة الفطور بهدوء دون قول كلمة إضافية فراقبتها حكمت بحقد أهوج متمنية لو تقتلها الآن وتنتقم لكرامتها وكرامة حفيدها لكنها تعلم بأن هذا ليس الوقت المناسب.
وقعت ملعقة من يدها فاِنحنت كي تلتقطها وهنا حركت حكمت ابريق الشاي النحاسي وأمالته ليسقط مع محتوياته على نيجار التي صاحت بألم وهي تقف فشهقت أم محمود بهلع مطالعة سيدتها ذات الوجه البارد ثم إلى الأخرى التي تأوهت بوجع وتحسست جبينها فوجدته ينزف ...
نهضت حكمت من مكانها مغمغمة ببلادة قبل أن تصعد لغرفتها :
- حتى السفرة مبتعرفيش تلميها زي الخلق.
ضغطت على شفتيها مانعة نفسها من التهجم عليها فاِقتربت منها الخادمة مرددة بتطفل :
- يالهوي انا قولت ان وشك اتحرق كويس ان الشاي كان دافي ... ايه اللي حصل مابينكو عشان تعمل فيكي كده ااا..
قاطعتها نيجار بنظرة حادة أسكتتها ثم غسلت وجهها وصعدت للغرفة كي تضمد جرحها بينما تقول بسخط :
- انا لو ف إيدي اقتلها مكنتش قصرت معقول انا يحصل فيا كده واضطر اسكت ... كله بسببك ياصفوان مش مسامحاك.
توقفت فجأة عما تفعله وجلست على السرير بعينين متلألئتين بالدموع وهمست :
- بقالي شهرين مرزوعة هنا ومهانش عليكو تسألو عني او تجو تطمنو عليا كأنكم ماصدقتو ترموني انا عملت كتير عشانكو وفي الاخر بتتخلو عني بكل سهولة كده.
نزلت عبراتها بحزن على حالها ورغبت في الإجهاش بالبكاء إلا أنها تمالكت نفسها بصعوبة ومسحت بقايا دموعها ثم خرجت كي تتابع القيام بالمهام المفروضة عليها ...
__________________
كان يقف في منتصف الساحة يراقب أشغال العمال برضا لأن أرضه بدأت تعود لسابق عهدها قبل قيام عائلة الصاوي بحرقها وهاهم عماله يحرصون على القيام بما يجب لكي تتحسن أكثر ...
اِبتسم ونظر الى مساعده الذي جاء للتو وقال له :
- شايف ازاي ربك مبيسيبش حد محتاج الشغل قرب يرجع زي الأول حتى التجارة دخلنا فيها من تاني وهنشتغل مع عيسى بيه.
أومأ مساعده موافقا إياه :
- معاك حق يا بيه القرض اللي حضرتك خدته هيساعدنا في تعمير الأرض وكمان العمال كانو هيطفشو لاننا مدينالهمش مستحقاتهم، بس...
همهم صفوان بإنتباه :
- بس ايه ؟
- انا كلمت الجماعة اللي خدهم آدم بيه وقت الحريق بس مرضيوش يرجعو قالو انهم مرتاحين في شغلهم معاه.
- ناكرين الجميل نسيو لما كانو بيجو لعندي ويترجوني عشان اشغلهم دلوقتي بقى شغل ابن سلطان بيكسبهم اكتر، بس هيجي يوم ويرجعو يبوسو رجليا ويطلبو العفو.
رددها بثقة ووعيد ليقاطعه رن الهاتف فذهب لمكان فارغ وأجاب :
- ألو اهلا يا مراد خير بقالك يومين مختفي.
رد عليه الآخر بهدوء بينما يلعب بغرض موجود فوق سطح المكتب :
- كان عندي مشاغل وملحقتش اكلم حد قولي انت قدرت تتفق مع عيسى بيه ولا لأ.
همهم صفوان متفاخرا :
- اتفقنا واتفاهمنا مع بعض هو كان متخوف في الأول وقالي ان الوضع بتاعي مبيسمحليش ادخل في صفقة كبيرة زي ديه بس أنا اقنعته وبصراحة الفلوس اللي انت اديتهالي ساعدتني مش عارف ازاي بقدر اكافيك.
دلّك صدغيه بيده بإرهاق مستمعا له وقال :
- انت المهم تنفذ الصفقة ديه وتثبتلهم انك احسن من آدم خد بالك أنك لو نجحت هيرجع صيتك زي الأول وتاخد صفقات ومشاريع أكتر.
- متقلقش هنفذها.
- احسنلك تعمل كده لأني موّلتك بمبلغ كبير من الفلوس وهتندم لو رجعلي بخسارة.
مط شفته باِمتعاض مجيبا بنعم وأغلق الخط، بينما عاد مراد يفرك عيناه واتصل برقم آخر :
- ايوة نعم ... طمنيني بقت عامله ازاي لسه صاحية ؟
- الهانم نامت من شويا يابيه بعد ما كلت وخدت الدوا بس شكلها كانت بتسأل عنك وعايزة تشوفك عينيها فضلو يدورو عليك.
شعر بغصة مؤلمة تحتكم حلقه وصعُب عليه بلعها بينما يجيب :
- غالبا مش هقدر ارجع النهارده لأن بقالنا يومين نايمين في المشفى والشغل متراكم عليا بس قوليلها اني هجي اول ما اخلص اللي ف ايديا تمام وخدي بالك من ميعاد الدوا واتأكدي انها شربته.
- أمرك.
أعاد مراد الهاتف لمكانه محدثا نفسه :
- ل امتى هنفضل نستحمل وهما عايشين في النعيم ولا كأنهم عملولنا حاجة ... قدرو يكملو حياتهم عادي بعدما ضيعو حياتنا احنا لو في ايدي اقتلكم مش هقصر بس انا هخليكم تموتو بالبطيء لما تخسرو الشيء اللي ضيعتونا علشانه.
__________________
في المساء.
بعدما تناول العشاء مع جدته وشقيقته صعد لغرفته المشتركة معها فقامت نيجار من مكانها وتشدقت ب :
- عايزة اطلب منك طلب.
لم يرد عليها آدم وفتح باب الخزانة كي يأخذ ملابس النوم دون أن يعيرها الإنتباه فزمت شفتيها بغيظ وتقدمت بضع خطوات منه متابعة :
- أنا عايزة اروح لبيت عيلتي بقالي زمان مشوفتهومش.
لم يردّ عليها واِنشغل بنزع قميصه واِرتداء تيشرت خفيف غير مكترث بتململها حوله وكأنها هواء وهذا ماجعل صبرها ينفذ لتقترب منه وتمسك ذراعه بحركة متهورة قائلة :
- لو سمحت بصلي انا بكلمك !
احتدت عيناه ونظر لها بحدة اهتزت قليلا عند رؤية الجرح الذي على جبينها فتلجلج لثوانٍ ثم دفعها عنه بعنف :
- انتي مش فاهمة اني مش طايقك ايه هو مش كفاية عليا مستحمل وجودك معايا فنفس الأوضة هضطر كمان اسمع صوتك ! اسكتي وخلي الليلة تعدي بلاش تعصبيني.
تجرعت نيجار الإهانة بقسوة ورغم ذلك قالت بصوت مختنق :
- بس انا مطلبتش غير اني اروح لبيتي شويا وارجع انت اللي اتعصبت لوحدك.
- ودلوقتي جه وقت تعملي نفسك مسكينة ومظلومة صح بلاش جو الصعبانيات ده لأنه مبياكلش معايا ويلا دلوقتي امشي من وشي.
صرخ عليها وتوقع أن تعانده لكنها تركته وذهبت لتنام على الأرض فزفر بإقتضاب وأخذ مكانه على السرير مستعدا للنوم لكنه عاد وفتح عيناه بعدما تيقظ لشيء ما فبقي يفكر قليلا حتى هتف بصوت خشن :
- هتروحي بكره وتقعدي ساعة وترجعي.
انتفضت جالسة وشهقت ببهجة :
- بتتكلم جد ؟
تفاجأ من فرحتها لهذه الدرجة فرفع اصبعه في وجهها منبها :
- ساعة واحدة بس وديه آخر مرة.
هزت رأسها سريعا وعادت تغطي جسدها ليقول بداخله :
- اكيد صفوان هيرجع لبيته اول مايعرف انك هناك ووقتها هتجيلي الفرصة عشان افهم انت بتخطط لإيه.
بينما كادت إبتسامة نيجار تشق وجهها وهي تهمس :
- هروح لبيتنا أخيرا و اخد الحاجات اللي نسيتهم ومجبتهمش معايا يوم فرحي ...
_________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه
صفوان هيقدر ياخد شغل آدم ويستولي عليه ولا لا ؟
ايه هو سر مراد وليه حاقد للدرجة ديه على عيلة الصاوي ؟
ادم مخطط ل ايه ونيجار هتروح تجيب من بيتهم ؟