اخر الروايات

رواية ميراث الندم الفصل العاشر 10 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل العاشر 10 بقلم أمل نصر


 هتف عيسى متسائلًا، بعد ان قص عليه الاَخر ما حدث معه منذ قليل، فور أن وطئت أقدامه ساحة المنزل الكبير، ووجده بالصدفة أمامه:
– بتجول مين؟…..غازي الدهشان! ودا ايه اللي جابه المستشفى؟
ضرب سند بقبضته باطن كف يده الأخرى، يدمدم بحنق شديد:
– أيوة هو زفت، مش عارف ايه اللي جابه اساسًا الساعة دي؟ دا انا كنت خلاص، على وشك ان اوصل لأي نتيجة معاها، ضعفت معايا يا عيسى، كانت عايزة تهرب لكني كنت سادد عليها السكة، وجه ده زي الجدر المستعجل، بوظ كل اللي كنت بعمله، دا غير انه أهاني وهزجني جدامها، انا كان هاين عليا اطبج في زمارة رجبته، بس اللي منعني هو خوفي من اللي جاي، وراه بدنة كبيرة تسد عين الشمس واد الفرطوس.
تبسم الاَخير معقبًا على قوله بسخرية:
– يعني انت اللي منعت نفسك عنيه يا سند عشان البدنة واللي وراه؟ يا راجل دا عليه جتة تطبجك مرتين، سيبك من الفشر يا واد خالتي، غازي الدهشان مش هين ليك ولا لغيرك.
ردد خلفه باستهجان وانفعال:
– انا بفشر يا عيسى؟ يعني تحب اروح اتعرك معاه عشان تصدج يعني؟
التوى ثغر الاخر يقلب عينيه، مع الزفر بسأم وملل، لفعل هذا الأرعن، قبل أن يخاطبه بتشدد:
– اهو انا ما يغظنيش غير الغباء، يا بني آدم انت افهم، احنا لا عايزين عرايك ولا مشاكل مع ناسها، احنا اللي محتاجينلها مش هي اللي محتاجانا، دلوك هي متحامية في ناسها بعد ما بعدتها مرة خالك الجبانة بجصد.
اوعى تفتكر ان سليمة دي هينة، هي رافضة دلوك موضوع الوصاية، رغم انها عارفة ان جوزها لا يصلح، عشان سكري وسمعته طين، بس ممكن تكون مستنية الوجت المناسب عشان ترفع الجضية، أو ممكن يكون مانعها الخوف على واد ولدها من فايز لو حب ينتجم، واحنا في كل الحالات هنبجى خسرانين البيت، لو هي متعاونتش معانا، مش بجولك محتاجينلها ومحتاجين لموافجة نادية.
– يا عم عارف.
صاح بها بغضب ليتابع بغليله:
– وفاهم كل اللي بتجول عليه، بس انا دمي فاير من الراجل ده، جلة الجيمة مش هينة برضوا، واحنا فينا اللي مكفينا بعد الوحلة اللي اتوحلناها دي، ودا طب زي العفريت، واكنه كان متابع، دا انا حتى استنيته يمشي عشان ارجعلها، او حتى احصلها وهي مروحة ع البيت، لكنه سد عليا حتى باب الأمل الاَخير بعد ما خدها معاه في عربيته، هي وولدها……..
صمت برهة ليردف سائلًا بتوجس:
– يكونش هو كمان حاطط عينه عليها ؟
قلب عيسى الأمر برأسه قليلًا بتفكير عميق، ثم ما لبث ان ينفي سريعًا بعدم تقبل:
– لا انت كمان مدخلناش في متاهة احنا مش ناجصينها، انا اللي اعرفه ودي كانت باينة زي عين الشمس، هو ناجي ولد سعيد، اهو دا بجى معروف عنه من زمان انه كان هيموت عليها، اما صاحبنا التاني، فدا اساسًا متجوز، ومش أي واحدة وخلاص، دي بيجولوا عليها فردة زي الجمر.
– ما هي نادية كمان فردة وزي الجمر، والبحر يحب الزيادة، ايه اللي يمنع؟
قالها سند ورأسه تضج بالشكوك والخطط، فما حدث له من اهدار للكرامة لن يتخطاه ابدًا، هتف به الاخر يوقف هذايان افكاره:
– يا عم جولتلك متدخالناش في متاهة، خلينا في اللي احنا فيه، لازم نشوف حل جبل اجتماعنا مع كبارات العيلة بكرة، اللي دعاهم المحروج خالك عشان يبتوا في امر رجوعه البيت، الدايرة بجت تضيج، زفت الطين ده عايز ياجي يكتم على نفسنا.
سمع منه سند ليطالعه بنظرة حانقة قبل أن يضرب كفه بالحائط بوجه متجهم يردد بحديث إلى نفسه:
– باينها مهتجيش غير بالعافية، وزمن المحايلة عدى وخلص!
❈-❈-❈
وكأنه عاد لعمر التاسعة عشر، دوي النبضات المتسارعة بقوة، يضج كالطبول في أسماعه، حتى خشى ان تفضحه ويصل إليها الصوت، صوت خفقان المسكين بإسمها.
من احتلت احلامه وأرقت ليالية، جالسة بجواره ، حتى وهي غير منتبهة له، لانشغالها في مراقبة الطريق الذي تقطعه السيارة، وهذا الشرود الذي يعلو قسماتها دائمًا،
لم يصيبه السأم، يكفيه مراقبة خلجاتها مع كل لفتة نحو معتز وأفعاله المستمرة في المرح، ان يشبع أنظاره من حسنها الفتان، ورد الوجنتين الذي يزهر على أقل فعل يربكها بالخجل، عيون الريم التي تهديه نظرة من حين الى اخر حينما يجبرها في النظر إليه بالسؤال عن شيء ما.
– انا بجول كفاية.
– نعم!
تفوه بالكلمة بعدم تركيز انتبهت اليه، لتخاطبه مشددة على أحرف الكلمات:
– بجولك، كفاية توجف بينا على اول الطريج، هننزل انا ومعتز، نكمل المسافة اللي باجية على رجلينا.
– والله ما يحصل.
قالها بخشونه متابعًا بإصرار:
– مفيش نزول ليكي ولا لمعتز، غير جدام باب البيت، يعني فضيها يا نادية.
انزوى ما بين حاجبيها قليلًا، تستعيد وقع اسمها على أسماعها منه، وكأنه ينطقه بشكل مختلف، هذه ليست أول مرة تنتبه لهذه الملحوظة، ولكنها في المرات السابقة، كانت تتجاهل أو تدعي انها سمعت خطأ، لكن بجواره الاَن ومن هذه المسافة القصيرة، تأكدت من هذا التخمين، تبحث بعقلها عن سر الاختلاف ولكن لا تعلم، هذا الرجل غريب بالفعل.
كتمت شهقة مفاجأة منها حينما التف يجفلها بابتسامته، وكأنه ظبطها بجرم تحديقها به، زاد ابتهاجه حينما اشاحت بوجهها عنه للمرة التي لا تذكر عددها، باضطراب واضح اظهر حجم خجلها،
وفي داخله يداعبه الأمل وخيالات ظن انه تخطاها منذ مراهقته، أن تكون تذكرت لقاءه بها وهم صغار، سيفقد عقله، يقسم انه سيفقد عقله من فرط الفرح ان صدق تخمينه،
أما عنها فقد حاولت ان تلتف بنصف استدارة نحو ابنها، ولكن اصطدمت بعيناه المتصيدة، لتعود لنافذتها مرة أخرى مغمغمة:
– يا مُري، دا لسة برضو بيبصلي، عدي المشوار ده يارب على خير، كاننا ركبنا مع واحد مجنون
❈-❈-❈
حينما وصل بالسيارة بالقرب من المنزل، على الفور ترجلت لتردف له معبرة عن امتنانها:
– الف شكر عل تعبك معانا، معلش لو تعبناك.
– متجوليش كدة يا بت عمي، دا واجب عليا.
قالها واقدامه تحط على الأرض، حاملًا معتز الذي قبله على وجنته يخاطبه متسائلًا:
– ان شالله يكون الرحلة عجبتك يا باشا؟
تعجبت نادية لضحكات ابنها وكأنه فهم على قول الاخر، وهذا التقبل الذي تجده منه له سريعًا، واستجابته لأي مداعبة يتلقاها منه، كلها امور تثيرها بالدهشة بحق
كانت في طريقها لتلتف حول السيارة وتتناوله، ولكنها تفاجأت بخروج شقيقها من باب المنزل، وخلفه هذا السمج ناجي وكأنه أصبح من اصحاب المنزل.
رؤيته لم تكن ثقيلة عليها وحدها، بل عليه ايضًا، فقد تجهم يطالع الاثنان بنظرات حانقة قبل أن يهتف باسم شقيقها، يقطع عنهم التساؤل من بدايته:
– عزب، عايزك في كلمتين.
❈-❈-❈
– يا واد الفرطوس، على النعمة اروح ابندجه.
هتف بها ناجي فور ان سمع القصة من صهره، لينهض فجأة يجفل الاثنان بانفعاله الغاضب:
– أنا لازم اربيه عشان ما يكررهاش تاني.
هدر غازي يوقفه بنداء حازم امام دهشة الاَخر:
– وجف يا ناجي وارسى مكانك.
اعترض الاَخير محتجًا يجادله:
– وايه اللي يخليني اجعد ولا ارسى مكاني؟ العيال دي زودوها لما احنا سكتنالهم، والسكوت دا هيخليهم يزيدوا أكتر ، لازم يبقى في وجفة.
قالها وهم ان يتحرك، ولكن الاَخر كان صارمًا بقوله:
– عليا النعمة لو زودت خطوة تاني لتشوف اللي يحصلك يا ناجي، ما انا حكيت ع اللي عملته مع الزفت ده وخليته يمشي وجفاه يجمر عيش، ولا هي فتونة وبس عشان تفرض عضلاتك جدامنا.
قال الاخيرة بقصد فهمه عزب جيدًا لذا تدخل هو الاخر بلوم:
– انا اخوها يا ناجي، يعني الاولى اطلع انا لو شايف ان الأمر يستدعي زي ما جال غازي، ولا انت مش شايفني راجل يعتمد عليه، ولا اعرف اجيب حج اهل بيتي.
استطاع ان يحجمه بقوله، حتى تراجع متحمحمًا بخشونة يقول بأسف؛
– متجولش،كدة يا ابو محمود، انا بس خدتني الحمية، ويمكن لغيت عجلي في لحظة عصبية،
جلس بجواره يربت على ركبته متابعًا:
– ما تزعلش مني ياخوي، محدش يجدر يتخطاك.
امتعض غازي بمشاهدة ما يفعله هذا المتحذلق، يكتنفه الامتعاض لهذا الأسلوب الذي يتبعه في مداهنة صريحة لعزب، والغرض منها معروف، مما زاد عليه بالحنق، لينتفض فجأة مستئذنًا:
– طب انا بجول نمشي على كدة ونفضها، ياللا يا ناجي، تعال معايا اوصلك بالعربية.
اعترض الاَخير ليتكأ للخلف واضعًا قدم فوق الأخرى مرحبا له:
– لا روح انت امشي، انا جاعد اهرج مع واد عمي شوية، ما هو انا مش غريب على أهل البيت هنا، ولا انت ايه رأيك يا عزب؟
أومأ له الاخير برأسه وقد اجبره على محاباته:
– وماله يا واد عمي بيتك ومطرحك، وانت يا غازي، مطراتش يعني، اجعد لحضة اشرب كوباية الشاي حتى.
– لا مليش نفس يا سيدي لشاي ولا لأي حاجة في الدنيا، عن اذنكم
قال الاخيرة بعنف ليستدير مغادرًا على الفور يغمغم بحنق بعد ان رمق صهره بنظرة حادة:
– ابوه برودك يا اخي، عيل غتت بحج، بالظبط زي اختك في تجل الدم
❈-❈-❈
وفي منزل الدهشان
صدر صوتها كصرخة ارعدت الصغيرات بجوارها، في حديثها على الهاتف مع احداهن:
– انتي بتجولي ايه يا بنت انتي؟ مين دي اللي جاية في عربية مغ جوزي؟ وراكبة من جدام كمان………… اخرسي يا بت واجفلي انا لازم اتأكد بنفسي، لكن قسمًا بالله ما يكون كلامك كدب، لكون محساباكي على الهرتيل ده….. اجفلي بجولك.
انهت لتُقلب في السجل تبحث عن صاحبة الرقم المعروف لديها، لكنها لم تجيب على الفور، لتطلق من فمها وابلًا من السباب والشتائم القبيحة بدون أدنى انتباه، لوجود الفتيات بجانبها، حتى وضعت احداهن
كفيها على أذنيها كما علمتهم عمتهم روح لعدم سماع الالفاظ القبيحة أو أي شيء سيء يخطئ به الكبار.
وفي هذه الاثنان، دلف غازي إليهن بعد عودته من الخارج، ليسمع ويرى بأم عينيه ما تتلفظ به زوجته المصون حتى أزعج الفتيات.
– فتنة.
صدرت صيحة النداء القوية باسمها لتلتف اليه على الفور، بعد ان كانت معطية له ظهرها.
برقت عينيها تطالعه بحدة لم يغفل عنها حتى أمر أكبر بناته.
– بت يا أيه، خدي خواتك وانزلي بيهم تحت عند عمتك روح ولا العبوا في الجنينة.
– حاضر يا بوي.
كان رد الطفلة قبل ان تسحب شقيقاتها وتخرج بهن، اذعانًا لأمر أبيها، وهروبًا من غضب والدتهن، وقد بدت هيئتها مرعبة، بوقفتها واهتزاز جسدها بتحفز كامل للشجار مع زوجها، والذي كان على استعداد تام، بل وبادرها.
– واجفة معوجة وبتزغريلي بعينيكي، دا غير الزفت اللي كان بيطلع من خشمك من ساعة ما دخلت من غير حيا وخشا جدام البنات، ما تتتعدلي يا بت.
لم تأبه لصيحته، بل زادتها غضبًا في الرد عليه:
– يعني هيكون مالي يا واد عمي، أكيد فرحانة طبعا لجوزي الشهم الرجيل، وهو عمال يوصل الحريم المسهوكة، ويشيل عيالها على رجليه.
اظلم وجهه وعينيه التمعت بوميض الخطر، يردد خلفها بعدم استيعاب لما تلفظت:
– هي مين الحريم المسهوكة؟
قالها ثم اقترب بخطوات سريعة ليقبض بكفه على ذراعها يهزهزها مكررًا بشراسة:
– هي مين هي الحريم المسهوكة يا محترمة يا بت الأصول؟
– جصدي ع اللي اسمها نادية، هي لو محترمة تجعد جمبك في العربية معاك من جدام لوحديكم، لا كمان وتحط ولدها على حجرك، تبجى مسهوكة ولا مش مسهوكة
لطالما علم بغباءها، لطالما اختبر قوته بالسيطرة على غضبه منها، بأن لا يؤذيها، فهي أن لم تكن ابنة عمه ومن دمه، فهي أم بناته، لكن الاَن؛ كيف له أن يحجم نفسه عن الفتك بها؟ كيف يمنع يده الاَن عن خلع ذراعها، أو قص لسانها الذي يتلفظ بأي حقارة دون تقدير أو تفكير.
لقد كان غاضبًا بشدة، حتى انتفخت أوادجه، وجهه الأسمر احتقن بالدماء التي تغلي بأوردته، عينيه المشتعلة، انفاسه الهادرة بوجهها حتى تتراجع عن تحديها ليه، تُغلب شيطانها في استفزازه، انها بحق تدعوه لارتكاب جريمة.
أستطاع اخيرًا أن يجد صوته، بعد فترة كبيرة من الضغط على كل خلية بجسده تدفعه للهجوم عليها وتأديبها، ليردف بكلمات مقتضبة حذرة:
– جلة أدبك والغلط اللي كان بيطلع منك كل السنين اللي فاتت كوم، وغلطك في بيت عمك دلوك بالكلام اللي تطير فيه رجاب دا كوم تاني، لولا خايف للكلام يوسع وساعتها تبجى عيبة في حجي لو مطلجتيش، وشردت البنتة، كنت روحتك دلوك على بيت ابوكي على طول.
جية نادية معايا في العربية ليها اسبابها، وانا مش هجولهالك عشان انت متستاهليش تفسير، بس تجدري تعرفيها من اخوكي، لكن على ما دا يحصل أو ميحصلش، في كل الحالات، ما اسمع بس بربع كلمة عليها لتكوني كتبتي بيدك النهاية، وساعتها مش هيبجى عليا لوم.
دفعها بقوة متابعًا:
– ودلوك تلمي خلجاتك وتغوري من وشي، مش انا اللي هسيبهالك المرة دي زي كل مرة……
الأوضة دي ياكش تعتبيها برجلك تاني، ياللا غوري.
❈-❈-❈
عودة إلى نادية التي كانت تُسطح صغيرها على التخت بعد ان غلبه النوم اخيرًا، ليتربت على جانبه لعدد من الدقائق بلطف بالغ، حتى اطمأنت بانتظام انفاسه، لتخرج الى والدتها في قلب صالة المنزل، والتي كانت تنتظرها مع شقيقتها وزوجة ابنها الكبير، والتي تلقتها على الفور بقولها:
– اخيرًا طلعتي يا نادية، دا احنا افتكرناكي نمتي مع الواد .
بشبه استجابة ردت وهي تتخذ جلستها على المقعد المقابل لهم:
– خير يا مرة اخوي ان شاء الله، ليكون عايزاني في موضوع مهم.
تدخلت شقيقتها:
– لا يا حبيبتي، هو لا موضوع مهم ولا حاجة، بس مرة اخوكي هتجن وتعرف بحكاية غازي الدهشان واللي حصل معاكي في المستشفى.
التوى ثغر نادية بابتسامة جانبية تخلو من المرح، فقد كان هذا هو استنتاجها من البداية، حتى تدخلت والدتها هي الأخرى بفضول ليس غريب عنها:
– مفهاش حاجة يا بتي، ما احنا برضك عايزين نعرف، اخوكي ادانا كلمتين ع العايم كدة جبل ما يرجع لجعدته مع ناجي صحبه، لكن طبعا التفاصيل عندك انتي، واحنا عايزين نطمونوا يا بتي
اومأت لها باستسلام وتنهيدة خرجت من العمق تجيبها:
– يعني عايزة تعرفي ايه ياما؟ ما هو اللي حصل حصل خلاص، كلمتين وجفني عليهم سند، وبصراحة زودها في الضغط، جاه صاحبنا دا فجأة وادالوا اللي فيه النصيب من بهدلة جبل ما يمشيه.
– وما تعرفيش هو كان داخل المستشفى ليه يا نادية، زيارة يعني ولا حاجة تانية؟
خرج السؤال من عزيزة بلهجة غير مريحة لم تعجبها حتى ردت تجيبها بحدة:
– وانا اش عرفني كان جاي لمين؟ حد جالك ان ماسكة خط سيره اياك؟ خبر يا مرة اخوي؟
عبست عزيزة تدعي الغضب، وتدخلت جليلة بتبرير:
– يا بتي هي مش جصدها، دا سؤال عادي عشان الشهامة اللي عملها معاكي، بس بصراحة يا بتي انا عجبني جوي، ما هي وجفته دي هتخلي اي حد فيهم يفكر الف مرة جبل ما يتعرضلك تاني، ربنا يبارك فيه، جدك الدهشان كان ليه نظرة وفهيم، ساعة ما فضلوا على ولاده الكبار، اه امال ايه؟ ما هي الزعامة دي بتنادي صاحبها، مش اي حد يرفع يده ويجول انا زعيم .
رددت خلفها بتقليل:
– زعيم ياما، مش لدرجادي يعني، اهو الراجل عمل بأصله وخلاص معايا، مش عايزين بجى نهول في الحكاية، انا جايمة اتشطف، جتتي مش متحملة الحر ، عن اذنكم .
قالتها وانصرفت لتتمتم في اثرها جليلة:
– طب مش زعيم يا ست نادية، بس كبير، وليه هيبة تهز بلاد، ولا ايه يا بت انت وهي؟
قالت الأخيرة بتساؤل نحو ابنتها الأخرى وزوجة ابنها التي انتبهت اخيرًا لاهتزاز الهاتف بالمكالمات الواردة بصمت، لتنهض باستئذان:
– انا جايمة اشوف امي بتتصل يا عمة، خلي بالك من عزب لو طب حاجة.
❈-❈-❈
دلفت لغرفتها تغلق عليها بابها قبل ان تجيب على الاتصال المفاجئ:
– الوو… يا فتنة ازيك .
– فتنة في عينك يا بعيدة، توك ما افتكرتي تردي عليا يا زفتة.
صعقت عزيزة لهذا الرد الحاد، ليخرج ردها باستغراب:
– لا إله إلا الله، خبر ايه يا فتنة؟ ايه لزوم الشتيمة اللي من غير سبب دي؟ هو انا غلطت معاكي ايه بالظبط؟
واصلت المذكورة تصب غضبها بها:
– عملك اسود ومهبب يا بعيدة، ما هو انتي لو كنتي رديتي من الأول وفهمتيني باللي حصل مع المدعوجة نادية وجوزي لما وصلها بالعربية، مكنش دا كله حصل، انا جوزي غضب عليا بسببك يا عزيزة.
شهقت الأخيرة لتضرب بكفها على صدرها في الأعلى تردف بجزع:
– يا مصيبتي، حصلت كمان للخراب، انا ايه اللي دخلني بينك وبين جوزك يا بنت الناس؟
جاء صوت فُتنة بمسكنة، لتكسب تعاطف الأخرى:
– يا عزيزة افهمي، جوزي صعب وانا لما اتحدت معاه معاه في موضوع ركوب المحروسة معاه العربية، خد الأمر بحساسية على اساس ان انا كدة هسوء سمعتها بكلامي، راح مبهدلني وعملها عركة لرب السما، طب انا ايه ذنبي ان كان الناس في البلد هما اللي شنعو وجالو الكلام ده عنيها.
– باه، امتي لحجوا يشنعوا بس؟ دي يدوبك واصله من نص ساعة واخوكي كان حاضر مع جوزي لما حكالهم غازي بيه بحكاية اللي اسمه سند لما اتعرضلها وهو دافع عنها.
كان هذا رد عزيزة التي أصابها الاستياء الشديد تضامنًا مع الأخرى والتي جاء ردها بخبث:
– انا عرفت كل حاجة من ناجي اخويا لما اتصلت بيه من شوية، بس دا كان بعد ايه؟ بعد ما اتعركت مع غازي وفهمني غلط ، لكن لو كنتي انتي فهمتيني مكانش دا كله حصل.
– يا مري.
تمتمت بها عزيزة بتفكيرها البسيط لتردف مبررة لها:
– والله فتنة ما انتبهت للتلفون غير دلوك، لو كنت شوفت اتصالك من الاول ما كنت ابدا هتأخر عنك.
جاءها رد الأخرى:
– معلش انا مسمحاكي، وسيبينا منيها المرة دي، خلينا في اللي جاي، انا عايزاكي تتصلي بيا كل يوم وتبلغيني باللي حاصل عندكم بخصوص اللي اسمها نادية دي بالذات، ممكن يا عزيزة.
❈-❈-❈
في المساء
كانت جلسته اسفل المظلة في الحديقة، وسط الظلام الحالك، بعيدا عن صخب المنزل ودوامة الحياة وكل شيء، لقد كان غاضبًا بشدة، هذه الملعونة لا تحسب ولا تقدر أي شيء، تردف بسمومها دون رادع، دائمًا ما تنجح بسحبه من بساط الاحلام الوردية، ودنيا جميلة بدأ يستشعر حلاوتها الاَن فقط، لظلام واقعها القميء، روح شاذة لطالما جاهد في اعتدالها ولم يفلح.
حتى وعلى غير اردته كان يريد اصلاحها، ولكن منذ متى نفع الإصلاح مع نفس خبيثة من الأصل، لا ترى سوى نفسها وفقط، وليذهب بقية العالم الى الجحيم، لن يهمها.
– غازي.
جاءت صاحبة الصوت الرقيق لتتخذ جلستها بجواره تلتصق به بمشاكسة، تخاطبه:
– جاعد لوحدك ليه يا جميل؟ ومدسي في الضلمة، هو انت استحليتها ولا ايه؟
نظر لها من فوق اكتافه متسائلًا:
– هي ايه اللي استحليتها يا روح؟ الوحدة والضلمة؟
وصفه المقتضب في كلمتين فقط، اخبرها بحجم معاناته والالم الذي يتخلل نبرته؛ هو خير دليل، شقيقها ورفيق روحها يقاسي وجعه صامتًا، وهي تعلم بالسبب .
بكفها الرقيق صارت تمسح على كتفه العريض بدعم مرددة:
– سلامتك من الوحدة ولا أي حاجة عفشة، يا حبيبي يا غالي، أكيد ربنا شايلك الفرح، انا متأكدة منها دي .
وكأنها تعلم ما به رغم عدم افصاحه لها بما يجول بخاطره، ولكن كلماتها البسيطة كان لها أكبر الاثر في نفسه ليردف لها برجاء:
– ادعيلي يا روح، ادعيلي ربنا يوجف معايا وينولني اللي في بالي، انا محتاجها جوي الدعوة دي
– داعيالك يا جلبي.
قالتها لتقبل اعلى كتفه متابعة بحنان يلمس شغاف قلبه:
– روح يا واد ابوي، شالله ينولك اللي في بالك وتفرح وتتهني العمر كله، يا حبيبي يا غالي.
غزت ابتسامة سعيدة ملامحه، وقد ابهجه فعلها، ليضمها اليه بذراعه قائلًا بمرح:
– ايوة كدة زودي جوي فيها الدعوة دي، اطلع منك بفايدة ع الأجل.
سمعت منه لتصدح بضحكة رنانة ضجت في قلب المكان حتى مالت رأسها للخلف، اضحكته معها قبل ان يجفلا الاثنان على حمحمة خشنة وصوت صاحبها المعروف يلقي كلماته:
– صوت الضحك العالي يا واد عمي، لحد من الحراس ولا رجالتك يسمعه.
عبست روح تلملم ضحكاتها، وقد ازعجها هذه النظرة التي يرمقها بها، وكأنه يملك حق الغيرة عليها حتى من شقيقها، والذي فهم عليه ليرد مقارعًا:
– وما تضحك ولا تلعلع بضحكتها حتى، محدش له عندنا حاجة، دي جاعدة في ملكها، هما اللي يسدوا ودانهم.
– وه.
خرجت منه بابتسامة ساخرة قبل ان يتخذ وضعه على المقعد المقابل لهما، مرددًا:
– شكلك واخدها عند ، بس ماشي يا عم، المهم مسالخير الأول.
– مسالنور.
قالتها روح خلف شقيقها قبل ان تنهض بغرض ان تذهب ولكنه سبقها بالتعليق:

ما بدري يا بت عمي، ولا هي ان حضرت الشياطين، ذهبت الملائكة.
– اعوذ بالله منك يا شيطان يا رجيم .
تمتم بها غازي كدعابة، وتلقفتها روح برد دبلوماسي كعادتها:
– ربنا ما يجيب يا شياطين، ما انا كمان مش ملاك، ع العموم انا رايحة اشوف جدتي لتكون عايزة مني حاجة جبل ما تنام، عن اذنكم.
– قالتها وتحركت دون انتظار ليتابعها بأنظاره حتى اختفت داخل المنزل، فعقب غازي ساخرًا:
– عينك يا عم الحج، راعي يا عم ان انا اخوها، يعني عيب عليك العمايل دي جدامي.
التف اليه عارف قائلًا برجاء:
– طب ما تجوزهالي يا عم، وانا ارحمك من خلجتي خالص، اعمل فيا ثواب وجوزهالي يا واد عمي.
سمع منه ليصيح بدراما ضاحكة ، مؤديًا بكفيه:
– يا بوووي عليا وعلى سنيني، شجاوتك يا غازي، امتى ياربي اخلص من فيلم الحب وعذابه ده، هو انا مواريش حاجة غيركم يا اخي؟
قال الأخيرة يوجهها نحو ابن عمه الذي انطلق مقهقهًا بالضحكات دون توقف.
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي
هبطت سليمة من شقتها في الطابق الثاني، لتفاجأهم بحضورها بعد فترة من الانعزال، حتى عقبت هوايدا فور رؤيتها:
– يا مرحب يا بت عمي، اخيرًا حنيتي علينا نشوف وشك؟
ردت سليمة بابتسامة عادية تلقي تحيتها نحو سكينة اولًا:
– ازيك يا مرة عمي، عاملة ايه النهاردة؟
اشارت لها بكفها حتى اقتربت تجلس امامها، لتجذبها نحوها تقبل وجنتها باشتياق اثر بالأخرى حتى بادلتها
بعناق حار، مرددة لها:
– سامحيني يا مرة عمي، عشان مجصرة في السؤال.
ربتت على وجنتها مرددة لها:
– مسمحاكي يا بتي مهما يحصل، دا انتي بتي اللي مجبتهاش بطني من جوا.
مشهدهما كان بعفوية صادقة، اثر في البعض، واثار سخط الاخر، مثل سند الذي خاطبها مستنكرًا:
– اللي يشوف العواطف الحارة دي مع المرة العجوزة، ما يصدجش ابدا عمايلك يا مرة خالي، طب حتى افتكري لوعة قلبها العجوز على ريحة الغالي.
اعتدلت سليمة لتقف مقابله تطالعه بقوة غير قابلة للإقناع قائلة:
– معلش يا سند، ربنا يصبر جلبها ويصبرني معاها، ما هو انا برضوا محرومة، ولا انت شايف الواد نايم في حضني مثلا.
كان رده ابتسامة صفراء، ليتدخل عيسى هو الآخر ويدلي بدلوه:
– لا طبعًا يا مرة خالي، بس انتي في يدك الحل، لكنك رافضة، واكننا احنا اللي عفشين ومش همنا على مصلحة الجميع.
أومأت سليمة بهز رأسها تعقب على قوله:
– كل واحد شايف مصلحة الجميع من وجهة نظره يا ولدي، وربنا هو اللي علام بنوايا البشر…… عن اذنكم بجى اشوف مشواري.
قالتها وتحركت لتذهب، ولكن هوايدا أوقفتها بقولها:
– لو رايحة لمرة ولدك سلميلنا عليها هي وبوسي الواد من خدوده، محدش عارف هنجدر نشوفه تاني ولا لاء، لو حضر جده ونفذ اللي في مخه وطردنا ، ربنا ما يحرمك من ريحته ابدا يا سليمة.
ردت بصوت ضعيف، بالكاد خرج منها، نتيجة التأثر بقولها:
– ولا يحرمكم من رؤيته يا هويدا، حتى لو فرجتنا بلاد جادر ربنا يجمعنا من تاني .
❈-❈-❈
في منزل فايز
وقد ارتدى ملابس العمل وكان في طريقه للخروج، وشربات من خلفه تلقي عليه العديد من النصائح:
– اوعى تتأخر يا فايز، تاجي بدري عشان تلحج تتلم على الرجالة بنفسك، ما تتكلش على حد، انت اللي لازم تجمعهم عشان الجعدة
– ماشي .
– وبرضك خلي بالك، لحد من صحابك يديك سيجارة كدة ولا كدة، اوعى يا فايز، مش وجته خالص النهاردة، مش عاوزين حد يتريج عليك ولا يديهم الحج، انت لازم تعرفهم ان انت راجل صاحي وواعي.
زفر بامتعاض يتوقف في وسط الصالة مدمدمًا بحنق، وقد فاض به:
– ها في حاجة تاني يا ست البرنسيسة؟ ولا تحبي ابجيها خالص من روحة الشغل النهاردة واجعد مستني هنا حاطط يدي على خدي على ما ياجي العصر وجلسة الزفت مع كبارات العيلة، خبر ايه يا مرة، انتي محسساني ان هجابل ناس غريبة، لا يا غالية، دول عارفين جوزك من جبل انتي نفسك ما تعرفيه.
التوى ثغرها على جانب واحد، تكبح بصعوبة الجدال معه، حتى تحرك وغادر من أمامها، لتردف من خلفه بقرف:
– يا بوي عليك وعلى سنينك، راجل فجر، انصب فيه كدة ما انصب مفيش فايزة، يموت لو مرطش وجعد على حاله، فايز السكري،
ضحك مالك من خلفها يعقب هو الاخر:
– ربنا يستر ويسد معانا النهاردة، حكم جوزك دا انا ما اضمنه حتي في ربع كيلو لب.
التفت اليه تردد خلفه بموافقة:
– ومين سمعك؟ ولا جالك اني ضمناه اساسًا؟ ادينا بحاول معاه بالزن، على الله بس يجيب فايدة معاه، بس هو راجل فجر.
❈-❈-❈
– حبيب ستك، يا جلبي انتي يا جلبي.
كانت سليمة تشدد بالعناق، وضمها للصغير، فلا تتوقف عن تقبيله، زارعه قبلانها على كل انش بوجهه الناعم الجميل، واشتياق موجع لرائحة الغائب به.
– وحشتك يا معتز، تيتة وحشتك يا معتز؟
يومئ لها برأسه كإجابة لقولها، فتزيد عليه، وهو لا يقصر بلف ذراعيه حول عنقها، يغمرها بحنانه وكأنه رجل كبير وواعي.
تدخلت جليلة بينهم، امام صمت ابنتها التي تشاهد هي الأخرى بتأثر:
– براحة يا واد على جدتك، دي مش حملك ولا حمل عمايلك، يا للي واكل عجل الكل انت.
رفعت سليمة رأسها اليها ضاحكة وهو مازال متشبثًا بها لترد بتفاخر :
– عنده حج ياكل عجل الكل، لهو انتوا عنديكم حد بالحلاوة ولا الطعامة دي؟.
رددت خلفها جليلة تدعي العتب:
– وه وه شوفي المرة وكلامها اللي يغيظ، ليه يا ختي؟ حد جالك عيالنا عفشين؟ ولا الحلاوة عنديكم انتوا وبس؟
– ايوة الحلاوة عندينا احنا وبس
قالتها سليمة بتصميم ضاحكة وهي تعود بقبلاتها ذات الصوت العالي، بحالة من المرح وكأنها طفلة صغيرة مثله، حتى خرج صوت نادية اخيرا بتساؤل قلق:
– مجولتليش ياما، ايه اخبار الجماعة؟ وعمي فايز سكت على كدة ولا برضوا مصمم على جيته؟
ردت تخبرها بابتسامة تغيرت عن سابقتها:
– لا يا بتي عمك ما سكتش، ولا هما كمان ساكتين، ع العموم النهاردة عندنا جلسة كبيرة على موضوع البيت، وعمك مجمع الكبارات اللي راح اشتكالهم، عشان يجيبوا حجه
تسائلت نادية بعدم تصديق:
– طب وبعدين؟ يعني هما ممكن يحكموا برجعته، معجولة ياما؟
– ومش معجولة ليه؟ دا راجل صاحب حج دلوك، وهما لو حكموا بغير كدة يبجوا ناس ظلمة يا نادية، وربنا ما يرضاش بالظلم.
تتكلم بهدوء غير طبيعي، وكأنها تخبرهم عن اخبار الطقس، انها حقًا تثير اعجابهم بل والدهشة،،كيف لامرأة مثلها بعد ما تعرضت له وتواجه من مأسي تقسم الظهر، ان تكون بهذا الثبات؟
تدخلت جليلة بسؤالها:
– طب انتي مش خايفة يا خيتي لياجي هو والمدعوجة مرته الحرباية ويكتموا على نفسك؟ متأخذينيش يا يعني، بس دا بلوة ومرته بلوتين.
ضحكت تنفخ في بالونة صغيرة حتى جعلتها كالكرة بيد حفيدها الذي فرح للعب بها، قبل تجيبها بتوازن مذهل:
– ولا يكونو مية بلوة حتة، يجوا ويبرطعوا في البيت براحتهم، شالله حتى ياخدوا الحيطان ويمشوا بيها، على كيفهم.
– على كيفهم كيف ياما؟
خرج السؤال من نادية لتردف بما يجول برأسها من قلق وهواجس:
– بصراحة بجى انا خايفة عليكي، مين هيحميكي منهم؟ ولا من شرهم؟ جدي مسكين وراجد بين الحيا والموت، وجدتي سكينة دي كمان حالتها لا بتصد ولا تجدر ترد، وان كان على عماتي ولا عيالهم، فدول أكيد هيطردهم زي ما جال، يبجى ايه باجي تاني؟ حن عليكي اجعدي معانا هنا ، البيت هنا كبير ويساعي من الحبايب الف .
ضحكة غريبة صدحت منها قبل ان تلملمها سريعًا بقولها:
– واسيب بيتي؟ لا يا نادية، لا انا بالضعف ده؟ ولا عمك فايز بالجوة دي اللي تخليني اخاف منه؟ اسأليني انا عنه، انا اكتر واحدة فاهماه



الحادي عشر من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close