رواية عن العشق والهوي كامله وحصريه بقلم نونا مصري
~ الفصل الأول ~
~ بسم اللہ الرحمن الرحيم ~
قراءة ممتعة للجميع ♡
-
تبدأ القصة عندما تخرج تلك الفتاة الجميلة البريئة من ذلك المنزل الضخم في
تمام الساعة الخامسة فجراً وهي تبكي بحرقة وتضغط بقبضتها على تلك الحقيبة
السوداء التي كانت تحملها بين يديها... وقبل ان تبتعد عن حدود المنزل
التفتت اليه حيث كان واقفاً ينظر اليها من خلف نافذة غرفته البلورية وهو
عاري الصدر ويمسك بيده كأس مشروب كحولي يرتشف منه بضع رشفات بهدوء مميت
الامر الذي جعل غضبها يزداد ، لذا ضغطت على الحقيبة التي بيدها بكل قوة
وقالت بنبرة صوت مجروحة : واطي .
ثم
بصقت على الأرض وهمت بالمغادرة وهي تمسح دموعها بعنف وتضغط على تلك
الحقيبة وكأنها تحاول ان تمزقها ، اما هو فاستمر بمراقبتها وهي تبتعد في
تلك الساعة المبكرة من الصباح حتى غابت عن مجرى نظره تماماً ، وما ان تأكد
انها لن تراه حتى قذف كأس الخمرة من يده ورماه أرضاً فأصبح حطاماً ثم بدأ
يحطم كل شيء تقع يده عليه وهو يصرخ بصوت اشبه بزئير الأسد قائلاً : ليه ...
ليه عملتي كدا ، ليه وافقتي بالسهولة دي ... كل دا علشان الفلوس ... مكنتش
عايزك توافقي ... كنت عايزك تقولي لا وتضربيني آلم وبعدها تخرجي من هنا !
-
قال جملته الاخيرة بنبرة حزينة وهو ينسدل بجسده إلى الاسفل ، فجلس على
الأرض سانداً ظهره الى حائط تلك الغرفة الفاخرة والتي تبدو كما لو انها
جناح ملكي أكثر من كونها غرفة نوم لشخصٍ واحد ثم رفع ثم وضع رأسه بين يديه
غرساً اصابعه بين خصلات شعره الكثيف بقوة واخذ يضغط عليه بعصبيه شديدة جعلت
عروق رقبته تظهر ؛ كما ان عيناه تجمرت من شدة الغضب.. بقي على تلك الحال
لمدة لا تتجاوز الخمس دقائق وسرعان ما تنهد باستسلام واردف بنبرة حازمة :
كلهم كدا ... اهي دي كمان عملت كدا علشان الفلوس وانا اللي كنت فاكر انها
غير كل البنات بس صدق اللي قال ان الطبع غلب التطبع وهما طبعهم الطمع
والكدب.
قال ذلك ثم هب واقفاً بكل
وقار وبعدها دلف الى حمام غرفته وبدأ يستحم وكأن شيئاً لم يحدث ، اما هي
فكانت قد استقلت سيارة أجرة وهي تحتضن الحقيبة التي اخذتها منه بعدما عاشت
اسوء كوابيس حياتها وهي تتأوه بألم في حضنه في الليلة السابقة ؛ أدمعت
عيناها وزادت من شدة الضغط على الحقيبة وهي تردد في داخلها : استحملي يا
مرام... استحملي يا حبيبتي انا جبت الفلوس وانتي هتعملي العملية وهتخفي بس
استحملي لغاية ما اوصل.
☆ وبعد مدة وجيزة .........
اخبرها
سائق سيارة الأجرة انهم وصلوا الى العنوان المطلوب فاستيقظت من شرودها
ونظرت من نافذة السيارة لتجد انها وصلت الى المستشفى بالفعل ، تنهدت وسألت
السائق : تؤمر بأيه يا اسطه ؟
اجابها : خمسين جنيه يا هانم.
فلم
تعلق بأي حرف بل فتحت تلك الحقيبة التي كانت تمسك بها طوال الطريق الامر
الذي ادهش سائق الأجرة عندما رأى رزم النقود بداخلها ... أبتلع ريقه وهو
ينظر اليها بعيون مفتوحة وهي تمسك بأحدى الرزم النقدية وتسحب منها ورقة
نقدية من فئة الـ 200 جنيه وسرعان ما اعطته ايهاها قائلة : مامعيش فكه
علشان كدا تقدر تخلي الباقي.
قالت
ذلك ثم اغلقت الحقيبة مجدداً وترجلت من سيارة الأجرة تاركة ذلك الرجل يحدق
بها بدهشة وهو يحمل ورقة النقود بيده ، فتساءل بتعجب : دي سرقت بنك ولا ايه
حكايتها بالزبط ؟!
ولكن سرعان ما نظر إلى ورقة النقود التي اعطته اياها وابتسم قائلاً : وانا مالي... المهم اني كسبت 150 جنيه كدا من غير معملش حاجة.
قال
ذلك ثم وضع النقود في جيب سترته وبعدها شغل محرك السيارة وهم بالمغادرة...
اما هي فركضت الى داخل المستشفى والى قسم الطوارئ بالتحديد حيث كانت غرفة
العناية المركزة التي ترقد بها اختها الصغرى ذات الـ 12 عاماً والتي كانت
بحاجة لأجراء عملية زرع قلب جديد بأسرع ما يمكن.
توجهت نحو مكتب الأستقبال وقالت وهي تلهث : انا... انا جبت الفلوس... يلا دخلوا مرام غرفة العمليات بسرعة.
فنظرت اليها موظفة الاستقبال الخاصة بقسم الطوارئ بتوتر شديد وقالت بتلعثم : انا..انا هطلب من الدكتور عماد علشان يجي يكلمك .
أومأت لها برأسها وهي ما تزال تلهث قائلة : طيب.. بس من فضلك خليه يجي بسرعة.
فلم ترد عليها الموظفة بل امسكت المايك واخذت تقول : دكتور عماد شحاته من فضلك تعالى على قسم الطوارئ دلوقتي.
ثم
كررت ما قالته وبعدها اطفإت المكبر الصوتي ونظرت إلى تلك التي كانت
تناظرها بترقب ثم تنهدت وقالت : اكيد الدكتور سمع النداء وهيجي فوراً .
وما
هي الا دقيقة قد مرت حتى جاء ذلك الطبيب الذي يرتدي نظارات طبية ويبدو انه
في الاربعين من عمره حيث كان شعره خفيفاً ويكاد ان يصبح اصلع بينما كان
جسده ممتلئاً قليلاً ، وما ان رأته حتى ركضت نحوه وهي تمسك الحقيبة ثم قالت
بلهفة : انا.. انا جبت الفلوس يا دكتور ... وهدفعهم حالاً علشان تعملوا
العملية لأختي الصغيرة.
في تلك
اللحظة تغيرت تعابير وجه الطبيب عندما رآها مما جعله يعدل وضع نظارته
الطبية ثم تنهد وقال بكل هدوء : خلاص...مفيش داعي انك تدفعي الفلوس.
- رمشت هي عدة مرات ثم سألته بعدم فهم : قصدك ايه يا دكتور ؟
واضافت
بقلق : ازاي مفيش داعي اني ادفع فلوس عملية اختي ، مش انتوا اللي قلتوا
انكوا متقدروش تعملوا العملية قبل ما ادفع فاتورة العلاج اللي هي 300،000
جنيه ؟!
فاخذ الطبيب يفك ربطة عنقه
واردف بتوتر : اسمعي يا بنتي.. الكلام اللي هقولهولك دا اكيد هيبقى صعب بس
نعمل ايه بقى دي مشيئة ربنا ولا اعتراض على حكم الله.
في تلك اللحظة تجمد الدم في عروقها وسألته بخوف شديد : هي مرام جرالها حاجة ؟
تنهد الطبيب واجاب : البقية في حياتك...وشدي حيلك.
وبعد
ان سمعت ذلك سقطت الحقيبة الجلدية من يدها على الأرض واخذت تحدق به
بتعابير غريبة لم يستطيع ان يفهم معناها ثم قالت بعصبية : انت كداب...ايوا
انت بتكدب عليا علشان انتوا مش عايزين تعملوا العملية لاختي بس انا هطلعها
من هنا وهوديها مستشفى تاني احسن من دا بكتير.
قالت
ذلك ثم ركضت باقصى سرعتها الى غرفة العناية المركزة التي كانت تنام فيها
اختها فلحق بها الطبيب عماد وهو يقول : استني يا أنسه مريم... مينفعش تعملي
كدا.
ولكنها لم تستمع اليه بل
اتجهت إلى حيث كانت الغرفة وسرعان ما صدمت عندما لم تجد اختها في السرير
فصرخت بالطبيب قائلة : فين مرام ، انتوا ازاي تخرجوها من غير اذني ؟
وبينما
كانت تصرخ نظر اليها بعض الاشخاص الذين كانوا متواجدين في ذلك القسم ومنهم
صديقتها الحميمة ألهام أمين التي كانت جالسه على الكرسي بصمت ويبدو عليها
انها بكت كثيراً ، وعندما سمعت صراخها نهضت من مكانها بسرعة ثم ركضت نحوها
وهي تبكي قائلة : كنتي فين يا مريم ، انا اتصلت عليكي كتير اوي بس الموبايل
بتاعك مقفول قوليلي رحتي فين ؟
فنظرت مريم اليها وسألتها ببكاء : اختي فين يا الهام ؛ هما عملوا فيها ايه ؟
عانقتها الهام وبكت بحرقة ثم قالت من بين دموعها : شدي حيلك يا مريم ، كلنا على الطريق دا.
في
تلك اللحظة انفجرت مريم باكية واخذت تصرخ قائلة : لااااااء... انتوا
بتكدبوا... كلكوا كدابين مرام لسه عايشه ، انا مش هصدق اللي بتقولوه دا
ابداً
واستمرت بالبكاء حتى عانقتها الهام مجدداً وهي تبكي قائلة : ارجوكي يا مريم متعمليش كدا... دا حرام.
ولكن
المسكينة لم تتوقف عن البكاء الا عندما وقعت على الارض فاقدة للوعي... كيف
لن تفقد وعيها وهي التي ضحت بنفسها وروحها لذلك الرجل المليونير فقط لكي
تستطيع ان تنقذ اختها التي كانت تصارع الموت ولكنها لم تكن تتوقع ان حبل
المنية { الموت } سيأتي ويزور اختها مبكراً جداً ويأخذها معه في تلك الرحلة
الأبدية.. هي حتى لم تستطيع ان تنسى كيف مات والدها عندما كانت في سن
الثامنة عشر لتتبعه امها التي توفيت منذ سنة تقريباً جراء حادث دهس وها هي
الان تفقد اختها الوحيدة بسبب المرض ؛ كثير... والله كثير لكي تتحمل كل
هذا العذاب وهي ما تزال في الواحد والعشرين من عمرها .
☆ عودة في الزمن / قبل ثلاث سنوات....
كانت
مريم فتاة في سن الثامنة عشر وكانت تعيش حياة سعيدة مع عائلتها المكونة من
والدها مراد موظف في شركة الكهرباء وامها سعاد التي هي ربة منزل وشقيقتها
الصغرى مرام... كانوا عائلة متوسطة الحال ليسوا فقراء وليسوا اغنياء فقط
كانوا من الطبقة المتوسطة في المجتمع وبالرغم من ذلك كانت حياتهم سعيدة ؛
والدها كان يحبهم كثيراً ولا يجعل اي شيء ينقصها هي واختها وامها بالرغم من
مرتبه الذي بالكاد كان يكفي لدفع مصاريف المدرسة وفواتير الكهرباء والماء
وغيرها وكان يحضر لهن كل ما يطلبنه... طعام شهي ملابس جميلة ويعطيهن مصروف
المدرسة كل يوم.
ولكن حدث ما لم
يكن في الحسبان حيث ان السيد مراد تعرض لحادث في العمل عندما ارسلته الشركة
التي يعمل بها الى احدى الاحياء الشعبية لكي يصلح عمود الكهرباء ، وعندما
امسك الكابيل الرئيسي الذي كان غطائه البلاستكي متلف وعليه بضع قطرات من
الندى تعرض للصعق بالكهرباء بقوة تزيد عن الـ200 واط مما اسفر عن موته
فوراً .
صعقت السيدة سعاد عندما
سمعت الخبر وان زوجها الذي تحبه كثيراً قد مات وشعرت بأن روحها التي ماتت ،
اما ابنتيها مريم ومرام فسيطر عليهن الحزن لأن الصغيرة قد اصبحت يتيمة
الاب وهي ما تزال في سن التاسعة بينما الكبيرة كادت ان تفقد عقلها لان
والدها الذي تحبه قد تركها وهي في مرحلة حساسة من العمر ، حيث انها كانت
تحتاج من يوجهها ويعلمها التفرقة بين الصح والخطأ ولكنه مات وتركها مع ام
مكسور خاطرها واخت صغيرة تعاني من ضعف في القلب لازمها منذ ان ولدت.
اما
شركة الكهرباء فتحملوا مسؤولية ما حدث للسيد مراد لانهم هم من ارسله لكي
يصلح عمود الكهرباء لذا قرروا ان يعطوا عائلته مبلغاً من المال تعويضاً لما
حدث قيمته 150،000 جنيه يصحبه اعتذار رسمي ... ولكن ما فائدة المال حين
يخسر المرء شخصاً عزيزاً على قلبه ؟
فبعد
تلك الحادثة خيم الحزن على منزل " الأرملة سعاد " التي لم تعد تعرف ما هو
طعم الحياة عندما فارقها زوجها الذي تزوجته بعد قصة حب جميلة ، فأصبحت
هزيلة ووجهها شاحب على الدوام مما جعل ابنتها الكبرى مريم تخاف عليها
كثيراً وتقلق بشأنها ، كما ان احوال المنزل لم تكن تسر حيث ان الديون
تراكمت عليهن ومبلغ التعويض الذي اخذنه من شركة الكهرباء لم تشاء السيدة
سعاد ان تلمس قرشًا واحداً منه حيث انها تركته لكي تستطيع ان تنفق منه على
مصاريف اقساط الجامعة عندما تذهب اليها مريم.
ولكنهن
كن بحاجة للمال فالسيدة سعاد اصابها الاكتئاب بعد موت زوجها فتوجب على
ابنتها مريم العمل عوضاً عنها لكي تعيل العائلة.. ولكن ماذا تستطيع تلك
الفتاة ذات الثامنة عشر عاماً ان تفعل كما انها كانت في الصف الثاني عشر
وموعد تخرجها من المدرسة قد اقترب ؟
بحثت
كثيراً حتى وجدت عملاً لطيفاً في احدى مقاهي الانترنت بـ دوام جزئي بعد ان
تعود من المدرسة... وبالفعل بدأت العمل في ذلك المقهى هي وصديتها المقربة
الهام أمين التي لم تكن تستطيع الأبتعاد عنها ابداً ، وخلال فترة عملهن
هناك بدأن يحببن عالم الحاسوب و الأنترنت وعالم البرمجة والتطبيقات
التكنولوجية لذا حسمن امرهن بأن يدخلن الى كلية علوم الحاسوب والتكنولوجيا
التقنية عندما يتخرجن من المدرسة الثانوية.
بعد مرور سنتين.....
اصبحت
مريم في سن العشرين ودخلت إلى كلية التكنولوجيا مع صديقتها الهام امين
بالفعل كما انهن استمررن في العمل بمقهى الأنترنت كدوام جزئي وقررن ترك
العمل عندما يتخرجن من الكلية لكي يذهبن ويعملن في احدى الشركات التقنية
المتطورة حيث ان علاماتهن كانت ممتازة كما لو انهن خلقن ليصبحن جزء من عالم
التكنولوجيا.
- ومرت الايام
والشهور بسرعة حتى جاء اليوم الذي ستتخرج فيه مريم والهام من كلية
التكنولوجيا وهندسة التقنيات ، فكانت فرحتهن لا توصف وخصوصاً مريم التي
نالت شهادة تقدير على علاماتها الجيدة فهي بالرغم من كل المصاعب المادية
التي واجهتها في دفع اقساط الجامعة الا انها كانت من العشر الأوائل في
الكلية كلها.
{ ستقولون كيف
واجهتها مصاعب ماديه وامها تركت لها حرية التصرف بمبلغ التعويض الذي حصلن
عليه من شركة الكهرباء عندما توفي والدها لذا سأخبركم بأن المبلغ لم يكن
بالمبلغ الكبير جداً ، فقط مئة وخمسون الف جنيه وبالكاد استطاعت ان تنهي
سنتها الثانية بدفع هذا المبلغ... كما انها استعملت قسم من مرتبها الذي
كانت تحصل عليه من عملها في مقهى الانترنت لدفع اقساط السنة الاخيرة ،
ولهذا السبب كانت تعمل في المقهى لساعات اضافية دون ان تأخذ يوم اجازة واحد
حتى في ايام المرض فقط لكي تستطيع دفع اقساط السنة الثالثة من تعليمها
وتوفير بعض النقود لمصاريف مدرسة اختها ودفع فواتير الكهرباء والماء وغيرها
}
وبعد ان تخرجت مرفوعة الرأس
وجعلت امها واختها تفخران بها ...بدأت هي وصديقتها الهام في البحث عن عمل
في شركات التكنولوجيا حيث انهن تعاهدن على ان تبقيا سوياً ، فذهبن الى
الكثير من الشركات المعروفة ولكن الحظ لم يحالفهن لان جميع الشركات كانت
تطلب خبرة في العمل لا تقل عن سنتين وهن كانتا قد تخرجتا حديثاً ولم يسبق
لهن ان عملن في شركة.
- فخرجت هي
وصديقتها من اخر شركة رفضت ان تقبلهما بخيبة أمل وتنهدت بضيق ثم قالت بتذمر
: وبعدين بقى..احنا اتخرجنا من شهر تقريباً ولسه مالقيناش شغل !
فقالت الهام : مهو كل الشركات بيطلبوا خبرة على الاقل لمدة سنتين واحنا معندناش الخبرة دي .
مريم : على الحالة دي احنا مش هنشتغل ابداً ...لازم نشوف لنا حل علشان نلاقي شغل في شركة محترمة والا كل تعبنا هيضيع .
الهام : وهنعمل ايه يا ميمي ؟؟
فأخذت مريم تفكر بحل ولكنها لم تفلح لذا تنهدت ثم اردفت باستسلام : معرفش .
الهام : كويس اننا لسه مسبناش الشغل في الـ Internet cafe والا كنا هنبقى في مشكلة.
مريم : عندك حق...يلا خلينا نرجع لان عندنا شغل كتير اوي.
الهام : ماشي.
ثم ذهبن الى عملهن ...
وما
هي الا ساعات قد مرت حتى حل الظلام فعادت كل واحدة الى منزلها... دخلت
مريم المنزل ووقفت تخلع حذائها امام الباب قائلة بصوت عالٍ لكي تسمعها امها
: انا جيت.
في تلك اللحظة ابتسمت
امها التي كانت في المطبخ تعد العشاء اما اختها مرام فكانت جالسة في غرفة
المعيشة تذاكر دروسها المدرسية فهي كانت في الصف السابع آن ذاك ...وعندما
رأت اختها قالت : جيتي في وقتك يا مريم.
فابتسمت مريم وسالتها : ليه... في حاجة ؟
مرام : تعالي ساعديني...انا مش فاهمة ازي احل مسألة الرياضيات المقرفة دي.
فوضعت مريم حقيبتها جانباً ثم اقتربت منها وجلست على الأرض بجانبها قائلة : ايه اللي مش مفهوم يا حبيبتي ؟
مرام : الاستاذ شرح لنا طريقة الحل كويس بس انا مش عارفه احل المسألة دي اصلها صعبة.
فأخذت مريم القلم من يدها وقالت : طيب انا هشرحها لك ازاي تحليها.
قالت ذلك ثم بدأت تشرح لها ...وفي تلك اللحظة خرجت امها من المطبخ وهي تحمل اطباق العشاء وقالت : يلا يا بنات العشا جاهز.
التفتت كل من مريم ومرام اليها وقالت الاخيرة : ثواني بس يا ماما.. هنخلص المسأله دي الاول.
السيده سعاد : ماشي بس استعجلوا قبل ما الاكل يبرد.
قالت
ذلك ثم عادت الى المطبخ لكي تحضر بقية الطعام ، وبعد 10 دقائق جلسن
ثلاثتهن حول المائدة وبدأن يتناولن العشاء فقالت السيده سعاد : عملتي ايه
النهاردة يا مريم ، انتي لسه مالاقيتيش شغل في شركة ؟
فتنهدت
مريم واجابت : لا والله يا ماما... كل الشركات اللي قدمت لهم طلب توظيف
قالوا انهم بيوظفوا ناس عندهم خبرة سنتين وانا معنديش الخبرة دي مع الأسف .
فقالت مرام : متقلقيش يا ميمي.. اكيد ربنا هيساعدك علشان تلاقي شغل في شركة كبيرة.
فابتسمت مريم واردفت : ان شاء الله يا حبيبتي.
اما السيدة سعاد فقالت : ربنا ينولك اللي في بالك يا بنتي.
مريم : ربنا يخليكي ليا يا ست الكل... وان شاء الله هلاقي شغل قريب اوي طول ما انتي بتدعيلي كدا .
تسارع في الأحداث...........
استمرت
مريم وصديقتها الهام في البحث عن عمل لمدة ثلاثة أيام وكانت النتيجة نفسها
، ولكنهن لم يستسلمن ابداً ، وذات يوم خرجت السيدة سعاد الى السوق الشعبي
لكي تشتري الخضراوات من اجل اعداد الغداء وبعد ان تسوقت ارادت ان تعود الى
المنزل فحملت اكياس المشتريات وحقيبتها القديمة ثم سارت مبتعدة عن السوق
حتى وصلت الى الشارع الرئيسي... ولكن لسوء حظها ان احد الأكياس قد تمزق
فوقعت منه الخضراوات على الأرض مما جعلها تقول بتذمر : يوووه ودا وقته ؟
قالت
ذلك ثم وضعت بقية الاكياس على الارض واخذت تجمع حبات الطماطم التي تبعثرت
على الشارع لانها تعرف ان كل حبة تساوي الكثير وخصوصاً في تلك الفترة حيث
كان سعر الخضراوات باهظ جداً ، وفي الوقت ذاته اتت سيارة مسرعة كانت هاربة
من الشرطة ولم يستطيع السائق ان يسيطر على السرعة فصدم المرأة التي لم تكن
منتبهة مما ادى الى سقوطها على الارض بجراح خطيرة جداً.
وما
هي الا دقائق حتى تجمهر الناس حولها واخذوا يتمتمون فيما بينهم ، اما
الشرطة فقد استطاعوا ان يمسكوا بالرجل الذي صدمها كما انهم توجهوا نحوها
واخذوا يبعدون الناس وقام احدهم بالاتصل بسيارة الإسعاف ولكن الحظ لم يكن
حليفها حيث انها توفيت على الفور بعد ان اصطدم رأسها بزجاج السيارة الأمامي
وسبب لها نزيفاً حاداً في المخ .
☆ عند مريم.....
كانت
تمشي في الشارع بعد ان خرجت من عملها لتذهب الى المدرسة التي تدرس بها
اختها مرام من اجل ان تدفع رسوم اخر الشهر ، لقد حصلت على مرتبها من مالك
المقهى وطلبت منه الاذن لكي تذهب الى المدرسة وتدفع قسط تدريس اختها ،
وبينما كانت تعد المال وردها اتصال هاتفي فوضعت المال في محفظتها ثم اخرجت
هاتفها من جيب سترتها وابتسمت عندما قرأت اسم " ست الحبايب " ثم اجابت :
ايوا يا ماما.
ولكن الشخص الذي اجابها لم يكن امها بل احد ضباط الشرطة إذ قال : حضرتك مريم بنت الست سعاد صالح ؟
في تلك اللحظة تسلل الخوف الى قلب مريم فقالت : ايوا يا فندم... انا بنتها الكبيرة بس انت تبقى مين وفين أمي دلوقتي ؟
الضابط : انا ابقى الضابط *** مع الاسف والدتك حصل لها حادثة في منطقة *** ومع الاسف هي اتوفت على طول.
في
تلك اللحظة نزل ذلك الخبر على مسمع مريم كما لو انه نيزك مدمر سقط من
السماء على رأسها ، فقامت بوضع يدها على فمها بصدمة شديدة ، اما الضابط
فقال : آلو.. آلو.. حضرتك سمعاني ؟
فأجابته بصوت يكاد يختفي : ا.. ايوا.. ا.. انا سمعاك.
الضابط : من فضلك يا ريت تيجي مستشفى *** دلوقتي علشان تتعرفي على الجثة ... والباقية في حياتك .
قال
ذلك ثم اغلق الهاتف ، اما هي فنزلت دموعها كزخات المطر ثم ركضت بأسرع ما
يمكن حتى اوقفت سيارة أجرة واخبرت السائق ان يوصلها الى المستشفى... كانت
طوال الطريق تبكي وتدعو الله ان يكون ذلك الخبر كذباً وان السيدة التي
توفيت ليست امها ، ولكن لا احد يستطيع ان يفعل شيئاً عندما يقضي الله تعالى
بأمراً وقد قضى بأن تموت امها بتلك الطريقة وفي ذلك اليوم بالتحديد.
-
وعندما وصلت الى المستشفى نزلت من سيارة الأجرة بعدما وضعت المال في يد
السائق حتى بدون ان تنظر الى المبلغ ثم ركضت الى داخل المستشفى وذهبت الى
قسم الاستقبال ؛ فسألت الموظفة وهي تبكي لو كان قد تم نقل جثة أمرأة في
الخمسين من عمرها تعرضت لحادث فأخبرتها بأن تذهب الى قسم الموتى في الطابق
السفلي لان ما تقوله كان ينطبق على تلك المرأة التي احضرتها سيارة الاسعاف
قبل ساعة.
ركضت الى هناك حيث كان
ضابط الشرط التي تحدث معها على الهاتف ثم قالت ببكاء : ماما فين يا حضرة
الضابط ، ارجوك قول ان الست اللي جوا مش هي !
فتنهد
الضابط وقال : مع الاسف يا بنتي... احنا اتأكدنا من بطاقة الهوية واتضح ان
الست اللي جوا دي هي سعاد صالح بس لازم نتأكد من ان الست دي مش وحدة شبها
علشان كدا عايزينك تتعرفي عليها.
-
وبالفعل دخلت مريم الى تلك الغرفة الباردة والمخيفة حيث كانت جثة امها
ممددة على تلك الطاولة وفوقها غطاء ابيض... وقفت ترتجف بشدة قبل ان تنظر
الى الضابط وتهز له برأسها لكي يبعد الغطاء عن الجثة... وعندما فعل ذلك
ونظرت إلى جثة امها التي تحول وجهها الى اللون الأبيض المائل الى الازرق
بكت بكاء شديد واخذت تصرخ قائلة : لاااااااااااااء...دي مش ماما ، ماما لسه
عايشة !
ثم انهارت على الارض وهي تبكي بحرقة شديدة.
تسارع في الاحداث.....
مرت
ثلاثة ايام على موت السيدة سعاد عاشت مريم واختها مرام خلالها اسوء ايام
حياتهن لان امهن قد توفيت ولم يتبقى لهن اي احد سوى بعضهن ، وبعدما انتهى
العزاء لم تخلع مريم الاسود حزناً على امها ولم تعد تذهب لكي تبحث عن عمل
في الشركات فقط استمرت بالعمل في المقهى واصبح كل همها جمع المال للاعتناء
باختها مرام التي سائت حالة قلبها بعد موت امها حيث انها تعاني من قصوراً
في القلب منذ ولادتها واي مجهود صغير قد يتعبها.
وهكذا
مرت 6 اشهر لم يتغير خلالها اي شيء في حياة مريم واختها مرام ، فقط كانت
الكبرى تعتني بالصغرى وتعمل بجد ، اما الهام فلم يعجبها وضع صديقتها
المقربة ابداً وقلقت عليها كثيراً حيث ان مريم لم تنزع الاسود ابداً وكأنها
فقدت رغبتها في الحياة ، لهذا اخذت الهام تلح عليها لكي تنسى ما حدث وان
تتابع البحث عن عمل في احدى شركات التكنولوجيا ولكن لا حياة لمن تنادي .
ومن جهة اخرى وبعيداً عن مشاكل مريم واختها ......
دعونا
نذهب الى منزل كبير اشبه بالقصر كان يخص عائلة من اشهر العائلات في
القاهرة وهي " عائلة السيوفي " فكانت الحديقة الأمامية كبيرة وجميلة جداً ؛
خضراء ومزينة بالورود يتوسطها طريق اسفلتية رفيعة تمتد من البوابة
الرئيسية الى باب المنزل الكبير ..اما في الداخل فكان كل شيء يدل على
رفاهية المكان بداية من المدخل الواسع الى غرف المعيشة الفاخرة وغرفة
المائدة الطويلة والمطبخ الراقي الذي في الطابق الاول.
اما
في الطابق الثاني.. فكانت غرف النوم الخاصة بسكان المنزل ولنذهب الى غرفة
نوم " الأبن الأكبر ادهم عزام السيوفي " حيث ان غرفته كانت كلاسيكية وفاخرة
وكل قطعة اثاث موجودة فيها كانت مصنوعة من اغلى انواع الخشب وافخرها ، اما
مالك الغرفة فكان يدور فيها ذهاباً وإياباً ويبدو عليه انه منزعج للغاية
حيث انه كان يتحدث في الهاتف قائلاً : ازاي قدرتوا تضيعوا الصفقة دي ، انا
مش قلت اني مش عايز الصفقة تطير ...قلت ولا ماقلتش ؟!
المتصل
: ارجوك اهدا يا ادهم... احنا مكناش عارفين ان دا هيحصل بس نعمل ايه لو
المبرمج بتاع شركتنا تعب فجأة ومقدرش يكمل برمجة التطبيق ؟
ادهم : انا مليش دعوة بالكلام دا يا كمال... كل اللي بيهمني دلوقتي ان الصفقة طارت ودي كانت اهم صفقة في الشهر دا.
كمال : طيب هنعمل ايه دلوقتي ؟
فتنهد
ادهم وقال : من بكرا تدي المبرمج دا تعويض نهاية الخدمة وترفده... وبعدما
ترفده عايزك تجيبلي مبرمجين جدد من تحت الارض انت سامع ومش مهم يكون عندهم
خبرة او لاء المهم يكونوا بيفهموا في البرمجة ومعاهم شهادة جامعية .
كمال : تحت أمرك يا كينچ ... اعتبر ان دا حصل.
ادهم : كمال... مش عايز اللي حصل النهاردة يتكرر تاني.
كمال : متقلقش يا ابن عمتي.. كل حاجة هتبقى تمام ان شاء الله.
ادهم : هنشوف.. يلا سلام دلوقتي.
قال ذلك ثم اغلق الهاتف وجلس على الكرسي بتعابير وجه منزعجة وتساءل بانزعاج : هو انا لازم اعمل كل حاجة بنفسي !
في تلك اللحظة سمع صوت طرق خفيف على باب الغرفة فقال بصوته الوقار : انا مش قلت مش عايز حد يزعجني ؛ عايزين إيه ؟!
في
تلك اللحظة فُتح الباب ودخلت فتاة قصيرة ذات بشرة ناعمة وشعر طويل وكانت
تبدو من هيئتها انها لم تتعدى الثامنة عشر بعد ، فقالت بصوت مرتجف : ك..
كوثر هانم بعتتني علشان اقولك ان العشا جاهز يا فندم.
فتنهد ادهم ثم نهض من مكانه وقال : طيب يا وفاء..اطلعي انتي دلوقتي.
وفاء : ح.. حاضر يا بيه.
قالت
ذلك ثم خرجت اما هو فأخذ نفساً عميقاً وعاد الى جموده وبروده المميت الذي
يقهر الجميع وبعدها خرج من غرفته ونزل الى الأسفل حيث كان افراد عائلته
مجتمعين حول مائدة العشاء ؛ كانت أمه السيدة كوثر جالسة على رأس الطاولة
بينما كان شقيقه معاذ جالساً بجانب امه من الجهة اليسرى وبجانبه زوجته سلوى
اما في جهة اليمين فكانت اخته رغد وكان الجميع ينتظرونه لكي ينزل فتوجه
نحوهم وجلس ما بين امه واخته قائلاً : مساء الخير.
رد الجميع عليه بـِ "مساء النور" ثم بدأوا يتناولن العشاء واثناء ذلك سألته السيدة كوثر : مالك يا ادهم يا ابني ، في حاجة حصلت ؟
رد عليها قائلاً : مفيش..شوية مشاكل في الشغل.
فقال معاذ : وان شاء الله كل حاجة بقت تمام ؟
فنظر اليه وقال : متقلقش.. كلو هيبقى زي الفل ان شاء الله .
السيدة
كوثر : انا مش عارفه انت ليه مسمعتش كلام ابوك الله يرحمه ورحت اسست
الشركة دي.. يعني لو سمعت كلامه كنت هتبقى دكتور قد الدنيا دلوقتي زيه وزي
اخوك الصغير.
فتنعد ادهم واردف :
من فضلك يا ماما انا مش عايز اتكلم في الموضوع دا لان الحكاية حصلت من 7
سنين يعني خلاص مفيش فايدة نعيد ونكرر نفس الكلام .
قال
ذلك والتزم الصمت وفي تلك اللحظة بالذات عاد بذاكرته إلى الماضي حين كاسس
شركته بنفسه عندما كان في سن الرابعة والعشرين حيث ان والده " عزام السيوفي
" كان طبيباً مشهوراً في البلد كلها ولم يكن يفهم بأمور البرمجة نهائياً
بل كان يحلم بأن يصبح اولاده مثله وهو اختار ان يصبح مهندس تقنيات
تكنولوجيا في علوم الحاسوب لذا درس ذلك التخصص في أميركا لمدة خمس سنوات
منذ ان كان عمرة 19 عاماً حتى اصبح 23 عاماً وبعدها عاد الى مصر وقرر ان
يفتتح شركته الخاصة ، فنجح بفعل ذلك واصبح خلال 7 سنوات رئيس اكبر شركة
تجارة الإلكترونية في مصر كلها اي انه الان في سن الواحد والثلاثين .
انتشله
صوت شقيقته رغد من شروده حيث قالت : معليش يا ماما.. شغلنة ادهم لايقة
عليه اكتر من الطب يعني كفايه عندنا اتنين دكاتره في العيلة .
فحركت
السيدة كوثر عيناها بشكلٍ دائري اما سلوى زوجة معاذ فابتسمت قائلة بمرح :
تخيلوا معايا كدا يا جماعة ان ادهم دكتور....اكيد هيرفع ضغط المرضى بتوعه
بدل ما يعالجهم بمعاملته الباردة دي.
قالت
ذلك ثم نظرت إلى ادهم وحركت حاجباها وهي تبتسم بلطف ...فضحك الجميع اما هو
فرفع بصره عن طبق الطعام ببطء ثم رمقها بنظرة باردة وقال بهدوء : مش
هتبطلوا تريقه بقى ؟
فكتم الجميع
ضحكهم عندما قال ذلك اما السيدة كوثر فقالت : قولي يا ادهم... انت مش عايز
تتجوز بقى ، اظن ان الوقت جيه علشان تستقر وتنسى اللي حصل لما كنت في
اميركا.
في تلك اللحظة ضرب ادهم
الطاولة بيده بكل قوة جعلت البقية يفزعون ثم هب واقفاً وقال بنبرة يملؤها
الانزعاج : انا قلت مش عايز اتجوز يعني مش عايز اتنيل وكفايه تفكريني
بالحكايه دي كل شويه يا ماما لأني مش عايز افتكرها تاني .
فسأله معاذ بعصبية : مالك يا ادهم ، ليه بتكلم ماما بالطريقة دي ؟
فنظر اليه وقال : انت ملكش دعوة يا معاذ... خليك في حالك احسن.
قال
ذلك ثم تركهم وصعد الى غرفته والانزعاج يسيطر عليه...اما السيدة كوثر
فنهضت وقالت بصوت عالٍ لكي يسمعها : والله مش هحل عنك غير اما تنساها يا
ادهم... واعلى ما في خيلك اركبه !
ونهضت ابنتها رغد وامسكت بيدها قائلة : خلاص يا ماما... سيبيه براحته.
فجلست السيدة كوثر مجدداً واردفت بتذمر : لحد امتى هسيبه يعمل اللي هو عايزه ، دا زودها اوي.
معاذ : ما انتي عارفه انه مش بيحب حد يجيب سيرة الموضوع دا ابداً يا ماما... علشان كدا متعبيش نفسك يا حبيبتي .
وقالت
سلوى : معاذ عنده حق يا ماما ، يعني كل مرة بتحاولي تفتحي معاه موضوع
الزواج بتحصل مشكلة في البيت وهو بيكسر كل حاجة علشان كدا سيبيه براحته
واكيد هيجي يوم وينسى اللي حصل.
فتنهدت السيدة كوثر وقالت : خلاص يا ولاد ...يلا كملوا اكلكوا.
عند ادهم......
دخل
الى غرفته ثم اغلق الباب بقوة كادت ان تكسره وسرعان ما امسك بزجاجة عطره
ثم رماها ارضاً فأصبحت حطاماً وبعدها جلس وهو يشتعل غضباً فقال محدثاً نفسه
: انساها ... ازاي هقدر انساها وانسى اللي حصلي بسببها ؛ اه لو كانت لسه
عايشة دا انا كنت هقتلها بنفسي وشربت من دمها.
تسارع في الاحداث / في صباح اليوم التالي....
ذهبت مريم الى عملها في مقهى الانترنت وما ان دخلت حتى هرعت صديقتها الهام نحوها وقالت باندفاع : جيه الفرج يا ميمي ..
نظرت اليها وسالتها : قصدك ايه ؟
فامسكت الهام يدها وقالت : تعالي...انا هوريكي حاجة.
ثم
سحبتها نحو احد الكمبيوترات الموجودة في المقهى وبعدها اخذت تكتب في محرك
البحث عدة كلمات حتى ظهرت لها الصفحة الرسمية لشركة " رويال للتجارة
الإلكترونية " والتي كانت هي نفسها شركة ادهم السيوفي ، وسرعان ما ابتسمت
قائلة : بصي يا ميمي... دي اشهر شركة تكنولوجيا في البلد كلها وهما طالبين
مبرمجين تقنيات علشان يشتغلوا فيها ... ايه رأيك نروح المقابله بكرا جايز
يقبلونا.
فتنهدت مريم وقالت : ما
كفايه بقى يا الهام... يعني احنا جربنا نشتغل في شركات عادية ومحدش قبل
يشغلنا لان معندناش خبرة جاية دلوقتي تقوليلي انك عايزه تقدمي طلب للشغل في
اكبر واشهر شركة تجارة إلكترونية في البلد كلها !
الهام
: وليه لاء يعني احنا مش هنخسر حاجة لو جربنا وبعدين بصي هنا... هما قالوا
ان مش مهم لو كان المبرمج عنده خبرة او لا المهم يكون بيفهم في البرمجة
ومعاه شهادة جامعية.
في تلك اللحظة شعرت مريم بالفضول لمعرفة المزيد حول هذا الاعلان فقالت لصديقتها : اوعي كدا.
ثم
جلست واخذت تقرأ المعلومات التي في اعلان طلب التوظيف ، وبالفعل لم يكن
هناك شرط في الاعلان ينص على ان المبرمج يجب ان يكون لديه خبرة فقالت : دول
اكيد بيهزروا مش كدا ؛ ازاي شركة كبيرة زي دي مش بيهمها لو كان المبرمج
اللي هتوظفه عنده خبرة او لأ ؟
فابتسمت الهام واردفت بحماس : مش قلتلك الفرج جيه... دي فرصتنا انا وانتي علشان نشتغل.
فنهظت
مريم وقالت : والنبي بلاش احلامك دي...انا متأكدة انهم كتبوا البند دا في
الاعلان بس علشان يوهموا الناس ...يعني بالعقل كدا مين هيصدق ان شركة
عالمية زي دي هتقبل تشغل ناس معندهمش خبرة ؟
الهام : حتى لو كان الكلام دا حقيقي احنا مش هنخسر حاجة لو جربنا.. وبعدين احنا منعرفش ايه مخبيلنا القدر مش كدا ؟
كتفت مريم يديها ونظرت الى الهام قائلة : طيب وانا مطلوب مني ايه ؟
الهام
: مطلوب منك انك تجهزي الـ CV بتاعك لما ترجعي البيت علشان تروحي معايا
مقابلة الشغل بكرا الصبح... بس وحياتي عندك يا مريم بلاش تفضلي لابسه
الاسود دا.
في تلك اللحظة تغيرت ملامح مريم لتصبح حزينة وقالت : ارجوكي يا الهام.. بلاش تضغطي عليا .
فامسكت
الهام بيدها وقالت : ما خلاص بقى يا مريم... يعني انتي بقالك 6 شهور وانتي
لابسه الاسود ورافضة تكملي حياتك... انتي فكرك ان امك هتتبسط منك وانتي
بتعملي كدا ؟
ذرفت مريم الدموع وغمغمت بنبرة مقهورة : لسه مش قادرة اصدق انها ماتت ببساطة كدا يا الهام ، انا بحس ان روحها لسه في البيت معانا.
فعانقتها
الهام واردفت : خلاص بقى يا حبيبتي... اللي بتعمليه دا حرام ، يعني الحزن
في القلب مش في لون اللبس وكفايه بقى تعذبي نفسك وتعذبيني معاكي..وبعدين
الحداد على الميت يبقى تلات ايام مش اكتر وانتي بقالك حاده عليها 6 شهور
ودا حرام.
فمسحت مريم دموعها ثم قالت : طيب خلاص.. انا هقلع الاسود من بكرا لان بصراحة ماما جتني في الحلم اكتر من مرة وطلبت مني اقلعه .
الهام
: شفتي... حتى هي مش عايزاكي تفضلي زعلانه لان الموت حق علينا كلنا وانتي
عارفه دا كويس ومامتك الله يرحمها اخدت حقها لان دا امر ربنا ولا اعتراض
على حكم الله.
مريم : ونعم بالله.
فابتسمت الهام واستطردت : ايوا كدا... عايزاكي ترجعي مريم القديمة اللي كانت بتضحك على طول وبلاش العكننه دي ماشي .
فابتسمت مريم بلطف ثم اردفت قائلة : متشكره يا الهام ...انا مش هنسى وقفتك معايا ابداً .
الهام : على ايه يا بنتي.. دا اقل واجب وبعدين انتي اختي ومفيش شكر بين الاخوات .
مريم : عندك حق ، قوليلي بقى انتي عرفتي موضوع الاعلان دا ازاي ؟
الهام : كنت بدور على شغل في النت وبالصدفة دخلت الصفحة الرسمية لشركة رويال للتجارة الإلكترونية وشفت الاعلان.
مريم : يبقى احنا لازم نروح هناك قبل موعد المقابلة على الاقل بنص ساعة.
الهام
: عندك حق... وكمان متنسيش احنا لازم نلبس حلو علشان المظهر ليه دور كبير
في المواضيع دي لان كل الشركات المحترمة بتهتم في المظهر الخارجي للموظفين .
مريم : تمام ..يلا خلينا نبتدي شغل دلوقتي .
الهام : يلا بينا.
تسارع في الاحداث.........
في
المساء عادت مريم الى المنزل ، وبعد ان تناولت عشائها مع شقيقتها مرام
جلست تساعدها في حل فروضها المدرسية وبعدها ذهبت مرام الى غرفتها لكي تنام
اما هي فذهبت الى غرفتها ايضاً وجلست على سريرها وبدأت تكتب سيرتها الذاتية
على حاسوبها المحمول ، وبعد ان انتهت ارسلتها عبر البريد الإلكتروني الى
الصفحة الرسمية لشركة ادهم ثم نهضت وفتحت خزانتها واخذت تبحث بين ملابسها
عن شيء يصلح لكي ترتديه في مقابلة العمل... وجدت ملابساً جميلة بين تلك
الملابس السوداء فاخرجتهن ووضعتهن على الكرسي حتى لا تتأخر في الصباح وهي
تبحث عن ملابس وبعدها استلقت في سريرها وخلدت الى النوم.
في صباح اليوم التالي......
استيقظت
في تمام الساعة السادسة صباحاً فنهضت من سريرها وذهبت الى الحمام وبعد ان
فعلت روتينها اليومي ذهبت الى غرفة اختها وإيقظتها لتجهز نفيها من اجل
الذهاب الى المدرسة ، فنهظت مرام بالفعل ثم خرجت من غرفتها وهي تحمل
ملابسها وذهبت الى الحمام لتستحم...اما مريم فذهبت الى المطبخ وبدأت تعد
الفطور وبعد ان تناولت مرام فطورها ووضعت كتبها في الحقيبة نظرت إلى الساعة
حيث كانت تشير الى السابعة صباحاً وقالت : مريم الأوتوبيس جيه... انا هروح
دلوقتي.
ردت عليها مريم : خلي بالك من نفسك يا حبيبتي.
مرام : حاضر...سلام دلوقتي.
قالت
ذلك ثم خرجت... اما مريم فذهبت الى غرفتها واخذت ثيابها وبعدها ذهبت الى
الحمام وبقيت فيه لمدة عشر دقائق ثم خرجت وهي تنشف شعرها وتوجهت الى غرفتها
، امسكت مجفف الشعر وجففت شعرها الطويل ثم جلست امام طاولة التزين الخاصة
بها ونظرت إلى نفسها مطولاً وسرعان ما بدأت تضع قليلاً من مساحيق التجميل
على وجهها فاصبحت فاتنة للغاية ، وبينما كانت تفعل ذلك وردها اتصال من
الهام فأجابتها : صباح الخير يا لولو .
قالت الهام : يا صباح العسل..انتي جاهزة ؟
اجابتها مريم وهي تنتعل حذائها : ايوا.. هقابلك كمان شويه.
الهام : اتفقنا... بس متتأخريش لاني مستنياكي في محطة الأوتوبيس .
مريم : طيب انا خارجه اهو.
ثم اقفلت الخط وحملت حقيبتها والقت نظرة اخيره على المنزل قبل ان تخرج لتتأكد انها لم تنسى شيئاً ثم قالت : كدا تمام.
وبعدها
خرجت من البناية وتوجهت الى محطة الحافلات حيث كانت الهام تنتظرها ، و
عندما رأتها الاخيرة تنهدت وسألتها بتذمر : اسود تاني يا مريم.. انتي مش
قلتي انك مش هتلبسي اسود ؟
مريم : خلاص يا الهام.. اهو انا حطيت ميك آب وفردت شعري يبقى عايزه ايه اكتر من كدا ؟
الهام : طيب خلاص... هسيبك على راحتك المهم انك جيتي.
مريم : يلا بينا علشان نروح.
الهام : اتفضلي .
-
ثم صعدن في الحافلة وما هي الا فترة زمنية معينة قد مرت حتى وصلن الى تلك
الشركة الضخمة... شعرن بالحماس فوراً عندما دخلن اليها ورآين ذلك الكم
الكبير من المتقدمين بطلبات توظيف ، فجلسن مع بقية المتقدمين ينتظرن ان يتم
طلبهن... مرت ساعة على انتظارهن بينما كان معظم الاشخاص يخرجون ومعظمهم
يدخلون الامر الذي جعل مريم تشعر بالضجر لذا نهضت وقالت : انا هروح اشم
شوية هوا.. تيجي معايا ؟
ردت عليها الهام : لا انا هستنى جايز ينادوا عليا ومكنش هنا.
مريم : تمام...كلميني لو جيه دوري.
قالت ذلك ثم حملت حقيبتها وخرجت الى الحديقة... وهناك وقفت تستنشق الهواء قائلة : الجو حلو اوي النهاردة.
*
وبقيت في الخارج لمدة عشر دقائق حتى وردها اتصال من الهام فأخبرتها انهم
ذكروا اسمها لذا نهضت عن المقعد الخشبي بسرعة وركضت الى الداخل... واثناء
ركضها اصطدمت بادهم السيوفي الذي كان داخلاً الى الشركة ايضاً ...
يتبع...