رواية عن العشق والهوي الفصل الثاني 2 بقلم نونا مصري
~ الفصل الثاني ~
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
قراءة ممتعة للجميع ♡
-
نهضت مريم عن المقعد الخشبي بسرعة وركضت الى الداخل... واثناء ركضها
اصطدمت بادهم السيوفي الذي كان داخلاً الى الشركة ايضاً مما جعلها تعود الى
الخلف بقوة ، اما هو فلم يتزحزح من مكانه وكأنه جبل لا ينحني سوى لخالقه
وكأن التي اصطدمت به ليست سوى ذبابة صغيرة لم يشعر بها حين ارتطمت بجسده
العريض .
اما هي فنظرت اليه ولا
تعلم لما شعرت بالرهبة عندما رآته حيث كانت الهيبة والفخامة ظاهرة عليه
ويبدو من شكله انه شخصية مهمة جداً بـ بدلته السوداء الفاخرة المصنوعة من
اغلى انواع الاقمشة ونظارته الشمسية الداكنة ذات الماركة العالمية وقسمات
وجهه الوسيم وبطوله الوقار وشعره الاسود المرفوع وكتفيه العريضين اللذان
يثبتان مدى صلابتهما وقوتهما ، فقالت باندفاع : أنا اسفه يا فندم...حضرتك
كويس ؟
نظر ادهم الى صدره حيث ان
بدلته انكمشت قليلاً بسبب اصطدام مريم به ، فاخذ يرتبها دون ان يعير تلك
التي تتحدث معه وتعتذر اي ذرة اهتمام... فقط كان الصمت حليفه ولكن ليس
لوقتاً طويل ، فبعدما رتب هندامه رفع رأسه ببطء شديد ونظر إليها بعيونه
التي تشبه عيون الصقر في حدتهما من تحت نظارته الشمسية ولكن عندما رآها شعر
بشيء قد تحرك بداخله ولأول مرة منذ خمس سنوات قد رجف قلبه لمجرد انه رأى
هذه الفتاة الجميلة ذات الشعر البني المموج والعيون العسلية البراقة كبريق
النجوم وصاحبة البشرة النضرة ذات اللون القمحوي و شفتيها المرسومتين بأحمر
شفاة باهت اللون كما لو انهما قطعتي حلوة وجسدها المنحوت وطولها الذي ينتهي
الى مستوى صدره حيث انه كان اطول منها بكثير .
نزع
نظارته الشمسية تلقائياً وأخذ يتمعن بها بتلك العيون الثاقبة التي ترهب
الجميع بسوادها الحالك مما جعلها ترمش عدة مرات قبل ان تبتلع ريقها وتسأله
مجدداً : حضرتك كويس ؟
لم يجيبها
فقط استمر بالتحديق بقسمات وجهها الناعم بنظرات اربكتها مما جعلها تشيح
بنظرها عنه ، وسرعان ما اعاد وضع النظارة الشمسية ليخفي بها عيناه وقال
بصوت يغلبه الجمود والبرود : ابقي انتبهي المره الجاية وانتي بتجري والا
هتعوري نفسك .
قال ذلك ثم تركها وغادر بكل بساطة ، اما هي فتنفست الصعداء عندما غادر وقالت بصوت اشبه للهمس : اما رجال غريب..بس يطلع مين يا ترى ؟
عند ادهم...
اتجه
نحو المصعد ثم ضغط الزر ووقف ينتظر ...وبينما كان ينتظر نزول المصعد وضع
يده على صدره وقال في سره : مالك يا ادهم ، ايه اللي حصلك بعدما قابلت
البنت دي ؟
في تلك اللحظة اقتربت
مريم منه حيث انها كانت تريد ان تستقل المصعد ايضاً ووقفت الى جانبه وهي
تحني رأسها فأدرك انها بجانبه ولكنه لم ينظر اليها بل انزل يده عن صدره
ووضعها بجيب بنطاله بكل برود... وما هي الا ثواني حتى وصل المصعد وعندما
فتح بابه دلف الى داخله اولاً واصبح واقفاً مقابلاً لها فترددت من الدخول
ولكنها دخلت في نهاية المطاف ، ضغطت على زر الطابق الثالث بينما ضغط هو على
زر الطابق الاخير في الشركة .
واثناء صعود المصعد.....
كانت
مريم واقفة امام ادهم وتعبث بهاتفها بينما كان هو واقفاً خلفها يسند ظهره
على مرآة المصعد ويكتف ذراعيه فيما ينظر الى ظهرها بتركيز كبير وبكل
هدوء...فقط كان يتأمل خصلات شعرها المموج كأمواج البحر بعيونه الثاقبة من
تحت النظارة السوداء كما ان رائحة عطرها الساحر اخترقت انفه فسببت له
الدوار ، اما هي فأخبرها حدسها بأن هذا الغريب يحدق بها ولا تعلم لما شعرت
برغبة في ان تلقي نظرة خاطفة عليه...وبالفعل ادارت وجهها ببطء لتنظر اليه
فوجدته على حاله حيث كان ينظر الى الأمام وهو يعقد ذراعيه فوق صدره بهدوء
مميت ولكنها لم تعرف الى اين كان ينظر بسبب النظارة التي تغطي عيناه وسرعان
ما توترت من النظر إليه لذا ادارت وجهها بسرعة ورفعت يدها اليُمنى ثم
اعادت خصلة من شعرها ووضعتها خلف اذنها بارتباك ، وما هي الا دقيقة حتى وصل
المصعد إلى الطابق الثالث فخرجت منه بسرعة دون ان تنظر خلفها .
في تلك اللحظة تنفس ادهم الصعداء ونزع نظارته الشمسية ثم مسح وجهه براحة يده وقال : يا ترى مين البنت دي ، انا مشفتهاش هنا قبل كدا.
بينما ذهبت هي الى حيث كانت الهام وقالت لها الاخيرة : يلا بسرعة يا مريم... هما قالوا ان دورك هيجي بعد البنت اللي جوا دلوقتي.
مريم : ماشي.. بس قوليلي الاول شكلي عامل ايه ؟
فابتسمت الهام قائلة : طالعة زي القمر يا روحي.
مريم : متشكره.
وبعد مرور خمس دقائق........
خرجت الفتاة التي دخلت قبلها من الغرفة وبعدها خرجت فتاة اخرى يبدو من مظهرها انها سكرتيرة وقالت بصوت عالٍ : مريم مراد..
فنهضظت مريم قائلة : افندم.
السكرتيرة : اتفضلي لان دورك جيه.
امسكت مريم حقيبتها واردفت : اوك.
ثم نظرت إلى الهام واضافت : ادعيلي يا لولو.
الهام : ربنا يوفقك يا حبيبتي ويوفقني انا كمان.
ابتسمت
مريم ثم رتبت هندامها واخذت نفساً عميقاً وبعدها طرقت الباب ودخلت إلى
الغرفة حيث كانت ستجري المقابلة مع ذلك الشاب الجالس خلف مكتبه فقالت :
صباح الخير يا فندم...ومتشكرة لانكوا قبلتوا تعملوا معايا المقابلة دي.
وبعد تلك الجملة اخذ الشاب عنها انطباعاً جيداً فابتسم وقال : صباح النور ؛ اتفضلي.
اقتربت قائلة : متشكرة.
ثم جلست امامه فسأل : اسمك مريم مراد عثمان ؟
مريم : ايوا يا فندم .
الشاب : انا كمال حسن المسؤول عن تعين الموظفين والمحاسبة المالية في الشركة .
مريم : اتشرفنا.
كمال : قوليلي بقى يا انسه مريم انتي ليه عايزة تشتغلي في الشركة دي ؟
اعتدلت
مريم في جلستها ونظفت حلقها ثم قالت : اولاً علشان اجيب اكل عيشي طبعاً
وثانياً لاني بحب البرمجة والا مكنتش درست تلات سنين في الكلية علشان ابقى
مبرمجة تطبيقات ومهندسة مواقع الكترونية .
كمال : مكتوب في سيرتك الذاتيه انك عمرك ماشتغلتيش في شركة قبل كدا ممكن اعرف السبب ؟
مريم
: ايوا ، انا قدمت طلب توظيف في شركات كتيره بس محدش قبل يوظفني ودا لاني
ماعنديش الخبرة الكافية اللي هما بيطلبوها وهو دا السبب الوحيد اللي كانوا
بيرفضوني علشانه وبس كدا .
كمال : طيب ايه اللي هيخلينا نقبلك وانتي ماعندكيش الخبرة يا انسه ؟
مريم
: اولاً انتوا كتبتوا في اعلان التوظيف ان مش مهم يكون عند المبرمج خبرة
وانما اهم حاجة انو بيفهم في البرمجة ومعاه شهادة جامعية ، وانا عندي
الامكانيات دي وكمان تخرجت من جامعة محترمة وكنت من بين العشرة الأوائل في
الكلية كلها ودا غير اني بحب شغلي وملتزمة في مواعيدي جداً واظن ان دا سبب
كافي علشان تقبلوني في الوظيفة دي مش كدا ولا حضرتك عندك رأي تاني ؟ .
فابتسم كمال بعد سماع ذلك واردف : عندك ثقة في نفسك ودا كويس...ودلوقتي ممكن تكلميني عن نفسك شوية .
فابتسمت
مريم قائلة : اكيد... انا عندي 21 سنه ودرست علوم الحاسوب في معهد
التكنولوجيا التطبيقية وتخصصي برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونية
واشتغلت في Internet cafe لمدة تلات سنين في دوام جزئي وبسبب شغلي انا حبيت
عالم البرمجة والانترنت ، وانا مش مرتبطة وعايشه مع اختي الصغيرة لوحدنا
في البيت بعد ما اهلي ماتوا يعني انا اللي بصرف عليها.
امسك كمال القلم وكتب شيئاً على الورقة التي امامه وسألها : وبيتكوا بعيد قد ايه عن شركتنا ؟
مريم : مدة نص ساعة في الأوتوبيس .
كمال : طيب معاكي رخصة سواقة ؟
مريم
: بصراحة مكنش عندي وقت علشان اتعلم السواقه ودا بسبب المذاكرة والشغل في
"الأنترنيت كوفي" بس متقلقش لان الموضوع دا مش هيأثر على شغلي هنا لو
قبلتوني يعني..
ابتسم كمال ثم وضع
القلم من يده ونظر اليها قائلاً : طيب يا انسه مريم.. السكرتيرة هتتصل
عليكي الساعة 18:00 علشان تقولك نتيجة المقابلة...ودلوقتي تقدري تتفضلي
واتشرفت بمعرفتك .
قال ذلك ثم نهض ومد يده لكي يصافحها فصافحته قائلة : الشرف ليا انا يا استاذ كمال.. عن اذن حضرتك .
قالت ذلك ثم خرجت من المكتب وهي تشعر بشعور جيد اما كمال فابتسم قائلاً : واثقه في نفسها.. اكيد هتعجب ادهم .
عند مريم....
ذهبت وجلست بجانب صديقتها الهام التي سألتها بسرعة : ها.. طمنيني ...عملتي ايه ؟
فابتسمت وقالت : الحمد لله اتصرفت على طبيعتي وكمان الراجل اللي عملي المقابلة حسيت من طريقة كلامه ان في امل علشان يقبلوني.
ابتسمت الهام بدورها وهتفت : بجد يا مريم ، طب الحمد لله.
مريم : الراجل اللي جوا باين عليه محترم اوي وابن حلال يا لولو وان شاء الله كله هيبقي تمام.
الهام : يسمع من بؤك ربنا.
وبعد
مرور عشرين دقيقة اتى دور الهام لكي تجري المقابلة ، فاخذت نفساً عميقاً
ثم طرقت باب مكتب كمال ودخلت قائلة : صباح الخير يا فاندم.
كمال : صباح النور... اتفضلي.
الهام : متشكرة.
قالت ذلك ثم تقدمت نحوه وانتظرت حتى يأذن لها بالجلوس ، فنظر إليها وقال : استريحي.
الهام : متشكرة يا فندم.
قالت ذلك ثم جلست مقابلاً له فقال : اسمك الهام أمين صح ؟
الهام : ايوا يا استاذ.
كمال : قوليلي بقى يا انسه الهام...انتي ليه عايزه تشتغلي في الشركة بتاعتنا ؟
فابتسمت
الهام بعفوية وقالت : بصراحة الشغل في شركة " رويال للتجارة الإلكترونية "
هو حلم كل مبرمج عربي وانا وحده من المبرمجين اللي بيحلموا انهم يشتغلوا
في شركة عالمية زي دي.
كمال : هممم فهمت ، بس مكتوب في سيرتك الذاتيه ان ماعندكيش خبره في الشغل يبقى ازاي هتقدري تشتغلي عندنا ؟
الهام : اولاً انا .......
{ وتستمر الأسئلة والأجوبة كما حدث مع مريم }
تسارع في الاحداث / الساعة الرابعة عصراً ..
ذهب
كمال الى الطابق الاخير من الشركة حيث كان مكتب ادهم ، طرق الباب وسرعان
ما سمع صوت ابن عمته من الداخل يسمح له بالدخول فدخل ووجده جالساً امام
حاسوبه المحمول... نظر ادهم اليه ثم عاود النظر إلى حاسوبه وسأله بهدوء :
عملت اللي طلبته منك يا كمال ؟
اقترب
كمال منه ثم جلس مقابلاً له ووضع مغلفاً من يده على الطاولة وقال : اخيراً
المقابلات خلصت وانا اخترت كام واحد شفتهم مناسبين علشان يبقوا مبرمجين
الشركة الجدد وجبتلك سيرهم الذاتية لان حضرتك اللي بتشغل الموظفين في
النهاية مش انا.
ادهم : كويس... هبقى اشوفهم بعدين.
قال
ذلك ببروووود شديييد وهو يتابع عمله على الحاسوب حتى دون ان ينظر الى كمال
الذي هز رأسه بقلة حيلة ثم نهض قائلاً : يبقى انا همشي دلوقتي.
فرد ادهم عليه وهو مركز في حاسوبه : ماشي.
تنهد كمال وقال : يلا سلام .
ولكن ادهم اوقفه بقوله : متنساش اجتماع بكرا.
التفت
اليه ليجده ما يزال ينظر الى حاسوبه ثم قال : متقلقش.. مش ناسي بس انت
ابعد وشك عن الاب توب شويه لحسن هيبقى نظرك ضعيف وتبقى محتاج نظارة لو فضلت
كدا.
رسم ادهم ابتسامة خفيفة على محياه ونظر الى كمال ثم اردف : متخفش...مش هيجرالي حاجة.
كمال : هنشوف.. يلا سلام يا كينج.
قال ذلك ثم خرج من مكتب ادهم وهو يتمتم في سره : ياااه ايه البرود دا ؛ تقول جبل تلج مش كدا !
- عند ادهم....
ترك
العمل على الحاسوب ثم امسك بالمغلف الذي وضعه كمال امامه وبدأ يتصفحه وهو
يقرأ المعلومات الشخصية عن المتقدمين الذي اختارهم كمال حتى وصل الى سيرة
الهام الذاتيه..اعجبه الكلام الذي كتبه ابن خاله عنها وانها واثقه من نفسها
وتستحق ان تحصل على فرصة للعمل في شركتهم فهي متخصصة في برمجة المواقع
الإلكترونية التجارية والتسويق الإليكترونى وهذا ما كانوا يحتاجونه ؛ لذا
وضع توقيعه على ملفها الشخصي دليلاً على قبولها للعمل ، وبعدها استمر في
فعل ذلك مع كل ملف شخصي كان يقرأه حتى وصل الى اخر ملف والذي كان ملف
مريم... نظر إلى صورتها الشخصية مطولاً ثم قال : بقى كدا... هي جت هنا
علشان الوظيفة.
قال ذلك ثم قرأ
ملفها واعجبته امكانياتها خصوصاً لأنها كانت من بين العشرة الأوائل في
الكلية التي درست بها كما انها حاصلة على شهادة تقدير واحترام من الكلية
على انجازاتها وتفوقها في امور البرمجة والتكنولوجيا ، ولكن ما لفت انتباهه
اكثر هو سنها..وتساءل في نفسه كيف استطاعت فتاة في الواحد والعشرين من
العمر ان تعمل وتدرس وتعتني بأختها الصغيرة في الوقت ذاته ومع ذلك تفوقت في
دراستها كما انه انتبه على امراً مشتركاً بينها وبين الهام امين وهو انهما
درستا في نفس الكلية وعملن في نفس المكان ونفس الوظيفة فخمن انه من الممكن
ان تجمعهما صداقه قوية ، كما ان كمال وضع علامة " P " على ملفها باللون
الأحمر وتعني perfect / مثالي وذلك دليل على انها ممتازة للعمل ، فوضع
توقيعه على ملفها ثم اغلق المغلف ووضعه على الطاولة وتابع عمله على
الحاسوب.
وفي الوقت ذاته في
الأنترنيت كوفي ... كانت الهام متوترة جداً وتدعو الله ان يتم قبولها في
الشركة بينما كانت مريم هادئة للغاية فنظرت اليها وقالت : انا مستغربه منك
يا ميمي... ازاي قادره تتصرفي عادي كدا وكأنك واثقه انهم هيقبلوكي ؟!
ابتسمت مريم وقالت : دي اسمها ثقة في النفس يا بنتي يعني انا اتكلمت كويس وكمان مؤهلاتي ممتازه يبقى ليه الخوف من الفشل ؟
الهام : تصدقي عندك حق ؟
مريم
: وكمان ماتنسيش انهم هما اللي قالوا في اعلان التوظيف ان مش لازم يكون
عند المبرمج خبرة واهم حاجة يبقى فاهم هو بيعمل ايه ومعاه شهادة جامعية ،
وانا وانتي عندنا المؤهلات المطلوبة للشغلنه دي.
فابتسمت الهام قائلة : والله العظيم كلامك ريحني...ويا رب يكون عندك حق.
مريم : معرفش هيحصل ايه بس قلبي بيقولي اننا هنتقبل... على العموم احنا هنعرف النتيجة كمان ساعتين.
فقالت الهام بتململ : هيعدوا عليا كأنهم شهرين.
ضحكت مريم وردت عليها : متقليش... ان شاء الله كل حاجة هتبقى تمام.
وبعد مرور ساعة......
عادت
مريم الى المنزل فوجدت شقيقتها مرام جالسة امام التلفاز تشاهد مسلسلاً
كانت تتابعه ، خلعت حذائها وقالت : ثواني يا حبيبتي وهحضرلك الاكل.
مرام : متعبيش نفسك يا ميمي... انا اكلت مع صحابي في المدرسه.
مريم : بجد ، يعني مش جعانه ؟
مرام : لا مش جعانه..
مريم : طيب انا هروح استريح شويه في الاوضه ولو حسيتي بالجوع قوليلي فوراً .. اه وما تفضليش قاعدة قدام الـ tv كتير اتفقنا .
مرام : حاضر.
-
ثم دخلت مريم الى غرفتها المتواضعة ، فوضعت حقيبتها جانباً ثم فتحت
خزانتها واخرجت منها ملابس بيتيه مريحة وبدلت ملابسها واستلقت على سريرها
لكي تستريح من ارهاق العمل ولكن سرعان ما سقطت ضحية النوم وكانت الساعة لا
تزال الخامسة مساءً....بعد مدة رن هاتفها فامسكت به وهي مغمضة العينين ثم
اجابت دون ان تنظر الى الشاشة وقالت بصوتها النعس : آلو...
في
تلك اللحظة سمعت صوت صراخ صديقتها الهام التي قالت بنبرة سعيدة : الحقي يا
ميمي.... انا نجحت وهبتدي شغل في شركة رويال من بكرا الصبح !
فنهضت مريم بسرعة وابتسمت قائلة : بجد يا لولو ؟؟
الهام : والله العظيم.
مريم : الف مبروك يا حبيبتي.
الهام : متشكرة يا روحي... قوليلي بقى انتي ايه اللي حصل معاكي ؟
فنظرت مريم الى الساعة في هاتفها وقالت : الساعة دلوقتي 17:48 هما قالوا هيتصلوا بيا الساعة 18:00 يعني كمان 12 دقيقة.
الهام : طيب انا هقفل دلوقتي بس ابقي طمنيني ماشي .
مريم : اوك... يلا سلام دلوقتي.
قالت
ذلك ثم اغلقت هاتفها ونهضت من سريرها وخرجت من غرفتها فوجدت اختها جالسة
تنجز فروضها المدرسية سألتها بعتب : ليه سبتيني نايمه يا مرام ، كدا مش
هقدر انام في الليل.
فنظرت مرام اليها وقالت : شوفتك تعبانه قلت اسيبك تستريحي شوية .
مريم : طيب انا هروح اغسل وشي وابتدي في تحضير العشا وانتي كملي مذاكرة.
مرام : اوك.
ثم
دلفت مريم إلى الحمام لتغسل وجهها وما هي الا دقيقة حتى سمعت صوت رنين
هاتفها صادراً من الغرفة.... فقالت لها اختها : موبايلك بيرن يا ميمي.
فخرجت من الحمام بسرعة ثم ركضت نحو غرفتها وامسكت هاتفها واجابت قائلة : آلو.
المتصل : آلو مساء الخير.
مريم : مساء النور.
المتصل : بكلم الانسه مريم مراد ؟
مريم : ايوا حضرتك.
المتصل : انا سكرتيرة كمال بيه وبكلمك من شركة رويال للتجارة الإلكترونية.
ازدردت مريم ريقها وقالت : اتفضلي....انا سامعاكي.
السكرتيرة : الف مبروك يا انسه انتي انقبلتي في الشغل وتقدري تبتدي من بكرا الصبح.
في تلك اللحظة ابتسمت مريم ابتسامة مشرقة وسألت بغير تصديق : حضرتك بتكلمي جد ؟!
السكرتيرة : ايوا يا انسه... بكرا هيبقى اول يوم شغل ليكي في الشركة ولازم تكوني موجودة قبل الساعة 9:00 .
مريم : اوي اوي... متشكره.
السكرتيرة : العفو... تصبحي على خير.
مريم : تلاقي الخير.
قالت ذلك ثم اغلقت هاتفها وقفزت من شدة الفرحة ثم قالت : الحمد لله ... اخيراً هتنحل كل مشاكلنا الماديّة....انا لازم اقول لألهام .
ثم ضغطت رقم الهام وما هي الا ثواني حتى اجابتها قائلة : ايوا يا ميمي.. طمنيني !
مريم بسعادة : جهزي نفسك يا لولو....بكرا اول يوم شغل لينا في شركة رويال للتجارة الإلكترونية.
فابتسمت الهام وقالت : دا اجمل خبر سمعته من 6 شهور ...انتي كان عندك حق في كل كلمة قولتيها.
مريم : انا كنت حاسه انهم هيقبلونا والحمد لله احساسي طلع صح.
الهام : الحمد لله.
مريم : طيب يا حبيبتي انا هقفل دلوقتي وهشوفك بكرا.
الهام : ان شاء الله.. يلا تصبحي على خير.
مريم : تلاقي الخير.
في صباح اليوم التالي .....
استيقظت
مريم في تمام الساعه السادسة صباحاً ، وبعد ان فعلت روتينها اليوم من
تحضير الفطور لاختها مرام وترتيب البيت والاستحمام دخلت إلى غرفتها وارتدت
بنطال جينز فاتح وبلوزة بيضاء بأكمام تصل الى منتصف ذراعيها ثم سرحت شعرها
واسدلته على كتفيها ووضعت القليل من الميك آب على وجهها فاصبحت فاتنة ؛
بعدها حملت حقيبتها وخرجت من المنزل متوجهها الى موقف الحافلات حيث كانت
صديقتها الهام تنتظرها هناك ، وما ان وصلت حتى ابتمست قائلة : صباح الخير
يا لولو.
الهام : صباح العسل...ايه الحلاوة دي يا حبيبتي ؟
فابتسمت مريم واردفت : متشكرة...ها حاسه بأيه ؟
الهام : هموت من الحماس... وانتي ؟
مريم : وانا كمان ....يلا خلينا نمشي.
وبعد مدة زمنية معينة.......
وصلن
الى الشركة فدخلن حيث كان جميع الموظفين الجدد واقفين ينتظرون قدوم كمال
المسؤل عنهم.. وما هي الا خمس دقائق قد مضت حتى جاء كمال بطلته البهية
والتي تسر الناظرين اليه فهو كان وسيماً كالعادة بوجهه البشوش وطوله
المعقول وبدلته الرمادية الفاخرة فابتسم وقال : صباح الخير ، انتوا من
النهاردة بقيتوا جزء من شركة رويال للتجارة الإلكترونية ودا معناه انكوا
لازم تلتزموا بقوانين الشركة وتيجوا الشغل في الوقت المحدد ، وكمان انتوا
مش هتبقوا موظفين دائمين لحد ما تعدوا فترة التدريب المهني واللي هي 3 شهور
من دلوقتي... يعني الفترة دي هي اللي هتحدد لو كان كل واحد فيكوا هيبقى
موظف دائم في الشركة ولا لأ... ودلوقتي حد عندوا اسئلة قبل ما نبتدي
التعارف ؟
فرفع احد الشبان يده وقال : انا يا فندم.
نظر كمال اليه واردف : اتفضل...قول اسمك وعمرك وبعدها اطرح سؤالك.
الشاب : انا محمود ياسين وعندي 25 سنه... وسؤالي ممكن حد يترفد خلال فترة التدريب ؟
كمال
: سؤالك جميل ...لا اطمنوا احنا مش هنرفد حد خلال فترة التدريب بس لو حد
فيكوا عمل اخطاء كبيرة زي تسريب معلومات الشركة لشركة تانيه مثلاً فاكيد
هيترفد وهنرفع عليه دعوة كمان... بتمنى ان حاجة زي دي ماتحصلش ابداً .
فقالت الهام : ينفع اسأل حضرتك عن حاجة ؟
كمال : طبعاً ..اتفضلي بس قولي اسمك وعمرك الاول.
قالت : انا الهام أمين وعندي 21 سنه... واللي عايزه اقوله هو احنا نقدر ناخد اجازه في فترة التدريب ؟
كمال
: بالنسبة لموضوع الاجازات ف انتوا ماتقدروش تاخدوا اي اجازة في الفترة دي
الا اذا كانت اجازه مرضية ...حد عنده اي اسئلة تانيه ؟
فلم يتحدث اي شخص دليلاً على لا مما جعل كمال يصفق بيديه قائلاً : ودلوقتي تعالوا ورايا علشان تتعرفوا على اقسام الشركة.
-
ثم بدأت جولة التعرف على الشركة وكان كمال يشرح لهم ما هي وظيفة كل قسم
ابتداءً من قسم التخطيط الاستراتيجي الى قسم المحاسبة وقسم تطوير التطبيقات
وقسم التنسيق الإلكتروني وقسم التسويق الإليكترونى وقسم المعلومات
والاتصالات وقسم السكرتارية حتى وصلوا إلى اخر طابق في الشركة فقال بجدية:
الطابق دا انتوا مش لازم توصلوله ابداً ..اساساً مالكوش شغل هنا.
فقال احد الشبان واسمه سرحان عبد التواب : وليه بقى يا استاذ كمال ؟
كمال : لان هنا قسم الادارة ومكتب رئيس الشركة ادهم بيه وممنوع حد من الموظفين يجي هنا الا لو ادهم بيه طلب منه انه يّجي .
فقالت مريم : طيب ولو حد فينا كان عايز يطور تطبيق جديد بس محتاج موافقة ادهم بيه يبقى ازي هنوصله ؟
كمال : في الحالة دي تقدروا تطرحوا افكاركوا في اجتماعات الموظفين اللي بتنعمل كل يوم خميس قبل نهاية الأسبوع .
مريم : اوك.
كمال : ودلوقتي وبعد ما اتعرفتوا على الشركة جيه الوقت علشان تتوزعوا في الاقسام...اتفضلوا ورايا من فضلكوا.
قال ذلك ثم سار مغادراً قسم الادارة فلحق به الشباب السبعة الذين تم قبولهم للعمل في الشركة وهم :
1- مريم مراد 21 سنه.
2- الهام أمين 21 سنه.
3- سرحان عبد التواب 22 سنه.
4- ومحمود ياسين 25 سنه.
5- ياسمين عبدالله 23 سنه.
6- اسيل بدر 21 سنه.
7- سليمان شاهين 24 سنه.
-
وتم تعيين محمود وسليمان في قسم المعلومات والاتصالات ، اما مريم وياسمين
وسرحان فتم تعينهم في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونية وبالنسبة
لالهام واسيل فتم تعينهن في قسم التسويق الإلكتروني.
وفي
تمام الساعة العاشرة صباحاً...وصل ادهم الى الشركة وفور دخوله الى مكتبه
طلب من سكرتيرته " سلمى " ان تطلب كمال فقالت : امرك يا فندم.
ثم امسكت سماعة الهاتف واتصلت على مكتب كمال الذي كان يعمل على حاسوبه المحمول فاجابها : ايوا يا سلمى.
سلمى : ادهم بيه طلب يقابل حضرتك يا فندم .
كمال : طيب.. متشكر.
قال ذلك ثم اغلق الهاتف ونهض من مكانه ثم خرج من مكتبه وذهب الى مكتب ادهم... فطرق الباب ودخل قائلاً : صباح الخير يا كنج .
فنظر ادهم اليه بنظراته الباردة وقال : صباح النور...عملت ايه مع المتدربين الجدد ؟
جلس كمال امامه واجاب : وزعتهم على الاقسام زي ما انت عايز بعد ما عرفتهم على الشركة.. بس ايه دا دول باين عليهم انهم كويسين اوي.
فقال ادهم وهو يرفع شاشة الكمبيوتر : عارف... علشان كدا انا اخترتهم من بين العشرين واحد اللي انت جبتلي ملفاتهم .
كمال : هقولك على حاجة بس مش عايزك تتريق عليا اتفقنا .
فنظر ادهم اليه ببطء شديد وقال ببرود مميت : وانا من امتى بتريق عليك يا كمال ؟
فابتسم كمال بلطف واستطرد : اه صح انت الراجل الجليدي اللي بياخد كل الامور بجدية.
ادهم : خلصني.. عايز تقول ايه ؟
كمال : بصراحة من بين كل المتدربين اللي قبلتهم انا عجبتني بنت وحده.
فقال ادهم بعدم اهتمام : البنت اللي اسمها مريم مراد مش كدا ؟
كمال : ايوا هي.. بس ازاي عرفت اني كنت بتكلم عنها ؟
فنظر ادهم اليه مطولاً ثم قال : مش حضرتك كتبت على ملفها حرف P يعني المسألة مش محتاجه ذكاء.
أبتسم
كمال بسذاجة واردف : اه صحيح.. بس تصدق البنت دي عندها ثقة كبيرة في نفسها
وانا عن نفسي استريحتلها اوي وحاسس انها هتبقى احسن وحده من بين المتدربين
كلهم .
ادهم : انا مليش دعوة
بالكلام دا كله... وكل اللي بيهمني انها هتشتغل كويس ومش ضروري تكون احسن
وحده المهم انها هتعرف هي بتشتغل ايه وتبقى ملتزمة بالقوانين زيها زي اي
موظف تاني .
في تلك اللحظة زم
كمال فمه وقال بتذمر : ايه البرود دا يا اخي ؛ بقولك البنت حصلت على شهادة
تقدير من الجامعة وكانت من بين العشرة الأوائل حتى انها جت في المرتبه
التانيه من بين عشر احسن مبرمجين في الكلية كلها.
ادهم : وفيها ايه يعني ؛ ما انا كمان احسن منها وكنت الاول على دفعتي.
فتنهد كمال بأستسلام وقال : خلاص انسى... انا همشي دلوقتي.
ادهم : اوك.
قال
ذلك وهو يحدق بشاشة حاسوبه بجمود وبرود قاتل مما جعل كمال يحرك عيناه
بشكلاً دائري قبل ان يتجه نحو باب المكتب ليخرج ، وما ان خرج حتى اسند ادهم
ظهره على الكرسي ووضع يده على ذقنه وكأنه يفكر بأمراً ثم وضع يداه خلف
عنقه واسند رأسه اليهما مغمضاً عيناه .
اما
في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونية...كانت مريم جالسة خلف طاولة
مكتبها الصغيرة وهي تمسك بطاقة عملها المربوطة بخيط احمر يدل على انها
متدربة وما تزال في مرحلة التهديد قبل ان تصبح موظفة رسمية ، فابتسمت
بسعادة وقالت : اخيراً بقيت موظفة في شركة.
وبينما كانت تحدق ببطاقتها اقتربت منها المتدربة الاخرى ياسمين التي تكبرها بسنتين وابتسمت قائلة : ازيك ؟
فنظرت اليها مريم وبادلتها الابتسامة وردت : الحمد لله.
ياسمين : انا ياسمين وانتي ؟
مريم : مريم مراد .
صافحتها ياسمين وابتسمت قائلة : اتشرفنا..عندك كام سنه ؟
مريم : 21 وانتي ؟
ياسمين : انا اكبر منك بسنتين .
مريم : العمر كله ان شاء الله.
ياسمين : متشكرة.. ينفع نبقى اصحاب بصراحة انا معرفش حد هنا زيك بالزبط .
مريم بابتسامة : طبعاً دا شرف ليا .
ياسمين : ربنا يخليكي .
مريم : في الاستراحة هعرفك على صاحبتي الهام...هي كمان اتوظفت في الشركة دي.
ياسمين : قصدك البنت الاموره اللي كنتي قاعدة معاها الصبح ؟
مريم : ايوا.. دي صاحبتي من واحنا صغيرين.
ياسمين : حلو اوي.
تسارع في الاحداث........
مر
اسبوع على عمل مريم والهام وبقية المتدربين في شركة رويال للتجارة
الإلكترونية وخلال ذلك الاسبوع اصبحوا اصدقاء ولم يقابلوا رئيس الشركة
ابداً لكثرة انشغاله وعدم السماح لهم بالذهاب الى الطابق الاخير حيث يتواجد
مكتبه الكبير ؛ كما انهم كانوا ينفذون المهمات مثل طباعة الاوراق وترتيب
السجلات ومراجعة الحسابات ولم يسمح لهم في العمل في البرمجة لانهم كانوا
جدد وبحاجة الى التدريب ، اما ادهم فكان بارداً للغاية كعادته ولم يتغير في
حياته اي شيء سوى ارتفاع نسبة ارباح شركته ولكن دوام الحال من المحال .
وذات صباح....
ذهب
ادهم الى الشركة كالعادة فضغط على زر المصعد ليذهب الى مكتبه ثم وقف ينتظر
نزول المصعد بكل رقي وبهيئته الفاخرة ؛ في تلك الاثناء اتت مريم ووقفت
تنتظر نزول المصعد بجانبه دون ان تنظر اليه حيث انها كانت تعبث بهاتفها ،
فتسللت رائحة عطرها الى انفه لتثير في داخله بركان من المشاعر المضطربة
وعرف فوراً من صاحبتها لان الرائحة حفرت في ذاكرته بعد أن اشتمها لمرة
واحدة عندما اصطدمت به في اليوم الذي ذهبت به لكي تجري المقابله ، حيث ان
تلك الدقائق المعدودة التي جمعته بها في المصعد لم تفارق تفكيره ابداً وبقى
يفكر بالسبب الذي جعل قلبه يتحرك مجدداً بعد سبات دام لمدة خمس سنوات.
التفت
نحوها بسرعة ليجدها واقفه بجانبه وهي ترسل رسالة نصية لصديقتها الهام التي
كانت قد تأخرت عن العمل في ذلك اليوم ، وما ان رآها حتى شعر بنفس الشعور
الذي انتابه عندما قابلها اول مرة ؛ اما هي فشعرت بأن احدهم كان يحدق بها
لذا قررت ان ترى من هو فرفعت رأسها ببطء ولكنه كان اسرع منها حيث انه نظر
امامه بكل برود وجمود وفي داخله اعصار ثائر لان رائحة عطرها الخاص سببت له
وللمرة الثانية دواراً فهو لا يعلم لما اعجبته تلك الرائحة كما لو انها
جرعة خمر قد اسكرته.
نظرت اليه
وتذكرته على الفور فهي لم تنسى شعورها بالرهبة منه عندما اصطدمت به اثناء
جريها في يوم المقابلة ، كما ان نظرة البرود التي نظر بها اليها لم تفارق
تفكيرها لذا ابتلعت ريقها واخفضت بصرها عنه ولكن الشعور بالرهبة منه كان
يلازمها ولم تعرف السبب ... وعندما نزل المصعد فتح الباب فانتظرت حتى يدخل
قبلها ولكنه اشار لها بيده لكي تدخل اولاً فقالت بصوت اشبه للهمس : متشكره.
ثم تحركت بسرعة ودخلت إلى المصعد
...اما هو فأخرج نظارته الشمسية من جيبه ووضعها على عيناه وبعدها دلف
ايضاً الى داخل المصعد بطوله الوقار وهيئته الراقية ، ضغط على زر اغلاق
الباب ثم ضغط على زر الطابق الاخير... اما هي فضغطت على زر الطابق الرابع
ووقفت في زاوية المصعد متوترة من هذا الشاب البارد الذي اسند ظهره على
المرآة داخل المصعد وكان يحدق بها من خلف نظارته الشمسية التي كانت تخفي
عيناه السوداوان.
فقالت في نفسها : دي المرة التانية اللي بقابل فيها الراجل دا وفي نفس المكان... بس يطلع مين يا ترى ؟
قالت
ذلك ثم نظرت اليه بنظرة خاطفة لتجده مستنداً على المرآة بجانبها وهو يعبث
بهاتفه المحمول فشعرت بأن هذا الرجل هو شخصية مهمة حيث ان هيئته الفاخرة
كانت تدل على مدى اهميته وخمنت انه قد يكون هو رئيس الشركة الذي لم يقابله
اي احد من زملائها المتدربين حتى الان.
اما
هو فكان بالكاد يمنع نفسه من الجلوس على الارض بسبب رائحة عطرها التي
اسكرته تماماً لانها اصبحت اقوى بسبب تواجدهما في مكان مغلق ، فوضع هاتفه
في جيب سترته ثم رفع يده اليمنى وعدل ياقة قميصه مدعياً انه ليس منتبهاً
عليها وفي تلك اللحظة اشاحت نظرها عنه بسرعة واصبح الصمت سيد الموقف.. ولكن
سرعان ما قال بصوته الرزين وبدون ان ينظر إليها : ريحته قويه .
فنظرت اليه مريم بسرعة وقالت : أفندم !
نزع ادهم نظارته عن عيناه ثم ادار وجهه نحوها ببطء واردف بصوته الجامد : الپارفان بتاعك... ريحته قوية اوي وبسببها دماغي وجعتني.
نظرت
اليه ببلاهة لمدة ثواني ثم رمشت عدة مرات امسكت بياقة قميصها فقربته من
انفها لتشم رائحة عطرها وبعدها نظفت حلقها ونظرت اليه قائلة : اسفه...بس
ريحة الپارفان بتاعك اقوى من ريحة الپارفان بتاعي وجايز لاننا في مكان
مقفول الريحتين ضربوا في بعض علشان كدا دماغك وجعتك يعني انا مليش دعوة .
رفع
ادهم احد حاجبيه بدهشة عندما تحدثت معه بتلك الطريقة ونظر اليها بنظرة
باردة جداً جعلتها ترتبك ثم ادار وجهه ووضع نظارته الشمسية دون ان يعلق اي
شيء ؛ ثم عاد الصمت ليخيم على المكان..وما هي الا دقيقة قد مضت حتى توقف
المصعد في الطابق الرابع فنزلت منه مريم بسرعة ولم تنظر خلفها لان حدسها
الأنثوي اخبرها ان هذا الرجل هو نفسه رئيس الشركة التي تعمل بها وان نظرت
اليه اثناء نزولها من المصعد قد تبدو وقحة في نظره وهي لا تريد ان يحدث
ذلك... لذا سارت بخطوات ثابتة مبتعدة عن مجرى نظره.
اما
هو فنزع نظارته عن عيناه واغمضهما بشده واضعاً يده على عظمة جسر انفه بسبب
تأثير رائحة عطر مريم التي خدرته تماماً ثم تنهد بقوه ونظر الى انعكاس
صورته في مرآة المصعد وقال في سره : غريب.. دي المرة التانية اللي بحس فيها
بنفس الاحساس بسبب البنت دي ، معقول تكون ريحة الپارفان بتاعها هي السبب
... اه وليه لأ دي دوختني !
في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونيه ....
توجهت
مريم نحو مكتبها الصغير ثم وضعت حقيبتها جانباً وجلست امام الكومبيوتر ثم
كتبت جملة قصيرة في " Google " وسرعان ما ظهرت امامها الصفحة الرسمية
للشركة فبحثت في بها عن اسم الرئيس التنفيذي " ادهم السيوفي " وكان حدسها
في محله حيث ظهرت امامها صورة للرجل الذي قابلته قي المصعد... وضعت يدها
على فمها وقالت بصوت خافت : دا طلع هو بجد !
ثم
بدأت تقرأ المعلومات الشخصية عن ادهم وقد انبهرت عندما علمت انه اسس شركته
في سن الثالثة والعشرين وانه أصبح الرئيس التنفيذي لاكبر شركة تجارة
إلكترونية في مصر كلها خلال 8 سنوات فقط وسرعان ما تساءلت بغير تصديق :
معقول يكون الراجل البارد دا هو نفسه ادهم عزام السيوفي اللي سمعت عنه في
الكلية ؟
في تلك اللحظة عادت بها
الذكرة إلى وقت مضى عندما كان الاستاذ الذي يلقي عليهم المحاضرات يحدثهم عن
اشهر مهندس تقنيات تكنولوجيا في علوم الحاسوب بمصر كلها والذي سافر الى
اميركا واسس شركته الخاصة في سن صغيرة وكان يدعى " ادهم عزام السيوفي "
الذي ينحدر من عائلة اشهر الاطباء في القاهرة حيث كان كل من جده ووالده
اطباء مشهورين وكان من المتوقع ان يصبح هو ايضاً طبيب ولكنه اختار ان يصبح
مهندس تقنيات عوضاً عن ذلك.
وبينما
كانت تقرأ المعلومات الخاصة بـ ادهم.. سمعت صوت مدير القسم الذي تعمل به
يقول : يلا يا جماعة..عايز من الكل يروح قاعة الاجتماعات دلوقتي لان ادهم
بيه عايز يعمل اجتماع الاسبوع.
فلفت انتباهها ما قاله مدير القسم لذا نهضت وسألته : الاجتماع هيبقى دلوقتي يا استاذ سالم ؟
نظر
ذلك الرجل المدعو سالم اليها والذي كان في الخمسين من عمره ثم قال : ايوا
يا انسه مريم... علشان كدا عايز الكل يتصرف كويس وخصوصاً المتدربين الجدد.
فقالت ياسمين : واو... انا اتحمست جداً .
رد عليها زميلها سرحان : وانا كمان... دا هيبقى اول اجتماع رسمي نشترك فيه.
اما مريم فوضعت يدها على جبينها وقالت بصوت خافت : فينك يا الهام ، يا رب توصل قبل ما الاجتماع يبتدي.
في مكان اخر....
كانت الهام تركض متوجهها الى القسم الذي تعمل به قائلة بتذمر : الله يحرق السهر وساعة السهر ، كله منك يا ابراهيم .
{
ابراهيم ابن جيرانهم وقد ذهب هو وعائلته لخطبتها في اليوم السابق ولكنها
لم توافق على الارتباط بشخص لا تكن له اي مشاعر فاحترم اهلها قرارها ولكنهم
شعروا بالخجل لاخبار اهل ابراهيم بعدم موافقة ابنتهم على الزواج من ابنهم
لذا احتاجوا وقتاً لتمهيد الامر لهم فسهروا لوقت متأخر}
واثناء
ركضها وردتها رسالة نصية من مريم مضمونها كالتالي " الله يخرب بيتك انتي
فين ؛ ادهم بيه هيعمل اجتماع لكل الموظفين كمان خمس دقايق وحضرتك مش موجودة
لغاية دلوقتي "
في تلك اللحظة سيطر الهلع على الهام فقالت بفزع : يا نهار اسود... لازم استعجل شوية .
ثم
زادت سرعة ركضها حتى وصلت الى قسم التسويق الإلكتروني الذي تعمل به فختمت
بطاقتها قبل انتهاء موعد الختم بدقيقة واحدة ثم ابتسمت ووقفت تلتقت
انفاسها... في تلك اللحظة اقتربت منها زميلتها اسيل وسألتها : اتأخرتي كدا
ليه يا الهام ؟
فنظرت اليها وقالت : انا صحيت متأخرة النهاردة بس الحمد لله وصلت في الوقت.
اسيل : طيب يلا خلينا نروح قاعة الاجتماعات بسرعة لان في اجتماع للموظفين.
الهام : عارفه.. يلا بينا.
وعندما
وصلت الهام إلى قاعة الاجتماعات وجدت ان مريم قد حجزت لها مقعداً بجانبها
فجلست به وسألتها هذه الاخيرة بهمس : جرى ايه يا لولو...اتأخرتي كدا ليه ؟
ردت عليها بالهمس ذاته : دي حكاية طويلة هقولك عليها بعدين.
مريم : اوك .
وبعد
مرور خمس دقائق على تجمع الموظفين في قاعة الاجتماعات دخل ادهم بطلته
البهية وخلفه ابن خاله كمال حسن مما جعل التوتر يسيطر على الموظفين لعلمهم
كم هو صارم هذا الادهم اما مريم فلم تبعد نظرها عنه ولاحقته بعيونها حتى
رأته يجلس في مكانه دون ان يتفوه بأي كلمة ؛ اما كمال فوقف بجانبه وقال :
صباح الخير... دلوقتي هنبتدي اجتماع الموظفين الاسبوعي ، وبما ان انظم لينا
موظفين جدد اكيد هيبقى الاجتماع دا غير عن اللي قبله ... بس خلوني اطلب من
المتدربين الجدد انهم يوقفوا الاول علشان باقي الموظفين يتعرفوا عليهم.
فنهظ
كل من محمود , سليمان , ياسين , مريم , اسيل , الهام وسرحان وقد سيطر
عليهم التوتر لانهم قابلوا رئيس الشركة البارد كما سمعوا عنه اولاً ولان
بقية الموظفين كانوا يحدقون بهم ثانياً فتابع كمال كلامه : ودلوقتي... عايز
من كل واحد يقول اسمه ايه وعنده كام سنه..وخلينا نبتدي معاك يا محمود لانك
اكبر واحد بينهم.
فقال محمود : حاضر يا استاذ كمال... انا محمود ياسين عندي 25 سنه وتم تعيني في قسم المعلومات.
ثم قال سليمان : انا سليمان شاهين وعندي 24 سنه واتعينت في قسم المعلومات كمان.
ياسمين : انا ياسمين عبدالله عندي 23 سنه واتعينت في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الالكترونية.
فقال سرحان : وانا سرحان عبد التواب عندي 22 سنه واتعينت في قسم برمجة التطبيقات برضو.
الهام : انا الهام امين عندي 21 سنه واتعينت في قسم التسويق الإلكتروني.
مريم : وانا مريم مراد عندي 21 سنه واتعينت في قسم برمجة التطبيقات كمان.
اسيل : وانا اسيل بدر عندي 21 سنه كمان واتعينت في قسم التسويق الإلكتروني.
فصفق كمال بيديه لمرة واحدة واردف : كويس...ودلوقتي تقدروا تستريحوا.
فجلس
الشباب بترقب اما ادهم رفع رأسه بعد ان كان يعبث بقلمه الخاص وبعدها نهض
وقال بصوته البارد والذي دب الرعب في نفوس الموظفين جميعاً بمن فيهم مريم :
دلوقتي بعد ما اتعرفنا على الموظفين الجدد انا عايز اعمل مسابقة صغيرة
بينكوا { يقصد المتدربين } والمسابقة دي هتقوي ثقتكوا في نفسكوا وهتبقوا
تعرفوا يعني ايه برمجة وتصميم موقع تجاري الكتروني في شركة رويال للتجارة
الإلكترونية...والمسابقة هتبقى كدا ...لازم كل واحد فيكوا انتوا السبعة
يصمم موقع تجاري الكتروني خاص فيه واللي هيجيب اكبر نسبة مشتركين خلال شهر
واحد في الموقع بتاعه هيبقى الرابح والشركة هتاخد دا بعين الإعتبار وهتزيد
مرتبه وهيبقى الموقع بتاعه جزء من المواقع التجارية الرئيسية اللي في
الشركة .
فابتسم المتدربين جميعاً
بعد سماعهم ذلك الاعلان لان ادهم قدم لهم فرصة ذهبية ليثبتوا جدارتهم في
العمل بهذا الشركة الشهيرة... فقال سليمان : ممكن اقول حاجة يا بيه ؟
نظر ادهم اليه وأشار له بيده ليحثه على الكلام فقال : اللي هيكسب المسابقة هيبقى موظف ثابت في الشركة ولا ايه ؟
ادهم
: لأ لان القرار دا هنتخدوا بعد ما تخلصوا فترة التدريب واللي هي 3 شهور
بس هناخد شغلكوا بعين الإعتبار واللي هيكون الموقع بتاعه سهل الاستخدام
وهيعجب الزباين دا هيزيد النقاط في ملفاتكوا .
فرفعت الهام يدها طالبه الاذن لتتحدث فاذن لها ادهم وقالت : طيب لو كان في تعادل بين المتسابقين هنعمل ايه وقتها ؟
في
تلك اللحظة اشار ادهم الى كمال ليتحدث عوضاً عنه فقال : دا نادراً ما يحصل
بس لو حصل هتبقى النتيجة نفسها يعني هنزيد مرتب المبرمجين وهنظم مواقعهم
للمواقع الرئيسية.
فابتسمت مريم وقالت باندفاع وكأنها نسيت نفسها : بتسموا دي مسابقة ، دي هتبقى سهلة اوي زي ما تكون لعبة عيال.
وبعد
ان صرحت بذلك نظر الجميع اليها بصدمة مما جعلها تدرك ما قالته لذا وضعت
يدها على فمها بسرعة اما ادهم فرفع حاجبة وقال بهدوء مميت : مريم مراد
عثمان....انتي شايفه ان الموضوع دا لعبة عيال بالنسبة لك ؟
ارتبكت مريم كثيراً وقالت بتلعثم : لا...انا بس... كنت...
فقاطعها
ادهم بصوت تغلب عليه الحدة والجبروت : لما انتي مش عارفه تجاوبي على سؤال
صغير زي دا يبقى ازاي اتجرأتي وقلتي ان المسابقة دي هتبقى زي لعبة العيال ؟
ابتلعت مريم ريقها ونظرت اليه بتوتر شديد ثم غمغمت بنبرة مرتجفة : انا....
صاح بها ادهم بنبرة حادة : انتي ايه ، اتكلمي !
يتبع....