رواية عن العشق والهوي الفصل الرابع 4 بقلم نونا مصري
~ الفصل الرابع ~
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
قراءة ممتعة للجميع ♡
توقف المصعد في الطابق الثاني وصعد به احد الموظفين فألقى على ادهم التحية وردها له هذا الاخير بهزة ارستقراطيه من أسه ، ودام الصمت حتى توقف المصعد مجدداً في الطابق الرابع... حيث نزل الموظف اولاً و أرادت مريم ان تنزل ايضاً ولكن ادهم امسك ذراعها فجأة وسحبها الى الداخل ثم ضغط على زر اغلاق الباب الامر الذي صدمها فنظرت اليه بتوتر شديد وهو يضغط على ذراعها منتظراً باب المصعد حتى يُقفل .
وما ان تحرك المصعد صعوداً الى الاعلى حتى افلت يدها ببطء دون ان يعطيها تبريراً لما فعله وكأنه لم يفعل شيئاً ولم يمسك يدها ويمنعها من الخروج ، فنظرت اليه بعيون تملؤها التساؤلات ورمشت عدة مرات ثم سألته بتلعثم : ل.. ليه عملت كدا ؟
نظر إليها بدوره ودقق النظر بها جيداً مما جعلها ترتبك ثم سأل ببرودة أعصاب : عملت ايه ؟؟
فقالت : ليه منعتني اخرج ؟
أسند ادهم ظهرة على مرآة المصعد وكتف ذراعيه قائلاً : هتعرفي لما نوصل مكتبي.
بعد تلك الجملة توترت مريم كثيراً وتساءلت قائلة : وانا هعمل ايه في مكتب حضرتك؟
فنظر اليها بنظرة فاحصة ثم اردف بسخرية : متخفيش... انا مش بعض ودلوقتي اسكتي لغاية ما نوصل.
قال ذلك ثم اغمض عيناه وهو سانداً ظهره الى جدار المصعد ، اما هي فسيطر عليها التوتر وقالت في نفسها : يا ترى عايز مني ايه ؟
- في الحقيقة ادهم ابقاها في المصعد ليتأكد ان كانت ستؤثر عليه اكثر اما لا ، وبالفعل كانت قد اسكرته تماماً... ليس برائحة عطرها الساحرة فقط بل كل شيء فيها كان يثير جنونه... طولها الذي ينتهي الى حد صدره وشعرها البني المموج كأمواج البحر وسمرة بشرتها التي تشبه لون القمح ولون عيونها العسلي البراق كلنجوم وشفتيها المرسومتين وجسدها المنحوت ... بأختصار كلها على بعضها كانت تعجبه واصبحت " السل " الذي يفتك بقلبه ويشغل تفكيره لليل نهار .
وما ان وصل المصعد إلى الطابق الاخير من الشركة حتى قال دون ان ينظر إليها : تعالي ورايا.
ثم خرج قبلها ، اما هي فأزدردت ريقها واخذت نفساً عميقاً وبعدها لحقت به إلى مكتبه حيث نهضت السكرتيرة سلمى عندما رأته وقالت بدهشة : ادهم بيه !
فقال لها : سلمى ...مش عايز اي ازعاج .
ردت سلمى : حاضر يا فندم.
قالت ذلك ونظرت الى مريم ثم سألتها بخشونة : انتي بتعمليه ايه هنا ، انا مش قولتلك قبل كدا مش مسموح لاي حد من الموظفين يجي هنا ؟
أرادت مريم ان تتحدث ولكن ادهم سبقها بقوله : انا طلبت منها تيجي.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم التي ارتبكت من نظرته الحادة واضاف بنبرة امر : تعالي ورايا.
وبعد أن قال ذلك دخل إلى مكتبه الفاخر ، اما مريم فشعرت بثقل في قدمها ولا تعلم لما شعرت بالرهبة منه بالرغم من كونه انساناً عادياً وليس وحشاً الا انها كانت تهابه كثيراً حتى أكثر مما كانت تهاب والدها الراحل... تقدمت نحو باب المكتب بخطوات مرتبكة وهي تفرك يديها وبعدها دخلت ووقفت سلمى تحدق بباب المكتب المغلق بنظرات تملؤها التساؤلات ثم سألت نفسها : هو في ايه ؟
في مكتب ادهم......
جلس على كرسيه الجلدي بكل راحة خلف طاولة مكتبه المستطيلة بينما وقفت مريم على بعد مترين منه وهي متوترة... وما زاد توترها أكثر هو الهدوء المميت إذ ان الرجل لم يقل اي شيء بل اخرج علبة سجائره الفاخرة من جيب سترته واشعل سيجارة واخذ يشعلها بكل استرخاء وبعد ذلك وجه نظره اليها بينما كانت تتلفت حولها وتنظر في ارجاء المكتب حيث كان كل شيء فيه ثميناً جداً ابتداءً من المقاعد المصنوعة من الجلد الطبيعي الى الطاولة الزجاجية والخزانة الضخمة المليئة بالملفات المهمة .
سحب نفساً عميقاً من سيجارته وهو ينظر اليها وبالكاد منع نفسه من الانقضاض على شفتيها وينهال عليهما بالتقبيل ، ثم نفخ الدخان من فمه وقال بصوته الوقور : اقعدي .
فنظرت مريم اليه ثم رمشت عدة مرات وقالت : ح.. حاضر.
بعدها جلست امامه على الكرسي وكانت تبدو متوترة للغاية لذا احنت رأسها ، فأتاها صوته قائلاً : تعرفي انجليزي ؟
نظرت اليه وقالت : افندم !
ادهم : تعرفي تكتبي انجلش ؟
مريم : ا... ايوا .
ادهم : هايل .
قال ذلك وهو ينفخ الدخان.. ثم اظاف بنبرة عملية : دلوقتي هديكي مهمة علشان اختبر قدراتك ولو نجحتي هتبقى السكرتيرة بتاعتي .
في تلك اللحظة نهضت مريم وسألت باندفاع ودهشة : عايزني انا ابقى السكرتيرة بتاعتك ؟!
رفع ادهم احد حاجبيه ثم اسند ظهره إلى كرسيه وقال وهو ممسكاً بسيجارته : عندك اعتراض ؟
فعادت مريم لتوترها وقالت بتلعثم : ب.. بس حضرتك عندك سكرتيرة واكيد عندها خبرة اكتر مني وانا تخصصي برمجة وهندسة اليكترونية يعني مفهمش في شغل السكرتارية ابداً .
أطفأ سيجارته ونظر اليها بجمود ثم اردف : انا عارف دا كويس ومش محتاج انك تفكريني فيه وبالرغم من دا كله انا عايزك تبقى السكرتيرة بتاعتي.
قال ذلك وكأنه يأمرها بأن تصبح سكرتيرة ولا تمتلك مجالاً للرفض فعقدت حاجباها وقالت : في 500 موظف غيري في الشركة ، ممكن اعرف ليه اخترتني انا من بينهم كلهم ؟
في تلك اللحظة نهض ادهم من مكانه قائلاً : مش لازم تعرفي ، ابتداءً من بكرا المكتب اللي برا دا هيبقى مكتبك وخلي بالك انا ما بحبش الغلط ابداً .
مريم : بس...
فقاطعها بقوله : سلمى هتعلمك الشغل وبما انك ذكية اكيد هتتعلمي بسرعة.
قال ذلك ثم ضغط على زر استدعاء السكرتيرة فدخلت سلمى قائلة : امرك يا فندم.
فنظر اليها وقال : سلمى انتي من بكرا هتبقى سكرتيرة كمال لان مريم هتاخد مكانك وهتبقى السكرتيرة بتاعتي.
أتسعت عينا سلمى بعد ذلك الخبر وقالت : بس يا بيه....
فقاطعها بقوله : مش عايز اتناقش في الموضوع دا .. انتي هتعلميها ازاي تبقى سكرتيرة ادهم عزام السيوفي ومش عايزك تفوتي اي حاجة مفهوم ؟
فأحنت سلمى رأسها وقالت مرغمة : حاضر يا فندم.
اما مريم فاعترضت قائلة : قولتلك انا تخصصي برمجة ما ينفعش ابقى سكرتيرة !
رد عليها ادهم : هتتعلمي...انا دلوقتي اديتك فرصة ذهبية وفي مليون بنت بتتمنى انها تكون مكانك علشان كدا استعملي ذكائك واستغلي الفرصة دي .
قال ذلك ثم اظاف : سلمى... انتي تقدري تطلعي دلوقتي.
سلمى : حاضر ، عن اذنكوا.
قالت ذلك ثم خرجت من المكتب وكانت حزينة لان ادهم استغنى عنها... اما مريم فنظرت اليه وهو يتوجه نحو كرسيه ليجلس مجدداً وقالت : طب انا مطلوب مني ايه دلوقتي ، حضرتك قلت هتديني مهمة ولو نجحت فيها هبقى السكرتيرة بتاعة حضرتك .
فجلس ادهم ثم اشار لها بيده لكي تجلس وبعدها قال بهدوء مميت : انا هتكلم بالانجليزي وانتي هتكتبي اللي هقولك عليه.. ومش عايز اي غلطة لان اللي هقوله دلوقتي دا يبقى جواب هتبعتيه في البريد الإلكتروني لفرعنا اللي في اميركا.
مريم : طب ليه التعب دا كله ما حضرتك تقدر تبعته بنفسك.
وبعد قولها ذاك رمقها ادهم بنظرة باردة جعلت مفاصلها ترتعد خوفاً فابتلعت ريقها ونظرت إلى الاسفل بينما اردف هو بجمود : نفذي اللي بطلبه منك وانتي ساكته... وخلي بالك انا ما بحبش الرغي ابداً يعني من دلوقتي تقللي كلامك ومتقوليش اي حاجات ملهاش لازمة.
أومأت مريم رأسها بنعم وهي تنظر إلى الارض ولا تعلم لما خافت وسمحت له بأن يكون المسيطر عليها ... هي فقط وافقت على ان تكون سكرتيرته لئلا تخسر عملها مع العلم انها تعبت كثيراً حتى استطاعت ان تجد ذلك العمل... اما هو فكان همه الوحيد ان يبقيها قريبة منه حيث ادرك انه واقع في حبها تماماً من راسه حتى اخمص قدميه لذا قرر ان يعينها سكرتيرة لكي تبقى تحت نظره وقريبة منه جدا ً...فالسكرتيرة الخاصة ترافق رب عملها الى كل مكان يتعلق بالعمل وهو يقضي معظم وقته في الشركة حيث قابلها هناك ووقع في حبها من النظرة الأولى فأصبحت بالنسبة له كالمرض الذي يحرق جسده.... كان يعشقها حتى النخاع ويعشق كل شيء فيها ، شعرها الذي تمنى لو انه يغرس اصابعه فيه مرات عديدة ... جسدها الفتان الذي تمنى لو انه يسحقه بين احضانه... عطرها الذي سلبه عقله... شفتيها الورديتين اللتان حلم بتمزيقهما وهو يقبلها بشغف وعنفوان ... عيونها البراقة انفها الدقيق.. بأختصار عشق كل تفاصيلها .
اما هي فحالها لم يكن يختلف عن حاله كثيراً.... حيث انها كانت تدرك ان في داخلها مشاعر مضطربة تجاهه ، فهو وبالرغم من برودة اعصابة ووقاحته المميتة وعصبيته المرعبة التي تدب الرعب في النفوس الا انه كان وسيماً جداً في نظرها ورجل بكل ما تعنيه الكلمة ، فكانت تسعد عندما تراه وادركت انها تكن له بعض المشاعر بعد ان غاب عنها لمدة أسبوعين وثلاثة أيام وقد اشتاقت له كثيراً خلال الفترة التي غابها وفي الوقت ذاته كانت قلقه عليه جداً لانه اختفى فجأة وهي لم تكن تمتلك الشجاعة الكافية لكي تسأل عنه ، ولكن عندما عاد ابتسمت روحها من الداخل وشعرت بالارتياح عندما رأته سليماً معافى .
- فجلست بالقرب من طاولة مكتبه وامسكت ورقة وقلم وبدأت تكتب باللغة الإنجليزية ما كان ادهم يمليه عليها ؛ اما هو فكان يتحدث ويجوب المكتب ذهاباً وإياباً وعيناه لا تبتعدا عنها فهي كانت فاتنة بنظره في تلك اللحظة وهي تحني رأسها وتكتب بكل هدوء.
وبعد نصف ساعة.......
انتهى ادهم من املاء الكلمات وقال : دلوقتي هتكتبي الجواب دا في الاب توب وهتبعتيه في البريد الإلكتروني للفرع بتاعنا اللي في اميركا .
فنهضت مريم وهي تمسك الورقة التي كتبت عليها الرسالة ثم نظرت اليه وقالت : حاضر.
وبعدها ارادت ان تغادر فإوقفها بقوله : استني....
تجمدت مكانها قبل ان تفتح الباب لتخرج والتفتت اليه بتوتر ثم سألته : عايز حاجة تانية يا فندم ؟
فنهض ادهم من مكانه واقترب منها بخطوات ثابتة ثم قال بصوت هادئ : هتبعتيه من البريد الإلكتروني بتاعي .
قال ذلك ثم سحب الورقة من يدها بكل خفة وبعدها افسح لها مجالاً للعودة إلى حيث كانت طاولة مكتبة فأبتلعت ريقها ثم اعادت خصلة من شعرها ووضعتها خلف اذنها ولا تعلم انها فجرت بركاناً في قلب الرجل بعد حركتها تلك ؛ اغمض عيناه بشدة لمدة ثانية واحدة ثم لحق بها نحو طاولة المكتب وارادت ان تجلس في مكانها حيث كانت جالسة منذ برهة لكنه اوقفها بقوله : مش هنا... اقعدي مكاني.
فنظرت اليه بدهشة وقالت : افندم !
فقال : اقعدي مكاني كدا هيبقى الشغل اسهل عليكي .
ردت بسرعة : مايصحش حضرتك.
امرها بنبرة حاسمة : اعملي اللي بقولك عليه وانتي ساكته.
فقالت بتلعثم : ح... حاضر.
ثم توجهت نحو كرسيه وجلست مكانه بالفعل وكانت متوتره للغاية ، فرسم ادهم ابتسامة صغيرة على شفتيه عندما رأها جالسة مكانه ولكن سرعان ما عاد لبروده واردف : ودلوقتي تقدري تبتدي.
فنظرت اليه بعيونها البراقة وسرعان ما اشاحت نظرها عنه ورفعت شاشة حاسوبه المحمول ثم شغلته ولكن كانت تحتاج لوضع كلمة السر وطبعاً هي لم تكن تعرفها لذا نظرت اليه مجدداً وغمغمت بتلعثم : م.. من فضلك يا فندم ممكن تقولي ايه هو الباسوورد ؟
ولكن ادهم لم يجبها بل توجه نحوها ووقف خلفها ثم انحنى بجسده قليلاً حيث اصبح قريباً جداً منها لدرجة انها شعرت بأنفاسه الدافئة تلامس عنقها وصدره العريض لامس كتفيها وهو يكتب كلمة السر في حاسوبه ورائحة عطره الجذابة سكنت انفها فشعرت بان الارض تدور بها ؛ أنكمشت على نفسها وحاولت ان تسيطر على توترها بينما كان هو عكسها تماماً... اخذ يكتب كلمة المرور ببطء شديد لان قربها منه افقده عقله فبدأت دقات قلبه تتسارع واصبح تنفسه يثقل شيئاً فشيئاً ولكن بالرغم من ذلك استطاع كبح نفسه وابتعد عنها سائلاً : عايزه حاجة تانيه ؟
هزت له رأسها بالنفي لعدم قدرتها على النطق حيث ان لسانها قد عجز عن الكلام عندما كان قريباً منها فقال ببرود مصطنع : كويس.. انا هقعد على الكنبة اللي هناك دي ولو في حاجة مش فهماها اسأليني.
اومأت برأسها دليلاً ثم نظرت إلى الحاسوب بسرعة لكي تتجنب النظر إليه ، فتوجه نحو الأريكة بخطوات رزينه وفي داخله اعصار هائج...ثم خلع سترته وجلس بعيداً عنها لما يقارب العشرة امتار حيث ان مكتبه كان واسعاً للغاية بعكس باقي المكاتب التي كانت في الشركة ، قام بفك ازرار كميه ورفعهما وهو يقول في نفسه : اهدا يا ادهم...ما ينفعش تبقى ضعيف بالشكل دا...حتى لو كانت البنت دي حلوه اوي في نظرك وريحة الپارفان بتاعها جننتك ما ينفعش تعمل حاجة غلط لانك هتندم بعدين وجايز تخسرها .
وفي الجهة الأخرى كانت يد مريم ترتجف وهي تعمل على الكمبيوتر حيث انها كانت متوترة جداً خصوصاً بعد ان اقترب ادهم منها فقالت في نفسها : ما تفكريش فيه يا مريم... انتي هنا علشان الشغل وبس.
وبعد نصف ساعة....
انتهت مريم من كتابة الرسالة وارسالها في البريد الإلكتروني وقررت ان تغادر مكتب ادهم... اطبقت شاشة الكمبيوتر ثم نهضت ونظرت فوراً نحو الأريكة حيث كان مستلقياً عليها وهو يغط في نوم عميق ؛ في الحقيقة لقد كان يشعر بالتعب والإجهاد وما ان جلس على الاريكة حتى غلبة النعاس وسقط بالنوم الأمر الذي جعلها تندهش عندما رأته على تلك الحال لذا اقتربت منه بخطوات خفيفة خشية ان يستيقظ ثم وقفت تحدق به وهو نائم بينما كان يضع ذراعه اليمنى خلف عنقه واليسرى على صدره وكانت قسمات وجهه مسترخية مما جعله يبدو وسيماً لأبعد الحدود.
أبتسمت بعد ان رأته نائماً بهدوء فهو كان يبدو لطيفاً للغاية ولم تصدق ان هذا الذي امامها هو ادهم عزام السيوفي الملقب " بجبل الجليد " والذي يرعب الجميع بمجرد نظرة واحدة من عيناه ... وبدون ان تشعر انحنت تلقائياً على مستواه واخذت تتأمل قسمات وجهه بتمعن وتركيز كبير وكأن حياتها تعتمد على فعل ذلك ، ثم سمحت لنفسها بأن تلمس خده الأيمن بلطف وكأنها تحاول التأكد من شيء مهم للغاية وبعدها قالت بصوت خافت جداً ويكاد ان يُسمع : ادهم عزام السيوفي... اديك طلعت انسان عادي زينا ومش بتخوف زي ما بيقولوا عنك .
ثم سحبت يدها عن خده ببطء ونظرت إلى سترته التي وضعها جانباً فامسكتها وبعدها غطته بها ثم توجهت نحو باب المكتب وخرجت...وما ان خرجت حتى فتح ادهم عيونه ثم اعتدل بجلوسه وابعد السترة عنه ورفع يده ليلمس خده الذي لمسته مريم وابتسم ابتسامة عريضة زادته وسامة وقشعت عنه البرود والجمود .
اما هي فعادت الى القسم الذي تعمل فيه فوقف امامها المدير سالم وكان غاضباً للغاية ثم سألها بزمجرة تشبه زئير التنِّين : كنتي فين يا ست هانم ؟
واضاف بنبرة عصبية : انتي فاكرة ان الشركة دي بتاعة ابوكي علشان تخرجي منها على كيفك ؟
فنظرت اليه وقالت بأنزعاج : من فضلك يا استاذ سالم بطل تجيب سيرة ابويا كل شوية لاني مش هسمحلك تتكلم عنه مرة تانيه بالطريقة دي ؟
في تلك اللحظة نظر موظفين القسم اليها بتعجب فهي رفعت صوتها على المدير سالم الذي كان يكبرها بسنوات كثيرة حتى ربما كان أكبر من والدها الراحل ...اما هو فاتسعت عيناه وقال بصدمة : انتي اتجننتي يا انسه مريم ، ازاي اتجرأتي وعليتي صوتك عليا .. مش عيب عليكي ؟!
ردت عليه مريم : انا اسفه لاني عليت صوتي بس انت كمان زودتها اوي ...يعني مش ضروري تجيب سيرة ابويا كل شوية ولعلمك انا مكنتش برا الشركة وانما كنت بشتغل علشان كدا اتأخرت.
فكتف الاستاذ سالم ذراعيه وقال بسخرية : بجد ، ويطلع ايه الشغل دا بقى يا استاذة مريم ؟
فقالت مريم بكل ثقة : انا كنت بشتغل في مكتب ادهم بيه وهو كلفني في مهمة وكمان من بكرا انا هسيب القسم دا وهبقى السكرتيره بتاعته .
فضحك جميع من في القسم بعد سماعهم لذلك وقال الاستاذ سالم بسخرية : والله العظيم ؛ ومطلبش منك تاخدي مكانه كمان ؟
ردت عليه بثقة اكبر : ايوا... انا قعدت مكانه فعلاً .
فاستمر الموظفين في الضحك عليها مما جعلها تنزعج كثيراً لذا قطبت حاجباها وجلست في مكانها ؛ في تلك اللحظة سمعوا صوت رجولي مألوف دب الرعب في نفوسهم جميعاً بالرغم من هدوئه عندما سأل : بتضحكوا على ايه ؟
فألتفت جميع الموظفين نحو الباب حيث كان ادهم واقفاً بكل هدوء وهو يضع يديه في جيب بنطاله ويرفع احد حاجبيه بوجه جامد ، وعندما رأته مريم نهضت فوراً اما الاستاذ سالم فتملكه التوتر وتوجه نحوه بأبتسامة مصطنعة وقال : ا.. ادهم بيه ، حضرتك رجعت مصر ايمتى يا فندم ؟
تجاهله ادهم تماماً ثم توجه نحو مريم بمراقبة الجميع له ووقف امامها بكل هدوء بينما كانت هي ترفع رأسها قليلاً لتنظر اليه بتوتر ولم تنبس بكلمة واحدة إذ انها لم تستوعب ما يحدث لانها تركته منذ 10 دقائق نائماً في مكتبه وكان يبدو انه يغط في نوم عميق لن يستيقظ منه الا بعد مرور ساعات على الاقل ولكن ها هو الان يقف امامها بطوله الفارع وجسده العريض وسألها بصوت مسموع : خلصتي الشغل اللي طلبته منك ؟
أومأت برأسها دليلاً على نعم فقال : كويس..
ثم اخرج هاتفاً لونه زهري من جيبه واضاف : دا الموبايل بتاعك... نسيتي في مكتبي لما كنتي تبعتي الايميل .
- قال ذلك واخذ يراقب ردة فعل الموظفين بطرف عينيه إذ أنه تعمد ان يقول تلك الجملة " لما كنتي تبعتي الايميل " حتى يصدق الموظفين ان مريم كانت تعمل في مكتبه بالفعل لانه سمع مناقشتها مع الاستاذ سالم وشهد سخرية الجميع منها وذلك ازعجة كثيراً ؛ فاخذت مريم الهاتف منه وبينما كانت تفعل ذلك لامست اصابعها يده فشعرت بالقشعريرة لذ سحبتها بسرعة وقالت بتلعثم : م.. متشكره .
فأردف ببرودة اعصاب : بكرا الصبح هتبتدي شغلك الجديد وخلي بالك انا مبحبش التأخير ابداً يعني عايز اشوفك مزروعة في مكتبك اللي فوق قبل الساعة 9:00 كلامي مفهوم ؟
مريم : ح... حاضر يا فندم.
ادهم : ودلوقتي ارجعي كملي شغلك.
قال ذلك ثم استدار بجسده لكي يغادر وسط دهشة الجميع ...فهم ولأول مرة شهدوا على شيء لم يحدث في الشركة من قبل حيث ان ادهم عزام السيوفي الملقب بـِ " جبل الجليد " والمعروف عنه انه لا يهتم لاي شخص قد نزل من مكتبه وزار قسمهم لأول مره فقط من اجل ان يعيد لمريم الموظفة البسيطة هاتفها الذي نسيته في مكتبه !
رمقهم بنظرة زرعت الخوف في قلوبهم وكانت توحي على " تابعوا عملكم " لذا عاد الجميع ليتابع عمله بينما سأله الاستاذ سالم بتوتر : الكلام دا حقيقي يا فندم ؟!
فنظر ادهم اليه وقال ببرود : اي كلام ؟
الاستاذ سالم : ان الموظفة مريم مراد هتبقى سكرتيرة حضرتك ؟
ادهم : انت سمعتني وانا بقولها الكلام دا صح ؟
فأرتبك الاستاذ سالم وقال : ا.. ايوا سمعتك.
ادهم : ما دام سمعتني يبقى ليه كتر الأسئلة ؟
فاحنى الاستاذ سالم رأسه وقال : انا اسف يا فندم .
ادهم : تقدر تشوف شغلك.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم بنظرة اخيرة فوجدها تنظر اليه ايضاً ولكن سرعان ما اشاحت بنظرها عنه وجلست في مكانها... فخرج من قسم البرمجة وتوجه الى خارج الشركة لكي يعود الى المنزل ؛ في تلك الاثناء اقترب كل من الاستاذ سالم وموظفين قسم البرمجة من مريم وسألها الاول : ازي بقيتي سكرتيرة ادهم بيه يا مريم بين يوم والليلة ؟
وقالت زميلتها ياسمين : ايوا لسه من ساعتين كنا قاعدين مع بعض في الكافيتريا وبعد كدا انتي اختفيتي وفجأة بقيتي سكرتيرة ادهم بيه !
فتنهدت مريم وقالت : والله يا جماعة انا ذات نفسي معرفش ليه ادهم بيه اختارني علشان ابقى السكرتيرة بتاعته ...ربنا يستر بقى.
في اليوم التالي....
ذهب ادهم الى الشركة وتوجه فوراً نحو مكتبه في الطابق الاخير حيث وجد مريم ترتب ملابسها بارتباك وهي تتمتم قائلة : يا رب اللبس دا يبقى مناسب لشغل السكرتيرة لاني مش ناقصة بهادل من الصبح.
فأبتسم عندما رأها على تلك الحال ونظف حلقه قائلاً ببرود : صباح الخير.
أرتعدت عندما سمعت صوته ثم نظرت اليه فوراً وقالت بتلعثم : ص.. صباح النور يا فندم.
فنظر اليها نظرة متفحصة من رأسها حتى اخمص قدميها وقال : كويس.. شكلك مناسب للشغلنه دي.
قال ذلك ثم دخل إلى مكتبه دون ان يضيف شيئاً الامر الذي جعلها تتنفس الصعداء وابتسمت قائلة : الحمد لله.
وسرعان ما حملت دفتر ملاحظاتها ولحقت به إلى المكتب فوقفت تحدق به وهو واقف بالقرب من النافذة العملاقة يحدق في المباني الاخرى وقالت بصوت مرتبك : ا.. الانسة سلمى ادتني جدول أعمال حضرتك بتاع النهارده يا فندم وكمان ساعة عندك اجتماع مع كمال بيه وبعدها لازم توقع على الموافقة عشان نضيف موقع المتدرب محمود ياسين ضمن المواقع الرئيسية في الشركة لان هو اللي كسب في المسابقة اللي حضرتك اقترحتها .
ابتسم ادهم دون ان تراه لانه حقق مراده بأن يجعلها قريبة منه ثم التفت اليها وقال بجدية : كويس... دلوقتي عايز فنجان قهوة من غير سكر .
مريم : حاضر.. عايز حاجة تانيه ؟
ادهم : لا.. تقدري تشوفي شغلك.
مريم : عن اذن حضرتك.
قالت ذلك ثم خرجت من المكتب فأبتسم هو مجدداً وجلس على كرسيه قائلاً : واخيراً هتبقي جنبي يا مريم... يا رب اقدر امسك نفسي و معملش حاجة غلط.
- ومرت الايام والشهور بسرعة وكانت مريم قد اعتادت على عملها الجديد بالقرب من ادهم الذي كان يعشقها حد الجنون حيث ان حبها كان يكبر في قلبه كل يوم اكثر من اليوم الذي قبله لدرجة انه تعدى مرحلة العشق واصبح مهوساً بها... كان يريد ان يتملكها لتصبح له وحده وكانت تزعجة فكرة انها تمتلك اصدقاء ذكور تجلس معهم في اوقات الفراغ ، وكم من مرة رأها جالسه تضحك مع زملائها فأتته فكرة ان يسحبها من يدها ويحتضنها امام الجميع بقوة لدرجة تكسر عظامها حتى يعلموا انها له وحده ولن يسمح لأي شخص من ان يقترب منها ولكن كبريائه المغرور منعه من فعل ذلك فهو لن يكون ادهم عزام السيوفي ان استسلم لرغبته ؛ لذا كان سريع الغضب واحياناً كثيرة كان يصب جام غضبه عليها وكأنه يحملها ذنب هذا الحب الذي اهلك روحه.... فهي كانت قريبة منه جداً ولكن بالرغم من قربها الا انها كانت بعيده ايضاً ..وكم تمنى ان يمسك يدها ان يقبلها ان يضع رأسها على صدره ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.
اما هي فكانت تتعذب ايضاً ... لقد وقعت في حبه خلال الثلاثة اشهر التي عملت فيها كسكرتيرته الخاصة ولكنها خبأت ذلك الحب في اعماق قلبها ولم تخبر اي احد بشأن مشاعرها تجاهه لانها كانت تعتقد انه من سابع المستحيلات ان يلتفت ذلك الجبل الجليدي اليها في يوم من الايام خصوصاً بعد أن شهدت في كثير من الاحيان على نوبات غضبه الجنونية حيث انه كان يتحول من شخص هادئ وبارد كالثلج الى بركان ثائر وهائج لأتفه الأسباب ؛ لم تكن تعرف انها السبب الرئيسي في عذابه وغضبه وانزعاجه وان عدم قدرته على الاقتراب منها والبوح لها هي ما كانت تحرق روحه وليس العمل كما كانت تعتقد.
وذات مرة....
كانت مريم جالسة في مكتبها الذي بجانب باب مكتب ادهم وكانت تكتب تقريراً عن عمل الشركة في الاسبوع الاخير ، وبينما كانت تعمل تفاجأت بظهور احد موظفين قسم المحاسبة المالية واقفاً اماها وكان يدعى " هاني " ويبلغ من العمر 27 عاماً حيث كان شاباً وسيماً ولطيفاً ويبدو من مظهره انه حسن الاخلاق ومحترم فأبتسم قائلاً : ازيك يا انسه مريم ؟
بادلته مريم الابتسامة وقالت : الحمد لله... انت ازيك يا استاذ هاني ؟
هاني : تمام والحمد لله بس بقيت كويس بعد ما شفتك.
فابتسمت مريم بعفوية وقالت : متشكرة.
هاني : ادهم بيه في مكتبه ؟
مريم : ايوا.
هاني : تمام... يبقى يا ريت تقوليله اني عايز اقابله.
مريم : في حاجة ؟
هاني : محتاج توقيعه على الملف دا.
مريم : اه اوك... من فضلك استنى هنا .
قالت ذلك ثم نهضت من مكانها ورتبت هندامها ثم اخذت نفساً عميقاً قبل ان تطرق باب مكتب ادهم وكأنها ذاهبة لساحة المعركة وبعدها طرقت الباب بخفة ودخلت... فوجدته جالساً خلف طاولة مكتبه خالعاً سترته ورافعاً اكمام قميصه الاسود ويعمل على حاسوبه المحمول بتركيز كبير...وما ان دخلت حتى شعر بوجودها فوراً وبدون ان ينظر اليها سألها ببرود : عايزه ايه ؟
فاقتربت بخطواتها من طاولة مكتبه حتى اصبحت واقفة امامه مباشرة ثم قالت : الاستاذ هاني من قسم المحاسبة عايز يقابل حضرتك يا فندم .
قال دون ان ينظر اليها : ليه ؟
مريم : عايز توقيع حضرتك على ملف.
فقال وهو على نفس الوضعية : دخليه.
مريم : حاضر.
قالت ذلك ثم ارادت ان تغادر المكتب فإوقفها بقوله الحاد : استني...
فتجمدت مكانها ثم التفتت اليه ووجدته يحدق بتنورتها بنزعاج واضح وهو يعقد ما بين حاجبيه وسرعان ما نهض من مكانه واقترب منها قائلاً : ايه اللي انتي لبساه دا يا انسه ؟
فنظرت مريم الى نفسها حيث انها كانت ترتدي تنورة سوداء لم تكن قصيرة جداً كانت تصل الى ما فوق الركبة بقليل ومعها قميص لونه اسود بأكمام تصل الى نصف الذراع وعليه اكسسوار لونه ذهبي فسألته بتوتر : مال لبسي يا فندم ؟
فضغط ادهم على قبضة يده بقوة شديدة ثم زجرها بعصبية : اللبس الملط دا ما يتلبسش في شركتي تاني انتي سامعة ؟
استغربت مريم من الذي سمعته فهي لم تكن الفتاة الوحيدة التي ترتدي التنانير في الشركة لذا قالت باستغراب : افندم !
ادهم : مش عايز اكرر كلامي...انتي هتروحي البيت دلوقتي وهتغيري المهزلة اللي انتي لبساها دي وبعد كدا هترجعي هنا فوراً ومش عايز اشوفك لابسه قصير مرة تانيه كلامي مفهوم ؟
في تلك اللحظة قطبت مريم حاجباها حيث انها شعرت بالإهانة ثم قالت تدافع عن موقفها : عفواً يا فندم بس اظن ان دي حرية شخصية ولا مؤخذة يعني انت مش من حقك تتكلم معايا بالشكل دا لاني حرة البس اللي انا عايزاه ، وبعدين الجيبة بتاعتي مش قصيرة ابداً ومناسبه للشغل .
فاقترب ادهم منها بحركة سريعة ثم امسك ذراعها بقوة اجفلتها وضغط عليها قائلاً بنبرة حادة : انا قلت تروحي تغيريها فوراً يعني مش عايز مناقشة في الموضوع دا.
- لا تعلم مريم لما شعرت بالخوف منه ولكن خوفها هذه المرة كان ممزوجاً ببعض التساؤلات فهو لم يسبق له وان تدخل بأمورها الشخصية او ان امسك ذراعها بهذا الشكل ولكنه انزعج فوراً عندما رأها ترتدي تنوره لاول مرة منذ ان بدأت العمل في الشركة حيث انها كانت دائماً ترتدي البناطيل ولبسها كان دائماً محترماً لذا احنت رأسها وقالت بشيء من التوتر : حاضر يا فندم ... هروح البيت حالاً وهغير هدومي.
فترك يدها وعاد لبرودة اعصابه المعتادة بعد ان سمعها تستسلم لطلبه ثم قال : كويس.. ودلوقتي تقدري تمشي.
- لقد هدأ ظاهرياً ولكن الحقيقة انه لم يحتمل فكرة ان تبقى محبوته بتلك التنورة ويراها الرجال في الشركة فهو كان يغار عليها من نسمة الهواء ولو كان بمقدوره ان يفتح صدره ويحتويها في داخله لكي يخفيها عن كل الناس لما تردد بفعل ذلك ابداً ، اما هي فقالت : عن اذن حضرتك.
وبعدها خرجت من المكتب وقالت لهاني : اتفضل..البيه مستنيك.
ابتسم هاني لها واردف : متشكر يا انسه مريم.
قال ذلك ثم طرق باب مكتب ادهم ودخل فوجده جالساً خلف مكتبه ويبدو عليه الانزعاج ، ازدرد ريقه وقال : بتوتر : اسف على الازعاج يا فندم بس محتاج توقيعك على الملف دا.
فنظر ادهم اليه ثم اخذ الملف من يده ووقع عليه دون ان يقول اي شيء ثم اعاده الى هاني قائلاً : تقدر تمشي.
هاني : عن اذن حضرتك .
قال ذلك ثم استدار وسار حتى خرج من المكتب وابتسم عندما رأى مريم ثم سألها : انسه مريم هو انا اقدر اعزمك على الغدا النهاردة ؟
فنظرت مريم اليه وقالت : انا اسفه يا استاذ هاني بس لازم ارجع البيت دلوقتي...خليها مره تانيه.
هاني : خير... في حاجة ؟
مريم : متشغلش بالك...مفيش حاجة مهمة.
هاني : طيب تحبي اوصلك.
مريم : متشكرة بس مش عايزه اعطلك عن شغلك .
هاني : ولا هتعطليني ولا حاجة... اساساً دلوقتي استراحة الغدا يعني مفيش عندي شغل.
فابتسمت مريم وقالت : وبرضو مش عايزه اتعبك معايا.
هاني : الله يسامحك... ودا كلام برضو ، احنا زملاء في الشغل ودا اقل واجب اعمله .
مريم : خلاص... ماشي.
فأبتسم هاني واردف بحماس : يلا اتفضلي .
فحملت مريم حقيبتها ثم قالت : متشكرة.
- وعندما ذهبا الى موقف السيارات وصعدا في سيارة هاني قادها حتى اوصل مريم الى منزلها بعد ان اعطته العنوان وكانت الساعة آن ذاك تُشير الى الواحدة ظهراً... فنزلت من السيارة ونظرت اليه من النافذة وهي تبتسم قائلة : متشكرة يا استاذ هاني.
هاني : العفو... تحبي استناكي.
مريم : مفيش داعي... مش عايزه اتعبك معايا اكتر .
هاني : براحتك... يلا سلام دلوقتي.
قال ذلك ثم شغل محرك سيارته وهم بالمغادرة اما هي فنظرت الى نفسها مجدداً ثم تنهدت تنهيدة عميقة وصعدت الى الدور الثاني من العمارة التي كانت تسكن بها مع اختها الصغيرة مرام ؛ توجهت نحو شقتهم واخرجت مفتاح الباب من حقيبتها وبعدها دلفت الى الداخل وذهبت لتبدل ملابسها ، وبعد ان فعلت ذلك خرجت من المنزل ونزلت من البناية وهي في غاية الروعة بملابسها البسيطة المكونة من بنطال رسمي باللون الأسود وقميص ابيض ذو ياقة ذهبية مزركشة ... اوقفت سيارة أجرة وعادت الى الشركة فرأها ادهم وشعر بالرضا لانها نفذت ما طلبه منها بالحرف الواحد.
تسارع في الاحداث............
في صباح اليوم التالي استيقظت كعادتها مبكراً فذهبت الى غرفة اختها لكي تُيقظها من اجل الذهاب الى المدرسة وبالفعل فعلت ذلك ولكنها انتبهت ان اختها مرام كانت تبدو مريضة ووجها شاحب فسألتها بقلق : انتي كويسه يا حبيبتي ؟
ابتسمت مرام وقالت : ايوا... انا كويسه متخافيش ؟
وضعت مريم يدها على جبين اختها ثم قالت : غريب... مفيش حرارة يبقى ليه شكلك تعبانه ؟
مرام : متقلقيش يا مريم... انا كويسه وزي الفل.
مريم : قوليلي يا حبيبتي... قلبك بيوجعك ، حاسه في وجع ... طمنيني !
فهزت مرام رأسها بالنفي واردفت : لاء يا ميمي ...مش حاسة بحاجة.
مريم : اوك... يلا قومي علشان تجهزي نفسك وانا هحضرلك الفطار.
مرام : حاضر.
ثم خرجت مريم من غرفة اختها لكي تُعد الفطور وما ان خرجت حتى تغيرت ملامح وجه مرام ووضعت يدها على صدرها واغمضت عيناها بألم فهي اخفت امر ألم قلبها عن اختها الكبيرة لئلا تجعلها تقلق لانها كانت تعرف مريم حق المعرفة وما ان تشعر بالقلق حتى تصبح كالمجنونة تماماً ومن المؤكد انها ستأخذها الى المستشفى فوراً وهي لم تشاء الذهاب الى المستشفى حتى لا تكلف اختها دفع فاتورة الفحوصات الطبية حيث انها كانت تدرك مدى حاجتهما الماسة للمال .
وبعد ان فعلت كل منهما روتينها اليومي... ذهبت الكبيرة الى عملها برفقة صديقتها الهام كالعادة اما الصغيرة المريضة فذهبت الى مدرستها ؛ وفي الشركة ... توجهت مريم نحو مكتبها قبل ان يصل ادهم بقليل فوجدت هاني ينتظرها هناك فابتسم فور رؤيته لها وقال : صباح الخير يا انسه مريم.. عاملة ايه النهاردة ؟
استغربت من امر وجوده بالقرب من مكتبها منذ الصباح حيث ان جميع الموظفين يعلمون ان الطابق الاخير من الشركة خاص بـ بالإدارة وقسم السكرتارية فقط ولا يسمح للموظفين العاديين ان يذهبوا إلى هناك... فاقترت منه وقالت : صباح النور..بتعمل ايه هنا يا استاذ هاني ؟
وقف هاني يعبث بشعره وابتسم ببلاهة قائلاً : بصراحة كنت مستنيكي.
مريم : خير.. في حاجة ؟
هاني : في الحقيقة انا مش عارف ازي هفتح معاكي الموضوع بس.. تقبلي تخرجي معايا النهاردة ؛ انا عايز اعزمك على الغدا وبتمنى انك تقبلي.
فابتسمت مريم بعفوية وقالت : ان شاء الله... ولو اني انا اللي لازم اعزمك لانك وصلتني البيت امبارح.
هاني : لا العفو... دا واجب عليا.
مريم : يبقى هقابلك في استراحة الغدا.
فاتسعت ابتسامة هاني واردف : وانا هستناكي...يلا مش عايز اعطلك اكتر ، عن اذنك.
قال ذلك ثم اراد ان يغادر ولكنه توقف عندما رأى ادهم واقفاً امامه على بعد خطوات ويبدو من ملامح وجهه المنزعجة انه سمع حديثهما كله ...فابتلع الشاب ريقه ثم ابتسم بإرتباك وقال : ص.. صباح الخير يا فندم.
ولكن ادهم رمقه بنظرة مخيفة وكأنه كان يريد ان يأكله حياً وبعدها تجاهله تماماً ثم توجه نحو مكتبه بدون ان يلقي التحية على مريم التي قالت : صباح الخير يا فندم.
فدخل مكتبه بصمت مميت وفي داخله تسونامي يتخبط بجدران صدره ...وما ان دخل المكتب حتى ارخى ربطة عنقه بقوة واخذ صدره يعلو ويهبط نتيجة الغضب الشديد الذي سيطر عليه في تلك اللحظة بعد أن سمع حديث مريم مع هاني وعرف انها صعدت معه في نفس السيارة عندما اوصلها الى البيت واخذت الافكار تتخبط في رأسه فقال : ركبت معاه في نفس العربيه والنهارده عايزه تخرج معاه علشان يتغدوا ، لا دا كتير... كتير اوي .
قال ذلك ثم ضغط على زر استدعاء مريم ثم جلس على كرسيه... وما هي الا ثواني حتى دخلت الى المكتب وقالت : امرك يا فاندم ؟
فنظر اليها بنظرات غاضبة دبت الرعب في اوصالها ثم قال بعصبية : عايزك تعملي تقارير لكل المبيعات والارباح اللي حققتها الشركة في الخمس سنين اللي فاتوا وعايز التقارير تبقى على مكتبي الساعة وحده...ومتخرجيش من الشركة لغاية ما تخلصيهم انتي فاهمة ؟
فقالت مريم : بس انا عندي معاد الساعة وحدة .
نهض ادهم وضرب طاولة مكتبه بقوة مما جعلها ترتعش خوفاً وقال بلهجة أمر : انا قلت متخرجيش من الشركة قبل ما تخلصي شغلك.
اردفت بتلعثم : ب.. بس يا فندم..
فقاطعها بقوله : اتفضلي على مكتبك .
قال ذلك ثم استدار لينظر من خلال النافذة فتنهدت مريم وقالت : حاضر ...عن اذنك.
ثم خرجت من المكتب و لا تعلم لما اتتها رغبة تحثها على البكاء فبكت بصمت ولكن سرعان ما مسحت دموعها وجلست في مقعدها لتبدأ عملها الذي طلبه منها ادهم.
تسارع في الاحداث........
- انتهت من كتابة التقارير التي طلبها ادهم قبل موعد الغداء فإبتسمت ثم نهضت من مكانها وطرقت باب مكتبه وبعدها دخلت فوجدته يعمل على حاسوبه كالعادة ، اقتربت منه قائلة : انا خلصت كتابة التقارير يا فندم.
فنظر اليها ببطء ثم نظر إلى ساعة يده وبعدها قال : كويس... خلصتي قبل الوقت .
مريم : وبما اني خلصت قبل الوقت ينفع اخرج ، يعني دلوقتي استراحة الغدا وكل الموظفين بيخرجوا في الوقت دا وانا عندي معاد ومحتاجة اخرج .
في تلك اللحظة تجمرت عينا ادهم بعد سماعه لما قالته مريم فهب واقفاً وسألها بخشونة : عايزه تخرجي مع الاستاذ هاني مش كدا ؟
نظرت اليه بتعجب وسالته : حضرتك بتقصد ايه ؟
فصاح بها قائلاً : عاملة نفسك مش عارفه ؟؟
عقدت مريم حاجباها بعدم فهم واردفت : انا مش فاهمة انت بتتلكم عن ايه !
فسألها : انتي بتحبيه ؟
وبعد ان سمعت ذلك أتسعت عيناها فقالت بصدمة : ايه ؟
اما هو صرخ بها قائلاً : بتحبيه ولا لأ ، انطقي !
في تلك اللحظة شعرت مريم بالخوف منه كثيراً لانها رأته غاضباً جداً ولاول مرة رأت الشرر يتطاير من عيناه فلم تعد قادرة على الوقوف لذا جلست على الاريكة وهي تنظر اليه بفزع... فاقترب منها وامسك فكها السفلي بحركة اجفلتها قائلاً بصوت اشبه لهمس الشياطين : انا سألتك سؤال فالاحسن انك تجاوبي عليه بسرعة يا مريم .
نزلت دموعها من شدة الخوف فهي لم تكن تتوقع ان يخيفها ادهم الى ذلك الحد فتحدثت بصوت يكاد يختفي : ا.. انا.. ما..
ولكن ادهم خشي ان يسمع اجابتها فأسكتها بقبلة شرسة كادت ان تمزق شفتيها...نعم قبلها بكل شغف وكأن حياته تعتمد على ذلك وكأن شفتيها ترياق الحياة وان لم يتناوله سيموت حتماً ، وبينما كان يقبلها بعمق كانت هي تحت تأثير الصدمة حيث انها تجمدت في مكانها تماماً حتى انها لم تستطيع ان ترمش فقط كانت عيناها مفتوحتين على وسعهما وتنظر اليه وهو يقبلها كلوحش الذي انقض على فريسته ، واستمر في تقبيلها حتى كادت ان تفقد وعيها لعدم قدرتها على التنفس لذا بدأت تحاول ابعاده عنها و اخذت تضربه على صدره وهي تغمض عيناها بشدة ولولا حاجتهما للتنفس لما ابتعد عنها .
اخذ صدرهها يعلو ويهبط بشدة ودموعها انسابت على وجنتيها بينما اعاد هو شعره الى الخلف وادار ظهره لها واغمض عيناه بشدة وكان جسده يرتجف بالكامل وكأنه اخذ جرعة مخدرات زائدة سببت له النشوة ، فنهضت مريم من مكانها ثم وجهت نظرها اليه وسألته بنبرة مرتجفة : ل... ليه عملت كدا ؟
التفت اليها ثم امسك كتفيها بقوة وقال باندفاع : لانك بتاعتي....مش مسموحلك تخرجي مع اي حد تاني انتي فاهمة ؟؟
واضاف بعصبية شديدة : انا عايزك وهقتل كل واحد يحاول يقرب منك لانك ملكي انا وبس .
فقالت بصدمة : ايه ؟
ضغط ادهم على كتفيها بقوة أكبر مما جعلها تتأوه من شدة الألم وقال : ايوا انا عايزك... عايز كل حته فيكي تبقى بتاعتي انا ....ريحتك... شعرك... شفايفك جسمك... كل حاجة هتبقى ملكي من النهاردة حتى دماغك وتفكيرك .
عقدت مريم حاجباها باستنكار شديد عندما سمعت ذلك وشعرت بالإهانة لذا قالت بتهور : سيبني ؛ انت مجنون وانا مش هشتغل عندك بعد النهاردة ابداً .
لكنه لم يتركها بل قبلها مرة اخرى بقوة اكبر هذه المرة حتى نزفت شفتيها ....
يتبع.....