رواية عن العشق والهوي الفصل الثالث 3 بقلم نونا مصري
~ الفصل الثالث ~
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
قراءة ممتعة للجميع ♡
أرتعشت
مريم بشدة عندما صرخ عليها ادهم السيوفي امام جميع الموظفين وتكومت الدموع
في عيونها ولكنها لم تبكي بل سيطرت على نفسها ونظرت اليه مباشرةً بنظرات
ثقه ثم قالت : انا مستوايا اعلى من كدا بكتير.. يعني المسابقة اللي
اقترحتها حضرتك هتبقى سهلة جداً بالنسبه لي علشان كدا قلت انها هتبقى زي
لعبة العيال ومكنش قصدي اني اتريق ابداً .
عاد
ادهم الى بروده المميت وكتف يداه ثم قال : بقى كدا... تمام يا انسه ، بما
ان مستوى حضرتك اعلى من كدا بكتير وان المسابقة السهلة دي هتبقى زي لعبة
العيال بالنسبه لك فانتي هتستبعدي من المشاركة فيها وهتفضلي تشتغلي في
مراجعة البيانات والمعلومات لغاية ما الشهر المحدد للمسابقة يعدي .
في تلك اللحظة اتسعت عينا مريم عندما سمعت ذلك واحتجت قائلة : بس دا ظلم ... حضرتك هتظلمني بالطريقه دي.
فقال
ادهم بنبرة يملؤها التحدي : لو مش عاجبك النظام هنا تقدري تقدمي استقالتك
وتروحي تشتغلي في شركة تانيه بس لازم تدفعي الشرط الجزائي الاول .
قال ذلك ثم نظر إلى باقي الموظفين واضاف بصوت عالٍ وبنبرة حاسمة : الاجتماع دا انتهى.
-
نهض الموظفين بتوتر وانتظروه حتى خرج من قاعة الاجتماعات وخلفه كمال
وبعدها بدأوا يخرجون واحداً تلو الاخر...اما هي فوقفت مكانها وضغطت على
قبضتها بشدة ؛ اقتربت منها صديقتها الهام وسألتها بعتب : عملتي كدا ليه يا
مريم ، كان لازمته ايه كتر الكلام ؟
أرادت
ان تجيب عليها ولكن مدير قسمها صرخ بها قائلاً : انتي اتجننتي ولا ايه ،
ازاي اتجرأت عيله صغيرة زيك متعرفش حاجة انها تتكلم مع ادهم بيه بالطريقة
دي ؟
فنظرت اليه وقالت : انا مكنش قصدي اعمل كدا يا استاذ سالم بس...بس انا قلت وجهة نظري واظن ان دا حقي علشان ادافع فيه عن نفسي .
سالم : حقك في بيت ابوكي يا هانم مش في شركة الكينچ ادهم السيوفي.
تساءلت مريم بعجب : كينچ / king ، ليه بتقول عنه كينچ ؟
سألها سالم بدهشة : هو انتي متعرفيش ان الراجل دا لقبو ملك البرمجة ؟!
ثم
اضاف بعصبية : وجايه تقولي وبكل وقاحة ان المسابقه اللي اقترحها لعبة عيال
، ولا شفتي نفسك لانك طلعتي الاولى على دوفعتك ... بس لا يا شاطره ذكائك
دا ميجيش حاجة قدام عبقرية ادهم بيه يعني اصحي من احلامك الوردية دي واجري
وراه علشان يرجعك المسابقة لانك لو معملتيش كدا يبقى مش هتقدري تبرمجي اي
حاجة طول ما انتي هنا .
فقالت الهام بذعر : يا نهار مش فايت... يلا يا مريم اجري بسرعة !
انتفضت مريم من مكانها قائلة : طيب ...ماشي.
ثم
ركضت بأسرع ما يمكن حتى تلحق بـ ادهم ولكنه كان قد صعد في المصعد بالفعل ؛
ضغطت على زر المصعد الاخرى وعندما نزل صعدت به وضغطت على زر الطابق الاخير
في الشركة حيث كان مكتب الرئيس التنفيذي ، وبينما كان المصعد يصعد بها
كانت متوترة للغاية اما في الجانب الاخر فكان هو يسند ظهره على المرآة داخل
المصعد بجانب سكرتيرته سلمى التي كانت متوترة وكان الصمت حليفه... ولكن
عينيه كانتا تظهران عكس ذلك تماماً حيث كان الشرر يتطاير منهما فهو بالرغم
من برودة اعصابه الا ان تلك الصغيرة قد استفزته كثيراً بكلامها خصوصاً
عندما ردت عليه امام موظفينه بكل ثقة .
وعندما
وصل المصعد إلى الطابق الاخير نزل منه ادهم وتوجه نحو مكتبه وكانت
السكرتير " سلمى " تسير خلفه بصمت إذ انها كانت تدرك مدى انزعاجه في تلك
اللحظة لذا فضلت ان تغلق فمها ولا تنبس بكلمة واحدة مما قد يجعله يثور في
وجهها ، وقبل ان يدخل إلى مكتبه اوقفه صوت تلك الصغيرة التي اشعلت النار في
صدره عندما قالت له : ادهم بيه..من فضلك استنى .
التفت
الى الخلف ونظر اليها من فوق كتفه بعيون حادة عندما اقتربت منه وهي تفرك
يديها ببعضهما بتوتر ، ثم تجاهلها تماماً وتقدم بخطوتين نحو باب مكتبه
فقالت مجدداً : من فضلك يا بيه انا عايزه اتكلم معاك.
ردت عليها سلمى : من فضلك ارجعي القسم بتاعك لان ممنوع اي حد من الموظفين يجي هنا .
مريم : انا بس عايزه اقول لحضرتك.....
-
لم تكمل جملتها لان ادهم فتح باب مكتبه ودخل دون ان يعطيها اي فرصة للتحدث
فانزعجت من تصرفه كثيراً مما جعلها تشعر بالإهانة لذلك تجاهلت منصبه
واهميته وباغتت سلمى ثم لحقت به إلى داخل المكتب ، اما هذه الاخيرة فلحقت
بها قائلة بعصبية : من فضلك مينفعش تعملي كدا..
اما هي فسألت الرجل بانزعاج : انت فاكر نفسك مين علشان تتجاهلني وانا بكلمك ، اوعى تفتكر اني هخاف منك علشان انت الـ Boss هنا .
في
تلك اللحظة وضعت سلمى يدها على فمها بصدمة من هول الموقف اما هو فوقف
مكانه دون حراك بعد تلك الجملة وهو يعطيها ظهره ولكن سرعان ما اردف قائلاً
بهدوء شديد : سلمى...
اجابته بتوتر : افندم ؟
اضاف : اطلعي برا واقفلي الباب وراكي.
سلمى : ح.. حاضر .
-
وبالفعل خرجت سلمى من مكتب ادهم واغلقت الباب خلفها.... اما هو فتوجه نحو
كرسيه بكل هدوء وجلس عليه ثم نظر الى مريم بنظرات جاده وسألها بصوته البارد
: عايزه تقولي حاجة يا شاطرة ؟
-
وبسبب ردة فعله الباردة شعرت مريم بالتوتر الشديد خصوصاً عندما نظرت الى
عيينه فابتلعت ريقها وقالت بتلعثم : ايوا.. انت... انت متقدرش تستبعدني من
المسابقة ابداً لان انا كمان متدربة ومن حقي اشترك فيها.
اسند
ادهم ظهره الى كرسيه وكتف ذراعيه وهو ينظر اليها بهدوء مميت مما جعلها
تتوتر اكثر فاضافت بنبرة مهتزة : انا... انا درست تلات سنين في احسن
الكليات وتعبت اوي علشان ابقى مبرمجة تطبيقات ودلوقتي بعد ما الفرصة جت لحد
عندي مش هسمح لاي شخص يحرمني منها حتى لو كان الشخص دا هو حضرتك .
وبعد
قولها ذاك رسم ادهم ابتسامة صغيرة على شفتيه ثم نهض من مكانه بكل هدوء مما
جعلها تعود بخطواتها للوراء ؛ تحرك بخطواته نحو نافذة مكتبه العملاقة ووقف
يتأمل الشارع والمباني الاخرى من خلالها ثم اخرج علبة سجائر فاخرة من جيب
سترته واشعل سيجارة وبعدها سألها بصوت رزين جداً ودون ان ينظر اليها حتى :
خلصتي كلامك ؟
استغربت هي من ردة فعله الجليدية وقالت بتوتر : ل... لأ لسه.
فقال وهو ينفخ الدخان من فمه : يبقى كملي.
رمشت
مريم عدة مرات ولا تعلم لما شعرت بالخوف من هدوئه واخبرها حدسها ان هذا
الهدوء قد يكون هو نفسه الذي يسبق العاصفة ؛ ابتلعت ريقها واردفت :
انا...انا عايزه اشترك في المسابقة لان دا حقي بما اني بقيت موظفة في
الشركة دي .
ألتفت ادهم نحوها ثم
وضع يده اليمنى في جيب بنطاله ونظر اليها بنفس الهدوء بينما كان يسحب نفساً
من سيجارته الفاخرة ثم نفث الدخان وقال بنبرة حادة يغلبها الجمود : وانا
قلت انتي مستبعدة من المشاركة في المسابقة ودا قرار نهائي... ودلوقتي بعد
ما خلصتي كلامك اتفضلي ارجعي على شغلك واياكي تتكلمي معايا مرة تانية
بالطريقة دي لاني مش صاحبك يا انسه انتي فاهمة ؟
في
تلك اللحظة شعرت مريم بالتفاهة عندما تحدث معها بتلك النبرة ولم تستطيع
منع دموعها المحبوسة في حدقتيها عن التساقط ، بكت امامه بالفعل ولكن سرعان
ما اشاحت بنظرها عنه واستدارت وهي تمسح دموعها ثم قررت الخروج من مكتبه...
ولكنه اوقفها بقوله : استني...
توقفت
في مكانها ولكنها لم تنظر اليه بل حدقت بالأرض ، اما هو فتوجه نحو طاولة
مكتبه و اطفأ سيجارته في مطفأة السجائر ثم اقترب منها بخطوات ثابتة حتى
اصبح واقفاً خلفها ... تسللت رائحة عطرها الى انفه لتحرك بداخله بركان
المشاعر المضطربة مما جعله يغمض عيناه بشدة ثم تنفس بعمق وقال : لو عايزه
تبقي مبرمجة تطبيقات في شركة " رويال " بجد يبقى اللي حصل في الاجتماع بتاع
النهارده ما يتكررش تاني انتي سامعه ؟
فنظرت اليه بعيونها الدامعه وسألته : يعني انا... انا هشترك في المسابقة ؟
ألتفت
ادهم الى طاولة مكتبه ليتهرب من رؤية دموعها ثم توجه نحو كرسيه ليجلس
قائلاً : انا قلت مش هتشتركي يعني مستحيل اغير رأيي ابداً ، ودا علشان
اعلمك درس انك متشوفيش نفسك مرة تانية لان معاكي شهادة تقدير من الكلية
وطلعتي الاولى على دوفعتك وكمان متنسيش ان في ناس اكبر منك بيفهموا في
البرمجة ومعاهم شهادات من اشهر الجامعات في العالم وانتي متجيش قدامهم اي
حاجة .
تحركت مريم نحوه حتى اصبحت
تقف امامه ثم قالت : انا مشفتش نفسي ابداً ومستحيل اشوف نفسي على اي حد ،
بس انا قلت وجهة نظري لان بجد المسابقة دي سهلة اوي بالنسبة لي واقدر اصمم
موقع تجاري إلكتروني في اقل من شهر لان دا كان واحد من الامتحانات اللي
عملتها في الكلية وصممت موقع لبيع اكل الحيوانات الأليفة وجاب نسبة مشاركة
كبيرة.
رفع ادهم حاجبه بعد سماعه
ذلك ورمقها بنظرات باردة لم تفهم مغزاها ثم اردف : حلو الواحد يبقى عنده
ثقه في نفسه بس خلي بالك لان الثقة الزايدة جايز تتقلب ضدك ، ولو انتي
شايفه ان المسابقة دي سهلة اوي بالنسبة لك يبقى ليه عايزة تشتركي فيها ؟
ردت عليه بسرعة : علشان دي فرصة ذهبية ولو فزت فيها اكيد الموقع بتاعي هيبقى مشهور .
ادهم : يبقى انتي عايزه تبقى مشهوره ، قولي كدا من الاول.
مريم
: لا مش علشان ابقى مشهورة... انا عايزه اشترك علشان احسن من مستوايا
واثبت للكل اني اقدر افوز في المسابقة دي وانا مغمضة عينيا.
ادهم
: ما دام هو دا السبب اللي انتي عايزة تشتركي في المسابقة علشانه فانا مش
هسمحلك تشتركي فيها ابداً لان شركتي مش مكان للأستعراضات يا انسه وانما انا
وظفتك هنا علشان تشتغلي وبس مش علشان تثبتي اي حاجة...بس لو كنتي عايزه
تستعرضي نفسك يبقى روحي دوري على مكان تاني وابقي قابليني لو لاقيتي حد
هيوظفك بعد ما تسيبي الشركة دي.
فنظرت مريم اليه بحنق ثم سألت : طب.. طب اعمل ايه علشان تسمحلي اشترك في المسابقة ؟
ادهم
: متعمليش اي حاجة لان انا اتخذت قراري النهائي وانتي هتفضلي تشتغلي في
مراجعة بيانات معلومات السوق الألكترونية لغاية ما الشهر بتاع المسابقة
يعدي.
احتجت قائلة : بس.. بس دا
ظلم يعني فترة التدريب كلها مدة 3 شهور ولو فضلت شهر كامل اشتغل في مراجعة
بيانات السوق الألكترونية فانا مش هستفيد اي حاجة من فترة التدريب وانت
هتظلمني كدا.
فنهض ادهم من مكانه
وضرب الطاولة بيده لانه سئم من مجادلتها مما جعلها ترتعش خوفاً وقال بنبرة
حادة : وبعدين بقى...قلت لك مفيش اشتراك في المسابقة يعني مفيش اشتراك
واياكي تتكلمي معايا مرة تانيه بالطريقة دي لانك هتشوفي مني حاجة مش هتعجبك
ابداً.. ودلوقتي اتفضلي ارجعي شغلك ومتجيش هنا تاني غير اما انا اطلبك
مفهوم .
ابتلعت مريم ريقها بتوتر
وقد عادت الدموع الى عينيها فاستدارت ثم توجهت نحو الباب ومسحت دموعها قبل
ان تفتحه وتخرج...اما هو فجلس مجدداً على كرسيه واغمض عيناه بشدة محاولاً
اخراج صورتها وهي تبكي من رأسه فهو لا يعلم كيف ومتى ولماذا اصبحت صورتها
محفورة في ذاكرته حتى ان رائحة عطرها علقت في انفه واصبحت بالنسبة له
كالمخدر ، ولكن لا...ربما تكون قد اثرت عليه قليلاً ولكنه ادهم عزام
السيوفي الملقب " بجبل الجليد " لبرودة اعصابه لن تؤثر عليه هذه الصغيرة
الباكية.
هذا ما كان يخبر نفسه
به اما بالنسبة لمريم فقد خرجت من مكتبه بملامح وجه حزينة اكثر من كونها
منزعجة وعندما رأتها سلمى نهضت فوراً واقتربت منها قائلة بحنق : انتي ازاي
اتجرأتي واتكلمتي مع البيه بالطريقة دي ، انتي اتجننتي ولا ايه ؟
فنظرت
مريم اليها وقالت بتذمر : هو انا اتكلمت مع رئيس الجمهورية مثلاً ، مهو
انسان عادي زينا زيه دا حتى مش محترم وميعرفش ازاي يتكلم مع الستات.
شهقت سلمى وقالت بفزع : بتقولي ايه الله يخرب بيتك ؟؟
مريم : انا بقول الحقيقة.
سلمى : لا انتي شكلك مجنونة على الاخر.. يلا يا بنت امشي من هنا بسرعة لحسن البيه هيسمعك وهتحصل كارثة في الشركة بسببك.
تمتمت
مريم بأنزعاج : انا الحق عليا اللي جيت اشتغل في شركة المجانين دي بس اعمل
ايه بقى ؛ مهو بختي المهبب هو اللي رماني هنا ومقدرش اقدم استقالتي دلوقتي
لان الشرط الجزائي اللي وقعنا عليه بيقول مينفعش نستقيل الا بعد 6 شهور
والا هدفع 100،000 جنيه .
قالت ذلك ثم غادرت وتركت سلمى واقفة تحدق بها بصدمة فتساءلت : مجنونة دي ولا ايه ؟
-
في تلك اللحظة سمعت صوت تحطيم صادر من مكتب ادهم وادركت على الفور انه
غاضب للغاية وقد يكون حطم حاسوبه المحمول كما يفعل كلما يغضب فأبتلعت ريقها
وغمغمت : ربنا يستر بقى.
وما هي الا ثلاث دقائق قد مرت حتى اتاها اتصال منه فاجابت بسرعة : ايوا يا فندم.
قال : تعالي هنا فوراً .
سلمى : ح.. حاضر .
قالت
ذلك ثم اغلقت الهاتف ونهضت من مكانها واقتربت من باب مكتبه الذي كان يقع
بجانب مكتبها الصغير ثم اخذت نفساً عميقاً وبعدها طرقت الباب فسمح لها
بالدخول... دخلت وقد كان تخمينها صحيح لان ادهم قد حطم حاسوبه المحمول
بالفعل ولكنه حطم اشياء اخرى اضافية هذه المرة منها المرآة الكبيرة التي
كانت في مكتبه ولوحة اسمه الزجاجية التي كانت على طاولة المكتب ، اما هو
فنهض من مكانه وقال لها بنبرة أمر : انا هطلع دلوقتي بس لما ارجع عايز كل
حاجة اتكسرت ترجع زي ما كانت.
ردت عليه سلمى بصوت مرتجف : ح.. حاضر .
-
ثم خرج ادهم من مكتبه وهو يعدل ياقة قميصه وكان الانزعاج ظاهراً عليه
بالرغم من برودة اعصابه.. توجه نحو المصعد وضغط على زر الطابق الأول من
الشركة حيث كانت الردهة الواسعة فهو كان يريد الخروج لكي يستنشق بعض الهواء
النقي عله ينسى رائحة عطر مريم التي علقت في انفه واسكرته.
اما
في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الإلكترونية فعادت مريم بوجه شاحب محبط
ثم توجهت نحو مكتبها الصغير وجلست على كرسيها دون ان تقول اي شيء... أقتربت
منها زميلتها ياسمين والتي كانت تكبرها بسنتين وقالت : طمنيني يا مريم..
ايه اللي حصل لما رحتي تتكلمي مع ادهم بيه ؟
رفعت
مريم رأسها ببطء ونظرت الى ياسمين التي كانت قلقة بشأنها ثم تنهدت بقوة
وقالت : محصلش حاجة.. هفضل اشتغل في مراجعة البيانات والمعلومات لغاية ما
شهر المسابقة يعدي.
ياسمين : يعني مش هتشتركي معانا ؟
مريم : لا.. ادهم بيه استبعدني بعد الكلام اللي قلته في قاعة الاجتماعات.
فسألتها ياسمين معاتبة : طب انتي قلتي كدا ليه ، يعني كان ضروري تقولي الكلام دا ؟
وضعت مريم رأسها بين يديها وغرست اصابعها في شعرها واجابت بإحباط : وانا اعرف منين ان حاجة زي دي هتحصل ؟
فتنهدت ياسمين ثم ربتت على كتفها قائلة : طيب خلاص..متزعليش نفسك يا حبيبتي وان شاء الله كل حاجة هتبقى تمام.
تسارع في الاحداث................
مر
اسبوعين على مريم وهي تعمل في مراجعة البيانات بينما كان زملائها
المتدربين يصممون مواقعهم التجارية وكانوا متحمسين جداً للمسابقة التي لم
يتبقى على انتهائها سوى اسبوع واحد... وخلال هذان الاسبوعين جمعتها الصدفة
مع ادهم عدة مرات وفي اماكن مختلفة من الشركة ، ولكن اهم الاماكن كان
المصعد حيث كانت تشعر بالرهبة كلما تواجدت معه هناك واحياناً كانت تُفضل
استعمال سلالم الطوارئ لكي تتفادى مقابلته ولكن الأمر كان متعباً بالنسبة
لها لذا خضعت للأمر الواقع وعادت تستقل المصعد .
وكلما
كانت تقابله هناك كانت تحني رأسها وتقف في الزاوية دون ان تقول اي شيء
بينما كان هو يَدّعي عدم الاهتمام لوجودها ولكن العكس صحيح...لان رائحة
عطرها كانت تفقده عقله واصبحت كالأدمان بالنسبة له خصوصاً عندما يتواجد
معها في المصعد حيث ان المكان مغلق مما جعله يصبح عصبياً جداً وكان يعود
الى المنزل والانزعاج جلياً على وجهه ؛ لانه ادرك بأن هنالك شيء في هذه
الفتاة يجذبه اليها غير رائحة عطرها ولاحظ افراد عائلته تغيره وانزعاجه
لهذا كانوا يتفادونه خشية من غضبه المدمر .
وذات يوم.......
كانت
مريم تريد مغادرة الشركة بعد ان انتهى دوامها حيث انها كانت تغادر قبل
زملائها لان عملها كان مختلفاً عن عملهم الذي يتطلب الكثير من
الوقت...فتوجهت نحو المصعد في تمام الساعة الخامسة مساءً وكانت تدعو الله
في سرها بأن لا تقابل ادهم هناك ؛ ضغطت الزر ووقفت تنتظر نزول المصعد وما
ان نزل وفُتح الباب حتى خاب املها لانه كان فيه بالفعل وكان يعبث بهاتفه
بكل هدوء فابتلعت ريقها ثم دلفت الى الداخل بصمت وارادت ان تضغط زر الطابق
الأول ولكنه كان مضغوط بالفعل... سحبت يدها ثم اعادت خصلة من شعرها ووضعتها
خلف اذنها بتوتر شديد ، اما هو فبدأت نبضات قلبه ترقص وتتضارب بداخله حيث
ان كل حركة كانت تصدر عنها كانت تسبب له الجنون... اغلق هاتفه ووضعه في
جيبه ثم اغمض عيناه ومسح وجهه براحة يده محاولاً تهدئة نفسه لان الوضع
بالنسبة له اصبح خطيراً فهو وبالرغم من قوة شخصيته وبرودة اعصابه الا ان
هذه الفتاة كادت ان تجعله يفقد عقله بحركاتها البريئة ورائحة عطرها التي
تشبه " رائحة الفانيليا المثيرة " والتي تُعد واحدة من أفضل الروائح التي
تجذب الرجل وذلك لأنها مثيرة للشهوة حيث انها ناعمة وقوية في نفس الوقت .
-
وما زاد الطين بلّة هو تعطل المصعد في تلك الاثناء فعلقا بداخله ما بين
الطابق الرابع والطابق الثالث ... وفي تلك اللحظة سيطر الخوف على مريم التي
سألت بهلع : في ايه ؟
فنظر ادهم الى سطح المصعد وقال : الظاهر ان الاصنصير وقف واحنا علقنا هنا .
مريم : ايه !
ضغط
ادهم على زر الطوارق ثم اخرج هاتفه من جيب سترته واراد ان يتصل بأحدهم
ولكن لسوء الحظ لم يكن هنالك تغطية لذا رمى الهاتف على الارض بقوة مما جعل
الفتاة ترتعد خوفاً عندما فعل ذلك وقال بانزعاج : ودا وقتك انت كمان !
قال
ذلك ثم اعاد شعره الى الخلف ووضع يديه على خاصرته ، اما هي فاخرجت هاتفها
من حقيبتها ولكن النتيجة كانت نفسها " لا توجد تغطية " فاقتربت من لوحة
المفاتيح الخاصة بالمصعد وبدأت بالضغط على زر الطوارئ مراراً وتكراراً وهي
تقول بصوت عالٍ : في حد هنا ، ساعدوناااا ....احنا علقنا !
ثم
بدأت تضرب على باب المصعد لكي يسمعها احدهم وهي تكرر ما قالته ولكن لا
حياة لمن تنادي فبدأت تبكي ، اما ادهم فلم يكن يتوقع ان شيئاً كهذا قد يحدث
وخصوصاً في شركته المتطورة وما ازعجه اكثر هو تواجده مع هذه الباكية التي
سلبته عقله برائحة عطرها حيث كان يثمل لمجرد التواجد معها لدقائق قليلة في
المصعد فكيف سيتحمل فكرة انه عالقاً معها وفي نفس المكان وقد يستغرقان
وقتاً حتى يخرجان ؟
وبعد ان فكر بذلك ضرب جدار المصعد بيده وبكل قوته قائلاً : اشتغل بقى !
ولكن
بفعلته تلك تسبب في انقطاع التيار الكهربائي فاصبح المكان مظلماً مما جعل
الرعب يتسلل الى قلب مريم التي صرخت بأعلى صوتها وتعالى صوت بكائها الامر
الذي زاد من توتر ادهم لذا اخرج هاتفه الاحتياطي لينير المكان ثم نظر إليها
وقال : اسكتي شويه ...مفيش داعي للخوف.
ولكنها لم تمتثل لطلبه واستمرت بالبكاء كما لو انها طفلة فصرخ بها بصوت اشبه بـِ زئير الأسد : اكتمي بقى !!
سكتت
رغماً عنها واخذت تشهق بخوف اما هو فاخذ تنفسه يتسارع اكثر فأكثر وبدأ
صدره يعلو ويهبط من شدة التوتر واصبح كالمخمور تمامًا بسبب رائحة الفانيليا
المنبعثة منها في ارجاء المكان .. وبالرغم من ذلك استطاع ان يسيطر على
هدوء اعصابه والتفت نحوها ليجدها جالسة في الزاوية تضم قدميها وتبكي بصمت
من شدة الخوف ؛ اقترب منها ثم انحنى قليلاً وسلط ضوء الهاتف عليها قائلاً
بصوت رزين : اسمعي اللي هقولك عليه كويس...لو عايزه تخرجي من هنا يبقى
تنفذي اللي هطلبه منك تمام.
رفعت
رأسها ونظرت اليه بعيونها الباكية وبالرغم من الظلام الا انه استطاع ان يرى
قسمات وجهها فقالت بتلعثم : ا.. ارجوك طلعني من هنا.
قال بجدية : هطلعك بس بطلي تعيطي الاول لان العياط مش هيجيب نتيجة غير انك هتوجعيلي دماغي .
فمسحت مريم دموعها بينما اضاف هو قائلاً : ودلوقتي امسكي الموبايل ودوريه ناحية باب الأصنصير وانا هاحاول افتحه تمام.
-
أومأت له برأسها ثم نهضت وامسكت هاتفه وفعلت ما طلبه منها ، فخلع سترته
ورماها ارضاً ثم رفع اكمام قميصه وبدأ في محاولة فتح باب المصعد ولكن دون
جدوى ، لذا صب جام غضبه عليه واخذ يضربه بقدمة بكل ما يمتلك من قوة زارعاً
الفزع في نفس مريم التي نزلت دموعها مجدداً فهي فكرت بلحظة خوف أنها ستعلق
في ذلك المصعد إلى الابد ولن تتمكن من رؤية شقيقتها الصغرى بعد اليوم .
لذا
جلست في الزاوية وهي لا تملك لا حول ولا قوة كما ان ادهم استسلم للأمر
الواقع ثم جلس ايضاً بالزاوية الاخرى سانداً ظهره على جدار المصعد وامسك
سترته ثم اخرج علبة سجائره الفاخرة واشعل سيجارة متجاهلاً التنبيه الموجود
في المصعد والذي ينص على عدم التدخين... فشع ضوء سيجارته في الظلام الممزوج
بضوء الهاتف واخذ ينفخ الدخان من فمه وكان يبدو متوتراً للغاية... اما هي
فتحسست من رائحة الدخان وبدأت تسعل لذا قالت بصوت مرتجف : ارجوك...ينفع
تطفي السيجارة ، انا عندي حساسية من الدخان ومقدرش اشم ريحته ابداً .
تجاهل
ما قالته واخذ نفساً عميقاً من سيجارته ثم نفث الدخان وقال بصوت هادئ : مش
عايز اسمعلك نفس لغاية ما نخرج من الورطة السودة دي انتي سامعة ؟
التزمت
الصمت بعد قوله ذاك وحاولت منع نفسها عن السعال ولكنها لم تستطيع ؛ في
الواقع لقد اشعل السيجارة حتى تخفف رائحة الدخان من تأثير رائحة عطرها التي
ادمنها بالفعل كما انه اشعلها لكي تساعده على التخفيف من شدة
توتره...فجلسا بصمت لمدة خمس دقائق وفجأة عاد النور مجدداً فنظرا الاثنان
الى السطح ثم نهض هو اولاً ورمى سيجارته على ارضية المصعد وداس عليها
ليطفأها ، اما هي فنهضت ايضاً وبدأت تضغط على زر الطوارئ قائلة بلهفة : حد
سامعني ، في ناس علقانيين هنا !
وما
هي الا ثواني حتى تحرك المصعد مجدداً فشعرت مريم بقلبها يهوي اما ادهم
فانحنى والتقط سترته التي رماها على الارض ونفضها من الغبار ثم ارتداها
مجدداً والتفت نحو المرآة ليرتب شكله ، وعندما فُتح باب المصعد في الطابق
الثالث وجدوا امامهم فريق الصيانة الخاص بالشركة فتوتر الفريق عندما رأوه
وسألهما احد الرجال : انتوا كويسين يا فندم ؟
خرج ادهم من المصعد قبل مريم كما لو انه بركان ثائر ، وصرخ بوجه الموظف قائلاً : انت وكل فريق الصيانه بتاعك مرفودين !
قال
ذلك ثم توجه نحو مخرج الطوارئ استخدم السلالم لينزل الى الاسفل بنوبة
عصبية ... اما مريم فتنفست الصعداء لان تلك الفترة المرعبة قد مرت على خير
استخدمت السلالم ايضاً لتنزل ولكنها نظرت إلى يدها ووجدت هاتف ادهم
الاحتياطي كان ما يزال معها لذا ركضت لتلحق به وبالفعل استطاعت ان توقفه في
ردهة الشركة بقولها : ادهم بيه ، استنى من مفضلك.
التفت
اليها وقد عاد الى بروده المميت وبدون ان يقول اي شيء تقدمت نحوه وهي تلهث
جراء ركضها على السلالم ثم قالت بصوت متقطع : انت... نسيت... الموبايل
بتاعك معايا يا فندم .
قالت ذلك
ثم مدت يدها لتعطيه هاتفه فتنهد ثم اشتلف الهاتف من يدها وبعدها غادر دون
ان ينبس بحرف واحد .. وقفت تحدق به بغير تصديق ثم قالت : ايه الراجل الغريب
دا ، لسه من شوية كان متعصب وشبه البركان اللي هينفجر في اي لحظة ودلوقتي
رجع جبل التلج مرة تانيه .. اما راجل عجيب.
اما
في سيارة ادهم فكان يقودها بسرعة وهو يركز على الطريق امامه ولكنه كان
يفكر بمريم وبالوقت القصير الذي قضاه معها في المصعد وكيف كانت خائفة وكيف
اخافها بصراخه عليها وكيف اثارته رائحة عطرها...فضرب المقود بيده وصرخ
قائلاً : الله يحرقك.. اطلعي من دماغي بقى !!
قال
ذلك ثم نظر إلى هاتفه الذي كان على المقعد بجانبه فانزعج ثم امسك به ورماه
من النافذة وبعدها مسح وجهه براحة يده ولكن رائحة عطر مريم التي كانت
عالقة في الهاتف قد انتقلت الى يده لذا إنعطف بسيارته يميناً ثم اوقفها
بجانب الطريق وقرب يده من انفه قائلاً : ازي انتقلت ريحة پارفان البنت دي
على ايدي ؛ انا حتى مقربتش منها ولا لمست ايدها يبقى ازاي بقت ريحة ايدي زي
ريحة الپارفان بتاعها ؟
فاخذ
يفكر قليلاً ثم ادرك ان الهاتف هو السبب فتنهد بقوة واخرج من جيب السيارة
زجاجة عطره الفاخرة والتي كانت من اشهر الماركات ثم رش قليلاً منها على يده
ليخفي اثر رائحة عطر مريم وبعدها اعادها الى مكانها في جيب السيارة ومن ثم
شغل المحرك وهم بالمغادرة ، وما هي الا مدة زمنية معينة قد مرت حتى وصل
الى منزل عائلته الذي كان اشبه بالقصر.... فُتحت البوابة الرئيسية بطريقة
إلكترونية ليدخل الى " الكراج " وبعدها ترجل من سيارته حتى دون ان يلقي
التحية على ذلك الرجل البدين الذي قال له : اهلاً يا ابني .
فدخل بنوبة غضبه الى المنزل اما الرجل فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله...ربنا يهدي سرك يا ادهم يبني.
-
كان ذلك الرجل هو نفسه العم محمود الذي عمل مع زوجته امينه في منزل عائلة
السيوفي لمدة ثلاثين سنه حتى ان اولاده سمير ووفاء قد كبروا في ذلك المنزل ؛
وفي الداخل دلف ادهم بعصبية وصعد الى غرفته دون ان يتحدث مع اي احد من
افراد اسرته اللذين كانوا جالسين في غرفة المعيشة يشربون الشاي ، فقالت امه
السيدة كوثر : وبعدين مع الحالة دي ، الولد دا زودها اوي !
اما اخته رغد فقالت : نفسي اعرف ايه هو السبب اللي بيخليه يرجع البيت متعصب كدا كل يوم.
اجابتها سلوى زوجة معاذ : جايز عنده مشاكل في الشغل يا رغد.
فقال معاذ : وهو الشغل يبقى فيه مشاكل كل يوم ، اكيد في سبب تاني واحنا لازم نعرفه .
في غرفة ادهم....
دخل
الغرفة ثم اغلق الباب ورمى سترته على الاريكة وبعدها رمى نفسه على السرير
مغمضاً عيناه بشدة محاولاً ان يجمع شتات نفسه... ولكن ليس لوقتاً طويل
فبينما كان على تلك الحال سمع احدهم يطرق باب غرفته فقال بصوت منزعج : مش
عايز اشوف حد دلوقتي.
أتاه صوت شقيقه الاصغر سناً " معاذ " حيث قال من خلف الباب : ادهم افتح الباب.. في حاجة مهمة حصلت وانت لازم تعرفها.
فتح
ادهم عيناه ثم نهض عن سريره وتوجه نحو الباب ثم فتحه بقوه قائلاً : عايز
ايه يا معاذ ، انا معنديش مزاج اكلم اي حد دلوقتي علشان كدا سيبني في حالي .
فتنهد معاذ ونظر اليه قائلاً : مش انا اللي عايز يا ادهم .. دا كمال.
قال
ذلك واشار إلى الهاتف بيده ثم اضاف : هو عايز يكلمك بس انت مبتردش على
الموبيال بتاعك علشان كدا اتصل بيا وقال ان في مشكلة حصلت معاه في اميركا .
في
تلك اللحظة تذكر ادهم ان كمال سافر إلى اميركا منذ اسبوع لكي يشرف على بعض
الاعمال في فرعهم الذي هناك وقد اعتمد عليه بفعل ذلك فقال بتذمر : اهو كدا
كملت .
ثم اخذ هاتف شقيقه واجاب قائلاً : ايوا يا كمال ؟
فقال كمال : انت فين يا ادهم ، بقالي ساعة بتصل عليك بس موبايلك خارج الخدمة وكمان الموبايل التاني مقفول.
تنهد ادهم وسأله : في ايه ؟
كمال : احنا في مشكلة يا ادهم... وانت لازم تيجي هنا فوراً .
ادهم : ايه اللي حصل ؟
كمال : في شركة امريكية بتقول ان فرعنا اللي هنا سرق الموقع بتاعهم ورفعوا علينا دعوة علشان كدا انت لازم تيجي بسرعة.
ادهم : طيب متقلش... انا هطلع في اول طيارة .
كمال : تمام وانا هستناك .
- ثم انهى ادهم المُكالمة مع كمال واخذ يسجل رقماً في هاتف معاذ الذي سأله بقلق : في ايه يا ادهم ؟
فاشار
له بأصبعه لكي ينتظر ثم وضع الهاتف على اذنه وما هي الا ثواني حتى قال :
سلمى... احجزيلي تذكرة على اول طيارة رايحه نيويورك الليلة دي.
سلمى : في حاجة حصلت يا فندم ؟
ادهم
: اعملي اللي طلبته منك بدون اسئلة ... ولما تحجزي التذكرة اتصلي على
الموبايل دا علشان تقوليي ايه اللي حصل اه وكمان عايزك تجيبلي موبايل جديد
بنفس رقم موبايلي .
سلمى : حاضر.
ثم اغلق الهاتف واعاده لاخيه فسأله الاخير : انت هتسافر يا ادهم ؟
فاجابه ادهم وهو يتجه نحو خزانته قائلاً : ايوا...ومعرفش هقعد هناك قد ايه علشان كدا انت هتبقى راجل البيت في غيابي مفهوم ؟
معاذ : متقلقش...يبقى انا هسيبك توضب شنطتك دلوقتي.
قال
ذلك ثم خرج من غرفة اخية الاكبر الذي فتح حقيبة السفر وبدأ يضع ملابسه
فيها قائلاً : اهي السفريه دي جت فرصة لحد عندي علشان اتخلص من شوفة البنت
اللي اسمها مريم دي ... جايز لو بعدت عنها شوية وقت مش هتأثر عليا تاني
واكيد هرتاح بعد كدا .
تسارع في الاحداث.........
سافر
ادهم الى اميركا حيث كان ابن خاله كمال وبقي هناك لمدة اسبوعين يحل القضية
العالقة بين فرع شركته وبين الشركة الامريكية التي ادعت انهم سرقوا احد
مواقعها الالكترونية ، اما مريم فكانت على حالها حيث كانت تعمل في مراجعة
بيانات السوق الاكتروني ولكنها افتقدت رب عملها الذي اختفى فجأة... فهي لم
تراه منذ اخر لقاء جمعها به عندما علقت معه في المصعد لذا انتابها الفضول
حول موضوع غيابه عن الشركة لمدة اسبوع كامل وهو الرئيس التنفيذي الذي لا
يمكنه التغيب ابداً .
ومن جهة أخرى
كان زملائها المتدربين قد انتهوا من تصميم مواقعهم حيث ان الشهر المحدد
لتلك المسابقة قد انتهى بفوز "محمود ياسين" البالغ من العمر 25 عاماً حيث
انه صمم موقع تجاري إلكتروني متخصص في بيع ادوات التنظيف المنزلية وكان
معظم زبائن الموقع نساء وربات بيوت مصريات ، وقد انتظر مدير القسم الذي
يعمل به عودة ادهم من اميركا لكي يوافق على امر انظمام الموقع الجديد الى
المواقع الرئيسية في الشركة.
وبعد
غياب دام لمدة اسبوعين وثلاثة أيام عاد كل من ادهم وكمال الى مصر بعد
فوزهم في القضية حيث ان شركتهم قد اظهرت الادلة والبراهين التي تؤكد أن
الموقع الإلكتروني خاص بهم ولم يسرقوه من اي شركة كما ان ادهم طالب تلك
الشركة المدعية بتعويض عن محاولتها لتشويه سمعتهم فامتثلت المحكمة
الأمريكية لطلبه وقامت بإصدار حكم على الشركة المُدعية وهو ان تدفع مبلغ
بقيمة 500،000$ لشركة رويال.
وفي
مطار القاهرة الدولي ... كان سمير ابن العم محمود وسائق ادهم ينتظره في
المطار ، وفور نزول هذا الاخير وكمال من الطائرة توجها نحو السيارة حيث قام
الشاب بأخذ حقائبهما ووضعها في صندوق السيارة ثم فتح الباب الخلفي ليصعد
ادهم اولاً وبعده كمال ومن ثم ركض وصعد في مكانه امام المقود قائلاً : نروح
بيت كمال بيه الاول ولا ايه يا ريس ؟
اجابة ادهم وهو يفك ربطة عنقه : ودينا الشركة يا سمير.
فنظر كمال اليه وسأله بتعجب : معقول انت ؛ عايز تروح الشركة على طول كدا حتى قبل ما تستريح ؟!
فقام ادهم بفك اول زرين من قميصه ليسمح للهواء ان يدخل الى عنقه ثم قال : عندي شغل مهم لازم اعمله قبل كل حاجة.
{ يقصد التأكّد ان كانت مريم ستؤثر عليه بعد هذه الغيبة ام انه قد تجاوز الامر بالفعل }
فنظر كمال إلى ساعة يده وسأل : شغل ايه دا اللي هيخليك تروح الشركة الساعة 14:00 حتى قبل ما تغير هدومك ؟
ادهم : متشغلش نفسك انت في الموضوع دا.
كمال
: بس كدا هتعب نفسك يا ادهم ، يعني جسمك مش حجر وجايز تنهار لو فضلت تشتغل
طول الوقت...وبعدين مش كفاية انك مكنتش بتنام زي بقية الخلق لما كنا في
نيويورك ليه عايز تعذب نفسك ؟
فنظر ادهم اليه واردف : متخفش عليا يا كمال... انا هروح الشركة لمدة ساعة وحدة وبعد كدا هرجع البيت علشان استريح .
فتنهد كمال بأستسلام وقال : والله مش عارف اقولك ايه ، على العموم انت عارف مصلحتك اكتر مني.
فتنهد ادهم ايضاً واستطرد : يلا اطلع يا سمير.
سمير : حاضر يا فندم.
ثم ذهبوا الى الشركة بالفعل فنزل ادهم من السيارة ونظر إلى كمال قائلاً : هقابلك بكرا.
كمال : اوك .
ادهم : سلام دلوقتي.
قال ذلك ثم توجه نحو ردهة الشركة اما كمال فقال لسمير : معليش هتعبك معايا.
رد سمير بسرعة : العفو يا فندم ، دا واجبي.
قال
ذلك ثم شغل محرك السيارة وقادها متوجهاً الى منزل كمال... اما ادهم فاخرج
نظارته الشمسية من جيب سترته ووضعها على عيناه وبعدها عَدّل سترته وتوجه
الى داخل الشركة وهو يقول في نفسه : هنشوف دلوقتي لو كنتي هتأثري عليا ولا
لا يا مريم هانم .
في تلك الاثناء
كانت استراحة الغداء في الشركة فكانت مريم جالسة مع زملائها الشباب في
الكافيتريا ولكنها كانت شاردة الذهن ، اما الهام فقالت : يا بختك يا
محمود....دلوقتي مُرتبك هيزيد والموقع بتاعك هيبقى من ضمن المواقع التجارية
الرئيسية في الشركة.
فضحك محمود
واردف : متزعليش نفسك يا الهام اكيد انتي هتفوزي في المرة الجاية لانك جيتي
في المرتبه التانيه والفرق بيني وبينك كان زبون واحد مش اكتر.
اما
سليمان فقال : مش مهم مين اللي فاز يا جماعة المهم اننا خدنا فرصتنا
وصممنا مواقع الكترونية تجارية في شركة رويال العالمية ودا لوحده انجاز
عظيم.
اسيل : سليمان عنده حق... ولا انتي رأيك ايه يا مريم ؟
ولكن مريم لم تجيبها فنظر الجميع اليها وسألتها الهام : مريم.. مريم انتي معانا ؟
نظرت مريم اليهم قائلة : ها... قولتوا حاجة ؟
فقال سرحان : لا دي باين عليها مش معانا خالص.
الهام : مالك يا مريم ، بتفكري في ايه ؟
فتنهدت مريم وقالت : مش ملاحظين حاجة غريبة يا جماعة ؟
ياسمين : حاجة غريبة زي ايه يعني ؟
وارادت ان تتحدث ولكنها لمحت ادهم ماراً في طريقه نحو المصاعد فهبت واقفة بسرعة وقالت : هقولكوا بعدين... سلام دلوقتي.
ثم ركضت حتى تدركه اما زملائها فاستغربوا من امرها وقالت الهام : جرالها ايه دي ، هروح اشوفها.
فقالت
اسيل : سبيها يا الهام... جايز انها حست نفسها منبوذة لاننا كنا بنتكلم عن
المسابقة واحنا فرحانين بانجازاتنا بينما هي مقدرتش تشترك معانا لان ادهم
بيه استبعدها في الاجتماع اللي حصل قبل شهر.
فتنهدت الهام وقالت : طيب هسيبها لوحدها .
عند مريم...
كانت
تركض حتى وصلت الى منطقة المصاعد وكما توقعت تماماً... فكان ادهم هناك
واقفاً امام باب المصعد ينتظر نزوله وهو يضع نظارته الشمسية... ولا تعلم
لما شعرت بالراحة عندما رأته بعد غياب دام لمدة اسبوعين وثلاثة ايام...
فاخذت نفساً عميقاً ثم توجهت نحوه بخطوات ثابتة ولكنها كانت متوترة جداً
ومع ذلك وقفت بجانبه تنتظر نزول المصعد ايضاً.
في
تلك اللحظة شعر ادهم بها فوراً حيث ان رائحة ذلك العطر التي عانى كثيراً
حتى ينساها عادت لكي تسكره مجدداً فالتفت اليها بسرعة ونزع نظارته لينظر
اليها جيداً وكأنه يريد ان يتأكد ان كانت هذه الواقفة بجانبه هي مريم مراد
التي ادمن رائحة عطرها ام لا ، وعندما رأها واقفه بجانبه وهي تحني رأسها
وتفرك يديها ببعضهما تعبيراً عن توترها اغمض عيناه بشدة وتنهد بقوة وقد
عادت مشاعره المضطربة مجدداً كما ان نبضات قلبه بدأت تتسارع وكأن المدة
التي قضاها في نيويورك لم تساعده ابداً بل على العكس تماماً حيث كانت
رؤيتهُ لها هذه المرة اقوى من اي وقت والادهى من ذلك انه شعر بشوق كبير
لها.
اما هي فكان حالها لا تختلف
عن حاله كثيراً حيث انها ادركت بأنه ينظر اليها ولكن لا تعلم لما تزعجه
رؤيتها لذا فضلت ان تصمت حتى لا توتر الجو اكثر.. وسرعان ما نزل المصعد
فصعد ادهم قبلها ووضع نظارته مجدداً ، اما هي فترددت من الدخول لانها لم
تستعمل المصعد ابداً منذ اخر مرة علقت فيها معه مما جعله يدرك انها خائفة
من ان يتكرر ما حدث فقال بصوته الهادئ : متخفيش..اللي حصل مش هيتكرر تاني.
نظرت
اليه لمدة ثواني وسرعان ما اخفضت بصرها ودخلت الى المصعد ثم ضغطت زر
الطابق الرابع حيث كانت تعمل اما هو فضغط زر الطابق الاخير حيث كان مكتبه ،
واثناء رحلتهما في المصعد اندلعت النيران داخل قلبه بسبب رائحة عطر
الفانيليا التي كانت تضعه مريم وبالكاد منع نفسه عن احتضانها فقد عاد ليدمن
على تلك الرائحة الجميلة التي عانى كثيراً ليتخلص من تأثيرها خلال المدة
التي قضاها في الغربة .
- توقف
المصعد في الطابق الثاني وصعد به احد الموظفين فألقى على ادهم التحية وردها
له الاخير بهزة ارستقراطيه من رأسه ، ودام الصمت حتى توقف المصعد مجدداً
في الطابق الرابع... نزل الموظف اولاً وارادت مريم ان تنزل ايضاً ولكن ادهم
امسك بذراعها فجأة وضغط على زر اغلاق الباب بينما نظرت هي اليه بذهول .
يتبع........