رواية انا لها شمس الفصل الثامن عشر 18 بقلم روز امين
«صمودك بات لا يُجدي ومازلتِ تُقاومين والأنفاسُ تتصارع،حتي تخطيتي بصبركِ عقبة الأوجاع الضالة بمُفردك،والأن،قد نجى بعضك من كُلك أيضاً بمُفردك.»
إيثار غانم الجوهري
بقلمي« روز أمين»
أشرقت شمس يومًا جديد لتُعلن عن أحداثًا جديدة وتطورات داخل حياة كلاً منا،فاقت نوال من غفوتها توضأت وقامت بقضاء ركعتي الضُحى لتتحرك نحو المطبخ بعدما انتوت تجهيز وجبة الإفطار لنجلها قبل أن يذهب لعمله كـ كُل يوم إلى أحد المطاعم المتخصصة بطهي وبيع "الكُشري المصري" الذي يعمل به، وأثناء إعدادها لوجبة البطاطس المقلية المفضلة لدى نجلها ولجت إليها ألاء حيث تحدثت وهي تتكأ على باب المطبخ:
-صباخ الخير يا ماما
ردت الأم وهي تتابع تقليب أصابع البطاطس داخل الزيت:
-صباح النور،صحي أخوكِ يلا علشان مايتأخرش على أكل عيشه
-حاضر...نطقتها الفتاة وتحركت في الحال إلى حُجرة شقيقها لتدق بابها قبل أن تدخل وتُفاجأ بعدم وجوده،كادت أن تُغلق الباب مرةً أخرى لتعاود لوالدتها لكنها تسمرت عندما جذب انتباهها تلك الورقة المُعلقة على ظهر التخت والمثبتة بقطعة صغيرة من العلكة الممضوغة،تحركت إليها وجذبتها وبدأت بقراءة محتواها لتجحظ عينيها على مصراعيهما في صدمة لتصيح وهي تهرول إلى والدتها قائلة بصوتٍ يرتجفُ من هول الصدمة:
-إلحقي يا ماما
إلتفت المرأة تنظر لابنتها بتمعُن لتتابع الاخرى صياحها:
-علاء سرق الدهب بتاع نسرين وطفش
دقت على صدرها لتصرخ بتساؤل:
-إنتِ بتقولي إيه يا بِت، طفش راح فين؟!
-سافر على المركب اللي رايحة إيطاليا...نطقتها لتشهر بالورقة بوجهها وتكمل:
-ساب جواب بيقول إنه أخد الدهب بتاع نسرين وسافر بيه، ولما الدنيا تمشي معاه هناك هيبعت لها فلوسه
صرخت المرأة نادبة:
-يا دي المصيبة، أبوكِ لو عرف هيروح فيها
واسترسلت وهي تدق على فخـ.ـديها بنحيبٍ:
-ولا أختك،دي لو عرفت إنه سرق دهبها هتخرب الدنيا،ومش بعيد تفتكر إني متفقة معاه
قاطعتها الفتاة لتهتف بخوفٍ على شقيقها:
-سيبك من نسرين الوقت يا ماما وخلينا في علاء،إحنا لازم نعرف هو سافر مع مين علشان نطمن إنه وصل بالسلامة
نظرت للفتاة وهزت رأسها بيأسٍ وحيرة وشعورًا بالرعب ممتزجًا بالغضبِ وقلة الحيلة سيطروا عليها
**********
بجسدٍ مرهق كان يتوسط فراشه غافيًا على بطنه بشكلٍ عشوائي لا يرتدي سوى شورتًا قصير،انتبه على صوت المنبة الذي صدح صوته من خلال هاتفه المحمول، مد يده بعشوائية فوق الكومود وبات يتحسس باحثًا عن الهاتف حتى عثر عليه وقربه أمام عينيه استعدادًا لغلقه،رفع رأسهُ وجاهد بفتح أهدابه بصعوبة ترجع لنومه لبضع سويعاتٍ بسيطة،أغلق الهاتف ليرمي رأسهُ من جديد فوق الوسادة بإنهاكٍ شديد،لم تمر عدة ثواني حتى رفع جسده متحاملاً على حاله وجلس مستندًا للخلف،تنفس بهدوء ومسح على وجههِ بكف يده ثم بسط ذراعه ليجلب عُلبة كانت موضوعة فوق الكومود وبدأ بفتحها وإخراج أحد الهواتف الذكية منها،بدأ بتركيب خطًا جديدًا قد ابتاعه بالأمس مع الهاتف وسجله باسم شقيقته ليستطيع من خلاله التواصل مع من استطاعت قلب حياته رأسًا على عقب منذ أن تركته وقطعت جميع خيوط الوصل تاركة إياهُ بلا قلب بعد أن سلبتهُ إياه وعقله حتى أصبح كالمچنون المغيب،فتح الهاتف وسجل رقمها وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يضغط على زر تسجيل الرسائل الصوتية لينطق بصوتٍ أقرب إلى الهمس يفيضُ من الإشتياقِ والعشق ما يجعل الحجرُ يلينُ:
-وحشتيني،نفسي أسمع صوتك،أشوف عيونك حتى لو هتبص لي بلوم، بس أشوفها واملي عيوني منها
سألها بنبرة لائمة كي يلينُ قلبها وتعي لما أوصلته إليه:
-طب أنا موحشتكيش،مهو مش معقول أكون بتعذب بالطريقة دي وهموت وأشوفك،وإنتِ مش فارق معاكِ وجودي في حياتك من عدمه
نطقها بصوتٍ متأثر ليتابع بصوتٍ راجي:
-إيثار إحنا لازم نتكلم، مينفعش تنهي كل اللي بينا علشان غلطة،أيوة أنا غلطت وبعترف لك ومستعد اقضي الباقي من عمري وأنا بعتذر لك،بس متبعديش عندي،إختيارك لعقابي بحرماني منك منتهى القسوة،ده الموت بالبطيء يا إيثار،علشان خاطري راجعي نفسك وإديني فرصة واحدة نتقابل ونتكلم،وأنا واثق إني هقدر أقنعك
تنفس بصوتٍ عالي يظهر كم الألم الساكن بداخله ليسترسل بوعدٍ صادق:
-أنا هعمل لك كل اللي يرضيكِ ويريحك،بس أرجعي لي،وحياة يوسف تديني فرصة تانية.
انتهى من تسجيل المقطع الصوتي وأرسلهُ وجلس يراقب ردة فعلها وبعد أن طالت المدة هب من مكانه ليتحرك إلى الحمام ويختفي خلف بابه بعدما قرر غمر جسده بالماء البارد علهُ يزيل من اشتعال روحه ولو قليلاً
بعد قليل نزل الدرج مرتديًا ثيابه بالكامل حاملاً حقيبته الجلدية استعدادًا للذهاب لعمله، تفاجأ بشقيقته تخرج من المطبخ حاملة طفلها الصغير،تنهد بثقلٍ في قلبه يرجع لوجعه مما حدث بينهما ليلة أمس،لم يكن يتخيل بيومًا من الأيام أن يحدث صدامًا بينه وبين شقيقته الوحيدة والتي يعتبرها إبنته ومدللة قلبه،تألم حين رأها تحول بنظرها بعيدًا عنه لتتحرك بطريقها متجاهلة إقترابه منها ليُسرع بخطاه حتى توقف أمامها وتعمق بمقلتيها ليجد فيهما حزنًا وألمًا وكثيرًا من الملامة، تنهد وبدون حديث قربها ليضمها إلى أحضانه ليميل مقبلاً رأسها،بادلته عناقه ليشدد هو من احتضانها وبعد عدة ثواني ابتعد ليتحسس وجنتها قائلاً بنظرة ترجو السماح:
-أنا أسف
قطبت جبينها تنظر له متعجبة وهي تقول باستغراب:
-فؤاد إنتَ كويس!
ضيق ما بين عينيه مستفهمًا دون الإفصاح عنه لتتابع مسترسلة:
-إنتَ قولت آسف يا فؤاد؟!
لتستطرد بتفخيم للكلمات:
-فؤاد علام بيتأسف!
رفع حاجبه باستنكار قبل أن يجيبها بمشاكسة لتلطيف الاجواء:
-خلاص سحبتها واعتبريني ما قولتهاش أصلاً
هتفت سريعًا بمداعبة:
-لا وعلى إيه،ده حدث تاريخي والمفروض اوثقه
تبادلا الإبتسامات وهو يتحسس وجنتها بحِنو ليرفرف قلب عصمت من فرحته حين رأت نجلاها بكل هذا الوئام لتقترب عليهما وهي تقول بابتسامة:
-صباح الخير
لم تعلق على ما حدث بالأمس وقد قررت تخطي الأمر كي لا تُشعر صغيرها بالإحراج لتسترسل بوجهٍ بشوش وهي تُشير لهما نحو غرفة الطعام:
-يلا علشان تفطروا مع بابا
اقتربت على ابنتها لتحمل حفيدها الذي يحمل اسم ابنها الغالي وتتحرك أمامهما ليغمر فؤاد شقيقته بضمة حنون ويتحركا خلف والدتهما.
أما تلك الجريحة صاحبة أسوء حظًا فقد ولجت إلى غرفتها لجلب هاتفها وحقيبة يدها للإستعداد للذهاب إلى العمل بعدما تناولت وجبة الإفطار بصحبة عزة والصغير،التقطت الهاتف ونظرت بشاشته لرؤية اخر المستجدات الخاصة بعملها ليلفت نظرها وصول رسالة صوتية،اعتقدت انها تخص العمل فشرعت لفتحها ليدق قلبها سريعًا وينتفض بمجرد استماعها لنبرة صوتهِ وعلى الفور ضغطت لإيقاف التكملة،شعرت بغصة مريرة سكنت بقلبها وكادت أن تحذف الرسالة وتحظر هذا الرقم أيضاً، لكن شيئًا بداخلها منعها ليعطي القلب أمرًا إلى العقل ليتوقف على الفور أصبع يدها الموضوع على زِر إختيار الحظر،تنفست كي تستطيع المواصلة لتفتحها من جديد وتستمع لصوته المتأثر،هزت رأسها بحيرة وجنون،لما دائماً تستشعر من صوته الصدق حتى بعد حديثه المهين وخيبة أملها به مازالت تستشف الصدق من كلماته،تأثر قلبها بنبراته الحزينة واستشفت كم الندم والألم الساكنان قلبه،أغمضت عينيها وضغطت على قبضت يدها لطرد شعوري الحنين والتأثر لتهتف بصوتٍ داخلي غاضب وناقم:
-استفيقي أيتها الغبية، امازلتي للأنَ بلهاءٌ وتنخدعين بصوت ذاك الحقير المتلاعب بقلوبِ النساء؟ ألم تتيقني بعد أنهُ بارعٌ باللعب بالكلمات والمشاعر،اتركي كل هذا الهراء خلفكِ وانطلقي للأمام، ضعي صغيركِ أمام عينيكِ فهو الوحيد الذي يستحق عنايتك واهتمامك وجُل مشاعركِ، استفيقي بالله عليكِ ولا تدعي الفرصة لتلك الأحاسيس الغبية لتتحكم بكِ،كفا ما حدث للأن فقد انقذتكِ العناية الإلهية من براثن ذاك المخادع،فلتحمدي الله ولتمضي بطريقكِ دون الإلتفات للخلف.
فتحت عينيها وبملامح تحمل الكثير من الحقد والغضب حذفت الرسالة وحظرت الرقم ملقية بإشارات ونداءات قلبها عرض الحائط،رفعت قامتها للأعلى لتأخذ نفسًا قويًا وتحركت للخارج بقلبٍ أشبهُ بميت.
وأثناء تناولهُ لوجبة الإفطار التي تناولها بفقدانٍ كامل للشهية وعدم تركيز لاحظه الجميع لكن لم يعلقوا إحترامًا لتلك الحالة الجديدة على عزيز أعينهم وخصوصًا بعدما حدث ليلة أمس،على غير عادته أخرج هاتفه من جيب سترته لينظر بشاشته بلهفة ظهرت بعينيه لتتحول لإحباطٍ وحزن كَسىَ ملامحهُ بعدما رأى حظرها للرقم ليتنهد بيأس تحت نظرات علام الذي لاحظ تغيرات نجله ليسألهُ كي يطمأن عليه:
-مالك يا فؤاد، شفت حاجة ضايقتك في التليفون؟!
انتبه لحديث والده الذي اخرجه من شروده ليهز رأسهُ سريعًا وهو يقول بنفيٍ قاطع:
-مفيش حاجة يا باشا
انتفض من مقعده ليقول بصوتٍ جاد فاقدًا للحيوية:
-أنا مضطر أمشي علشان متأخرش
تحدثت عصمت بصوتٍ حنون:
-كمل القهوة بتاعتك يا حبيبي
-هشرب غيرها في المكتب يا ماما،بعد إذنكم...جملة نطقها بصوتٍ خالي من الحياة لينسحب للخارج بخطواتٍ سريعة وكأنهُ يهرب من شيئًا يطاردهُ،نظر علام إلى زوجته يستشف منها حالة نجله لترفع له كتفيها بعدم استيعاب لما يجري لصغيرهما ويصمتا تحت حزن فريال على ما أصاب شقيقها مؤخراً
**********
عِند الغروب
كانت نوال تجلس داخل غرفتها بقلبٍ يحمل الكثير والكثير من الهموم،ولجت ألاء لتقول بنبرة مرتعبة:
-وبعدين يا ماما، هنعمل إيه في المصيبة اللي إحنا فيها دي؟
دقت على فخديها لتهتف نادبة:
-مش عارفة،حاسة إني متكتفة ومش عارفة أعمل إيه
نطقت الفتاة بترقب:
-المفروض كنا قولنا لبابا علشان يتصرف
هتفت بصوتٍ منهار:
-هقول له إيه، إبنك سرق دهب اخته وسافر بيه ومش عارفين إذا كان وصل ولا بعد الشر حصل له حاجة؟!
لتستطرد وهي تتلفت حولها بعينين زائغتين:
-ولو سألني بنتك جابت الدهب منين أرد عليه وأقول له إيه؟
صرخت بالكلمة الاخيرة ليباغتها ولوچ زوجها الذي عاد من أرضه ليأخذ مالاً لشراء بعض السماد اللازم لتسميد الأرض فاستمع لحديثهما ليهتف متسائلاً بقوة:
-دهب إيه اللي بتتكلمي عنه يا وليه؟
وابنك فين؟ نطقها بصراخ لتبتلع المرأة لعابها برعبٍ من هيأة زوجها وبعد إلحاحٍ وضغطًا من الأب اعترفت الفتاة لأبيها بكل ما حدث،مازال تحت تأثير الصدمة ليخرجه منها تلك الخبطات التي صدحت على الباب ليهرول الرجل وخلفه زوجته وابنته ليفتح الباب ويتفاجأ برجلاً يرتدي زيًا خاص برجال الشرطة ليسأله بنبرة جادة:
-ده بيت علاء محمد أبو سريع
رد الرجل بارتياب وقلبًا يرتجف خوفًا من القادم:
-أيوا يا باشا أنا أبوه
هز الرجل رأسه ليخبرهُ بهدوء:
-الظابط عايزك في القسم
ليه، خير يا باشا...نطقها بتوجس لتصيح المرأة متسائلة بنبرة مرتعبة وقلبٍ يشعر بما أصاب نجلها:
-إبني جراله إيه يا بيه،طمني وحياة حبيبك النبي
تنهد الرجل لينطق بيأسٍ:
-البقية في حياتك يا حاجة،إبنك غرق هو وكل اللي كانوا معاه في المركب اللي كانت مهاجرة لـ إيطاليا
صرخة مدوية هزت أركان المنزل بأكمله ليهتز جسد الرجل ويرجع للخلف مستندًا على الجدار لكي لا يسقط أرضًا من هول مصيبته الكبرى
هتفت الفتاة وهي تسأل الشُرطي كـ غريقًا يتعلق بقشة كي يبقى على قيد الحياة:
-إنتَ متأكد إن علاء أخويا غرق، مش يمكن يكون لسة عايش؟!
البلاغ جالنا من السلطات الإيطالية باسماء الجثث اللي طلعها خفر السواحل، وجثة اخوكِ كانت من ضمن الجثث
تعالت الصرخات وحضر الجيران لتشارك النسوة بالصراخ، ذاع الخبر المشؤوم بين الناس لينتشر بأرجاء البلدة بأكملها حتى وصل إلى نسرين،ذهب الأب وتأكد من وفاة نجله عن طريق الصور التي بُعثت للشرطة عن طريق إيطاليا لتأكيد الأهالي من جثث زويهم، أخبر الضابط الاهالي ان الأمر سيستغرق بضعة أيام لوصول الجثامين،كان المنزل يأج بالنساء اللواتي ارتدين ثيابهن السوداء وحضرن لتقديم واجب العزاء،وصلت نسرين بصحبة والدة زوجها ونوارة بعدما علمت بالنكبة التي حلت بعائلتها لتصرخ وهي تقترب على والدتها وتحتضنها لتصيح الاخرة بعدما دفعتها لتسقط بعيدًا منبطحة على الارض لتقول وهي تنظر إليها بكرهٍ وحقد:
-إطلعي برة بيتي يا ملعونة،إنتِ السبب في اللي جرا لإبني، لولا دهبك الملعون مكنش راح للموت برجليه،إنتِ اللي قتلتي ابني
اتسعت عينيها بذهول من حديث والدتها وهجومها الغير مبرر والتي لا تعلم مصدرهُ،اقتربت منيرة لتساند زوجة نجلها حتى تنهض بمساعدة مجموعة من النساء التي تسائلت إحداهُن بفضولٍ قاتل:
-دهب إيه اللي امك بتتكلم عليه يا نسرين؟
تبرعت اخرى بالإجابة لتبرير ما حدث من وجهة نظرها:
-الولية شكلها فقدت عقلها من اللي حصل،الله يكون في عونها،ضهرها بقى عريـ.ـان هي وجوزها وبناتها الإتنين بعد ما الواد اللي حيلتهم راح في غمضة عين
جحظت عيني نسرين بعدما استوعبت لكلمات والدتها لتقترب عليها وتمسكها من ذراعيها كالتي فقدت عقلها وتهزها بعنفٍ وهي تقول صارخة بعدم استيعاب:
-إنتِ بتقولي إيه يا ماما، بتقولي إيــه؟!
جذبت ألاء قبضتها من فوق ذراعي والدتها وهي تبعدها ناهرة بذات مغزى:
-اللي سمعتيه ووصل لك، وكفيانا فضايح بقى، كفاية اللي حصل، أخوكِ راح خلاص،كله راح يا نسرين، كله راح
لطمت خديها وباتت تطلق صرخاتًا هزت صداها أرجاء البلدة بأكملها،لا تدري ما إذا كانت صرخاتها المدوية تلك تطلقها لأجل مصابها الجلل«وفاة شقيقها الوحيد»إما أنها حزنًا وقهرًا على أموالها التي حصلت عليها من سمية عنوةً عنها مقابل مساعدتها في تدمير زواج إيثار وحصول الاخرى عليه كـ زوجًا لها،والان فقدت كل شيء بلمح البصر
هبت المرأة بعدما لاحظت صرخات ابنتها الطامعة وتيقنت بأنها تنعي مالها وتندب حظها وليس أخاها لتمسكها من ذراعها وتسحبها باتجاه الخارج تحت صيحات وتدخلات النساء اللواتي حاولن تخليص الفتاة من قبضة والدتها ولكن هيهات،ظلت تجرها حتى وصلت بها إلى البوابة لتُلقي بها خارج المنزل وهي تقول صارخة:
- إطلعي برة وإياكِ تخطي برجلك هنا تاني، البيت ده بقى محرم عليكِ
وبشهد كل الناس اللي موجودة،إن موت قبلك غُسلي وجنازتي محرمين عليكِ
-وحدي الله يا أم علاء وإعقلي...نطقتها منيرة لتهب المرأة وهي تغلق الباب بوجه كلتاهما:
-غوري يا ولية إنتِ كمان وخدي مرات إبنك من هنا، مشوفناش من وراكم خير
قالت كلماتها لتقذف الباب بوجهيهما،حولت الفتاة بصرها إلى والدها الجالس فوق المقاعد يتلقى واجب العزاء لنجدتها لكنها تفاجأت به يرمقها باشمئزاز وكُرهٍ فعلمت أن والدتها أخبرته بقصة الذهب فقررت الإنسحاب للحفاظ على ما تبقى من كرامتها التي بعثرت أمام سُكان البلدة بأكملها،استغرب عزيز المجاور لوالد زوجته ما حدث للتو لكنه قرر التغاضي للوقوف بجانب الرجل في هذا الظرف السئ، سندتها منيرة ونوارة التي خرجت خلفهما لتذهب بصحبتيهما، هتفت منيرة متسائلة بتشكيك لما حدث:
-هو فيه إيه بينك وبين امك يا نسرين، الولية زي اللي صابها الجنان أول ما شافتك قدامها؟!
ابتلعت لعابها لتجيب بنحيبٍ ودموع لم تنقطع حزنًا على شقيقها واموالها معاً فقد تلقت ضربة مزدوجة مميتة:
-واحدة إبنها الوحيد مات غرقان وحتى جثته لسة مدفنتهاش، عوزاها تجيب العقل منين؟!
ضيقت بين عينيها بتشكيك لروايتها:
-واشمعنا إنتِ اللي عملت معاكِ كده؟!
لتتابع بتبرير متعجب:
-ما اختك قاعدة جنبيها وساندين على بعض الإتنين
صرخت بعدما فقدت القدرة على التحمل من كثرة الضغط عليها من تلك المرأة فاقدة الحِس:
-هو أنتِ بتحققي معايا ولا إيه، ماتسبيني في حالي، مش كفاية المصيبة اللي حطت على دماغي
نطقت نوارة بعدما شاهدت إنهيار تلك الـ نسرين لتقول برجاء:
-خلاص يا مرات عمي،سبيها في اللي هي فيه
لوت فاهها واسنداها طوال الطريق حتى وصلا للمنزل لتهرول نسرين إلى مسكنها وتبدأ في الصراخ والعويل نادبة لحظها العسر بعد أن خسرت كل شئ.
ليلاً
ولج عزيز إلى مسكنه وجدها مسطحة فوق تختها تبكي وتنتحب بانهيارٍ تام، جلس بجوارها وتحدث بعدما ربت على ظهرها:
-البقية في حياتك يا نسربن، الله يرحمه
لم تجيبه بل ظلت على وضعها وصوت شهقاتها ارتفع ليسألها متعجبًا لما رأى دون مراعاة حالتها النفسية:
-هي خالتي نوال رمتك برة البيت ليه يا نسرين؟!
التفت اليه لتهب جالسة وهي ترمقه بغضب:
-هو فيه إيه النهاردة، محدش عنده دم ليه،الكل بيسأل عن اللي حصل من أمي ومحدش واخد باله إن أخويا الوحيد مات؟
-هو حد قالك حاجة يا بنت الناس علشان تصرخي كده، ماأنا أول مادخلت قولت لك البقية في حياتك...نطقها بحدة ليسترسل موضحًا بتعجب:
-وبعدين سألتك علشان بصراحة اللي حصل من امك غريب وملوش تفسير
لاحت بمخيلتها كذبة لتقول لتنأى بحالها من أسألتهم التي ارهقت عقلها وزادت من سوء حالتها النفسية:
-كنت متخانقة أنا وعلاء قبل ما يمشي بيوم، إرتحت يا عزيز؟!
تطلع عليها بضيق ليهز رأسه بلامبالاة وتمدد بجوارها ليغفو بعد قضاء يومٍ شاق بالنسبة للجميع
*********
عصر اليوم التالي
كانت تجلس بصحبة نجلها تراجع معه دروسه بتمعن واهتمام، استمعت لصوت رنين هاتفها فـ ردت حين وجدته رقم نوارة:
-إزيك يا نوارة
ردت تلك الخلوقة بصوتٍ هادئ:
-الله يسلمك يا إيثار، عاملة إيه يا حبيبتي ويوسف عامل إيه؟
-إحنا بخير الحمدلله، طمنيني على بابا...قالتها باهتمام وترقب لترد الاخرى:
-الحمدلله كويس
أخذت نفسًا لتسألها باطمئنان:
-الفلوس اللي بعتها لك على الكاش وصلتك؟
-آه يا اختي كتر خيرك،صرفتهم ورحت اشتريت بيهم الكوتشات للعيال... نطقت كلماتها بعرفان لتلك الحنون التي تبعث لها بين الحين والاخر بعض الاموال كي تساعدها على شراء بعض مستلزمات الصغار سرًا بدون علم أحد حتى وجدي بذاته وكان هذا شرط إيثار، لتسترسل نوارة:
-أنا متصلة بيكِ علشان اقول لك إن علاء أخو نسرين تعيشي إنتِ
اتسعت عيني إيثار لتقول بصوتٍ متأثر:
-لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، إتوفى إمتى وإزاي؟
قصت لها ما حدث تحت حزن إيثار على خسارة الشاب لعمره لتتابع الاخرى بتوضيح:
-أنا قولت أبلغك علشان تكلميها وتعملي الواجب
تنهدت بهدوء لتقول بعقلانية:
-خليني بعيد عن نسرين أحسن يا نوارة، أنا مشفتش منها قليل واللي عملته فيا كتير، كفاية إنها طول الوقت بتحرض ماما وعزيز عليا
واسترسلت بتخوف:
-وبعدين دي بني أدمة مريضة، مش بعيد تفتكر إني مكلماها علشان اشمت فيها،وتسمعني كلمتين ملهومش لازمة
لتستطرد بحزم:
-ربنا يصبرها ويرحم اخوها،بس هي وعزيز البُعد عنهم غنيمة، وانا مش عاوزة اتواصل معاهم لأي سبب
-اللي يريحك إعمليه يا إيثار،أنا قولت اقول لك وإنتِ أدرى بمصلحتك... قالت كلماتها لتسترسل بإبانة ما حدث:
-على العموم أهو ربنا خد لك حقك منها،وزي ما حرضت أمك عليكِ ربنا سلط أمها طردتها وبهدلتها من قلب العزا بتاع أخوها
ضيقت بين عينيها لتسألها باستغراب:
-مش فاهمة، وأمها تطردها ليه؟
أجابتها:
-ولا حد يعرف حاجة، الولية زي ما تكون اتجننت،فضلت تزق فيها لحد ما رمتها برة البيت واللي طالع عليها إنت ودهبك الملعون السبب في موت ابني
بلامبالاة أجابتها الأخرى:
-ربنا يسهل لها بعيد عني، خدي بالك من الولاد ولو احتجتي أي حاجة أو بابا ناقصة أي حاجة رني عليا وأنا هبعت لك على طول
شكرتها بعرفانٍ لتنهي المكالمة وتعود إيثار لمتابعة المذاكرة للصغير
**********
بعد مرور يومان
يفترش عزيز وشقيقاه النجيل داخل أرض والدهم وهم يعدون مشروب الشاي على تلك النار الشاعلة من بعض قطع أخشاب الاشجار،نطق عزيز موجهًا حديثه إلى أيهم:
-بقول لك إيه يا أيهم، ماتتصل باختك وتحاول معاها تاني في موضوع عمرو، ولا عاجبك وقف الحال اللي إحنا فيه ده؟
رد وجدي سريعًا بتذكير:
-وبعدين معاك يا عزيز، إنتَ نسيت كلام أبوك وتهديده للي هيقرب من إيثار؟
أجابه موضحًا مغزى حديثه:
-يا ابني إفهم الكلام، هو أنا بقول له روح هاتها متكتفة ولا غصب عنها؟
ليسترسل بإبانة وهو يرفع الوعاء من فوق النار ليبدأ بسكب الشاي داخل الاكواب:
-هو ليه كلام معاها وهي بتسمع له،هيتفاهم معاها بالراحة وهيقول لها كلمتين عن حالنا وحال عيالنا اللي يحزن يحنن بيهم قلبها علينا
-ريح نفسك يا عزيز، إيثار من بعد أخر مرة كلمتها فيها وهي مش طيقاني وحطتني في اللستة جنبكم...نطق كلماته بحزن سكن عينيه ليسترسل لائمًا على شقيقه:
-وبعدين مالها ظروفنا يا عزيز، ما احنا الحمدلله زي الفل اهو، أنا ووجدي موظفين وانا لقيت شغلانة تانية بالليل والحمدلله المرتبين ممشيين الحال، وادينا سيبنالك نتاج الأرض كله ليك ولعيالك، عاوز إيه بقى
ارتشف من كوبه لينظر لشقيقه بعدم رضا وهو يقول ناقمًا على حاله:
-نتاج أرض إيه يا حسرة اللي بتتكلم عليه يا سي ايهم، هي الملاليم دي بتعتبرها فلوس
ليستكمل بنبرة ساخطة:
-مش شايف العز اللي ولاد نصر غرقانين فيه، وكل مادا فلوسهم بتكتر وتزيد وإحنا يزيد فقرنا
قال وجدي برضا بعدما فقد الأمل في العودة للعمل مع نصر بعد قرار والدهُ الحاسم:
-الحمدلله على اللي إحنا فيه يا عزيز،بص لغيرك اللي مش لاقي الرغيف الحاف واحمد ربنا
هتف بسخطٍ ومعارضة:
-وليه تبص للي مش لاقي، متبص للي بيلعب بالفلوس لعب
نطق أيهم بنبرة حادة لغلق هذا الموضوع:
-بص للي إنتَ عاوز تبص له يا عزيز بس إبعدني عن موضوع إيثار، أنا مش عاوز اغضب أبويا ولا محتاج حاجة من ورا نصر وعياله أصلاً
نطقها تحت غضب عزيز وحدة ملامحهُ
**********
كانت تغفو بغرفتها بجسدٍ منهك وعلى حين غرة شعرت بشيئًا ثقيل جثى فوقها لتفتح عينيها ببطئٍ لتجده صغيرها الذي صاح بنبرة حماسية:
-يلا يا مامي علشان نروح نشتري حلاوة المولد، وعاوز كمان حصان
حاضر يا حبيبي...نطقتها بهدوء لتقوم وتبدل ثيابها وتذهب بصحبة الصغير
ولج لداخل الكافية المرفق بمحل الحلوى الشهير بالعاصمة بصحبة صديقه المستشار شريف ليتناولا قطعتان من الحلوى مع احتسائهما لكوبين من القهوة الساخنة، جلسا وبدأ باحتساء قهوته مع مناقشتهما لقضية تشغل الرأي العام،وأثناء تطلعه للشارع من خلال جدران المحل الزجاجية توسع بؤبؤ عينيه وانتفض قلبه بداخل صدره معلنًا عن عصيانه وهو يرى من سلبته راحة باله برحيلها وهي تترجل من سيارتها ممسكة بكف طفلٍ صغير توقع أنه نجلها،كاد قلبهُ أن ينخلع من مكانه ليسبقهُ مهرولاً عليها وبدون سابق إنذار
انتفض من مقعده ليسأله شريف متعجبًا:
-على فين يا فؤاد باشا؟!
هروح أختار علبة حلاوة وأحجزها علشان اخدها معايا وأنا مروح...هكذا أجابه ليومي له الاخر
ساقته قدميه إلى ان وصل امامها،نظر لها بعينين تفيضُ اشتياقً وولهًا وتألمًا،فقد أصبح في ابتعادها كسفينة بلا شراع تتوه في ظلمات البحر ولا تجد لها مرسى،كانت تقف أمام الفترينات المعروض بداخلها الحلوى لتنتقي من بينها القطع المحببة لديهم،انتبهت حاسة الشم لديها على رائحة عطره المميز لتلتفت سريعًا باحثة بعينيها عنه كما العطشانِ للإرتواء ليهتز جسدها وينتفض قلبها حين رأتهُ يقف بجانبها يشملها بنظراته الولهة لتبتلع ريقها خجلاً بعد رؤيتهُ لها بتلك الحالة،اخرج صوتهُ المهزوز وهو يقول بنبرة أقرب للهمس:
-إزيك
تحمحمت لتجلي صوتها كي لا يخرج متأثرًا بالمفاجأة لتقول بهدوء:
-الحمدلله
نزل ببصره للأسفل ليتطلع على الفتى المُتشبث بكفها ليسألها بتأثر:
-ده إبنك؟
هزت رأسها بإيجاب لينحني لمستوى الصغير وهو يقول بابتسامة بشوشة وصوتٍ حنون:
-إزيك يا يوسف
-الحمدلله... قالها ببرائة ليسأله فؤاد بمداعبة بعدما انتوى التقرب منه:
-إنتَ مش عارف أنا مين؟
نفى الصغير بهزة من رأسه ليسترسل بعد أن قرر مشاكسته:
-أنا شرشبيل
توسع بؤبؤ عيني الصغير وفرغ فاهه ليبتسم الأخر على تعبيرات وجهه الملائكي ويكمل مسترسلاً:
-شرشبيل اللي كلمت مامي الساعة ثمانية، مش فاكرني؟
رفع الصغير رأسه لأعلى ليستعين بها وجدها مبتسمة بخفوت ليعود الصغير ببصره إليه مجددًا وهو يقول نافيًا:
-شرشبيل إزاي وإنتَ عندك شعر حلو كده؟!
انطلقت ضحكة عالية من فؤاد تعجبت لها وهي تتطلع على وجهه لتراه كحديقة مزدهرة بربيعها نظر لها وتحدث بدعابة:
-ده مش شعري،أنا إستلفته من سنفور علشان اقابلك بيه
قال كلماته ولثم الصغير من وجنته ليهب واقفً وهو يقول بإصرارٍ:
-إحنا لازم نتكلم على فكرة
بوجهٍ مقتطب أجابته بصرامة بعدما تحكمت بمشاعرها:
-مبقاش ينفع يا سيادة المستشار،الكلام مبقاش ليه لازمة خلاص
-إقعدي معايا وخليني أشرح لك وجهة نظري وبعدها قرري...قالها بترجي لترد باقتطاب:
-بيتهيء لي إنك قولت اللي عندك وأنا جاوبت بطريقتي
-وانا غيرت كلامي...نطقها بايحاء لطلبه للزواج منها رسميًا لترد بقوة:
-وأنا كمان غيرت كلامي
قطب جبينه بعدم فهم مقصدها وأشار للعامل قائلاً وهو يسلمه الصغير ليتحدثا بأريحية بعيدًا عنه:
-خد يوسف قعده على تربيزة وهات له أيس كريم
نظر الصغير يستشف موافقة والدته من عدمها لتومي له بعينيها فتحرك بصحبة العامل، عاود النظر لها لتسترسل ما بدأته بإبانة:
-موضوع الإرتباط أنا قفلته وللابد،أنا أصلاً كنت قفلاه ورافضة أي مبادرات لفتحه
لتسترسل بخيبة أمل وحُزن ظهرا بعينيها:
-والحمدلله،إنتَ اثبت لي إني كنت صح في قراري،وإني كنت غبية لما حبيت ادي لقلبي فرصة تانية،بس كويس اللي حصل علشان افهم اكتر،وكأن الدنيا بتقولي إفهمي يا غبيه،ملكيش نايب ولا نصيب في الحتة دي ومتحاوليش تقحمي نفسك وتخطفي حق مش مكتوب لك
تنفس بألم ليقول بذات مغزى:
-مينفعش تحكمي على حد من غير ماتفهمي ظروفه
-ميلزمنيش أعرف ظروف حد، أنا واحدة بحارب ضد التيار، الدنيا كلها معنداني ومعنديش إستعداد أشيل هموم غيري،كفاية عليا قوي اللي أنا فيه...نطقت كلامها باستسلام لتتابع بمغزى:
-أنا عندي مشاكل كتير قوي مع عيلة إبني وحتى أهلي نفسهم عندي معاهم مشاكل
-هقف معاكِ وفي ظهرك وهكون سندك قدام أي حد يتعرض لك...نطقها بصدقٍ وقوة لترد بثبات واصرار كي تثبت له أنها اتخذت قرارها وقضي الأمر:
-ربنا معايا وده كفاية قوي،طول عمري وانا سند لنفسي ولإبني وربنا بيقويني،يعني مش محتاجة لسند
قالتها لغلق الموضوع ليهمس بقلبٍ يتألم وعينين تترجى لأجل إحياء قلبيهما:
-بس إنتِ كده بتحكمي على قلوبنا بالإعدام
-عارف...نطقتها بتأثر ليتمعن بعينيها مترقبًا لحديثها بلهفة كما المسمومِ للترياق لتتابع بلمعة لغشاوة دموعٍ بعينيها:
-على قد ما كلامك وجعني وكسرني،على قد ما حمدت ربنا إنه حصل، لأنه نبهني وخلاني أفوق لنفسي واكتفي بإبني
لتنظر للصغير بعينين تفيضُ حنانًا:
-يوسف بالنسبة لي الدنيا وما فيها وأنا مش مستعدة اخسره قدام أي مكسب،حتى لو هدوس على قلبي اللي كده كده اتحكم عليه بالإعدام من يوم طلاقي من عمرو
برغم تأثره الشديد لكلماتها وكم الألم الساكن بعينيها إلا انهُ شعر بنارًا مستعرة تغزو جميع شرايينهُ لتسري بها، ضغط على أسنانه وهو يقول دون وعيٍ منه:
-أظن إني قولت لك قبل كده إني مبحبش الست بتاعتي تنطق باسم راجل غيري
ابتسامة ساخرة ارتسمت فوق جانب شفتها لتنطق بما أحزنه:
-على فكرة يا سيادة المستشار،إنتِ وعمرو متختلفوش عن بعض كتير، إنتوا الإتنين دخلتوا لي عن طريق الكلام المعسول وأسر مشاعري، وبعدها دبحـ.ـتوني بس كل واحد إتفنن بدبـ.ـحي على طريقته الخاصة
اتسعت عينيه بذهولٍ ليسألها لائمًا:
-إنتِ بتشبهيني بالحقير اللي خانك يا إيثار؟!
اجابته بقوة ممزوجة بألم:
-ما أنتَ كمان خونت ثقتي الكبيرة اللي حطيتها فيك، خونت وعودك بأنك هتكون لي الأمن والأمان ومشفتش منك غير خيبة الأمل والحسرة،وعدتني بالجنة وملقتش معاك غير جهنم اللي رمتني اتشوي فيها بعد عرضك المُهين
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بألم:
-إنسى وحاول ترجع لحياتك قبل ما تشوفني،وأخرج برة وهم إنك حبيتني لانك محبتنيش
سألها متعجبٕا بتأثُر:
-أنا محبتكيش، أمال اللي أنا فيه من بُعدك ده تسميه إيه؟!
بلامبالاة أجابته:
-سميه تعود، زعل على حاجة كان نفسك فيها وأقلمت حياتك إنك هتملكها قريب وما طولتهاش، لكن حب؟ مظنش، لأن اللي بيحب بيحافظ على كرامة اللي بيحبه وعمره ما يقبل بجرحه
هم بالرد لكن قاطعه اقتراب أحدهم الذي تحدث بكثيرًا من الود إلى إيثار وهو ينظر لها باشتياق:
-إيثار، إزيك
التفت لاستكشاف صاحب الصوت لتبتسم بإشراقة أنارت وجهها وأشعلت قلب ذاك المحب الغيور، لتقول بصوتٍ مهذب:
-إيه المفاجاة الحلوة دي،إزيك يا وليد
إنه وليد حسين حبيب لارا أيمن والتي تعرفت عليه من خلال لارا حيث حددت موعدًا قبل السابق لثقتها برأي إيثار ورأته بعدها عدة مرات بحفلات أعياد ميلاد بمنزل أيمن،ابتسم لها ليسألها باهتمام:
-بتعملي إيه هنا؟
اشارت على يوسف الجالس يتناول المثلجات باستمتاع وهي تقول:
-جاية مع يوسف نشتري حلاوة المولد
التفت للصغير ليتحدث باشتياق:
-المجرم، ده واحشني جدًا، هروح أسلم عليه وارجع لك
ليتابع باهتمام شديد دون ملاحظة وجود فؤاد:
-لازم نتكلم في الموضوع إياه
-أوكِ، مستنياك...نطقتها بهدوء لينسحب وليد تاركًا ذاك الذي يحترق ليضع يداه داخل جيبي بنطاله ويسألها بنظراتٍ حارقة:
-مين الباشا؟!
ليستطرد بعينين تطلق سهامًا نارية:
-وموضوع إيه ده إن شاء الله اللي عاوزك فيه؟!
قطبت جبينها متعجبة حدته،لقد تخطى حدوده فقررت ان تجيبه بما أحرق قلبه وزاد من اشتعاله:
-وحضرتك بتسأل بصفتك إيه؟!
احتدت ملامحه لينطق من بين اسنانه:
-إيثاااار، ردي عليا وبلاش تجننيني
رمقته بحدة لتجيبه بذات مغزى:
-ياريت يا سيادة المستشار متتخطاش الحدود اللي بينا، وياريت كمان دي تكون أخر مرة تقحم نفسك في حياتي أو إني أشوفك أصلاً
-أصلاً...نطقها معقبًا بحاجب مرفوع لتتجاهل غضبه وتتركه دون استئذان وهي تتحرك باتجاه نجلها و وليد تاركة إياه يغلى من شدة غضبه وغيرته، اثناء حديثها مع وليد وجدته يذهب إلى الكاشير فعلمت أنه قرر أن يدفع عنها فاتورة مشترواتها فاستأذنت من وليد لتصطحب الصغير من كف يده إلى أن وصلت سريعًا لتتحدث بحزمٍ للكاشير:
-حسابي كام لو سمحت
-الأستاذ دفع الحساب خلاص...نطقها الموظف ليحتد صوتها وهي تنطق بقوة:
-والاستاذ ولا غيره يحاسب لي ليه؟
لتستطرد بقوة:
-أنا اللي طلبت منك الأوردر وأنا اللي هحاسب عليه
تحمحم ليقول بإحراج:
-خلاص يا إيثار محصلش حاجة، دي هدية بسيطة مني ليوسف
رمقته بقوة ترجع لحساسيتها بأمر المال لتهتف بحزمٍ شديد:
-يوسف مبياخدش هدايا من حد، والحمدلله معانا اللي يكفينا ويعيشنا مستورين وميخلناش محتاجين حاجة من أي حد.
حولت بصرها لموظف الكاشير لتقول بنبرة جادة:
-الحساب وإلا هسيب لك الحاجة وهمشي
نظر الرجل إلى فؤاد ليومي له ليرد له المال من جديد ويتسلم منها ثمن عُلبة الحلوى وحتى حلوى الصغير المثلجة الذي تناولها
نزل لمستوى الصغير وغمره ثم ابتعد عنه ليقول بابتسامة صافية:
-أنا مبسوط قوي إن أنا شفتك واتعرفت عليك
-بس أنا مش مصدق إنك شرشبيل،هو مش شبهك أصلاً...نطقها الصغير بتشتت ذهني ليبتسم له ومرر كفه فوق وجنته بحنو وهو يقول:
-إنتَ جميل قوي وذكي وانا حبيتك
رفع بصره إلى تلك المتطلعة عليهما تتابع بتأثر لييسترسل بذات مغزى:
-قول لمامي ياريت تمشي ورا إحساسك وسيبي نفسك لقلبك، قولها إنها هتكون في إيد أمينة هي وچو
-يلا يا يوسف... نطقتها بتأثر ليقف فاردًا ظهره ليقابلها ويتمعن بالنظر داخل مقلتيها وهو يقول بنبرة صادقة:
-مش هيأس وهستناكِ لحد ما تهدي علشان نقعد ونتكلم
-يبقى هتقضي باقية عمرك كله مستني يا جناب المستشار...نطقتها بحزم ليجيبها بنظرة تحمل الكثير من الغرام:
-ولو لأخر يوم في عمري بردوا هستناكِ
ابتلعت لعابها وقبل أن تتأثر بشعاع عينيه الساحرة جذبت صغيرها بعدما تسلمت العُلبة لتنسحب إلى الخارج ليتابع ذهابها حتى استقلت سيارتها وانطلقت،حول بصره سريعًا لذاك الوليد وأخرج هاتفه ودون ملاحظة أحد أخذ له صورة عن طريق الهاتف ليبعثها لأحد رجاله ليقوم بالتحري عنه لمعرفة شخصه، وبعد عدة ساعات كان لدية تقرير وافي عنه ليرتاح قلبه بعدما علم بعلاقته الجادة بإبنة أيمن الاباصيري.
**********
بعد مرور حوالي إسبوعين
كانت داخل إجتماع منعقد بين أيمن وفريق العمل ورجل أعمال أخر لإبرام إحدى الصفقات، استمعت لصوت هاتفها فنظرت لتجد شقيقها أيهم ضغطت لتجعل الهاتف صامتًا لكنها تعجبت على إسراره ومازاد من تعجبها إتصال عزة بعد عدة محاولات من ايهم،انتظرت حتى انتهى الإجتماع بعد نصف ساعة لتهرول لمكتبها وتعاود الإتصال بشقيقها الذي هتف سريعًا بصوتٍ متأثر:
-إنتِ فين يا إيثار، عمال ارن عليكِ بقالي ساعة
ارتعب داخلها لتسألهُ بارتياب:
-فيه إيه يا ايهم؟
-بابا تعبان قوي وطالب يشوفك... نطقها الشاب بصوتٍ حزين لتنطق بقوة وصوتٍ حاد:
-قول لعزيز يلعب غيرها وإتقوا الله بقى وسبوني في حالي
بنبرة اشبه بباكية اخبرها الشاب:
-أبوكِ بيموت يا إيثار،أنا بكلمك من مستشفى المركز والدكتور كلامه ميطمنش
هتفت بصوتٍ يرتجف من شدة تخوفها:
-إنتَ بتقول إيه، بلاش كذب بقى
بصوتٍ متأثر نطق بقسمٍ:
-والله العظيم ما بكذب عليكِ،هو بيعمل إشعة جوة ومعاه وجدي، وأول ما يخرج هخليه يكلمك علشان تصدقي
نزلت كلماته عليها لتزلزل كيانها بالكامل،لم تدري بحالها إلا وهي تُغلق الهاتف وتُلملم أشيائها لتهرول على مكتب أيمن وتخبره بما حدث فقال لها مطمأنًا إياها:
-روحي إطمني عليه وابعتي لي عنوان المستشفى اللي هو فيها،وانا هخلي أحمد يبعت لك عربية إسعاف مجهزة تنقله للمستشفى عندنا
شكرته بعرفان وانطلقت بسرعة البرق لتستقل سيارتها متجهة للمركز للحاق بوالدها العزيز والإطمئنان على صحته.
ترى هل حقًا غانم مريض أم أنها لُعبة جديدة من ألاعيب عزيز وستقع إيثار داخل مصيدة نصر المتربص بها ليقدمها كربانًا إلى زوجته المتجبرة لتنفذ إنتقامها منها؟