اخر الروايات

رواية انا لها شمس الفصل التاسع عشر 19 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس الفصل التاسع عشر 19 بقلم روز امين



كانت تقود سيارتها بسرعة فائقة وكأنها تُسارع الزمن لتصل إلى عزيز عينيها قبل فوات الاوان، لم تنقطع دموعها منذ أن انطلقت بسيارتها وللأن،فكرة أن والدها من المحتمل أن يفارقها تُدمي قلبها وتجعل داخلها ينتفضُ رُعبًا،هل سيرحل ذاك الحبيب ويتركها تواجه عالمها المستوحش بلا سند،نعم لم يكن لها بالسند القوي طوال الوقت لكن طالما ظهرت قوته بالوقت المناسب،فكلما تكالب عليها الذئاب واظهروا مخالبهم إستعدادًا لنهشها لينال منها الإحباط تحت كثرة عددهم وعندما تشارف على لفظ أنفاسها الاخيرة يظهر هو لينقذها من براثن أعدائها وينأى بها بعيدًا عن خُبثهم،وصلت في وقتٍ قياسي لشدة سرعتها، صفت السيارة أمام المشفى وترجلت تهرول للداخل حتى وصلت للإستقبال ومنه إلى المكان المتواجد به أبيها حسبما وصف لها موظف الإستقبال،خطت خطوتان لتفاجيء بوجود عزيز وأيهم ينتظران خارج غرفة الكشف،أخذت نفسًا عميقًا لتمُد حالها بالصبر لتحمل اسلوب شقيقها المستفز قبل أن تتحرك وتخرج صوتها المرتعب وهي تسأل شقيقها: 
-بابا فين يا أيهم؟ 

التفت كلاهما باتجاه الصوت ليهب أيهم مهرولًا نحو شقيقته ليمسك كفها وهو يقول بحزنٍ تجلى بصوتهِ وظهر داخل عينيه: 
-مع الدكتور جوة ومعاه ماما و وجدي

كان صدرها يعلو ويهبط بقوة وأنفاسها تتعالى لشدة خوفها الممتزج بهرولتها إلى أن وصلت،وقبل أن تسألهُ عن حالة والدها باغتها مقاطعًا ذاك الجالس يترقب طلتها: 
-طب إرمي السلام على اللي قاعدين،ده حتى السلام لله
طالعته بملامح جادة لتقول بنبرة هادئة: 
-إزيك يا عزيز

-الحمدلله يا بنت أبويا...نطقها ليقف منتصب الظهر وتحرك حتى وقف قبالتها يطالعها بحنانٍ تعجبت له والادهى من ذلك صوتهُ الهادئ الذي نطق به وهو يحاول طمأنتها: 
-متخافيش أبوك شديد هيقوم منها وهيبقى زي الفل

تعجبت تغييره الكُلي في معاملتها لكنها تغاضت عن الأمر ورجحت تصرفه إلى ارتباكه وحزنه على والديهما فتحدثت إليه بنبرة متأثرة:
-أنا عاوزة أشوفه،وعاوزة اتكلم مع الدكتور

لأول مرة بسنوات عمرها يقترب منها ويجذبها لداخل أحـ.ـضانه ليهمس بهدوء وهو يربط على ظهرها بحنِو: 
-قولت لك متخافيش، ابوكِ عفي وهيقوم منها بالسلامة 

تسمر جـ.ـسدها وتشتت تفكيرها وللحظة باتت تتسائل،من هذا بحق الله؟! 
أهذا هو عزيز بعينه! ذاك القاسي من تذوقت على يديه جميع أنواع الذُل والمهانة؟! 
فاقت من شرودها على صوت باب غرفة الكشف الذي فُتح لتبتعد سريعًا عن حضـ.ـن شقيقها المُزيف والتي لم تشعر به، التفت لتجد شقيقها ووالدتها تسندان غاليها،صاحت باسمه وهي تهرول إليه كطفلة لم تتعدى الأربعة أعوام،انشرح صدره وتهلل وجهه لرؤية صغيرته التي ارتمت بأحضانه وهي تقول بصوتٍ مختنق بالعبرات رُغمًا عنها: 
-سلامتك يا بابا،ألف سلامة

ابتعدت كي لا تُرهقه وما أن تطلعت عليه بتمعن حتى انخلع قلبها رُعبًا عليه،فقد شحب وجههُ كثيرًا وسكن عينيه المرض حيث أصبح بياض عينيه أصفرًا أما جسدهُ فقد نحل وفقد كثيرًا من وزنه،اختنقت بالعبرات وما شعرت إلا بدموعها تنسدل فوق وجنتيها بعد أن رأت حالته المزرية،تحدث بصوتٍ متقطع نتيجة مرضه: 
-كويس إنك جيتي يا بنتي علشان أشوفك قبل ما ربنا ياخد أمانته

أردفت سريعًا وهي تنفي برأسها بينما تتناثر دمعاتها المتألمة وهي تحاول زرع الأمل في نفس غاليها: 
-متقوليش كده يا بابا، إنتَ هتتعالج وهتبقى كويس إن شاء الله 
رمقتها منيرة بنظراتٍ حادة لتقول ناهرة: 
-إوعي من طريقه خلينا نقعده علشان يرتاح

ابتعدت لتفسح له المجال ليجلس بعد عدة خطوات ساندًا ظهره للخلف مغمض العينين،نظرات باردة تبادلتها مع والدتها التي رمقتها بسخطٍ، لم تشعر بلحظة حنين او اشتياق بداخل عيني تلك القاسية برغم إبتعادها عنها وعدم رؤيتها لعدة شهور، أخذت نفسًا عميقًا لتستفيق على صوت شقيقها وجدي الذي وضع كفه على كتفها ليجبرها على الالتفاف له: 
-حمدالله على السلامة يا إيثار
التفت بجسدها ليجذبها بين أحضانه وهو يقول: 
-عاملة إيه؟ 
ابتعدت قليلاً لتخبره بهزة من عينيها: 
-أنا بخير الحمدلله 
واستطردت مستفسرة: 
-الدكتور قال لكم إيه عن حالة بابا؟ 

-لسة الإشعة مطلعتش،الدكتور قال إنه هيتحجز هنا في المستشفى كام يوم علشان يتابعوا حالته ويشوفوا عنده إيه...قالها بهدوء لتنطق وهي تنسحب بهدوء داخل غرفة الطبيب: 
-أنا هدخل أسأله بنفسي

لوت منيرة فاهها ورمقتها بسخطٍ بعدما تجاهلت وجودها ولم تُلقي عليها حتى السلام او تسألها عن حالها،ولجت إيثار بعد الإستئذان لتسأل الطبيب عن حالة غاليها ليجيبها الطبيب أن حالتهُ ليست بأحسن حال من خلال قياس النبض والهيئة العامة لجسده النحيل لكنه لا يستطيع تحديد خطورة الوضع من عدمه إلا بعد ظهور نتيجة التحاليل والأشعة التي أُجريت له،أخبرته أنها ستنقل والدها لمشفى الاباصيري الإستثماري ليُذهل الرجل من ذاك الإسم اللامع والشهير بعالم الطب ليتعجب داخله من كيفية دخول شخصية بسيطة كـ غانم إلى مشفى إستثماري كبير كـ "مشفى الأباصيري"

خرجت من عند الطبيب لتخبر والدها وأشقائها بانتقال والدها لمشفى كبير بالقاهرة ليقول والدها باعتراض بصوتهِ الخافت: 
-أنا مش رايح لمكان يا بنتي، خليني أموت على فرشتي أحسن

انحنت لتجلس تحت ساقيه لتقول بنبرة تشعُ حنانًا بعدما ضمت كفيه بخاصتها: 
-العمر الطويل ليك يا حبيبي،إحنا هنروح مستشفى كبيرة وهيتعمل لك كل اللازم هناك، وهتخف وصحتك هترجع احسن من الأول كمان

مالت على كفيه لتطبع قُبلة حنون لترفع وجهها تطالع عيناه مسترسلة بتفاؤل: 
-وبكره هفكرك 
ابتسم بوهنٍ وبصعوبة رفع كفه ليمرره فوق وجنتها الناعمة ليشعر بحنان الدنيا يملؤ عينيها التي تطالعهُ،اخيرًا قررت تلك عديمة الإحساس التخلي عن صمتها لتتحدث بملامح وجه صارمة: 
-ودي مين اللي هيدفع فلوسها إن شاء الله؟ 

حزن غانم من كلمات زوجته وشعر بالعجز وبأنه عالة على الجميع لتهتف سريعًا بعدما شاهدت تعبيرات وجهه الحزين: 
-محدش هيدفع حاجة،دي مستشفى إبن الباشمهندس أيمن مديري، وهو هيعمل لي تخفيض كبير
تابعت مسترسلة كي لا تُشعر والدها بالحرج: 
-اللي هدفعه هيكون مبلغ رمزي،وبعدين الدنيا كلها فدى إن بابا يقوم بالسلامة

ابتسامة حزينة ارتسمت بجانب ثغره لتهتف منيرة بتبرير بعد أن رأت الأسى على وجه زوجها: 
-طبعاً فداه الدنيا كلها، بس الإيد قصيرة والعين بصيرة
واسترسلت عن قصد وهي ترمقها بذات مغزى وكأنها تحملها ذنب حالة أشقائها:
-وزي ما أنتِ شايفة حالة إخواتك، لا تسُر عدو ولا حبيب،اللي ميشوفش من الغربال يبقى أعمى
وصلها المغزى من الحديث التي سأمته وما ان تطلعت لأبيها بحنان حتى جذب انتباهها صدوح رنين  هاتفها لتخرجه من حقيبة يدها لتفاجئ برقم أيمن،وقفت وهي تتحدث لأبيها تُعلمه: 
-ده الباشمهندس أيمن بيتصل علشان يطمن عليك وياخد عنوان المستشفى، هيبعت لحضرتك عربية إسعاف مجهزة تنقلك علشان تكون مرتاح
تمعنت بعينيه مستفسرة: 
-هدي له العنوان يا بابا

اومأ بضعف لتقف جانبًا تعيد الإتصال الذي انقطع وتخبر أيمن بالعنوان ليبعثه في الحال لنجله الذي أسرع بإرسال عربة مجهزة حسب أوامر والده حيث أبلغه بأنهُ سيتكلف نفقة العلاج ليعارضه أحمد بعدما أصر على تحمل المشفى جميع التكاليف واعتبارها حالة إنسانية،وذلك لما يكنه من احترام وتقدير لـ إيثار

                                 ********
بعد مرور حوالي الثلاثة ساعات،وصل والد إيثار المشفى ليستقبلهُ أحمد بحفاوة وبدأ بالكشف عليه هو وبعض الأطباء الأكفاء وإجراء الفحوصات المطلوبة لتحديد ما يعاني منه،وبعد قليل بعث أحمد إلى إيثار لتحضر بمكتبه الخاص فقرر وجدي الذهاب بصحبتها،ولچا للداخل ليشير لهما أحمد بالجلوس وبدأ بالحديث بمهنية طبيب ماهر: 
-طبعًا الإشاعات اللي عملناها لسة نتيجتها هتطلع بكرة والمفروض ما اتكلمش معاكم في حاجة إلا بعد ما نتأكد

أخذ نفسًا عميقًا ليزفره بقوة دلت على ما ينتوي قوله لينخلع قلبها بعدما توقعت سوء حالة والدها المرضية ليتابع أحمد بحديثًا ثقيلاً على قلبه:
-للأسف،الدكتور الإستشاري اللي حضر الكشف الأولي على بباكم شاكك في كانسر في الكَبد،كل المؤشرات بتوحي لكدة

-شاكك ولا متأكد؟...نطقتها بقلبٍ ينزف دمًا وساقين ترتجفتين لشدة صدمتها من ذاك الخبر المشؤوم والتي تتأملُ أن يُخطئ الطبيب بتشخيصه لتتابع بصوتٍ مهزوز:
-أصلها تفرق يا دكتور

تنهد بضيق ليجيبها بمهنية: 
-دكتور سليم متخصص في أورام الكبد وعنده خبرة كبيرة فيه
واستطرد بأسى ظهر بَيِن فوق ملامح وجهه: 
-ولو مكنش متأكد 100%100 عمره ما كان هيبلغني

نزلت كلماته على قلبها الضعيف لتشطرهُ لنصفين،لم يسبق لها خوض ذاك الشعور المرير من قبل، فقد خاضت معارك كثيرة وذاقت من الخيبات والإنكسارات ما حولها لتلك الصامدة الساندة لحالها لكن تلك المرةِ تختلفُ كليًا،فالصدمة هذه المرة تخص الإنسان الأغلى بحياتها، والدها الحنون الذي طالما غمرها بحنانه وشملها بعطفه ورعايته وساندها كثيرًا كي تتخطى الكثير من عثراتها،سقط قناع القوة لديها لتنهمر دموعها كـ شلالات بعدما فقدت السيطرة عليها مما جعل شقيقها الذي لا يختلف شعورهُ عنها بالكثير من أثر الصدمة ليربط على كفها قائلاً في محاولة منه لتهدأتها: 
-استعيذي بالله من الشيطان الرجيم واتفائلي خير، كل دي لسة تخمينات

بالرغم من وثوقه التام في قدرة دكتور سليم الطبية لكنه أراد أن يمنحها بعض الأمل الزائف كي يرتاح قلبها قبل التأكيد لينطق في محاولة منه لبث التفاؤل لدى تلك الذي نزل عليها الخبر كالصاعقة: 
-أتمنى من كل قلبي إن تشخيص دكتور سليم يطلع غلط، أنا حبيت بس أبلغكم علشان تكونوا مستعدين للي جاي، لانه للأسف صعب عليه وعليكم قبل منه

-تخبُط،تشتُت،عدم اتزان بالمشاعر،فقدان التركيز وشعورًا بالضياع، كل هذه المشاعر هاجمتها هي وشقيقها الصامت،تحاملت على حالها لتستند بساعديها بجانبي المقعد كي تستطيع الوقوف لتنطق بحروفٍ خرجت مهزوزة بعدما تطلعت إلى أحمد: 
-متشكرة لتعبك واهتمامك يا دكتور

أجاب باحترامٍ لشخصها: 
-ماتقوليش كده يا إيثار،إحنا اخوات والباشمهندس موصيني عليكِ بنفسه، وتأكدي إن والدك في إيد أمينة وأي حاجة هنلاقيه محتاج لها على الفور هتتعمل له

بنبرة تملؤها عزة النفس أجابته: 
-متشكرة جدًا لحضرتك، وياريت تدي خبر للحسابات إني هعدي عليهم بكرة بالكتير

أجابها بنبرة زائفة كي لا يجرحها ويشعرها بالتقليل: 
-والله الموضوع ده تحليه بينك وبين مديرك،لأني واخد دفعة كبيرة تحت الحساب

نظرت له بامتنان وخرجت بمجاورة شقيقها لتنطق قبل أن يتجها صوب غرفته التي خصصها له أحمد: 
-وجدي،الكلام اللي إتقال لنا من دكتور أحمد هيفضل بينا ومش هيخرج حتى لعزيز

واسترسلت بإيضاح: 
-مش عايزين بابا ياخد باله،على الأقل لحد ما نتيجة الإشاعات تطلع ونطمن على بابا وإن معندوش حاجة إن شاء الله 

-حاضر يا إيثار...نطقها ليتلفت من حوله وهو يقول بتوجس: 
-المستشفى شكلها غالي قوي،هتسدي حسابها إزاي ومنين؟ 

أجابته بهدوء: 
-أنا معايا فلوس ركناها في البنك تحسبًا لأي طوارئ، وأظن مفيش ظروف أسوء من كده علشان استخدمها، وكمان دكتور أحمد أكيد هيعمل لي تخفيض كبير
دلفا لوالدهما وحاولا التخفيف عنه ليسألها بتوجس: 
-الدكتور قال لك إيه عني يا بنتي؟ 

ضمت كفه الضعيف بين راحتيها ومالت بقامتها لتضع قُبلة حنون عليه ثم طالعته بعينين مملؤتين بالحنان وهي تجيبه بكلماتٍ زائفة تبث من خلالها السكينة والإطمئنان بروحه: 
-قال إن صحتك زي الفل،بس جسمك مُرهق شوية ومحتاج شوية مقويات مش أكتر

-بجد يا إيثار؟...قالها بعينين متأملتين النجاة لتومي له بابتسامة زائفة بينما قلبها ينزف لرؤية غاليها بذاك الوهن،مسدت بكفها فوق وجنته بحنان لتجيبه بأملٍ تعلم من داخلها مدى زيفه: 
-طبعاً يا حبيبي،انا عمري كذبت عليك في حاجة؟ 
نطقت كلماتها الأخيرة بابتسامة ليهز رأسه نافيًا بابتسامة مماثلة لخاصتها كل هذا تحت نظرات منيرة الماكثة بالمقعد المقابل لوقوف ابنتها الجهة الاخرى وهي تزفر بضيق وعدم رضا لما يحدث من حولها،لاحظ غانم سخطها فتملك القهر من قلبه وحزن على رفيقة دربه التي سُرعان ما تذمرت من مرضه وهذا ما رأه بعينيه منذ الوهلة الأولى التي خارت قواه واستسلم خانعًا للمرض،لاحظت أيضاً إيثار حزن والدها فتألم داخلها

ولجت الممرضة لتقول للجميع:
-ممكن تستنوا برة لو سمحتم،الدكتور جاي بعد شوية هيكشف على الحاج ومحتاجة أجهزه

خرجت هي وشقيقها ووالدتها ليجدوا عزيز وأيهم يجلسان بالمقاعد الموضوعة داخل الممر، جاورت منيرة عزيز لتزفر بقوة وهي تقول بتذمر:
-أنا مش عارفة إحنا إزاي سمعنا كلامها وجينا هنا،كان مالها مستشفى المركز، ما كانت حلوة ومقضية الغرض
لتتابع بسخطٍ ظهر بَيِن على ملامحها وهي تُشيح بكفيها بطريقة غاضبة: 
-مالنا إحنا ومال مستشفيات مصر،نسيب بلدنا ونيجي نتبهدل هنا ليه؟!

تطلعت تتمعنُ بملامح مذهولة لتلك المرأة التي تفتقد لأدنى معاني الإنسانية والحِس،ما أبشعها بكم الأنانية التي تسيطر على كيانها،حتى زوجها لا تطيق تحمل المشقة لأجل مرضه،تألمت لموقف والدتها المخذل فتحدثت بنبرة ظاهرها يبدوا هادئًا أما باطنها فيحترق: 
-مفيش بهدلة إن شاء الله،الشقة عندي واسعة وتساع الكل

رمقتها باشمئزاز قبل ان تُلقي بكلماتها السامة بوجهها: 
-وأنا إيه اللي يدورني في بيوت الناس 

طالعتها بنظراتٍ قوية لتهتف بنبرة حادة وكلماتٍ لازعة بعدما فاض بها الكيل من تلك التي لا تشعر بفاجعتهم: 
-يبقى ترجعي بيتك علشان تاخدي راحتك فيه،وأبويا أنا وإخواتي هنخدمه ونشيله في مرضه
هتفت منيرة باتهام: 
-وإنتِ من إمتى حاطة أبوكِ في دماغك ولا بتعملي له حساب؟ 

اشتعل داخلها من حديثها لتقول بنبرة صارمة: 
-طول عمري وأنا صورة أبويا قدام عيوني،وأول حاجة بفكر فيها قبل ما أخطي أي خطوة هو بابا، والحمدلله عمري ما عملت حاجة وطيت بيها راسه

هتفت بحدة وهي ترمقها بازدراء: 
-وإنتِ لما سبتي البلد وجيتي تعيشي هنا لوحدك وخليتي اللي يسوى واللي ميسواش يتكلم عليه كنتي عاملة حسابه؟! 

ردت بقوة: 
-محدش يقدر يجيب سيرتي لأن عمري ما عملت حاجة غلط، وبتقي ربنا في كل أمور حياتي 

فتحت منيرة فاهها لتنطق ليقاطعها صوت وجدي الذي هتف باستياء: 
-بذمتكم ده وقت كلامكم ده، إنتوا مش حاسين بالمصيبة اللي إحنا فيها

-الكلام ده تقوله للست منيرة، اللي سايبة مرض جوزها وتعبه وبتفكر في بهدلتها برة البيت... كلماتٍ لازعة نطقت بها إيثار وهي ترمقهم بحدة لتبتعد وتجلس وحيدة بعيدًا عن تجمعهم، وضعت كفاها تحتوي بهما وجهها مستندة بساعديها على ساقيها ليقف أيهم بعد أن قرر الإنضمام إليها،جاورها الجلوس ونظر لها يسألها بعينين متوجستين يوجد بداخلهما أسألة كثيرة وتوهة أكثر: 
-أبوكِ ماله يا إيثار؟ 

فاقت من شرودها على صوته لترفع وجهها تناظره بعينين مملؤتين بالألم والحزن لتطلق تنهيدة طويلة قبل أن تقول بصوتٍ يحمل الكثير من الهموم: 
-إدعي له يا أيهم،إدعي كتير واتوسل لربنا إن نتيجة الأشعة والتحاليل تطلع كويسة 

-للدرجة دي حالته خطيرة؟
سألها متوجسًا لتجيبه بخفوت:
-بابا تحت عفو ربنا،إدعي له
إعتدلت بجلستها ونصبت ظهرها لتقابل شقيقها الأصغر وتمد يدها تسحبه لداخل أحضانها لتربت فوق ظهره بحنان بعدما رأت ضياعهُ بعينيه ليتنهد الفتى بعد شعوره بدفئ أحضان شقيقته الذي حُرم منه منذ أن استمع لوسوسة شياطين الإنس وقرر تركها بأحلك أوقاتها وشدة إحتياجها له بعدما أغراه نصر بالوظيفة والمال

على الجهة الأخرى،مال عزيز بجانب أذن والدته ليهمس كي لا يستمع عليه أحد: 
-إهدي شوية على إيثار يا أم عزيز، إحنا عاوزين ناخدها في صفنا ونطبطب عليها، مش نكرهها فينا أكتر
زفرت بضيق لتهمس بصوتٍ غاضب: 
-البت مش معبراني يا عزيز،شافتني ولا كأني أمها

أجابها ببرودٍ على غير عادته لشخصيته المتهورة: 
-معلش يا أم عزيز،خليكي معايا للأخر وصدقيني هتنبسطي بالنتيجة

كانت تنظر أسفل قدميها بملامح وجه حزينة أخرجها صوتٍ يُلقي التحية فانتفضت واقفة بعدما رأت أيمن الأباصيري وزوجته الجميلة تتأبط ذراعه ويقفا مقابلين جلوسها لتهب واقفة لاستقبالهما لتقول بصوتٍ واهن:
-أهلاً وسهلاً
تحدث أيمن متأثرًا بالموقف:
-ألف سلامة على بابا يا إيثار

-الله يسلم حضرتك 
اقبلت عليها نيللي واحتضنتها برعاية لتقول وهي تربت على ظهرها تحت نظرات منيرة وأنجالها الثلاث: 
-سلامة بابا يا حبيبتي،ربنا يطمنك عليه 

ابتعدت قليلاً لتجيبها بأعين ممتنة: 
-الله يسلمك يا مدام نيللي،تعبتوا نفسكم ليه وجيتوا، دكتور أحمد عامل الواجب معانا وزيادة

ردت نيللي بنبرة صادقة: 
-إنتِ بنتنا يا إيثار،مش عوزانا نقف معاكِ في محنتك
ليكمل أيمن على حديث زوجته الجميلة: 
-وبعدين اللي أحمد عمله ده أقل واجب وأقل من اللي تستحقه شخصية محترمة زيك

حول بصره على عزيز ومنيرة الواقفان يتابعان الأمر بعيونًا مذبهلة لتلك السيدة الأنيقة وذاك الأنيق المحنك،حول بصره عليهم وهو يقول: 
-دول أهلك؟ 
اومأت بهدوء لتتحرك بجوارهم وهي تقدمهم قائلة: 
-ماما، وعزيز أخويا الكبير وده وجدي وده أيهم
رحبت السيدة والسيد بهم بحفاوة برغم علميهما بمدى بشاعتهم وكل ما اقترفوه بحق تلك المسكينة،ليقول عزيز بمكرٍ: 
-إحنا متشكرين يا باشا على افضالك الكتير ووقوفك مع أختي إيثار

رد أيمن بمصداقية: 
-إيثار أنا بعتبرها زي بنتي لارا بالظبط،وأظن مفيش شكر لأب بيراعي بنته
واسترسل بحديثٍ ذات مغزى بعدما حول نظره إلى منيرة: 
-تسلم تربيتك يا افندم، ونعم التربية 

هزت رأسها لتقول على عجالة: 
-تسلم وتعيش يا بيه
خرج الطبيب لتلج إيثار إلى ابيها ودعت أيمن وزوجته للدخول لتقول منيرة وهي تلكز وجدي بذراعه: 
-هو ده الراجل اللي اختك شغالة معاه يا وجدي
أومى لها لتتابع بانبهار: 
-دي مراته عاملة زي اللي بنشوفهم في التلفزيون

ابتعد عزيز ليخرج هاتفه الجوال طالبًا رقم  هاتف عمرو ليخبره بما حدث ويطلب منه الحضور للوقوف معهم ومحاولة استقطاب إيثار والظهور أمامها كفارس، على الفور هرول الأخر ملبيًا النداء، بعد مرور حوالي الساعتين، كانت تجلس بالمقعد المجاور لوالدها يجاورها وجدي وأيهم،على الجهة الأخرى تجلس منيرة وبجوارها عزيز استمعت لبعض الطرقات الخفيفة على الباب ليُفتح بعدما صاح عزيز بصوته للسماح بالدخول،ظهر عمرو ممسكًا بعُلبة من الشيكولاتة الفاخرة ويرسم على وجهه علامات الزعر حيت اتجه سريعًا إلى غانم وهو يقول: 
-سلامتك يا عم غانم، إيه اللي حصل؟ 
مال على رأس غانم واضعًا قبلة احترام ليرفع عينيه يتطلعُ بولهٍ لتلك التي قلبت عينيها بضجر لاعنة سخافته 

وقفت منيرة وعزيز مهللين بترحاب: 
-أهلاً يا عمرو
قالتها منيرة لتتابع متسائلة: 
-مين اللي قال لك إن إحنا هنا؟ 

نظر لعزيز المرتبك ليتحدث بذكاء:
-كان فيه واحد صاحبي في مستشفى المركز لما عربية الاسعاف وصلت وأخدت عمي غانم اتصل بيا وبلغني،وأنا كلمت مدير المستشفى وعرفت منه انكم هنا

-ازيك يا إيثار...نطقها بنبرة عاشق لتتجاهله وهي تقول لأبيها: 
-مرتاح يا حبيبي ولا انده لك الممرضة
رد عليها بصوتٍ واهن تحت غضب منيرة وعزيز من تصرفها: 
-الحمدلله يا بنتي،أنا أحسن كتير

جلس وبدأ بتناول أطراف الحديث بينه وبين والدتها وأشقائها وعينيه تتمركزان عليها لتنسحب للخارج وأبلغت الممرضة بالدخول وصرف جميع من بالغرفة وإبلاغهم بانتهاء موعد الزيارة وبالفعل بعد قليل كانت تستقل سيارتها وبجوارها عزيز أما بالأريكة الخلفية يجلس أيهم ومنيرة التي اُضطرت للمبيت بمنزلها بينما ظل وجدي مرافقًا لأبيه،ظل الجميع في صمتٍ تام إلى أن وصلوا لمسكنها،ضغطت جرس المنزل لتفتح لها عزة،ولجت ثم تنحت جانبًا وهي تُشير لهم: 
-اتفضلوا 
خطت منيرة بساقيها بمسكن نجلتها التي تدخلهُ للمرة الأولى بحياتها لترمق عزة بنظراتٍ حادة وكأن بينهما ثأرًا،تعجبت عزة ورفعت حاجبها باستغراب لكنها تغاضت عن نظراتها وعزيز لتقول بترحابٍ حار لأجل ابنتها التي لم تلدها: 
-يا مرحب يا جماعة، نورتونا

لتسترسل متسائلة باهتمام: 
-الحاج غانم أخباره إيه؟ 
أجابتها إيثار بتنهيدة: 
-الحمدلله يا عزة، فين يوسف؟ 

أجابتها برتابة: 
-نايم من بدري،عمل الهوم ورك وعشيته بعدها ونيمته بعد ما طلع عيني

دخل الجميع للردهة لتقول منيرة بوجها العبوس: 
-فين المكان اللي هنام فيه علشان أريح فيه جتتي؟ 

تألمت لكلمات والدتها القاسية وقالت بنبرة هادئة كي ترفع عنها أية حرج تشعر به: 
-خلينا نتعشى الأول وبعدين إدخلي خدي شاور ونامي

-أنا لا باكل ولا بستحمى عند حد...قالت كلماتها الرافضة بطريقة فظة لتهتف عزة بحديثٍ متهكم، فهي تكره تلك المرأة حيث دار بينهما العديد من المكالماتٍ الهاتفية التي تنتهي دائمًا بالشجار والتوبيخ من كلتاهما للأخرى: 
-وبالنسبة للنوم عادي ولا فيه مشكلة هو كمان! 

عاتبتها إيثار بإشارة من عينيها لتزفر بضيق وهي تتحرك منسحبة باتجاة المطبخ لتبرطم بصوتٍ عالي استمع له الجميع: 
-أنا هغرف الأكل واحطه على السفرة، واللي عاوز ياكل يتفضل واللي مش عاوز براحته

-إنتِ بتقولي إيه يا ولية إنتِ...نطقتها منيرة وهي ترمقها بنظراتٍ نارية لترد الأخرى بنبرة قوية: 
-هو أنا جيت جنبك يا حاجة، ولا هي تلاكيك

جحظت عيناي الاخرى لتهتف باعتراض: 
-حاجة؟! ليه شيفاني قد أمك علشان تقولي لي يا حاجة،ده اللي يدور عليكِ يلاقيكي أكبر مني
-خلاص يا أما الله يرضى عليكِ مش ناقصين صداع...نطقها عزيز ليرمق عزة بنظرة حادة ليتابع مسترسلاً: 
-وإنتِ يا اسمك إيه

-عزة، إسمها عزة يا عزيز...قالتها إيثار بدفاعٍ قوي عن تلك السيدة التي قامت باحتوائها هي والصغير وبوجودها شعرت بدفئ العائلة وجوها التي حُرمت منه ليرد هو بسخطٍ كعادته: 
-أيًا كان إسمها،خليها تجهز العشا وتحطه من سُكات، إحنا اللي فينا مكفينا ومن الصبح وإحنا متبهدلين في المستشفيات

عذرت حدته وعصبيته لتنظر إلى عزة وهي تقول بنظرة توسلية: 
-جهزي العشا لو سمحتي يا عزة
اختفت عزة خلف جدران المطبخ لتلتفت هي للجميع مشيرة بكفها إلى مقاعد الجلوس: 
-إتفضلوا على ما عزة تجهز العشا 

واسترسلت وهي تُشير بكفها نحو باب الحمام الخارجي: 
-الحمام من هنا لو حابين تغسلوا إديكم ووشكم من جو المستشفى
تحركت منيرة لتغلق باب الحمام خلفها بحدة لتتنهد بأسى، اقترب عليها أيهم ليربت على كتفها وهو يقول مبررًا تصرفات والدته العدائية: 
-معلش،هي مش واخدة على البيات برة بيتها علشان كدة هتلاقيها مهيبرة شوية وردها عنيف
ابتسمت ساخرة فحقًا شر البلية ما يُضحك،تنفست لتجيب شقيقها بطريقة متهكمة: 
-إنتَ بتبرر لي إيه بس يا أيهم،ده إسلوبها معايا من يوم ما وعيت على الدنيا
زفرت لتهدئ من روعها لتسترسل باستئذان: 
-أنا داخلة أخد شاور وهخرج على العشا، وانتوا خدوا راحتكم، البيت بيتكم 

بعد مدة قصيرة خرجت مرتدية منامة بيتية مريحة لتقول عزة وهي تضع أخر صَحن بيدها فوق السُفرة:
-العشا جاهز يا جماعة،إتفضلوا 

أشارت لهم إيثار وهي تقول: 
-يلا يا ماما، يلا يا عزيز
رمقتها بملامح وجه جامدة وبكلماتٍ تفتقر أبجديات الادب قالت: 
-قولت لك مباكلش عند حد غريب 

بالكاد انتهت من كلماتها ليصدح صوت رنين الجرس فاتجهت عزة تفتحه لتفاجئ بعامل توصيل الطلبات وهو يقول: 
-فيه أوردر مدفوع التكاليف من مطعم مشويات عنتر علشان حضرتك

-عشاني أنا؟!نطقتها متعجبة لتسترسل بجدية: 
-بس إحنا يا اخويا مطلبناش أكل، تلاقيك غلطان في العنوان

نطق العامل باصرار: 
-لا يا أفندم العنوان مظبوط
تقدم منه عزيز ليسأله مستفسرًا: 
-مين اللي باعت الاكل؟ 

اجابه: 
-واحد إسمه الاستاذ عمرو البنهاوي
ابتسم بحفاوة ليهتف قائلاً وهو يتناول الأكياس من يديه بنهمٍ: 
-تمام، يبقى لينا

هتفت بحدة وهي تتحرك سريعًا نحو شقيقها لتحثه على عدم استلام الطعام: 
-إدي له الأورد لو سمحت يا عزيز،أنا مكلمة عزة من بدري وهي عاملة أكل كتير،وبعدين إحنا مش محتاجين أكل من البيه او غيره

انتزعت الاكياس من يداي شقيقها وكادت أن تعيدها للعامل لتباغتها تلك التي انتشلتهم منها وهي تقول بحدة: 
-هاتي الأكل ده،عمرو عارف إني مباكلش عند حد علشان كده بعته علشاني
اتسعت عينيها بذهول من تلك التي اختطفت الطعام وولجت للداخل ليشير عزيز للعامل قائلاً: 
-خلاص يا بلدينا،روح الله يسهل لك 
انتبهت لتهتف بإيقاف للعامل: 
-استنى
توجهت لحقيبة صغيرة مُعلقة بجوار الباب لتُخرج منها عملة ورقية متوسطة، ناولته إياها بشكر فـ فالأخير هو غير مسؤل عن ما حدث
ولجت للسفرة لتجد والدتها قد نزعت الاكياس وأخرجت كم هائل من اللحوم والدجاج المشوية ومعها أنواعًا كثيرة من السلطات والمقبلات لتهتف بحدة: 
-ممكن أفهم إيه اللي حضرتك عملتيه ده، إزاي تاخدي الاكل من الراجل وتحرجيني بالشكل ده؟! 
أجابتها وهي تلوك الطعام بفمها بطريقة استفزازية: 
-وإيه اللي يحرج في الموضوع، الراجل كتر خيره عارف إننا طول اليوم في المستشفى ومش فاضيين نطبخ، فبعت لنا أكل جاهز،إيه بقى اللي مضايقك؟! 

هتفت بنبرة تدل على احتراق روحها: 
-إنتِ حرة تاخدي منه اللي إنتِ عوزاه،لكن مش في بيتي
لتسترسل متعجبة بتهكم: 
-ثم إيه اللي فتح نفسك على الاكل مرة واحدة كده، مش من شوية مكنتيش بتاكلي عند حد! 

لم تعر لحديثها أية إهتمام وتابعت بكل برود إلتهامها للطعام ليقول عزيز بحدة بعد أن سأم حديث شقيقته اللازع: 
-ماخلاص يا إيثار،إنتِ عاملة هوليلة على إيه،الراجل كتر خيره شايل همنا،مااجرمش يعني

هزت رأسها وهي ترمقهما بذهول لموقفهما المخزي لتتحرك سريعًا لغرفة صغيرها وتغلق بابها خلفها دون أن تتناول الطعام، جلس عزيز ليشارك والدته الطعام الذي أرسله عمرو لينظر إلى أيهم الواقف حائرًا بينهم ويقول وفمه ممتلئًا بالطعام اللذيذ: 
-تعالى كل يا أيهم، الكباب موحوح والريش سخنة مولعة

كانت عيني عزة تتابع ما يحدث من خلال فتحة المطبخ المصمم على الطراز الاميركي لتهمس لحالها بنبرة تسمعها اذنها: 
-يخرب بيتكم عيلة جعانة، ده انتوا فضيحة، الله يكون في عونك يا بنتي، ده أنتِ خيبتك في أهلك تقيلة قوي يا نضري

                                ********
داخل المسكن الخاص بعزيز،تقف تلك الـ"نسرين"تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا لتقف فجأة وهي تقول بغضبٍ ظهر بملامحها: 
-لا، ما أنا مش هسيب النار تاكلني لواحدي وإنتِ قاعدة مرتاحة وبتغرفي من عز ابن البنهاوي يا ست سمية
امسكت  هاتفها وضغطت اتصال على رقم سُمية لتجيبها الاخرى بصوتٍ ساخط: 
-خير يا نسرين، إيه اللي فكرك بيا تاني؟ 

اجابتها بحديثٍ لازع: 
-قولت اتصل طالما أنتِ طلعتي قليلة أصل وحتى ما عزتنيش في موت أخويا الوحيد

بلا مبالاة أجابتها: 
-الله يرحمه يا حبيبتي، أنا لا بحب الموت ولا بحب سيرته،ومعروف عني مبعزيش حتى قرايبي
لتسترسل بعدما ضاق صدرها: 
-ها، عاوزة حاجة تاني قبل ما أقفل

باغتتها بحديثها:
-طبعاً عاوزة،اخويا أخد دهبي اللي كنت شرياه بالفلوس اللي خدتها منك، يعني زي ما بيقولوا بالبلدي كده،موت وخراب ديار، واظن ده ما يرضكيش

ابتسمت ساخرة لتجيبها بلامبالاة: 
-وأنا مالي يا حبيبتي بمواويلك مع عيلتك، أخوكِ سرقك واهو دفع عمره تمن عملته السودة
واسترسلت بما احرق روح الاخرى: 
-وإنتِ المفروض تحمدي ربنا إنه طهرك من المال الحرام اللي لهفتيه مني غصب

اشتعل داخلها لتهتف بنبرة غاضبة تهديدية: 
-إسمعيني كويس يا بت،لو مدبرتليش خمسين الف جنية الإسبوع ده هقول لـ عمرو على كل حاجة
أطلقت ضحكة رنانة لتقول بثباتٍ وقوة:
-قولي له يا حبيبتي
لتستطرد بتهديدٍ مماثل: 
-وأنا تاني يوم هاجي لحد بيتك وافضحك قدام حماتك وعزيز، وقابلي بقى يا شاطرة لما يعرفوا إن إنتِ اللي كنتي السبب في طلاق بنتهم وخراب بيتها،وانك قدمتي لي الفرخة اللي كانت بتبيض لهم بيضة دهب على طبق من فضة

لتسترسل بقوة وجبروت: 
-إسمعيني إنتِ بقى كويس وحطي عقلك في راسك، أنا لحمي مُر واللي هيقرب مني هنهشه بسناني، يعني تبعدي عني بالذوق وتروحي ترمي بلاكي على حد غيري بدل ما احطك في دماغي
توقفت لتستطرد بتهديدٍ مباشر مشيرة لما فعلته بإيثار: 
-وإنتِ عرفاني كويس، اللي بحطه في دماغي بدمره

قالت كلماتها الأخيرة بسخطٍ لتغلق الخط دون الاستماع إلى رد الطرف الأخر مما جعلها تشتعل وتُلقي بهاتفها فوق التخت وهي تصرخ باشتعال مستغلة غياب زوجها: 
-طيب يا سُمية، إن ماندمتك مبقاش أنا نسرين 




00:00

Previous
PlayNext

00:00 / 00:52
Mute

Settings
Fullscreen
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Player




❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️


بعد ثلاثة أيام من مكوث غانم بالمشفى،ظهرت النتائج وتأكدت شكوك الاطباء بأمر غانم وللأسف اظهرت التحاليل ان المرض بالمرحلة الثالثة، استقبل الجميع الخبر بصدمة وذهول

كان يجلس بمكتبه بوقت الراحة، يكاد أن يفقد عقله على أثر ابتعاد من امتلكت الفؤاد وتمكنت من الغوص بأعماقه لتستقر بالوتين،كيف ومتى حدث كل هذا،لا يوجد لديه تفسيرًا، كل ما بات يعلمه هو صعوبة بل إستحالة متابعة حياته بدون عينيها،تنهد بثُقل بعدما أوصدت بوجهه جميع الأبواب التي يمكن الوصول إليها من خلالها،فقد تسلل إلى جميع تطبيقات التواصل الإجتماعي وبحث عنها وما أن عثر عليها وحاول التواصل معها لتصيبه بالإحباط حيث كانت تقوم بحظر حسابه فور وصوله إليها لتُغلق الباب بوجهها قبله كي لا تدع الامر بين يدي قلبها ليتحكم بها من جديد وتفقد صغيرها،ألقى برأسهِ للخلف وأغمض عينيه يتذكر ملامحها،ابتسامتها الرقيقة وضحكتها الواسعة التي تُظهر صفي أسنانها ناصعة البياض،تأملها لعينيه،حديثها ورُقيها في إختيار الكلمات اللائقة، يا الله، لقد اشتاقها حد الجنون حتى عبوس وجهها ونظراتها الحادة عندما تغضب،اكتشف كم أنه ذاب بغرامها وانتهى الأمر،ولكن بعد ماذا؟!
لقد أحزنها بالحد الذي جعلها تنفر هاربة منه كما هروب الفريسة من صيادها،أَقسَمَ بالله رب العالمين لو ترضى وتعلن غفرانها لخطيأته الكُبرى بحقها ليرضخ لها ويلبي جميع رغباتها وسيصنع المعجزات لأجل رضائها وإدخال السعادة والسرور على قلبها نادر الوجود،فتح عينيه ليهب واقفًا على حين غرة مقتربٕا من عُليقة الملابس ليخططف حلة بدلته ليرتديها فوق قميصه الابيض ويهرول متعجلاً بعدما قرر الذهاب لشركة أيمن وليحدث ما يحدث،تحرك بلا وعيٍ بلا حسابات كعادته، فقد جنب كل شيء حتى مبادئه وقوانينه التي أقر بها وفرضها على حاله مقابل الحصول على مبتغاه، وأي مبتغى،فهي من ردت له الروح وجعلت الحياة تدب بقلبه من جديد بعد فقدانه الشعور لسنوات،استقل سيارته وقادها بسرعة جنونية ليصل قبل انتهاء ساعات العمل حيث أشرف الدوام العملي على الانتهاء،وصل بوقتٍ قياسي وبعد عدة دقائق كان يقف أمام السكرتيرة وعينيه تتمركز على باب مكتب من استولت على لُبه ليتحدث بنبرة جادة رزينة عكس ما يدور داخله من فوضى:
-إدي خبر لـ أيمن بيه إن فؤاد علام موجود وطالب يقابله

وقفت سريعًا لعلمها بشخصه لتقول بنبرة حماسية: 
-حالاً هدي له خبر يا افندم، اتفضل ارتاح 
قالت كلمتها الأخيرة وهي تُشير له بتوقير ليرفع كفه بممانعة لتنسحب هي للداخل وتدعه يتلصص على ذاك الباب المغلق وقلبهُ ينهره بشدة ويأمره بالاستجابة لاقتحام بابها وجذبها بقوة ليسكنها بين أضلعه ويرحم أنين ذاك القلب المسكين الذي تذوق الأمرين في ابتعادها،فاق على صوت هانيا التي أشارت له نحو الباب وهي تقول: 
-أيمن بيه في اتتظار حضرتك يا أفندم
تحرك برصانة منتصب الظهر بخطواتٍ واثقة وما أن ولج ليتفاجأ بـ أيمن ينتظره بنصف المكتب ليقترب قائلاً بترحيب وحسن ضيافة وابتسامة بشوش: 
-أهلاً أهلاً يا سيادة المستشار، ده إيه المفاجأة الحلوة دي

صافحة فؤاد بحفاوة ثم تحدث مبررًا زيارته المباغتة: 
-أنا كنت قريب من هنا فقولت أعدي أشرب مع سعادتك فنجان قهوة، وبالمرة استفسر منك عن أخر الاخبار في موضوع المصالحة بينك وبين صلاح عبدالعزيز 

كانت حجته مقنعة لذا فاتت على عقل أيمن الذي ابتسم قائلاً بتبجيلٍ: 
-جنابك تنور في أي وقت يا سيادة المستشار 

أجابهُ ببشاشة وجه: 
-متشكر يا أيمن بيه،اتجه أيمن إلى الأريكة الموضوعة بمنتصف حجرة المكتب ليجلس فؤاد بقلبٍ يتلوع من شدة اشتياقه لرؤية محبوبته وينتظرُ على أحر من الچمر ظهورها أمامه كشمسٍ ساطعة لتنير لهُ الدُنيا وتزيل عتمته التي حلت فور غيابها،رفع أيمن سماعة  الهاتف الأرضي وطلب قهوة له ولفؤاد ليتحرك إليه من جديد متحدثًا بترحابٍ عالي: 
-منور الشركة يا سيادة المستشار 

رد بحصافة: 
-ده نورك يا أيمن بيه 
جلسا يتبادلان أطراف الحديث فيما بينهما بتركيزًا شديد من أيمن وعقلٍ مشتت من ذاك الذي أرهقه الإنتظار،ولجت هانيا لتتحرك بدلالٍ وأنوثة لتتحدث إلى ايمن باحترام: 
-آسفة للمقاطعة يا افندم،بس محسن الهلالي اتصل بيأكد على ميعاده مع حضرتك بكرة 

سألها مستفسرًا: 
-هو ميعاده بكرة؟! 

-تقريباً يا افندم...نطقتها بعدم يقين لينطق متهكمًا بلهجة صارمة: 
-مفيش حاجة في شغلنا اسمها تقريبًا يا آنسة

شعرت بالإحراج يعتريها لتنطق بصوتٍ خافت متأثرًا بخجلها: 
-الحقيقة يا افندم أنا بصيت في ليستة المواعيد اللي أستاذة إيثار سابتها لي ملقتش الميعاد متسجل،تقريبًا نسيت تسجله
واستطردت مقترحة: 
-إيه رأي حضرتك أتصل بيها وأتأكد منها؟ 
هز رأسه ليتنطق برفضٍ:
-سيبي إيثار في اللي هي فيه يا هانيا،وطالما محسن الهلالي اتصل يبقى متأكد 

كان يراقب حديثهم بكثيرًا من التمعن حين ذُكر اسمها ليرتعب داخلهُ بعد جملة أيمن الأخيرة،خرجت هانيا وتركته غارقًا بأفكاره المرتعبة لينتبه على حديث أيمن الذي نطق ملتمسًا منه العُذر: 
-أنا آسف للمقاطعة يا فؤاد باشا

-ولا يهمك يا باشمهندس...نطقها بعجالة ليسألهُ بعدما فقد صبرهُ وازداد ارتيابه وأراد الإطمئنان أنها بخير: 
-هي الأستاذة إيثار في أجازة ولا إيه؟ 
لم يستغرب طرحه للسؤال فقد جمعته الظروف بها للحد الذي يسمح له بالإطمئنان عليها لذا أجابه باقتضاب: 
-تقدر تقول أجازة إجبارية
طالعه بعدم إدراك لمقصده ليسترسل الأخر مفسرًا بملامح وجه متأثرة: 
-بباها تعبان وهي اضطرت تاخد أجازة علشان تقعد معاه في المستشفى

حزن لأجلها ليسألهُ متلهفًا: 
-تعبان إزاي؟ 
اكتست ملامحهُ بالعبوس ليجيبهُ متأثرًا: 
-الدكاترة اكتشفوا إنه مصاب بكانسر في الكَبد،وللأسف المرض انتشر في الكبد وفي مراحله الأخيرة
نزل عليه الخبر كالصاعقة وعلى الفور جال بخاطره حبيبته،كيف حالها وكيف تقبلت ذاك الخبر المشؤوم،ليته كان باستطاعته الهرولة إليها ليجذبها ويدخلها بأحضانه كي ينتزع منها أية ألم ويبث داخلها الطمأنينة والسلام، لم يدري بحاله إلا وهو يسأله بتأثر: 
-وإيثار عاملة إيه؟

تعجب الرجل من نطقه لاسمها بدون ألقاب لكنه تغاضى ليجيبه بأسى ظهر فوق ملامحه: 
-مسكينة إيثار،أكيد مش هتبقى كويسة، ده بباها وكمان حنين عليها جدًا

لقد عشقها للحد الذي جعلهُ يُلقي بجميع قوانينه عرض الحائط،لم يعد للحسابات وجودًا لديه عندما يرتبط الامر بها لينطق مجنبًا وقارهُ:
-بعد إذنك ممكن أخد عنوان المستشفى اللي موجود فيها؟ 
على عجالة رد أيمن بهدوء: 
-آه طبعاً،هو موجود في المستشفى بتاعت دكتور أحمد إبني،إسمها مستشفى الأباصيري، وعنوانها... 
قاطعه ليهب واقفًا منتصب الظهر وهو يقول: 
-عارفها طبعًا، المستشفى غنية عن التعريف يا باشمهندس

تعجب أيمن من أمره ولاحظ إهتمامه المبالغ به فوقف وهو يسأله بجبينٍ مُقطب: 
-على فين يا سيادة المستشار،ده أنتَ لسة مشربتش قهوتك؟! 

تحمحم ليجيبه بنبرة زائفة: 
-أفتكرت مشوار مهم لازم أروحه
ليستطرد معتذرًا بلباقة: 
-تتعوض مرة تانية.

-إن شاء الله...قالها ايمن بعدما وقف ليودعه وبعد خروجه وضع أيمن كفه محتويًا به فكهُ ليضيق عينيه وبات يفكر في أمر ذاك الذي إنقلب حاله عندما استمع لخبر مرض والد إيثار. 

                               ********
خرج من الشركة ليستقل سيارته ويقودها بسرعة فائقة متجهًا إلى المشفى كي يراها،يعلم أنها الأن ليست بخير، ليت كانت لديه الصلاحية باحتضانها ليضمها بشدة كي يزيل عنها الألام الساكنة روحها ويمدها ببعضًا من الطمأنينة،لام حالهُ ألاف المرات على ما اقترفهُ بحقها،تلك البريئة التي تمتلك من الحظ السئ ما يؤهلها لتصدر المقدمة في قائمة الأكثر بأسًا،لقد وضعها تحت المراقبة المشددة خلال الفترة المنصرمة وتأكد من طهارتها وعفتها والتزامها الأخلاقي تجاه كل شيئًا بحياتها،ومنذ ذاك الحين وقد أصابتهُ خيبة الأمل وتحميل حاله الذنب، كيف لمحنك مثله بألا يكتشف أصالة معدنها ونُدرة تواجدها، كيف لرجل قانونًا أن يقع في خطأٍ بتلك الفظاعة ويعرض على صاحبة الصون والعفاف هكذا عرضٍ حقير

زفر بقوة ليضع كفهُ يمسح به على وجهه بعنف وكأنهُ يعاقب حاله،توقف عند أحد المحال المجاورة للمشفى المتخصصة ببيع الزهور وانتقى باقة كبيرة ليتابع وصوله للمشفى، ولج للإستقبال ليسأل عن اسم والدها الذي يحفظه جيدًا منذ أن التقى بحبيبته وقرر أنها تخصه، تحرك داخل الممرات ليصل إلى رقم الغرفة ليجدها تخرج أمامه من الغرفة وهي توصد بابها خلفها،كاد قلبه أن ينخلع لرؤياها ورؤية عينيها التي اشتاقها حد الجنون بعد أن حرمته طلتها،تسمرت بوقفتها حين رأته يهل عليها بمظهره الخاطف للانفاس والمهلك لقلبها الذي مازال يكن لهُ الحب رُغم فعلته الشنيعة بحقها والتي أجزمت عدم غفرانها له مهما طال الزمان، فالجرح عميق والضحية كرامتها فمن أين يأتي الغفران!، نظرت خلفها للباب المغلق وتذكرت والدها الغافي ووجدي الجالس بجواره حيث ذهبت والدتها بصحبة عزيز وأيهم ليتابعوا أعمالهم والتزاماتهم نحو عائلتهم وتركوا وجدي مع شقيقته بعد أن اتفقوا أن يتبادلوا المناوبة في رعاية والدهم كي لا تقف حياتهم

اسرعت باتجاهه ليقابلها بفرحة عارمة لـ لُقياها لم يستطع مداراتها بعد رؤية الساحرتين اللتين بات يعشق التطلع ببحرهما العميق،يتحرك لتسوقه قدماه وهو يتعمق بمقلتيها وكأن سحرًا يجذبه إليها دون إدراكًا منه،وصل إليها مباشرةً ليمد يده وهو يقول ومازال مثبتًا عينيه بخاصتيها: 
-إزيك يا إيثار 
ابتلعت ريقها تأثرًا بحالته العشقية لترد بصوتٍ هادئ بعد ان تحكمت به بمهارة: 
-إزيك يا سيادة المستشار 

ارتجف قلبيهما من لمسة كفيهما حيث احتضن خاصتها بلمسة حنون وكأنهُ يبث لها حال قلبه المشتاق لها لتسحب كفها من بين راحته الحنون وايضًا عينيه حيث باتت تتلفت حولها خشيةً خروج شقيقها ورؤيتها بتلك الحالة المخزية ليقول سريعًا بعدما فهم بفطانته نظراتها الزائغة: 
-ألف سلامة على بابا
ليتابع بعيني نادمة: 
-أنا أسف إني إتأخرت بس والله لسة عارف حالاً
قطبت جبينها تسألهُ: 
-عرفت إزاي؟ 
-كنت في الشركة عند أيمن بيه وهو اللي قال لي...نطقها متأثرًا لتنظر له بعدم استيعاب فتابع بما أربكها: 
-كنت رايح علشان أشوفك

نظرت إليه بتيهة ليستكمل بنظرة تشعُ حنانًا: 
-وحشتيني وكنت عاوز أشوفك،اتلككت وقولت للباشمهندس إني كنت قريب من الشركة وطلعت أشرب معاه قهوة
ابتسمت بسخرية لترد بتهكم جعل ابتسامته المشرقة تُنير وجههُ: 
-ومن إمتى قهوتنا بتعجبك؟! 

-قهوتكم بقت إدماني طالما هتخليني أشوف عيون حبيبي...نطقها بكثيرًا من الهيام الذي أربكها وجعلها تتلفت من حولها بعدم ارتياح ظهر بملامحها ليتحمحم بعدما تيقن أنهُ قد أزادها عليها فبسط يده مقدمًا لها الزهور لينطق بتأثر بعدما وعي على حاله وفاق من هالة المشاعر التي حاوتطهما منذ أن رأى طلتها المهلكة لقلبه: 
-ألف سلامة على بابا
تلقت باقة الزهور وتحدثت بنبرة رتيبة: 
-مكنش ليه لزوم تتعب نفسك وتجيب ورد، كفاية سؤالك واهتمامك إنك تيجي لحد هنا

-مفيش اي تعب يا إيثار،إنتِ اصلك متعرفيش إنتِ إيه بالنسبة لي...نطقها بذو معنى لترد بنبرة حزينة منكسرة مشيرة لعرضه المهين: 
-لا عارفة، وعارفة كويس قوي يا فؤاد بيه يا علام

أخرج تنهيدة حارة عبرت عما بداخله بندم تناغم مع نظرات عينيه الاسفة وهو يقول بنبرة صادقة: 
-مسيرنا في يوم هنقعد ونتكلم،هقول لك على كل اللي في قلبي واللي دفعني للتصرف ده، وساعتها أنا متأكد إنك هتعذري تصرفي 

هزت رأسها بيأس ليسألها بعدما قرر تغيير وجهة الحديث كي لا يتصادما بالكلام مرةً أخرى: 
-طمنيني على بابا،الدكاترة قالوا إيه عن حالته؟ 
هزت رأسها بيأسٍ وعينين خاليتين من الحياة وهي تقول: 
-كلام الدكاترة ميطمنش،بس أنا متوسمة خير في ربنا 

-إن شاء الله خير...قالها بتأثر ليسألها بنبرة جادة: 
-لو محتاجة أي حاجة أنا موجود
واستطرد برجولة: 
-وأنا هروح حالاً لدكتور أحمد وأسأله لو فيه أمل إن الحالة تتحسن وليها علاج برة هسفره في أسرع وقت 

اجابته بصوتٍ هادئ وعينين ممتنة: 
-متشكرة على شعورك النبيل وعرضك للمساعدة يا سيادة المستشار
لتتابع بنبرة خافتة لقلبٍ يتمزقُ ألمًا على عزيز عينيها: 
-دكتور أحمد قال إن بابا للأسف في المرحلة التالتة والمرض بدأ ينتشر في كل جسمه

نطقت كلماتها الأخيرة وقد زرفت دموعها التي انسدلت بعدما فقدت السيطرة عليها لتتابع بنبرة مزقت بها نياط قلبه: 
-بابا بيموت يا فؤاد، بيموت خلاص

لم يستطع رؤية انهيارها بهذا الشكل،نزلت دموعها على قلبهِ لتكويه وكأنها مادة كاوية من الدرجة الأولى،اقترب عليها ليضم كفها الممسكة بباقة الزهور بحنانٍ وهو ينطق بنبرة حنون: 
-إهدي يا إيثار،إهدي يا حبيبي،أكيد هنلاقي حل، خلي أملك كبير في قدرة ربنا سبحانه وتعالى
سحبت يدها سريعًا لترفعها تجفف بها دموعها المنهمرة وهى تقول بتهرب عينيها: 
-إن شاءالله 
أتفضل حضرتك متعطلش نفسك أكتر من كده،بابا نايم واخويا قاعد جنبه...واسترسلت بإيضاح: 
-وطبعًا مش هينفع أقدمك ليه،أنا وإخواتي فيه بينا مشاكل بسبب رفضي لرجوعي لطليقي

أومأ لها ليقول بتفهم: 
-عرفت كل حاجة يا إيثار، ومقدر ظروفك،نطمن بس على بابا ولينا كلام بعدين
نطقها بذات مغزى ليتابع بعينين يسألان بكثيرًا من الترجي: 
-أنا بس طالب منك حاجة واحدة وأرجوكِ تعمليها
كانت تتطلع عليه بتعجب لتسأله بعينيها ليقول مسترسلاً بإيضاح: 
-تفكي البلوك علشان اطمن عليكِ وعلى بابا،أرجوكِ. 

نطقها برجاء ليتابع بمداعبة بعدما رأى ترددها: 
-ده طبعاً لو مش عوزاني اجي لك هنا كل يوم
ابتسمت بخفوت ليستكمل دعابتهُ: 
-لما أروح هرن عليكِ ولو لقيتك لسه عملالي حظر هتأكد ساعتها إن طلتي عجبتك وعاوزة تشوفيني كل يوم، يعني هعتبرها دعوة صريحة منك بحضوري هنا كل يوم

بابتسامة واهنة لظروفها أجابته باستسلام كي لا ينفذ تهديده: 
-هفكه، والله هفكه
-حالاً... نطقها بأمر بعدما رفع قامته متقمصًا الغرور لترفع هي حاجبها الأيسر وهي ترمقه باستنكار قائلة: 
-لا والله، ده الباشا بيديني أوامر كمان 

-حقي على فكرة...نطقها بثقة لا يعلم أين مصدرها لتتنهد بهدوء فالان هي ليست بحالة تسمح لها بالشعور بالسعادة او الإنبهار،تفهم حالتها ليخرج تنهيدة حارة من صدرها تألمًا لحالتها ليقول بانسحاب: 
-طب انا همشي علشان أسيبك تدخلي لبابا،مش عاوزة أي حاجة؟ 

-متشكرة بجد...نطقتها بعينين ممتنتين ليقطع تواصل اعينهم صوت ذاك الـ عمرو الذي وصل للتو وهو يقول لتنتبه: 
-إيثار
التفت برأسها تتطلع إليه بعبوسٍ لرؤية وجهه البغيض،لاحظ فؤاد استنكارها لينظر على ذاك الشخص بتمعُن وعلى الفور تذكرهُ، نعم لقد رأهُ بمقر مبنى النيابة حين التقى إيثار اثناء تنازلها عن محضر التعدي،بينما لم يتذكره الأخر لتشتت ذهنه ذاك الحين،وقف عمرو مقابلاً لفؤاد يتطلع عليه بعينين متفرسة كـ ذئبٍ خبيث، سألها بنبرة حادة تنم عن غيرته على من يعتبرها ملكية خاصة قد أهداه صق ملكيتها نصر البنهاوي: 
-مين ده يا إيثار؟ 

بنبرة صارمة غاضبة هتفت كـ قطة بمخالب حادة: 
-وأنتَ مالك
ابتسامة ساخرة اعتلت ثغر فؤاد الذي تأكد من أن أنثاه نَمِرة شرسة تهجم بشراهة على من يشاكسها،أما عمرو فقد اعتراه الخجل من هجومها الحاد عليه وخاصتًا أمام ذاك الغريب الذي تحدث بهدوء متجاهلاً لهذا الإمعة: 
-أستأذن أنا وزي ما قولت لك، أنا موجود في أي وقت تحتاجيني فيه

رفع قامته ليرد نيابةً عنها بنبرة حادة: 
-متشكرين لافضالك، إيثار مش محتاجة حاجة من حد طالما أنا موجود

زفرة قوية خرجت منها عبرت عن مدى عدم تقبلها لحديثه أو وجوده من الأساس لتنظر إلى فؤاد وهي تنطق بابتسامة شكر وامتنان: 
-متشكرة يا سيادة المستشار،نورت

اومي لها بابتسامة وتحرك منسحبًا لتتجه هي الأخرى بطريقها إلى غرفة أبيها ليقطع طريقها ذاك الغاضب الذي سألها وجنون الغيرة تطل من عينيه: 
-مين الراجل ده،وليه يجيب لك ورد وازاي تقبليه منه؟ 
بكلماتٍ متقطعة نطقت متهكمة: 
-وإنتَ، ماااالك

بعينين حادتين أجابها بتحدي: 
-إنتِ حبيبتي وأم إبني وتخصيني، وقريب قوي هترجعي لي

-ده في أحلامك، مفيش قوة على ظهر الأرض تقدر تجبرني أرجع لواحد خاين زيك...قالتها بتحدي لتمضي بطريقها إلى أن وصلت لغرفة والدها وولجت غالقة الباب بوجه ذاك الحانق ليهتف من بين اسنانه: 
-ماشي يا إيثار،لما ترجعي لي هحاسبك على كل ده
لتتحول نبرته من غاضبة لحنون بلحظة وكأنهُ ملبوس وهو يتابع بعينين هائمتين: 
-بس ترجعي لحضـ.ـني الأول


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close