رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل السابع 7 بقلم وسام الأشقر
داخل المكتب جلس يوسف خلف مكتبه وأمامه غزل التي تجلس ترتشف عصير الفراولة الذي طلبه لها مع قهوته لتهدئ انفعالاتها ليقول:
– ها هديتي؟
لتجيبه غزل بإشارة من رأسها بنعم، ليكمل:
– مبدئيًا أحب أعتذر عن اللي صدر مني من كام يوم وياريت تقبلي اعتذاري، وياريت ننسي اللي حصل ونفتح صفحة جديدة مع بعض.
انتظر يوسف أي إشارة منها تدل على تقبل اعتذاره فقطع الصمت ليكمل:
– وبالنسبة للاستقالة اللي قدمتها فللأسف أحب أبلغك إن الاستقالة مرفوضة، وياريت من بكرة تبدأي شغلك انتِ عندك شغل كتير متراكم.
قبضت علي حقيبتها الصغيرة بتوتر ليطرق الباب وتدخل سوزان لتقول:
– أستاذ محمد بره يافندم.
أذن يوسف له بالدخول، فقال محمد باندهاش:
– غزل انتِ هنا ياحبيبتي؟ ليحتضن محمد غزل ويربت على ظهرها.. فيشتعل غضبًا من هذه الحميمية، ليقطع يوسف هذه اللحظة:
– أومال المفروض تكون فين يامحمد؟ مش المفروض الأنسة بتشتغل في الشركة زيك!
محمد:
– أكيد طبعًا، أصل عامر أتصل بيا لما تأخرت عليه كان قلقان عليها.
يوسف باندهاش:
– عامر.. مين عامر؟
محمد:
– حضرتك شوفته في المكتب والمستشفى.. اللي أنقذ غزل.. أصلهم كانوا بيشتروا الدبل النهاردة.
لاحظ محمد اندهاش يوسف، فقال موجهًا حديثه لغزل:
– إيه ياغزل انتِ ماعزمتيش البشمهندس على الخطوبة ولا إيه؟
عقد يوسف حاجبيه قائلًا:
– خطوبة؟
محمد:
– خطوبة غزل على عامر.. طبعًا حضرتك أول المعزومين.
صدم يوسف بشدة، فقال محمد:
– بشمهندس يوسف حضرتك سامعني؟
قطع صدمته بندائه ليوجه نظره اتجاه غزل ليجيبه:
– أيوه يامحمد سامعك.
ثم وجهه حديثه لها ببرود:
– مبروك.
……………
تخرج غزل ومحمد ويبقى يوسف كما هو، شاردًا لا يشعر بأي شيء، لا يشعر بالسعادة ولا الحزن ولا الهدوء ولا الغضب.. شعور غريب يجعله بلا إحساس كالتمثال.. عقله توقف وأطرافه شلت، لمَ وصل به الحال لهذه النقطة؟
لما شعر بالصدمة المؤقتة؟ فهي لا تعني له أي شيء هي مجرد فتاة لفتت نظره فقط، يمكن ما أدهشه أن تكون في مثل ظروفها مطلوبة أو مرغوبة.. ليتساءل في نفسه، وهل هو لم يرغب بها من قبل؟
…………………
يجلس متوترًا على المائدة بالمطعم ينتظر وصولها لينظر للمرة التي لا يعرف عددها في ساعة يده، يخاف أن تخلف وعدها بالحضور.. لمحها عند المدخل تتلفت يمينًا ويسارًا تبحث عنه، وعندما رأته توجهت له مباشرة لتجلس أمامه بتوتر خوفًا من أن يراها أحدا لتقول:
– فيه إيه يا جاسر طلبت تشوفني ليه؟
جاسر:
– طيب خدي نفسك الأول يا ملك، مالك مستعجله ليه بس.
ملك بشبه عصبية:
– أنت عارف يا جاسر إن المفروض منتقابلش، أنا خايفة ألا يوسف يعرف ولو عرف هتبقى مصيبة.
جاسر:
– يــوه يا ملك، كل شوية يوسف.. يوسف، أنا خلاص مبقتش عارف اتلم عليكِ، في الجامعة رافضه أجيلك ولا عارف اقابلك بره ولا حتي بتكلميني، أنا زهقت من الوضع ده.
ملك واحتبست الدموع بعينها:
– يعني عاوزني أعمل إيه وأنا عارفة إن فيه عداوة بينك وبين أخويا؟ انا مش عارفه هنواجهه ازاي!
جاسر:
– قولتلك سبيني أروح أتكلم معاه رفضتي.
ملك:
– جاسر انت بتحبني بجد مش بتلعب بيا؟
جاسر وهو يمسك يدها:
– أنا مش بحبك.. أنا بعشقك يا ملك، أنا من لحظة ما شوفتك في النادي وانتِ بتلعبي تنس حسيت اني عايز اشدك من شعرك عشان محدش يشوفك وانتِ بتلعبي بالشكل ده، من ساعتها وأنا متعلق بيكي.. هو أنتِ لسه عندك شك؟
هزت رأسها بلا، فرفع يدها لفمه ليلثم قبلة تعبر عن اشتياقه لها.
……………….
يقف أمام مرآته يقوم بربط ربطة عنقه البنية على قميصه السماوي، لتدخل عليه ملك بفستانها الأسود الطويل بدون أكمام
لتقول:
– ها خلصت يا يوسف؟ إحنا اتأخرنا؟
أمسك قنينة عطره القوي ورش منها على قميصه ليلتفت لها يقول:
– أنا جاهز.
ثم أرتدى جاكيت بدلته البني لتقول:
– الناس كده هتفكرك انت العريس.
ضحك يوسف وهو يضربها على مؤخرة رأسها ثم قال:
– طيب يلا ياغلاباويه.
دق هاتفها المحمول لتقول:
– دي تقى، لعاشر مرة تتصل تسألني نزلنا ولا لسه.
رد يوسف:
– مش دي أخت محمد وغزل؟
ملك:
– آه هي.
يوسف:
– مش عارف ليه مش مستريحلها وبحس إنها مش بتحب غزل.
قالت ملك تدافع عنها:
– والله يا يوسف تقى دي طيبة بس انت لو عرفتها هتحبها والله.
يوسف:
– وأعرفها ليه.. مالي بيها، عمومًا خلي بالك منها حاسس انها مش طبيعية، كفاية إنها في الاول أنكرت انها اخت غزل بالرضاعة، ولولا إنك كنتِ قولتيلي مكنتش عرفت إن غزل أخت محمد ولا إيه؟
نظر لها بطرف عينيه فلم تجيبه، فقال:
– عمومًا يلا، عشان منتأخرش.
………….
في صالون الخالة صفا اجتمعت الحاجة راوية وأم عامر الذي يظهر عليها الضيق ومحمد وعامر الذي ينتظر عروسه كجمر من النار وتقى التي لم تكل من النظر لباب الشقة ولهاتفها. وبعض الجيران ومعارف عامر، كانت خطبة عائلية بسيطة.
الكل بانتظار العروس، دخل يوسف وفي يده باقة من الورد الأبيض والأحمر ليجد من تستقبله بابتسامه وتقول:
أهلا يا بشمهندس يوسف، اتفضلوا.. حضرتك مش غريب.
ومدت يدها لتأخذ باقة الورد منه إلا أنه تشبث بها ليقول:
– معلش أفضّل اقدمها للعروسة بنفسي.
ابتلعت تقى ريقها بصعوبة بسبب إحراجه لها، لتشير له وتقول:
– اتفضل كلهم جوه.
دخل يوسف واستقبله محمد يحيه، ثم بارك للعريس ليجلس بالقرب منهم منتظر معهم العروس.. قامت تقى بتوزيع العصائر والمياه الغازية ولم تخفى على يوسف نظراتها واهتمامها به، ليصمت الجميع للحظة اثر دخول هذه الهالة الملائكية باللون الوردي، كانت ترتدي فستانًا قصيرًا يصل لركبتها يظهر عظمة الترقوة ليظهر سلسالها الذهبي باسمها ويضيق من أعلى حتى الخصر الملفوف حوله شريط ستان عريض، ينتهي بعقدة بالخلف وينزل بعدة طبقات متسعة لتظهر بياض قوامها وذراعيها وفِي قدمها حذاء كعبه عالي لونه وردي بلون الفستان وقد أطلقت شعرها كما تفعل إلا أنها رفعت جوانبه لتزين رأسها بتاج ماسي صغير يظهرها كالأميرات التي تخرج من الروايات، لم يفق إلا على صوت الزغاريط التي علت عند دخولها، وعامر يقف أمامها ليمسك يدها ويطبع قبلة رقيقة على ظهر كفها ويجلسها بمكانها المخصص بجواره.. ليقترب يوسف منها ويمد يده بالباقة وعينيه مثبتة علي عينيها ليقول:
– مبروك ياغزل.
أمسكت الباقة لتهز رأسها بالشكر، أبتعد يوسف ليقف على مدخل الحجرة يراقب انفعالاتها وانفعالات عامر.. كان جليًا على عامر أنه كالذي حصل على نجمة من السماء، سعادته تظهر بعينيه .تساءل يوسف في نفسه ولما لا يسعد! وقد حصل على هذا الجمال المحطم للقلوب؟ كانت مرتبكة وسعيدة وعيونها زائغة حتى إلتقت عيناها بخاصته المثبتة عليها، لتفرك يديها وتنظر لأصابعها المزين بدبلة عامر بسعادة واضحة للجميع.
……………..
مرت عدة أسابيع وكل يدور في فلكه.
مرّ محمد على مكتب سوزان كعادته مؤخرًا يتحجج بأي طلب أو سؤال، ليمر عليها ويخطف منها نظرة أو كلمة ولكن هذه المرة وجدها تجلس وأمامها موظف من الشركة يلقي النكات عليها فيثير ضحكها التي لا تستطع السيطرة عليه ليقول بغضب مكتوم:
– ما تضحكونا معاكم.
لينظر الشاب لمحمد ويقول:
– أهـلًا يا محمد تعالى ياجدع، دي سوزان طلعت خفيفة اوي مش عارف أوقف ضحكها.
فينظر محمد لها بغضب ليقول:
– معلش أصل مش فاضي للمسخرة دي.
اتسعت عين سوزان من قوله فاستأذن الشاب بإحراج ليقف محمد أمام مكتبها يستند بيديه عليه ليقول:
– ممكن أفهم إيه اللي شفته ده؟
لترد بغضب:
– وأنا ممكن افهم اللي حضرتك قولته ده.
محمد:
– ما ترديش عليا بسؤال.. إزاي تسمحي لنفسك تقعدي تضحكي معاه بالشكل ده؟
أجابته ببرود تقول:
– وانت مالك بتدخل بصفتك إيه؟
محمد بغضب:
– بصفتي اني موظف محترم بيشتغل في شركة محترمة، لما اشوف شيء مش محترم لازم اعترض يا محترمة.
وقال اخر كلمة ببطء، لتنتفض من كرسيها وترفع سبابتها بوجهه لتقول:
– أنا محترمه غصب عنك، وانت مالكش دعوة بيا ولو عندك حاجة معترض عليها قدم فيها شكوى رسمية، غير كده ما تجيش المكتب ده إلا عشان الشغل بس.. انت فاهم؟
ابتلع محمد ريقه لينظر لها بصدمه من حديثها ليخرج صافق الباب بقوة وتجلس هي تبكي علي ما آلت اليه الأمور.
……
قبل ساعة كانت غزل بمكتب يوسف لتترجم له بعض الأوراق الفرنسية، كانت تشعر بالراحة نوعًا ما بسبب تغير معاملة يوسف لها لقد اصبح ودودًا لطيفًا يسيطر على غضبه كثيرًا لا يرهقها بالعمل.. فعندما يشعر بإجهادها يطلب منها وقت راحة ليطلب قهوته وعصير فراولة لها.. ما باله بالفراولة!
ولكن ما يوترها بوجوده نظراته التي لا تستطع تفسيرها، ليخرجها من أفكارها وضع علبة مستطيلة مخملية سوداء على أوراقها، لترفع نظرها له متسائلة فيقول:
– دي هدية بسيطة بمناسبة خطوبتك.. بعتذر جت متأخرة أصل كنت موصي عليها ولسه خلصانة.
هزت غزل رأسها بالرفض ووضعت العلبة أمامه ليقول بصرامة:
– وبعدين ياغزل مش قولنا نفتح صفحة جديدة مع بعض؟ وكمان ياستي افتحيها الأول ولو ماعجبتكيش ارفضيها.
توترت غزل من الموقف ليفتح يوسف العلب ويظهر منها سوار ماسي رفيع مرصع بالألماس ويتوسط هذا السوار الماسي ماسة حمراء علي شكل قلب منقوش بالليزر عليه اسمها غزل، رفضت غزل مرة أخرى إلا ا أنه مد يده ليمسك بيدها ويقربها له، ويلبسها السوار الماسي وهو مغيب ولم يشعر بنفسه إلا على انتفاضها وسحب يدها منه كالملسوعة اثر قبلته التي طبعها على ظهر يدها بدون إدراك منه، ليتدارك نفسه سريعًا ويمسح على شعره ويقول:
– أحم، نرجع لشغلنا بقى بيتهيألي أخدنا راحة كفاية؟
هزت رأسها اكثر من مرة بتوتر لترفع الأوراق أمام وجهها لتداري إحمرار وجنتيها وخجلها.
يتبع….