رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الثامن 8 بقلم وسام الأشقر
كان يجلس بحديقة ڤيلته يدخن السيجارة العاشرة وأمامه فنجان قهوته التي بردت، ليقطع شروده رنين هاتف لينظر على الاسم فيزفر بشدة ليقول:
– مش وقتك خالص يا نانسي.
ثم يجيب:
– أيوه يا نانسي.. أنتِ مبتزهقيش؟
نانسي:
– إيه يا يوسف منا مش عارفة اتلم عليك بقالي مدة، وحضرتك مش بترد على اتصالي! هو أنا زعلتك في حاجه يا يويو؟
يوسف بتأفف:
– نانسي اخلصي.. عايزه إيه مش فايق للحوارات.
نانسي:
– عايزه أشوفك يا يوسف، هو أنا ما وحشتكش؟
يوسف:
– خلاص يا نانسي هبقى أشوف وقتي وأبلغك، يلا سلام.
ليتفاجأ بدخول عمه من البوابة ليقف ويقول بسعادة:
– حمد لله على السلامة ياعمي.. السفرية المرة دي طولت أوي، شكل وشك بيقول في أخبار كويسة.
احتضن ناجي ابن أخيه ليقول:
– فعلًا وصلت لأخبار كويسة، أخد نفسي بس وأحكي لك على كل حاجة.
أرتبك يوسف بخوفٍ ليقول:
– أنت لقيتها؟
ضحك ناجي ليربت على وجنته ويقول:
-الصبر.. الصبر يا يوسف هحكيلك متستعجلش.
……………….
دخلت الشركة بكبرياء تتأمل جوانب هذا الصرح الكبير، تتأمل أن تملك هذا الصرح في يوم من الأيام.. لتتجه إلى الاستقبال لتسأل الموظفة عن مكان الاستاذ محمد لتبلغها بالطابق فتتجه إلى المصعد لتنتظر وصوله، ليفتح بابه ليفاجأ بمن يتخطاها للدخول قبلها لترفع عيناها وتقول بحدة:
– إيه قلة الذوق دي انت مش شايفني واقفه مستنية قبلك؟
نظر شادي يمينًا ويسارًا ليقول:
– انتِ بتكلميني أنا؟
تقى:
– أومال بكلم خيالك؟
شادي:
– أنتِ عايزه إيه بالظبط؟
تقى بتحدي:
– اتفضل أخرج من الاسانسير، المفروض ده دوري.
رفع شادي حاجبه:
– هو إحنا في فصل؟ يلا ياشاطره من هنا.. وشيلي رجلك دي عشان اطلع.
تقى:
– بارد على فكرة.
شادي:
– وانتِ عيله على فكرة.. روحي شوفي أنتِ تايهة من أي حضانة، يلا يا ماما.
تقى بغضب:
– أنا مش عيله.
شادي:
– استغفر الله العظيم على الصبح، أنت عايزه إيه دلوقت؟ أنا متأخر يا تدخلي نتهبب نطلع، يا تشيلي رجلك خليني أتنيل أطلع.
تقى بثقة:
– مش بركب مع حد غريب الأسانسير.
شادي بتفكير وهو ينظر خلفها ويقول فجأة:
– حاسبي!
لتنتفض تقى بعيدًا ويغلق الاسانسير وتشاهد ابتسامة انتصار على وجهه وحاجبيه يتلاعبان وبابه يغلق.
……………..
كانت منتبهه لشاشة الحاسوب لتنتفض فجأة على من يضع ملف من الأوراق بقوة على مكتبها لتجز على أسنانها لتقول سوزان:
– فيه حد يعمل كده! إيه قلة الذوق دي؟
ليقترب محمد من المكتب ويستند بذراعيه ويشير بسبابته لها ويقول:
– قلة أدب مش عايز.
كادت أن تنطق ليكمل:
– خمس دقايق.. خمس دقايق بس ألاقيكي في اوضة الأرشيف، لو اتأخرتِ ثانية ماتلوميش إلا نفسك فاهمه؟
ليقول الكلمة الأخيرة بصوت عالي يجعلها تنتفض من الرعب، فينصرف وعلي وجهه ابتسامة خبث.
……………..
كانت تبحث عنه لم تجده لقد حضرت اليوم لتأخذ منه مبلغ من المال الذي نفذ منها لتشتري بعض الكتب المهمة قبل أن تنفذ لتصطدم بحائط بشري يفقدها توازنها لتسندها ذراع قوية قبل سقوطها، فترفع نظرها لتجده:
– أنت؟
شادي:
– إيه كمان.. متعلمتيش المشي كويس؟
قالت تقى وهي تصّر على أسنانها بغضب:
– أنت بارد.
شادي:
– وأنت عيلة.
ليقطع نزاعهم صوت محمد:
– تقى! إيه اللي جابك هنا؟
تقى بضيق:
– إيه يامحمد المقابلة دي!
محمد:
– فيه حاجه حصلت؟
نظرت تقى بطرف عينيها لشادي:
– كنت عايزه فلوس، في كتب مهمة لازم اشتريها النهاردة.
ليقاطعهم شادي:
– مش هتعرفنا يامحمد؟
محمد:
– آه.. لا إزاي، دي تقى أختي الصغيرة.
شادي:
– مممم الصغيرة.. تشرفنا يا آنسه تقى، أنا البشمهندس شادي.
تقي بتكبر واضح:
– تشرفنا.
……………..
في الطريق كان يجلس يوسف بجوار عمه شارد في الحديث الذي ألقاه عليه عمه قبل تحركهم بخصوص بنت عمه المفقودة، ليقول في نفسه (وبعدين في القلق ده بقى)
………
– بعدين يا أم عامر هتفضلي زعلانه كدة؟
قالها عامر بتودد فلم تجيب، فقال مرة أخرى:
– طيب ردي على ابنك حبيبك، أنتِ مش وافقتي وكل حاجه كانت برضاكي؟
أم عامر:
– أيوه بس قلبي مش مستريح برضوا، أنا وافقت يابني عشان خاطرك.. لكن قلبي مقبوض ومش مستريح.
لثم يديها يقول:
– إن شاء الله خير، ادعيلي ربنا يجمعني بيها على خير.
أم عامر:
– ربنا يريح بالك يا ابني.
……………..
مرت غزل على سوزان لتمسكها سوزان وتقول:
– أنا فرحانه أوي يا غزل، فرحانه أوي.
تساءلت غزل بعينيها لتجيبها:
– اخوكي ياستي طلب إيدي، ابو الهول نطق.. المهم هحكيلك بعدين ادخلي البشمهندس طلبك.
هزت رأسها بنعم واتجهت إلى مكتبه لتتفاجأ بشخص في العقد الخامس من عمره يشبه يوسف في هيبته وقوته وشعره البياض في خصلاتها أكثر من السواد، وعلى عينيه نظارة للقراءة مستطيلة.. انتبه لدخولها فرفع عينه عن الأوراق وتعجب لصمتها ليقول:
– أيوه يابنتي في حاجة؟
توترت وبدأت تبحث يمينًا ويسارًا على يوسف.. فعقد حاجبيه ليقف ويتقدم اتجاهها ببطء يتأملها، ولكن لم يستطع رؤيه وجهها بوضوح بسبب توترها ونظرها لقدمها ليقول:
– انتِ سمعاني؟ بقول عايزه حاجة!
ليخرج يوسف من الحمام ليجدها فيقول:
– أنتِ جيتي ؟
نظرت له بارتياح لوجوده، فقال:
– كويس عشان أعرفك على عمي صاحب الشركة الأصلي «ناجي بيه الشافعي»
فتوجهت بنظرها لناجي وهزت رأسها بترحاب له، ليقطع الصمت ناجي وهو يتأملها:
-ها مش هتعرفيني بنفسك يابنتي؟
فيجيب يوسف:
– دي الآنسة غزل عبدالله ياعمي، اللي انقذت الشركة زي ما حكيتلك من شوية.
هز ناجي راسه بتفهم ليسألها:
– أنتِ عندك كام سنة ياغزل؟
ليقول يوسف بثقة:
– تقريبًا عشرين.
لينظر له مرة أخرى بضيق، ويوجه سؤال آخر ليقول لها:
– ومعاكي كم لغة بقى ياغزل؟
ليسرع يوسف ويقول:
– انجلش وفرنسي وتركي.
– فيه إيه يا يوسف ما تسيب البنت ترد هو أنت المحامي بتاعها؟
قالها ناجي بضيق شديد.. ليرتبك كلًا من غزل ويوسف وينظران لبعضهما ثم يقول الأخير:
– اصل ياعمي غزل.. غزل مش.. يعني…
لتسرع غزل بكتابة شيء بروزمانتها لتزيل إحراج يوسف وتمرر الورقة لناجي ليصدم ناجي ويقول:
– خرساء؟
…………..
– إزاي يا يوسف ماتعرفنيش حاجة زي دي؟ أحرجتني وأحرجت البنت.
قالها ناجي بلوم ليوسف.. ليرد يوسف:
– والله كنت هقولك بعد ما أخرج من الحمام، ما أعرفش انك هتقابلها قبل ما أقولك! عمومًا حصل خير.. غزل تفهمت الموقف وعدى على خير.
ليشرد ناجي ويقول:
– تعرف إنها مألوفة أوي؟ حاسس زي ما أكون شفتها قبل كدة.. تعرف يا يوسف؟
يوسف:
– إيه ياعمي؟
– لو كانت بيسان بنتي عايشة كانت هتبقى في سنها وتشبهها كدة.
ليجيب يوسف بروتينيه:
– الله يرحمها تعيش وتفتكر.
ضحك ناجي فجأة ليقول يوسف:
– ما تضحكنا معاك.
ليقول ناجي:
– تعرف يابني توأم بيسان كان اسمها إيه؟
يوسف:
– الحقيقية مش فاكر ياعمي.
ليرد ناجي بثقه:
-غزل.. توأمها اسمها غزل.
……….
تجلس أمام التلفاز تشاهد فيلمًا قديمًا وبجوارها صفا التي تسند بجوارها عكازها، ليقطع انتباهها صوت الرسالة بهاتفها واهتزازه لتبتسم لأنها تعرف المرسل فهو أمانها عامر.. تذكرت عندما غيرت اسمه على هاتفها بأماني.. تعتبره سندها وأمانها من الدنيا، لتقرأ الرسالة.
عامر: غزلي بيعمل إيه؟
غزل: مش بعمل حاجة بتفرج على فيلم قديم.
عامر: يا بخت الفيلم.
عزل: ليه؟
عامر: عشان واخد عقلك مني.
قوليلي ياغزل…
ضحكت غزل ثم كتبت غزل: ياغزل.
عامر:
– مقصدش.. أنتِ بتهزري؟ ماشي يا هانم ادلعي براحتك.
– بتحبيني ياغزل؟
غزل: ……..
عامر: خلاص، خلاص أنا متأكد إن وشك زي الفراولة دلوقت.. عمومًا أنا مش مستعجل، هسمعها منك لما تكوني في بيتي، ساعتها مش هسمح بكسوف.
لتغلق معه وتقف لتتجه إلى المطبخ لتسألها صفا:
– رايحه فين ياغزل؟
.لتشير لها غزل باتجاه المطبخ لتفهم صبا ما ستقوم به.
…………
ينزل على الدرج مسرعًا ليتجه لغرفة الطعام ويلقي تحية الصباح على عمه وملك ويمسك قطعة من الخبز ويرتشف بعض من الشاي على عجالة ليقول ناجي:
– اقعد يابني افطر، حد يفطر كده؟
يوسف والطعام بفمه:
– معلش مستعجل لازم أعدي على الشركة الاول، وبعدين هطلع على المخازن ابص عليها وارجع على الشركة تاني.
ناجي:
– طيب يابني انا هخلص وأروح أنا كمان على الشركة.
لينظر يوسف لملك الشاردة ويقول:
– وأنتِ يا ملك معلش، خدي تاكسي النهاردة.. العربية لسه في الصيانة وفي الرجعة هبقى اتصرف واتصل بيكي.
……….
في سيارة ناجي.
ناجي:
– ايوه ياعيسي.. في جديد؟
عيسي: …….
ناجي: مش معقول؟
……………
يوسف:
– الو أيوه ياعمي؟
ناجي بصريخ:
– اللي اسمها غزل.. اسمها غزل إيه؟
يوسف:
– حضرتك بتسأل ليه، فيه حاجه؟
ناجي بعصبية:
– رد عليا اسمها ايه؟ فين ملفها؟
يوسف بتوتر:
– مافيش ملف بس هي اسمها غزل عبدالله.
ولقد تذكر شيء ليقول:
– آه في ورق يخص معلومات عنها في تاني درج على اليمين، بس قولي فيه ايه ياعمي؟
ليغلق ناجي الخط بوجهه، وينظر يوسف للهاتف بعيون جاحظة من تصرف عمه ويقول:
– حتى الراجل الكبير ماسبتيهوش في حاله جننتيه ياغزل؟
………….
كانت تلهث عندما استدعتها سوزان تبلغها بضرورة حضورها علي الفور لمقابلة ناجي بيه
………
يأخذ الحجرة ذهابًا وإيابًا كالأسد المكبل لقد توقف تفكيره ..يجب أن يركز تفكيره أكثر، ماذا سيفعل لو كانت هي ابنته التي يبحث عنها منذ سنين طويلة؟ كيف سيتأكد؟ نعم قد قرأ المعلومات الموجودة بمكتب ابن أخيه.. هناك أسألك كثيرة تدور في عقله اولها اسم ابيها.
وكيف كيف أصبحت خرساء؟ انه متأكد أن بناته لم يصيبهم أي علة كانتا فتاتان طبيعيتان.. إذن ليست هي غزل ابنته.. طرق الباب وظهرت غزل من خلفه فوقف يناظرها لا يستطيع التحرك، كيف سيبدأ الحديث؟ بدأ يتأملها عن قرب يريد تأمل ملامحها لعله يتأكد من احساسه.. انها كثيرة الشبه بصفوة وبيسان ..فأجلي حنجرته ليقول:
– قربي يابنتي.. اقتربت غزل بسيقان مهتزة بسبب نظراته وتسألت في نفسها.. هل سيكون بنفس أخلاق ابن أخيه المتعجرف؟ لم ترحها نظراته التي تتفحصها منذ دخولها.. ليقول:
– ممكن ترفعي وشك عايزه اشوفك؟
ابتلعت غزل ريقها من طلبه الغريب ورفعت رأسها لتنظر إليه بتوتر:
– أنتِ اسمك غزل عبد الله الزايد صح؟
هزت رأسها بنعم، ليبتلع ريقه وهو يقترب منها خطوة وبصوت مهتز:
– أمك اسمها صفا محمد الأصيل؟
ضيقت عينها لتهز رأسها مرة اخرى بنعم.. ليقترب اكثر منها فتتراجع بخوف:
– أنتِ ليكي اخوات؟
هزت رأسها بلا وهي تتراجع خوفًا من أن ينقض عليها مثلما فعل معها يوسف من قبل، تملكها الخوف من كل من حولها أرادت الصراخ لتسمع من هم بالخارج لينجدوها مما هي فيه ولكن صوتها للأسف لم يسعفها.
بدأت تتصبب عرقًا ليزداد ارتعاشها لقد بدأت تشعر بالاختناق والدوار، إذا استمر الوضع كذلك ستصاب بنوبه قلبيه حتمًا.. فأثناء تراجعها تعثرت بطرف السجادة لتفقد توازنها ليسرع ناجي بمسكها قبل سقوطها لتلاحظ انخفاض نظره علي عنقها نزولا لصدرها فتراه يرفع يده اتجاه صدرها لترتعب وتقوم بدفعه عنها برعب.. ونظر ناجي مازال مسلطًا علي فتحه قميصها، ليشير لها بيده اتجاه صدرها ويقول:
– غزل ..غزل .. انتِ غزل! تعالي ياحبيبتي.. تعالي في حضني.. لتجري من أمامه مرتعبة خلف المكتب وتحاول قذفه بما تطاله يدها من تحف لأوراق.. لم تشعر بدموعها التي تغرق وجهها شهقاتها واهتزازها، تريد الصراخ ولقد ازاد الدوار.. ليدور ناجي كالمجنون فهو لا يستوعب أن أبنته أمامه بعد كل هذه السنين وقد عرفها من سلسالها الذهبي المكتوب باسمها وبنهايته من الأسفل فص احمر متدلي من آخر الإسم لقد عرف السلسال فهذا السلسال كانت ترتدي مثله بيسان، أهداه لهما عندما كان عند صفوه قبل أن يعود و يأخذ منها بيسان يومها.. اليوم المشؤوم.
بالخارج قلقت سوزان من هذه الأصوات بالداخل فاضطرت للاتصال بمحمد فالوضع لم يريحها منذ حضور ناجي وإصراره على استدعاء غزل.
– فيه إيه ياسوزان؟
ليدخل في نفس اللحظة يوسف وكلاهما يستمعان اللي جلبه تصدر وصراخ مرتفع مبحوح من المكتب ليقولا:
– إيه الصوت ده؟
………
بالداخل اقترب ناجي من غزل يريد طمأنتها من رعبها، ليتحدث معها ولكنها لا تسمع له لتجري من أمامه فيمسكها ويحتضنها من الخلف ليهدأها من انهيارها وخوفها.. كيف سيوضح لها أنه والدها؟
في هذه اللحظة اندفعا محمد ويوسف معا للمكتب لينصدما من المنظر غزل تحاول الفكاك من ناجي ووجهها منتفخ من البكاء ويصدر منها أصوات انين وناجي يحتضنها من الخلف ويهمس في أذنها بشي لم يسمعاه لتتوقف الصورة على هذا الوضع ليدخل محمد مندفعًا يسحبها بقوة منه لحضنه ويقوم بدفع ناجي من صدره ليتراجع ويندفع يوسف للداخل الغضب والدهشة تعتليه مما شاهد.
……………………..
……..
يوسف:
– اهدى يامحمد نشوف فيه إيه؟
محمد بغضب:
– أنا لسه هشوف فيه إيه؟ منا شفت خلاص.. انا مش هسكت انا هعمل محضر وفِي شهود على كده مش هسيب حقها.
يوسف يوجه حديثه لناجي الذي لم يخفض نظره عنها وهي ترتعش بحضن محمد:
– ياعمي فهمني ايه اللي حصل؟ اكيد في سوء تفاهم.
ناجي وهو على وشك البكاء:
– قوله يسيبها يا يوسف.. أنا.. أنا عايز اخدها في حضني.
ليقول محمد:
– أنت راجل مهزأ.. قليل الأدب ولولا سنك كنت وريتك.
لينظر يوسف لعمه وهو فارغ فمه ليقول:
– إيه ياعمي انت شارب حاجه ولا إيه!
ناجي وهو يمسك يوسف:
– غزل يا يوسف.. غزل بنت عمك رجعت.
لينظر يوسف لغزل بصدمة يتخللها الغباء:
– بنت عمي مين؟
ناجي:
– السلسلة اللي في رقبتها يا يوسف.. السلسلة انا اللي شاريها هي غزل بنتي.
لتستمع غزل للحديث وتشعر بالاختناق فهي تريد الهروب من هذا اليوم، تتمني أن يكون كابوسًا لتستيقظ منه.. شعرت بارتخاء عضلاتها وشيء يسحبها لهوة سوداء وأصوات متداخله في أذنها فاستسلمت لهذه الهوة لعلها ترتاح.. سترتاح قليل فقط من هذا الكابوس لتقول بصوت مبحوح:
– مح..مد.
وبدأت أصابعها ترتخي من على قميص محمد لتستسلم لأغمائها.. شعر محمد بثقل جسدها ليجدها تهمس باسمه ثم تغيب عن الوعي، قطع حديث يوسف وناجي صراخ محمد يقول:
– غــزل
………….
مستلقية بفراش المستشفى جاهلة سبب نقلها لها.. لقد داهمها فقط دوار وحالة إغماء كالمعتاد لتفيق وتجد نفسها يحيط بها العديد من الأطباء والممرضات ذوات الزي الموحد، ولكن عند التدقيق اكتشفت أنها ليست بأي مستشفى وإنما هي مستشفى خاص عالية المستوي.. تكورت على نفسها تحارب البرودة التي سرت بجسدها فجأة عند تذكر ما حدث.. وكيف وقف الزمن صدها، وكان من سوء حظها وجودها بهذه الشركة حتي يصل لها أبيها.
تسمع صوت الباب يفتح ولكنها ظلت ثابتة لا تستطع التفاعل مع من حولها.. فتجد من يقترب بخطوات بطيئة حتي يقف بجوار فراشها ويمد يده يمسح فوق رأسها بحنان قائلًا:
– غزل! طمينيني عليكي يا قلبي.. انت حاسة بحاجة؟
لم تحرك ساكنة فصدمتها كبيرة وحياتها مهددة.
ليكمل بصوت حزين:
– طيب سمعيني صوتك.. أنا مش مصدق أن سمعت صوتك.
فتشعر بثقل فوق فراشها نتيجة جلوسه على حافته ليهمس لها بأذنها:
– أهون عليكي ما اسمعش اسمي منك تاني؟ على قد زعلي عليكي على قد فرحتي بيكي النهاردة.
يجدها تتحرك لتستلقي على ظهرها ناظرة له تقول بصوت مبحوح مجروح:
-خا…يف..ة.
ليجد نفسه يضمها إلى صدره بقوة ويربت على ظهرها بحنان يقول:
– أنا جنبك ياغزل.. كلنا جنبك.
ليسمعا صوت شجار خارج الغرفة فتعقد حاجبها تقول:
– هو فيه إيه؟
………..
بالخارج تجلس الخالة صفا مستندة على عكازها ترمي الواقف أمامها نظرات حقد وكراهية يشوبها الخوف والقلق.. أما الاخر يبادلها بنظرات تحدي وقوة.
يقول:
– مش كفاية كدة يا صفا؟ خلاص لعبتك انكشفت.
فتجيبه صفا بتحدي:
– سبنا اللعب لأصحابه يا ناجي بيه.
ناجي بغضب:
– خلاص كل حاجة بقت واضحة خطفتي بنتي مني وحرمتيها مني طول السنين دي.
لتتلفت حولها بذهول قائلة:
– بنتك؟ هي فين بنتك دي؟ آها تقصد بنتك اللي خطفتها من أمها ولا بنتك اللي ماتت مع صفوة؟ معنديش بنات ليك.
فيصدح صوته بصراخ:
– صفا.. متلعبيش معايا، من السهل أوي اثبت انها بنتي.. وبنتي هاخدها بالقانون.
يقف يوسف يراقب الحوار بوجه بارد مشغول البال عما ستصل اليه الأمور فيما بعد، بعد عودة الابنة الضالة وكيف سيكون وضعه هو وملك.
يتبع….