اخر الروايات

رواية بين الحقيقة والسراب الفصل السادس 6 بقلم فاطيما يوسف

رواية بين الحقيقة والسراب الفصل السادس 6 بقلم فاطيما يوسف



شهقت بصوت عال وهي تخرج من سيارتها ووجدت تلك الماثل امامها وهو يردد بطريقة مقززة :

_حمد لله على السلامة يا ست البنات لا ست الستات بحالهم .

وضعت يدها على صدرها كعلامة على فزعها وأجابته وهي تنظر له نظرات غضب :

_جرى ايه يا زفت انت !
انت بتطلع من أنهي داهية ؟
خضتني ينقطع أجلك يا بعيد .

غمز لها كلينتون بعينيه وأجابها بابتسامة مستفزة :

_بعد الشر تفي من بقك يا كائدة ولما كلينتون ينقطع اجله مين اللي هيعمل لك الحلويات اللي هو بيعملها ويقدمها لك على طبق من دهب ؟

نظرت له باشمئزاز من طريقته المقززة وأجابته بحدة بالغة وبطريقة آمرة :

_شوف يا زفت انت بعد كده ما تجيليش على فجأة ،وايه الألفاظ اللي انت بتقولها دي اتمدن واعرف انت بتتكلم مع مين ،بعد كده نقي الفاظك قبل ما تقولها .

فرك هو علي رقبته من الخلف وهو ينظر يميناً ويساراً وأجابها باعتراض علي طريقتها :

_ شوفي ياست هانم سيد كلينتون ما بيحبش اللي بيتعامل معاه أنه دون المستوى انتي عارفة انا مطلوب لدي جميع المواكع " المواقع" والسوشال ميديم " السوشيال ميديا"

فخلينا نتعامل مع بعضينا يا كائدة كل منا يوكر " يوقر " الآخر إنتي ليكي مصلحة فتعاملي كلينتون كما ينبغي ان يكون ،

تماموز ياكائدة ولا أشد وأخلع ومات الكلام علي كدة .

وكاد ان يغادر الا أنها اشارت اليه بيديها ان يقف مكانه ورددت بهدوء لما استشفت غضبه من طريقتها المقززة عندما تنظر لها:

_لا عيب عليك انك تتكلم مع القائدة كده هو انت هتلاقي حد يحلي لك بقك زيي ولا يراعيك زي ما انا ما مراعياك،

بس انا كل الحوار ان انا جتتي اتلبشت من طريقه دخولك عليا وبعدين ما تزعلش يا كلينتون ،

واسترسلت حديثها وهي متصنعة الزعل ورددت بعتاب مصطنع :

_ وبعدين مش عيب لما تقارن القائدة بالشمامين إللي بتتعامل معاهم ،
انا كده زعلت وهجيب ناس تزعل معايا وانت عارف انا زعلي وحش .

استمع إلي حديثها وأجابها وهو يرفع يداه الإثنين امامها مرددا باعتراف:

_ في دي عندك حق ياكائدة إنتي متتقارنيش بالواغش دول ،

وانا حقاني والاعتراف بالحك فديلة " بالحق فضيلة "

بس العتاب علي قد المحبة وإني أحب معاتبة الناس العزيزة علي كلبي "قلبي" وإنتي أولهم ياكائدة .

تأففت من ثرثرته الكثيرة وتحدثت باختصار :

_ طيب ياسيد فضي مافي جبعتك وأنا سامعاك بس في السريع العاجل علشان عندي معاد مهم .

ابتسم لها ببلهاء وأجابها وهو يعرض عليها الفيديو :

_ إيه رأيك بقي في الشغل العالي إللي علي مياه بيضة إللي طالع من تحت إيد سيد كلينتون حاجة فاخر من الآخر،

تمعني النظر وأدلي عليا برأيك المحبب إلي كلبي .

سحبت منه الهاتف عندما رأت ماكانت تنتظره بفارغ الصبر وظلت تشاهد محتواه مراراً وتكرارا،

وعيناها تلمع بالشغف وعقلها يخطط كما الشيطان ،

ونظرت لها بابتسامة شيطانية وتحدثت وهي تصغي علي أذنيه كلمات التطبيل التي يعشقها:

_ لا برافو عليك ياكلينتون ،
إنت النوبة دي كيفتني ومزجتني وخلتني عندي إصرار إني ماغيركش أبدا ،

ثم نظرت إليه واستطردت بفكاهة :

_ إلا قول لي ياكلينتون إنت المرة دي كنت غاسل دماغك وملمعها بأنهي نوع صابون علشان أجيب لك منه كراتين ،

علشان كل مرة تبدع في الأعمال الشيقة إللي بطلبها منك .

نظر إليها كلينتون وأجابها :

_ الأوبيج ياكائدة هو إللي بيغسلها وبيلمعها وبيظبط لها الآداء علي الآخر ،

علشان كده راعيني واظبطي لي الجي وروقي لي الدي علشان أبهرك إبهارا في المرات القادمة مانبهرتيهوش قبل ذلك .

ضحكت بصوت عالي علي طريقته وأخرجت من حقيبتها مبلغاً من المال مايقرب من العشرة آلاف واعطته له وهي تردد بابتسامة:

_ خد ياسيد مش خسارة فيك ضعف المبلغ علشان الشغل إللي بمزاج عالي ده .

ثم غادرت وتركته ينظر إلى الأموال بعيون زائغة عاشقة وكأنها الأكسير المحبب إلي قلبه وظل يردد مع حاله وهو يعد المبلغ بابتسامة عريضة:

_دننانير و بلانكو
و فلوس بالكوم في البانكو
و مليش في كلامكو
و مقامي خمسين في تمامكو
فا بلاش علشانكو
عشان انتو سحبتوا ركنتوا
يوروهات دولارات و فرانكو

دنانير وبلانكو
وفلوس بالكوم في البانكو ،

جماعة إيه رأيكم في سيد كلينتون كتبته حلو 😂😂

_____________________________

في مجموعة مالك الجوهري

يجلس مالك على مكتبه وامامه صديقه علي،

يتحدثون في الأمور العامة للتصميمات فرفع مالك انظاره الى علي وردد بتساؤل :
_الا قول لي يا علي لسه ريما ستور ما بعتتش التصميمات اللي كانت متفقه عليها معانا ؟

استمع علي الى سؤاله بتركيز وتبدلت ملامح وجهه وأجابه بعدم معرفه وهو يشير بيده بالنفي قائلا :

_والله يا باشا بقى لي أكتر من 10 ايام بحاول اوصل لها وهي تليفونها مقفول والواتس كمان ببعت الرسايل وهي مش بتستلمها مش عارف بقى هي غيرت الرقم ولا ايه اللي حصل ؟

اندهش مالك لما سمعه وأعاد الكلام في ذهنه ثم ردد بتساؤل واستغراب:

_ازاي يعني ما بتردش عليك دي عمرها ما عملتها ؟!

غيرت رقمها مثلاً ؟
بس لو غيرت رقمها المفروض كانت تبعت لنا من على الرقم الجديد،

واسترسل حديثه وهو يحك ذقنه مستنتجا بتساؤل:

_ولا يكونش اشتغلت مع حد تاني عرض عليها اكتر وانسحبت من وسط مجموعة مالك الجوهري ؟

حرك علي رأسه بنفي واجابه بإبانة وتأكيد :

_لا ياه مالك ريما عمرها ما تعمل كده هي اكيد عندها ظروف منعتها انها تبعت لنا دي بقى لها سنين شغاله معانا وكانت قالت لي كذا مره إن جالها كذا عرض وهي رفضت ،

مش معقول يعني اللي ماشية بالمبدأ ده هتغير رايها عشان خاطر الفلوس،
دي عمرها ما اتكلمت معانا في فلوس ولا غيره ولا حسينا من ناحيتها انها مش مقتنعه بالمبلغ اللي احنا متفقين عليه معاها ،

واسترسل حديثه بتأكيد على كلامه :

_وبعدين يعني هي لو راحت لحد تاني وقبلت اي عرض ما هتبلغنا انها خلاص مش عايزه تشتغل معانا عشان تنهي العقد او ان ده اخر عقد هيبقى بينا مثلا،

يعني خيالها مش هيوصلها انها تقفل التليفون عشان ما نعرفش نوصل لها ولا ترد علينا ما اعتقدش ان واحده زي ريما تعمل كده ؟

قطب جبينه وهز رأسه بعدم فهم وتسائل متعحبا :

_الله امال ايه الحكايه بقى؟!

انت لازم تقب وتغطس يا علي وتشوف لي الحوار ده ايه،

لا يكون جرى لها حاجه واحنا قاعدين هنا نضرب اخماس في اسداس .

انتصب علي واقفا وانتوى المغادره وتحدث قائلاً:

_ تمام هحاول اوصل للأكونت بتاعها علي الفيس وربنا يساهل متقلقش نفسك إنت.

ثم اتكأ علي كرسيه للخلف وهو يدلك جبينه بإرهاق وهو مغمض العينين في حالة استرخاء لكي يستعيد توازنه من إرهاق العمل ،

وإذا به استمع إلي صوت لن ينساه طيلة حياته يردد بهمس :

_ الله عليك وإنت راسي وفي حالة استرخاء بتفكرني بأحلي أيام قضيناها مع بعض ،

كنت لما بتبقي تعبان من ضغط الدراسة مع الشغل تسند علي الكرسي براسك وتبقي بنفس الشكل وانا كنت أتأمل فيك وفي هدوئك وفي ملامحك إللي كانت بتظهر الرجولة منها .

لم يتحرك من مكانه وظل يستمع إلي حديثها ولم يفتح عينيه وتحدث ببرود قاتل :

_ إيه إللي دخلك المكتب من غير استئذان ؟

إزاي الست هانم إللي قاعده برة تدخل اي موظف عندي هنا من غير استئذان ؟

ادعت التأثر والزعل من حديثه الجامد وأجابته بعتاب :

_ بقي كده يامالك دي مقابله تقابلها لهنا وهي جايالك مكتبك والشوق ضناها والخصام دوبها ،
انت ما كنتش كده كنت حنين جدا عليا وعمرك ما عاملتني بجفا ولا اديت ضهرك ليا ابدا .

اعتدل في جلسته ونظر اليها واجابها بكل هدوء وثبات :

_كنت مغشوش فيكي ما كنتش شايفك على حقيقتك ،

كنت بالنسبه لي حبيبتي وصاحبتي وبنتي واختي ومستقبلي وكياني اللي بشتغل وبنحت في الصخر وانا بدرس علشان خاطر نتجوز وتبقي ليا،

واسترسل حديثه بندم :

_بس كنت غلطان لما افتكرت ان مهما اديتك الحب ووعدتك بالمستقبل والأمان كنت برده هتسيبي العز والمال والجاه اللي بعتيني بالرخيص علشانهم !

كنت غبي وغلطان بس الحمد لله ربنا مش بيعمل حاجه وحشه وكشف لي حقيقتك قبل ما ادبس فيكي .

كانت تستمع الى حديثه بآذان صاغية ولا تعلم لما اثر كلامه فيها وجعلها تشعر بالندم تجاهه وردت بتيهة :

_ كنت لسه صغيرة يا مالك وفاكرة ان الدنيا لبس وفسح وخروج واني اعيش سني ما كانش لسه عقلي نضج ،

وكريم أغواني ساعتها وفضل ورايا يطاردني في كل مكان ما قدرتش اقاوم اغراءاته ليا ما كانش لسه عقلي يستوعب يعني ايه حب وفراق ووجع ،

ما كانش لسه عقلي يستوعب ان كنوز الدنيا ما تكفيش قلب يحبك وروح تستوعب روحك وكيانك .

ابتسم بسخريه على حديثها ولكن هو يفهم جيدا في الاشخاص رايها تتحدث بكل تأثير حقيقي ولم تدعيه،
فأجابها بعملية رجل عاش اكثر وقته بين العمال واصحاب الطبقه المتوسطه واصحاب الطبقه المخمليه :

_كنتي صغيره !
انت جايه تضحكي عليا ومفكره اني لسه مالك اللي بيدوب في هواكي زي زمان وكان بيتمنى لك الرضا ترضي لا يا هانم فوقي اللي قدامك دلوقتي قضى حياته بين كل انواع الناس وفاهم دماغهم وتفكيرهم كويس جدا،

حتى ولو زي ما إنتي بتقولي كنتي صغيرة والدنيا واخداكي بس خلاص على رأي المثل زي ما بيقولوا اللي اتلسع من الشوربه ينفخ في الزبادي ،

ومش مالك اللي حاجه تدي له ضهرها ويرجع لها تاني ،

لا رجولتي ولا كرامتي ولا المكانة اللي وصلت لها تسمح لي اني ابص ورايا وأرجع حاجه انتهت من زمان بالنسبة لي واندفنت والمدفون عندي بيتحول لتراب ،

واستطرد متهكما :

_مبررك غير مقنع بالمرة يا مدام يا اللي سبتي اللي حبك واشتراكي زمان ورحتي لأكتر واحد بيكرهه وقدمتي له نفسك على طبق من دهب وفي الآخر اتجوزك شهور ورماكي واتجوز غيرك وغيرك،

للأسف بعتي نفسك بالرخيص قوي قوي وانا ما بحبش الناس الرخيصة ما تشرفش بيهم يكونوا في حياتي .

انسدلت الدموع من عيونها تأثرا بحديثه واجابته بعتاب:

_بقى كده يا مالك بقى انا بالنسبة لك رخيصه وبالنسبة لك زي التراب!

بتعمل فيا كده وبتذلني علشان خاطر انا اللي رجعت لك وبطلب منك السماح .


تحمحم كي ينظف حنجرته وتحدث بملامح جادة لوجه مكفهر :

_عارفه يا هنا ساعات بتكون الحاجة باينة قدامنا انها بتلمع وان مفيش أجمل منها ولما نقرب منها وندقق فيها قوي نشوف حقيقتها وبرده نفضل نقنع نفسنا انها حلوة وان ما فيش أحلى منها ونقول لما نجربها كده ،

وناخدها ونجربها ونشوف عيوبها باينه قدامنا وأي حد يكتشفها لكن نفضل نعاند لحد ما الحاجة دي ذات نفسها تكرفنا وتقول لنا انتوا بتفهموش،

إنتي بقى الحاجه دي كانت كل حركة بتعمليها معايا من كبر وتطلعك للأعلى وعدم مراعاتك لظروفي في ساعات،

كانت بتنبهني انك ما تنفعنيش لكن أنا كنت بعاند ،
حقيقي اللي قالوا مراية الحب عميا صدق المثل ده جدا ،

خلاصه الكلام عايزه تفضلي هنا تنسي خالص مالك اللي إنتي كنتي تعرفيه زمان ده خلاص ما بقاش موجود دلوقتي مالك بقي مالك الجوهري اللي شخصيته اتغيرت 180 درجه عن زمان ،

فيا ريت بعد كده انا وضحت لك وجهه نظري تلزمي حدودك معايا وما تتعديهاش يا اما كده يا اما هضطر أفصلك وده تاني انذار ليكي فيا ريت تخلي بالك منه كويس علشان انا ما عنديش الانذار التالت ،

ثم فتح الملف الذي امامه واشار بيده دون ان ينظر اليها قائلا بأمر:

_ودلوقتي اتفضلي على شغلك ويا ريت تخلي بالك كويس جدا لأن الغلطه عندي ما لهاش شفاعه ويا ريت برده ما حدش يعرف حاجه خالص عن اللي كان بينا زمان علشان خاطر ما تبقيش الجانية على نفسك .

وكادت ان تفتح فمها لتتحدث باعتراض الا انه نظر اليها نظرة أرعبتها جعلتها تركض من امامه كمن لدغها عقرب ،
وعاد الي ملفاته يتفحصها وكأن شيئا لم يكن،

اما هي خرجت فاقدة الامل في ارجاع مالك اليها للأبد لانه عنيد بطبعه ولا يقبل اي شخص ينزل من شأنه ايا كان هذا الشخص .

______________________________
في كليه التجارة ظهرا

تجلس مريم وهي تقلب في هاتفها بشرود فهي قلما تشحن باقة هاتفها عندما يتوفر معها مبلغ ،

فتحت اشعار طلبات الصداقة وجدت رحيم باعثا لها طلبا دق قلبها بوتيرة سريعه وبأيد مرتعشه قبلت الطلب ،

ثم حدثت متسائلة نفسها بتيهة :

_يا ترى هو بيبعت لكل الطالبات طلب صداقه ولا ليا انا بس عشان عملت له اعجاب على منشور ؟

طيب اروح له يساعدني يعمل لي اللي انا عايزاه ولا لا ؟

وبعد مدة في الأخذ والرد مع نفسها قررت ان تذهب الى مكتبه وتطلب منه ما تريد،

فسألت الأمن عن مكتبه وادلو لها مكانه وذهبت اليه على الفور ودقت على بابه باحترام وانتظرت الرد الى ان اذن لها بالدخول،

فدخلت والقت السلام بهدوء فرد عليها رحيم قائلا بوجه بشوش عندما رآها فهي كانت تحتل عقله وتفكيره منذ قليل :

_يا هلا وغلا فيكي نورتي مكتبنا المتواضع آنسة مريم .

نظرت اليه بابتسامه هادئه وتحدثت بنبره صوت خافتة :

_اهلا وسهلا بحضرتك يا دكتور،

ممكن اتكلم مع حضرتك شويه لو وقتك يسمح ؟

اغلق المذكرة التي كانت امامه واجابها بملامح مبتسمه قائلا :

_سبق وانا اللي عرضت عليكي انك لو احتاجتي اي حاجه تيجي لي مكتبي وانا مش هتأخر عنك اتفضلي يا ستي اؤمريني وانا عليا التنفيذ .



لانت ملامحها وشعرت براحة اجتاحت روحها لحديث ذالك الحنون الذي وصل لأعماقها وتوغل في روحها مرددة بلجلجة:

_احب اشكر حضرتك جدا على عطفك معايا يا دكتور ولأنك فاتح مكتبك لأي طالب محتاج مساعده ،

واسترسلت حديثها بتوتر وهي تفرك يداها :

_انا كنت عايزه اقدم على طلب اني اسكن في المدينه الجامعيه بس هم هنا ليهم شروط علشان القبول ،

ما اعتقدش ان ظروفي تسمح بشروطهم لأن مسكنى قريب من الجامعة ،فكنت عايزه حضرتك تتوسط لي عندهم اني اجي هنا المدينه الجامعيه لاني في مشكله كبيره مش هيحلها غير اني ابقى في المدينة الجامعية .

ضم حاجبيه وعبس وجهه وسأل مستفسرا بدهشة ظهرت علي ملامح وجهه:
_ وانتي ليه عايزه تقعدي في المدينه الجامعية يا انسه مريم وانتي زي ما بتقولي ان مسكنك قريب هنا من الجامعه ،

ممكن توضحي لي اكتر وما تقلقيش اي حاجه هتقوليها هتبقى بيني وبينك ما حدش هيعرف عنها حاجه بس عشان اقدر اقف جنبك واعمل لك اللي انتي عايزاه .

أخرجت تنهيدة حارة وأنزلت بصرها وأردفت قائلة بنبرة محملة بأثقال من الهموم :

_مش عارفه اقول لحضرتك ايه يا دكتور بس انا اللي انا شايلاه واللي على قلبي وعلى كتافي تقيل جدا هم جبال ،

مش عايزة ازعج حضرتك بمشاكلي وهمي علشان خاطر اللي انا فيه ما لهوش حل .

ضيق عيناه ووجه لها سؤال باستفسار :

_طيب ممكن تعتبريني صديقك مش دكتورك في الجامعة وتحكي لي او اعتبريني زي اخوكي الكبير اللي لو حاجه مضايقاكي هتروحي تشتكي له .

ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة قبل أن تدلى عليه أيا من مشاكلها ولكن مابيدها شئ فتحدثت بإيضاح :

_انا للأسف ما ليش اخوات ولا اب ولا ام ولا عيلة انا يتيمة ووحيدة وعايشة في الملجأ .

انصدم هو مما سمعه منها ونظر لها بتمعن منتظرا تكمله حديثها ،

اما هي اكملت حديثها بوجع تنشق له القلوب :

_عيلتي كلها ماتت وانا طفلة صغيرة فالجيران اضطروا يودوني للملجأ لان ساعتها ما كانش عندهم مقدرة يتحملوا مسؤولية طفلة فاجتمعوا على انهم يودوني الملجأ ،

كان تقريبا ساعتها عندي سبع سنين تعبت نفسيا من وانا طفلة صغيرة لكن استسلمت للأمر الواقع ،

واسترسلت حديثها والدموع تملأ مقلتيها :

_لكن الظاهر الدنيا ما كفهاش اللي انا فيه لا وكمان زودت عليا هم فوق همومي ،

واحده كانت معانا في الملجأ ولما اتخرجت وخلصت تعليمها شافت طريقها وفي لمح البصر اغتنت وبقت عربية وفيلا وحاجة كده زي بتوع الأفلام ،

وكانت كل شويه تجي لنا زيارات في الملجأ وتجيب هدايا كتير معاها واتصاحبت على البنات كلهم وأخدت أرقامهم ،

وانا من ضمن البنات اللي كانت واخده رقمها ،

ففي يوم كنت قاعدة وبعتت لي رسالة على الواتس فيها لينك اني لو شاركته وبعته لكذا حد هكسب رحلة حج او عمره،

الموضوع عجبني جدا وقلت يمكن الحظ يلعب معايا وينصفني النوبادي واروح اعمل عمره او حج ،

وفتحت اللينك لقيته فاضي ما استغربتش قلت عادي يمكن هي غلطت فيه ،

وعدت الأيام والشهور وفي الأخر لقيتها جايه لي بتوريني فيديوهات ليا وأنا في أوضاع خاصة،

انصدمت ازاي قدرت تجمع الفيديوهات دي كلها وفي اماكن مختلفه،

وبالصدفه سمعت فيديو على التليفون ما نفتحش لينكات خالص لأنها بتهكر التليفونات،

واكتشفت هي عرفت تاخد الفيديوهات دي ازاي ودلوقتي بتهددني بيهم اني لو ما اشتغلتش معاها هترفع الفيديو للدار وهما اول ما يشوفوا الفيديو هيحرموني من التعليم واحتمال كبير يودوني الإحداثيه ،

ثم انفطرت في البكاء وهي تلعن حظها الذي اوقعها مع تلك الشيطانه .

توجع بداخله علي ما تعيش فيه تلك المسكينة لن يكفي انها عاشت يتيمة الأب والأم بل زادتها الهموم هما تنفطر له القلوب اذ وقعت تحت رحمه ذئاب البشر ،


ثم تنهد بثقل وألم نفسي انتابه جراء كلماتها وتحدث إليها بحنو :

_ياه ده اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته بجد إنتي ازاي استحملتي ده كله !

بس ساعات ربنا بيحطنا في اختبارات وابتلاءات علشان يشوف مقدار ايمان عبده وقوته وصبره علي الابتلاء ،

فانا عايزك تهدي كده علشان نشوف حل في المصيبة اللي انتي وقعتي فيها دي ،

واستطرد متسائلا باستفسار :

_طيب ممكن تهدي و تقولي لي ايه نوع الشغل اللي هي عايزاكي تشتغليه معاها ؟

جففت دموع عينيها وأجابته بإبانة :

_عايزاني اعمل فيديوهات بمشاهد خليعة وابعتها لها وهي هتتصرف فيها وقالت لي انها هتديني فلوس كتير على الفيديوهات دي ،

وانا مش حابه اني اعمل كده خالص ،

وشايفه ان انا متربية في ملجأ ومحدش هيحاسبني على اللي انا هعمله وشايفه كمان ان كده معذبه نفسي في الفقر اللي انا فيه ومستحمله بلاوي الدنيا واني لازم استغل شكلي الحلو وأقب على وش الدنيا ،

كان يستمع الى حديثها بذهول لم يكن يتوقع يوما ان تلك البريئة التي امامه تحمل أعباءا من الهموم لا يتحملها اعتى الرجال وردد بتوضيح وهو يومئ براسه للأمام :

_اه انا كده تقريبا فهمت الهانم شغاله في شبكه دعاره الانترنت بتصطاد بنات علشان خاطر يعملوا فيديوهات ويا ريت بتقتصر على كده بس،

لا ده كمان بتدخلهم شاتات يتواصلوا فيها مع شباب اوروبيين وخلايجه وبتقبض من وراهم بالدولارات ،

ثم ضرب كفا بكف واسترسل حديثه بألم:

_وده كله بسبب لينك الواحد ممكن يفتحه غلط يلاقي نفسه موبايله كله في ايد عديمي الرحمه والانسانيه اللي سولوا لنفسهم يعملوا حركه زي دي ،

انا مش عارف الدنيا رايحه بينا على فين الخطوه اللي بنتقدمها لازم نكون حاسبين لها كويس علشان ممكن نقع وقعة ما نعرفش نقوم منها ،

ثم اكمل حديثه بتساؤل :

_طيب لما قالت لك كده إنتي عملتي معاها ايه ؟

استمعت الى حديثه وأجابت بتوضيح وعيون زائغه كلما تذكرت ما فعلته معها والخوف يضرب بجسدها صبا صبا :

_كل مره بتجيلي فيها برفض رفض شديد وهي محاولاتها ما بتقلش وبعد ما كانت بتعاملني بالسياسه علشان خاطر اوافق بقت تتعامل معايا بالتهديد والعنف لما لقيتني مصممة على رايي في الرفض ،

واخر مره شدينا مع بعض في الكلام وضربتها بالقلم ومن ساعتها وانا عايشه حياتي في جحيم علشان خاطر هددتني ان انا هدفع تمن القلم ده غالي ،

وللأسف الفلوس والسلطه مقويين قلبها وانا بالنسبه لها زي الصرصار اللي تدهس عليه برجليها يموت في التو والحال ،

وانا وحيدة وضعيفة ،وخايفه في الاخر اضطر اني اعمل اللي هي عايزاه،

ولما بقعد مع نفسي بفكر اني ما قداميش غير حاجتين والحاجتين ،هيغضبوا ربنا سبحانه وتعالى يا اما هضطر اني اوافق واخسر نفسي واخسر مستقبلي اللي تعبت عشان ابني يا اما انتحر واخلص من الدنيا باللي فيها وبقرفها وبلاويها وفي كلتا الحالتين هخسر دنيتي واخرتي ،

واسترسلت بدموع :

_تعبت من كتر المعافره وما بقتش عارفه اعمل ايه ولما انت قلت لي دلوقتي احكي واعتبريني زي اخوكي كأن ربنا بعتلي طوق نجاه اتنفس من خلاله وافك عن وجعي وألمي .

لم يكن يتوقع رحيم ان يصادف مثل تلك المعضله في شخص ضعيف يوما،

لقد احس بالألم تجاهاها وكأنها منه وارتاب قلبه خوفا من تهديد تلك الشمطاء فاجابها على الفور قائلا :

_طيب ممكن تهدي وان شاء الله ربنا هيقف جنبك وهييسر لك الصعب وهيبعد عنك الاذى طالما اخترتي رضاه وان إنتي تتقيه وما استسلمتيش للأمر الواقع وقلتي ما باليد حيله زي ما غيرك عمل ،

فعلشان كده تأكدي ان ربنا هيخلق لك بعد الصبر جبر وباذن الله انا هقف جنبك ومش هسيبك ،

بس ممكن تهدي علشان خاطر دموعك دي بتقطع قلبي،

وانا هكلم لك مديرة المدينة الجامعية وحاول معاها ولو ما رضيتش نشوف حل تاني،

وكمان عايزين نعمل محضر في البنت اللي بتهددك والبوليس هو اللي هيقدر يتعامل معاه وما تقلقيش هم هيعرفوا يجيبوها كويس جدا بس محتاجين رساله منها او مكالمه مسجله وهي بتكلمك وبتهددك .

احست بخيال من الأمل طاف أمامها وجعل قلبها يهدا من روعه قليلا ولكن ما تذكرته في الحال قضى على الأمل الذي بداخلها وشرعت في بكاء مرير

______________________________

في منزل باهر الجمال

أنهت ريم رسمتها التي نقشتها للمرة الخامسة
لفقيدها الغالي ونظرت اليها بغشاوة من الدموع التي لم تفارق عينيها منذ وفاته وهي تردد مع حالها بأسى:

_ يا ريتني كنت سمعت كلامك ومعارضتكش ما كنتش مت وسبتني وفارقتني ،

يا ريتني ما فتحت معاك الموضوع من اساسه وكنت هتفضل في حضني وفي حضن ولادك وعيشتنا الهاديه تستمر ،

انا السبب في اللي حصل لك وعمري ما هسامح نفسي بس والله العظيم يا حبيب عمري ما كنت اقصد اني اضايقك ولا كنت هنفذ اي حاجه من اللي قلتها لك ،

كل اللي انا كنت هعمله محاولات ضغط مني علشان خاطر توافق اني اشتغل ما كنتش اتوقع انك بتحبني للدرجه دي!

ما كنتش أتوقع اني اكون سبب في فراقك يا ريتني كنت انا اللي بدالك ولا اني اعيش بعذاب الضمير ،

ثم وضعت يدها علي وجهها وهي تكتم شهقات البكاء المرير الذي لم يجف منذ وفاته ،

فدخل ابنها عمر وهي تبكي فجرى اليها واحتضنها بشده وردد ببراءه :

_انتي بتعيطي ليه يا ماما مش بابا مسافر ومش هيتأخر وهيجي على طول ؟

استمعت الى حديث الصبي وازدادت في البكاء ولكن حاولت تهدئ من حالها لاجل طفلها واجابته بهدوء وهي تضع يدها علي منكبيه :

_ بص يا عمر يا حبيبي انت خلاص كبرت وبقيت راجل قد الدنيا وهتخلي بالك من ماما واخوك الصغير،

بابا الف رحمه ونور تنزل عليه راح فوق في السما عند ربنا المكان اللي احنا كلنا مسيرنا في يوم من الايام هنروحوا ،

علشان انت كبير وعاقل مش بعتبرك طفل صغير فبحكي لك على كل حاجه ،

واسترسلت حديثها وهي تأخذه بين احضانها :

_انا دلوقتي ما ليش غيرك انت واخوك هتبقوا أصحابي وحبايبي عايزاك تخلي بالك مني وتخلي بالك من اخوك ،

فاهمني يا حبيبي ؟

نظر اليها الطفل ببراءة وردد والدموع تملأ عينيه:

_يعني بابي مات ومش هشوفه تاني يا مامي خلاص ؟

وما ان قال الطفل ذلك حتى انفطرا في البكاء هما الاثنان فشددت والدته على احتضانه ورات انها لابد ان تقوي حالها ولا تضعف ،

فتحدثت اليه بحنان :

_الموت علينا حق يا حبيبي وفي يوم من الايام احنا كمان هنبقى زي بابا وهنروح له وهنبقى معاه بس دي بتبقى اعمار ربنا سبحانه وتعالى اللي بنؤمن بيه هو اللي محدده لنا وكاتبها لنا وانت مؤمن وبتقرا القران فلازم تبقى قوي وشجاع وتستقبل كل هجمات الدنيا بقوه علشان خاطر تقدر تعيش ،

واسترسلت حديثها بتعقل :

_ وربنا سبحانه وتعالى بيرزقنا نعمه الصبر والنسيان علشان نقدر نكمل والمفروض علينا ان احنا نتقبل اي ابتلاء ربنا يبعته لنا علشان خاطر يحبنا ويدخلنا الجنه مع بابا .

هدئ الطفل من حديث والدته واشار اليها بابتسامه وهو ينظر الى صوره والده المرسومة امامه :

_خلاص يا ماما انا هبقى كبير وقوي ومش هعيط تاني وهخلي بالي منك ومن اخويا علشان خاطر لما نروح لبابا يحبني كتير ويحضني كتير ويقول لي شطور يا عمر زي ما كان بيقول لي على طول .

جحظت عينيها وابتلعت لعابها من حديث طفلها ونظرت بداخل عينيه مردده بدعاء :

_بعد الشر عليكم يا حبايبي ربنا يطول في عمركم وتفضلوا جنبي وسندي وما يحرمنيش منكم ابدا يا نور عيوني ،

وكادت ان تكمل حديثها الا انها استمعت الى جرس المنزل ،

فأشار اليها الطفل ان تجلس ويذهب ليعرف من الطارق ،

أما هي جففت دموعها واذا بصهرتها تاتي اليها وجلست امامها وقالت بمكر :

_ ألا انتي يا ريم ما زهقتيش من القاعده لوحدك بين أربع حيطان جوزك ميت بقاله اسبوعين دلوقتي ليه ما اخدتيش بعضك ورحتي قعدتي وسط امك واخواتك يواسوكي في محنتك علشان خاطر ربنا ياخد بيدك .

اتسعت عيناها بذهول ورفعت احدي حاجبيها متعجبة :

_كلام ايه اللي انتي بتقوليه ده يا هند ! إنتي بتطرديني من بيتي بالذوق،

ازاي عايزاني اسيب بيت جوزي اللي لسه ميت بقى له اسبوعين واروح اقعد عند بابا واسيبه ليه اصلا !

واستطردت باستنكار :

_بدل ما تيجي تقفي جنبي وتواسيني في محنتي جايه تسمعيني كلام زي السم بس مغطياه ومذوقاه علشان خاطر ما يجرحنيش .

رفعت هند حاجبيها وأجابتها باستنكار :

_انا أقصد كدة !
اخص عليكي ياأم عمر ربنا الاعلم محبتك ومعزتك في قلبي قد ايه لكن انا قلت لك كده علشان خاطر ما تبقيش قاعده حزينة مكتئبة ولا قدر الله ممكن يجرى لك حاجه من الاكتئاب ده واولادك محتاجينك يا حبيبتي ما بقاش ليهم غيرك .

ابتسمت ريم بسخريه على حديثها واجابتها بحدة :

_مش هرد على كلامك انه اصلا مش من الاصول ان جوزي يبقى لسه ميت بقى له اسبوعين واسيب البيت وامشي ولا اقول لك اني لا العرف ولا العادات ولا التقاليد يسمحوا بكده ،

ولا هرد عليكي بقلة ذوق واقول لك ما تشغليش بالك بيا وانا أدري بأموري وبحياتي ،

واستطردت بتهكم :

_هقول لك ان ربنا سبحانه وتعالى أمر الست اللي جوزها متوفي انها ما تخرجش من بيتها الا لما توفي عدتها الا للضروره القصوى ،

ما تعرفيش دي كمان ولا إنتي عايزه الناس تلسن عليا وتجيب في سيرتي عمال على بطال مش توعي للكلام وتوزنيه قبل ما يخرج من بقك يا هند ؟

شعرت الأخرى بغضب عارم من حديث تلك الريم واستشاطت غضبا ،
ولوت فمها وتحدثت بنبرة ساخطة وهي تضرب علي فخذيها بغل :

_طب ولما الست هانم بتحس وعارفه الشرع وعارفه ربنا ليه عملتي اللي عملتيه واتسببتي في موته وعايشه دور الكئيبه الحزينه بتمثليه علينا والكل عمال يطبطب على الكونتيسة ريم وهم ما يعرفوش ان إنتي السبب في موته ،

وخاتمه الكل على قفاه وسابكة الدور على الأخر بس مش علي هند ياعنيا .




السابع من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close