رواية بين الحقيقة والسراب الفصل الثاني 2 بقلم فاطيما يوسف
في منزل باهر الجمَّال زوج ريم عصرا
عاد باهر من عمله فهو يدير مع أخيه سلسلة المطاعم المشهورة في الإسكندرية بالأسماك البحرية ذات النكهة المميزة بمطاعهم ،
ليتناول وجبة الغداء مع زوجته وأبنائه فهو عكس أخيه يحب التجمع مع أبنائه علي طاولة الطعام،
دلف إلي داخل المنزل وصعد إلي الطابق الثاني لكي يسلم على والدته ويطمئن عليها أولا ،
دلف إليها بوجه مبتسم وهو يقبل رأسها:
_ إزيك ياماما عاملة إيه يابرنسيسة اسكندرية بحالها .
واسترسل وهو يغمز لها بمداعبة:
_ إللي يشوفك كدة ميقولش عندك شابين طوال عراض زيي أنا وزاهر .
_الله أكبر عليكوا ياحبايبي ربنا يحرسكم ويحميكم من العين يااارب .... قالتها والدته بصدق ،
وأكملت بنبرة متهكمة :
_ بردوا جاي علي ملى وشك علشان تتغدي مع البرنسيسة ريم هانم ،
ماكنت اتغديت مع أخوك ماهو مبيجيش زيك كدة كل يوم ويتعب نفسه ،
ولا الست ريم هانم تزعل وتعلق لك المشنقة.
استوعب سؤالها وأردف بنبرة عتاب محاولا تجنب سخريتها :
_ ليه ياماما ديما مش متقبلة ريم وديما شايفاها زوجة الإبن المتسلطة والمتحكمة ،
واسترسل بعتاب :
_ علي فكرة بقي إنتي مربية رجالة مفيش حريم بتحكم هم ، كل الحكاية إني بحب أتجمع مع ولادي ومراتي علي سفرة واحدة ،
وكمان بابا الله يرحمه معودنا علي كدة كان يسيب شغله ويجي يتغدي معانا.
لوت شفتيها بامتعاض وأردفت بنفس سخريتها:
_ ولما إنت راجل كدة زي ما بتقول سايب البرنسيسة تشتغل رسامة وخياطة ليه ؟!
هي محتاجة فلوس علشان تجرسنا وسط الناس بشغلها علي النت ؟
انتصب قائماً كي ينهي الجدال العقيم الذي لايسمن ولا يغني من جوع مع والدته وأردف وهو ينظر إليها باستعطاف:
_ ياماما قلت لك ميت مرة ريم مبتشتغلش علشان الفلوس ولا علشان محتاجة ،
وبعدين ليه مسمية شغلها ده خياطة أو رسامة مع إن دي مهنة عظيمة لكل ست بتشتغلها علشان تحسن من مستوي حياتها وتقف جنب جوزها ،
واستطرد بتفهم :
_ ريم مصممة ياماما ومصممة شاطرة جدآ وموهوبة وبتشتغل بهدف تضييع الوقت علشان متحسش بملل ،
ولا إنتي عايزاها تبقي زي هند قاعدة مع دي شوية ودي شوية وجايبة لجوزها مشاكل .
اقتنعت بحديثه لكن عن هند فقط وأكملت بتشبس :
_ وليه متكونش زي اختك ماهي ولا بتقعد مع دي ولا دي ولا بتجيب مشاكل وبردوا حافظة قيمة جوزها ومركزه وسط الناس .
تأفف بضيق وتحدث بحدة:
_ لو سمحتي ياماما ياريت متتكلميش معايا في الموضوع ده تاني ريم شخصية وأختي شخصية وطالما مراتي في حالها ومبتجبليش مشاكل خلاص .
أمسكته من يده وأجلسته كي تراضيه لأنها رأت علامات الضيق ارتسمت علي وجهه :
_ ياحبيبي أنا بقعد باليومين هي فوقي وأنا تحتها ومبشفهاش ،
وأكملت وهي بحزن مصطنع:
_ والعيال ولادك بيوحشوني وببقي نفسي أشوفهم وهي مبترضاش تنزلهم إلا ورجلها علي رجلهم .
ربت علي ظهرها مرددا بحنان:
_ خلاص ياماما هتكلم معاها في موضوع النزول والولاد ده ، أما موضوع التصميم والهواية إللي هي بتحبها معلش ياأمي اعذريني .
إبتسمت بانتصار لاعتقادها أنها مغصت اليوم علي ريم ورددت بخبث:
_ لأ ياحبيبي متتكلمش معاها أنا مش عايزة أعمل لك مشاكل مع مراتك وتقول لك أمك ومش أمك آه .
_ولا
مشاكل ولا حاجة ياحبيبتي ريم عاقلة ودماغها كبيرة ...قالها باهر وهو منتوي
الخروج مودعا والدته وصعد إلى شقته في الطابق الرابع وهو ينفض جميع ما
قالته له والدته عن باله .
دلف المنزل وما أن استمع ولده الصغير مجيئه هرول إليه مسرعا بسعادة عارمة ،
وأخذه بين أحضانه مرددا بإبتسامة:
_ حبيب بابي إللي واحشني قد الدنيا بحالها ،
ونظر يميناً ويساراً متسائلاً بلهفة :
_ آمال فين مامي ؟
خطت إليه تحتضنه كعادتها عند عودته من الخارج ،
استقبلها بين أحضانها وقبلها من جبهتها مرددا بحب:
_ حبيبتي الجميلة إللي واحشاني جداً .
قبلته من وجهه وأردفت بإبتسامة عذبة:
_ حمد لله على السلامه ياقلبي ، إنت كمان واحشني جداً ،
واسترسلت وهي تشير إلى الطاولة :
_ يالا ياحبيبي اقلع الجاكت واغسل ايديك أنا جهزت الأكل علي السفرة ،
بسرعة بقي علشان احنا جعانين جدا ومستنينك ومرضيناش ناكل حاجة خالص إلا لما تيجي .
ذهب إلي المرحاض كي يطهر يداه وتحدث:
_ حالاً أهو هغسل إيدي وأجي لكم يا حبايب بابا ،
وجلست العائلة الصغيرة مجتمعين علي طاولة الطعام بكل حب وألفة متسامرين بضحكات ومشاغبات باهر مع أطفاله وزوجته ريم ،
وقرر أن يقضي باقي يومه معهم ،
ريم لها ولدان من باهر عمر في سن الخامسة من العمر ، وياسين عمره شهرين فقط .
___________________________
في منزل جميل المالكي ،
تقف راندا ووالدتها فريدة في المطبخ يجهزون الطعام ،
فراندا أتت لتقضي اليوم هي وأبنائها مع والدها ووالدتها وأخيها لأنها ستسافر إلي زوجها في نهاية الأسبوع ،
فريدة بحزن :
_ يعني خلاص يا راندا هتاخدي الولاد وتسافري آخر الأسبوع ؟
واسترسلت بوحشة وهي تنظر إلى احفادها:
_ أنا متعودة علي وجود الولاد حواليا بجد هفتقدهم اوي ومش عارفة هستحمل بعادك وبعادهم إزاي ؟
احتضنتها راندا وقبلتها من وجهها وأردفت بحب:
_ ياحبيبتي إنتوا كمان هتوحشوني أوي متتصوروش ببقي متضايقة علشان خاطر هبعد عنكم التلت شهور دول كلهم ،
واسترسلت وهي ترفع يداها الاثنتان :
_
ولكن ما باليد حيلة يا أمي للأسف ظروف الشغل هنا في البلد صعبة جداً ولو
إيهاب فكر يرجع مش هيلاقي مكتب يعيشنا المستوى الاجتماعي والمادي إللي إحنا
عايزينه .
رد عليها رحيم أخيها وهو يخرج من غرفته :
_ طب ياروني ما كفاية كدة ويرجع يفتح له مكتب هنا ورزقكم علي الله .
وجهت أنظارها تجاه أخيها وأردفت بعملية :
_
للأسف يارحيم سوق العمل هنا بقي صعب والجنية قيمته قلت جداً وزيد عليهم
كمان إن كل الفلوس إللي بيبعتها لنا إيهاب يدوب عملنا بيها الفيلا بتاعتنا
ولسة كمان بنشطب فيها ،
قدامنا سنة كمان علي مانخلصها ،
واسترسلت بتوضيح أكثر :
_ لو رجع بقي واستقر هنا هنضطر نحط كل الفلوس إللي معانا في المكتب وتشطيباته ونستني بقي عقبال مانكون عملاء يثقوا فينا ،
وبعد سنين الغربة دي كلها يبقي الحال كما هو عليه .
استوعب أخيها حديثها وأردف بنبرة حنونة :
_
فعلاً سوق العمل هنا بقي فيه خمول رهيب وربنا يستر ، ومين عايش في الدنيا
مرتاح ياأختي ، توكلي على الله وقلوبنا ودعواتنا محاوطاكم .
ربنا علي ظهره بحنان مماثل ورددت :
_ حبيبي ربنا يخليكم ليا وميحرمنيش منكم أبدا ،
ومسير الأيام هتجمعنا وساعتها بإذن الله مش هنفترق أبدا .
وما إن أنهت كلامها حتي سمعت أباها عائدا من البنك ،
هرول إليه أحفاده مسرعين باحتضانه ،
استقبل هم جميل بحفاوة مقبلا كل منهم من رأسه وردد بوجه يشع سعادة :
_ يادي النور يادي النور أحفادك حبايبك منورين بيتك ياجميل ،
واحشني يامهاب إنت وحبيبة جدها سموكة القمر ،
وأمسك كل منهم بكفاي يداه وأجلسهم علي الأريكة وهو متوسطهم مرددا بحزن :
_ خلاص هتسيبوا جدوا وتسافروا .
احتضنوه وقبلوه من وجهه وقال مهاب :
_
إنت كمان هتوحشنا أوي ياجدوا وأكتر حاجة هتوحشني إنك تعملي كوباية القهوة
التمام ونقعد أنا وأنت في البلكونة ونديها شطرنج لحد نص الليل ،
ثم ضم شفتيه وهو يضع إصبعه السبابة عليهم واسترسل بتأثر مصطنع:
_ تصدق ياجدوا إني بجد هفتقد قعدتك ودروسك إللي بتديهالي في الحياة لما أسافر .
_بس بقي يامهاب سيب لي جدوا شوية هو مفيش غيرك إللي حبيب جدوا...قالتها سما وهي تشدد من احتضان جدها الحبيب.
ابتعد جميل عن مهاب بحدة مصطنعة وأردف بنبرة حب لسما:
_ ابعد يا ولد يامهاب خليني أشبع من سمكة حبيبة جدها إللي بتعمل لي أحلي كيكة وجمبها كوباية شاي ،
ارتمت بين أحضانه وابتسمت لإطرائه الشديد لكل ماتفعله له وتحدثت بابتسامة عريضة:
_ ياه ياجدوا إنت الوحيد إللي بتعمل لي قيمة وبترفع من معنوياتي إللي دايما حابطها لي الواد ده ،
وأشارت بعينيها الي أخيها وهي تخرج له لسانها علي سبيل المداعبة ،
وبدوره ألقي بالوسادة في وجهها واشتعلت الحرب بينهم بمشاكسة ،
فضت والدتهم النزاع الأخوي المعتاد في كل منزل وكعادة كل ام رددت بصوت عالي:
_ بسسسس عيب يابنت عيب ياولد ،
ونظرت إلي والدها وقالت :
_ يالا يابابا ادخل غير هدومك أنا وماما جهزنا الغدا ،
واسترسلت بحزن مصطنع:
_ ولو إنك انشغلت مع الأشقية دول ومسألتش علي بنوتك حبيبتك .
أجابها والدها وهو ينظر إلي أحفاده بحب :
_ متزعليش مني ياروني دول بيخطفوا قلبي أول مابشوفهم ،
ثم ولج إلي غرفته لكي يبدل ملابسه ويخرج يتناول معهم الغداء ،
وضعت
فريدة وراندا الطعام علي الطاولة بنظام وترتيب كعادة فريدة فهي تعشق
النظام والترتيب وما إن انتهوا حتي خرج جميل من غرفته وجلسوا جميعهم
يتناولون الطعام بشهية مفتوحة نظراً لتجمعهم ،
ثم أردفت فريدة بحزن :
_ مش كانت الست ريم هانم كانت جت اتجمعت معانا في يوم زي ده ؟
_إنتي كلمتيها وعرفتيها ياماما ؟
سألها رحيم وهو يشمر عن ساعديه ليتناول طعامه في أريحة ،
امتعضت ملامحها وأجابته بنبرة حادة:
_ آه طبعاً كلمتها وبتقول إنها مش فاضية وإن وراها تصميم مطلوب تسلمه بكرة ،
وأنها هتبقي تروح لراندا تسلم عليها قبل ما تمشي ،
واسترسلت باستنكار:
_ ومحليش التصميم إلا لما طلبت منها تيجي تتجمع معانا .
تفهم جميل حديثها وأجابها بتعقل :
_ ماتبقيش أفشة كدة مع ريم ياأم رحيم ، البنت بتعشق التصميم وبتحبه جدا وبتحاول تتطور من هوايتها وتحقيق حلمها ،
المفروض مننا إننا تساعدها ونقف جنبها ومنكسرش مقاديفها .
استنكرت فريدة حديثه ونقده وأردفت بعتاب :
_ يعني لما أكون عايزة أجمع ولادي مع بعض علي سفرة واحدة وناكل من نفس الطبق يبقي بكسر مقاديفها ،
واسترسلت بتوضيح :
_
فيها إيه لما كانت تستأذن من التصميم أنها هتأخره يوم علشان أختها مسافرة
آخر الأسبوع ، وكانت جت اتجمعت معانا وقضينا يوم مع بعض ،
ولا علشان اتجوزوا وخلفوا بقي ملناش حق نضايق أو نطلب نشوفهم في أي وقت !
ضغط جميل علي يديها كنوع من التهدئة وتحدث بهدوء :
_ ملقتيش إلا ريم أهدي واحدة في ولادك وتشني عليها الحرب ،
واسترسل بتعقل وهو يغمز لرحيم وراندا أن يصمتوا عن حديثه عن أختهم لكي يهدئ والدتهم :
_
وبعدين البنت ملتزمة بعقد ومواعيد مع صاحب المصنع والعقد له شروط جزائية
علي التأخير ، وغير بيتها وولادها وأنتي قلبك كبير ياأم رحيم .
_أيوة ياأخويا إنت هتيجي في صفي علشان الست ريم هانم آخر العنقود إللي أي حاجة بتعملها علي قلبك زي العسل ،
قالتها فريدة باستنكار لحديثه واستطردت بتهكم :
_ وأنا بقي الأم الشرانية وأنت الأب الطيب الحنين ،
ابقي خليها تعمل لك بقي الرز المعمر إللي كنت هعمله لك .
أجابها بدعابة على الفور متراجعا:
_لاااا وعلي إيه ياأم الغالين البت ريم غلطانة والغلط راكبها من ساسها لراسها ،
واعملي فيها إللي علي كيفك ، بس متحرمنيش من الرز المعمر بتاعك إللي يعمر الدماغ ويسلطنها ،
وأكملوا سهرتهم في جو أسري ممتع وأثناء اندماجهم سمعوا صوت الجرس الخاص بفيلتهم الصغيرة يعلن عن وصول أحدهم ،
قام رحيم وفتح الباب وإذا بالصغار يقتحمون المنزل بمشاغبة تاركين آباهم مهرولين إلي جدهم الحبيب جميل ،
ابتسم رحيم وردد بمشاغبة:
_ طيب مش تسلموا علي خالوا ياوحشين هو أنا كيس جوافة واقف يعني طب أنا زعلان ،
ومثَّل بعلامات وجهه التي أضحكت ريم وباهر بشدة ،
ثم ردد باهر بمداعبة :
_ إحنا نقدر نزعل كيس الجوافة يوووه قصدي الدكتور رحيم علي سن ورمح ،
ثم أخذه في أحضانه ليتبادلوا السلامات
ودخلت ريم سلمت علي والدتها واحتضنتها بشدة وعلي أختها بالمثل وسلمت علي أبيها وتحدثت بعتاب مصطنع :
_ إيه ده متجمعين من غيري ياأندال وكمان بتاكلوا رز معمر من إيد ست الحبايب من غير ماتعزموا عليا ،
مكنش العشم ياوحشين أنا مخاصماكم .
تأففت والدتها وردت بحنق:
_ آه يختي كلي بعقلنا حلاوة وعلي رأي المثل خدوهم بالصوت قبل مايغلبوكم ،
واسترسلت بتهكم:
_ هو أنا مش متصلة بيكي وعازماكي وقايلالك إن أختك جاية هي ولادها علشان نتجمع كلنا قبل ماتسافر لجوزها .
أنبت حالها أنها فتحت ذاك الحوار وأصبحت متيقنة أن والدتها لم تمرر جلستها مرور الكرام قبل أن تفضي مافي جبعتها بالكامل ،
وعلمت أن أفضل رد الآن هو الإعتذار لتجنب المشاحنات فأردفت بإبتسامة يصاحبها الدعابة:
_انا إللي جبت ده كله لنفسي ،ايه يا نبع الحنان كده تقسي علي ريما حبيبتك وآخر عنقودك مكنش العشم بردك ،
ثم احتضنت والدتها وأكملت بصدق:
_ معلش يا أمي حقك عليا إنتي عارفة غصب عني والله أنا ملتزمة بتصاميم بوقت محدد لازم أخلصها وإلا هتعرض لشروط جزائية .
لوت شفتيها بامتعاض وهتفت بحدة:
_وأنتي
إيه إللي يخليكي تلزمي نفسك وتحطي شروط تورطك ، مسبتيش نفسك حرة ليه وقت
ماتخلصي تبعتي علشان متضغطيش علي نفسك وتقصري في حق نفسك وحق إللي حواليكي .
رأي باهر أن فريدة لن تصمت إلا أن تري دموع ريم بسبب تأنيبها لها فتدخل لكي ينهي الحوار مردفا بدعابة:
_ ولا سلمتي عليا ياحماتي ولا رحبتي بيا ولا بأحفادك ولا كأنك شايفة حد غير ريما هانم ،
أنا زعلان جدا أنا زعلان خالص .
ابتسمت علي حركات وجهه وأومأت ببشاشة :
_ لأ بقي ده إنت حبيب قلبي الغالي وأبو أحفادي وأخو رحيم ،
ثم نظرت إلي أحفادها واحتضنتهم بحب حقيقي ، وداعبتهم وانشغلت معهم ونسيت أمر ريم والتصميم في حضرة أعز الولد ،
ثم نظر جميل الي فريدة مرددا بفخر :
_ سمعت إن بقي ليكي ماركة مشهورة ومكسرة الدنيا ياريما ستور ياعالمي ،
ابتسمت ريم علي فخر أبيها وتحدثت وهي تشير علي حالها بفخر مصطنع :
_ أيون أيون أنا بقيت مشهورة بس للأسف مغمورة ،
والله أنا خسارة في البلد دي .
ابتسموا جميعاً علي مداعباتها وأردف زوجها بجدية:
_ مغمورة آه قلتي لي ، طب متحلميش بقي ياحبي علشان ماتفقيش علي كابوس ،
إحنا في بينا شرط إنك لو هتشتغلي يبقي مش مباشر ، إنتي عارفة إني بغير عليكي من الهوا الطاير ،
ومش
مستعد بقي لحوارات التصميم إللي معرفش مصنع مين مكلمك وآتليه مين عايزك
وحوار الإغراء بالفلوس علشان تروحي للمصنع ده ولا المصنع ده ،
واستطرد وهو ينظر داخل عيناها بحب:
_ أنا عايز نعيش أنا وأنتي وأولادنا في هدوء بعيداً عن ضوضاء السوشيال ميديا وعالم الأعمال إللي مبينتهيش ،
لم يعجب جميل حديث باهر وتحطيمه لآمال غاليته ولكنه صمت لعدة أشياء أهمها أن ابنته موافقة علي حديث زوجها ولم تعترض ،
وأيضاً لم يريد أن يحشر نفسه بينهم هم أدري بشؤون بيتهم،
أما ريم حزن داخلها لأجل تصميم زوجها علي غمر موهبتها داخل أركان منزلها فقط ،
وأعدت نفسها للتحدث معه في ذلك الموضوع علي انفراد ،
ثم التهت مع عائلتها في جو كله مرح وسعادة لاتريد هي إفسادها بمزاجها السئ .
____________________________
في منزل مالك الجوهري
يجلس علي الأريكة وأمامه اللابتوب الخاص به يراجع بعض التصميمات المرسلة إليه من علي ،
وجد أن أكثرها يحتاج إلى تعديلات دونها أولا بأول لكي يرسلها إليه فهو المسؤول عن التصميمات الأون لاين ومتابعة أصحابها ،
إلي أن جاء أمامه التصميم المبهر الذي ينتظره كالعادة ويعرف صاحبته جيدا من أشياء كثيرة ،
من هدوئه الذي يخطف بريق العين ،
ومن اكتماله فنادرا ما يجد لصاحبة هذا التصميم أخطاء فهي تنفذ تصميمها بحرفية عالية ،
ومن توقيعها أسفل التصميم توقيع خاص بتصميمها فقط ،
وحدث حاله وهو يتناول قهوته ويشرب معها السيجار المفضل لديه قائلاً بإعجاب :
_ ياتري عندك كام سنة ياريما ستور علشان تصميماتك إللي في منتهي الروعة دي ،
إللي زيك بالخبرة والإبداع ده اكيد عمرك معدي ٥٠ سنة ،
وأكمل متسائلا حاله بحيرة:
_ ياتري ليه مختفية ورافضة الظهور واحدة زيك كان المفروض أقل حاجة يبقي عندها مشغل وأتيليه ويجي لها أشهر الناس يصمموا عندها ،
وبقي علي حيرته وتعجبه إلي أن خرجت والدته تدعوه إلي تناول العشاء ،
ذهب إلي طاولة الطعام وسأل والدته وهو يمسك الشوكة بيده اليسري والسكينة باليمني ويقوم بتقطيع الدجاج من أمامه بضيق:
_ هو الأستاذ مازن سهران برة كالعادة كل يوم نتعشي من غيره ،
ونظر في ساعة يده مردفا بحدة :
_ والساعة حالياً داخلة علي ١١ وهو ولا في دماغه .
ربتت أمه علي يده مردفة بحنان:
_ أمنتك أمانة يامالك ماتعصب نفسك يابني كل لما تيجي تاكل لقمة وتنكد علي نفسك ،
وهو بردوا شاب يابني اعذره بيعمل زي أصحابه الشباب إللي من سنه .
أجابها متهكما بسبب دفاعها المستميت عن تصرفات ذلك الفاشل :
_ لحد امته ياماما هتفضلي تبرري له أفعاله الزبالة دي ؟
البيه السنة بياخدها بسنتين ومش حاسس ولا دريان بعمره إللي بيضيع في التفاهة والهيافة إللي هو عايشها ،
واسترسل بضيق وهو يتناول هاتفه لكي يتصل به ويري اين هو إلي الآن وما إن أجابه أخيه انفجر فيه بحدة :
_ الأستاذ إللي بيصيع مع شلة المراهيق إللي زيه ناوي يجي امته إن شاء الله ؟
توتر مازن من حدة أخيه وابتلع لعابه وأجابه بتوتر:
_ أنا أنا خلاص راكب العربية وجاي أهو يامالك ،
وبعدين أنا متأخرتش يعني علشان تتعصب كدة ، دي الساعة لسة مجتش ١١ !
_أنا مستنيك نص ساعة بالكتير ألقاك قدامي ،
قالها مالك بأمر وهو يغلق الهاتف في وجهه دون أن ينتظر رده .
وما إن وجدته والدته يمسك بالفوطة الخاصة بالطعام والتي بها يعلن عن انتهاؤه للطعام ،
حتي أمسكته من ذراعه وأردفت بمحايلة:
_ أستحلفك بالله لا تقعد تكمل عشاك إللي كل يوم والتاني متكملهوش بسبب أخوك ،
وأنا والله لما يجي هتكلم معاه وهشد عليه ياأخويا .
مالك بهدوء :
_ لأ إله إلا الله ، أنا خلاص شبعت ياأمي مقدرش آكل حاجة تاني .
_لا والله ما هتقوم إلا لما تخلص طبقك ده كله .
قالتها والدته بتصميم استجاب له مالك كي لا يحزنها ،
ثم أنهي طعامه وطلب من والدته فنجانا من القهوة تطهيه بنفسها له ،
وذهب إلي الأريكة لكي يكمل عمله بهدوء وهو ينتظر ذلك البارد ،
انتهت والدته من صنع القهوة وما إن جاءت تجلس بجانبه حتي سمعوا صوت السيارة الخاصة بمازن ،
حدثته والدته بامتنان:
_ بقولك ايه يامالك متتكلمش معاه سيبني أنا المرة دي أتكلم معاه ياحبيبي .
وافق مالك علي حديثها لكي لا يحزنها ، وتناول قهوته في هدوء دون أن يعير قدوم أخيه ادني انتباه ،
نظرت إليه والدته بغضب شديد منعتة إياه بشدة :
_ حمد لله على السلامة من اللف يامازن بيه ،
إيه مش هتسيبك من شلة الضياع إللي إنتي ماشي وراها دي وتركز وتفوق لمستقبلك ،
ثم رفعت سبابتها أمام عيناه وأكملت بشدة وهي تمد يدها الأخري له :
_ هات الفيزا إللي معاك وحسك عينك تطلبها تاني إلا لما تتخرج من الكلية ،
انصدم هو من حديث والدته الذي يراه لأول مرة وسألها متعحبا:
_ هي الفيزا مالها ومال اني انجح أو منجحش ياماما !
وبعدين انتي معصبة نفسك ليه ياحبيبتي كدة غلط عليكي من السكر والضغط .
صممت علي أن يعطي لها الفيزا وأكملت بحدة :
_ أقول لك ليه يا عنيا الفيزا دي إللي مقوية قلبك ومخلياك تبعتر فلوسك يمين وشمال ،
علي شلة المقاطيع إللي بتمشي معاهم وبيستغلوك للضياع .
واستجاب مازن لإصرار والدته خوفاً من نظرات مالك التي تخترقه ظنا منه أنه سيعرف يأخذها منها وهم وحدهم ،
ثم انتوي الذهاب إلى أعلي ليبدل ملابسه أوقفه صوت مالك مناديا عليه بحدة أرعبته :
_ مازن اقف عندك .
حول بصره لأخيه وداخله يرتجف وأجابه بتوتر:
_ نعم يامالك في حاجة تانية.
_اتأدب لما تيجي تتكلم مع أخوك الكبير إللي في مقام والدك .
قالتها والدته له بتعنيف .
لم يفتح فمه ببنت شفة وانتظر تحذيرات أخيه بملل ، إلي أن سمع صوت مالك مرددا بأمر قاطع:
_ اعمل حسابك إنك هتنزل معايا المصنع من بكرة إن شاء الله ،
تتابع الشغل مع علي وتتعلم منه وتشتغل تحت إيده علشان حجم الشغل كتر عليه ،
وأنت ماشاء الله فاضي أهو ولا وراك شغلة ولا مشغلة ،
واستطرد متهكما:
_ أهو نستفاد من طولك وعرضك إللي ملوش لازمة في الدنيا غير السرمحة مع إللي يسوي وإللي ميسواش .
مط شفتيه بضيق وأردف مستنكراً:
_ يعني إيه أنزل الشغل والمصنع وأنا ولا أعرف أي حاجة وكمان لسة مخلصتش دراستي يامالك ؟
أجابه مالك ببرود دون أن ينظر له:
_ وإيه علاقة الشغل بالدراسة انت ولا بتذاكر ،
ولا بتروح الكلية غير مرة كل أسبوعين لما يهفك الشوق تغير صنف البنات الصايعة إللي إنت تعرفها ،
واسترسل باستهزاء وهو يشير إليه:
_ البيه إللي بيصحي كل يوم الضهر ومقضي بياكل مامه وينام ننه ،
شكل الواحدة البايرة إللي قاعدة ترازي في خلق الله بسبب وبدون سبب .
_وإن رفضت بقي يامالك هتعمل إيه ؟
قالها مازن باستنكار.
_بسيطة خالص العربية هتنسحب منك ، والأيفون إللي بآلافات إللي بتتمنظر بيه ،
والفيزا أوردي انسحبت منك .
قالها مالك بتأكيد .
غضب مازن بشدة وتركه وصعد إلي الأعلي دون رد علي حديثه ،
_بكرة الصبح إن شاء الله تظبط منبهك علي ٩ بالدقيقة تكون صاحي ٩.٣٠ تكون علي الفطار ، سامعني ؟
قالها مالك دون أن ينظر إليه بكل ثقة وعاود عمله علي اللابتوب ،
وأثناء انشغاله بعثت له رسالة عبر الواتساب أمسك هاتفه ليري من صاحب تلك الرسالة ،
وجدها من طليقته وكان محتواها:
_ إزيك يامالك،
أنا
بجد زعلانة منك علي المقابلة الوحشة إللي إنت قابلتها لي في المكتب ومش بس
كدة ده انت طردتني كمان وخليت منظري وحش قدام السكرتيرة ،
أنا لسة بحبك يامالك وباقية علي عشرتنا مع بعض ،
للدرجة دي يامالك مبقتش أفرق معاك !
للدرجة دي مبقتش تحبني ولا طايق تشوفني !
قرأ هو رسالتها بملل واستغرب من أين أتت برقمه الخاص والذي لم يعطيه لأحد سوي والدته وأخيه وأخته وصديقه علي ،
وحدث حاله:
_ الزفتة دي جابت رقمي منين هو أنا ناقص وجع دماغ من الحرباية دي ،
مش معقول يكون علي إللي إداها الرقم ده أما أصدق إني طلقتها وخلصت من نكدها وزنها،
ولا ماما طبعاً ، معقولة تكون أختي ولا مازن ،
بس مازن ميجرؤش يعملها يبقي مفيش غير الست هيام هانم ما هم طول عمرهم حبايب ،
واسترسل متوعدا:
_ ماشي ياهيام إن ماشفت شغلي معاكي مبقاش أنا مالك.
ولم يعير رسائلها انتباها ثم وضع رقمها ضمن الأرقام المحظورة كي لا تبعث له رسائلها التي تجلب له صداع الرأس مرة أخرى .
انتظرت هي كي يرد عليها أو يعيرها انتباها بعدما رأت علامة استلامه للرسالة ولكنه لم يرد ،
جائت لترسل له مرة أخرى وجدته قد حظرها ورمي برسائلها عرض الحائط كما ترمي القمامة في سلة المهملات ،
استشاط داخلها وانتوت غدا الذهاب إلي أخته كي تشهدها عليه وعلي تجاهله وأفعاله معها .
عجيب
حقا أمر الإنسان الشئ يكون ملك يمينه ويفرط فيه بسهولة وما إن يتركه ويرحل
ثم يعود ويجد ذلك الشئ وينظر إليه بعين أخري يلمع في عينيه ثانية ويريد
امتلاكه وكأنه لعبة شفراتها في يده يحركها كيفما شاء ووقتما شاء .
____________________________
في الجامعة صباحاً يدلف رحيم بسيارته إلي الجراج كي يصطف سيارته ويصعد إلي مكتبه ،
وبعدما صفها وخرج منها ذاهبا إلي مكتبه إذا به يسمع أنينا خافتا لايسمعه أحد إلا بصعوبة ،
سار تجاه الصوت بخطوات بطيئة جداً وإذا به يسمع صوت أحدهم يقول :
_ لاااا يا مي مش هعمل كدة ولا هنفذ لك إللي إنتي عايزاه ،
واسترسلت وهي تبكي ألما بصوت منخفض:
_ إنتي فاهمة إنتي بتطلبي مني ايه أصلا اعمله ! إنتي عايزاني أعمل حاجة لا عمرى هقبلها ويستحيل أعملها ولو على رقبتى ،
انتي بتعملي كدة بحكم إني مليش حد يحاسبني وإن ده عادي ،
يستحيل أعمل إللي إنتي عايزاه ده وإللي عندك اعمليه واللى يحصل يحصل.
ثم
أغلقت الهاتف وجلست تضم ساقيها تنتحب بشدة بسبب ضغط تلك المي عليها
وابتزازها لها بسبب خطأ ارتكبته دون قصد أوقعها تحت براثن تلك المي .
كل ذلك أمام الواقف المستمع لكل كلمة قيلت واخترقت أذنه ،
وحدث حاله:
_ مين دي إللي عماله تعيط بالشكل ده وواضح جداً إن حد بيبتزها علي حاجة وهي رافضة ،
وأكمل وهو مثبت أعينه علي ظهرها :
_ طيب أروح لها وأفهم منها وأحاول أساعدها ولا أخليني في حالي أحلالي لا تعملي مشكلة وإحنا هنا في الجراج ؟
بس أنا متعودتش أشوف حد محتاج أو حزين وبيبكي ومروحش أشوف ماله خلاص هروح وامري إلي الله.
وما إن خطي أول خطوة إليها حتي وجدها غادرت الجراج بسرعة دون أن يعرفها أو يعرف ما بها .
استغرب
كثيرا وفي نهاية الأمر أغلق سيارته وغادر المكان دون أن يدري أو يستنتج
ماسمعه لتوه ، أو من تكون تلك المنطوية علي حالها وتبكي علي أمرها ،
وصل إلي مكتبة ووضع حقيبته وجلس في مكانه وفتح جروب الواتساب الخاص بقسمِه ليري لجنة المراقبة التي سيذهب إليها اليوم ،
علم
المدرج الذي يراقبه اليوم وجمع أوراقه وذهب إليه وأثناء سيره في الرواق
المؤدي إلى المدرج اصتدم بشخص ما ووقعت أوراقه من أثر الإصطتدام ،
رفع راسه وإذا بها تلك المريم التائهة ،
نظر إليها وجدها مرتعبة وخائفة من تعنيفه لها وما إن وجدها تفتح شفاها لكي تعتذر أسكتها قائلا:
_ علي ما أعتقد اسمك مريم إللي كنتي جاية متأخرة المرة إللي فاتت ،
واسترسل بتساؤل:
_ هو إنتي دايما متلهوجة ومتأخرة كدة يابنتي ؟
ودايما بتجري كدة ومش مدية نفسك الوقت الكافي إللي تظبطي فيه أمورك ؟
تهتهت في الحديث ورفعت أنظارها إليه بعدما جمعت أوراقها المبعثرة وقالت باعتذار:
_ أنا متأسفة جداً يادكتور غصب عني والله ،
ظروفي صعبة وملخبطة شوية معلش اعذرني .
نظر داخل عيناها الزرقاويتان ووجد بهم أثر للدموع المختنقة بداخلهم وعلي وجهها آثار البكاء وأردف وهو يعرض عليها المساعدة:
_ طيب في حاجة أقدر أساعدك بيها اعتبريني حد القدر بعتهولك يساعدك ومتعتبرنيش دكتور جامعي .
أجابته بشرود :
_أنا مشكلتي وحكايتي كبيرة وغريبة وملهاش حل يادكتور ،
واسترسلت بتيهة :
_ أنا الموت أرحم لي من إللي أنا فيه وبعيشه .
حزن داخله لأجلها وردد باندهاش:
_ياه للدرجة دي حياتك صعبة !
نظرت أرضاً وأجابت بحزن عميق:
_ وأصعب مما تتخيل ، بعد إذنك يادكتور علشان متتعطلش ،
ميعاد الامتحان كمان عشر دقايق .
أذن لها أن تغادر وقبل أن تتحرك عرض عليها مساعدته قائلا:
_ لو احتاجتيني أنا مكتبي معروف جدا هنا اسألي علي مكتب الدكتور رحيم وأنا تحت امرك في أي مساعدة .
شكرته بعينيها ممتنة لذوقه وأخلاقه التي أصبحت غير موجودة في تلك الأيام ،
وذهب كل منهم إلي مشغولياته .