رواية حافية علي جسر عشقي الفصل التاسع 9 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عششي الفصل التاسع:
كانت تسير في ظُلمات موّحشة ، ترتجف من برودة الجو لتنكمش على نفسها ، نظرت لما ترتديه لتجد ثوب أسود يكتم على أنفاسها ، عارٍ يظهر أكثر مما يخفي كجميع ملابسها ، جحظت بعيناها عندما وجدت أناملها مُلطخة بالدماء ، برقت عيناها بدموعٍ حبيسة وذلك المشهد يُفزعها ، نظرت حولها لذلك المكان الأشبه بالمقابر ، كتمت شهقة داخل جوفها و هي ترى أسمها محفور على إحدى القطع الرخامية ولكن لا يوجد لها تاريخ ، و بجانب قبرها أستوطنت قطعة رخامية أخرى محفور عليها أسمه ، "ظافر" !!! ، قطبت حاجبيها بهلع ، أستمعت إلى صوت أقدام خلفها لتلتفت سريعاً ،أبتسمت ملء فمها عندك وجدته خلفها لتركض له سريعاً ، تفحصت ملامحه الجامدة الرجولية ، عيناه الزيتونية الظالمة ، وجدته يرفع كفيه الملطختان بدماءٍ أيضاً ، حاوط وجها لتتخضب وجنتيها إحمراراً ، نظرت بفزع ليداه التي شوهت وجهها لتتمتم بفزع ونبرات متقطعة :
- ظـافر .. ايه .. ايه الدم ده ، و ليه هو على إيدي و إيدك ؟!!!
لم يلفظ "ظافر" بحرف ، بل ظل يتلمس وجهها ليختفي وجهها أسفل تلك الدماء البغيضة ، ألتوى ثغره بيأس وقد أمتلئت عيناه بالدموع و هو يسترسل :
- الوقت فات .. فات يا ملاذ ، محدش فينا هيلحق يصلح غلطاته !!!!
جحظت "ملاذ" بقوة لتلتفت لتلك المقابر حولها ، أنهالت الدموع على وجنتيها عندما علمت أن جسدهما يرقدا أسفل التراب ، ألتفتت له لتجده أختفى بلمح البصر ، صفعها الجو البارد مجدداً لتتراجع إلى الخلف و هي تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وصدى صوتها يتردد بأذنها :
- ظـــافــر !!!!!!!! ظـــــافــر !!!!!
أنتفضت من النوم بفزع ، جسدها بالكامل يتصبب عرقاً ، خصلاتها ملتصقة بجبينها و عيناها أغرورقت بالدموع ، وجدت "ظافر" يفتح الباب بقوة و هو يطالعها بقلق ، أقترب منها سريعاً ليجلس جوارها على الفراش ، مسح على جبينها ليبعد خصلاتها محاوطاً وجهها ثم قال بتوجس :
- في أيه يا ملاذ !!!!
جذب وجهها لصدره ممسداً على ظهرها ، تشبثت "ملاذ" بقميصه و هي تقول بشرود و كأنها بعالم آخر :
- كـابوس .. كابوس وحش أوي !!!!
- طب أهدي .. خلاص متخافيش ...
أنتفضت "ملاذ" لتبعد كفيه و هي تزحف للخلف ، تنظر إلى كفيه برعب لأول مرة يظهر بعيناها ، قطب "ظافر" حاجبيه بغرابة و هو يتفرس عيناها الهلعتان ، نهضت "ملاذ" عن الفراش لترفع كفيها لعيناها ، لم تجد بهما شئ لتضمهما إلى صدرها ، نظرت إلى "ظافر" الذي يحدق بها بعد فهم ، أقتربت لتجلس أمامه ، عزمت على إخباره بكل شئ ، لن تستطيع خداعه أكثر ، نظفت حلقها لترفع عيناها البندقية له و هي تتمتم بشئٍ من التردد :
- ظافر أنا عايزة أقولك على حاجة مهمة .. أنا ..
قاطعها "ظافر" سريعاً و هو يقول برزانه :
- انا اللي عايز أقولك على حاجة مهمة .. المأذون جاي بعد ساعة يا ملاذ .. جهزي نفسك !!!
حدقت به بصدمة مزمجرة :
- نــعـــم !!!!!!
أبتسم "ظافر" يتأمل عفويتها ، لتصك "ملاذ" أسنانها قائلة بنبرة غاضبة :
- أنت بتضحك ليه دلوقتي !!! يا ظافر دة جواز مينفعش يبقى بسرعة كدا .. أنت حتى معرفتش أهلك باللي هتعمله ..و لا .. ولا مريم !!! مراتك !!! ، متضحكش يـا ظافر ..!!!!
لم تمحو أبتسامته .. بل زادت أتساعاً حتى أصبحت ضحكات مجلجلة كادت أن تصيبها بالجلطة ، لا تعلم أتضغب من لامبالاته، أم تضع كفها أسفل ذقنها تتأمل أبتسامته التي جعلت قلبها يرتجف من السعادة ، زمت شفتيها بغضب عندما تحول إلى الجدية سريعاً بطريقة أدهشتها :
- راجل عنده 31 سنة يقول لأهله ليه أنه هيتجوز !!! شايفاني عيل بـ ريالة !!!!
رفعت حاجبيها بدهشة لتكتف ذراعيها قائلة بسُخرية :
- طب ومراتك !!!!
أظلمت حدقتاه لينهض قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- قومي جهزي نفسك المأذون في الطريق !!!
نهضت رافضة طريقته في إنهاء الحديث لتقف أمامه قائلة بصوتٍ مرتفع :
- و أنا مش هتحرك من الأوضة دي غير لما أفهم كل حاجة هتمشي أزاي .. مش معقول بين يوم وليلة أبقى مراتك !!!!
طالعها بنظرات حادة و هو يقول بنبرة صارمة :
- متعليش صوتك !!!! ، أنتِ بتاعتي من أول من أتولدتي يا هانم ، بتاعتي من ساعة مـ جيتي على الدنيا دي ، بتاعتي أنا وبس ، فاهمه ؟!!!!!
ضربت الأرض بقدميها قائلة بتمردٍ وغضب شديدين :
- لاء أنا مش بتاعة حد !!!! أنا مش سلعة عشان أبقى بتاعتك ، أنا مش عايزة أتجوزك .. أنا مش عايزة أكون مراتك أبداً فاهم !!!!!
أقترب منها خطوة جعلتها تهاب مما سيفعل ، و لكن قدميها تسمرتا بالأرضية محدقة بعيناه التي بدت مخيفة ، جذبها من خصرها ليُلصقها بصدره ، شهقت "ملاذ" بعنف لتضع يدها على ذراعه تحاول إبعاده ، ضغط على خصرها بقوة مما جعلها تكتم شهقة مؤلمة كادت أن تُفلت منها ، حاولت إبعاده ولكنه لم يتزحزح مقدار خطوة ، هي وبسهولة تستطيع أن تضربه بركبتيها في معدته ، و لكنها تهابه ، هو حنون لكن غضبه جحيمي ، أقترب "ظافر" بثغره من أذنها قائلاً بهمس مخيف :
- هتجوزك يا ملاذ .
أغمضت و هي تشتم رائحته المميزة و عطره الرجولي ، تحركت أنامله على ذراعيها بينما يقول بإبتسامة صفراء :
- لو مش برضاكي يبقى هتجوزك ورجلك فوق رقبتك !!!!
رفعت حاجبيها بسُخرية قائلة :
- أنا مافيش حد يجبرني على حاجة ، ده جواز و آآآ ..
بتر عبارتها بإبتسامة واثقة قائلاً :
- و أنا مش حد !!!!
لم تستطيع النطق ، بل وقفت الحروف على أطراف ثغرها ، أقشعر بدنها عندما لامس وجهها بأنامله الخشنة ، تأملت غابات عيناه الزيتونية وقد نمت أبتسامة خفيفة على شفتيها لا تعلم ماسببها سوى أن نظرات الحب التي تغدق عيناه قد جعلتها تتيقن أنه يعشقها ، أختفت الإبتسامة تدريجياً عندما تذكرت من هي .. تذكرت أنه عندما يعلم بما فعلت سيراها قذرة تحاول سلب أمواله والأنتقام منه لوساوس بغيضة في ذهنها ، جحظت عيناها و هي تدفعه بعيداً ، أرتدت إلى الخلف و هي تتمتم تنفي برأسها بهيستيرية :
- لاء .. لاء مش هتجوزك .. مستحيل !!!!
توحشت تقاسيم وجهه المُتشنجة ، يقترب منها قابضاً على ذراعيها صارخاً بها :
- مــش بمـزاجك يـا مـلاذ !!!!!!!
جفلت "ملاذ" و لأول مرة يصرخ بها بتلك الوحشية ، حاولت إبعاد كفيه عن ذراعيها ، لأول مرة تهاب رجل بتلك الطريقة ، ملامحه المشدودة و فكه المتشنج ، عيناه التي أصبحت أكثر قتامة، دفعها بعيداً ليلتفت بظهره واضعاً يداه بـ جيب بنطاله قائلاً بجمود :
- لو مكتبناش كتابنا النهاردة هخسرك شغلك وصفقاتك اللي انتِ داخله فيها ، هدمرك وهدمر شركتك و سمعتك و مكانتك كـ business woman ، هدمر "ملاذ خليل الشافعي" و بردو بعدها هتجوزك، صدقيني جوازك مني هيفيدك مش هيضُرك !!!!
ألتفت لها راسماً على صفحات وجهه الجمود المتناهي رغم وجهها المصدوم :
- كونك هتتجوزي "ظافر الهلالي" فـ ده شئ هيرفعك للسما ، كل حاجة هتبقى تحت رجليكي من قبل مـ تطلبيها ، صدقيني جوازنا هيبقى مصلحة ليا وليكي ، انتِ اكتر واحدة تليق انها تشيل أسمي، يعني .. مستوى أجتماعي .. جمال، ذكاء و قوة، أنتِ أكتر واحدة هتبقي مناسبة ليا ، آه وبالمناسبة .. أخر صفقة ملابس أنتِ دخلتي فيها واللي حطيتي فيها فلوسك كلها .. أنا أبقى صاحب الشركة اللي اتعاقدتي معاها .. واللي كتبتي على نفسك عقد بـ خمسة مليون دولار ، و أنا عارف أنك مش معاكي المبلغ دة ، وحتى لو بيعتي شقتك و الڤيلا اللي فالساحل وعربيتك أخر موديل و لو سحبتي فلوسك اللي في البنك كلها مش هتكمل المبلغ دة ، أنا ممكن أعمل أي حاجة في مقابل أني أسترد حاجة في الأصل هي بتاعتي !!!!!
جامدة الملامح ، قدميها تنغرس بالأرض رافضة التحرك مقدار خطوة ، عيناها تحدق به ، لا ليس هو ، ليس من أهتم بها في اليومان الماضيان ، ليس من رعاها بل و أغدقها بحنانه ليس هو ، هي ترى أبيه ، تراه بقساوته و عيناه التي نُزعت منها معاني الرحمة بأكمله ، بوجهه الجامد ونبرته الفاترة ، من يقف أمامها ليس "ظافر" ، ليس من يمتلك عينان دافئتان و عبرات حنونة ، لوهله شعرت أنها وللمرة المائة تُصدم بما حولها ، و للمرة المليون تشعر بقلبها يعتصر داخلها ، أبعد ناظريه عنها لا يستطيع أن يرى تلك النظرة بعيناها ، لا يستطيع مقاومة نظرة الخذلان التي لمحَها بمقلتيها ، أدار ظهره لها يغمض عيناه بقوة و كم آلمته عيناها ، لو تعلم فقط أنه يعشقها أكثر من أي شئ بذلك العالم ، لو تعلم أنه قال هذا فقط حتى لا يخسرها مجدداً بعدما وجدها ، ليتها تعلم أن كل حرف خرج من جوفه ما هو إلا ترهات بغيضة ، لم يستطع أن يلتفت لها ليقول محافظاً على نبرته الفاترة :
- نص ساعة تلبسي فيها اي حاجة من اللي جابتهالك الست فتحية موجودين في الشنطة !!!!
ثم تركها وخرج صافعاً باب الغرفة خلفه ، ظلت واثبة مكانها ، عيناها شاردة بالمكان الذي كان يقف به ، هي صامدة ، مهما تلقت من صدمات مميتة لقلبها الذي بحجم الكف ولكنها صامدة ، لن تسمح لأحد بأن يكسرها هي "ملاذ" التي لا تُهزم .
• • • •
أخذت صرخاتها و عويلها يتصاعد تدريجياً ، تضرب كفيها بقدميها بحسرة و بكاء زائف ، نظرت إلى النائم على الفراش بجانبها بغيظ لتقترب تنظر له بغل قائلة :
- هوريك النجوم في عز الضُهر يابن الهلالي !!!!!
تذكرت ما فعلت قبل ساعتين ، عندما أخرجت من حقيبتها الكبيرة مستحضرات التجميل اللازمة ، بدأت برسم كدمات على وجهها بل و أثار ضرب و دماء جافة حيث كانت بارعه حقاً في هذا !!!!
أقتربت من أذنه لتصرخ ببكاء قوي ، أنتفض "مازن" فزعاً و هو يصرخ بلا وعي :
- أيـــه !!!! مـين مـات !!!!!!
فرك عيناه بقوة ليرى "فريدة" تجلس بثيابٍ شبه ممزقة و وجهها مكدوم بينما شفتيها تنزف بقوة ، أنتفض ممسكاً بوجهها و هو يقول بهلع :
- أنتِ أيه اللي عمل فيكي كدا !!! ، أيه اللي حصلك م تــردي !!!!!!
صرخ بأخر جملته وقلبه يكاد يقتلع من محله ، صفعت الأخرى كفيه بعيداً وهي تصرخ بحُرقة :
- أبعد عني يا حيوان !!!! ، مين هيكون عمل كدا فيا غيرك واحد حيوان زيـك !!!!!
جحظت عيناه ليتذكر أنه بالفعل لم يكُن بوعيه البارحة بل كان ثمل حد الموت ، تفحص كدمات وجهها بندم حقيقي و هو يقول :
- أنا بجد عملت فيكي كدا ؟!!!! أنا مش عارف أزاي ده حصل صدقيني دي أول مرة تحصل اني أبقى مش فـ وعي بالطريقة دي !!!
تلمس كدمات وجهها الزرقاء ليجد مستحضرات التجميل تطبع في يده ، جحظت "فريدة" بعيناها و هي تراه ينظر إلى الألوان التي خرجت بيده قائلاً بصدمة :
- دة makeup !!!!!!
نفت برأسها و هي تنهض تدريجياً من على الفراش متمتمه بهلع :
- makeup أيه دي أفعالك الوحشية يا متوحش !!!!!!
- و حيــاة أمــك !!!!!!
صرخ بها لينهض من على الفراش يركض وراءها كالفهد الذي سيلتقط فريسته لا محاله ، ركضت "فريدة" تقف بمقدمة طاولة الطعام العريضة بينما هو يقف بنهايتها ، كادت "فريدة" أن تبكي من فرط الخوف الذي تلبسها و هي تراه يكاد يُخرج دخاناً من أذنيه :
- أنا اسفة يا مازن والله أخر مرة هعمل كدا عشان خاطري !!!!!!
صرخ بها بجنون و هو يضرب على الطاولة بقوة :
- أسفة !!!!! دة أنا قلبي وقف لما شوفتك بالمنظر ده ده ولا كأن قطر داس على وشك فرَمه ، أنتِ عارفة أني كان هاين عليا أضرب نفسي مية قلم لو كنت فعلاً عملت فيكي كدا و أنا مش في وعيي ، أنتِ متخلفة ومبتفهميش !!!!!
أهتاج صدره بعنف بقلبٍ يكاد يتوقف عن النبض ، أقتربت منه " فريدة" بعينان أغرورقتا بالدموع و هي تتمتم بحزن :
- حقك عليا أنا مكنتش أعرف أنك هتضايق كدا !!!!! و الله مكنتش أقصد !!!!
جذبها من خصرها لتجفل "فريدة" بفزع ، وضعت كفيها على صدره لتبعده ولكنها وجدت نفسها تغوص بين ذراعيه أكتر ، بل وتغرق بعيناه الراغبتان بها ، أنفه الحاد والمستقيم وشفتيه القاسيتان ، شعرت بتقلص معدتها عندما تحركت أنامله على وجهها وشفتيها ، مال بشفتيه تلامس شفتيها هامساً بأفكار جحيمية تجتاح عقله :
- تعالي نخلي المقلب اللي عملتيه فيا .. حقيقة ، بس برضاكي !!!!!
توسعت عيناها لتهم بالحديث لتجده يلتقط شفتيها في قبلة أودتها لعالم آخر ، أستسلمت بين يداه تماماً تاركة له الحرية ، أرتجف جسدها لتفر دمعة من عيناها رغماً عنها ، هي تسير بطريق مبهم ليس له ملامح ، بل هي لا تثق بـ "مازن" ، هو لا يحبُها ، تلك ليست سوى رغبة بغيضة سترتطم على أثرها على الأرض لتسقط أشلاء !!!! دفعته بعيداً تمسح شفتيها بتقزز و وجهها تُغرقه الدموع ، تفاجأ "مازن" من حالها ليقترب منها قائلاً :
- فريدة !!! انتِ بتعيطي !!!!
صرخت به بهيستيرية :
- أبعد عني !!!! أنت مش بتحبني ، أنت عايز تتملكني لكن مش بتحبني ، دي مجرد رغبة ولما تاخد اللي أنت عايزه مني هترميني مش كدا !!!!!
جحظ بعيناه صارخاً بها بصدمة :
- أخد اللي عايزة و أرميكي أزاي أنا جوزك يا مجنونة !!!!
صرخت به بالمقابل و هي تطيح بالمزهرية على الأرض :
- جــوزي !!!! جـوزي بالغصب يا مازن أنت اللي غصبتني على الجوازة دي طبعاً عشان مازن الهلالي لما بيعوز حاجة بياخدها مش كدا !!!!!
مسح على وجهه بعنف ليجأر بها كالأسد :
- أنتِ عبيطة ولا بتستعبطي ، أنا لو كنت عايز منك حاجة كنت خدتها من غير جواز برضاكي أو غصب عنك ، أنا مافيش حاجة تقدر تقف قدامي واللي يقف قدامي أفعصه فــاهمه ، فوقي لنفسك متفكريش نفسك حاجة أنتِ ولا تسوي أنتِ حتة حشرة أدوس عليها بجزمتي !!!! و مش أنا اللي واحدة زيك ترفضني أنا مازن الهلالي اللي أحلى منك بيترموا تحت رجليا يا حتة زبالة !!!!!
رمى بكلماته السامة بوجهها ليخرج من الشقة بأكملها ، تاركها كالصنم الذي فقد الحياة ، فقد الشغف وفقد كل شئ و أولهما كرامته !!!!!!
صدى كلماته يتردد بأذنها ، ليكون سبباً كبيراً في أنهمار دموعها على وجنتيها ، سمعت الباب يطرق ، بالتأكيد ليس هو ، و هي لن تفتح بجميع الأحوال ، ولكن الباب يزداد طرقاً بل وعنف حتى كاد أن ينكسر الباب ، دلفت لترتدي شئ أكثر سُتراً لتذهب نحو الباب ، فتحت الباب بجسد خالي من الروح ، أرتدت إلى الخلف و هي تشهق بصدمة قائلة :
- بـابا !!!!!!!
• • • •
تنام معانقة إياه و هي تتمتم بقلق :
- بـاسل ..؟
- نعم يا حبيبتي ..
قال "باسل" مغمضاً العينان ، تمتمت "رهف" و هي تنهض قائلة :
- ينفع أروح أشوف ماما النهاردة ؟!!!
أنتفض "باسل" يجأر بصرامة :
- رهف إياكي تفكري أنك تروحي بيت ابن ***** دة لو شوفته صدقيني هقتله في إيدي !!!!
نفت برأسها بعينان مملؤتان بالدموع قائلة ببكاء كالطفلة :
- بس أنا عايزة أشوفها .. هي وحشتني أوي يا باسل ، وبعدين أنا خلاص مش خايفة منه عشان أنت معايا و مش هتسمح لحد يأذيني .. صح ؟!!
جذبها إلى أحضانه مربتاً على ظهرها بحنو قائلاً بتأكيد حتمي :
- طبعاً ياحبيبتي ، طول مـ فيا النفس عُمري من هسيب حد يلمس شعرة منك !!!
مسد على خصلاتها يقبل مقدمة رأسها ، رفعت "فريدة" أنظارها له قائلة بحماس :
- يعني أقوم ألبس يا حبيبي !!!!
توسعت عيناه ليقبض على خصرها قائلاً بمزاح :
- أهو عشان حبيبي دي مش هتعتبي باب البيت من هنا لشهرين قدام !!!!
صفعته "رهف" على صدره بخفة و هي تتلوى بين ذراعيه :
- يا باسل خلاص بقا مكانتش كلمة !!!!
- أبداً دخول الحمام مش زي خروجه !!!!
أنقض يُقبل كل أنش بوجهها يُدغدغها بمعدتها ، كاد أن يُصيبها نوبة قلبية من كثرة الضحك
• • • •
يقود هو السيارة و بجانبه "رهف" تفرك أصابعها بتوتر ، تقضم أظافرها شاردة في الفراغ ، لاحظ "باسل" هالة القلق التي تحيط بها ليمسك بكفها مشدداً عليه و بالأخر يمسك بالمقود مسترسلاً ليُطمأنها :
- أنتِ بتثقي فيا ولا لاء ؟!!
ألتفتت له "رهف" تؤكد بقوة :
- أيوا طبعاً !!
رفع كفها لثغره ليُقبله بحنو مُثبتاً أنظاره على الطريق أمامه :
- يبقى مش عايزك تخافي من أي حد و أنا جنبك .. أنا عندي أستعداد أني أهد الدنيا فوق دماغ أي حد يزعلك يا حبيبتي ..!!!!!
أرتسمت أبتسامة فرحه على ثغرها ، رقص قلبها فرحاً لأنها و أخيراً وجدت من تستند عليه و من يحبُها بصدقٍ جماً ، تُريد أن تُقبّل كل دقيقة تمر و هو معها، ذلك هو الحُب .. أن يُنير وجهك وروحك ، لا أن يطفأ بك كل ذرة شغف داخلك، نظرت له نظرة عاشقة، نظرة متفرسة وجهه ، و بالفعل أسندت وجهها على كفها تنظر له مبتسمة بأتساع، لاحظ "باسل" تحملُقها به ليطلق ضحكة رجولية أظهرت تُفاحة آدم خاصته لتبتسم "رهف" أكثر على أثرها ، بينما قال "باسل" بإبتسامة واسعة و نبرة وقحة :
- لو فضلتي تبُصيلي كدا هحلف نرجع البيت يا رهف ، أو هنعمل حادثة أيُهما أقرب !!!
مالت برأسها ولم تنبت ببنت شفة ، مازالت الأبتسامة تزهر بوجهها ، تمتمت بنبرة مُشرقة :
- أنا حاسة أن دة حلم .. حلم جميل أوي .. بتمنى أني أموت قبل مـ أفوق منه !!!!
أنقبض قلبه ليضغط على المكابح السيارة بقوة ملتفتاً لها مزمجراً بنبرة أشبه بالصراخ :
- إياكي تجيبي سيرة الموت على لسانك يا رهف ، و رحمة أبويا لو قولتي كدا تاني هـ ...
قاطعته بعناقٍ حنون دافئ ، تستمع لنبضات قلبه العالية لتربت على ظهره العريض قائلة بإبتسامة :
- طب خلاص يا بسلة متزعلش ، متبقاش قفوش بقا الله !!!!
رفع حاجبيه بعينان جاحظة و هو يتمتم :
- بسِلة و قفوش ؟!!!! أنا بسِلة يا رهف ؟!!!!
أومأت "رهف" مطلقة ضحكة عفوية ، خبئها "باسل" بين ذراعيه يُقبل خصلاتها بـ ولهان ، ليبتسم قائلاً بوقاحة :
- حبيبتي لو فضلنا كدا أنا مش همسك نفسي وهيتقبض علينا بفعل فاضح في الطريق العام و صدقيني هعترف عليكي و أقول أن أنتِ غرغرتي بيا !!!!
أبتعدت "رهف" تضربه على صدره قائلة زامة شفتيها بطفولية :
- أنا بغرغر بيك يا بسِلة ؟!!! طب يلا بقا أتفضل امشي !!!!
قهقه بقوة ليسير بالسيارة و ضحكاتهما تملأ المكان ..
• • • •
شعرت برأسها يدور بها ، لا تستطيع الوقوف على قدميها التي ربما تخذلانها لتسقط على الأرض بضعف ، أبيها الواثب أمامها بغضبٍ شديد ، و زوجة والدها التي ملامحها لا تُبشر بالخير ، ممسكين بأخيها الذي يُحدق بها ببراءة ، و سُرعان ما تشبث الصغير بقدميها مُعبراً عن حبُه لشقيقته ، أنحنت له لتحتضنه ببكاء قوي :
- أنا أسفة يا حبيبي مش هسيبك تاني أنا أسفة !!!!
نظرت لأبيها حتى كادت أن ترتمي بأحضانه فكم تحتاج إلى عناقه الأن ، ولكنه أوقفها بمد كفيه يمنعها حتى أن تلامسه و كأنها عدوى ، و بلمح البصر كان يصفعها صفعة أوقعتها أرضاً ، أمسكت "فريدة" بوجنتها تمسح الدماء عن شفتيها ، فهي لطالما أعتادت على إهانته وضربه المستمر لها ، لم يكتفي بذلك بل أنحنى يُمسك بخصلاتها ليرفع وجهها له صارخاً بها بوحشية :
- بتتجوزي من ورايا يا بنت الكـلـب ، يا بنت ***** !!!!!
بكت "فريدة" بقوة ، لم تستطيع الدفاع عن نفسها ، زادت زوجة والدها الجو أشتعالاً و هو تصرخ بشماته :
- طبعاً م هي تربية أمها الشمال !!!!!
كادت أن تُلقنها درساً قاسياً و لكن ما ألجم لسانها وجوده خلفهم يصرخ بهم بقوة :
- أيه اللي بيحصل هنا !!!!
ألتفت جميعهم إلى "مازن" الذي كاد أن ينخلع قلبه عندما رآها بتلك الحالة ، شفتيها متورمة تُدمي حقاً وليست مستحضرات تجميل ، مستلقية على الأرض و ما زاده أشتعالاً عندما رأى ذلك الرجل ممسكاً بخصلاتها بكل ما أوتي من قوة ، أقترب منه حتى كاد أن يُلكمه بوجهه لتصرخ به "فريدة" :
- مازن ده أبويا !!!!
جحظت عيناه بقوة ليلتفت لها ، أمسكها من ذراعيها بلطف ليجعلها تنهض ماسحاً على وجنتيها الملتهبة ، أوقفها خلف ظهره ليلتفت لذلك العجوز ، عيناه توحي عما بداخله من نيران متفاقمة ، ليسكب أبيها البنزين على النار عندما جأر به :
- أنت بقى سبع البرُمبة اللي أتجوزتك من ورا أهلها !!!!
أقترب منه "مازن" يضع يداه بجيب بنطاله يحدق به بجمود قائلاً :
- و أنت بقا أبوها اللي سايبها هي و أخوها لوحدهم و عايش برا مصر مع الزبالة اللي واقفة جنبك ومش بتصرف عليهم ؟ تصدق أول مرة أشوف راجل تجرُه مرا (ست) ، عيب على شنبك حتى !!!!
شهقت "فريدة" من مدى وقاحته لتصرخ به :
- مــازن !!!!!
توترت معالم وجه أبيها ليقول :
- ماشي يا جوز بنتي .. مقبولة منك !!!!!
ليُكمل و هو ينظر لأبنته بعينان مشتعله :
- هو ده اللي أتجوزتيه ؟!! بيهين أبوكي و أنتِ ساكتة !!!!
صرخ به "مازن" بنبرة حادة صارمة :
- كلامك معــايـا أنــا !!!!!
نظرت له تلك ذات النظرات الخبيثة والتي تتفحص "مازن" بهيبته ورجولته لتقول بنبرة رخيصة :
- خلاص بقى يا حبيبي نبقى نجيلهم في وقت تاني !!!!
نظر لها "مازن" بسُخرية ليُكمل :
- أنا شايف كدا بردو !!!
نظر له أبيها قائلاً وقد ظهر الطمع في عيناه :
- و أيه المقابل !!!!
كتمت "فريدة" شهقة حزينة كادت أن تُفلت منها ، بينما أبتسم "مازن" بغرور قائلاً :
- عايز كام ؟!!!
أنقبض قلبها و هي تشعر أن ظهرها أنكسر في تلك الدنيا ، تشعر بخراب العالم بروحها ، أنطفئت معالم الحياة بعيناها ، زاغت أبصارها و هي تشاهد تلك المسرحية القاتلة لقلبها المسكين ، يُبيعها أبيها كسلعة بخسة ، ما قاله كان كرصاصة بمنتصف قلبها، تمنت لو أن تموت قبل أن تسمع هذا الحديث المقزز الذي يدير بينهما ، رأت "مازن"يُخرج دفتر الشيكات من جيبه ليدون رقم ، مده لأبيها قائلاً بجمود:
- عشرة مليون ، و تبعد عن حياتها خالص هي و أخوها يزيد ، أعتبر من النهاردة أن بنتك مـاتت !!!!
بالفعل ، ما قاله صحيح ، هو لم يكذب أبداً في تلك اللحظة هي حقاً أصبحت جسد بلا روح ، نظرت إلى أخاها الممسك بكفها و كأنه يفهم حُزنها، وبالفعل ذهب ما يُسمى بأبيها و مع زوجته العقربة ، تشبث الصغير بثيابها قائلاً بعينان دامعتان :
- فريدة هو بابا مشي ليه ؟!!!!
لم تستطيع الرّد ، تركت يد أخيها محملقة بعينان ذلك الواقف أمامها يطالعها بالقليل من الشفقة ، أقتربت منه لتضربه على صدره بهيستيرية صارخة بجنون :
- حــرام عليك ، ليه تعمل فيا كدا عملتلك أيــه عشان تكسرني كدا !!!!! ربنا ياخُدني عشان ترتاحوا مني كلكوا !!!!!!
جفل الصغير ليبكي على أخته ، بينما هو يقف يستقبل ضرباتها القوية بصدرٍ رحب، لم يحاول أن يوقفها عما تفعل لرُبما تنفث عن غضبها بتلك الطريقة، يعلم ذلك الشعور عندما يخذلك أقربهم إلى قلبك، أبتعدت عنه تصرخ به بألم أخترق قلبه :
- أنت شيطان مش بني آدم ، أنت أقذر واحد ممكن أشوفه في حياتي ، أنت عُمرك مـ هتتغير يا مازن ، أنت وَحش مش بتحس، ياريتني كُنت مُت قبل م أتجوزك يا أخي، مبسوط دلوقتي ؟!!! فرحان كدا لما كسرتني وخليتني ماليش ضهر ؟ مبسوط لما شوهت صورة اللي المفروض أبويا في عيني ؟ مبسوط أني بقيت مضطرة أعيش هنا و رجلي فوق رقابتي عشان مافيش مكان أروحله غير سجنك !!!!!!
أغمض عيناه من كلماتها التي كالسهام المسمومة، هم بالذهاب من أمامها لتتشبث به "فريدة" من تلابيبه مقربة وجهها من وجه الجليدي صارخة به حتى ظهرت عروق عنقها :
- أنت رايح فين !!!! هتمشي ببساطة بعد م خربتلي حياتي ، لما أكـون بكلمك متمشيش وتسيبني فاهم ، أنت هتسمع كل حاجة أنا هقولها دلوقتي ، أنا هاخد يزيد و هنمشي من هنا .. و أنساني بقا!!!!
أشتعلت عيناه ليمسك فكها بقوة أمام أخيها الذي أنفجر بالبكاء :
-خلصتي ؟ في أحلامك ، أنتِ مراتي و هتسافروا معايا الصعيد في بيت أهلي !!!!!
ضربت صدره بقوة لتصرخ بجنون :
- أنت مبتفهمش بقولك مش هروح معاك في حتة !!!!
أتجهت نحو المطبخ لتجلب نصل حاد ، وضعتها على على عنقها بجنون ليصرخ "يزيد" ببكاء :
- فـريدة !!!!
جحظت مقلتيه ليمسح على وجهه بأنقباض قلب و هو يقترب قليلاً قائلاً :
- فريدة سيبي الزفتة دي !!!
صرخت به ضاغطة على السكين أكثر صارخة به :
- إياك تقرب مني !!!!
وقع قلبه أرضاً عندما وجد خط رفيع من الدماء ينزف من عنقها ، كاد أن يجن و لأول مرة يقف عاجز لا يعلم ماذا سيفعل ، أقترب من أخيها الذي يبكي هو الأخر بهيستيرية ، أقترب منه ليحمله و هو يوجه حديثه إلى "فريدة" صارخاً بها:
- أخوكي حرام يشوف أخته بالمنظر دة بقولك سيبي السكينة يا فريدة !!!!!
نظرت إلى صغيرها الذي يستعطفها بعيناه ألا تفعل ، نقطة ضعفها والشئ الوحيد الذي تبقى لها من تلك الدنيا ، ألقت بالسكين أرضاً لتنهار على الأرضية الصلبة جالسة على ركبتيها تُغطي وجهها بكفيها ، أنزل "يزيد" الذي ركض نحو شقيقته ، ذهب هو ايضاً نحوها ليجلس على ركبتيه مثلها، أبعد كفيها عن وجهها بتردد، عيناها الباكية جعلته يغمض عيناه بألم، و سُرعان ما أرتمت "فريدة" بجسدها على جسده فاقدة الوعي !!!
• • • •
- هو فين مأذون الغفلة !!!!
قالت "ملاذ" و هي تقف أمامهم واضعة يداها على خصرها ، ترمق "ظافر" بتحدٍ ، نظرت لجارتها وزوجها الذي سيتولى تزويجها من ظافر و إلى المأذون والأثنان الذين سيشهدوا على تلك الزيجة ، شعرت بأنظارهما تفترسها نهض "ظافر" يطالع الثوب الذي خرجت به "ملاذ" بصدمة ، فقد كانت ترتدي ثوب قبل الركبة يلتصق بها و كأنه جلدها يظهرها بسخاء !!!!! ذهب نحوها ليقبض على ذراعها بقوة آلمتها حقاً ليدفعها داخل الغرفة حتى كادت أن تسقط أرضاً، نظر لما ترتديه بإشمئزاز مشيراً بأصبعه :
- أيه القرف دة ؟!!! أزاي تخرجي كدا !!!!
صرخ بأخر الجملة، جفلت "ملاذ" و لكنها هتفت بقوة :
- ماله ؟ مـ الفستان حلو أهو !!!!
صرخ بها "ظافر" :
- أنــتِ أتجننتي !!!! غيري القرف دة حالاً !!!!!
كتفت ذراعيها أمام صدرها قائلة بعندٍ :
- لاء مش هغيره ، عاجبني !!!!
مسح على وجهه بعنف لينظر لها بنظرات نارية تقذف جمراً بوجهها :
- و رحمة أبويا لو مـ دخلتي وغيرتي الفستان دة يا ملاذ لأكون مموتك في إيدي دلوقتي ، متخلينيش أكرّهك فيا !!!!!
خافت ، لا بل أرتعبت من نبرته و ما يقوله ، تابعته بأنظاره و هو يتوجه نحو الحقيبة الكبيرة ليُقلبها رأساً على عقب ، أخرج منها عباءة سوداء كان قد أبتاعها لها ليُرميها بوجهها قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- دقيقتين و تبقي لابساها ، أتقي شري ، أنتِ لسة ماشوفتيش وشي التاني و أنا مش عايز أوريهولك يا ملاذ !!!!!!
ثم خرج من الغرفة تاركاً قلبها ينبض بعنف ، أرتدت تلك العباءة الواسعة على ثوبها ، و بالفعل خرجت قبل الدقيقتين لتذهب نحو "ظافر" الذي نظر لها برضا ، مضت على الورقة التي أمامها لتكمل تلك الزيجة، كتبا الكتاب لتصبح زوجته ، ذهبوا جميعاً بأمر من "ظافر" ليتركوهما بمفردهم ، خفق قلبها بعنف عندما وجدته يقترب منها وملامحه لا تُبشر بالخير، أرتدت خطوتين فـ نظراته حقاً جعلت فرائسها ترتعد ، أقترب منها "ظافر" أكثر و كلما يقترب تعود هي إلى الخلف، تفاجأت بالحائط خلفها و أمامها صدره الصلب ، حاصرها بذراعيه يتأمل وجهها الجذاب و أحمر الشفاه الذي يُزين ثغرها ، مال بثغره ليلتقط شفتيها في قسوة يقبلها أو لنقول يُنفث عن غضبه بها، شعرت "ملاذ" بشفتيها تدمى لتضربه على صدره بقوة ، أبتعد "ظافر" و هو ينظر إلى شفتيها والتي ظهر لونها الوردي الطبيعي و الجذاب ، تمتم "ظافر" بأنفاس حارة :
- كدا أحسن !!!!
توقف عقلها عن العمل لِمَ تتركه يفعل بها هذا ، لِمَ لا تتحدث و كأن لسانها قُطع ، لِمَ تُحدق به هكذا اتريده أن يفعل مجدداً دون قصدٍ منها، و بالفعل أستجاب "ظافر" ليقبض على خصرها بلطف ، عانق شفتيها بشفتيه ولكن تلك المرة بحنان شديد، أغمضت "ملاذ" عيناها مستسلمة تماماً بين يداه ، جال بخاطرها ما قاله حول أنه لا يُحبها أبداً ، لتضربه على صدره تدفعه بكل ما أوتيت من قوة صارخة به :
- أبــعــد !!!!!!
صرخ بها "ظافر" يلوي ذراعيها خلف ظهرها :
- أهــدي !!!!
نفت برأسها بهيستيرية ليتركها "ظافر" مبتعداً عنها ، أمسك بخصلاته ليقول بصدرٍ مهتاج :
- جهزي شنطتك عشان نروح لقصر الهلالي يا مدام !!!!
• • • •
الفرحة تسود القصر بأكمله لعودة بِكرها ، وُضعت أشهى المأكولات على طاولة الطعام و جميع من بالقصر على قدمٍ وساق يُجهزون كل شئ ، أخبرها "ظافر" على الهاتف أنه تزوج من "ملاذ" ، بتلك اللحظة أطلقت زغاريد فرِحة أرتابت لها "مريم" ، أخفت السيدة "رقية" هذا الخبر عن العائلة بأكملها بأمرٍ من "ظافر" حتى مجيئه هو ليعلم البلدة بأكملها ، قالت "السيدة رقية" بينها وبين حالها :
- و أخيراً يا ظافر يابني أتچوزت ، أخيراً هتچبلي حفيدي اللي نفسي فيه، أحمدك يارب !!!!
نادت على الخدم تقول بصرامة :
- يالا يابت أنتِ وهي عايزة البيت يُبرق من النضافة عشان ضنايا جاي !!!!
بينما "مريم" تكاد تجن و كأنها تقف على جمرٍ مشتعل ، لا تصدق متى سيأتي زوجها الذي لم يهاتفها أبداً منذ أن ذهب و هي لا تعلم عنه شئ سوى من والدته ، تتمنى أن لا يحدث شئ سئ بعودته !!!
• • • •
أطرقت "رهف" بخفة على الباب ، يقف بجانبها زوجها وحبيبها ، فتحت والدتها الباب لتجد أبنتها تقف على وجهها أبتسامة واسعة ، لم تبدو أن والدتها فرحت برؤيتها خاصة عندما قالت بفتور :
- عايزة أيه يارهف ؟!! مش خلاص أتجوزتي وعيشتي حياتك !!!!!
أغرورقت مقلتيّ "رهف" بالدموع و هي تقول بحزن :
- أنتِ وحشتيني أوي يا ماما !!!!
رق قلب والدتها لتجذبها لأحضانها مربتة على ظهرها :
- أنتِ اللي وحشتيني يا ضنايا ، تعالي أدخلي ..
نفت "رهف" برأسها قائلة :
- لاء يا ماما كفاية عليا أني شوفتك ، أنا بس كنت جاية أطمن عليكي ..
ربتت أمها على خصلاتها بحنو :
- و دة ينفع يابنتي ، تعالي أتفضلي أنتِ و جوزك !!!!
دلفت "رهف" بتردد يُعقبها "باسل" كظلها ، دلفوا جميعاً ليجلسوا في غرفة الصالون، جلست "رهف" جوار والدتها تتشبع من حنانها لرُبما لن تراها مرةً أخرى، ترددت كثيراً أن تسأل عن هذا الحقير، ولتقطع الشك باليقين تمتمت و هي تتمنى أن تسمع خبر موته :
- أومال جوزك فين يا ماما ؟!!
تحدثت بإعتيادية :
- نايم يا حبيبتي ...
أطلقت "رهف" زفيراً إرتياحياً و هي تتمتم بصوتٍ منخفض :
- يارب ينام مـ يقوم !!!!
ربتت والدتها على قدمها و هي تسعُل بقوة :
- رهف يا بنتي .. ممكن تروحي تجيبيلي كوباية ميا أشرب يا حبيبتي ..
أومأت "رهف" سريعاً لتهم بالذهاب و لكن قاطعها صوت زوجها الصارم قائلاً :
- خليكي يا رهف أنا هجيب .. المطبخ من فين ؟
أستطردت "رهف" سريعاً وهي ترى والدتها تسعل بقوة :
- لاء يا باسل خليك انا هجيب الميا ع طول ..
هم "باسل" بالإعتراض ولكنها تبخرت من أمامه تاركة إياه يسب بينه وبين حاله ..
سكبت "رهف" الماء داخل الكوب الزجاجي، توقفت الدماء عن السير بأوردتها عندما شعرت بـ يدٍ غليظة تقبض على خصرها، كادت أن تصرخ ليضع هو يده على فمها مكبلاً إياه ليصبح شبه محتضنها، ظهرها ملتصق بصدره و بـ يدٍ يطبق فمها وبالأخر يسير على جسدها بأكمله برغبة مقززة ، لمساته تحرقها و هي حية، رفعت قدميها لتضربه بقدمه بقوة من الخلف ، تآوه الأحمق بصوتٍ منخفض ليُطلق سراحها ممسكاً بقدميه، ألتفتت له لتُبصق في وجهه، ركلته بقدميها على رُكبته ليتكوم بالأرض، أرتجفت يداها وهي تلتطقت كوب الماء لتدلف خارج المطبخ، منعت بصعوبة إنهمار الدموع بعيناه لتخرج إلا والدتها ، مدت يدها بكوب الماء قائلة بنبرة مهتزة :
- أ .. أتفضلي يا ماما ...
أخذت والدتها الكوب لترتشف منه دُفعةً واحدة ، نظرت إلى "باسل" الذي يطالعها بشكٍ، تمنت لو أن تخبره ليذهب يُلقنه درسٍ قاسٍ لن ينساه طيلة حياته، ولكن خوفها على زوجها كان أكبر، هي تعلم أنه لن يتركه سوى جثة هامدة، و هي لن تُضحي به، إلتفتت إلى أمها تقول :
- ماما أحنا ماشيين بقا يا حبيبتي ..
أحتجت والدتها قائلة بحُزن جلي :
- أنتوا ملحقتوش تقعدوا يا بنتي .. و أنا لسة مش أطمنت عليكي ..
مالت عليها "رهف" لتحتضنها مجهشة ببكاء مرير ، أنقبض قلبه و هو ينتفض من على المقعد ، يرى والدتها تُربت على ظهرها و هي تقول بجزع :
- مالك يا ضنايا ؟!! فيكي أيه أوعي يكون جوزك مزعلك !!!!
نفت "رهف" و هي تبتعد عن أحضانها ، مسحت دموعها قائلة بحُزن :
- أنا بعيط عشان هتوحشيني أوي يا حبيبتي ..!!!
ربتت والدتها على كتفها قائلة :
- هو أنا هروح فين أبقي تعالي أشوفك البيت مفتوحلك في أي وقت ..
أومأت "رهف" لتودعها ، خرجا كل من "رهف" و "باسل" الذي يربت على ظهرها بحنو ، نظرت له "رهف" لتتشبث في يده و هم يسيروا نحو السيارة، استقل كلا منهما محله ليلتفت لها "باسل" مردفاً بشفقة :
- أنتِ كويسة يارهف ؟!!
أومأت "رهف" دون أن تتحدث ، انطلق "باسل" بالسيارة عائدين نحو بيتهما !!!!
• • • •
أستقل كلاً منهما السيارة بملامح جامدة، أردف "ظافر" قائلاً بنبرة فاترة :
- أخر مرة تلبسي فيها القرف دة .. و هدومك أنا اللي هختارهالك !!!!
ألتفتت له "ملاذ" بصدمة قائلة :
- تختارلي هدومي ، ليه إن شاء الله أنت فاكر نفسك مين ؟!!
ضرب على المقود بعنف لترتد "ملاذ" إلى الخلف عندما صرخ بوجهها :
- أنــا جــوزك .. و أنــتِ مـلـكـي أنـا .. بطلـي العنـاد والغرور اللي أنـتِ فيه و كلمتي تتسمع !!! دي أخر مرة أقول فيها الكلام دة ، فـــاهـمـه !!!!!
أنتفضت "ملاذ" من ذلك الرجل الذي أمامها، لا ليس هو .. هي لا ترى "ظافر" الأن بل ترى والده أمامها بصراخه الدائم و بنبرته المُرعبة و قساوة حديثه، ليس هذا "ظافر" من أهتم بها و رعاها، ليس من جعلها تشعر أنها ملكة متوّجة، لم تنبت ببنت شفة ، ليس خوفاً منه .. و إنما ذكاءاً منها حتى لا تجعله يخرج أسوأ ما به و هو في تلك الحالة المشحونة بذبذبات الغضب و لكن حديثه لم و لن يروق لها، أنطلق "ظافر" بالسيارة بجسدٍ متشنج أثر غضبه ، أنطلق بالسيارة التي تكاد تطير من فرط السرعة التي يسير بها، قطبت "ملاذ" حاجبيها بخوفٍ لم تُظهره، منذ صغرها تخاف من سُرعة السيارات بل تتلبسها حاله من الذُعر، وضعت يداها على كتفه و هي تقول بصوتٍ مُرتجف :
- ظافر هدي السُرعة .. ظـافر بقولك هدي السرعة لـو سمحت !!!!!
لم يكُن يسمعها ، لم يسمع حبيبته و هي شبه تترجاه أن يُبطئ السرعة لم يُكن يرى أو يسمع شئ ، هو هكذا عندما يغضب لا يرى أو يسمع، و لكن صوت شهقات بكائها و هي تدفن وجهها داخل كفيها يخترق أذنه لتعصف به بقوة ، ضغط على مكابح السيارة لترتد إلى الخلف، ألتفت لها وقد ذهب غضبه إدراج الرياح، ترجل من السيارة ليذهب نحوها، لم تكف "ملاذ" عن البكاء القوي رُغم توقف السيارة، لم تستفيق سوى على ذراعه الذي يجذبها نحوه بلُطف ليُخرجها من السيارة ، أبعدت يداها عن وجهها لتظهر عيناها المبتلة و الحمراء .. لو بإستطاعته كان ليقتل نفسه حتى لا يتسبب في بكاءها بتلك الطريقة، جذبها إلى أحضانه ليجعلها تحاوط عنقه رُغماً عنها، قبل خصلاتها مربتاً على ظهرها و هو يُردف بندم حقيقي :
- أنا أسف .. متعيطيش خلاص أنا أسف أنا مكنتش شايف قُدامي، ملاذ أرجوكي متعيطيش يا حبيبتي خلاص ...
أبتعدت عنه تضربه على صدره ضربات قوية متتالية قائلة بصراخٍ باكي :
- أنـت غبي و مجنون .. أنا مبحبش السُرعة العالية بفتكر بابا و ماما ماتوا أزاي يا ظافر و أنا مبحبش أفتكر ده ..
جذبها لأحضانه مجدداً في عناق يسحق عظامها يدفن وجهه بعنقها يقول بأسفٍ :
- أهدي أنا أسف .. خلاص وعد مش هسوق بسرعة تاني بس كفاية عياط !!!!
حاوطت عنقه برجفة و هي تسند رأسها على كتفه و قد شعرت بالطمأنينة بين يداه، شعور فريد حقاً ، تشعر أنها تحتضن أباها بدفئ عناقه ولمساته الحنونة، هدهدها "ظافر" يمسح على خصلاتها مغمضاً عيناه يشتم رائحتها الجذابة، كم تمنى ذلك العناق كثيراً، كم تمنى أن تعانقه وتتشبث به مثل الأن، دام عناقهما رُبما عدة دقائق كِلاهما صامتان، أبتعدت عنه "ملاذ" ليحاوط "ظافر" وجهها بكفيه ماسحاً دموعها، أقترب بثغره ليُقبل مقدمة رأسها بحنو جارف، نظر لها قائلاً بمرحٍ :
- تمام كدا يا باشا ؟!!
أبتسمت "ملاذ" و ما أجمل أبتسامتها بعد بُكائها .. نظرت له قائلة بتحذير وهي تزم شفتيها :
- مش هتزعقلي تاني أبداً ؟!!!
ملئت ضحكاته الرجولية الطريق الفارغ الذين يقفوا به ليجذب وجهها نحوه مقبلاً طرف ثغرها بعُمق قائلاً بحنو :
- لاء مش هزعقلك تاني أبداً ..
أومأت "ملاذ" لتستقل السيارة بمشاعرٍ مختلفة كُلياً ، أستقل هو أيضاً لينطلقوا نحو قصر "الهلالي"
• • • •
ترجل "ظافر" من السيارة بعد أن صفها في مصف السيارات الخاص بعائلتهما، ترجلت هي الأخرى بتردد لتتمسك بذراعه قائلة :
- ظافر .. أنت متأكد أن هُما هيقبلوا بيا ؟!!
ربت على كفها قائلاً بلطف :
- أيوا متأكد .. أنا قايل لأمي أصلاً اني كتبت كتابي عليكي !!!!
شهقت "ملاذ" قائلة بصدمة :
- بجد !!! طيب و هي قالتلك أيه !!!
كوّب وجهها بين يداه قائلاً :
- كانت مبسوطة جداً ..!! وبعدين متخافيش و أنا جنبك !!!
قطبت حاجبيها قائلة بإنزعاج :
- أنا مش بخاف أصلاً !!!
قهقه "ظافر" ليُقبل جبهتها ممسكاً بكفها، سارا نحو باب القصر ليجد والدته تستقبله بالأحضان ، أحتضنت "ملاذ" أيضاً بأمومة لتبادلها "ملاذ" العناق، بينما "ظافر" لازال ممسك بكفها يرفض أن يتركه، ظهرت "ملك" التي أتجهت لتحتضن أخيها بإشتياق، تفاجأت من وجود ملاذ" بجانبه ممسك بيدها لتقول :
- ملاذ ؟!! أنتِ هنا ..!!
لم تعلق "ملاذ" أبداً ، لتظهر "مريم" من وراء السيدة "رقية" عيناها مثبته على كف زوجها الممسك بكفها ، تسمرت بمكانها لتنظر إلى "ظافر" بصدمة ، وفجأة تعالى صوتها لتصرخ به بقوة أفزعتهما :
- ظـــافـــر !!!!!!
كانت تسير في ظُلمات موّحشة ، ترتجف من برودة الجو لتنكمش على نفسها ، نظرت لما ترتديه لتجد ثوب أسود يكتم على أنفاسها ، عارٍ يظهر أكثر مما يخفي كجميع ملابسها ، جحظت بعيناها عندما وجدت أناملها مُلطخة بالدماء ، برقت عيناها بدموعٍ حبيسة وذلك المشهد يُفزعها ، نظرت حولها لذلك المكان الأشبه بالمقابر ، كتمت شهقة داخل جوفها و هي ترى أسمها محفور على إحدى القطع الرخامية ولكن لا يوجد لها تاريخ ، و بجانب قبرها أستوطنت قطعة رخامية أخرى محفور عليها أسمه ، "ظافر" !!! ، قطبت حاجبيها بهلع ، أستمعت إلى صوت أقدام خلفها لتلتفت سريعاً ،أبتسمت ملء فمها عندك وجدته خلفها لتركض له سريعاً ، تفحصت ملامحه الجامدة الرجولية ، عيناه الزيتونية الظالمة ، وجدته يرفع كفيه الملطختان بدماءٍ أيضاً ، حاوط وجها لتتخضب وجنتيها إحمراراً ، نظرت بفزع ليداه التي شوهت وجهها لتتمتم بفزع ونبرات متقطعة :
- ظـافر .. ايه .. ايه الدم ده ، و ليه هو على إيدي و إيدك ؟!!!
لم يلفظ "ظافر" بحرف ، بل ظل يتلمس وجهها ليختفي وجهها أسفل تلك الدماء البغيضة ، ألتوى ثغره بيأس وقد أمتلئت عيناه بالدموع و هو يسترسل :
- الوقت فات .. فات يا ملاذ ، محدش فينا هيلحق يصلح غلطاته !!!!
جحظت "ملاذ" بقوة لتلتفت لتلك المقابر حولها ، أنهالت الدموع على وجنتيها عندما علمت أن جسدهما يرقدا أسفل التراب ، ألتفتت له لتجده أختفى بلمح البصر ، صفعها الجو البارد مجدداً لتتراجع إلى الخلف و هي تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وصدى صوتها يتردد بأذنها :
- ظـــافــر !!!!!!!! ظـــــافــر !!!!!
أنتفضت من النوم بفزع ، جسدها بالكامل يتصبب عرقاً ، خصلاتها ملتصقة بجبينها و عيناها أغرورقت بالدموع ، وجدت "ظافر" يفتح الباب بقوة و هو يطالعها بقلق ، أقترب منها سريعاً ليجلس جوارها على الفراش ، مسح على جبينها ليبعد خصلاتها محاوطاً وجهها ثم قال بتوجس :
- في أيه يا ملاذ !!!!
جذب وجهها لصدره ممسداً على ظهرها ، تشبثت "ملاذ" بقميصه و هي تقول بشرود و كأنها بعالم آخر :
- كـابوس .. كابوس وحش أوي !!!!
- طب أهدي .. خلاص متخافيش ...
أنتفضت "ملاذ" لتبعد كفيه و هي تزحف للخلف ، تنظر إلى كفيه برعب لأول مرة يظهر بعيناها ، قطب "ظافر" حاجبيه بغرابة و هو يتفرس عيناها الهلعتان ، نهضت "ملاذ" عن الفراش لترفع كفيها لعيناها ، لم تجد بهما شئ لتضمهما إلى صدرها ، نظرت إلى "ظافر" الذي يحدق بها بعد فهم ، أقتربت لتجلس أمامه ، عزمت على إخباره بكل شئ ، لن تستطيع خداعه أكثر ، نظفت حلقها لترفع عيناها البندقية له و هي تتمتم بشئٍ من التردد :
- ظافر أنا عايزة أقولك على حاجة مهمة .. أنا ..
قاطعها "ظافر" سريعاً و هو يقول برزانه :
- انا اللي عايز أقولك على حاجة مهمة .. المأذون جاي بعد ساعة يا ملاذ .. جهزي نفسك !!!
حدقت به بصدمة مزمجرة :
- نــعـــم !!!!!!
أبتسم "ظافر" يتأمل عفويتها ، لتصك "ملاذ" أسنانها قائلة بنبرة غاضبة :
- أنت بتضحك ليه دلوقتي !!! يا ظافر دة جواز مينفعش يبقى بسرعة كدا .. أنت حتى معرفتش أهلك باللي هتعمله ..و لا .. ولا مريم !!! مراتك !!! ، متضحكش يـا ظافر ..!!!!
لم تمحو أبتسامته .. بل زادت أتساعاً حتى أصبحت ضحكات مجلجلة كادت أن تصيبها بالجلطة ، لا تعلم أتضغب من لامبالاته، أم تضع كفها أسفل ذقنها تتأمل أبتسامته التي جعلت قلبها يرتجف من السعادة ، زمت شفتيها بغضب عندما تحول إلى الجدية سريعاً بطريقة أدهشتها :
- راجل عنده 31 سنة يقول لأهله ليه أنه هيتجوز !!! شايفاني عيل بـ ريالة !!!!
رفعت حاجبيها بدهشة لتكتف ذراعيها قائلة بسُخرية :
- طب ومراتك !!!!
أظلمت حدقتاه لينهض قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- قومي جهزي نفسك المأذون في الطريق !!!
نهضت رافضة طريقته في إنهاء الحديث لتقف أمامه قائلة بصوتٍ مرتفع :
- و أنا مش هتحرك من الأوضة دي غير لما أفهم كل حاجة هتمشي أزاي .. مش معقول بين يوم وليلة أبقى مراتك !!!!
طالعها بنظرات حادة و هو يقول بنبرة صارمة :
- متعليش صوتك !!!! ، أنتِ بتاعتي من أول من أتولدتي يا هانم ، بتاعتي من ساعة مـ جيتي على الدنيا دي ، بتاعتي أنا وبس ، فاهمه ؟!!!!!
ضربت الأرض بقدميها قائلة بتمردٍ وغضب شديدين :
- لاء أنا مش بتاعة حد !!!! أنا مش سلعة عشان أبقى بتاعتك ، أنا مش عايزة أتجوزك .. أنا مش عايزة أكون مراتك أبداً فاهم !!!!!
أقترب منها خطوة جعلتها تهاب مما سيفعل ، و لكن قدميها تسمرتا بالأرضية محدقة بعيناه التي بدت مخيفة ، جذبها من خصرها ليُلصقها بصدره ، شهقت "ملاذ" بعنف لتضع يدها على ذراعه تحاول إبعاده ، ضغط على خصرها بقوة مما جعلها تكتم شهقة مؤلمة كادت أن تُفلت منها ، حاولت إبعاده ولكنه لم يتزحزح مقدار خطوة ، هي وبسهولة تستطيع أن تضربه بركبتيها في معدته ، و لكنها تهابه ، هو حنون لكن غضبه جحيمي ، أقترب "ظافر" بثغره من أذنها قائلاً بهمس مخيف :
- هتجوزك يا ملاذ .
أغمضت و هي تشتم رائحته المميزة و عطره الرجولي ، تحركت أنامله على ذراعيها بينما يقول بإبتسامة صفراء :
- لو مش برضاكي يبقى هتجوزك ورجلك فوق رقبتك !!!!
رفعت حاجبيها بسُخرية قائلة :
- أنا مافيش حد يجبرني على حاجة ، ده جواز و آآآ ..
بتر عبارتها بإبتسامة واثقة قائلاً :
- و أنا مش حد !!!!
لم تستطيع النطق ، بل وقفت الحروف على أطراف ثغرها ، أقشعر بدنها عندما لامس وجهها بأنامله الخشنة ، تأملت غابات عيناه الزيتونية وقد نمت أبتسامة خفيفة على شفتيها لا تعلم ماسببها سوى أن نظرات الحب التي تغدق عيناه قد جعلتها تتيقن أنه يعشقها ، أختفت الإبتسامة تدريجياً عندما تذكرت من هي .. تذكرت أنه عندما يعلم بما فعلت سيراها قذرة تحاول سلب أمواله والأنتقام منه لوساوس بغيضة في ذهنها ، جحظت عيناها و هي تدفعه بعيداً ، أرتدت إلى الخلف و هي تتمتم تنفي برأسها بهيستيرية :
- لاء .. لاء مش هتجوزك .. مستحيل !!!!
توحشت تقاسيم وجهه المُتشنجة ، يقترب منها قابضاً على ذراعيها صارخاً بها :
- مــش بمـزاجك يـا مـلاذ !!!!!!!
جفلت "ملاذ" و لأول مرة يصرخ بها بتلك الوحشية ، حاولت إبعاد كفيه عن ذراعيها ، لأول مرة تهاب رجل بتلك الطريقة ، ملامحه المشدودة و فكه المتشنج ، عيناه التي أصبحت أكثر قتامة، دفعها بعيداً ليلتفت بظهره واضعاً يداه بـ جيب بنطاله قائلاً بجمود :
- لو مكتبناش كتابنا النهاردة هخسرك شغلك وصفقاتك اللي انتِ داخله فيها ، هدمرك وهدمر شركتك و سمعتك و مكانتك كـ business woman ، هدمر "ملاذ خليل الشافعي" و بردو بعدها هتجوزك، صدقيني جوازك مني هيفيدك مش هيضُرك !!!!
ألتفت لها راسماً على صفحات وجهه الجمود المتناهي رغم وجهها المصدوم :
- كونك هتتجوزي "ظافر الهلالي" فـ ده شئ هيرفعك للسما ، كل حاجة هتبقى تحت رجليكي من قبل مـ تطلبيها ، صدقيني جوازنا هيبقى مصلحة ليا وليكي ، انتِ اكتر واحدة تليق انها تشيل أسمي، يعني .. مستوى أجتماعي .. جمال، ذكاء و قوة، أنتِ أكتر واحدة هتبقي مناسبة ليا ، آه وبالمناسبة .. أخر صفقة ملابس أنتِ دخلتي فيها واللي حطيتي فيها فلوسك كلها .. أنا أبقى صاحب الشركة اللي اتعاقدتي معاها .. واللي كتبتي على نفسك عقد بـ خمسة مليون دولار ، و أنا عارف أنك مش معاكي المبلغ دة ، وحتى لو بيعتي شقتك و الڤيلا اللي فالساحل وعربيتك أخر موديل و لو سحبتي فلوسك اللي في البنك كلها مش هتكمل المبلغ دة ، أنا ممكن أعمل أي حاجة في مقابل أني أسترد حاجة في الأصل هي بتاعتي !!!!!
جامدة الملامح ، قدميها تنغرس بالأرض رافضة التحرك مقدار خطوة ، عيناها تحدق به ، لا ليس هو ، ليس من أهتم بها في اليومان الماضيان ، ليس من رعاها بل و أغدقها بحنانه ليس هو ، هي ترى أبيه ، تراه بقساوته و عيناه التي نُزعت منها معاني الرحمة بأكمله ، بوجهه الجامد ونبرته الفاترة ، من يقف أمامها ليس "ظافر" ، ليس من يمتلك عينان دافئتان و عبرات حنونة ، لوهله شعرت أنها وللمرة المائة تُصدم بما حولها ، و للمرة المليون تشعر بقلبها يعتصر داخلها ، أبعد ناظريه عنها لا يستطيع أن يرى تلك النظرة بعيناها ، لا يستطيع مقاومة نظرة الخذلان التي لمحَها بمقلتيها ، أدار ظهره لها يغمض عيناه بقوة و كم آلمته عيناها ، لو تعلم فقط أنه يعشقها أكثر من أي شئ بذلك العالم ، لو تعلم أنه قال هذا فقط حتى لا يخسرها مجدداً بعدما وجدها ، ليتها تعلم أن كل حرف خرج من جوفه ما هو إلا ترهات بغيضة ، لم يستطع أن يلتفت لها ليقول محافظاً على نبرته الفاترة :
- نص ساعة تلبسي فيها اي حاجة من اللي جابتهالك الست فتحية موجودين في الشنطة !!!!
ثم تركها وخرج صافعاً باب الغرفة خلفه ، ظلت واثبة مكانها ، عيناها شاردة بالمكان الذي كان يقف به ، هي صامدة ، مهما تلقت من صدمات مميتة لقلبها الذي بحجم الكف ولكنها صامدة ، لن تسمح لأحد بأن يكسرها هي "ملاذ" التي لا تُهزم .
• • • •
أخذت صرخاتها و عويلها يتصاعد تدريجياً ، تضرب كفيها بقدميها بحسرة و بكاء زائف ، نظرت إلى النائم على الفراش بجانبها بغيظ لتقترب تنظر له بغل قائلة :
- هوريك النجوم في عز الضُهر يابن الهلالي !!!!!
تذكرت ما فعلت قبل ساعتين ، عندما أخرجت من حقيبتها الكبيرة مستحضرات التجميل اللازمة ، بدأت برسم كدمات على وجهها بل و أثار ضرب و دماء جافة حيث كانت بارعه حقاً في هذا !!!!
أقتربت من أذنه لتصرخ ببكاء قوي ، أنتفض "مازن" فزعاً و هو يصرخ بلا وعي :
- أيـــه !!!! مـين مـات !!!!!!
فرك عيناه بقوة ليرى "فريدة" تجلس بثيابٍ شبه ممزقة و وجهها مكدوم بينما شفتيها تنزف بقوة ، أنتفض ممسكاً بوجهها و هو يقول بهلع :
- أنتِ أيه اللي عمل فيكي كدا !!! ، أيه اللي حصلك م تــردي !!!!!!
صرخ بأخر جملته وقلبه يكاد يقتلع من محله ، صفعت الأخرى كفيه بعيداً وهي تصرخ بحُرقة :
- أبعد عني يا حيوان !!!! ، مين هيكون عمل كدا فيا غيرك واحد حيوان زيـك !!!!!
جحظت عيناه ليتذكر أنه بالفعل لم يكُن بوعيه البارحة بل كان ثمل حد الموت ، تفحص كدمات وجهها بندم حقيقي و هو يقول :
- أنا بجد عملت فيكي كدا ؟!!!! أنا مش عارف أزاي ده حصل صدقيني دي أول مرة تحصل اني أبقى مش فـ وعي بالطريقة دي !!!
تلمس كدمات وجهها الزرقاء ليجد مستحضرات التجميل تطبع في يده ، جحظت "فريدة" بعيناها و هي تراه ينظر إلى الألوان التي خرجت بيده قائلاً بصدمة :
- دة makeup !!!!!!
نفت برأسها و هي تنهض تدريجياً من على الفراش متمتمه بهلع :
- makeup أيه دي أفعالك الوحشية يا متوحش !!!!!!
- و حيــاة أمــك !!!!!!
صرخ بها لينهض من على الفراش يركض وراءها كالفهد الذي سيلتقط فريسته لا محاله ، ركضت "فريدة" تقف بمقدمة طاولة الطعام العريضة بينما هو يقف بنهايتها ، كادت "فريدة" أن تبكي من فرط الخوف الذي تلبسها و هي تراه يكاد يُخرج دخاناً من أذنيه :
- أنا اسفة يا مازن والله أخر مرة هعمل كدا عشان خاطري !!!!!!
صرخ بها بجنون و هو يضرب على الطاولة بقوة :
- أسفة !!!!! دة أنا قلبي وقف لما شوفتك بالمنظر ده ده ولا كأن قطر داس على وشك فرَمه ، أنتِ عارفة أني كان هاين عليا أضرب نفسي مية قلم لو كنت فعلاً عملت فيكي كدا و أنا مش في وعيي ، أنتِ متخلفة ومبتفهميش !!!!!
أهتاج صدره بعنف بقلبٍ يكاد يتوقف عن النبض ، أقتربت منه " فريدة" بعينان أغرورقتا بالدموع و هي تتمتم بحزن :
- حقك عليا أنا مكنتش أعرف أنك هتضايق كدا !!!!! و الله مكنتش أقصد !!!!
جذبها من خصرها لتجفل "فريدة" بفزع ، وضعت كفيها على صدره لتبعده ولكنها وجدت نفسها تغوص بين ذراعيه أكتر ، بل وتغرق بعيناه الراغبتان بها ، أنفه الحاد والمستقيم وشفتيه القاسيتان ، شعرت بتقلص معدتها عندما تحركت أنامله على وجهها وشفتيها ، مال بشفتيه تلامس شفتيها هامساً بأفكار جحيمية تجتاح عقله :
- تعالي نخلي المقلب اللي عملتيه فيا .. حقيقة ، بس برضاكي !!!!!
توسعت عيناها لتهم بالحديث لتجده يلتقط شفتيها في قبلة أودتها لعالم آخر ، أستسلمت بين يداه تماماً تاركة له الحرية ، أرتجف جسدها لتفر دمعة من عيناها رغماً عنها ، هي تسير بطريق مبهم ليس له ملامح ، بل هي لا تثق بـ "مازن" ، هو لا يحبُها ، تلك ليست سوى رغبة بغيضة سترتطم على أثرها على الأرض لتسقط أشلاء !!!! دفعته بعيداً تمسح شفتيها بتقزز و وجهها تُغرقه الدموع ، تفاجأ "مازن" من حالها ليقترب منها قائلاً :
- فريدة !!! انتِ بتعيطي !!!!
صرخت به بهيستيرية :
- أبعد عني !!!! أنت مش بتحبني ، أنت عايز تتملكني لكن مش بتحبني ، دي مجرد رغبة ولما تاخد اللي أنت عايزه مني هترميني مش كدا !!!!!
جحظ بعيناه صارخاً بها بصدمة :
- أخد اللي عايزة و أرميكي أزاي أنا جوزك يا مجنونة !!!!
صرخت به بالمقابل و هي تطيح بالمزهرية على الأرض :
- جــوزي !!!! جـوزي بالغصب يا مازن أنت اللي غصبتني على الجوازة دي طبعاً عشان مازن الهلالي لما بيعوز حاجة بياخدها مش كدا !!!!!
مسح على وجهه بعنف ليجأر بها كالأسد :
- أنتِ عبيطة ولا بتستعبطي ، أنا لو كنت عايز منك حاجة كنت خدتها من غير جواز برضاكي أو غصب عنك ، أنا مافيش حاجة تقدر تقف قدامي واللي يقف قدامي أفعصه فــاهمه ، فوقي لنفسك متفكريش نفسك حاجة أنتِ ولا تسوي أنتِ حتة حشرة أدوس عليها بجزمتي !!!! و مش أنا اللي واحدة زيك ترفضني أنا مازن الهلالي اللي أحلى منك بيترموا تحت رجليا يا حتة زبالة !!!!!
رمى بكلماته السامة بوجهها ليخرج من الشقة بأكملها ، تاركها كالصنم الذي فقد الحياة ، فقد الشغف وفقد كل شئ و أولهما كرامته !!!!!!
صدى كلماته يتردد بأذنها ، ليكون سبباً كبيراً في أنهمار دموعها على وجنتيها ، سمعت الباب يطرق ، بالتأكيد ليس هو ، و هي لن تفتح بجميع الأحوال ، ولكن الباب يزداد طرقاً بل وعنف حتى كاد أن ينكسر الباب ، دلفت لترتدي شئ أكثر سُتراً لتذهب نحو الباب ، فتحت الباب بجسد خالي من الروح ، أرتدت إلى الخلف و هي تشهق بصدمة قائلة :
- بـابا !!!!!!!
• • • •
تنام معانقة إياه و هي تتمتم بقلق :
- بـاسل ..؟
- نعم يا حبيبتي ..
قال "باسل" مغمضاً العينان ، تمتمت "رهف" و هي تنهض قائلة :
- ينفع أروح أشوف ماما النهاردة ؟!!!
أنتفض "باسل" يجأر بصرامة :
- رهف إياكي تفكري أنك تروحي بيت ابن ***** دة لو شوفته صدقيني هقتله في إيدي !!!!
نفت برأسها بعينان مملؤتان بالدموع قائلة ببكاء كالطفلة :
- بس أنا عايزة أشوفها .. هي وحشتني أوي يا باسل ، وبعدين أنا خلاص مش خايفة منه عشان أنت معايا و مش هتسمح لحد يأذيني .. صح ؟!!
جذبها إلى أحضانه مربتاً على ظهرها بحنو قائلاً بتأكيد حتمي :
- طبعاً ياحبيبتي ، طول مـ فيا النفس عُمري من هسيب حد يلمس شعرة منك !!!
مسد على خصلاتها يقبل مقدمة رأسها ، رفعت "فريدة" أنظارها له قائلة بحماس :
- يعني أقوم ألبس يا حبيبي !!!!
توسعت عيناه ليقبض على خصرها قائلاً بمزاح :
- أهو عشان حبيبي دي مش هتعتبي باب البيت من هنا لشهرين قدام !!!!
صفعته "رهف" على صدره بخفة و هي تتلوى بين ذراعيه :
- يا باسل خلاص بقا مكانتش كلمة !!!!
- أبداً دخول الحمام مش زي خروجه !!!!
أنقض يُقبل كل أنش بوجهها يُدغدغها بمعدتها ، كاد أن يُصيبها نوبة قلبية من كثرة الضحك
• • • •
يقود هو السيارة و بجانبه "رهف" تفرك أصابعها بتوتر ، تقضم أظافرها شاردة في الفراغ ، لاحظ "باسل" هالة القلق التي تحيط بها ليمسك بكفها مشدداً عليه و بالأخر يمسك بالمقود مسترسلاً ليُطمأنها :
- أنتِ بتثقي فيا ولا لاء ؟!!
ألتفتت له "رهف" تؤكد بقوة :
- أيوا طبعاً !!
رفع كفها لثغره ليُقبله بحنو مُثبتاً أنظاره على الطريق أمامه :
- يبقى مش عايزك تخافي من أي حد و أنا جنبك .. أنا عندي أستعداد أني أهد الدنيا فوق دماغ أي حد يزعلك يا حبيبتي ..!!!!!
أرتسمت أبتسامة فرحه على ثغرها ، رقص قلبها فرحاً لأنها و أخيراً وجدت من تستند عليه و من يحبُها بصدقٍ جماً ، تُريد أن تُقبّل كل دقيقة تمر و هو معها، ذلك هو الحُب .. أن يُنير وجهك وروحك ، لا أن يطفأ بك كل ذرة شغف داخلك، نظرت له نظرة عاشقة، نظرة متفرسة وجهه ، و بالفعل أسندت وجهها على كفها تنظر له مبتسمة بأتساع، لاحظ "باسل" تحملُقها به ليطلق ضحكة رجولية أظهرت تُفاحة آدم خاصته لتبتسم "رهف" أكثر على أثرها ، بينما قال "باسل" بإبتسامة واسعة و نبرة وقحة :
- لو فضلتي تبُصيلي كدا هحلف نرجع البيت يا رهف ، أو هنعمل حادثة أيُهما أقرب !!!
مالت برأسها ولم تنبت ببنت شفة ، مازالت الأبتسامة تزهر بوجهها ، تمتمت بنبرة مُشرقة :
- أنا حاسة أن دة حلم .. حلم جميل أوي .. بتمنى أني أموت قبل مـ أفوق منه !!!!
أنقبض قلبه ليضغط على المكابح السيارة بقوة ملتفتاً لها مزمجراً بنبرة أشبه بالصراخ :
- إياكي تجيبي سيرة الموت على لسانك يا رهف ، و رحمة أبويا لو قولتي كدا تاني هـ ...
قاطعته بعناقٍ حنون دافئ ، تستمع لنبضات قلبه العالية لتربت على ظهره العريض قائلة بإبتسامة :
- طب خلاص يا بسلة متزعلش ، متبقاش قفوش بقا الله !!!!
رفع حاجبيه بعينان جاحظة و هو يتمتم :
- بسِلة و قفوش ؟!!!! أنا بسِلة يا رهف ؟!!!!
أومأت "رهف" مطلقة ضحكة عفوية ، خبئها "باسل" بين ذراعيه يُقبل خصلاتها بـ ولهان ، ليبتسم قائلاً بوقاحة :
- حبيبتي لو فضلنا كدا أنا مش همسك نفسي وهيتقبض علينا بفعل فاضح في الطريق العام و صدقيني هعترف عليكي و أقول أن أنتِ غرغرتي بيا !!!!
أبتعدت "رهف" تضربه على صدره قائلة زامة شفتيها بطفولية :
- أنا بغرغر بيك يا بسِلة ؟!!! طب يلا بقا أتفضل امشي !!!!
قهقه بقوة ليسير بالسيارة و ضحكاتهما تملأ المكان ..
• • • •
شعرت برأسها يدور بها ، لا تستطيع الوقوف على قدميها التي ربما تخذلانها لتسقط على الأرض بضعف ، أبيها الواثب أمامها بغضبٍ شديد ، و زوجة والدها التي ملامحها لا تُبشر بالخير ، ممسكين بأخيها الذي يُحدق بها ببراءة ، و سُرعان ما تشبث الصغير بقدميها مُعبراً عن حبُه لشقيقته ، أنحنت له لتحتضنه ببكاء قوي :
- أنا أسفة يا حبيبي مش هسيبك تاني أنا أسفة !!!!
نظرت لأبيها حتى كادت أن ترتمي بأحضانه فكم تحتاج إلى عناقه الأن ، ولكنه أوقفها بمد كفيه يمنعها حتى أن تلامسه و كأنها عدوى ، و بلمح البصر كان يصفعها صفعة أوقعتها أرضاً ، أمسكت "فريدة" بوجنتها تمسح الدماء عن شفتيها ، فهي لطالما أعتادت على إهانته وضربه المستمر لها ، لم يكتفي بذلك بل أنحنى يُمسك بخصلاتها ليرفع وجهها له صارخاً بها بوحشية :
- بتتجوزي من ورايا يا بنت الكـلـب ، يا بنت ***** !!!!!
بكت "فريدة" بقوة ، لم تستطيع الدفاع عن نفسها ، زادت زوجة والدها الجو أشتعالاً و هو تصرخ بشماته :
- طبعاً م هي تربية أمها الشمال !!!!!
كادت أن تُلقنها درساً قاسياً و لكن ما ألجم لسانها وجوده خلفهم يصرخ بهم بقوة :
- أيه اللي بيحصل هنا !!!!
ألتفت جميعهم إلى "مازن" الذي كاد أن ينخلع قلبه عندما رآها بتلك الحالة ، شفتيها متورمة تُدمي حقاً وليست مستحضرات تجميل ، مستلقية على الأرض و ما زاده أشتعالاً عندما رأى ذلك الرجل ممسكاً بخصلاتها بكل ما أوتي من قوة ، أقترب منه حتى كاد أن يُلكمه بوجهه لتصرخ به "فريدة" :
- مازن ده أبويا !!!!
جحظت عيناه بقوة ليلتفت لها ، أمسكها من ذراعيها بلطف ليجعلها تنهض ماسحاً على وجنتيها الملتهبة ، أوقفها خلف ظهره ليلتفت لذلك العجوز ، عيناه توحي عما بداخله من نيران متفاقمة ، ليسكب أبيها البنزين على النار عندما جأر به :
- أنت بقى سبع البرُمبة اللي أتجوزتك من ورا أهلها !!!!
أقترب منه "مازن" يضع يداه بجيب بنطاله يحدق به بجمود قائلاً :
- و أنت بقا أبوها اللي سايبها هي و أخوها لوحدهم و عايش برا مصر مع الزبالة اللي واقفة جنبك ومش بتصرف عليهم ؟ تصدق أول مرة أشوف راجل تجرُه مرا (ست) ، عيب على شنبك حتى !!!!
شهقت "فريدة" من مدى وقاحته لتصرخ به :
- مــازن !!!!!
توترت معالم وجه أبيها ليقول :
- ماشي يا جوز بنتي .. مقبولة منك !!!!!
ليُكمل و هو ينظر لأبنته بعينان مشتعله :
- هو ده اللي أتجوزتيه ؟!! بيهين أبوكي و أنتِ ساكتة !!!!
صرخ به "مازن" بنبرة حادة صارمة :
- كلامك معــايـا أنــا !!!!!
نظرت له تلك ذات النظرات الخبيثة والتي تتفحص "مازن" بهيبته ورجولته لتقول بنبرة رخيصة :
- خلاص بقى يا حبيبي نبقى نجيلهم في وقت تاني !!!!
نظر لها "مازن" بسُخرية ليُكمل :
- أنا شايف كدا بردو !!!
نظر له أبيها قائلاً وقد ظهر الطمع في عيناه :
- و أيه المقابل !!!!
كتمت "فريدة" شهقة حزينة كادت أن تُفلت منها ، بينما أبتسم "مازن" بغرور قائلاً :
- عايز كام ؟!!!
أنقبض قلبها و هي تشعر أن ظهرها أنكسر في تلك الدنيا ، تشعر بخراب العالم بروحها ، أنطفئت معالم الحياة بعيناها ، زاغت أبصارها و هي تشاهد تلك المسرحية القاتلة لقلبها المسكين ، يُبيعها أبيها كسلعة بخسة ، ما قاله كان كرصاصة بمنتصف قلبها، تمنت لو أن تموت قبل أن تسمع هذا الحديث المقزز الذي يدير بينهما ، رأت "مازن"يُخرج دفتر الشيكات من جيبه ليدون رقم ، مده لأبيها قائلاً بجمود:
- عشرة مليون ، و تبعد عن حياتها خالص هي و أخوها يزيد ، أعتبر من النهاردة أن بنتك مـاتت !!!!
بالفعل ، ما قاله صحيح ، هو لم يكذب أبداً في تلك اللحظة هي حقاً أصبحت جسد بلا روح ، نظرت إلى أخاها الممسك بكفها و كأنه يفهم حُزنها، وبالفعل ذهب ما يُسمى بأبيها و مع زوجته العقربة ، تشبث الصغير بثيابها قائلاً بعينان دامعتان :
- فريدة هو بابا مشي ليه ؟!!!!
لم تستطيع الرّد ، تركت يد أخيها محملقة بعينان ذلك الواقف أمامها يطالعها بالقليل من الشفقة ، أقتربت منه لتضربه على صدره بهيستيرية صارخة بجنون :
- حــرام عليك ، ليه تعمل فيا كدا عملتلك أيــه عشان تكسرني كدا !!!!! ربنا ياخُدني عشان ترتاحوا مني كلكوا !!!!!!
جفل الصغير ليبكي على أخته ، بينما هو يقف يستقبل ضرباتها القوية بصدرٍ رحب، لم يحاول أن يوقفها عما تفعل لرُبما تنفث عن غضبها بتلك الطريقة، يعلم ذلك الشعور عندما يخذلك أقربهم إلى قلبك، أبتعدت عنه تصرخ به بألم أخترق قلبه :
- أنت شيطان مش بني آدم ، أنت أقذر واحد ممكن أشوفه في حياتي ، أنت عُمرك مـ هتتغير يا مازن ، أنت وَحش مش بتحس، ياريتني كُنت مُت قبل م أتجوزك يا أخي، مبسوط دلوقتي ؟!!! فرحان كدا لما كسرتني وخليتني ماليش ضهر ؟ مبسوط لما شوهت صورة اللي المفروض أبويا في عيني ؟ مبسوط أني بقيت مضطرة أعيش هنا و رجلي فوق رقابتي عشان مافيش مكان أروحله غير سجنك !!!!!!
أغمض عيناه من كلماتها التي كالسهام المسمومة، هم بالذهاب من أمامها لتتشبث به "فريدة" من تلابيبه مقربة وجهها من وجه الجليدي صارخة به حتى ظهرت عروق عنقها :
- أنت رايح فين !!!! هتمشي ببساطة بعد م خربتلي حياتي ، لما أكـون بكلمك متمشيش وتسيبني فاهم ، أنت هتسمع كل حاجة أنا هقولها دلوقتي ، أنا هاخد يزيد و هنمشي من هنا .. و أنساني بقا!!!!
أشتعلت عيناه ليمسك فكها بقوة أمام أخيها الذي أنفجر بالبكاء :
-خلصتي ؟ في أحلامك ، أنتِ مراتي و هتسافروا معايا الصعيد في بيت أهلي !!!!!
ضربت صدره بقوة لتصرخ بجنون :
- أنت مبتفهمش بقولك مش هروح معاك في حتة !!!!
أتجهت نحو المطبخ لتجلب نصل حاد ، وضعتها على على عنقها بجنون ليصرخ "يزيد" ببكاء :
- فـريدة !!!!
جحظت مقلتيه ليمسح على وجهه بأنقباض قلب و هو يقترب قليلاً قائلاً :
- فريدة سيبي الزفتة دي !!!
صرخت به ضاغطة على السكين أكثر صارخة به :
- إياك تقرب مني !!!!
وقع قلبه أرضاً عندما وجد خط رفيع من الدماء ينزف من عنقها ، كاد أن يجن و لأول مرة يقف عاجز لا يعلم ماذا سيفعل ، أقترب من أخيها الذي يبكي هو الأخر بهيستيرية ، أقترب منه ليحمله و هو يوجه حديثه إلى "فريدة" صارخاً بها:
- أخوكي حرام يشوف أخته بالمنظر دة بقولك سيبي السكينة يا فريدة !!!!!
نظرت إلى صغيرها الذي يستعطفها بعيناه ألا تفعل ، نقطة ضعفها والشئ الوحيد الذي تبقى لها من تلك الدنيا ، ألقت بالسكين أرضاً لتنهار على الأرضية الصلبة جالسة على ركبتيها تُغطي وجهها بكفيها ، أنزل "يزيد" الذي ركض نحو شقيقته ، ذهب هو ايضاً نحوها ليجلس على ركبتيه مثلها، أبعد كفيها عن وجهها بتردد، عيناها الباكية جعلته يغمض عيناه بألم، و سُرعان ما أرتمت "فريدة" بجسدها على جسده فاقدة الوعي !!!
• • • •
- هو فين مأذون الغفلة !!!!
قالت "ملاذ" و هي تقف أمامهم واضعة يداها على خصرها ، ترمق "ظافر" بتحدٍ ، نظرت لجارتها وزوجها الذي سيتولى تزويجها من ظافر و إلى المأذون والأثنان الذين سيشهدوا على تلك الزيجة ، شعرت بأنظارهما تفترسها نهض "ظافر" يطالع الثوب الذي خرجت به "ملاذ" بصدمة ، فقد كانت ترتدي ثوب قبل الركبة يلتصق بها و كأنه جلدها يظهرها بسخاء !!!!! ذهب نحوها ليقبض على ذراعها بقوة آلمتها حقاً ليدفعها داخل الغرفة حتى كادت أن تسقط أرضاً، نظر لما ترتديه بإشمئزاز مشيراً بأصبعه :
- أيه القرف دة ؟!!! أزاي تخرجي كدا !!!!
صرخ بأخر الجملة، جفلت "ملاذ" و لكنها هتفت بقوة :
- ماله ؟ مـ الفستان حلو أهو !!!!
صرخ بها "ظافر" :
- أنــتِ أتجننتي !!!! غيري القرف دة حالاً !!!!!
كتفت ذراعيها أمام صدرها قائلة بعندٍ :
- لاء مش هغيره ، عاجبني !!!!
مسح على وجهه بعنف لينظر لها بنظرات نارية تقذف جمراً بوجهها :
- و رحمة أبويا لو مـ دخلتي وغيرتي الفستان دة يا ملاذ لأكون مموتك في إيدي دلوقتي ، متخلينيش أكرّهك فيا !!!!!
خافت ، لا بل أرتعبت من نبرته و ما يقوله ، تابعته بأنظاره و هو يتوجه نحو الحقيبة الكبيرة ليُقلبها رأساً على عقب ، أخرج منها عباءة سوداء كان قد أبتاعها لها ليُرميها بوجهها قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- دقيقتين و تبقي لابساها ، أتقي شري ، أنتِ لسة ماشوفتيش وشي التاني و أنا مش عايز أوريهولك يا ملاذ !!!!!!
ثم خرج من الغرفة تاركاً قلبها ينبض بعنف ، أرتدت تلك العباءة الواسعة على ثوبها ، و بالفعل خرجت قبل الدقيقتين لتذهب نحو "ظافر" الذي نظر لها برضا ، مضت على الورقة التي أمامها لتكمل تلك الزيجة، كتبا الكتاب لتصبح زوجته ، ذهبوا جميعاً بأمر من "ظافر" ليتركوهما بمفردهم ، خفق قلبها بعنف عندما وجدته يقترب منها وملامحه لا تُبشر بالخير، أرتدت خطوتين فـ نظراته حقاً جعلت فرائسها ترتعد ، أقترب منها "ظافر" أكثر و كلما يقترب تعود هي إلى الخلف، تفاجأت بالحائط خلفها و أمامها صدره الصلب ، حاصرها بذراعيه يتأمل وجهها الجذاب و أحمر الشفاه الذي يُزين ثغرها ، مال بثغره ليلتقط شفتيها في قسوة يقبلها أو لنقول يُنفث عن غضبه بها، شعرت "ملاذ" بشفتيها تدمى لتضربه على صدره بقوة ، أبتعد "ظافر" و هو ينظر إلى شفتيها والتي ظهر لونها الوردي الطبيعي و الجذاب ، تمتم "ظافر" بأنفاس حارة :
- كدا أحسن !!!!
توقف عقلها عن العمل لِمَ تتركه يفعل بها هذا ، لِمَ لا تتحدث و كأن لسانها قُطع ، لِمَ تُحدق به هكذا اتريده أن يفعل مجدداً دون قصدٍ منها، و بالفعل أستجاب "ظافر" ليقبض على خصرها بلطف ، عانق شفتيها بشفتيه ولكن تلك المرة بحنان شديد، أغمضت "ملاذ" عيناها مستسلمة تماماً بين يداه ، جال بخاطرها ما قاله حول أنه لا يُحبها أبداً ، لتضربه على صدره تدفعه بكل ما أوتيت من قوة صارخة به :
- أبــعــد !!!!!!
صرخ بها "ظافر" يلوي ذراعيها خلف ظهرها :
- أهــدي !!!!
نفت برأسها بهيستيرية ليتركها "ظافر" مبتعداً عنها ، أمسك بخصلاته ليقول بصدرٍ مهتاج :
- جهزي شنطتك عشان نروح لقصر الهلالي يا مدام !!!!
• • • •
الفرحة تسود القصر بأكمله لعودة بِكرها ، وُضعت أشهى المأكولات على طاولة الطعام و جميع من بالقصر على قدمٍ وساق يُجهزون كل شئ ، أخبرها "ظافر" على الهاتف أنه تزوج من "ملاذ" ، بتلك اللحظة أطلقت زغاريد فرِحة أرتابت لها "مريم" ، أخفت السيدة "رقية" هذا الخبر عن العائلة بأكملها بأمرٍ من "ظافر" حتى مجيئه هو ليعلم البلدة بأكملها ، قالت "السيدة رقية" بينها وبين حالها :
- و أخيراً يا ظافر يابني أتچوزت ، أخيراً هتچبلي حفيدي اللي نفسي فيه، أحمدك يارب !!!!
نادت على الخدم تقول بصرامة :
- يالا يابت أنتِ وهي عايزة البيت يُبرق من النضافة عشان ضنايا جاي !!!!
بينما "مريم" تكاد تجن و كأنها تقف على جمرٍ مشتعل ، لا تصدق متى سيأتي زوجها الذي لم يهاتفها أبداً منذ أن ذهب و هي لا تعلم عنه شئ سوى من والدته ، تتمنى أن لا يحدث شئ سئ بعودته !!!
• • • •
أطرقت "رهف" بخفة على الباب ، يقف بجانبها زوجها وحبيبها ، فتحت والدتها الباب لتجد أبنتها تقف على وجهها أبتسامة واسعة ، لم تبدو أن والدتها فرحت برؤيتها خاصة عندما قالت بفتور :
- عايزة أيه يارهف ؟!! مش خلاص أتجوزتي وعيشتي حياتك !!!!!
أغرورقت مقلتيّ "رهف" بالدموع و هي تقول بحزن :
- أنتِ وحشتيني أوي يا ماما !!!!
رق قلب والدتها لتجذبها لأحضانها مربتة على ظهرها :
- أنتِ اللي وحشتيني يا ضنايا ، تعالي أدخلي ..
نفت "رهف" برأسها قائلة :
- لاء يا ماما كفاية عليا أني شوفتك ، أنا بس كنت جاية أطمن عليكي ..
ربتت أمها على خصلاتها بحنو :
- و دة ينفع يابنتي ، تعالي أتفضلي أنتِ و جوزك !!!!
دلفت "رهف" بتردد يُعقبها "باسل" كظلها ، دلفوا جميعاً ليجلسوا في غرفة الصالون، جلست "رهف" جوار والدتها تتشبع من حنانها لرُبما لن تراها مرةً أخرى، ترددت كثيراً أن تسأل عن هذا الحقير، ولتقطع الشك باليقين تمتمت و هي تتمنى أن تسمع خبر موته :
- أومال جوزك فين يا ماما ؟!!
تحدثت بإعتيادية :
- نايم يا حبيبتي ...
أطلقت "رهف" زفيراً إرتياحياً و هي تتمتم بصوتٍ منخفض :
- يارب ينام مـ يقوم !!!!
ربتت والدتها على قدمها و هي تسعُل بقوة :
- رهف يا بنتي .. ممكن تروحي تجيبيلي كوباية ميا أشرب يا حبيبتي ..
أومأت "رهف" سريعاً لتهم بالذهاب و لكن قاطعها صوت زوجها الصارم قائلاً :
- خليكي يا رهف أنا هجيب .. المطبخ من فين ؟
أستطردت "رهف" سريعاً وهي ترى والدتها تسعل بقوة :
- لاء يا باسل خليك انا هجيب الميا ع طول ..
هم "باسل" بالإعتراض ولكنها تبخرت من أمامه تاركة إياه يسب بينه وبين حاله ..
سكبت "رهف" الماء داخل الكوب الزجاجي، توقفت الدماء عن السير بأوردتها عندما شعرت بـ يدٍ غليظة تقبض على خصرها، كادت أن تصرخ ليضع هو يده على فمها مكبلاً إياه ليصبح شبه محتضنها، ظهرها ملتصق بصدره و بـ يدٍ يطبق فمها وبالأخر يسير على جسدها بأكمله برغبة مقززة ، لمساته تحرقها و هي حية، رفعت قدميها لتضربه بقدمه بقوة من الخلف ، تآوه الأحمق بصوتٍ منخفض ليُطلق سراحها ممسكاً بقدميه، ألتفتت له لتُبصق في وجهه، ركلته بقدميها على رُكبته ليتكوم بالأرض، أرتجفت يداها وهي تلتطقت كوب الماء لتدلف خارج المطبخ، منعت بصعوبة إنهمار الدموع بعيناه لتخرج إلا والدتها ، مدت يدها بكوب الماء قائلة بنبرة مهتزة :
- أ .. أتفضلي يا ماما ...
أخذت والدتها الكوب لترتشف منه دُفعةً واحدة ، نظرت إلى "باسل" الذي يطالعها بشكٍ، تمنت لو أن تخبره ليذهب يُلقنه درسٍ قاسٍ لن ينساه طيلة حياته، ولكن خوفها على زوجها كان أكبر، هي تعلم أنه لن يتركه سوى جثة هامدة، و هي لن تُضحي به، إلتفتت إلى أمها تقول :
- ماما أحنا ماشيين بقا يا حبيبتي ..
أحتجت والدتها قائلة بحُزن جلي :
- أنتوا ملحقتوش تقعدوا يا بنتي .. و أنا لسة مش أطمنت عليكي ..
مالت عليها "رهف" لتحتضنها مجهشة ببكاء مرير ، أنقبض قلبه و هو ينتفض من على المقعد ، يرى والدتها تُربت على ظهرها و هي تقول بجزع :
- مالك يا ضنايا ؟!! فيكي أيه أوعي يكون جوزك مزعلك !!!!
نفت "رهف" و هي تبتعد عن أحضانها ، مسحت دموعها قائلة بحُزن :
- أنا بعيط عشان هتوحشيني أوي يا حبيبتي ..!!!
ربتت والدتها على كتفها قائلة :
- هو أنا هروح فين أبقي تعالي أشوفك البيت مفتوحلك في أي وقت ..
أومأت "رهف" لتودعها ، خرجا كل من "رهف" و "باسل" الذي يربت على ظهرها بحنو ، نظرت له "رهف" لتتشبث في يده و هم يسيروا نحو السيارة، استقل كلا منهما محله ليلتفت لها "باسل" مردفاً بشفقة :
- أنتِ كويسة يارهف ؟!!
أومأت "رهف" دون أن تتحدث ، انطلق "باسل" بالسيارة عائدين نحو بيتهما !!!!
• • • •
أستقل كلاً منهما السيارة بملامح جامدة، أردف "ظافر" قائلاً بنبرة فاترة :
- أخر مرة تلبسي فيها القرف دة .. و هدومك أنا اللي هختارهالك !!!!
ألتفتت له "ملاذ" بصدمة قائلة :
- تختارلي هدومي ، ليه إن شاء الله أنت فاكر نفسك مين ؟!!
ضرب على المقود بعنف لترتد "ملاذ" إلى الخلف عندما صرخ بوجهها :
- أنــا جــوزك .. و أنــتِ مـلـكـي أنـا .. بطلـي العنـاد والغرور اللي أنـتِ فيه و كلمتي تتسمع !!! دي أخر مرة أقول فيها الكلام دة ، فـــاهـمـه !!!!!
أنتفضت "ملاذ" من ذلك الرجل الذي أمامها، لا ليس هو .. هي لا ترى "ظافر" الأن بل ترى والده أمامها بصراخه الدائم و بنبرته المُرعبة و قساوة حديثه، ليس هذا "ظافر" من أهتم بها و رعاها، ليس من جعلها تشعر أنها ملكة متوّجة، لم تنبت ببنت شفة ، ليس خوفاً منه .. و إنما ذكاءاً منها حتى لا تجعله يخرج أسوأ ما به و هو في تلك الحالة المشحونة بذبذبات الغضب و لكن حديثه لم و لن يروق لها، أنطلق "ظافر" بالسيارة بجسدٍ متشنج أثر غضبه ، أنطلق بالسيارة التي تكاد تطير من فرط السرعة التي يسير بها، قطبت "ملاذ" حاجبيها بخوفٍ لم تُظهره، منذ صغرها تخاف من سُرعة السيارات بل تتلبسها حاله من الذُعر، وضعت يداها على كتفه و هي تقول بصوتٍ مُرتجف :
- ظافر هدي السُرعة .. ظـافر بقولك هدي السرعة لـو سمحت !!!!!
لم يكُن يسمعها ، لم يسمع حبيبته و هي شبه تترجاه أن يُبطئ السرعة لم يُكن يرى أو يسمع شئ ، هو هكذا عندما يغضب لا يرى أو يسمع، و لكن صوت شهقات بكائها و هي تدفن وجهها داخل كفيها يخترق أذنه لتعصف به بقوة ، ضغط على مكابح السيارة لترتد إلى الخلف، ألتفت لها وقد ذهب غضبه إدراج الرياح، ترجل من السيارة ليذهب نحوها، لم تكف "ملاذ" عن البكاء القوي رُغم توقف السيارة، لم تستفيق سوى على ذراعه الذي يجذبها نحوه بلُطف ليُخرجها من السيارة ، أبعدت يداها عن وجهها لتظهر عيناها المبتلة و الحمراء .. لو بإستطاعته كان ليقتل نفسه حتى لا يتسبب في بكاءها بتلك الطريقة، جذبها إلى أحضانه ليجعلها تحاوط عنقه رُغماً عنها، قبل خصلاتها مربتاً على ظهرها و هو يُردف بندم حقيقي :
- أنا أسف .. متعيطيش خلاص أنا أسف أنا مكنتش شايف قُدامي، ملاذ أرجوكي متعيطيش يا حبيبتي خلاص ...
أبتعدت عنه تضربه على صدره ضربات قوية متتالية قائلة بصراخٍ باكي :
- أنـت غبي و مجنون .. أنا مبحبش السُرعة العالية بفتكر بابا و ماما ماتوا أزاي يا ظافر و أنا مبحبش أفتكر ده ..
جذبها لأحضانه مجدداً في عناق يسحق عظامها يدفن وجهه بعنقها يقول بأسفٍ :
- أهدي أنا أسف .. خلاص وعد مش هسوق بسرعة تاني بس كفاية عياط !!!!
حاوطت عنقه برجفة و هي تسند رأسها على كتفه و قد شعرت بالطمأنينة بين يداه، شعور فريد حقاً ، تشعر أنها تحتضن أباها بدفئ عناقه ولمساته الحنونة، هدهدها "ظافر" يمسح على خصلاتها مغمضاً عيناه يشتم رائحتها الجذابة، كم تمنى ذلك العناق كثيراً، كم تمنى أن تعانقه وتتشبث به مثل الأن، دام عناقهما رُبما عدة دقائق كِلاهما صامتان، أبتعدت عنه "ملاذ" ليحاوط "ظافر" وجهها بكفيه ماسحاً دموعها، أقترب بثغره ليُقبل مقدمة رأسها بحنو جارف، نظر لها قائلاً بمرحٍ :
- تمام كدا يا باشا ؟!!
أبتسمت "ملاذ" و ما أجمل أبتسامتها بعد بُكائها .. نظرت له قائلة بتحذير وهي تزم شفتيها :
- مش هتزعقلي تاني أبداً ؟!!!
ملئت ضحكاته الرجولية الطريق الفارغ الذين يقفوا به ليجذب وجهها نحوه مقبلاً طرف ثغرها بعُمق قائلاً بحنو :
- لاء مش هزعقلك تاني أبداً ..
أومأت "ملاذ" لتستقل السيارة بمشاعرٍ مختلفة كُلياً ، أستقل هو أيضاً لينطلقوا نحو قصر "الهلالي"
• • • •
ترجل "ظافر" من السيارة بعد أن صفها في مصف السيارات الخاص بعائلتهما، ترجلت هي الأخرى بتردد لتتمسك بذراعه قائلة :
- ظافر .. أنت متأكد أن هُما هيقبلوا بيا ؟!!
ربت على كفها قائلاً بلطف :
- أيوا متأكد .. أنا قايل لأمي أصلاً اني كتبت كتابي عليكي !!!!
شهقت "ملاذ" قائلة بصدمة :
- بجد !!! طيب و هي قالتلك أيه !!!
كوّب وجهها بين يداه قائلاً :
- كانت مبسوطة جداً ..!! وبعدين متخافيش و أنا جنبك !!!
قطبت حاجبيها قائلة بإنزعاج :
- أنا مش بخاف أصلاً !!!
قهقه "ظافر" ليُقبل جبهتها ممسكاً بكفها، سارا نحو باب القصر ليجد والدته تستقبله بالأحضان ، أحتضنت "ملاذ" أيضاً بأمومة لتبادلها "ملاذ" العناق، بينما "ظافر" لازال ممسك بكفها يرفض أن يتركه، ظهرت "ملك" التي أتجهت لتحتضن أخيها بإشتياق، تفاجأت من وجود ملاذ" بجانبه ممسك بيدها لتقول :
- ملاذ ؟!! أنتِ هنا ..!!
لم تعلق "ملاذ" أبداً ، لتظهر "مريم" من وراء السيدة "رقية" عيناها مثبته على كف زوجها الممسك بكفها ، تسمرت بمكانها لتنظر إلى "ظافر" بصدمة ، وفجأة تعالى صوتها لتصرخ به بقوة أفزعتهما :
- ظـــافـــر !!!!!!