اخر الروايات

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل العاشر 10 بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل العاشر 10 بقلم سارة محمد 



حافية على جسر عشقي الفصل العاشر:
جلست على أريكة غرفتها التي تجاور غرفة "ظافر" ، ثم أطلقت العِنان لعقلها لتتذكر ما حدث من مطاحنات بينهم، عندما أندفعت "مريم" تجأر في ضراوة :
- بتعمل أي أهنه دي يا ظافر ، وماسك في أيدها ليه أكده !!!!!

عقّب "ظافر" بملامح مبهمة وبعينان جامدتان:
- مـلاذ بقت مراتي يا مريم، كتبنا كتابنا والدخله كمان كام يوم !!!!!

هللت والدته فرِحة تقول بنبرة شامتة :
- أيوا أكده ياضنايا ، اللي عملتهة الصح يا حبيبي عايزة أشوف حفيدي قبل مـ أموت !!!!!

توقف عقلها عن التفكير، تحدق بكفيهما المتشابكان بجمود، لم تعد قدميها تحملها حتى كادت أن تسقط من أعلى الدرج ، لتساندها "ملك" التي أشفقت عليها قليلاً ، ليس من السهلاً أن ترى من تحبه متشبث بآخر، وقعت عليها كلماته كالصاعقة، هزت رأسها نافية ما يقول و كأنها بكابوس، هو وعدها أن لن يتزوج بأخرى ، هو من قال أنه لن يتركها، حدقت بـ "ملاذ" بحقد إن وُزع على بلدة بأكملها سيُكفي ويفيض، بينما نظرت لها "ملاذ" بإنتصار جلي، تخبرها أنه أصبح ملكها، لها هي فقط و أنها فقدته للأبد، عندما وجدتها تنظر لها بتلك الطريقة ركضت نحوها تجتاز الدرج وعيناها تشع غضباً سيودي بها، أسرع "ظافر" ليجعلها تتوارى خلفه منتصباً أمام "مريم" يحذرها قائلاً :
- إياكي تلمسيها !!!!!

ألتوى ثغرها بإبتسامة ماكرة وهي تقف خلفه لتستفزها أكثر، نظرت له "مريم" بخذلان ، بضعفٍ، بعينان حزينتان، تستميله بنظراتها عله يتراجع، ولكن لم تؤثر به نظراتها مقدار ذرة، أسرعت السيدة "رقية" تنهي اللحظات المشحونة لتجلب "ملاذ" من ذراعها متمتمة بإبتسامة مِرتابة :
- تعالي يحبيبتي أما أفرچك على جِناحك ، هو جنب جِناح "ظافر" على طول !!!

نظر لها "ظافر" قائلاً :
- لاء يا أمي ملاذ هتقعد معايا !!!!

رفضت والدته رفضٍ قاطع قائلة :
واه !!! تقعد معاك كيف يابني أنت عايز الناس ياكلوا وشوشنا ويقولوا عايشين مع بعض في نفس الچناح من غير دُخلة، لاع ملاذ هتقعد في جناحها لحد م تتدخلوا يا حبايبي !!!!

لم يُجيب "ظافر" لينظر إلى "ملاذ" يُريد أن يشبع من عيناها ، أمرت والدته الخادمة بأن تحضر ثيابها وترصصهما في خزانتها

أفاقت على رنين هاتفها لتجفل بتوجس، ألتقطته لتتأفف ثم وضعته على أذنها ترد بإيجاز :
- نعم يا عماد ؟!!

أسترسل "عماد" سريعاً وبنبرة مخنوقة :
- ملاذ حقيقي اللي سمعته ؟!! أنت واللي أسمه ظافر كتبتوا الكتاب ؟!!!

رفعت أحد حاجبيها قائلة :
- و أنت عرفت منين !!!

صاح بها "عماد" و لأول مرة بغضبٍ ثائر :
- مــش مهم عـرفـت منين جاوبيني اللي سمعته دة حـقـيـقـي !!!!!

جمدت ملامحها لتعلق بنبرة هادئة وكلمات مسمومة :
- لما تعرف تتكلم معايا أزاي ساعتها هكلمك !!!!

ثم أغلقت الهاتف بأكمله لتلقيه على الفراش بغضب تاركة "عماد" يتمتم بجنون كمن يجلس على جمرٍ مشتعل :
- لاء يا ملاذ أنتِ بتاعتي ، مش هسمح لحد ياخدك مني أنتِ ملكي أنا !!!!!

سمعت الباب يطرق بهدوء لينبعث صوتٍ أنثوي رقيق يتمتم :
- ملاذ أنا ملك .. ينفع أدخل ؟؟

ردّت "ملاذ" قائلة على مضض :
- تعالي يا ملك أتفضلي ..

دلفت "ملك" داخل الغرفة لتشهق بإعجاب مردفة :
- أيه يا بنتي الجمال دة ما شاء الله عليكي بجد ، أنا بقول لو ظافر شافك كدا ممكن يخلي الدخلة دلوقتي !!!

أبتسمت "ملاذ" ببهوت على إطراءها لتنظر إلى ما ترتديه ، فقد أبدلت ملابسها إلى منامية تتكون من بنطال قصير يصل إلى ما قبل ركبتها مع كنزة "كت"قصيرة في منتصف معدتها تكشف عن ذراعيها الممشوقتان وخصرها النحيل، لتعود ناظرة إلى "ملك" بغرابة قائلة :
- أنتِ مش بتتكلمي صعيدي زيهم ليه ؟!

أبتسمت لها "ملك" لتذهب جالسه جوارها قائلة :
- انا أصلاً بسافر القاهرة عشان الجامعة بتاعتي هناك، يعني بتكلم زيكوا عادي ...

أومأت "ملاذ" بصمت، بينما هتفت "ملك" قائلة:
- عارفة يا ملاذ أنا كنت طول عمري مرات أخويا ظافر بالذات تبقى قريبة مني زي أختي كدا ، بس للأسف لما اتجوز مريم كانت بتكرهني وبتكره ماما، مريم مش سهله و نابها أزرق بس الحمدلله انه عرف يختار المرة دي..
قالت بإمتعاض لحظ أخيها الذي أوقعه في "مريم"، لتعود مبتسمه بمرحٍ قائلة:
- انا حبيتك خلاص وشكلنا هنبقى صحاب ..

نظرت لها "ملاذ" بإبتسامة نابعة من قلبها، فتلك الفتاة رُغم سنها الصغير إلا أن وجهها البشوش المستدير يجعلك تطمأن لها، أبتسمت لها "ملاذ" قائلة :
- أكيد يا حبيبتي ..

صفقت "ملك" بسعادة، لتجلس مربعة القدم قائلة بحماس متأهبة :
- خلاص أحكيلي بقا أتعرفتوا على بعض أزاي أنتِ و ظافر ؟!!

مُحت الأبتسامة من على وجهها لتشرد في أول لقاء بينهما بعد مرور تلك السنوات،عندما دافع عنها أكثر ولقن "سالم" درساً لن ينساه، نظرت إلى "ملك" قائلة بإبتسامة صفراء:
- أنا بقول تخلي "ظافر" يحكيلك احسن ؟!!

- لاء أنا عايزة أسمع منك !!!

قاطعهما أقتحام "ظافر" الغرفة لتنتفض "ملك" تنظر له بتوجسٍ، بينما "ملاذ" لم يهتز لها رمشٍ، أشار لـ "ملك" بالخروج لتخرج فوراً دون انا تنبس بكلمةٍ، أخذت عيناه تجول على ما ترتديه من ملابس، كلما يراها يشعر بأنه يفقد السيطرة على نفسهُ، مسح على وجهه بعنف ليزمجر بحدة :
- الحيوان عماد كلمك !!

نظرت له بدهشة قائلة :
- و أنت عرفت منين ؟!!

أبتسم بقسوة مردفاً بشراسة :
- أتوقعت، أصل أنا نزلت الخبر في الجرايد عشان كله يعرف أنك بقيتي بتاعتي !!!!!

جحظت عيناها لتنهض مندفعه تجاهه بشبه صراخ :
- ظـافر أنت أتجننت أزاي تنشر الخبر كدا و مقولتليش لـيـه !!!!!

جمدت أنظاره يقول بتحذير :
- متعليش صوتك يا ملاذ !!!!

بلغ الغضب ذروته لتضرب الارض بقدميها بصوتٍ أعلى :
- فهمني لـيـه عملت كدا من غير ما تقولي !!!! عماد شكله اي دلوقتي قدام الناس !!!!!

نبض فكه بقوة ليتشنج وجهه بغضبٍ هالك، قبض على ذراعها بقوة آلمتها صارخاً بوجهها يجأر بصوته الجهوري :
- إيــاكـي تجيبي أسم راجل تاني على لسانك أنا حذرتك قبل كدا المرة الجاية هتزعلي مني يا مــلاذ !!!!

لم يهتز لها رمشٍ، ظلت تطالعه بجمود لتنفض يداها بعيداً تزيح كفه القاسي، دلفت "رقية" إلى الغرفة بدون استئذان تضرب صدرها بذراعها قائلة بقلق :
- في أيه يا ولاد صوتكوا عالي ليه عاد، أوعاك "إياك" يا ظافر تزعل ملاذ بتي من دلوكتي يا ملاذ لو ظافر عملك حاسة تيچي تقوليلي أنا زي أمك يا حبيبتي ..

ظل ينظر لها بقتامة لينهب الأرض بقدميه دالفاً خارج الجناح ، ظلت "ملاذ" على وضعها تنظر للأمام بشرود، ربتت "رقية" على كتفيها قائلة بحنو :
- معلش يا بتي أستحمليه، ظافر عصبي بس مافيش أحن منه، أنا مـ صدقت أني إن شاء الله هبقى چدة، أرتاحي يا حبيبتي و نامي هبَابة "شوية" على ما الخدم يحضروا الغدا ..

اومأت "ملاذ" بإرهاق فهي حقاً منهكة، خرجت "رقية" لتترك لها مساحة من الحرية، أتجهت "ملاذ" نحو الفراش لتستلقى عليه بتعب، كم أشتاقت لفراشها وشقتها.. بعد دقائق قليله ذهبت "ملاذ" في سُبات عميق !!!

• • • •

جلس جوارها على الفراش، مسح على خصلاتها بندم يجاوره أخيها الصغير مترقرق العينان خائفاً على شقيقته، أخبره الطبيب الذي ذهب قبل دقائق بإرهاقها النفسي والجسدي وضرورة الأعتناء بها وبصحتها، أنثنى يضع يداه على ركبته ممسك برأسه بتعبٍ، ذهب نحوه الصغير قائلاً ببراءة وبنبرة شبه باكية :
- عمو هي فريدة هتفوق أمتى ؟!!

نظر له "مازن" متمتماً بضيق:
- فريدة نايمة شوية يا يزيد ..

أومأ "يزيد" يتنهد بتعب يُفرك عيناه بطفولية، ليبتسم "مازن" قائلة في نبرة لطيفة :
- تيجي ننام أنا و أنت جنبها ؟!!!

أومأ الصغير سريعاً ليصعد الفراش مستلقياً جوار شقيقته، دفن أنفه الصغير بعنقها متمتاً بكلمات غير مفهومة، أستلقى "مازن" هو الأخر جوارهما بحذرٍ، أغمض عيناه بنعاس ليغفو هو الأخر ..

• • • •

للمرة المائة تأخذ شقيقتها ما يخُصها هي، ألقت بالهاتف في عرض الحائط صارخة ببكاء عنيف، ركضت نحوها "فتحية" ضاربة صدرها هاتفة :
- يا ساتر يارب في أيه يا براءة يا بنتي !!!!

صدح صوت بكائها المنزل باكمله جوارها "فتحية" تحاول تهدأتها، صرخت "براءة" بكل ما أوتيت من قوة و بحُرقة شديدة :
خدت مني كل حاجة، حتى هو خدته مني !!! يــارب ليه بيحصل فـيـا كـدا لـيه كل حاجة حلوة بتروح مني !!!!

بكت "فتحية" على بكائها النابع من قلبها ، وقد فهمت ما تقصده ، فهي أيضاً قرأت بالجريدة خبر زواجهم .. عانقت "براءة" تحاول بث الطمأنينة بها و لكن لا حياة لمن تُنادي، اخذت تضرب كل ما تُطيله يداها جالسة على المقعد لا حول لها ولا قوة، نبع الحقد من عيناها عازمة على ألا تترك لهم فرصة ليبقوا سعداء، قطعت وعد على نفسها على أن تذيقها المرار كؤوساً !!!!

• • • •

- مـش ممكن !!!!
هتف "باسل" بصدمة عندما علم بزواج أخيه، جائت "رهف" على جملته المصدومة قائلة بغرابة :
- في أيه يا بـاسـل ؟!!!

ألتفت لها قائلة بعجلة :
- رهف لمي هدومك بسرعة .. راجعين على الصعيد !!!!

- لــيــه !!!!

صرخ بها بقوة :
- رهـف لمي هدومك و أنتِ ساكتة !!!!

• • • •

طُرق باب مكتبه بهدوءٍ، أمر هو بالدخول ليرى والدته تدلف متجهة نحوه،فورما رآها نهض مردفاً بلطف :
- تعالي يا أمي .. في حاجة ؟
- البت اللي أسمها مريم دي فين ؟!!
أمتعض وجهه قائلاً:
- مريم سابت الجناح و قاعدة في الأوضة اللي فوق ، لمت هدومها وطلعت .
أشارت بيداها بإرتياح قائلة :
- يلا أحسن بردو !!! كنت عايزاك في موضوع يا حبيبي ..

أتجهت نحو الفراش تشير له بالجلوس جوارها، جلس "ظافر" ينظر لها بإستغراب ، ثم علت الدهشة محياه عندما قالت :
- مخبيين عليا أيه يا ولاد الهلالي ..!!
- قصدك أيه يا أمي ؟!
تنهدت بقلة حيلة قائلة :
- أخواتك فين يا ظافر ، مازن بقاله يومين خارچ من المشتشفى يابني و كان قايل أنه چاي على أهنه ، وباسل مختفي و لما قولتلي أنه عندك صدقتك، أنا عارفة أنه مش عندك يابني ريح قلبي وقولي هما فين ؟!!

أطلق زفيراً مرهقاً يقول بجدية :
- هقولك يا أمي .. بس توعديني أنك متضايقيش ..

أومأت سريعاً بتوجس تحثه على المتابعة، أسترسل "ظافر" قائلاً :
- باسل أتجوز رهف اللي وقعت في طريق مازن عشان سمعة العيلة متضيعش بسببه، صدقيني دة كان الحل الوحيد للمصيبة دي !!!!

لطمت على فخذها صارخة بصدمة :
- يا نصيبتي !!!! أتچوز !!! و أتچوز البت اللي كان أخوه هيتچوزها ، يا ليلة سودا !!! و من ورانا و من ورا أهل البلد !!! لـيـه !!!!

- دة كان الحل الوحيد !!!!
- طـب .. طـب و مازن راح فين، أوعى تكون عملتله حاچة يا ظافر ؟!!!
أستعد ليفجر في وجهها الصدمة التالية قائلاً بهدوء :
- ومازن أتجوز ممرضة شغالة قي المستشفى بتاعتنا !!!!

شعرت بالأرض تُسحب من أسفلها ، أسندها "ظافر" صارخاً بهلع :
- أمي .. أمــي !!!!!

دلفت "ملك" للغرفة لترى والدتها تسقط على الفراش بوجهٍ شاحب و عينان مغلقتان، أسرعت "ملك" تركض نحوهما لتهتف لأخيها ببكاء :
- أيه اللي حُصل يا "ظافر" في أيه !!!!

حاول "ظافر" أن يفيقها ليجلب كوب من الماء، نثره على وجهها لتفيق، أسرعوا بمساندتها حتى تجلس على الفراش، أحتضنتها "ملك" تشهق ببكاء خائف من فقدان أغلى ما لديها :
- خضتينا عليكي ياما أنتِ كويسة ؟!!!!

لم تنبت ببنت شفة، ظلت تنظر أمامها بشرود حزين، نظر لها "ظافر" بشفقة ليردف :
- ملك سيبينا لوحدنا شوية !!!

نفت "ملك" متشبثة بوالدتها التي بدت بحالة ليست طبيعية قائلة :
- لاء يا ظافر أنا لازم أعرف في أيه !!!

- مــلــك !!!!!
صرخ بها بنبرة حادة لترتجف "ملك" من شدة الخوف، أنكست رأسها بحزن لتخرج خارج الغرفة ، أقترب "ظافر" من والدته لينحنى أمام قدميها ممسكاً بكفيها قائلاً :
- يا أمي ردي عليا ، زعقي طيب أعملي أي حاجة بس حالتك دي بتقلقني، صدقيني أنا عرفت أن مازن كمان أتجوز بالصدفة بس باسل كنت عارف أنه هيتجوز، محدش فينا يقدر على زعلك و ياستي لما ييجوا أبقي عاقبيهم براحتك بس بلاش حالتك دي .. أعملك أيه طيب عشان تبقي مبسوطة .. صدقيني هما جايين دلوقتي يا حبيبتي و هما هيفهموكي كل حاجة..

أومأت دون أن تتحدث، أبتسم "ظافر" بسعادة ليقبل كفها بحب

• • • •

أفاقت "فريدة" لتشعر بثقل على خصرها، وجدت "يزيد" و مازن يحتضنان خصرها النحيل، أنتفضت "فريدة" بفزع تناظرهما بجسد يرتجف، سُرعان ما تذكرت ما حدث لتجهش ببكاءٍ حارق، أخبئت وجهها داخل كفيها وجسدها ينتفض من شدة البكاء، أفاق "مازن" على صوت بكائها ليهرع نحوها، رؤيتها بتلك الحالة جعلته يشعر بشعور لأول مرة يشعر به، هو لا يعلم ماذا يفعل لكي يجعلها سعيدة، ولا يعلم لِمَ يحاول إرضائها بشتى الطرق، هو من أصابها في مقتل بكلماته المسمومة ليأتي الذي من المفترض أبيها ليُكمل عليها، مسح على وجهه و هو كالعاجز أمام بكائها، كاد أن يُمسك بكتفيها بلطف لتبعد ذراعيه بعنف ناظرة له بإشمئزاز، خرجت الكلمات مصحوبة بشهقات مرتجفة :
- إ .. إياك تلمسني .. أبداً !!!!!

نهضت عن الفراش تحاول خلق مسافة كبيرة بينهما، نهض هو قبالتها قائلاً بنبرة هادئة :
- فريدة أسمعيني عايز أقولك اي !!!!

وضعت كلتا كفيها على أذنها صارخة بجنون ليفيق أخيها الصغير على صوت بكائها:
- سيبني بقى في حالة مش عايزة أسمع حاجة مش عايزة أسمع كفاية اللي سمعته وشوفته سـيـبـني !!!!!

أقترب منها يحاول تهدئتها و بدأ في فقدان أعصابة لتبتعد هي إلى الوراء صارخة بجنون حتى أشتدت عروق عنقه، بكى "يزيد" يضم ساقيه إلى صدره، أندفع نحوها ليحاوط كتفيها بذراعيه المفتولين صارخاً بوجهها :
- اهـدي بــقــولك !!!!!

ضربته على صدره بكفها الصغير بدموع تنهمر على وجنتيها كالشلالات، أستقبل ضرباتها بصدر عريض مشدداً على خصرها، أُنهكت قواها واستنفذت طاقتها لتخونها قدميها حتى كادت أن تسقى لولا ذراعه الذي أسندها سريعاً، تعلقت أنظاره بأنظارها ليتنهد بإرتياح بعدما هدءت، تمتم "مازن" بصوتٍ أجش :
- هعمل أتفاق معاكي مقابل أنك تيجي معايا لقصر الهلالي في الصعيد ..!!!

هزت رأسها نافية بضعف قائلة :
- مستحيل أجي معاك في مكان !!!

ثُبتت أنظارها عليها قائلاً :
- لاء هتيجي .. وبمزاجك ..!!!

ليتابع هو بعينان ماكرة قائلاً:
هشتريلك شقة وهكتبها بأسمك في أحسن مكان في القاهرة، أخوكي هيدخل أرقى المدارس و هيتعلم احسن تعليم، مش هخليكوا محتاجين حاجة بس هتفضلي على ذمتي يا فريدة لحد م أنا اللي أقرر هطلقك، عايز أثبت لعيلتي أني مش فاشل، وأني أعرف أعتمد على نفسي كويس وأعرف أكون عيلة، قولتي أيه ؟!!!

صُدمت من عرضه، فرغت شفتيها بذهول لتلوي شفتيها بتقزز متمتمة :
- أنت فعلاً فاشل يا مازن، و مستحيل تنجح في أنك تكوِّن عيلة، أنت مش عارف تحب نفسك عشان تحب اللي حواليك، و أنا مش مستعدة أبقى فار تجارب عشان تثبت لعيلتك أنك مسؤول !!!!

أظلمت نظراته ليضع يداه في جيبه قائلاً بسخرية :
- فريدة أنتِ مراتي، والمهر بتاعك أنا دافع فيه دم قلبي، يعني كدا ولا كدا أنتِ هتيجي معايا عند أهلي، بس أنا عايز تبقي مستفادة عشان تضمني حقك لما أطلقك، بس واضح أنك غبية فعلاً !!

ظلت تناظره بحدة ممزوجة بتحدي، و أخيراً أسترسلت :
- على شرط ..

أبتسمت عيناه لنجاح خطته قائلاً:
- أشرطي يا مدام ..

نظرت لأخيها الذي ينظر لهما بعدم فهم لتهمس :
- جوازنا هيبقى على ورق بس يا مازن !!!

قطب حاجبيه لوهلة، لتصدح صوت ضحكاته العالية أرجاء الغرفة عائداً برأسه للخلف، سرعان ما قطع ضحكاته بنظرة راغبة تتفرسها :
- أنتِ أنانية أوي يا فريدة، عايزة تاخدي كل حاجة و أنا ماخدش أي حاجة، فريدة أنا متجوزك لسبب واحد أنتِ عارفاه .. وبعمل كل دة بردو و أنتِ عارفة ليه !!!! وتيجي تقوليلي على ورق، طب و أنا كدا هبقى مستفيد بأيه !!!!

شهقت مصدومة من مدى وقاحته، لتعود للخلف ضاربة الأرض بقدميها قائلة :
- مستحيل دة يحصل !!!!!

نظر إلى "يزيد" ليجده قد غفى ذاهباً في سُبات عميق، تقدم منها بضع خطوات لتعود هي ضعفهما، لينتهي بها الحال محاصرة بين الحائط وذراعيه ينظر لها كالأسد الذي يود إفتراس بل تمزيق فريسته، تاهت في عيناه السمرواتين شاردة بقساوتهما، يقترب ليُسند جبينه على جبينها مستنشقاً أنفاسها الدافئة، قائلاً بنبرة خالية :
- أنتِ محتاجاني صدقيني ، أبوكي مستحيل يسأل فيكي لا أنتِ ولا يزيد، شغلك مش هيكفي المصاريف اللي هتصرفوها، أعتبري أنك بتعملي خدمة مقابل مبلغ مادي محترم وشقة و أحلى عيشة، بذمتك مش عرض مُغري !!!!

أغمضت عيناها البندقيتان لتنهمر الدموع على وجنتيها، شعر بقبضة تعتصر قلبه ليميل مزيلاً دموعها بشفتيه الغليظة التي أخذت تجول على وجنتيها، فتحت عيناها على مصراعيهما دون أن تتحرك، نزل بشفتيه قليلاً حتى كاد أن يطبق بشفتيه على شفتيها، لتدفعه "فريدة" قبل أن تستسلم للمساته المذيبة، خفق قلبها برعب لتتمتم :
- طيب .. موافقة .. موافقة بس سيبني لوحدي لو سمحت ..!!!

أبتسم بخبث ليقول :
- مافيش وقت ، جهزي نفسك وأخوكي عشان هنسافر الصعيد .. دلوقتي !!!!!

تركها ليدلف خارج الغرفه، أرتمى على الأريكة في إرهاق ليخرج سيجاره البنيّ، نفث دخانها يحُكّ جبهته بتعب، عاد بذاكرته للخلف عندما هاتفه أخيه ..

- أنتَ لازم تيجي حالاً يا زفت وتجيب البت اللي متجوزها دي معاك، صدقني ليلتك مطينة !!!!!

أمسك بذهنه بشرود، كيف علِم أخيه يأنه تزوج رُغم حرصه على أن لا يعلم أحد من عائلته أبداً، لم يكن يريد أن يعلم "ظافر" دون أن يخبره هو، نهض واثباً ليجلب مفاتيح سيارته لينتظرهما بالأسفل ..

• • • •
الدموع عالقة بأهدابها، تنظر إلى وجهها الذي بُهت لونه، وعيناها التي أصبحت خالية من كل شئ، لم يعد لديها ظهرٌ تحتمي به، لم يعُد لديها سوى الله، حملت أخيها الصغير الغارق في النوم بعد أن أرتدت ملابسها البسيطة لتلج خارج الغرفة، بحثت عنه لكنها لم تجده في البيت، ظنت أنه تركها وذهب لتضع "يزيد" على الأريكة قائلة في غضب :
- هو راح فين !!! يارب أنا تعبت ..!!!

لم تشعر بنفسها إلا وهي تجلس على الأريكة منهارة في البكاء الشديد، الذي جعل أخيها ينتفض من نومه، يقترب منها بيداه الصغيرتان جداً ليُزيل دموعها عن وجنتيها بلُطفٍ طفولي مبتسماً في وجهها كالملاك، أحتضنته هي فلم يعد لديها في الدنيا سواه، نظرت لباب الشقة الذي فتح بعنف ليدلف "مازن" قائلاً بعنف أشد :
- أنتِ مطلعتيش ليه بقالي ساعة مستنيكي في العرب...

استوقفته دموعها ليقترب منها بجزع، نهضت هي قبالته تصرخ في وجهه بحُرقة :
- و أنتِ مش قولتلي ليه انك واقف برا !!!!!

ثم أكملت بنبرة تشوبها الألم :
- أنا فكرتك مشيت ..!!!

ربت على كتفيها قائلاً بلا مبالاة :
- لاء متقلقيش أنا مش همشي و أسيبكم أبداً ..

• • • •

دلف للغرفة ليجدها مستلقية على الفراش في وضع الجنين مسبلة بعيناها بإرهاق، كم يود هو أن ينام بعمق مثلها، منذ وفاة والده لم يستطيع الغوص في النوم بتلك الطريقة التي تنام بها، يقترب منها لينثنى بجزعه العلوي مستنداً على الوسادة بكلتا ذراعيه محدقاً بجمالها الجذاب، مسح على خصلاتها كما لو أنها طفلته، تململت "ملاذ" لتفتح عيناها ببطئ، و أول ما رأته كانت غابات الزيتون خاصته، أنتفضت من على الفراش لتفرك عيناها من شدة النعاس، أعتدل هو في وقفته أبتسم يطالع وجهها الصافي كم كانت بريئة كالأطفال، تفاجأت هي من وجوده لتقول:
- ظافر كنت عايز حاجة؟

تنهد قائلاً :
- كنت فاكرك صاحية فقولت أجي عشان أتكلم معاكي على فرحنا

أبتلعت ريقها قائلة بتردد :
- فـرحنا !!!!

بدا الإرهاق على وجهه جلياً، ليجلس جوارها مغمضاً عيناه بتعب عائداً برأسه للخلف لتظهر تفاحة آدم خاصته، الإرهاق بادي على وجهه وبقوة،لاحظت هي ذلك لتمد يدها على ظهره بتردد قائلة ببعضٍ من القلق:
- أنت كويس ؟!!

أغتصب أبتسامة صفراء متمتماً :
- مافيش حاجة يا حبيبتي ..

توترت قليلاً لأثر تلك الكلمة على قلبها، ولكنها أخفت توترها قائلة بشك :
- بجد؟!!!

أبتسم لها قائلاً وهو يربت على ذراعها مسترسلاً :
- أرجعي نامي يا ملاذ ..

فركت عيناها كالأطفال قائلة زامة شفتيها :
- لاء أنا مش عايزة أنام !!!!

لتُكمل قائلة بتردد :
- أنا جعانة ..

نظر إلى شفتيها بعينان مظلمتان يشُعان رغبة، قلبه يحثه على فعلها، بينما عقله يدفعه دفعاً منجذباً لسحرها، وبالفعل في غضون ثوانٍ كات مطبق بشفتيه على شفتيها يقبلها برقة، بلطفٍ جعلها تستسلم له، ظلت متيبسة لاسيما عندما أمسك بعنقها من الخلف ليتعمق أكثر!!!

طرقات خفيفة على الباب جعلتها تجحظ بعيناها لتدفعه بصدرٍ يعلو ويهبط، حاولت إزاحة ذراعه القوي عن ظهرها ليُشددها هو أكثر ناظراً لها بتحذير شديد، سمح للطارق بالدلوف لتدلف الخادمة تخبرهم بضرورة النزول ليأكلوا منكسة بنظرها للأسفل، خرجت بهدوء لتنظر له بغضب نافضة ذراعه عنها لتنهض واثبة مزمجرة به بوجنتان متخضبتان :
- يا ظافر في حد يعمل كدا !!! ، يعني ينفع الموقف اللي حطتني فيه دة !!!!

جذبها من ذراعها لتسقط على قدمه يبتسم لها بخبث، شهقت "ملاذ" بخجل، حاولت النهوض ولكن ذراعه الذي يحاوط خصرها بشراسة يحول دون ذلك، كادت أن تبكي من فرط الحرج قائلة :
- ظافر سيبني والنبي لو حد دخل والله هنتبهدل !!!!

قهقه بصوت عالي جعلها تتمنى لو أن تنشق الأرض وتبتلعها، ليهتف "ظافر" وسط ضحكاته الرجولية :
- أنتِ هبلة يا ملاذ ؟!!، أنتِ مراتي مش شاقطك (يقصد مش جايبها من الشارع يعني)

نظرت له بغلٍ لتضربه على منكبيه العريض بعنف، ضحك هو بقوة، ليصمت بعد برهة من الزمن، كما لو أنهما بعالم منفرد عن ذاك، بإبتسامة لطيفة على ثغره يتأمله، كان دائماً ينظر إليها وكأنها أعظم أحلامه التي تحققت وأجمل إنتصار فاز به !!!

ـعيناها البندقية وبخصلاتها الفحمية التي تنسدل بطول ظهرها، أمسك بخصلاتها المموجة بجاذبية، سار بأنامله على طول ظهرها لترتجف هي مغمضة عيناها من ذلك الشعور الذي يدغدغ روحها، فتحت عيناها لتنظر له، أقترب هو منها لتنثنى عليه بخبث، هم بأن يقبلها لتَنزع هي ذراعها من فوق معدتها لتنهض لتسقف بمرح، ركضت تجاه الباب ليركض هو وراءها صارخاً بها بقوة :
- مـــلاذ !!!!!

أنتفضت من صرخته لتلتفت له برعب، أقترب منها يحاصرها بذراعه قائلاً بنبرة سوداوية :
- ورحمة أبويا قبل مـ تعتبي باب أوضتك لو مشوفتيش أنتِ متنيلة ولابسة أيه متعرفيش أنا هعمل أيه !!!!

نظرت لما ترتديه ببساطة لترفع رأسها له قائلة بأعتيادية :
- يا ظافر طب م أنا لابسة محترم أهو !!!!

أظلمت عيناه لتتراجع برهبة من عيناه المخيفة قائلة :
- طب خلاص هغيرهم ..

جذبها من كفها ليقف أمام الخزانة، فتح الضلفة ليرى ثياب قصيرة لا تليق بشرقيته، مسح على وجهه بعنف ينظر لها بغضب ناري، كيف كان تخرُج بتلك الثياب ويراها الجميع بها، هتف بها بعينان متقدان :
- هو أنتِ لبسك كله زبالة كدا !!!!!

رفعت حاجبيها بغصب قائلة :
- زبـالة !!!!!

تابعت بنبرة قوية قائلة :
- ظافر أنا مسمحلكش تقول على لبسي كدة !!! ،وبعدين انا حرة ألبس اللي أنا عايزاه ..

جمدت عيناه ليجذب ذراعها بعنف قائلاً :
- مش عايز أسمع صوتك، أنتِ مراتي وتعملي اللي بقولك عليه !!!!

نفضت ذراعها صارخة بقوة :
- ولو معملتش اللي هتقولي عليه !!! هتضربني !!!!!

مسح على وجهه بغضب صارخاً بها بصوتٍ عالي :
- مــتعــليش صــوتك !!!!!

أنتفضت من صراخه بوجهها، ذكرها صراخه بأبيه، عيناه القاسية ونبرته الجهورية، أبتعدت عنه ببطئ لتجلس على الفراش، شعرت بنفَسها يضيق، أهتاج صدرها بأنفاسٍ لاهثه، ركض "ظافر" نحوها، لجلس كالقرفصاء أمامه ممسكاً بكفيها قائلاً بقلق شديد :
- مـلاذ ، حبيبتي أنتِ كويسة ؟!!!

أمسكت هي بقميصه متشبثه به تشهق كالغارقة، عجز "ظافر" امامها لا يعلم ماذا يفعل، لتشير هي إلى حقيبة يدها، أتجه هو سريعاً ليجلبها لها، فتحتها "ملاذ" لتمسك برذاذ الربو الخاص بها، وضعته بفمها لتهدء أنفاسها، أرتخى جسدها تميل برأسها للأسفل، مسح هو على خصلاتها لينهض جالساً بجوارها، جذبها لأحضانه يربت على خصلاتها بحنو، غفت "ملاذ" بأحضانه من شدة الإرهاق، أسندها على الفراش ليميل هامساً بأذنها بأسف:
- أنا أسف يا حبيبتي ..
ثم قبل جبهتها ليخرج من الجناح ...

• • • •

على الجانب الأخر .. وفي القاهرة بالتحديد، يقود "باسل" سيارته بأعصاب مشدودة، تطالعه "رهف" بغرابة ولكنها فضلت الصمت على أن تزعجه، لا تعلم ماذا قرأ ليكُن بتلك الحالة ...

وعلى نفس الحال كان "مازن"و"فريدة" التي وضعت أخيها بالأريكة الخلفية لتجلس هي جواره بملامح باهته وعينان مُرهقة، سُرق منها بريقها عنوة، ظلت جالسة بهدوء تام وكأنها ليست من نفس العالم، أسبلت جفنيها بنعاسٍ لتستند على زجاج السيارة، وسرعان ما ذهبت بنومٍ عميق كحال أخيها بالخلف، نظر لها "مازن" بإستنكار ، وبعد عدة فترة ليست بطويلة جداً وصلوا كلاً من "باسل" و"مازن" وزوجاتهم، ليصُفوا سيارتهم بالكراج الخاص بهذه العائلة العتيقة، تفاجأ "باسل" بـ "مازن" يقف أمامه ليقول بدهشه ممزوجة بقلق اخوي :
- مـازن ..!!!! أنت طلعت أمتى من المستشفى و أزاي محدش يقولي، أنت كويس طيب يا مازن ؟!!
ثم نظر لداخل السيارة لتلك الفتاة النائمة إلا أنه لم يلاحظ "يزيد" ، ليُتابع بتفاجأ مشيراً نحوها :
- مين دي يا مازن!!!!!

لم يجيبه ،لتنظر له "رهف" ، شهقت برهبة و هي تعود للخلف، أمتلئت عيناها بالدموع لتختبئ خلف ظهر "باسل" الذي لتوه تذكر، بينما نظر لها "مازن" ببرود ثلجي ليجلب "فريدة" النائمة من رسغها حتى كادت أن تسقط أرضاً بفزع، سحبها خلفه وكأن شئ لم يكن، فور مغادرته أنفجرت "رهف" في بكاءٍحار لتتشبث بقميصه بكفيها الصغيرتان دافنة وجهها بمنتصف صدره، أدخل هو أصابعه في خصلاتها لي قبل رأسها ماسحاً على ظهرها باليد الأخرى، ثم قال بعطف :
- أهدي يا حبيبتي مافيش حاجة، خلاص أوعدك مش هتشوفي وشه تاني ..

أبعدها عن أحضانه ليكوّر وجهها مبعداً خصلاته عن وجهها ليُردف :
- مش عايز أشوفك بتعيطي تمام ؟!!

أومأت ببطئ ليبتسم مقبلاً جبهتها، ثم سحبها متجهين إلى بوابة القصر ..

• • • •

حاولت "فريدة" نزع كلها الصغير من بين كفه الغليظ وهو يسحبها وراءه بغضب حقيقي و هم يقفان في حديقة القصر، صرخت به "فريدة" بحدة :
- أبعد عني بقا أنت أتجننت، ويزيد في عربيتك لو صحي هيتخض لما مش يلاقيني جنبه !!!

تأفف بضيق ليقول بنبرة باردة :
- هبقى أبعت أي حد من الخدم يجيبوه، وبطلي زن بقى !!!!

فركت رسغها الذي طغى عليه الأحمرار، لتنظر له مجدداً بإنكسار قائلة :
- ويا ترى بقى لما تدخل هتقول لأهلك أيه و أنت متجوزني من وراهم، لاء وكمان متجوز ممرضة أشتريتها بفلوسك !!!!!

نظر لها بهدوء دون أن يعلق، لتُكمل قائلة وهي على حافة البكاء :
- أنا كان أشرفلي أموت عن أني أتجوزك، أتجوز واحد كان هيغتصب واحدة و نجت من إيده، بس أنا بقى مراتك، يعني أنت تعمل فيا اللي أنت عاوزه و أنا أفضل ساكته، لأني للأسف ماليش غيرك دلوقتي، أبويا باعني .. و ماما ماتت من زمان، و كل دة بسببك، حسبي الله ونعمة الوكيل فيك يا مازن، ربنا مش هيسيب حقي و حق أي حد جيت عليه !!!!!!!!

لم يرف له جفن، وكأن كلماتها هباءٍ منثور، دام الصمت دقائق سوى من نحبيها الخافت وجسدها الذي ينتفض بألمٍ، يقترب منها في خطوات حادة لتتراجع هي للخلف بتوجسٍ، و بلحظاتٍ كان يقبض على فكها حتى كاد أن يحطمه، مقربا وجهها من وجهه قائلاً وعروق عنقه أشتدت بقوة:
- ورحمة أبويا لو في حد من اللي جوا عرف أني متجوزك غصب هقتل أخوكي قدام عينك !!!! عايزهم يعرفوا أننا أسعد زوجين و إلا هخليكي تلعني اليوم اللي شوفتيني فيه، أنتِ لسة متعرفيش مين مازن الهلالي، صدقيني أنا أوسخ بكتير من اللي في خيالك، و شغل العياط دة مش عليا أبداً، و أدبكب قولتي أنتِ ملكيش غيري دلوقتي!!!!! يعني أنا ملجئك الوحيد!!!!

أغرقت دموعها وجهها بالكامل، ألم كلماته كان أقوى من ألم قبضته القوية على فكها، أبعدها عنه بحدة ليجذبها ذراعها يسحبها خلفه، دلفا للقصر وسط زغاريد بعض الخدم بوصول كلا من "مازن" و"باسل" أحفاد عائلة الهلالي، ووسط همهمات حول الفتاتان التان تجاورهما، جاءت السيدة "رقية" لوصول الزغاريد على مسامعها، أحتدت ملامحها عندما رأتهما، تمنت لو أن هذا كابوس ستفوق منه سريعاً، ذهبت لكلا من "باسل" و "مازن" اللذان حدقا بها بتوتر، نظرت هي لهم بدورها بإشمئزاز قائلة :
- يا خسارة يا ولادي!!! يا خسارة!!!

نزل "ظافر" من فوق الدرج يطالع هذا الجو المشحون بذبذبات التوتر، وضع كلتا كفيه بجيبه وفضل الصمت دون أن يقل شئ، بينما أقتربت والدته من "باسل" قائلة بحسرة :
- ليه يا باسل تعمل أكده يابني !!!!

أخفض "باسل" أنظاره يشعر بغصة داخل حلقه، أكتفى بالصمت لتنظر "رقية" إلى "رهف" بسُخرية لاذعه :
- چيتي لفيتي على أولادي، معرفتيش توقعي مازن في أشباكك فـ قولتي توقعي باسل!!!!

صُدمت "رهف" من حديثها لينظر لها "باسل".. أمسك بكفها قائلاً بنبرة صارمة بعض الشئ :
- أمي لو سمحتي !!! رهف بقت مراتي يعني كرامتها من كرامتي، ولو هنضايقك أوي كدا هاخدها وهمشي مش من القصر من الصعيد كلها !!!

نظرت له أمه بألم، و عيناها تفيضان بالحزن لتنظر إلى "مازن" ذو الملامح الجامدة، لا مبالي بما يحدث أبداً، لتعود وتنظر إلى فريدة التي تنظر لها برهبة بعض الشئ، نظراتها المشمئزة نحوها وهي تطالعها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها كانت بمثابة سهام أُخترقت قلبها لتمزقه أشلاء، أشارت إلى "فريدة" بسبابتها وقالت بإستهزاء :
- بچى هي دي اللي أنت اتچوزتها !!!! حتة مُمرضة لا راحت ولا چات!!!! كأني لا ربيت و لا علمت طول السنين اللي فاتت !!!!

أبتلعت إهانتها بفمٍ مطبق وعينان تبرقان بالدموع، ألتفتت تنظر إلى "مازن" تنتظر منه أن يدافع عنها مثلما فعل أخيه مع زوجته، ولكنه وجدته جامداً صامتاً يضع يداه في جيبه بعنجهية، تمنت لو أن تركض من ذلك الباب المفتوح لتهرب منه حيث لا مكان، أبتعدت عنهم السيدة "رقية" بحزن لتقول :
- خدتوا قراركوا يا ولاد الهلالي !!!! وعايزين تهملوا "تمشوا" من القصر كمان، بس أنا مستحيل اخليكوا تهملوه!!!!!

• • • •

دلفا كلاً من "رهف" وباسل" لغرفته، جلست هي على الأريكة بإرهاق قائلة بحزن :
- واضح أن مامتك مش متقبلة وجودي يا باسل!!!!

نفى "باسل" برأسه و هو ينزل قميصه قائلاً بلا مبالاة :
- متقلقيش كام يوم و كل حاجة هترجع زي الأول ..

نهضت تقترب منه قائلة :
- يعني أحنا مش هنمشي من هنا ؟؟!!!

رمى بقميصه على الفراش ليمسح وجهه بضيق قائلاً يحاول أن يتحكم بأعصابه :
- مش عارف يا رهف ..!!!!

أحتدت نبرتها وهي تقول بتوجس :
- يا باسل بس أخوك آآآ !!!

قاطعها مزمجراً بها وقد طفح الكيل :
- مازن مش هيقدر ييجي جنبك أنتِ بقيتي مراتي، ومتقلقيش هو مش و** عشان يبص لمرات أخوه !!!!

أسبلت عيناها بحزن لتتركه ذاهبة نحو الفراش، لم تلاحظ جمال الغرفة و رُقيّها، إلا أنها أرتمت على الفراش متممدة عليه بحزنٍ في وضع الجنين، للنت ملامحه لتقوده قدماه نحوها ليتسلقي جوارها، كانت توليه ظهرها ليضع هو ذراعه القوي على خيرها يقربها منه، دفن أنفه بخصلاتها يشتم رائحتها العبقة، قبل جانب عنقها بعمق، تخشب جسدها بين يداه إلا انها ظلت على حالها، أستند هو برأسه على عنقها ليُغمض عيناها بنعاس أختطفه منها..

• • • •

صعدا كلا من "مازن" و "فريدة" لغرفته، كانت غرفته فوضوية تخبرك بأن صاحبها عشوائي للغاية، ملابسة ملقاه بكل مكان على الأرضية، مبعثرة كحال تلك المسكينة التي جرتها قدميها نحو المرحاض الملحق بالغرفة، وفور دخولها أغلقت الباب وراءها لتستند على الباب منهارة في بكاءٍ حاولت كتمه بوضع كفها على فمها بحرقة، تتمنى الموت الذي بالتأكيد سيكون أخف على روحها المحطمة من ذلك الحيوان البشري الذي يستعد للفتك بفريسته، بينما "مازن" الذي سمع نحيبها ليتأفف بأمتعاض، تجاهلها ببرود ليفتح ضلفة خزانته، أخرج ملابسه ليضعها على الفراش، ليذهب نحو بابا المرحاض، أمسك بالمقبض ليحاول فتحه بعنف دون فائدة، ثم طرق عليه بضراوة قائلاً بغضبٍ :
- أطلعي يا فريدة عايز أدخل الزفت !!!!

فتحت "فريدة" الباب بوجهٍ طغى الأحمرار عليه، وعينان دامية وشفتيّ حمراء مرتجفة، أظلمت حدقتاه وهو مثبت أنظاره على شفتيها والتي ترحب به وبالفعل مال بثغره بعنف يقبلها، أنتفضت "فريدة" برهبة إلا أنها بقت مستسلمة بين يداه، لم تقاومه أبداً بل تركته يفعل بها ما يشاء وكأنها دميته، أدمت شفتيها من شراسة قبلته لكنها لم تبالي، ألم روحها أضعاف ألم لمساته على جسدها، أبتعد عنها "مازن" بغرابة وتوجس، حالتها الهادئه تُريبة أكثر من جنونها و أنفعالاتها، نظر لشفتيها الدامية وعيناها المغمضة بأمر غُلِبت عليه، لا يريدها هكذا، يريدها تقاومه وتعنفه عن أسلوبه الهمجي، سرعان ما غضب ليستفزها علها تخرج من حالة الهدوء التي تلبستها قائلاً بإستفزاز وبرود عكس صدره التي تعتمر النيران به:
- أيوا أنا عايزك تسلميني نفسك كدا، انتِ مفيش قدامك غيري دلوقتي ومضطرة تنفذي اللي انا عاوزه ومن غير حرف !!!!

كان يتوقع ثورانها، صراخها بأنها ليست دمية، لكنها لاذت بالصمت، بل و أومأت برأسها بهدوء تدل على موافقتها، ملامحها بُهتت و عيناها أنطفئت، أبتعدت عنه بهدوء لتترك الغرفة بأكملها صافعة الباب خلفها بحدة، ثار "مازن" من فعلتها ليتبعها راكضاً وراءها ليصرخ بحدة جعلت من بالقصر يأتون على صوته، لم تبالي "فريدة" لتنزل من أعلى الدرج تبحث عن أخيها، و السيدة "رقية" جوارها "ملك" يقفا بـ بهو القصر، تعدتهما بملامح جامدة لتخرج بالحديقة الواسعة الملحقة بذلك القصر المُخيف، و هو وراءها كاد أن يجن جنونه، سمعت هي نحيب "يزيد" البرئ، ألتفتت حولها بجنون لتجده جالس أسفل شجر يضم ركبتيه إلى صدره، ينتحب من الخوف ودموعه تسيل بصمت، هرولت نحوه لتفترش الارضية بجانبه، جذبت رأسه إلى صدره ليشهق هو ببكاءٍ ضاري يعانق خصرها، اتجهوا جميعاً خلفها، حاوطت "فريدة" وجه أخيها تقبل وجنتيه ماسحة على خصلاتها قائلة بصوتٍ باكٍ :
- أهدي يا يزيد ياحبيبي متخافش، أنا مش هسيبك أبداً و الله يا حبيبي !!!!

عانقها "يزيد" قائلى بنبرة متقطعة أثر بكاءه :
- أنا صحيت من النوم مش لاقيتك .. متسبينيش يا فريدة !!!
و في مقابلتهم "مازن"، الذي لان قلبه عندما شاهد ذلك المشهد، بحياته لم يحتضنه شخص مثلما تحتضن هي أخيها، لم يربت أحد على خصلاته كما تفعل هي، بل لم يغمره أحد بذلك الكم من الحب النقي، كم يتمنى لو أن يكن هو بدلاً من أخيها، أدار ظهره لهما وصوت بكاءها وبكاء الصغير يخترق أذنه بطنيناً قاسٍ، سرعان ما هرب، هرب من كل شئ، أستقل سيارته القاتمة ليذهب بعيداً، بعيداً جداً، في مكان أعلى جبل بعيداً عن الضوضاء وعن كل شئ حوله !!!!

• • • •

نظرت لهما "رقية" بإستعلاء لم يظهر إلى على تلك المسكينة، ثم نظرت لأخيها بملابسه البالية قائلة بتقزز :
- ومين الصغير دة كُمان، ولا تكونيش خلفتي من أبني من غير م تقولونا كُمان !!!! دة أيه المصايب اللي بتتحدف علينا دي ...

لم ترد "فريدة" لتحمل أخيها الذي بدى الأرهاق على وجهه من كثرة البكاء، كادت أن تذهب من أمامه لتقبض "رقية" على ذراعها تمنعها من الحركة صارخة بحدة:
- متعلمتيش في مدارسكوا لما الكبير يتكلم معاكي لازمن تسمعي وتُجفي "تقفي" عدل !!!!!

تدخلت "ملك" التي أشفقت على حال "فريدة" قأئلة لأمها :
- خلاص ياما سيبيها دي البت مفلوجة من البكا !!!

ثم أبعدت كف والدتها عن ذراعها التي قالت لتلك الواثبة بتحدٍ أمامها :
- روحي يابت أعمليلنا الوكل (الأكل).. من النهاردة هنمشي الخدم وتخدمينا أنتِ والبت مرات باسل !!!!!

• • • •

مالت على الحوض الصغير لتفرغ كل ما بجوفها، تشعر بنصلٍ حاد يمزق معدتها إرباً، نظفت وجهها بإرهاق، تآوهت لتمسك معدتها بألم ينهش روحها، لا تستطيع التصديق إلا الأن انه تركها، تزوج دونها، بكت، بكى قلبها قبل عيناها، بكت أيامها وسنواتها التي كانت تقضيها في إسعاده هو فقط، بينما كان يمر"ظافر" بجوار غرفتها، لينصت لصوتها الباكي، دفع الباب يجدها مرتميه على الأرضية، أتجه نحوها، ليجذب ذراعها بهدوء، أسندها بذراعه القوية ليجعلها تقف أمامه، ربت على ظهرها لتجهش هي بالبكاء بأحضانه، تمسكت بقميصه تدفن رأسها في صدره ببكاءٍ هيستيري، تأوهت بنحيب قائلة برجاءٍ:
- ماتهملنيش يا ظافر !!! أتچوزها أنا راضية بس متهملنيش (متسبنيش)، صدقني أنا من غيرك أموت يا ظافر !!!!

تنهد "ظافر" بشفقة حقيقية ليربت على ظهرها في محاولة منه لمواساتها، حاوطت عنقه مرتمية بأحصانه تغوص في صدره العريضة، رائحته الرجولية البحتة، بين ذراعيه القوية، أشقهت بالبكاء لا تستوعب أنها ستتركه، في فراقه جحيم، وبقربه موت بالبطئ، حاوط ظهرها يقول بنبرة حنونة :
- أهدي يا مريم، تعالي نتكلم بالعقل طيب ..!!!

أبتعدت قائلة بحزن تشير لقلبها بهلاك ودموعها تسارع بالسقوط على وجنتيها :
- في الحب دة بس اللي بيشغِل يا ظافر، أنت عُمرك من حبيتني، لو سبتني هموت، أكتلني (اقتلني) و ريحني من الدنيا لو أنت مش چنبي !!!!

حاوط وجهها الأبيض يقول بصدق نابع من قلبه :
- أنتِ جميلة وطيبة يا مريم، و تستاهلي حد يحبك بجد، بس أنا بحبها هي، من أول مـ هي أتخلقت وجات على الدنيا دي و هي ليا..صدقيني أنا حبيتها فعلاً مش هقدر أظلمك معايا أكتر من كدا.. مين عارف يمكن تلاقي حد يحبك فعلاً، ساعتها هتحسي باللي أنا حاسُه !!!!!!

و كأنه ألقى بقنبلة ذرية أودت بحياتها، نفت برأسها بهيستيرية قائلة :
- أنا رايداك "عايزاك" أنت، أنت راچلي وسندي و كل حياتي.. متعملش فيا أكده !!!

نفى برأسه قائلاً بنبرة حادة ممسكاً بذراعها بعنف :
- أفهمي بقا لو فضلتي مراتي أبقى بستغلك !!!!

أمسكت بكفه الغليظ لتقبله ببكاءٍ قائلة وهي تومئ برأسها :
- أنا موافقة تستغلني زي م أنت رايد، بس متبعدش عني ورحمة أبوك !!!!

أبعد كفه ليمسك بكتفيها يهزهما بعنفها صارخاً:
- بطلي بقا قلة الكرامة دي!!! أحترمي نفسك متبقيش مذلولة لحد عشان أي حاجة !!!!

تركها لتسقط على الأرض بصدمة، ثم خرج من الغرفة بأكملها !!!!!!

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close