رواية حافية علي جسر عشقي الفصل السابع 7 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي
الفصل السابع
تعلقت عيناها بعيناه ليجريا حديثاً دون أن يتحدثا ، لا تعلم لما داهمها شعور بالندمٍ ، ندم على ما فعلته .. ندم على أنها جعلته يتحمل ما لا ذنب به ، ما فعلته التي من المفترض شقيقتها كان بمثابة خنجر أستقر بين أضلُعها ، هي تكرهها بل وتحاول تخريب حياتها متحججه بأنها السبب بما حدث من شللٍ لقدميها ، ندمٍ تلبسها عما سيحدث بها بعدما يكتشف أنها لم تكن سوى نصابة لعينة دلفت لحياته وحياة غيره كثير لتدمرها لهم ، هي ليست بذلك السوء .. ولكن أحياناً ما تجبرك الحياة على أفعال ليست من شيمك ، و هي تلك الطفلة التي أُجبرت قسراً على تحمل ما لا طاقة لها به ، تلاقت عيناه الزيتونيه بعيناها البندقية ، تلك العينان الدافئتان التي لطالما لم تفارق ذهنها منذ الخامسة من عمرها ، و لأول مرة يتسرب لها إحساسٍ بذلك الخوف الذي جعل جسدها يرتجف من الداخل ، لم يكُن خوفاً منه ، بل خوفاً عليه عندما يعلم بما خطت له و هو الذي أنقذها من بين براثن "سالم" ، خائفة من الخزى الذي سيشعر به و عيناه التي تطلق حباً جماً موجهاً لها يُخفيها بـ ظلام عيناه وذلك الجنود القاطن بهما ، ثُبِتت عيناها على عيناه تتمتم بنبرة باردة عكس ما يجيش بصدرها :
- ليه و أنت متجوز أصلاً ؟!!!
جلب ذلك الكرسي ليجلس أمام فراشها ثم وضع قدماً على الأخرى و هو يقول بنبرة صادقة واثقة :
- بصي يا ملاذ .. أنا مش بحب اللف والدوران ، بصراحة أنتِ عجباني ، سيدة أعمال ليها أسم كبير في السوق ومصممة أزياء شاطرة وموهوبة ، و الأهم من دة كله شخصيتك قوية و الراجل القوي لما بيبقى عايز يتجوز بيختار مراته تبقى قوية زيه لأن الراجل الضعيف هو بس اللي بياخد واحدة ضعيفة عشان يفرض شخصيته عليها و يذلها عشان عنده نقص ومن جواه عارف أنه ضعيف فـ بيعوض النقص فيها ، و كمان أنتِ جمالك جذاب جداً ، وحكاية متجوز دي مريم جدعة بس أنا متجوزها من زمان وكان بالغصب لما كنا أنا وهي صغيرين ، دة غير أن هي مش بتخلف روحنا لدكاترة كتير جوة وبرا مصر كله قال أن أحتمالية أنها تخلف ضعيفة جداً ، وصدقيني العيلة كلها عايزاني أتجوز يعني لما تبقي مراتي هُما هيفرحوا وهيحبوكي جداً .
رُغم حديثه الذي لمس قلبها ، ولكن نبرته باردة تجعلها تشعر بالصقيع يرجُف جسدها ، ولكن عند النظر إلى عيناه تتبخر تلك البرودة للتيقن أن كل هذا ترهات .. و أنه سيتزوج بها لأنه يحبُها منذ صغره ، منذ أن حملها وهي طفلة بين ذراعه غير مبالٍ للعقاب القاسي الذي سيتخذه أبيه بحقه ، رفعت أنظارها له و هي تردف :
- بس أنا قدام الناس والصحافة مخطوبة من عماد .. حتى لو كان كذب و أنا عملت كدا عشان المصيبة اللي كان فيها بس آآآ ...
أحتدت عيناه كالصقر ليعقد يداه معاً آخذاً حيز صغير من الكرسي الجالس عليه منحني بجزعه العلوي للأمام و هو يقول بتحذيرٍ :
- لما تبقي على ذمتي متجبيش أسم راجل تاني على لسانك ، عماد اللي بتقولي عليه دة زي مـ أعلنتوا خطوبتكوا في الجرايد و على التلفزيون هتنهوها من غير شوشرة .
قطبت حاجبيها تنظر له بحدة :
- أنت بتتكلم معايا بصيغة الأمر ليه ؟!
أغمض عيناه يحاول التحكم بأعصابه ليفتحمها مجدداً وقد نهض و هو يستطرد :
- تحبي نكتب الكتاب أمتى وبعدين نبقى نعمل الفرح ؟
ضيقت عيناها تنظر صوبه و هي تهتف بتساؤل :
- هو الفرح هيبقى هنا ولا في الصعيد ؟!!!
ردّ بإيجاز :
- هنكتب الكتاب هنا انا وانتِ والشهود على الضيق و بعدين هنعمل الفرح في الصعيد .. و أنا رأيي نسرع بقا ويبقى الخميس دة اللي هو بعد بكرة نكتب الكتاب واللي بعده الفرح ..
أنزوى ما بين حاجبيها و هي تقول :
- بس كدا بدري أوي !!!
- مافيش حاجة نتأخر عشانها !! ، قولتي أيه ؟
- أديني فرصة أفكر دة جواز مش سلق بيض !!!
أبتسم "ظافر" ملء فمه و هو يقول بثقة و إعجابه بها يزداد كل لحظة :
- مش قولتلك ذكية !!! حاضر يا ملاذ
ثم أكمل و هو يستعد للخروج من الغرفة قائلاً :
- أنا هشوف الدكتور لو حالتك تسمح أنك تخرجي النهاردة .. أنتِ بقيتي كويسة صح ؟ حاسة بحاجة ؟
هزت رأسها بالنفي تُخفي عنه يدها التي تحاوط معدتها أسفل تلك الملاءة البيضاء و قسمات الألم التي أزالتها من على وجهها ببراعة ، اومأ بشكٍ ليخرج من الغرفة ، نهضت "ملاذ" سريعاً وقد تصبب العرق من على جبينها تنحنى بجزعها للأمام و الألم لا يُحتمل لتعُض على شفتيها بقوة كادت أن تُدميها ، أتجهت نحو المرحاض سريعاً لتسمع صوت باب الغرفة يُفتح مجدداً فقد جاء لأخذ هاتفه ، وجد الأخير الغرفة فارغة ليسمع صوت أنين ألم ينبعث من المرحاض جعل قلبه ينخلع من مكانه ، أتجه للمرحاض بخطواتٍ سريعة ليجدها تقف بالحوض تُفرغ ما بمعدتها ، أقترب منها "ظافر" سريعاً ليبعد خصلاتها عن وجهها يُربت على ظهرها ثم قام بغسل وجهها بلطفٍ شديد ، قرّبها منه يحاوط خصرها و عيناها الواهنتان تحدقان به .. أستندت على صدره شبه محتضنة إياه ، أخفى جسدها الصغير بذراعيه اللذان حاوطا خصرها ، هدئها "ظافر" و هو يضع رأسها على كتفه يمسح على خصلاتها لتستقر شفتاه بجانب أذنها يهمس بصوته الدافئ قائلاً بلطفٍ :
- أهدي خلاص مافيش حاجة ، تعالي أرتاحي على السرير و أنا هجيبلك دكتورة غير الدكتور دة ..
بدأ جسدها بالتراخي بين يداه مغمضة عيناها بإرهاق ، ليضع ذراع أسفل ركبتيها والأخر عند ظهرها ، تشبثت به "ملاذ" تحاوط عنقه لتغفى على صدره ، أقترب من الفراش يضعها عليه برفقٍ شديد و كأنها ماسة غالية يخاف أن تُخدش ، مسد على خصلاتها و هو يتمتم بنبرة خافتة حتى لا تسمعه :
- هجيبلك دكتورة عشان مش مستحمل أن راجل يقرب منك !!!!!
• • • •
سُلِط ضوء الشمس المتوهج على عيناها ، أغمضت "رهف" عيناها لتضع يداها على وجها لتمنع ضوء الشمس من التسلل لعيناها ، وجدت يده تحاوط خصرها وظهرها ملتصق بصدره ، ناهيك عن رأسها التي تنام على ذراعه المعضل القاسي ، ألتفتت له و هو لازال يشدد على خصرها مانعاً إياها من مجرد التفكير بالنهوض ، حاولت نزع يده ولكنها كانت كالحديد و هي المغناطيس الذي يجذبها ، أرتفعت بأنظارها تحدق في وجهه الرجولي البحت ، و ذقنه الخفيفة التي زادته وسامة ، تمنت لو أن تكتم نبضات قلبها التي علت من رؤيتها له نائم كالطفل بتلك الطريقة ، أرتفعت بأنظارها أكثر لتتسلل أبتسامة على وجهها لخصلاته المشعثة ، تمنت لو أن تظل باقي حياتها بين ذراعيه تحدق به فقط وهي تجزم أنها لن تمل ، تذكرت ما قالته له البارحة و بكائها بأن يظل جوارها ، كلما تتذكر زوج والدتها ينتفض قلبها من بين أضلعها ، أدمعت عيناها لتكتم شهقاتها حتى لا تُزعجه واضعة كفيها على فمها ، فتح "باسل" عيناه بنعاس عندما شعر بجسدها ينتفض بين يداه ، نهض نصف نهضةٍ مفزوعة عندما رأى الدموع تفيض على وجنتيها بجسدٍ مرتعش ، أسند بكفه على الفراش والأخر أخذ مكانه لوجنتيها يمسح دموعها مردداً بقلق و حالتها جعلت قلبه ينتفض فزعاً :
- مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه ، حاسة بحاجة في حاجة بتوجعك ؟!!
لم تُزيدها رقة كلماته و كلمة "حبيبتي" التي خرجت من بين شفتيه بعفوية سوى البكاء أكثر و بحُرقة أكبر ، لم تكن وحدها تبكي .. قلبه أيضاً قد أدماه البكاء عليها ، أستلقى على الفراش جاذباً إياها في أحضانه لتدفن "رهف" وجهها بصدره متشبثة بكنزته بأقوى ما لديها تردد بهلعٍ مفاجئ :
- أنا خايفة ، خايفة منه أوي !!!!
أشتعلت حدقتيه ليمسح على ظهرها يهدهدها مردداً بعنف :
- خـايفة منه ليه ؟ أروح أخلصلك عليه دلوقتي وأخليه جثة عشان متعيطيش بسببه كدة !!!!
أنتفض جسدها لتتشبث به أكتر متمتمه وهي تنفي برأسها بقوة مرددة :
- متوديش ن .. نفسك في داهية عشانه ..!!!
أبعد وجهها عنه ليمسح على وجنتيها بأنامله الخشنة قائلاً بهمس أمام شفتيها :
- أنا مستعد أرمي نفسي في النار عشانك ، مش عايز أشوفك بتعيطي كدة مرة تانيه عشان مروحش أقتله بإيدي دلوقتي ويبقى أنتِ السبب ..
هزت رأسها بقوة ليقترب "باسل" بثغره مقبلاً مقدمة رأسها ، أغمضت "رهف" عيناها لينزل "باسل" بشفتيه مقبلاً عيناها المسبلتان برقة جعلتها تذوب بين يداه ، قبّل وجنتيها وكل أنش بوجهها ، لتستقر عيناه على شفتيها التي ترتعش ، عاد بنظره لعيناها المفتوحتان و هو يهمس بتفهمٍ يحاول كبح مشاعره وكل ذرة بداخله تنتفض مطالبة إياها :
- رهف قوليلي لو أنتِ هتضايقي أنا هبعد و آآآ
نفت برأسها بخجلٍ شديد منكسة ببصرها بوجنتين مشتعلتان ، جحظت عيناه غير مصدقاً ليندفع مطبقاً بشفتيه على ثغرها يقبلها بمزيجٍ بين الشغف والعنف المحبب .. ليغرقوا في بحور عشقهما فتصبح زوجته أمام الله ..
• • • •
قامت بدس المفتاح في باب شقتها المهترئ بإرهاق ، وجدت الشقة كالعادة يسودها الظلام ، رمت بحقيبتها تجلس على المقعد بوهن و هي تتمتم مع حالها :
- هقعد أرتاح شوية وبعدين هجيب يزيد من عند أم بطة ..
جحظت عبناها بقوة حتى كادتا أن يخرجا من محلهما عندما صدح صوتٍ رجولي يرد بتهكم :
- متقلقيش يزيد في الحفظ والصون !!!!
نهضت "فريدة" بهلع لتشعل الأضواء ، خرجت شهقة عالية منها عندما وجدت أخيها نائماً على قدم ذلك متحجر القلب الذي صوّب مسدس ناحية رأسه ، أنسابت دموع "فريدة" و هي تشعر بروحها تُنزف ببطئ مؤلم صارخة به :
- أنـت عملت فـيه أيــه !!! ودخلت هنا أزاي رد عليا
أشار لها "مازن" بأن تصمت واضعاً المسدس أمام فيهِ و هو يهمس بسُخرية :
- شششش أهدي يا فريدة عشان متقلقيش دودي وتصحيه من النوم ..
ركضت "فريدة" نحوه تُبعد ذلك المسدس عن رأس أخيها لتغرسه بقلبها و هي تمسك بيده على المسدس قائلة بعينان حمرواتين و نبرة هالكة :
- أقتلني أنا .. اقتلني و ريحني بس بلاش يزيد !!!!
أبعد "مازن" رأسه أخيها من على قدمه ليسندها على الأريكة ، نهض يقف قبالتها و هو ينظر إلى يداها الناعمه التي تشتد على يداه ، عيناها التي لمعت بهما دموع حزينة جعلت قلبه يرتجف لوهله ، أخفى الشفقة عليها يجمود ليقترب منها ، وجهها قبالة وجهه وعيناه السوداوية تحدق بعيناها الحزينة :
- هتجوزك .. هكسر مناخيرك و هعلمك الأدب هخليكي تدفعي تمن القلم اللي أدتهولي و مش هرحمك ، وهعرفك قيمتك وأنك ولا حاجة يا فريدة ، وياريت متعيشيش في دور الشريفة كتير مش لايق عليكي بصراحة ، أنا اللي بعوزه باخده حتى لو بالعافية ..
صمت قليلاً يطالع عيناها التي جحظت بصدمة لتعتلى عيناه خبثاً كبيراً و هو يجذبها من خصرها نحوه :
- و لا أقولك بلاش جواز ، أنتِ متستاهليش أنك تشيلي أسمي .. أنتِ واحدة رخيصة و أنا هتعامل معاكي على الأساس دة !!!!
وبلحظة كانت ينزع المسدس الفارغ من الطلقات من بين يداها ليُلقيه على الأريكة ، جذبها من مؤخرة عنقها ليهجم على شفتيها بعنف ، لم يكتفي بذلك فقط بل أخذت يداه تستبيح جسدها ما لا حق له به ، كانت لمساته بمثابة النيران التي تحرقها ، أخذت تضربه بصدره لتنساب دموعها على وجنتيها من ذلك الأذى النفسي الذي تتعرض له و لمساته القذرة تكوي جسدها ، أبتعد "مازن" عنها ليمسح الدماء التي تنزف من شفتيها بصدرٍ يعلو ويهبط ، و بأنفاس لاهثة ردد بقسوة :
- تحبي نكمل اللي كنا بنعمله و لا أجيب المأذون و أكتب عليكي دلوقتي حالاً !!!!
- ماشي .. ماشي بس متعملش فيا كدا !!!!
قالت بأنفاس متقطعه ونفس تمنت لو أن ينقطع !!!!!
• • • •
النيران تأكلها و تلهب روحها ، منذ أكثر من ساعتين تهاتفه ولكن دائماً ما تقول تلك البلهاء أن الهاتف مغلق ويرجى إعادة الأتصال في وقتٍ لاحق ، قلبها يخبرها أن شئ سئ قادم في الطريق ، نزلت إلى أسفل لتجد السيدة "رقية" تصلي بخشوعٍ ، كتفت "مريم" ذراعيها تطالعها بحدة ، أنتهت الأخيرة من الصلاة لتصيح بها "مريم" بوقاحة و لم تراعي كبر سنها :
- جاعدة ولا على بالك ولادك التلاتة مختفيين محدش يعرف هما فين !!!
نظرت لها السيدة الوقورة بهدوء قائلة :
- أنا كلمت "ظافر" و أطمنت عليه وجالي أنه بخير و باسل معاه هبياتوا في شقته اللي في المعادي ، و مازن چاي بكرة بإذن الله .. أهدي أنتِ بجى !!!
نظرت لها "مريم" بإستخفاف لتستطرد بحدة :
- وليه سي ظافر مكلمنيش وموبايله مقفول ، ليه يكلمك أنتِ وميكلمنيش هو ناسي أنه متچوز !!!
نهضت السيدة "رقية" لتقترب منها متعمدة إغاظتها :
- و هو أنتِ حسستيه أنه متچوز .. دة حتى العيل اللي نفسنا فيه مش عارفة تچيبيه !!!
و كأنها صبت البنزين على النار لتجأر بها بحدة :
- أتكتمي يا ولية يا خرفانه أنتِ !!!
شهقت الأخيرة تضرب يدها على صدرها قائلة بعدم تصديق :
- أنا خرفانه يا بنت المركوب !!!! طب تعالي بجى !!!
صفعتها "رقيه" بقوة لتقع "مريم" على الأرض ، جاءت "ملك" على صوتهما لتتفاجأ بما رأته ، وقفت بينهما لتفصل والدتها عن "مريم" التي نهضت تنظر لها بحقدٍ قائلة :
- هدفعك تمن القلم دة غالي قوي قوي يا حماتي !!!!
ثم ذهبت نحو غرفتها تداري وجنتها المشتعله ، نادت "رقية" على الخادمة آمرة إياها بأن تصنع أشهى و أطيب الماكولات لعودة فلذة كبدها الصغير غداً ، مُلئ البيت بالزغاريد الفرِحة لعودة"مازن" القريبة
• • • •
و بالفعل جلب "ظافر" طبيبه بدلاً من ذلك الأبله ، فحصتها الطبيب لتلتفت إلى "ظافر" الذي ينصت لحديثها بإنتباه :
- الأنسة كويسة يا ظافر باشا هي بس محتاجة راحة و واضح أن نفسيتها سيئة و بخصوص الخروج فـ هي ممكن تخرج النهاردة حالتها مستقرة بس ياريت الأهتمام بصحتها وبأكلها شوية .. عن إذنك ..
توجه "ظافر" ناحيتها يجلس أمامها على طرف الفراش لينظر إلى وجهها المرهق المهموم ، و الخوف الكبير بعيناها التي تحاول إخفاءه وراء قوتها و هالة الجبروت التي تحيط بها ، مدّ كفه يمسح على خصلاتها المموجة و كأنها طفلته الصغيرة ليسأل بلطفٍ :
- مالك ؟!!!
أغتصبت أبتسامة على وجهها و هي تتمتم بكذب :
- أنا كويسة ..
- كدابة !!!
قالها بحدة طفيفة فـ أكثر شئ يكرهه الكذب ، أستلقت "ملاذ" على الفراش لتضع يداها أسفل وجهها قائلة بإرهاق :
- أنا نعسانه و عايزة أنام ..
ضغطت على شفتيها مذبذبة لا تعلم أتطلب منه ذلك الطلب أم لا .. حسمت قرارها أخيراً و هي تنظر له قائلة بتردد :
- هو أنا ممكن أطلب منك طلب ؟!!
أبتسم "ظافر" مجيباً بترحاب :
- أكيد ..
- ممكن تمسحلي على شعري زي مـ بابا كان بيعمل لما كنت صغيرة ؟!!!
أبتسمت عيناه قبل ثغره ليقترب منها أكثر ، و بالفعل أخذ يمسح على خصلاتها الحريرية بحنو لا يظهر إلا لها ، أغمضت "ملاذ" عيناها لتغرق بالنوم تحت دفء كفه ..!!!
• • • •
جلب "مازن" المأذون وبعضٍ من أصدقاءه ليشهدوا على تلك الزيجة ووالد احد اصدقائه ليكون وكيلها ، نبض قلبها بعنف عندما أمسكت بالقلم بيدٍ مرتعشة ، عيناها زائغة تريد أن تصرخ بأنها تتمنى الموت دون أن تصبح زوجته ، و بالفعل نهضت تحاول إجتناب نظراته النارية التي تحرقها ، ارتجفت شفتيها و هي تتمتم بنبرة مهتزة :
- أنا .. أنا داخله أشرب !!!!
ثم ركضت من أمامهم نحو المطبخ ، أستندت على الثلاجة بأنفاسٍ لاهثة و عينان أرتفعت إلى خالقها تنجوه هو الوحيد الذي سينتشلها مما بها ، كتمت شهقة باكية كادت أن تخرج بكفيها عندما وجدته أمامها ، قبض "مازن" على رسغيها ليلويهما أسفل ظهرها جاعلاً من جسدها ملتصق بجسده ، تصبب وجهها عرقاً لتلتصق بعض الخصلات القليلة بجبهتها ، و قبضته على رسغيها جعلتها تغمض عيناها من فرط الألم التي تشعر به !!
- لما أكلمك تُبصيلي !!!
هزت رأسها بعنف رافضة تماماً أن تفتح عيناها ليمسك بها من كتفيها ضارباً بظهرها بالثلاجة صارخاً بها بنبرة جعلت معدتها تتقلص خوفاً :
- بـقـولك لمـا أكلمك تُحطي عينك في عيني ..
فتحت عيناها وليتها لم تفعل ، نبض قلبها برعبٍ تحدث بوجهه عن كثب ، عيناه النارية و وجهه المشتنج و فكه الذي ينبض بغضب و جبهته الملتفة بشاش طبي ، لم تعد تشعر بأطرافها و لم تقوى حتى على الوقوف ، لو أنه لم يمسك بها بذلك العنف لكانت سقطت على الأرضية بقدمتان هلاميتان ، أمسك "مازن" بخصرها وباليد الأخرى تمسح دموعها الملتهبة لتزداد وجنتيها إلتهاباً وكأن أنامله نيران تهشم روحها لتتركها رُماداً منثوراً :
- أمسحي دموعك يا حلوة ، وياريت توفريهم بعد مـ اللي برا يمشوا ، مش عايزهم يفتكروا أنك مغصوبة على الجوازة ولا حاجة ..
أكمل ممسكاً بفكها حتى كاد أن يهمشمه :
- أنا خيرتك وقولتلك أخُد اللي عايزه منك بجواز شرعي و لا تبقي زيك زي أي فتاة ليل هاخد اللي عايزه و أرميكي في أقذر صندوق زباله و أنتِ متأكدة أني أقدر أعمل كدا !!! لسة الأختيار قدامك أنا مستعد أمّشي المأذون والناس كلها دي دلوقتي حالاً !!!
نفت برأسها بقوة و هي تقول و قد أنهمرت في البكاء :
- لاء خلاص .. خلاص همضي بس أرجوك أخويا نايم و لو صحي وشافني بالحالة دي هيتعب ..!!
حاوط وجنتيها قائلاً بإستهزاء لاذع :
- متخافيش يا حبيبتي و متعيطيش أنا مش بستحمل أشوف دموع التماسيح دي في عينك !!!!
ثم قهقه بصوت عالٍ ليصفع وجنتيها بخفة :
- يلا يا مراتي عشان المأذون ميستناش أكتر من كدا ..
جذب يدها بقوة جاراً إياها كالشاه ، جلست "فريدة" محلها مجدداً لتلقي نظرة على أخيها الذي لم يُكمل السبع سنوات غارقاً بالنوم على الأريكة ، خطت بالقلم على ورقة إعدامها شنقاً ..
أستقبل "مازن" المباركات بإبتسامة مغتصبة ، خرجوا جميعاً من الشقة ، ظلت "فريدة" محدقة بالفراغ بشفتين منفجرتين ، وقف "مازن" قبالته يجأر بأمرٍ محتوم :
- يلا عشان هنمشي من هنا !!!
نظرت له "فريدة" بصدمة قائلة :
- نمشي نروح فين !!!!
- مش عايز أسألة كتير .. تمشي معايا و أنتِ ساكتة !!!
قال "مازن" بحدة لتنظر "فريدة" إلى "يزيد" قائلة و هي على مشارف البكاء :
- طب و يزيد !!!
أشاح بيداه قائلاً بلا مبالة وقلبٍ متبلد :
- أرميه في أيه نيلة وديه عند جارتك اللي كنتي سايباه هناك !!!
- أنت مستحيل يكون عندك قلب !!!! مستحيل ..!
هتفت "فريدة" بلا تصديق و هي تعود للوراء ، تأفف "مازن" بغضب ليصرخ بها :
- م تنحزي يا ماما لسة هتعمليلي فيها شُغل الصعبانيات دة !!!!
نظرت به بكرهه حقيقي نابع من قلبها ، و قبل أن تخطو خطوة واحدة تمتمت :
- مش همشي قبل مـ تقولي دخلت هنا أزاي و أزاي ام بطة أدتهولك كدا بسهولة !!!
نظر لها "مازن" لتزحف إبتسامة خبيثة على ثغره و هو يقول بنبرة ماكرة :
- مع أن محدش يتشرط عليا عشان ممكن بسهولة أشيلك واحطك في عربيتي .. بس أنا هقولك ياستي ، بإختصار لما مشيت من المستشفى عرفت عنوانك و أنك بتسيبي أخوكي مع جارتكوا عشان بتثقي فيها و كل ده عرفته من مصادري الخاصة ، فتحتلي الست دي قولتلها أني خطيبك و أني عايز أعملك مفاجأة وقولتلها اننا هنكتب الكتاب النهاردة ، و طلبت منها يزيد و هي عشان ست كريمة أدتني كمان النسخة اللي سيبهالها من مفتاح بيتك عشان لو يزيد أحتاج حاجة من هنا ، خدت أخوكي وشربته منوم في العصير وبس ، عارفة أنا بحكيلك ليه ؟ عشان تعرفي أني لما بحُط حاجة في دماغي بعملها و أني حطيتك في دماغي خلاص يا فريدة !!!!
نفت برأسها تعود إلى الوراء أكثر و هي باتت تعلم أنه ليس شخص طبيعي أبداً ، أرتجف جسدها بأكمله وقد شعرت بخطورة ما سيحدث بها ف قررت أن تُسايره حتى لا تغضبه ، حملت أخيها بين أحضانها تقبل كل أنش بوجهه و دموعها بللت وجهه ، مسحت على خصلاته الناعمه لتلتفت إلى مازن الذي ينظر لها كالصقر و هي تقول :
- هروح أوديه عند جارتي ..
- أسـتـني !!!
زمجر بها بحدة ليمسكها من ذراعها مقرباً إياها منه و هو ينزل برأسه ليصبح مقابل لوجهها الطفولي قائلاً بتحذير :
- إياكي تجيبي سيرة لحد على اني اجبرتك ، أنا ممكن في 5 دقايق أخلي سمعتك ف الشارع دة أوسخ من أوسخ جزمة واقولهم ان انتي االي آآآ ..
بترت عبارته وهي تنفض يدها عنه ناظرة له بتقزز قائلة بملامح ممتعضة :
- أنا بكرهك وبكره النفس اللي بتتنفسه !!!!
أرجع رأسه إلى الوراء ليضع أحد كفيه في جيبه والأخرى يعبث بخصلاتها قائلاً بسُخرية :
- صدقيني مش أكتر من كُرهي ليكي ، يلا روحي و أعملي اللي أتفقنا عليه .. ولا تحبي أجي معاكي وأقولهم أنك بقيتي مراتي خلاص ؟!!
أبعدت رأسها عن مرمى يداه وهي تهز رأسها بعنف قائلة برجاء :
- لاء بالله عليك متقولش حاجة دلوقتي ، أقف هنا و أنا هديلها يزيد وهاجي معاك و هعملك اللي أنت عايزة بس بلاش سُمعتي تبوظ أرجوك الناس هنا مش بيرحموا !!!
إلتوى ثغره بخبث كالشيطان و ربما ألعن ، ليسطرد بتهكم :
- ماشي يا ست الشريفة أنا واقف هنا ومراقبك عشان متلعبيش بديلك و كويس أن باب جارتك دة جنبك هنا ...
أومأت ببطئ لتخطي خطوات بطيئة ، هي حتى لم تعد تستطيع حمل نفسها كيف لتحمل أخاها أيضاٌ ، لا تصدق أن حياتها ستتدمر بعد دقائق معدودة ، أتجهت نحو منزل جارتها لتطرق الباب ببطئ ، فتحت لها سيدة بدينة الجسد ذات وجهٍ بشوش لتقول مرحبة :
- يا أهلاً وسهلاً بـ فريدة ويزيد ، دة خطيبك لسة واخده مني من شوية عشان المفاجأة اللي هيعملهالك ..
ثم أكملت و هي تنظر للسقف بحالمية :
- يارب أرزق بطة بنتي بواحد قمر وطول بعرض و حليوة زي خطيبك يابنتي ما شاء الله عليه ربنا يخليكوا لبعض ..
تأفف "مازن" بالداخل لثرثرتها كحال "فريدة" التي بدأت قدميها تخور لتخبر جارتها سريعاً و هي تمد لها يدها بـ "يزيد" قائلة بنبرة واهنه :
- معلش يا أم بطة خلي يزيد عندك النهاردة و بكرة الصبح هاجي أخده منك عشان طلع عندي نبطشية سهر بس هخلصها وأجي أخده ..
ألتقطته الأخيرة قائلة بحب لذلك الصغير و حنو أموي :
- طبعاً يا حبيبتي دة يزيد دة حتة سكرة لما بتيجي تاخديه بزعل أوي والله ، ربنا يقويكي يابنتي على الشغل بس هو عينك حمرا ليه أنتِ معيطة يا حبيبتي ولا حاجة قوليلي دة أنا زي والدتك الله يرحمها ..
تمنت أن ترتمي بأحضانها لتبكي من هنا إلى الغد ف هي بالفعل بمثابة والدتها ، و لكن نظرت بطرف عيناها إلى "مازن" الذي يقف مراقباً إياها ، نظر لها بنظرة جعلتها لا تحاول حتى أن تفكر بما يجول بعقلها الأن ، رسمت إبتسامة زائفة على وجهها لم تصل لعيناها و هي تقول بوهنٍ :
- لاء يا أم بطة متقلقيش أنا بس نعسانه شوية ولما هروح المستشفى هنام ..
أومأت جارتها مودعة إياها و هي لا تستطيع إزاحة نظرها من على أخيها الصغير ، أغلقت "أم بطة" الباب ليتجه "مازن" صوبها بعينان لا تنتوي خيراً ، جرّها وراءه بعنف حتى كادت أن تنزلق من على الدرج و لكنه لم يعبأ ، خرجا من المبنى المتهالك ليفتح لها الباب دافعاً إياها داخل السيارة ، نظرت له "فريدة" بغضب صارخة و عيناها متعلقة به و هو يلتفت ليجلس خلف المقود :
- أنت بتجر بهيمة مـ براحة ..!!!!
أستشاط غضباً ليلتف و هو يصر على أسنانه بحدة رافعاً سبابته بوجهها :
- متصرخيش ومش عايز أسمع نفسك لحد مـ نوصل شقتي !!!
عقد ذراعيها أمام صدرها و هي تسبه بصوتٍ خافت :
- حيوان و وقح !!!!
لم يمسعها "مازن" لبنظر لها قائلاً بتساؤل حاد :
- بتبرطمي بتقولي أيه ؟!!!
نظرت له بتوترٍ لتقول بنبرة مهزوزة :
- مبقولش حاجة ممكن نمشي بقا ؟!
• • • •
فتحت عيناها المغرمة لتلتفت جانبها تنظر له بخجل شديد أكتسى حُمرة وجهها ، كان هو بدوره سانداً رأسه على كفه يحدق بوجهها عن قرب متلاعباً بخصلاتها ، أبتسامة جذابة تشق وجهه معطية إياه مظهر وسيم ، نكست "رهف" أنظارها أرضاً و هي تردف بنبرة مذبذبة :
- أنت بتبُصلي كدا ليه ؟!!
دفن وجهه بعنقها يشتم عبق خصلاتها برائحة اللافندر المنعشة و هو يهمس :
- أنا شكلي كدا حبيتك !!!!
جحظت عيناها ليتسمر جسدها و هي بيعده قائلة بذهول :
- أنت قولت أيـه !!!!
أمسك بكفيها يعانقهما بخاصته ليقبلهما قبلات رقيقة و هو يقول بصدقٍ نابع من صميم قلبه :
- أنا بحبك يا رهف .. يمكن الأول كنت بكرهك بس في حاجة بتجذبني ليكي ، لما بشوفك بتعيطي بحس أني مخنوق و عايز أكسر راس اللي خلى دموعك تنزل حتى لو كنت أنا ، وعد مني مش هخليكي تزعلي أبداً يا حبيبتي ..
أسند جبهته على جبتها مغمضاً عيناه كنا فعلت هي يداعب أنفها بخاصته ، أغرورقت حدقتيها بالدموع لتحاوط وجهه بأناملها تحدق به بسعادة غامرة ، لثم "باسل" شفتيها يبث بها عشقه اللامحدود لها و هي مستكينة تماماً بين ذراعيه ، صدح هاتفه برنين مزعج له .. نهض "باسل" ممسك بهاتفه الموضوع على الكومود ليضعه على أذنه مزمجراً بأخيه "ظافر" بحدة :
- في أيه يا ظافر حد يرن على حد و هو في شهر العسل !!!
- باسل أسمعني ..
لم تكن نبرته مازحة أبداً لينهض "باسل" و هو يخرج من الغرفة قائلاً بإنصات تام :
- في أيه ؟!!!
- لما كلمت مدير الجريدة الو*** اللي نشر الخبر دة قالي أنه اللي وصل الخبر مراتك يا باسل .. رهف !!!!!
الفصل السابع
تعلقت عيناها بعيناه ليجريا حديثاً دون أن يتحدثا ، لا تعلم لما داهمها شعور بالندمٍ ، ندم على ما فعلته .. ندم على أنها جعلته يتحمل ما لا ذنب به ، ما فعلته التي من المفترض شقيقتها كان بمثابة خنجر أستقر بين أضلُعها ، هي تكرهها بل وتحاول تخريب حياتها متحججه بأنها السبب بما حدث من شللٍ لقدميها ، ندمٍ تلبسها عما سيحدث بها بعدما يكتشف أنها لم تكن سوى نصابة لعينة دلفت لحياته وحياة غيره كثير لتدمرها لهم ، هي ليست بذلك السوء .. ولكن أحياناً ما تجبرك الحياة على أفعال ليست من شيمك ، و هي تلك الطفلة التي أُجبرت قسراً على تحمل ما لا طاقة لها به ، تلاقت عيناه الزيتونيه بعيناها البندقية ، تلك العينان الدافئتان التي لطالما لم تفارق ذهنها منذ الخامسة من عمرها ، و لأول مرة يتسرب لها إحساسٍ بذلك الخوف الذي جعل جسدها يرتجف من الداخل ، لم يكُن خوفاً منه ، بل خوفاً عليه عندما يعلم بما خطت له و هو الذي أنقذها من بين براثن "سالم" ، خائفة من الخزى الذي سيشعر به و عيناه التي تطلق حباً جماً موجهاً لها يُخفيها بـ ظلام عيناه وذلك الجنود القاطن بهما ، ثُبِتت عيناها على عيناه تتمتم بنبرة باردة عكس ما يجيش بصدرها :
- ليه و أنت متجوز أصلاً ؟!!!
جلب ذلك الكرسي ليجلس أمام فراشها ثم وضع قدماً على الأخرى و هو يقول بنبرة صادقة واثقة :
- بصي يا ملاذ .. أنا مش بحب اللف والدوران ، بصراحة أنتِ عجباني ، سيدة أعمال ليها أسم كبير في السوق ومصممة أزياء شاطرة وموهوبة ، و الأهم من دة كله شخصيتك قوية و الراجل القوي لما بيبقى عايز يتجوز بيختار مراته تبقى قوية زيه لأن الراجل الضعيف هو بس اللي بياخد واحدة ضعيفة عشان يفرض شخصيته عليها و يذلها عشان عنده نقص ومن جواه عارف أنه ضعيف فـ بيعوض النقص فيها ، و كمان أنتِ جمالك جذاب جداً ، وحكاية متجوز دي مريم جدعة بس أنا متجوزها من زمان وكان بالغصب لما كنا أنا وهي صغيرين ، دة غير أن هي مش بتخلف روحنا لدكاترة كتير جوة وبرا مصر كله قال أن أحتمالية أنها تخلف ضعيفة جداً ، وصدقيني العيلة كلها عايزاني أتجوز يعني لما تبقي مراتي هُما هيفرحوا وهيحبوكي جداً .
رُغم حديثه الذي لمس قلبها ، ولكن نبرته باردة تجعلها تشعر بالصقيع يرجُف جسدها ، ولكن عند النظر إلى عيناه تتبخر تلك البرودة للتيقن أن كل هذا ترهات .. و أنه سيتزوج بها لأنه يحبُها منذ صغره ، منذ أن حملها وهي طفلة بين ذراعه غير مبالٍ للعقاب القاسي الذي سيتخذه أبيه بحقه ، رفعت أنظارها له و هي تردف :
- بس أنا قدام الناس والصحافة مخطوبة من عماد .. حتى لو كان كذب و أنا عملت كدا عشان المصيبة اللي كان فيها بس آآآ ...
أحتدت عيناه كالصقر ليعقد يداه معاً آخذاً حيز صغير من الكرسي الجالس عليه منحني بجزعه العلوي للأمام و هو يقول بتحذيرٍ :
- لما تبقي على ذمتي متجبيش أسم راجل تاني على لسانك ، عماد اللي بتقولي عليه دة زي مـ أعلنتوا خطوبتكوا في الجرايد و على التلفزيون هتنهوها من غير شوشرة .
قطبت حاجبيها تنظر له بحدة :
- أنت بتتكلم معايا بصيغة الأمر ليه ؟!
أغمض عيناه يحاول التحكم بأعصابه ليفتحمها مجدداً وقد نهض و هو يستطرد :
- تحبي نكتب الكتاب أمتى وبعدين نبقى نعمل الفرح ؟
ضيقت عيناها تنظر صوبه و هي تهتف بتساؤل :
- هو الفرح هيبقى هنا ولا في الصعيد ؟!!!
ردّ بإيجاز :
- هنكتب الكتاب هنا انا وانتِ والشهود على الضيق و بعدين هنعمل الفرح في الصعيد .. و أنا رأيي نسرع بقا ويبقى الخميس دة اللي هو بعد بكرة نكتب الكتاب واللي بعده الفرح ..
أنزوى ما بين حاجبيها و هي تقول :
- بس كدا بدري أوي !!!
- مافيش حاجة نتأخر عشانها !! ، قولتي أيه ؟
- أديني فرصة أفكر دة جواز مش سلق بيض !!!
أبتسم "ظافر" ملء فمه و هو يقول بثقة و إعجابه بها يزداد كل لحظة :
- مش قولتلك ذكية !!! حاضر يا ملاذ
ثم أكمل و هو يستعد للخروج من الغرفة قائلاً :
- أنا هشوف الدكتور لو حالتك تسمح أنك تخرجي النهاردة .. أنتِ بقيتي كويسة صح ؟ حاسة بحاجة ؟
هزت رأسها بالنفي تُخفي عنه يدها التي تحاوط معدتها أسفل تلك الملاءة البيضاء و قسمات الألم التي أزالتها من على وجهها ببراعة ، اومأ بشكٍ ليخرج من الغرفة ، نهضت "ملاذ" سريعاً وقد تصبب العرق من على جبينها تنحنى بجزعها للأمام و الألم لا يُحتمل لتعُض على شفتيها بقوة كادت أن تُدميها ، أتجهت نحو المرحاض سريعاً لتسمع صوت باب الغرفة يُفتح مجدداً فقد جاء لأخذ هاتفه ، وجد الأخير الغرفة فارغة ليسمع صوت أنين ألم ينبعث من المرحاض جعل قلبه ينخلع من مكانه ، أتجه للمرحاض بخطواتٍ سريعة ليجدها تقف بالحوض تُفرغ ما بمعدتها ، أقترب منها "ظافر" سريعاً ليبعد خصلاتها عن وجهها يُربت على ظهرها ثم قام بغسل وجهها بلطفٍ شديد ، قرّبها منه يحاوط خصرها و عيناها الواهنتان تحدقان به .. أستندت على صدره شبه محتضنة إياه ، أخفى جسدها الصغير بذراعيه اللذان حاوطا خصرها ، هدئها "ظافر" و هو يضع رأسها على كتفه يمسح على خصلاتها لتستقر شفتاه بجانب أذنها يهمس بصوته الدافئ قائلاً بلطفٍ :
- أهدي خلاص مافيش حاجة ، تعالي أرتاحي على السرير و أنا هجيبلك دكتورة غير الدكتور دة ..
بدأ جسدها بالتراخي بين يداه مغمضة عيناها بإرهاق ، ليضع ذراع أسفل ركبتيها والأخر عند ظهرها ، تشبثت به "ملاذ" تحاوط عنقه لتغفى على صدره ، أقترب من الفراش يضعها عليه برفقٍ شديد و كأنها ماسة غالية يخاف أن تُخدش ، مسد على خصلاتها و هو يتمتم بنبرة خافتة حتى لا تسمعه :
- هجيبلك دكتورة عشان مش مستحمل أن راجل يقرب منك !!!!!
• • • •
سُلِط ضوء الشمس المتوهج على عيناها ، أغمضت "رهف" عيناها لتضع يداها على وجها لتمنع ضوء الشمس من التسلل لعيناها ، وجدت يده تحاوط خصرها وظهرها ملتصق بصدره ، ناهيك عن رأسها التي تنام على ذراعه المعضل القاسي ، ألتفتت له و هو لازال يشدد على خصرها مانعاً إياها من مجرد التفكير بالنهوض ، حاولت نزع يده ولكنها كانت كالحديد و هي المغناطيس الذي يجذبها ، أرتفعت بأنظارها تحدق في وجهه الرجولي البحت ، و ذقنه الخفيفة التي زادته وسامة ، تمنت لو أن تكتم نبضات قلبها التي علت من رؤيتها له نائم كالطفل بتلك الطريقة ، أرتفعت بأنظارها أكثر لتتسلل أبتسامة على وجهها لخصلاته المشعثة ، تمنت لو أن تظل باقي حياتها بين ذراعيه تحدق به فقط وهي تجزم أنها لن تمل ، تذكرت ما قالته له البارحة و بكائها بأن يظل جوارها ، كلما تتذكر زوج والدتها ينتفض قلبها من بين أضلعها ، أدمعت عيناها لتكتم شهقاتها حتى لا تُزعجه واضعة كفيها على فمها ، فتح "باسل" عيناه بنعاس عندما شعر بجسدها ينتفض بين يداه ، نهض نصف نهضةٍ مفزوعة عندما رأى الدموع تفيض على وجنتيها بجسدٍ مرتعش ، أسند بكفه على الفراش والأخر أخذ مكانه لوجنتيها يمسح دموعها مردداً بقلق و حالتها جعلت قلبه ينتفض فزعاً :
- مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه ، حاسة بحاجة في حاجة بتوجعك ؟!!
لم تُزيدها رقة كلماته و كلمة "حبيبتي" التي خرجت من بين شفتيه بعفوية سوى البكاء أكثر و بحُرقة أكبر ، لم تكن وحدها تبكي .. قلبه أيضاً قد أدماه البكاء عليها ، أستلقى على الفراش جاذباً إياها في أحضانه لتدفن "رهف" وجهها بصدره متشبثة بكنزته بأقوى ما لديها تردد بهلعٍ مفاجئ :
- أنا خايفة ، خايفة منه أوي !!!!
أشتعلت حدقتيه ليمسح على ظهرها يهدهدها مردداً بعنف :
- خـايفة منه ليه ؟ أروح أخلصلك عليه دلوقتي وأخليه جثة عشان متعيطيش بسببه كدة !!!!
أنتفض جسدها لتتشبث به أكتر متمتمه وهي تنفي برأسها بقوة مرددة :
- متوديش ن .. نفسك في داهية عشانه ..!!!
أبعد وجهها عنه ليمسح على وجنتيها بأنامله الخشنة قائلاً بهمس أمام شفتيها :
- أنا مستعد أرمي نفسي في النار عشانك ، مش عايز أشوفك بتعيطي كدة مرة تانيه عشان مروحش أقتله بإيدي دلوقتي ويبقى أنتِ السبب ..
هزت رأسها بقوة ليقترب "باسل" بثغره مقبلاً مقدمة رأسها ، أغمضت "رهف" عيناها لينزل "باسل" بشفتيه مقبلاً عيناها المسبلتان برقة جعلتها تذوب بين يداه ، قبّل وجنتيها وكل أنش بوجهها ، لتستقر عيناه على شفتيها التي ترتعش ، عاد بنظره لعيناها المفتوحتان و هو يهمس بتفهمٍ يحاول كبح مشاعره وكل ذرة بداخله تنتفض مطالبة إياها :
- رهف قوليلي لو أنتِ هتضايقي أنا هبعد و آآآ
نفت برأسها بخجلٍ شديد منكسة ببصرها بوجنتين مشتعلتان ، جحظت عيناه غير مصدقاً ليندفع مطبقاً بشفتيه على ثغرها يقبلها بمزيجٍ بين الشغف والعنف المحبب .. ليغرقوا في بحور عشقهما فتصبح زوجته أمام الله ..
• • • •
قامت بدس المفتاح في باب شقتها المهترئ بإرهاق ، وجدت الشقة كالعادة يسودها الظلام ، رمت بحقيبتها تجلس على المقعد بوهن و هي تتمتم مع حالها :
- هقعد أرتاح شوية وبعدين هجيب يزيد من عند أم بطة ..
جحظت عبناها بقوة حتى كادتا أن يخرجا من محلهما عندما صدح صوتٍ رجولي يرد بتهكم :
- متقلقيش يزيد في الحفظ والصون !!!!
نهضت "فريدة" بهلع لتشعل الأضواء ، خرجت شهقة عالية منها عندما وجدت أخيها نائماً على قدم ذلك متحجر القلب الذي صوّب مسدس ناحية رأسه ، أنسابت دموع "فريدة" و هي تشعر بروحها تُنزف ببطئ مؤلم صارخة به :
- أنـت عملت فـيه أيــه !!! ودخلت هنا أزاي رد عليا
أشار لها "مازن" بأن تصمت واضعاً المسدس أمام فيهِ و هو يهمس بسُخرية :
- شششش أهدي يا فريدة عشان متقلقيش دودي وتصحيه من النوم ..
ركضت "فريدة" نحوه تُبعد ذلك المسدس عن رأس أخيها لتغرسه بقلبها و هي تمسك بيده على المسدس قائلة بعينان حمرواتين و نبرة هالكة :
- أقتلني أنا .. اقتلني و ريحني بس بلاش يزيد !!!!
أبعد "مازن" رأسه أخيها من على قدمه ليسندها على الأريكة ، نهض يقف قبالتها و هو ينظر إلى يداها الناعمه التي تشتد على يداه ، عيناها التي لمعت بهما دموع حزينة جعلت قلبه يرتجف لوهله ، أخفى الشفقة عليها يجمود ليقترب منها ، وجهها قبالة وجهه وعيناه السوداوية تحدق بعيناها الحزينة :
- هتجوزك .. هكسر مناخيرك و هعلمك الأدب هخليكي تدفعي تمن القلم اللي أدتهولي و مش هرحمك ، وهعرفك قيمتك وأنك ولا حاجة يا فريدة ، وياريت متعيشيش في دور الشريفة كتير مش لايق عليكي بصراحة ، أنا اللي بعوزه باخده حتى لو بالعافية ..
صمت قليلاً يطالع عيناها التي جحظت بصدمة لتعتلى عيناه خبثاً كبيراً و هو يجذبها من خصرها نحوه :
- و لا أقولك بلاش جواز ، أنتِ متستاهليش أنك تشيلي أسمي .. أنتِ واحدة رخيصة و أنا هتعامل معاكي على الأساس دة !!!!
وبلحظة كانت ينزع المسدس الفارغ من الطلقات من بين يداها ليُلقيه على الأريكة ، جذبها من مؤخرة عنقها ليهجم على شفتيها بعنف ، لم يكتفي بذلك فقط بل أخذت يداه تستبيح جسدها ما لا حق له به ، كانت لمساته بمثابة النيران التي تحرقها ، أخذت تضربه بصدره لتنساب دموعها على وجنتيها من ذلك الأذى النفسي الذي تتعرض له و لمساته القذرة تكوي جسدها ، أبتعد "مازن" عنها ليمسح الدماء التي تنزف من شفتيها بصدرٍ يعلو ويهبط ، و بأنفاس لاهثة ردد بقسوة :
- تحبي نكمل اللي كنا بنعمله و لا أجيب المأذون و أكتب عليكي دلوقتي حالاً !!!!
- ماشي .. ماشي بس متعملش فيا كدا !!!!
قالت بأنفاس متقطعه ونفس تمنت لو أن ينقطع !!!!!
• • • •
النيران تأكلها و تلهب روحها ، منذ أكثر من ساعتين تهاتفه ولكن دائماً ما تقول تلك البلهاء أن الهاتف مغلق ويرجى إعادة الأتصال في وقتٍ لاحق ، قلبها يخبرها أن شئ سئ قادم في الطريق ، نزلت إلى أسفل لتجد السيدة "رقية" تصلي بخشوعٍ ، كتفت "مريم" ذراعيها تطالعها بحدة ، أنتهت الأخيرة من الصلاة لتصيح بها "مريم" بوقاحة و لم تراعي كبر سنها :
- جاعدة ولا على بالك ولادك التلاتة مختفيين محدش يعرف هما فين !!!
نظرت لها السيدة الوقورة بهدوء قائلة :
- أنا كلمت "ظافر" و أطمنت عليه وجالي أنه بخير و باسل معاه هبياتوا في شقته اللي في المعادي ، و مازن چاي بكرة بإذن الله .. أهدي أنتِ بجى !!!
نظرت لها "مريم" بإستخفاف لتستطرد بحدة :
- وليه سي ظافر مكلمنيش وموبايله مقفول ، ليه يكلمك أنتِ وميكلمنيش هو ناسي أنه متچوز !!!
نهضت السيدة "رقية" لتقترب منها متعمدة إغاظتها :
- و هو أنتِ حسستيه أنه متچوز .. دة حتى العيل اللي نفسنا فيه مش عارفة تچيبيه !!!
و كأنها صبت البنزين على النار لتجأر بها بحدة :
- أتكتمي يا ولية يا خرفانه أنتِ !!!
شهقت الأخيرة تضرب يدها على صدرها قائلة بعدم تصديق :
- أنا خرفانه يا بنت المركوب !!!! طب تعالي بجى !!!
صفعتها "رقيه" بقوة لتقع "مريم" على الأرض ، جاءت "ملك" على صوتهما لتتفاجأ بما رأته ، وقفت بينهما لتفصل والدتها عن "مريم" التي نهضت تنظر لها بحقدٍ قائلة :
- هدفعك تمن القلم دة غالي قوي قوي يا حماتي !!!!
ثم ذهبت نحو غرفتها تداري وجنتها المشتعله ، نادت "رقية" على الخادمة آمرة إياها بأن تصنع أشهى و أطيب الماكولات لعودة فلذة كبدها الصغير غداً ، مُلئ البيت بالزغاريد الفرِحة لعودة"مازن" القريبة
• • • •
و بالفعل جلب "ظافر" طبيبه بدلاً من ذلك الأبله ، فحصتها الطبيب لتلتفت إلى "ظافر" الذي ينصت لحديثها بإنتباه :
- الأنسة كويسة يا ظافر باشا هي بس محتاجة راحة و واضح أن نفسيتها سيئة و بخصوص الخروج فـ هي ممكن تخرج النهاردة حالتها مستقرة بس ياريت الأهتمام بصحتها وبأكلها شوية .. عن إذنك ..
توجه "ظافر" ناحيتها يجلس أمامها على طرف الفراش لينظر إلى وجهها المرهق المهموم ، و الخوف الكبير بعيناها التي تحاول إخفاءه وراء قوتها و هالة الجبروت التي تحيط بها ، مدّ كفه يمسح على خصلاتها المموجة و كأنها طفلته الصغيرة ليسأل بلطفٍ :
- مالك ؟!!!
أغتصبت أبتسامة على وجهها و هي تتمتم بكذب :
- أنا كويسة ..
- كدابة !!!
قالها بحدة طفيفة فـ أكثر شئ يكرهه الكذب ، أستلقت "ملاذ" على الفراش لتضع يداها أسفل وجهها قائلة بإرهاق :
- أنا نعسانه و عايزة أنام ..
ضغطت على شفتيها مذبذبة لا تعلم أتطلب منه ذلك الطلب أم لا .. حسمت قرارها أخيراً و هي تنظر له قائلة بتردد :
- هو أنا ممكن أطلب منك طلب ؟!!
أبتسم "ظافر" مجيباً بترحاب :
- أكيد ..
- ممكن تمسحلي على شعري زي مـ بابا كان بيعمل لما كنت صغيرة ؟!!!
أبتسمت عيناه قبل ثغره ليقترب منها أكثر ، و بالفعل أخذ يمسح على خصلاتها الحريرية بحنو لا يظهر إلا لها ، أغمضت "ملاذ" عيناها لتغرق بالنوم تحت دفء كفه ..!!!
• • • •
جلب "مازن" المأذون وبعضٍ من أصدقاءه ليشهدوا على تلك الزيجة ووالد احد اصدقائه ليكون وكيلها ، نبض قلبها بعنف عندما أمسكت بالقلم بيدٍ مرتعشة ، عيناها زائغة تريد أن تصرخ بأنها تتمنى الموت دون أن تصبح زوجته ، و بالفعل نهضت تحاول إجتناب نظراته النارية التي تحرقها ، ارتجفت شفتيها و هي تتمتم بنبرة مهتزة :
- أنا .. أنا داخله أشرب !!!!
ثم ركضت من أمامهم نحو المطبخ ، أستندت على الثلاجة بأنفاسٍ لاهثة و عينان أرتفعت إلى خالقها تنجوه هو الوحيد الذي سينتشلها مما بها ، كتمت شهقة باكية كادت أن تخرج بكفيها عندما وجدته أمامها ، قبض "مازن" على رسغيها ليلويهما أسفل ظهرها جاعلاً من جسدها ملتصق بجسده ، تصبب وجهها عرقاً لتلتصق بعض الخصلات القليلة بجبهتها ، و قبضته على رسغيها جعلتها تغمض عيناها من فرط الألم التي تشعر به !!
- لما أكلمك تُبصيلي !!!
هزت رأسها بعنف رافضة تماماً أن تفتح عيناها ليمسك بها من كتفيها ضارباً بظهرها بالثلاجة صارخاً بها بنبرة جعلت معدتها تتقلص خوفاً :
- بـقـولك لمـا أكلمك تُحطي عينك في عيني ..
فتحت عيناها وليتها لم تفعل ، نبض قلبها برعبٍ تحدث بوجهه عن كثب ، عيناه النارية و وجهه المشتنج و فكه الذي ينبض بغضب و جبهته الملتفة بشاش طبي ، لم تعد تشعر بأطرافها و لم تقوى حتى على الوقوف ، لو أنه لم يمسك بها بذلك العنف لكانت سقطت على الأرضية بقدمتان هلاميتان ، أمسك "مازن" بخصرها وباليد الأخرى تمسح دموعها الملتهبة لتزداد وجنتيها إلتهاباً وكأن أنامله نيران تهشم روحها لتتركها رُماداً منثوراً :
- أمسحي دموعك يا حلوة ، وياريت توفريهم بعد مـ اللي برا يمشوا ، مش عايزهم يفتكروا أنك مغصوبة على الجوازة ولا حاجة ..
أكمل ممسكاً بفكها حتى كاد أن يهمشمه :
- أنا خيرتك وقولتلك أخُد اللي عايزه منك بجواز شرعي و لا تبقي زيك زي أي فتاة ليل هاخد اللي عايزه و أرميكي في أقذر صندوق زباله و أنتِ متأكدة أني أقدر أعمل كدا !!! لسة الأختيار قدامك أنا مستعد أمّشي المأذون والناس كلها دي دلوقتي حالاً !!!
نفت برأسها بقوة و هي تقول و قد أنهمرت في البكاء :
- لاء خلاص .. خلاص همضي بس أرجوك أخويا نايم و لو صحي وشافني بالحالة دي هيتعب ..!!
حاوط وجنتيها قائلاً بإستهزاء لاذع :
- متخافيش يا حبيبتي و متعيطيش أنا مش بستحمل أشوف دموع التماسيح دي في عينك !!!!
ثم قهقه بصوت عالٍ ليصفع وجنتيها بخفة :
- يلا يا مراتي عشان المأذون ميستناش أكتر من كدا ..
جذب يدها بقوة جاراً إياها كالشاه ، جلست "فريدة" محلها مجدداً لتلقي نظرة على أخيها الذي لم يُكمل السبع سنوات غارقاً بالنوم على الأريكة ، خطت بالقلم على ورقة إعدامها شنقاً ..
أستقبل "مازن" المباركات بإبتسامة مغتصبة ، خرجوا جميعاً من الشقة ، ظلت "فريدة" محدقة بالفراغ بشفتين منفجرتين ، وقف "مازن" قبالته يجأر بأمرٍ محتوم :
- يلا عشان هنمشي من هنا !!!
نظرت له "فريدة" بصدمة قائلة :
- نمشي نروح فين !!!!
- مش عايز أسألة كتير .. تمشي معايا و أنتِ ساكتة !!!
قال "مازن" بحدة لتنظر "فريدة" إلى "يزيد" قائلة و هي على مشارف البكاء :
- طب و يزيد !!!
أشاح بيداه قائلاً بلا مبالة وقلبٍ متبلد :
- أرميه في أيه نيلة وديه عند جارتك اللي كنتي سايباه هناك !!!
- أنت مستحيل يكون عندك قلب !!!! مستحيل ..!
هتفت "فريدة" بلا تصديق و هي تعود للوراء ، تأفف "مازن" بغضب ليصرخ بها :
- م تنحزي يا ماما لسة هتعمليلي فيها شُغل الصعبانيات دة !!!!
نظرت به بكرهه حقيقي نابع من قلبها ، و قبل أن تخطو خطوة واحدة تمتمت :
- مش همشي قبل مـ تقولي دخلت هنا أزاي و أزاي ام بطة أدتهولك كدا بسهولة !!!
نظر لها "مازن" لتزحف إبتسامة خبيثة على ثغره و هو يقول بنبرة ماكرة :
- مع أن محدش يتشرط عليا عشان ممكن بسهولة أشيلك واحطك في عربيتي .. بس أنا هقولك ياستي ، بإختصار لما مشيت من المستشفى عرفت عنوانك و أنك بتسيبي أخوكي مع جارتكوا عشان بتثقي فيها و كل ده عرفته من مصادري الخاصة ، فتحتلي الست دي قولتلها أني خطيبك و أني عايز أعملك مفاجأة وقولتلها اننا هنكتب الكتاب النهاردة ، و طلبت منها يزيد و هي عشان ست كريمة أدتني كمان النسخة اللي سيبهالها من مفتاح بيتك عشان لو يزيد أحتاج حاجة من هنا ، خدت أخوكي وشربته منوم في العصير وبس ، عارفة أنا بحكيلك ليه ؟ عشان تعرفي أني لما بحُط حاجة في دماغي بعملها و أني حطيتك في دماغي خلاص يا فريدة !!!!
نفت برأسها تعود إلى الوراء أكثر و هي باتت تعلم أنه ليس شخص طبيعي أبداً ، أرتجف جسدها بأكمله وقد شعرت بخطورة ما سيحدث بها ف قررت أن تُسايره حتى لا تغضبه ، حملت أخيها بين أحضانها تقبل كل أنش بوجهه و دموعها بللت وجهه ، مسحت على خصلاته الناعمه لتلتفت إلى مازن الذي ينظر لها كالصقر و هي تقول :
- هروح أوديه عند جارتي ..
- أسـتـني !!!
زمجر بها بحدة ليمسكها من ذراعها مقرباً إياها منه و هو ينزل برأسه ليصبح مقابل لوجهها الطفولي قائلاً بتحذير :
- إياكي تجيبي سيرة لحد على اني اجبرتك ، أنا ممكن في 5 دقايق أخلي سمعتك ف الشارع دة أوسخ من أوسخ جزمة واقولهم ان انتي االي آآآ ..
بترت عبارته وهي تنفض يدها عنه ناظرة له بتقزز قائلة بملامح ممتعضة :
- أنا بكرهك وبكره النفس اللي بتتنفسه !!!!
أرجع رأسه إلى الوراء ليضع أحد كفيه في جيبه والأخرى يعبث بخصلاتها قائلاً بسُخرية :
- صدقيني مش أكتر من كُرهي ليكي ، يلا روحي و أعملي اللي أتفقنا عليه .. ولا تحبي أجي معاكي وأقولهم أنك بقيتي مراتي خلاص ؟!!
أبعدت رأسها عن مرمى يداه وهي تهز رأسها بعنف قائلة برجاء :
- لاء بالله عليك متقولش حاجة دلوقتي ، أقف هنا و أنا هديلها يزيد وهاجي معاك و هعملك اللي أنت عايزة بس بلاش سُمعتي تبوظ أرجوك الناس هنا مش بيرحموا !!!
إلتوى ثغره بخبث كالشيطان و ربما ألعن ، ليسطرد بتهكم :
- ماشي يا ست الشريفة أنا واقف هنا ومراقبك عشان متلعبيش بديلك و كويس أن باب جارتك دة جنبك هنا ...
أومأت ببطئ لتخطي خطوات بطيئة ، هي حتى لم تعد تستطيع حمل نفسها كيف لتحمل أخاها أيضاٌ ، لا تصدق أن حياتها ستتدمر بعد دقائق معدودة ، أتجهت نحو منزل جارتها لتطرق الباب ببطئ ، فتحت لها سيدة بدينة الجسد ذات وجهٍ بشوش لتقول مرحبة :
- يا أهلاً وسهلاً بـ فريدة ويزيد ، دة خطيبك لسة واخده مني من شوية عشان المفاجأة اللي هيعملهالك ..
ثم أكملت و هي تنظر للسقف بحالمية :
- يارب أرزق بطة بنتي بواحد قمر وطول بعرض و حليوة زي خطيبك يابنتي ما شاء الله عليه ربنا يخليكوا لبعض ..
تأفف "مازن" بالداخل لثرثرتها كحال "فريدة" التي بدأت قدميها تخور لتخبر جارتها سريعاً و هي تمد لها يدها بـ "يزيد" قائلة بنبرة واهنه :
- معلش يا أم بطة خلي يزيد عندك النهاردة و بكرة الصبح هاجي أخده منك عشان طلع عندي نبطشية سهر بس هخلصها وأجي أخده ..
ألتقطته الأخيرة قائلة بحب لذلك الصغير و حنو أموي :
- طبعاً يا حبيبتي دة يزيد دة حتة سكرة لما بتيجي تاخديه بزعل أوي والله ، ربنا يقويكي يابنتي على الشغل بس هو عينك حمرا ليه أنتِ معيطة يا حبيبتي ولا حاجة قوليلي دة أنا زي والدتك الله يرحمها ..
تمنت أن ترتمي بأحضانها لتبكي من هنا إلى الغد ف هي بالفعل بمثابة والدتها ، و لكن نظرت بطرف عيناها إلى "مازن" الذي يقف مراقباً إياها ، نظر لها بنظرة جعلتها لا تحاول حتى أن تفكر بما يجول بعقلها الأن ، رسمت إبتسامة زائفة على وجهها لم تصل لعيناها و هي تقول بوهنٍ :
- لاء يا أم بطة متقلقيش أنا بس نعسانه شوية ولما هروح المستشفى هنام ..
أومأت جارتها مودعة إياها و هي لا تستطيع إزاحة نظرها من على أخيها الصغير ، أغلقت "أم بطة" الباب ليتجه "مازن" صوبها بعينان لا تنتوي خيراً ، جرّها وراءه بعنف حتى كادت أن تنزلق من على الدرج و لكنه لم يعبأ ، خرجا من المبنى المتهالك ليفتح لها الباب دافعاً إياها داخل السيارة ، نظرت له "فريدة" بغضب صارخة و عيناها متعلقة به و هو يلتفت ليجلس خلف المقود :
- أنت بتجر بهيمة مـ براحة ..!!!!
أستشاط غضباً ليلتف و هو يصر على أسنانه بحدة رافعاً سبابته بوجهها :
- متصرخيش ومش عايز أسمع نفسك لحد مـ نوصل شقتي !!!
عقد ذراعيها أمام صدرها و هي تسبه بصوتٍ خافت :
- حيوان و وقح !!!!
لم يمسعها "مازن" لبنظر لها قائلاً بتساؤل حاد :
- بتبرطمي بتقولي أيه ؟!!!
نظرت له بتوترٍ لتقول بنبرة مهزوزة :
- مبقولش حاجة ممكن نمشي بقا ؟!
• • • •
فتحت عيناها المغرمة لتلتفت جانبها تنظر له بخجل شديد أكتسى حُمرة وجهها ، كان هو بدوره سانداً رأسه على كفه يحدق بوجهها عن قرب متلاعباً بخصلاتها ، أبتسامة جذابة تشق وجهه معطية إياه مظهر وسيم ، نكست "رهف" أنظارها أرضاً و هي تردف بنبرة مذبذبة :
- أنت بتبُصلي كدا ليه ؟!!
دفن وجهه بعنقها يشتم عبق خصلاتها برائحة اللافندر المنعشة و هو يهمس :
- أنا شكلي كدا حبيتك !!!!
جحظت عيناها ليتسمر جسدها و هي بيعده قائلة بذهول :
- أنت قولت أيـه !!!!
أمسك بكفيها يعانقهما بخاصته ليقبلهما قبلات رقيقة و هو يقول بصدقٍ نابع من صميم قلبه :
- أنا بحبك يا رهف .. يمكن الأول كنت بكرهك بس في حاجة بتجذبني ليكي ، لما بشوفك بتعيطي بحس أني مخنوق و عايز أكسر راس اللي خلى دموعك تنزل حتى لو كنت أنا ، وعد مني مش هخليكي تزعلي أبداً يا حبيبتي ..
أسند جبهته على جبتها مغمضاً عيناه كنا فعلت هي يداعب أنفها بخاصته ، أغرورقت حدقتيها بالدموع لتحاوط وجهه بأناملها تحدق به بسعادة غامرة ، لثم "باسل" شفتيها يبث بها عشقه اللامحدود لها و هي مستكينة تماماً بين ذراعيه ، صدح هاتفه برنين مزعج له .. نهض "باسل" ممسك بهاتفه الموضوع على الكومود ليضعه على أذنه مزمجراً بأخيه "ظافر" بحدة :
- في أيه يا ظافر حد يرن على حد و هو في شهر العسل !!!
- باسل أسمعني ..
لم تكن نبرته مازحة أبداً لينهض "باسل" و هو يخرج من الغرفة قائلاً بإنصات تام :
- في أيه ؟!!!
- لما كلمت مدير الجريدة الو*** اللي نشر الخبر دة قالي أنه اللي وصل الخبر مراتك يا باسل .. رهف !!!!!