رواية غمزة الفهد الفصل السادس 6 بقلم ياسمين الهجرسي
رواية(غمزة الفهد حب بالمصادفه) مسجله حصرى بأسمى ياسمين الهجرسى ممنوع منعا باتا النقل أو الاقتباس أو النشر فى اى موقع أو مدونه أو جروب او صفحه حتى ولو شخصيه من دون اذنى ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمسأله القانونيه
-----------------------
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
------------------------
لا تخاف من عتمة الليل بقدر خوفك من عتمة القلوب، فعتمة الليل تنجلي مع أول فجر، لكن للقلوب عتمة لا فجر لها........
-----------------------
الأمر الذى يعيشه الآن صدمه، فى أبشع كوابيسه لم يتخيل أن يرى هذا المنظر المفزع، مشهد مؤلم خارج نطاق استيعاب عقله، صراخ ونواح هو كل ما يحيط به، هلع وخوف الفلاحين القانطين للمزرعه، للوهله الأولى شُلت حواسه من فداحة الأمر... صوت أبيه يصرخ على العمال لإنقاذ النساء والاطفال، وصهيل الخيل الغاضبه، وخوار البهائم الفزعه، نفض عن رأسه بشاعة المنظر، ووضع نُصب عينه إنقاذ ما يمكن انقاذه.....
قفز "فهد" يقف وسط ألسنة النار يحاول فتح الأبواب المُئصده، ويعطى تعليماته للغفر لمساعدة الفلاحين...
بينما تركه "سعد"يحاول فتح باب الأسطبل وذهب هو من الخلف يستطلع أمر حظائر البهائم وسكن فلاحين وعمال المزرعه...
----------------------
الجار القريب خير من الأخ البعيد،
على الجانب الآخر، فى نفس الأثناء تقدم بهلع يُسرع للداخل كلا من عزت وأولاده "أحمد وعبدالله وغمزه"....
صاح عزت :
-- يالا ياولاد كل واحد ياخد طريق يحاول يساعد فى الكارثه دى، وخلى بالكم من نفسكم.....
بخوف رد عليه عبدالله :
--؛بلاش أنت يابابا صحتك مش هتستحمل .. واحنا هنا بدالك..
غضب الأب صائحا :
-- اخلص ياعبدالله مش وقت مجادله، الجار للجار يابنى...
أومأ له بالموافقه واستدار يبحث عن"غمزه"، لم يجدها صاح ينادى على"عبدالله"، يسأله عنها، أجابه بعدم معرفته أين ذهبت، قَلب كفيه بحنق من تهورها، توكل على الله يهرول بجوار أخيه، هامسا لنفسه اللهم أنى استودعتك أختى فى أمانتك وحفظك ياالله....
ترجل "أحمد وعبدالله" يمين ويسار يتفقدوا سكن الفلاحين وذويهم، يفتشوا بين الزرع والأشجار عن الحيوانات المصابه أو الأشخاص الجرحى لانقاذهم ومداوتهم......
------------------------
أما هى صدمتها لا تقل عنهم، منذ دلوفها لم تتوقف من الأساس للاستماع لهم، ظلت تركض للداخل تستكشف أين مصدر النيران، وصلت "غمزه" لتشاهد منظر تقشعر منه الأبدان، ألسنة النار تأكل كل ما يقابلها قلبت كفيها تحدث نفسها :
"اللهم أجرنا من النار وعذاب النار"..
"اللهم عافنا فيمن عافيت"..
"اللهم أجرنا فى مصيبتنا"...
مازالت على صدمتها ولكن الوضع لا يستحمل الذهول يجب سرعة التصرف... رمقت "فهد" يقف يملى أوامره للغفر، ويصيح بالعمال للإتصال بالأسعاف ورجال المطافى...
صاحت عليه بصراخ :
-- أنت واقف كده ليه .. منتظرهم هما اللي يكسروا الباب .. اتصرف الخيول مش هتستحمل الوقفه دى....
جحظت عيناه لرؤيتها أمامه فى هذا الوسط المبعثر...
صاح فهد بحده :
-- أنتى تاني .. بتعملي أيه هنا .. امشي من وشي مش ناقصه جنان....
يأس من فتح الباب، استدار يبعد عنها، أخرج سلاحه، وصوبه باتجاه الباب يفتحه صاح بأمر :
-- أبعد ياهريدى وبَعد الناس دى...
فُتحت الأبواب، وهرولت الأحصنه والبهائم فزعين من هول ما عاشوه بالداخل.... احتلت الصدمه معالم "فهد" وهو يرى حصانه *صخر* مجروح ينزف بغزاره، وجرحه غائر بطول جسمه من رقبته لذيله......
تيبث بأرضه حزنا على خله الوفى، ورفيق دربه، تسارعت أنفاسه، وضاق صدره، أوردته تشتعل غضباً، من جرأ على تلك الفعله....
لكزته "غمزه" فى زراعه حانقه من صمته وصاحت بإنفعال :
-- أنت مجنون ده مش وقت صدمتك .. اتصرف وخرج باقي الخيول .. وأنا هروح اشوف باقي المواشي......
بالفعل تركته وغادرت تهرول من حظيره لأخرى، تساعد الغفر والفلاحين فى إخراج البهائم، نجحت فى إنقاذ الكثير والكثير، ولكن أكثر ما آلامها البقره العُشر التى تحتضر أمامها ...
صاحت بفزع فى وجه الغفير :
-- بسرعه هات سكينه حاميه ..
صرخت به مره أخرى لتباطئه
-- بقولك بسرعه واقف زى الصنم ليه .. وأكيد في هنا جزار .. روح نادى عليه بسرعه....
هز الغفير رأسه بأسف قائلا :
-- أمرك يا دكتورة ..
وهرول يجرى يأتى بالجزار...
فى حين هى أخذت تمسد على بطن البقره بشفقه على حالها وهى تنازع من شدة الألم، هتفت تحدثها وكأنها انسان سيتفهم عليها :
-- متخافيش إن شاء الله ابنك هيبقى كويس .. سامحينى غصب عنى لو ضحيت بيكى .. بس عشان خاطر ابنك يعيش .. بدل ما أضحى بيكم أنتم الأتنين......
بعد قليل أتى الجزار قائلا :
-- أمرك يا دكتوره .. هي كده بتموت خلاص .. خساره اللي في بطنها....
بإنفعال صاحت غمزه :
-- أنت هتقف تتكلم كتير .. أنت هتدبحها، وأنا هفتح بطنها وأطلع العجل....
بخوف من حدة غضبها أجابها الجزار بطاعه :
-- أمرك يا دكتورة..
تناول عدة الذبح من جعبته، وذهب لتنفيذ أوامرها.... استمال بجزعه ودنى من رقبة البقره "سم الله" وذبح عنقها....
فى نفس الأثناء شقت "غمزة" بطنها، وحاولت إخراج وليدها..
هتفت للمساعده بصراخ :
-- تعالي شيل معايا بسرعه.....
تهادى إلى مسامع "فهد" صوتها الصارخ، تقدم نحو المكان الصادر منه الصراخ، ليصُدم من فعلتها وهيئتها جاثيه بجوار البقره ووليدها ....
صاح بعصبيه خوفا عليها :
-- أبعدى أنتى مش هتقدرى تشيليه..
مال صوب العجل يرفعه عنها، وبجواره الجزار يساعده فى انتشاله خارح رحم البقره....
فى حين استقامت تبتعد عنهم لتتيح لهم فرصه التحرك بحريه، فى اثناء استدارتها للوقوف، انزلقت قدميها، لتجثى واقعه على كفها تصطدم بنصل سكين الجزار الملقى أرضاً ليجرح كف يدها جرح غائر....
خرجت منها صرخه مدويه تعلن عن شدة الوخز..
أسرع لها "فهد" يتفقد أمرها، حاول أن يمسك يدها لكى يساعدها...
لكن ظلت "غمزه" قابضه على كف يدها لتوقف نزيف الدم...
أردف "فهد" بعصبيه يصاحبها قلق :
-- النزيف ده بيقول ان فيه جرح كبير .. وده مش وقت عناد وغباء....
سحبت كفها عنوه، وأعطته ظهرها مستديره توارى ألمها منه، وهتفت وهى تغادر المكان :
-- أنا كويسه .. يالا ورانا حاجات كتير .. أبعت حد يساعد الجزار .. وخليهم يسحبوا المواشي لأبعد مكان بعيد عن الدخان... تركته وفرت من أمامه....
أما عنه حدق بها فى ذهول....
رقيقه كالنسمه وقويه كالنمره....
بريئه حساسه كالأطفال....
شجاعه مقدامه كالرجال....
هرول ورائها يطالعها بحزم، لم يعطيها فرصة للرفض، قبض على كفها، وسحب من جيب سرواله منديله الخاص، ربط على جرحها، يضمده جيدا ليمنع تدفق النزيف.....
اندهشت من جرأته معها وحدجته بغضب، قطع تراشق النظرات بينهم
صوت الغفير هريدى يصيح قائلا :
-- ألحقنا يا"فهد" باشا .. أحنا مش لقين "صخر" الحصان بتاع جنابك....
---------------------
بعد قليل صدح بالأجواء صوت أبواق سيارات الأطفاء، وسرينة عربة الإسعاف، قام رجال الإطفاء بشد خراطيم المياه، وإخماد النيران المشتعله بسكن الفلاحين، والعمال القانطين بالمزرعه لادارة شؤون المصانع...
عاون "أحمد وعبدالله" رجال الإنقاذ فى إخلاء المزرعه من الفلاحين والعمال، بينما العمال الذين استطاعو الفرار من النيران وقفوا يساعدوهم فى انتشال المصابين ونقلهم لعربة الإسعاف.....
بدأت ألسنة النيران تنطفئ تدريجيا
ليهدئ الصراخ إلا من صوت بكاء يأتى من الخلف هرول "أحمد" يستطلع الأمر ليشاهد "سعد" و"عزت" يحاولان دفع باب مازال على وضعه النار به مشتعله..
صاح "أحمد" ينادى "عبدالله" :
-- الحق يا عبدالله في صوت أطفال بتعيط، وست بتصرخ جاي من هناك، وأبوك والحج "سعد" بيحاولوا يفتحوا الباب ومش عارفين...
هرول له "عبدالله" وهتف بفزع :
-- آه فعلا .. تعالى نساعدهم .. الباب مولع....
صاح "أحمد" ليجذب انتباهم :
-- أبعدوا أنتوا .. أنا هنط من الشباك وهحاول افتحه من جوه....
أومأوا له بالموافقه وبقوى منهكه وقفوا ينتظروه... لاحظ "عبدالله" علامات الإرهاق والاجهاد على والده، أخذ بيده يريحه على أقرب جذع شجره، وعمل بالمثل مع "سعد"..
بقلق على حالتهم الصحيه هتف أحمد :
-- يابابا أنت عملت اللى عليك انت وعمى "سعد" .. روحوا والبركه فى الشباب هيكملوا الباقى .. وهى خلاص تعتبر النار اتخمدت .. وقدرنا نسيطر عليها ..
أومأ له سعد قائلا :
-- اسمع كلام ابنك يا"عزت"، أنت تعبت معايا من بدرى ..أنت نفسك راح بسبب الدخان .. وأنا هطمن على العيله المصابه دى .. وهروح أشوف الحج عبدالجواد .. عشان أطمنه ميقلقش....
بأنفاس متقطعه عقب "عزت"
-- مفيش تعب ياسعد .. أحنا عشرة من زمان .. أخوات وأصحاب ياأبو"فهد" .. ربنا يواسيكم فى مصابكم .. قدر ولطف ياخويا .. وأن شاء الله تعرفوا أيه السبب .. دى أول مره تحصل حاجه زى كده بالبلد....
زفر "سعد" بتعب :
-- أكيد أخوات ياصاحبي .. ربنا يديم بنا المعروف .. ربنا يسهل والدنيا تهدى وهعرف أيه السبب ورا ده كله....
فى نفس الأثناء قفز "أحمد" من الشباك، وبعد عدة محاولات لتجنب النار، نجح فى إمساك مقبض الباب وفتحه، ليهرول له "عبدالله" يأخذ منه الأطفال...
بينما الأم كانت تحتضن نفسها خجلا من ملابسها الشفافه، انتبه "أحمد" للأمر ليلقى نظره على المكان وجد غطاء فى زاوية الغرفه لم تمسسه النار بعد، غض بصره وألقاه عليها، تمسكت به المرأه جيدا، لينتشلها "أحمد" من أرضها يساعدها أن تهرول للخارج، قبل انهيار الغرفه بالكامل.....
تنفسوا براحه بعد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تهادوا فى خطوتهم نتيجة إرهاقهم، وفى طريقهم تقابلوا مع "الحاج الراوى والحجه راضيه" يرتسم على محياهم الحزن والضيق بسبب ما حدث....
صدح بتعب الحج الراوى :
-- وصلتوا لفين يا"سعد" يابنى
بنبره مرهقه أجابه سعد :
-- الحمد لله ياحج .. الوضع تحت السيطره .. والخساير بسيطه .. مدام مجتش فى بنى أدمين .. يبقى الباقى مقدور عليه....
تطلع عزت إليهم قائلا بمواساه :
-- قدر الله وماشاء فعل ياحج .. حمد لله على سلامتكم .. كله فدى تراب رجليك أنت والحجه والحبايب.....
أومأ له الحج الراوى مردفا :
-- تشكر يا"عزت" يابنى على وقفتك أنت وولادك .. ربنا يحميهم ويحافظ لك عليهم....
وبالتبعيه أقبل عليهم "أحمد وعبدالله"، يقبلوا أيديهم باحترام، ويشاطروهم المواساه أيضا....
ترجلوا لخارج المزرعه، ليستمعوا لصياح فزع، صعقوا من هتاف الغفير القادم إليهم بهلع يخبرهم، بإصابة "صخر"حصان"فهد"...
ترنح الحج "الراوى" فى وقفته، استند سريعا على"سعد"، ليلحقه"عزت"..
هتفت الحجه "راضيه" بقلق :
-- خدوه على جوه هو من ساعة ما سمع الخبر وهو ضغطه عالى...
احتضنه "سعد"يمينا، و"عزت" يسارا، وغادروا المزرعه، بينما الشباب ذهبوا مع الغفير للبحث عن فهد وحصانه......
--------------------------
أما "مكيده" محراك الأذى والشر، تقف فى الشرفه تشاهد ما يحدث بقلب فرح سعيد، والضحكه تزين ثغرها لنجاح مخططها......
أغلقت باب الشرفه، ودلفت تبحث عن هاتفها، أمسكته تقبض عليه بغل، أدارت اتصال ليأتيها الرد بعد عدة رنات هتفت بغضب :
-- أنت يا وش البومه .. أنا قولتك أيه .. مش قولتك الحصان "صخر" بس .. أيه الخراب اللي أنت عملته في المزرعه...
برر رماح فعلته قائلا :
-- مكنش ينفع يا ستهم .. المزرعه كلها كاميرات .. وكان لازم أعطلهم وأنا ما ليش في الموضوع ده .. عملت ماس كهربي عشان يفصل الكاميرات .. لقيته مسك في مخزن السولار بتاع الجرارات .. وبدأت النار تاكل كل مخازن القمح والمواشي وكل اللي يقبلها...
وتابع يؤكد لها تنفيذ مطلبها الخسيس :
-- بس أنا دخلت للحصان وعملت اللي أنتى طلبتيه منى .. استحاله ينفع يعيش .. زمان "فهد" باشا ضربه بالنار......
احتد صوت مكيده وتعالى بعصبيه :
-- مفيش باشا يا ابن المركوب الا ريان ابني وبس .. غور يلا خذ شنطة الفلوس من مراتك لما تروحلك .. وإياك حد يشم خبر عن اللي انا قولتهولك .. رقبتك هي الثمن....
أغلقت الهاتف فى وجهه بغضب، وأدارت اتصال آخر ولكن على ابنها "ريان"، رن كثيرا بدون استجابه، ومع آخر رنين للإتصال رد عليها صوت فتاه ناعس.....
ردت عليها الفتاه بتكاسل نبرتها تدل على سكرها حتى الثماله :
-- مين أنتى .. بقالك ساعه بترني دوشتينى .. عاوزه أيه.....
بعدم استعنى لشخصها هاتفتها مكيده بغرور مقتضب :
-- فين ابني . أديني "ريان" اكلمه .. قوليله أمك.....
الفتاه بتأفف أجابتها :
-- أوف عليكي .. ست مزعجه .. "ريان" حبيبي نايم ..
وفعلت فعلتها فالأثنتان واجهان للخسه وعدم الشرف، أغلقت الهاتف فى وجهها، وألقته بعيدا واحتضنت النائم جوارها وغطت فى النوم. ....
لم يشغل تفكيرها كونه مع من أو ماذا يفعل، شاغلها الوحيد فرحتها بما أنجزته، حدث حالها بفرح :
-- أحسن أنه بعيد .. وكده بقى أنا عملت اللي أنا عاوزاه .. نكدت عليهم فرحتهم وحرقت قلب "فهد" علي "صخر".. أما أشوف هتفرحوا أزاى.........
-----------------------
بعد تفكير طويل، ومشاورات عميقه مع نفسها، بين أن تهبط تشاطرهم المواساه، حتى ولو بزيف،، أم تمكث فى غرفتها وتتصنع نومها دليل على عدم درايتها بما حدث، أخيرا عقدت أمرها أن تنزل تشمت فيهم قليلا وهى ترى مظاهر الحزن على وجههم....
هبطت ومقلتيها تلمع بدموع التماسيح، لتصطدم فى طريقها بالحجه "راضيه" جرت عليها تستقبلها بالأحضان تتصنع الزعل، هتفت بنبره باكيه أجادت فى تمثيلها :
-- مين ابن الحرام اللي عمل كده يا مرات عمي...
أخرجتها الحجه"راضيه" من صدرها بامتعاض، لم يدخل عليها حضن الحنيه ونبرة البكاء، حدقتها بسخريه، وقوست بين حاحبيها وهتفت بتهكم :
-- هو من جهة ابن حرام فهو ابن حرام .. مطمرش فيه عيشي وملحي......
صمتت لبرهه تزيد من التحديق بها، حكت ذقنها وأقتربت منها وأشارت بأصبع الإبهام أرضاً تحت قدميها دليل على توعدها وأردفت تسترسل :
-- بس وشرفي ما هسيبه وهدفنوا تحت رجلي .. عشان يعرف أن اللعب مع عيلة "الراوي" ثمنه روحه .. حتى لو كان له روح من روحي.....
تنفست بغضب تطحن على أسنانها هاتفه :
-- بقولك ايه يا"مكيده" نصيحه خلي بالك من نفسك أصل تاكلي أكل مسموم .. أو يجيلك طلقه طايشه ملهاش صاحب .. وتروحي في شربت ميه.....
اصطنعت"مكيده" البكاء قائله :
-- بعد الشر عليا يا مرات عمي .. أيه اللي بتقوليه ده .. أنا حتى لسه صغيره وحلوه....
رمقتها الحجه"راضيه" بمكر يشابه مكرها وأردفت :
-- لو شفتك في الفيلا النهارده هتخسري كثير يا"مكيده".. ونفسي شيطانك يقويكي وألمح خيالك...
ألقت عليها حديثها مما دب الذعر بقلبها، لتلمح ملامحها المذعوره، لتتأكد من ظنها، تركتها مستشاطه من رسالتها وغادرت تطمئن على زوجها، فهى تركته يستريح مع سعد وعزت يتبادلوا أطراف الحديث فيما حدث...
----------------------
فى خضم الأحداث تناسى"صخر" وجرحه، ليُنبه بفقدانه الغفير هريدى....
تعالى صياح "فهد" على الغفر قائلا بأمر :
-- يالا بسرعه تعالوا معايا ندور علي "صخر" لان جرحه كبير.....
استغربت غمزه صياحه وهتفت باستفهام :
-- لو سمحت مين "صخر" ده كمان...
أقبل عليها فهد يقف أمامها بجسد متشنج ، حدقها بغيظ، واضعا يده فى خصره، كتم أنفاسه وزفرها دفعه واحده وتحدث بعصبيه :
-- ده الحصان بتاعي .. ممكن تسيبيني أدور عليه .. لأنه كان مجروح وبينزف....
استدار يخطو بعيدا عنها، استوقفه اصطفاف الغفر دون حراك للبحث عن "صخر"....
صدح فيهم بغضب :
-- أخلص منك له .. واقفين تتفرجوا عليه...
تلعثم الغفير هريدى قائلا :
-- أمرك يا باشا .. يالا يا غفير منك له...
تركوه وغادروا مهرولين للبحث عن "صخر".....
بينما "غمزة" نمرتنا الشرسه لم تلقى بالاً لعصبيته وهتفت تأمره :
-- تمام بما أنهم راحو من الاتجاه ده .. أنت روح من الاتجاه ده .. وأشارت على نفسها، وأنا هروح من الاتجاه ده...
تابعت استرسال أوامرها وهى تشير عليه بأطراف أناملها :
-- بس ياريت بسرعه عشان حياته في خطر .. لأنه طول ما بينزف ده بيقلل فرصة نجاته..
استوقفها نظراته المستشاطه هتفت باقتضاب :
-- أنت بتبصلي كده ليه....
ضحك "فهد" بسخريه من ثقتها الزائده بنفسها، رفع ذقنه يقطم باطن شفتيه، واقترب منها وهو يرفع حاجبيه باندهاش من تصرفاتها وأردف بتهكم :
-- علي آخر الزمن مبقاش غير عقله الإصبع دى اللي هسمع كلامها...
تابع بسخريه :
-- أي أوامر تانيه تأمرى بيها خدامك المطيع .. فى أى حاجه تانيه ياهانم..
ارتبكت "غمزه" من قربه المهلك، ابتلعت لعابها وهتفت بتخدر :
-- لو سمحت أبعد شويه .. وأنا مش هرد عليك لأني مقدره الحاله النفسيه اللي انت فيها....
تلعثمت فى نهاية جملتها لتفر من أمامه مهروله تحدث نفسها :
-- هو عشان طويل .. وعنده عضلات ماشاء الله تهد جبل .. وضخم يتريق عليه .. أنا اللي عقله الاصبع ياأبو طويله .. روح شوف نفسك الأول....
ابتسمت بحالميه :
-- ده أنا حتي جنبك زى الأميره والوحش....
تيبثت قدميها عندما سمعت صياحه بأسم صخر...
همست لنفسها :
-- هتتخضي ليه ده صوته اللى زى صوت الرعد...
تابعت السير للأمام لتصطدم بجسد ضحم مطروح أرضا كادت تقع عليه نتيجة لظلام الليل..
أخفضت بصرها لتصرخ هاتفه :
-- أنا لقيت صخر .. أنا لقيت صخر...
جثت تجلس بجواره، وضعت يدها على جسده تستكشف جرحه، شفقت على حالته، فجرحه كبير وغائر، ينزف بشراهه، مطعون من أول رقبته لنهاية قدمه، مسدت برفق على رأسه، تطلع لعينيه الباكيه، لتبكى على بكاءه........
كفكفت دموعه وحدثته بنبره باكيه :
-- أنت جرحك كبير أوى .. مين اللي قدر يعمل في حصان جميل زيك كده....
زفرت شهقاتها الباكيه، وأخذت تملس علي شعره، تشعره بالأمان الذى بات يفتقده ..........
استفاقت علي صوت الغفير يصرخ بصوت جهور علي فهد قائلا :
-- يا"فهد"باشا .. "صخر" هنا مع اادكتوره.....
طوى الأرض تحت قدميه مهرولا حتى وصل لمكان"صخر" وجده مستلقي أرضا، يغوص فى بركة دماء، جثى "فهد" بجواره يحتضن رقبته، يجهر ببكاء ينتحب على ما أصاب رفيق دربه، لأول مره يبكى وينعى عزيز، وقعت عينيه على عينيها، تتطلع له بذهول من هيئته، شتان بين صلابته منذ قليل وقواه الضعيفه الهشه الآن، عينيها فاضت بالدمع فحالها لا يقل عنه حزنا على رفيقه...
رفع رأسه للسماء يصرخ بوجع :
-- الرحمه يارب .. ليه كده .. روح بريئه معملتش حاجه لحد .. ليه يحصل فيه كده.....
ربت على شعره بألم وهتف بنبره مختنقه :
-- أنا سميتك "صخر" عشان أنت أقوى حصان أنا شفته .. عشت معايا من وأنا صغير وكبرنا سوى .. ليه عاوز تحرمني منك دلوقت.....
سبحان من جعل الحيوان يتفهم على الإنسان، شعر "صخر" بألم فهد، تبادل معه نظرات العيون، ليترقرق الدمع يسيل على خديه، أغمض الحصان عينيه يودعهُ، وكأنه يقول له، حانت ساعة الفراق صديقى.....
وضع فهد رأسه برفق أرضا واستقام والحزن ينخر روحه، سحب سلاحه من خلف ظهره يصوبه ناحيته، ابتلع شهقته، وكتم تنفسه، قبض على زند السلاح بأيد مرتعشه، يجاهد نفسه لاطلاق النار ليريحه من عناء ألمه....
بدموع متحجره وقلب ينزف، تطلع لعينيه للمره الاخيره مردفا :
-- آسف يا"صخر" غصب عني .. لازم أريحك من الألم.....
شعور مؤلم أصاب قلبها، من المؤلم التنازل عن من نحبهم تحت مسمى الحب، مشهد يدمى القلوب عندما تضطر تضحى بحياة من تحب لإراحته من العذاب، قرار صعب وتوقيت أصعب، قررت أن تواجهه فى أصعب الأوقات وأشدها وطئه عليه ، هو الآن فى قمة انهياره، والتشابك معه غير محسوب العواقب، ولكن يجب التدخل سريعا، عوضا عن ارتكاب خطأ سيندم عليه طيلة حياته....
انتشلت "غمزه"حالها من شرودها، ووقفت أمامه تصرخ عليه تمنعه من قتله هتفت باستهجان :
-- مستحيل اسمحلك تضربه بالنار .. أنت فاكر نفسك قابض للأرواح ..
أنا هعالجه.....
تحالفت معه كل قوى شياطين الأنس والجن الآن للفتك بها، هى معتوهه لا شك، تقف أمامه تجادله فى قرار حُسم وانتهى.....
صرخ "فهد" بها عصبيته وأفعاله وصل للذروه، لا يوجد الآن ضبط نفس، هو خارج نطاق العقل، صديقه يحتضر بالبطيئ وعليه اراحته، وهى بلهاء تثرثر بالوقت الخطأ.....
غضبه تزايد وهى تزجه بعيدا عن "صخر"، سريعا حول مسار سلاحه على رأسها، أشار عليها بتهكم يخبط جبهتها بفوهته، وبصوت أجش صدح بسخريه :
-- مش عاوز لعب عيال ياشاطره ..
روحى العبى بعيد يا حلوه .. بقي أنتى اللي كنتي بتعيطي الصبح علي قطه .. دلوقتي هتعالجي حصان .. ومش أي حصان ده من سلاله نادره......
تصاعدت أنفاسه، واهتاج أكثر من صمودها أمامه دون خوف....
تعالى صياحه وعصبيته تفاقمت مردفا :
-- أنتى غبيه مبتفهميش .. أوعى من وشي بدل ما الرصاصه هضربها في دماغك....
بتحدى وكبرياء وقفت "غمزه" تطالعه بهدوء مستفز هاتفه :
-- ولو مبعدتش .. وريني تقدر تعمل أيه ...
أمسكت فوهة سلاحه وثبتتها على جبهتها مردفه بسخط :
-- لو عايز اضربها في دماغي .. بس الأول سيبنى أعالجه .. لو مقدرتش أرجعه زى الأول .. أبقي ساعتها اضربني بالنار .. أديني أسبوع واحد ولو قدرت أعالجه أنت اللي هتعمل اللي أنا أطلبه منك....
زجرها بعيد قائلا باستخفاف مؤلم :
-- مش لو عاش سبع دقائق مش أسبوع .. أبعدى من وشي حالا..
قالها ونبرته وصلت عنان السماء....
بثقه فى قدراتها هتفت:
-- أنا عارفه بقولك أيه .. ودلوقتي اتصرف وانقله العياده بتاعتي .. النقطه دى بتاعتك دى مهمتك .. عاوزاه في أقل من نص ساعه يكون في عيادتي....
تزينت معالم الدهشة وجهه قائلا :
-- عياده أيه أنتي دكتوره بيطريه....
استغرب من ضعف بنيتها كيف لها أن تكون طبيبة، والأدهى بيطريه، كيف لهذا الكائن الرقيق أن يتعامل مع الحيوانات....
بنبره تهكميه تابع :
-- أنا فكرتك آخرك تقدرى تعالجي قطه، كلب لولوه .. مش حصان بالملايين...
انفعلت من دهشته المبالغ فيها وتهكمه فى التقليل من شأنها هتفت بعصبيه :
-- آه وفيها أيه وأنت ليه بتتكلم باستغراب كده .. وبعدين اللي تعالج قطه .. تقدر تعالج حصان .. وتقدر تعالج باندا كمان....
استدارت تحدث نفسها مبتسمه:
-- جتك نيله وأنت شبه الزرافه......
دفع ظهرها بفوهة السلاح مردفا بحميه :
-- ماشى يا دكتوره .. لو منفذتيش اللي قولتى عليه...
سحب سلاحه يرفعه على رأسها اليابسه من وجهة نظره لتشبسها الدائم برأيها وتابع.......
راسك الحلوه دى هتطير وأنتى اللى اختارتي.....
لم تهتم لكلامه وبثقه أردفت :
-- بس أخلص بدل ما أنت بتضيع الوقت في كلام فارغ.....
حدقها بغيظ واستدار للغفر يصيح بأمر :
-- هاتوا العربيه وشيلوا الحصان فيها .. وهات رجاله كتير معاك عشان تقدر تساعدك وأنا اللي هسوق..
-----------------------
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
------------------------
لا تخاف من عتمة الليل بقدر خوفك من عتمة القلوب، فعتمة الليل تنجلي مع أول فجر، لكن للقلوب عتمة لا فجر لها........
-----------------------
الأمر الذى يعيشه الآن صدمه، فى أبشع كوابيسه لم يتخيل أن يرى هذا المنظر المفزع، مشهد مؤلم خارج نطاق استيعاب عقله، صراخ ونواح هو كل ما يحيط به، هلع وخوف الفلاحين القانطين للمزرعه، للوهله الأولى شُلت حواسه من فداحة الأمر... صوت أبيه يصرخ على العمال لإنقاذ النساء والاطفال، وصهيل الخيل الغاضبه، وخوار البهائم الفزعه، نفض عن رأسه بشاعة المنظر، ووضع نُصب عينه إنقاذ ما يمكن انقاذه.....
قفز "فهد" يقف وسط ألسنة النار يحاول فتح الأبواب المُئصده، ويعطى تعليماته للغفر لمساعدة الفلاحين...
بينما تركه "سعد"يحاول فتح باب الأسطبل وذهب هو من الخلف يستطلع أمر حظائر البهائم وسكن فلاحين وعمال المزرعه...
----------------------
الجار القريب خير من الأخ البعيد،
على الجانب الآخر، فى نفس الأثناء تقدم بهلع يُسرع للداخل كلا من عزت وأولاده "أحمد وعبدالله وغمزه"....
صاح عزت :
-- يالا ياولاد كل واحد ياخد طريق يحاول يساعد فى الكارثه دى، وخلى بالكم من نفسكم.....
بخوف رد عليه عبدالله :
--؛بلاش أنت يابابا صحتك مش هتستحمل .. واحنا هنا بدالك..
غضب الأب صائحا :
-- اخلص ياعبدالله مش وقت مجادله، الجار للجار يابنى...
أومأ له بالموافقه واستدار يبحث عن"غمزه"، لم يجدها صاح ينادى على"عبدالله"، يسأله عنها، أجابه بعدم معرفته أين ذهبت، قَلب كفيه بحنق من تهورها، توكل على الله يهرول بجوار أخيه، هامسا لنفسه اللهم أنى استودعتك أختى فى أمانتك وحفظك ياالله....
ترجل "أحمد وعبدالله" يمين ويسار يتفقدوا سكن الفلاحين وذويهم، يفتشوا بين الزرع والأشجار عن الحيوانات المصابه أو الأشخاص الجرحى لانقاذهم ومداوتهم......
------------------------
أما هى صدمتها لا تقل عنهم، منذ دلوفها لم تتوقف من الأساس للاستماع لهم، ظلت تركض للداخل تستكشف أين مصدر النيران، وصلت "غمزه" لتشاهد منظر تقشعر منه الأبدان، ألسنة النار تأكل كل ما يقابلها قلبت كفيها تحدث نفسها :
"اللهم أجرنا من النار وعذاب النار"..
"اللهم عافنا فيمن عافيت"..
"اللهم أجرنا فى مصيبتنا"...
مازالت على صدمتها ولكن الوضع لا يستحمل الذهول يجب سرعة التصرف... رمقت "فهد" يقف يملى أوامره للغفر، ويصيح بالعمال للإتصال بالأسعاف ورجال المطافى...
صاحت عليه بصراخ :
-- أنت واقف كده ليه .. منتظرهم هما اللي يكسروا الباب .. اتصرف الخيول مش هتستحمل الوقفه دى....
جحظت عيناه لرؤيتها أمامه فى هذا الوسط المبعثر...
صاح فهد بحده :
-- أنتى تاني .. بتعملي أيه هنا .. امشي من وشي مش ناقصه جنان....
يأس من فتح الباب، استدار يبعد عنها، أخرج سلاحه، وصوبه باتجاه الباب يفتحه صاح بأمر :
-- أبعد ياهريدى وبَعد الناس دى...
فُتحت الأبواب، وهرولت الأحصنه والبهائم فزعين من هول ما عاشوه بالداخل.... احتلت الصدمه معالم "فهد" وهو يرى حصانه *صخر* مجروح ينزف بغزاره، وجرحه غائر بطول جسمه من رقبته لذيله......
تيبث بأرضه حزنا على خله الوفى، ورفيق دربه، تسارعت أنفاسه، وضاق صدره، أوردته تشتعل غضباً، من جرأ على تلك الفعله....
لكزته "غمزه" فى زراعه حانقه من صمته وصاحت بإنفعال :
-- أنت مجنون ده مش وقت صدمتك .. اتصرف وخرج باقي الخيول .. وأنا هروح اشوف باقي المواشي......
بالفعل تركته وغادرت تهرول من حظيره لأخرى، تساعد الغفر والفلاحين فى إخراج البهائم، نجحت فى إنقاذ الكثير والكثير، ولكن أكثر ما آلامها البقره العُشر التى تحتضر أمامها ...
صاحت بفزع فى وجه الغفير :
-- بسرعه هات سكينه حاميه ..
صرخت به مره أخرى لتباطئه
-- بقولك بسرعه واقف زى الصنم ليه .. وأكيد في هنا جزار .. روح نادى عليه بسرعه....
هز الغفير رأسه بأسف قائلا :
-- أمرك يا دكتورة ..
وهرول يجرى يأتى بالجزار...
فى حين هى أخذت تمسد على بطن البقره بشفقه على حالها وهى تنازع من شدة الألم، هتفت تحدثها وكأنها انسان سيتفهم عليها :
-- متخافيش إن شاء الله ابنك هيبقى كويس .. سامحينى غصب عنى لو ضحيت بيكى .. بس عشان خاطر ابنك يعيش .. بدل ما أضحى بيكم أنتم الأتنين......
بعد قليل أتى الجزار قائلا :
-- أمرك يا دكتوره .. هي كده بتموت خلاص .. خساره اللي في بطنها....
بإنفعال صاحت غمزه :
-- أنت هتقف تتكلم كتير .. أنت هتدبحها، وأنا هفتح بطنها وأطلع العجل....
بخوف من حدة غضبها أجابها الجزار بطاعه :
-- أمرك يا دكتورة..
تناول عدة الذبح من جعبته، وذهب لتنفيذ أوامرها.... استمال بجزعه ودنى من رقبة البقره "سم الله" وذبح عنقها....
فى نفس الأثناء شقت "غمزة" بطنها، وحاولت إخراج وليدها..
هتفت للمساعده بصراخ :
-- تعالي شيل معايا بسرعه.....
تهادى إلى مسامع "فهد" صوتها الصارخ، تقدم نحو المكان الصادر منه الصراخ، ليصُدم من فعلتها وهيئتها جاثيه بجوار البقره ووليدها ....
صاح بعصبيه خوفا عليها :
-- أبعدى أنتى مش هتقدرى تشيليه..
مال صوب العجل يرفعه عنها، وبجواره الجزار يساعده فى انتشاله خارح رحم البقره....
فى حين استقامت تبتعد عنهم لتتيح لهم فرصه التحرك بحريه، فى اثناء استدارتها للوقوف، انزلقت قدميها، لتجثى واقعه على كفها تصطدم بنصل سكين الجزار الملقى أرضاً ليجرح كف يدها جرح غائر....
خرجت منها صرخه مدويه تعلن عن شدة الوخز..
أسرع لها "فهد" يتفقد أمرها، حاول أن يمسك يدها لكى يساعدها...
لكن ظلت "غمزه" قابضه على كف يدها لتوقف نزيف الدم...
أردف "فهد" بعصبيه يصاحبها قلق :
-- النزيف ده بيقول ان فيه جرح كبير .. وده مش وقت عناد وغباء....
سحبت كفها عنوه، وأعطته ظهرها مستديره توارى ألمها منه، وهتفت وهى تغادر المكان :
-- أنا كويسه .. يالا ورانا حاجات كتير .. أبعت حد يساعد الجزار .. وخليهم يسحبوا المواشي لأبعد مكان بعيد عن الدخان... تركته وفرت من أمامه....
أما عنه حدق بها فى ذهول....
رقيقه كالنسمه وقويه كالنمره....
بريئه حساسه كالأطفال....
شجاعه مقدامه كالرجال....
هرول ورائها يطالعها بحزم، لم يعطيها فرصة للرفض، قبض على كفها، وسحب من جيب سرواله منديله الخاص، ربط على جرحها، يضمده جيدا ليمنع تدفق النزيف.....
اندهشت من جرأته معها وحدجته بغضب، قطع تراشق النظرات بينهم
صوت الغفير هريدى يصيح قائلا :
-- ألحقنا يا"فهد" باشا .. أحنا مش لقين "صخر" الحصان بتاع جنابك....
---------------------
بعد قليل صدح بالأجواء صوت أبواق سيارات الأطفاء، وسرينة عربة الإسعاف، قام رجال الإطفاء بشد خراطيم المياه، وإخماد النيران المشتعله بسكن الفلاحين، والعمال القانطين بالمزرعه لادارة شؤون المصانع...
عاون "أحمد وعبدالله" رجال الإنقاذ فى إخلاء المزرعه من الفلاحين والعمال، بينما العمال الذين استطاعو الفرار من النيران وقفوا يساعدوهم فى انتشال المصابين ونقلهم لعربة الإسعاف.....
بدأت ألسنة النيران تنطفئ تدريجيا
ليهدئ الصراخ إلا من صوت بكاء يأتى من الخلف هرول "أحمد" يستطلع الأمر ليشاهد "سعد" و"عزت" يحاولان دفع باب مازال على وضعه النار به مشتعله..
صاح "أحمد" ينادى "عبدالله" :
-- الحق يا عبدالله في صوت أطفال بتعيط، وست بتصرخ جاي من هناك، وأبوك والحج "سعد" بيحاولوا يفتحوا الباب ومش عارفين...
هرول له "عبدالله" وهتف بفزع :
-- آه فعلا .. تعالى نساعدهم .. الباب مولع....
صاح "أحمد" ليجذب انتباهم :
-- أبعدوا أنتوا .. أنا هنط من الشباك وهحاول افتحه من جوه....
أومأوا له بالموافقه وبقوى منهكه وقفوا ينتظروه... لاحظ "عبدالله" علامات الإرهاق والاجهاد على والده، أخذ بيده يريحه على أقرب جذع شجره، وعمل بالمثل مع "سعد"..
بقلق على حالتهم الصحيه هتف أحمد :
-- يابابا أنت عملت اللى عليك انت وعمى "سعد" .. روحوا والبركه فى الشباب هيكملوا الباقى .. وهى خلاص تعتبر النار اتخمدت .. وقدرنا نسيطر عليها ..
أومأ له سعد قائلا :
-- اسمع كلام ابنك يا"عزت"، أنت تعبت معايا من بدرى ..أنت نفسك راح بسبب الدخان .. وأنا هطمن على العيله المصابه دى .. وهروح أشوف الحج عبدالجواد .. عشان أطمنه ميقلقش....
بأنفاس متقطعه عقب "عزت"
-- مفيش تعب ياسعد .. أحنا عشرة من زمان .. أخوات وأصحاب ياأبو"فهد" .. ربنا يواسيكم فى مصابكم .. قدر ولطف ياخويا .. وأن شاء الله تعرفوا أيه السبب .. دى أول مره تحصل حاجه زى كده بالبلد....
زفر "سعد" بتعب :
-- أكيد أخوات ياصاحبي .. ربنا يديم بنا المعروف .. ربنا يسهل والدنيا تهدى وهعرف أيه السبب ورا ده كله....
فى نفس الأثناء قفز "أحمد" من الشباك، وبعد عدة محاولات لتجنب النار، نجح فى إمساك مقبض الباب وفتحه، ليهرول له "عبدالله" يأخذ منه الأطفال...
بينما الأم كانت تحتضن نفسها خجلا من ملابسها الشفافه، انتبه "أحمد" للأمر ليلقى نظره على المكان وجد غطاء فى زاوية الغرفه لم تمسسه النار بعد، غض بصره وألقاه عليها، تمسكت به المرأه جيدا، لينتشلها "أحمد" من أرضها يساعدها أن تهرول للخارج، قبل انهيار الغرفه بالكامل.....
تنفسوا براحه بعد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تهادوا فى خطوتهم نتيجة إرهاقهم، وفى طريقهم تقابلوا مع "الحاج الراوى والحجه راضيه" يرتسم على محياهم الحزن والضيق بسبب ما حدث....
صدح بتعب الحج الراوى :
-- وصلتوا لفين يا"سعد" يابنى
بنبره مرهقه أجابه سعد :
-- الحمد لله ياحج .. الوضع تحت السيطره .. والخساير بسيطه .. مدام مجتش فى بنى أدمين .. يبقى الباقى مقدور عليه....
تطلع عزت إليهم قائلا بمواساه :
-- قدر الله وماشاء فعل ياحج .. حمد لله على سلامتكم .. كله فدى تراب رجليك أنت والحجه والحبايب.....
أومأ له الحج الراوى مردفا :
-- تشكر يا"عزت" يابنى على وقفتك أنت وولادك .. ربنا يحميهم ويحافظ لك عليهم....
وبالتبعيه أقبل عليهم "أحمد وعبدالله"، يقبلوا أيديهم باحترام، ويشاطروهم المواساه أيضا....
ترجلوا لخارج المزرعه، ليستمعوا لصياح فزع، صعقوا من هتاف الغفير القادم إليهم بهلع يخبرهم، بإصابة "صخر"حصان"فهد"...
ترنح الحج "الراوى" فى وقفته، استند سريعا على"سعد"، ليلحقه"عزت"..
هتفت الحجه "راضيه" بقلق :
-- خدوه على جوه هو من ساعة ما سمع الخبر وهو ضغطه عالى...
احتضنه "سعد"يمينا، و"عزت" يسارا، وغادروا المزرعه، بينما الشباب ذهبوا مع الغفير للبحث عن فهد وحصانه......
--------------------------
أما "مكيده" محراك الأذى والشر، تقف فى الشرفه تشاهد ما يحدث بقلب فرح سعيد، والضحكه تزين ثغرها لنجاح مخططها......
أغلقت باب الشرفه، ودلفت تبحث عن هاتفها، أمسكته تقبض عليه بغل، أدارت اتصال ليأتيها الرد بعد عدة رنات هتفت بغضب :
-- أنت يا وش البومه .. أنا قولتك أيه .. مش قولتك الحصان "صخر" بس .. أيه الخراب اللي أنت عملته في المزرعه...
برر رماح فعلته قائلا :
-- مكنش ينفع يا ستهم .. المزرعه كلها كاميرات .. وكان لازم أعطلهم وأنا ما ليش في الموضوع ده .. عملت ماس كهربي عشان يفصل الكاميرات .. لقيته مسك في مخزن السولار بتاع الجرارات .. وبدأت النار تاكل كل مخازن القمح والمواشي وكل اللي يقبلها...
وتابع يؤكد لها تنفيذ مطلبها الخسيس :
-- بس أنا دخلت للحصان وعملت اللي أنتى طلبتيه منى .. استحاله ينفع يعيش .. زمان "فهد" باشا ضربه بالنار......
احتد صوت مكيده وتعالى بعصبيه :
-- مفيش باشا يا ابن المركوب الا ريان ابني وبس .. غور يلا خذ شنطة الفلوس من مراتك لما تروحلك .. وإياك حد يشم خبر عن اللي انا قولتهولك .. رقبتك هي الثمن....
أغلقت الهاتف فى وجهه بغضب، وأدارت اتصال آخر ولكن على ابنها "ريان"، رن كثيرا بدون استجابه، ومع آخر رنين للإتصال رد عليها صوت فتاه ناعس.....
ردت عليها الفتاه بتكاسل نبرتها تدل على سكرها حتى الثماله :
-- مين أنتى .. بقالك ساعه بترني دوشتينى .. عاوزه أيه.....
بعدم استعنى لشخصها هاتفتها مكيده بغرور مقتضب :
-- فين ابني . أديني "ريان" اكلمه .. قوليله أمك.....
الفتاه بتأفف أجابتها :
-- أوف عليكي .. ست مزعجه .. "ريان" حبيبي نايم ..
وفعلت فعلتها فالأثنتان واجهان للخسه وعدم الشرف، أغلقت الهاتف فى وجهها، وألقته بعيدا واحتضنت النائم جوارها وغطت فى النوم. ....
لم يشغل تفكيرها كونه مع من أو ماذا يفعل، شاغلها الوحيد فرحتها بما أنجزته، حدث حالها بفرح :
-- أحسن أنه بعيد .. وكده بقى أنا عملت اللي أنا عاوزاه .. نكدت عليهم فرحتهم وحرقت قلب "فهد" علي "صخر".. أما أشوف هتفرحوا أزاى.........
-----------------------
بعد تفكير طويل، ومشاورات عميقه مع نفسها، بين أن تهبط تشاطرهم المواساه، حتى ولو بزيف،، أم تمكث فى غرفتها وتتصنع نومها دليل على عدم درايتها بما حدث، أخيرا عقدت أمرها أن تنزل تشمت فيهم قليلا وهى ترى مظاهر الحزن على وجههم....
هبطت ومقلتيها تلمع بدموع التماسيح، لتصطدم فى طريقها بالحجه "راضيه" جرت عليها تستقبلها بالأحضان تتصنع الزعل، هتفت بنبره باكيه أجادت فى تمثيلها :
-- مين ابن الحرام اللي عمل كده يا مرات عمي...
أخرجتها الحجه"راضيه" من صدرها بامتعاض، لم يدخل عليها حضن الحنيه ونبرة البكاء، حدقتها بسخريه، وقوست بين حاحبيها وهتفت بتهكم :
-- هو من جهة ابن حرام فهو ابن حرام .. مطمرش فيه عيشي وملحي......
صمتت لبرهه تزيد من التحديق بها، حكت ذقنها وأقتربت منها وأشارت بأصبع الإبهام أرضاً تحت قدميها دليل على توعدها وأردفت تسترسل :
-- بس وشرفي ما هسيبه وهدفنوا تحت رجلي .. عشان يعرف أن اللعب مع عيلة "الراوي" ثمنه روحه .. حتى لو كان له روح من روحي.....
تنفست بغضب تطحن على أسنانها هاتفه :
-- بقولك ايه يا"مكيده" نصيحه خلي بالك من نفسك أصل تاكلي أكل مسموم .. أو يجيلك طلقه طايشه ملهاش صاحب .. وتروحي في شربت ميه.....
اصطنعت"مكيده" البكاء قائله :
-- بعد الشر عليا يا مرات عمي .. أيه اللي بتقوليه ده .. أنا حتى لسه صغيره وحلوه....
رمقتها الحجه"راضيه" بمكر يشابه مكرها وأردفت :
-- لو شفتك في الفيلا النهارده هتخسري كثير يا"مكيده".. ونفسي شيطانك يقويكي وألمح خيالك...
ألقت عليها حديثها مما دب الذعر بقلبها، لتلمح ملامحها المذعوره، لتتأكد من ظنها، تركتها مستشاطه من رسالتها وغادرت تطمئن على زوجها، فهى تركته يستريح مع سعد وعزت يتبادلوا أطراف الحديث فيما حدث...
----------------------
فى خضم الأحداث تناسى"صخر" وجرحه، ليُنبه بفقدانه الغفير هريدى....
تعالى صياح "فهد" على الغفر قائلا بأمر :
-- يالا بسرعه تعالوا معايا ندور علي "صخر" لان جرحه كبير.....
استغربت غمزه صياحه وهتفت باستفهام :
-- لو سمحت مين "صخر" ده كمان...
أقبل عليها فهد يقف أمامها بجسد متشنج ، حدقها بغيظ، واضعا يده فى خصره، كتم أنفاسه وزفرها دفعه واحده وتحدث بعصبيه :
-- ده الحصان بتاعي .. ممكن تسيبيني أدور عليه .. لأنه كان مجروح وبينزف....
استدار يخطو بعيدا عنها، استوقفه اصطفاف الغفر دون حراك للبحث عن "صخر"....
صدح فيهم بغضب :
-- أخلص منك له .. واقفين تتفرجوا عليه...
تلعثم الغفير هريدى قائلا :
-- أمرك يا باشا .. يالا يا غفير منك له...
تركوه وغادروا مهرولين للبحث عن "صخر".....
بينما "غمزة" نمرتنا الشرسه لم تلقى بالاً لعصبيته وهتفت تأمره :
-- تمام بما أنهم راحو من الاتجاه ده .. أنت روح من الاتجاه ده .. وأشارت على نفسها، وأنا هروح من الاتجاه ده...
تابعت استرسال أوامرها وهى تشير عليه بأطراف أناملها :
-- بس ياريت بسرعه عشان حياته في خطر .. لأنه طول ما بينزف ده بيقلل فرصة نجاته..
استوقفها نظراته المستشاطه هتفت باقتضاب :
-- أنت بتبصلي كده ليه....
ضحك "فهد" بسخريه من ثقتها الزائده بنفسها، رفع ذقنه يقطم باطن شفتيه، واقترب منها وهو يرفع حاجبيه باندهاش من تصرفاتها وأردف بتهكم :
-- علي آخر الزمن مبقاش غير عقله الإصبع دى اللي هسمع كلامها...
تابع بسخريه :
-- أي أوامر تانيه تأمرى بيها خدامك المطيع .. فى أى حاجه تانيه ياهانم..
ارتبكت "غمزه" من قربه المهلك، ابتلعت لعابها وهتفت بتخدر :
-- لو سمحت أبعد شويه .. وأنا مش هرد عليك لأني مقدره الحاله النفسيه اللي انت فيها....
تلعثمت فى نهاية جملتها لتفر من أمامه مهروله تحدث نفسها :
-- هو عشان طويل .. وعنده عضلات ماشاء الله تهد جبل .. وضخم يتريق عليه .. أنا اللي عقله الاصبع ياأبو طويله .. روح شوف نفسك الأول....
ابتسمت بحالميه :
-- ده أنا حتي جنبك زى الأميره والوحش....
تيبثت قدميها عندما سمعت صياحه بأسم صخر...
همست لنفسها :
-- هتتخضي ليه ده صوته اللى زى صوت الرعد...
تابعت السير للأمام لتصطدم بجسد ضحم مطروح أرضا كادت تقع عليه نتيجة لظلام الليل..
أخفضت بصرها لتصرخ هاتفه :
-- أنا لقيت صخر .. أنا لقيت صخر...
جثت تجلس بجواره، وضعت يدها على جسده تستكشف جرحه، شفقت على حالته، فجرحه كبير وغائر، ينزف بشراهه، مطعون من أول رقبته لنهاية قدمه، مسدت برفق على رأسه، تطلع لعينيه الباكيه، لتبكى على بكاءه........
كفكفت دموعه وحدثته بنبره باكيه :
-- أنت جرحك كبير أوى .. مين اللي قدر يعمل في حصان جميل زيك كده....
زفرت شهقاتها الباكيه، وأخذت تملس علي شعره، تشعره بالأمان الذى بات يفتقده ..........
استفاقت علي صوت الغفير يصرخ بصوت جهور علي فهد قائلا :
-- يا"فهد"باشا .. "صخر" هنا مع اادكتوره.....
طوى الأرض تحت قدميه مهرولا حتى وصل لمكان"صخر" وجده مستلقي أرضا، يغوص فى بركة دماء، جثى "فهد" بجواره يحتضن رقبته، يجهر ببكاء ينتحب على ما أصاب رفيق دربه، لأول مره يبكى وينعى عزيز، وقعت عينيه على عينيها، تتطلع له بذهول من هيئته، شتان بين صلابته منذ قليل وقواه الضعيفه الهشه الآن، عينيها فاضت بالدمع فحالها لا يقل عنه حزنا على رفيقه...
رفع رأسه للسماء يصرخ بوجع :
-- الرحمه يارب .. ليه كده .. روح بريئه معملتش حاجه لحد .. ليه يحصل فيه كده.....
ربت على شعره بألم وهتف بنبره مختنقه :
-- أنا سميتك "صخر" عشان أنت أقوى حصان أنا شفته .. عشت معايا من وأنا صغير وكبرنا سوى .. ليه عاوز تحرمني منك دلوقت.....
سبحان من جعل الحيوان يتفهم على الإنسان، شعر "صخر" بألم فهد، تبادل معه نظرات العيون، ليترقرق الدمع يسيل على خديه، أغمض الحصان عينيه يودعهُ، وكأنه يقول له، حانت ساعة الفراق صديقى.....
وضع فهد رأسه برفق أرضا واستقام والحزن ينخر روحه، سحب سلاحه من خلف ظهره يصوبه ناحيته، ابتلع شهقته، وكتم تنفسه، قبض على زند السلاح بأيد مرتعشه، يجاهد نفسه لاطلاق النار ليريحه من عناء ألمه....
بدموع متحجره وقلب ينزف، تطلع لعينيه للمره الاخيره مردفا :
-- آسف يا"صخر" غصب عني .. لازم أريحك من الألم.....
شعور مؤلم أصاب قلبها، من المؤلم التنازل عن من نحبهم تحت مسمى الحب، مشهد يدمى القلوب عندما تضطر تضحى بحياة من تحب لإراحته من العذاب، قرار صعب وتوقيت أصعب، قررت أن تواجهه فى أصعب الأوقات وأشدها وطئه عليه ، هو الآن فى قمة انهياره، والتشابك معه غير محسوب العواقب، ولكن يجب التدخل سريعا، عوضا عن ارتكاب خطأ سيندم عليه طيلة حياته....
انتشلت "غمزه"حالها من شرودها، ووقفت أمامه تصرخ عليه تمنعه من قتله هتفت باستهجان :
-- مستحيل اسمحلك تضربه بالنار .. أنت فاكر نفسك قابض للأرواح ..
أنا هعالجه.....
تحالفت معه كل قوى شياطين الأنس والجن الآن للفتك بها، هى معتوهه لا شك، تقف أمامه تجادله فى قرار حُسم وانتهى.....
صرخ "فهد" بها عصبيته وأفعاله وصل للذروه، لا يوجد الآن ضبط نفس، هو خارج نطاق العقل، صديقه يحتضر بالبطيئ وعليه اراحته، وهى بلهاء تثرثر بالوقت الخطأ.....
غضبه تزايد وهى تزجه بعيدا عن "صخر"، سريعا حول مسار سلاحه على رأسها، أشار عليها بتهكم يخبط جبهتها بفوهته، وبصوت أجش صدح بسخريه :
-- مش عاوز لعب عيال ياشاطره ..
روحى العبى بعيد يا حلوه .. بقي أنتى اللي كنتي بتعيطي الصبح علي قطه .. دلوقتي هتعالجي حصان .. ومش أي حصان ده من سلاله نادره......
تصاعدت أنفاسه، واهتاج أكثر من صمودها أمامه دون خوف....
تعالى صياحه وعصبيته تفاقمت مردفا :
-- أنتى غبيه مبتفهميش .. أوعى من وشي بدل ما الرصاصه هضربها في دماغك....
بتحدى وكبرياء وقفت "غمزه" تطالعه بهدوء مستفز هاتفه :
-- ولو مبعدتش .. وريني تقدر تعمل أيه ...
أمسكت فوهة سلاحه وثبتتها على جبهتها مردفه بسخط :
-- لو عايز اضربها في دماغي .. بس الأول سيبنى أعالجه .. لو مقدرتش أرجعه زى الأول .. أبقي ساعتها اضربني بالنار .. أديني أسبوع واحد ولو قدرت أعالجه أنت اللي هتعمل اللي أنا أطلبه منك....
زجرها بعيد قائلا باستخفاف مؤلم :
-- مش لو عاش سبع دقائق مش أسبوع .. أبعدى من وشي حالا..
قالها ونبرته وصلت عنان السماء....
بثقه فى قدراتها هتفت:
-- أنا عارفه بقولك أيه .. ودلوقتي اتصرف وانقله العياده بتاعتي .. النقطه دى بتاعتك دى مهمتك .. عاوزاه في أقل من نص ساعه يكون في عيادتي....
تزينت معالم الدهشة وجهه قائلا :
-- عياده أيه أنتي دكتوره بيطريه....
استغرب من ضعف بنيتها كيف لها أن تكون طبيبة، والأدهى بيطريه، كيف لهذا الكائن الرقيق أن يتعامل مع الحيوانات....
بنبره تهكميه تابع :
-- أنا فكرتك آخرك تقدرى تعالجي قطه، كلب لولوه .. مش حصان بالملايين...
انفعلت من دهشته المبالغ فيها وتهكمه فى التقليل من شأنها هتفت بعصبيه :
-- آه وفيها أيه وأنت ليه بتتكلم باستغراب كده .. وبعدين اللي تعالج قطه .. تقدر تعالج حصان .. وتقدر تعالج باندا كمان....
استدارت تحدث نفسها مبتسمه:
-- جتك نيله وأنت شبه الزرافه......
دفع ظهرها بفوهة السلاح مردفا بحميه :
-- ماشى يا دكتوره .. لو منفذتيش اللي قولتى عليه...
سحب سلاحه يرفعه على رأسها اليابسه من وجهة نظره لتشبسها الدائم برأيها وتابع.......
راسك الحلوه دى هتطير وأنتى اللى اختارتي.....
لم تهتم لكلامه وبثقه أردفت :
-- بس أخلص بدل ما أنت بتضيع الوقت في كلام فارغ.....
حدقها بغيظ واستدار للغفر يصيح بأمر :
-- هاتوا العربيه وشيلوا الحصان فيها .. وهات رجاله كتير معاك عشان تقدر تساعدك وأنا اللي هسوق..