رواية غمزة الفهد الفصل الخامس 5 بقلم ياسمين الهجرسي
رواية(غمزة الفهد حب بالمصادفه) مسجله حصرى بأسمى ياسمين الهجرسى ممنوع منعا باتا النقل أو الاقتباس أو النشر فى اى موقع أو مدونه أو جروب او صفحه حتى ولو شخصيه من دون اذنى ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمسأله القانونيه
-------------------------
سبحان الله وبحمدهسبحان الله العظيم
------------------------
يرحل البشر وتتحلل الأجساد، لكن تبقى السيرة الحسنة والذكر الطيب.
تزينت الأجواء وتعطرت للاحتفال بعودة الحفيد الأكبر لعائلة الراوى.. وها هو الجد "عبدالجواد الراوى" يجلس على رأس مجلسه بهيبه ووقار فدوماً مجلسه محط الأنظار،
وها هو الحفيد يجلس بعزة وفخر فى كنف جده وأبيه يستقبل المتوافدين على الإحتفال.. الأهل والأصدقاء القريب والغريب الكل بلا استثاء لا يجرؤ أحد على تضييع فرصة شرف حضور مجلس يقيمه الراوى الكبير، فما اذا كان هذا الاحتفال يقام على شرف حفيده، ولسيط العائله وقوتها وسمعتها الحسنه وأصلها العريق، كان على رأس الحضور المحافظ ولفيف من نواب المجالس وعُمد البلاد المجاورة يقدمون التهانى والمباركات..
مرء الوقت فى تبادل الأحاديث عن الصحه والأحوال والسؤال عن خططه لمشاريعه القادمه التى كالعاده تخدم البلده، ومع البهجه التى تعم الأجواء داهمهم أحد الحضور اذا كان الحفيد فى نيته الاستقرار، لتتعالى الضحكات ليقول هو لما الاستعجال أمر الله ليس بأت بعد، لينتهى الحفل بمغادرة المدعوين....
بقوى منهكه استقاموا يترجلوا للداخل،يستريحوا بعد عناء يوم طويل وشاق....
وبعيداً عن قاعه الجلوس العائليه دلف الرجال للصالون، للاستراحة بعيد عن الازعاج، اتخذ كلا منهم متكئ يجلس عليه، يحتسوا القهوه التى أمر "سعد" بعملها لم يمرء الكثير ليصفع الباب بدون استئذان...
اقتحم مجلسهم بوجه مكفهر، بعد أن تباطئ فى الدخول معهم، ليتناول سطر من البودره المخدره، بغرور وتكبر جلس منزلق الظهر على مخدع المقعد، يحدقهم بامتعاض يضع ساق على ساق، وليزيد الصوره قبح أخرج سيجاره يضعها بفمه يسحب منها دخانها يزفره فى الهواء ليتطاير فى وجه جده وأبيه...
بدهشه رمقه "فهد" هاتفا باستفهام :
-- أنت بتشرب سجاير من أمتي...
بعصبيه أجابه "ريان" :
-- وأنت مالك .. ما أنت كمان بتشرب سجاير .. والله أعلم أيه كمان......
استقام "فهد" باستهجان مردفا بعصبيه :
-- أنت مالك .. ليه بقيت كده عصبي وجاف ومتقلب .. ليه اتغيرت كده .. حتي لو أنا بشرب سجاير .. بس عمرى ما شربت قدام جدك وابوك .. ولا حطيت رجلي في وشهم زيك .. ومالها ريحة بوقك وحشه كده ليه .. شكلها مش على قد السجاير العاديه وبس .. انت اتجننت أكيد وصلت للانحدار ده أمتى......
-----------------------
عند النساء فى الخارج استمعوا صوت صياحهم، قفزت القلوب هلعا على الأخوات، والخوف مما هو آت، لم تتمالك نفسها ولم تهتم لأمر حديث أمها، كل ما يشغلها الرد على إهانته لها، وانطلقت تدفع الباب تهرول بالدخول....
صدحت "فجر" تقطع مجلسهم بالا استئذان لتصيح بانفعال :
-- وكمان ضرب "زينه" وبهدلها .. وعلى طول بيضربنا .. وماما منعَ أننا ندخل.. أو نقول لبابا أو جدو....
جحظت الأعين لما تفوهت به "فجر"، أين هم مما يحدث تحت سقفهم، غص قلب الجد والأب...
قطع صدمتهم استهجان فهد قائلا :
-- من أمتى بنضرب أخوتنا البنات .. أنت اتجننت وشكلي هربيك من جديد.....
بسخريه تطلع له "ريان" وبنبرة جافه قال :
-- أنت هتعيش دور الكبير ولا أيه .. فوق لنفسك .. مش عشان أبوك وجدك واقفين في ضهرك هتعمل عليا كبير ..
لوهله حق نفسه، وفى ذاتها تلبسه شيطانه الذى وسوس له بَسُمْ الحيه التى تغويه، دفعه بعدم أكتراث، وغادر يسابق ظله......
------------------------
استدار "فهد" يقلب كفيه بدهشه من تصرفات أخيه، ليطالع "فجر" بحنق، يلتمس لها العذر، ولكن التأدب مطلوب أردف بحزم :
-- اطلعي علي فوق حالا .. والطريقه اللي كلمتي بيها أخوكي الكبير دى غلط .. وآخر مره تتكلمي كده تاني .. مهما يحصل مش ده الأسلوب اللى تتكلمي بيه.....
خحلت فجر من نفسها هاتفه باعتذار :
-- حاضر .. وأنا آسفه ليك يابابا أنت وجدو وحضرتك ياأبيه .. بعد أذنكم
كتمت أنفاسها بصعوبه، وهرولت تغادر والدمع يترقرق بعينيها، لاحظ حزن محياها، صاح عليها "فهد" فطأطات رأسها، خطى نحوها، يجذبها له طبع قبله أخويه على جبهتها، وربت على رأسها بحنو جابرا لقلبها قائلا :
-- متزعليش منى .. بس اللى عملتيه عيب فى حق تربية ماما "هنيه"
رفع ذقنها يداعبها يفك عبوس وجهها :
-- العيون الحلوه دى مدمعش .. كل حاجه هتتصلح وترجع زى ما كان .. يالا افتحى الشباك عشان الدنيا تنور بضحكتك.....
ابتسمت بسعاده لمرضاة أخيها لها، وأومأت له بسرور، وفرت تجرى كالفراشه فى الحقول.....
------------------------
هبط "سعد" على مقعده بإنهيار حاله كالجبل المتصدع من ضرب الزلازل لاستقراره الراسخ منذ سنين، فلذة كبده لا يتهاون فى قذفه بكلمات وتصرفات مؤلمه، حدثه يخبره من فتره أن به شئ غير طبيعى، وها قد صدق سجائر ملفوفه وما خفى كان أعظم.....
حدث نفسه بألم :
-- يعلم الله أنى لم أقصر معه فى شئ ولم أفرق يوما بينه وبين أخيه .. ولكن هو دوما مستقطب لسماع أحاديث أمه الواهيه.....
رُسِمْ الحزن على محياه، خطى يجاوره "فهد"، يهون عليه فعلة أخيه، مسد على ساقه يطالعه بمسانده أن كل شئ سيمرء وسيعود لسابق عهده....
زفر نفسه يمنى حاله بالتغيير والإصلاح ورمقه برويه قائلا :
-- أنت اللي هتصلح حاله يا ابني .. أخوك اتغير بشكل رهيب .. ربنا يجازى اللى كان السبب.....
استقام يستند بساعديه على ولده هاتفا بشحوب :
-- عن أذنكم تصبحوا علي خير بس مش قادر أقعد سامحوني....
عقب عليه الحاج عبدالجواد الراوى ملتمس له العذر قائلا :
-- ربنا يهونها عليك ياحبيبى .. ويصلح لك حاله .. اطلع ارتاح يا ابني ..
حول نظره لحفيده قائلا :
-- وأنت كمان يا"فهد" يابنى اطلع ارتاح زمانك تعبان من السفر .. من ساعة ما وصلت وانت مجعدتش(مقعدتش) بسبب الناس اللى جت تحمدك السلامه.....
أومأ له "فهد" وخطى بجوار أبيه كلا صاعد لغرفته.....
--------------------------
أحياناً تمرُّ بالإنسان عاصفةٌ فلا تُحرِّكُ فيه شعرةً، وأحياناً تخدشه نسمة، باتت الأيام مؤخراً تقذفه ضربات مؤلمة وآلام متفرّقة، أصبح في نفسه قلق لا يفنى، وحزن عميق غير قابل للبوح.....
بخطوات متهدله منكسره، يسير عابس الوجهه، مر من أمامهم بصمت، يثير القلق والريبه فى نفوسهم، استأذنت منهم، وهمت تهرول وراءه ترى ما خطب عبوس وجهه، وانطفاء لمعة عينيه، ولجت لغرفتهم لتجده متسطح بجلبابه الذى كان يرتديه، غُص قلبها لرؤيته مغمض العينين يلف ساعديه حول رأسه يقبض عليها بقوه، شهقت بفزع لظنها أن صداع رأسه عاود يداهمه يفتك به، صعدت لمخدعهم وجثت بركبتيها تجاوره، رتبت على ساعديه بقلبها ليس بكفها هتفت بقلب عاشقه يختلج فؤادها خوفاَ على ملاذها :
-- مالك يا"سعد" .. بيك أيه كفى الله الشر .. هو الصداع عاود من جديد .. طمني عليك ياحبيبى .. قلبى مش مستحمل يشوفك كده....
على استكانته هز رأسه بالنفى، ليس بمقدوره الحديث..
بسطت يدها تمسح على صدره تستجديه الحديث معها ليطمئن قلبها، فزعت من قوة ضخ خافقه تحت أناملها، هتفت بقلق :
-- "سعد" أنت فيك أيه مش طبيعى، قلبك بيدق بسرعه كده ليه، أيه حصل واصلك للحاله دى، وحياة "هنيه" عندك لتتكلم، هموت لو فضلت على سكوتك كده....
فك عقدة ساعديه، وجذبها من يدها لتقع على صدره، وبنبره مستكينه همس لها :
-- بعد الشر عليكى .. خدينى فى حضنك وقلبى هيهدى .. أنتى دوا قلبى .. سامحينى ياهنايا مش قادر اتكلم......
ترقرق الدمع ليسيل على وجنتيها، كتمت شهقاتها حتى لا تزيد عليه آلام روحه، واستنتجت ما حدث بالأسفل، اختلج صدرها حزنا على حاله، ضمته وشددت على ضمه لاحضانها، ودت لو تسكنه أضلعها، لتأخذ عنه كل آلامه، مسحت على رأسه بحب وحنو وظلت تقرأ آيات الذكر الكريم، حتى غفوا اثنتيهم، ليعم السكون الغرفه إلا من انتظام أنفاسهم.......
------------------------
خبيثه يتأكل قلبها من الحقد والغيره، تقف أعلى الدرج تلتهمهم بنظراتها المريضه، تحمل بجوفها نار ودت لو بخت ألسنتها فيهم، فظه غليظة القلب، انتزعت منها الرحمه، لا يتردد بداخلها إلا التوعد لهم بالخراب وحرقة القلب......
صعدت غرفتها تعوى بها كالكـ......، ولكن عذرا أيها الحيوان من تشبيهك بها، فأنت من صفاتك الوفاء للخل والأحباب على عكسها، بشريه بأنياب، فهى بلغت من القسوه ما لم يصل له حيوان.....
أخذت الغرفه ذهابا وأيابا تصيح بغضب :
-- بجي جاعدين (قاعدين) ولا هممكم ولا حاسبينى فى لمتكم، أن ما حرجت (حرقت) جلبك (قلبك) يا"فهد" زى ما كسرت ابني جدام (قدام) الكل....
قبضت على هاتفها واتصلت علي أحد الرجال الخاضعين لسيطرتها والموكلين بتنفيذ طلبتها المشبوه.. أدارت الاتصال عدة مرات ولكن لم ياأتيها الرد ..
هتفت بحنق :
-- انت مبتردش ليه يا مخفي يا رماح.....
حاولت مره أخرى وبعد عدة رنات أتاها الرد :
-- معلش يا ستهم أصل اللحمه اللي بعتها أبويا الحاج كبست علي قلبي....
ردت عليه باستهجان تلقى عليه أوامرها :
-- فوق كده واسمع إللى هجولك(هقولك) عليه .. عاوزه أسطبل الخيول يبجي(يبقى) فحمه .. والحصان "صخر" عاوزه "فهد" جلبه يتجطع عليه من اللي أنت هتعمله فيه .. وعايزك تفوق كده وتصحصح .. مش تقولي اللحمه كبست علي نفسى .. بدل ما اطلع انا بروحك...
بتوجس وخيفه هتف"رماح" :
-- بس دي مجزفه كبيره قوي يا ستهم .. وكمان عاوز حصان "فهد" هنموته...
ردت عليه مكيده بشر :
-- نفذ يا"رماح" بدل ما تكون رجبتك (رقبت) الثمن .. وإياك تجتل(تقتل) الحصان .. أنا عاوزه الحصان يتعذب و"فهد" يجتله(يقتله) بنفسه.....
أطاعها رماح قائلا :
-- حاضر أمرك يا ستهم ..
بس عاوزه التنفيذ ميته.
بغل هتفت مكيده مؤكده :
-- الليله يا"رماح" عايزة الاسطبل رماد الليله .. انت سمعت نفذ...
لم تمهله الرد وأغلقت الخط بوجهه، جلست على مخدعها، وألقت بالهاتف على المنضده، تهز رأسها باستمتاع من حبكة خطتها الشريره وحدثت نفسها :
-- لما نتفرج بجى يا"فهد" هتعمل أيه لما تجتل حصانك بيدك .. الحصان اللي كنت بتنزل مخصوص بس عشان تشوفه .. واشتريته بملايين على نجاوة(نقاوة) عينك .. وجهرت جلب(قلب) ابنى وهو بيطلعلك .. ديما مميزينك عنه .. بس خلاص كفايه عليك كده عاد.......
استقامت بزهو تنظر لنفسها بالمرآه بخيلاء تهاتف حالها بغرور :
-- طول عمرك مصيبه يامكيده .. أيوه كده اصبروا عليا وهتشوفوا مني كتير .. أما خلصت عليكم وأنا أخذ كل حاجه .. وأنتى الدور الجاي عليكى يا"هنيه" استلقى أول مسمار في نعش عيله الراوي اندج (اندق) الليله، ولاحقى بجى على المصايب......
---------------------------
فى نفس الأثناء صعد غرفته منهك فمنذ ان وطأت قدمه البلده ولم يمهله القدر لالتقاط أنفاسه، كل الأحداث توالت بدون هواده، زفر بتعب ما بها درجات السلم استطالت وزاد عددها، مرهق للغايه يتخيل فراشه يود التسطح لاراحة عقله من التفكير، فاليوم كان عكر فى بدايته وختامه، دلف للغرفه فتح بابها لتصطدم قدمه بحقائبه،فالخادمات غير مسموح لهم بدخول غرفة الشباب، زفر بقلة حيله من تعليمات أمه بعدم السماح لأى أحد غيرها هى وأخوته البنات بلولوج لغرفته...
تنفس الصعداء وحدث الحقائب بنعاس :
--تعالوا أوديكم لصحابكم .. عشان ارتاح من هم كركبتكم .. وصداع البنات بتاع الصبح عايزين هديتهم لما يصحوا ميقفوش على راسى ويصحونى .. وأنا ميت من التعب ماهصدق أنام....
استمال بجذعه وقبض على الحقائب واستقام يذهب لغرفهم لاعطائهم هداياهم....
أمام غرفة الفتيات وضع هديتهم امام الباب، ودق دقتتين، وغادر نظرا لتأخر الوقت....
هم وذهب لغرفة أخيه "ريان"، فتحها ليشمئز من كركبة منظرها والرائحه الكريهه التى تفوح منها، زفر بغضب يتوعد بداخله لردعه عن ماهو فيه، وضع هديته على المنضده المجاوره للمخدع ليتثنى له أن يراها، بعيدا عن كومة الملابس المنثورة عالفراش، وبخطى ثقيله بارح المكان ذاهبا غرفته......
قصد غرفة حمامه، يستحم يزيل من على عاتقه إرهاق اليوم وتعبه، تحمحم وارتدى بنطال ترينج رياضى أسود اللون، وخرج عارى الصدر يلف على عنقه منشفه نفس اللون، وقف أمام المرآه يجفف خصلات شعره ويتعطر......
هبط بجزعه العارى على المخدع، يجذب اللاب توب الخاص به، لكى يتابع سير عمله بالخارج، توسط الفراش بجسد منهك يُبسط ساقيه يضع عليهما اللاب، مكث قليل من الوقت ليشعر بتشنج عضلاته، ليقوم بغلق الحاسوب، ويتسطح على المخدع يحاول النوم.....
أغمض جفونه باسترخاء ليلوح طيفها بمخيلته، شق ثغره ابتسامه تعجب، فصدفتها بمذاق مختلف، زفر نفسه وأفكاره لعله يخلد للنوم، ظل هكذا يتململ بالفراش يجافيه النوم، وحده طيفها هو من يعبث بمقلتيه، نفض رأسه محدثا نفسه :
-- وبعدين معاكي يا قزمه .. دى تالت مره أشوف طيفك في خيالي كل ما أغمض عينى .. اطلعي من دماغى عايز أنام .. بس أجيبه منين النوم وأنتى زى البسكوته وعاوزه تتكلي أكل .. بصراحه أنتى عجبتيني أوووووى....
أرهقه إنعكاسها كلما انضجع يميناً ويساراً، ذهب النعاس من عينيه، تنفس بنزق واعتدل يتسطح على ظهره، وضع ساعديه أسفل رأسه واتكئ يسترجع صدفة لقائهم الغريب، دُهش من حاله كيف سمح لفتاه مثلها التفوه معه هكذا، تبجحت كثيرا وبدلا من نهرها ظل مستمتع بعصبيتها، والأدهى صمته على تحطيم السياره، صفع رأسه ضاحكا من حاله، واستقام ينهض من الفراش، ثم أخذ لفافة دخانه ودلف الشرفه يرتشفها، ويستنشق بعض الهواء المنعش، وقف يستند بجزعه على سور الشرفه يزفر أنفاس السيجار والأحاديث الجانبيه مازالت تعبث برأسه تهمس له أحاسيس يحاول تجاهلها......
----------------------------
عندما ترتبط بعائلة حقيقية، تجدهم الملجأ الوحيد والدفء الذي لا ينضب، مهما مرت عليك عقبات وأوجاع.........
دقات طروبه على باب المنزل أطلقتها"بسنت" ببلاهه، تستفذ بها عبوس"غمزة"، أهدتها"غمزة" إبتسامه مغتاظه من بين أسنانها، ليأتى صوت والدتهم من الداخل تحثهم عالصبر......
قطعت "أنعام" المسافه للباب وقبضت عليه تفتحه هاتفه بحب :
-- أهلا بالبنات الحلوه ..
أجابوها بذات اللحظه :
-- أهلا يامامتى...
حضنت"غمزة"من كتفيها تخطو بجوارها لتجلسها على الأريكه بينها وبين أبيها هاتفه بمرح :
-- مبسوطه يا"غمزه" أظن أنتي أول بنت في الصعيد تركب موتوسيكل....
لم تمهلها"بسنت" فرصة الرد وأجابت بدلا عنها :
-- اسكتي لو تعرفي اللي حصلها هتموتي من الضحك....
أقبل عليهم عبدالله مازحا :
-- أنا عاوز أموت من الضحك .. ضحكوني.....
قصت عليهم "غمزة" ما حدث، ولكن احتفظت بخصوصية مشاعرها لنفسها...
خرج "أحمد" من غرفته على تلقيبها ب "قزمه" تعالت قهقهاته، لينخرط الباقين معه فى موجه من الضحك...
تنفس بصعوبه من بين ضحكاته قائلا :
-- يانهار أبيض يعني مش أنا لوحدى اللي بشوفك قزمه.....
اغتاظت منه وأخذتها على كرامتها، عبثت بوجهها تصطنع الغضب هاتفه :
-- كده ياأبيه أنا زعلانه منك .. معدتش تكلمني أنا مخصماك ..
استقامت تنظر لهم باستعلاء مزيف :
-- وأقولكم أنا هسيبكم وأطلع أقعد في البلكونه لوحدى......
---------------------------
غادرت مجلسهم وذهبت للشرفه، هروبها ليس إلا حجه لتختلى بنفسها، شعور وليد اللحظة جعلها مسلوبة الإراده، نهرت حالها تعنفها من متى تنجذب لشخص بهذه السرعه، جذبت سجاده وافترشتها أرضية الشرفه، تربعت أرضا تضع فى أذنها سماعة الهاتف، ظبطت نغماته على موسيقى هادئة تساعدها على الأسترخاء، أغمضت عينيها ليكون أول شئ يترائى لمخيلتها طيف صدفتهم، ابتسمت ببلاهه على صدفه ولدت شعور لم يخطر ببالها مطلقا......
بينما فى الداخل شعرت "بسنت" أنها تحاملت عليها ولم تعطى لمشاعرها التقدير الكافي هتفت :
-- روح يا"عبدالله" هات "لب، وفول وسوداني، وشبسي" وتعالوا نطلع نسهر معاها .. بجد هي مخنوقه من اللي حصل معاها .. وشكلنا زودنها بضحكنا.......
صدح عزت قائلا بنعاس :
-- لا اطلعوا أنتم .. أنا هدخل أنام ..أنا النوم كابس فى عينيا
التف ينظر لزوجته قائلا :
-- يالا يا أم "أحمد" ملناش أحنا في السهرة دى.....
أومأت له أنعام بحب :
-- يالا بينا ..
ثم تطلعت ل "بسنت" والشباب :
-- ربنا يسعدكم يا ولاد تصحبوا علي خير.....
استقام أحمد مؤيدا :
-- وأنا هغير هدومي وهجيلكم على طول ماشي .. يالا اطلعي ظبطي القعده معها يا"بسنت"....
ابتسمت بسنت :
-- تحت أمرك يا دكتور .. بس متخافش هتلاقيها ظبطت القعده كالعاده وحطه السماعه فى ودانها .. عشان تهرب من اللى حصل .. رغم كبرت بس لسه جواها طفله بريئه ..
هز رأسه يوافقها الرأى، وتحرك يشير لها أن تذهب ورائها .. غادر "عبدالله" ليتبضع ما طلبته "بسنت" لزوم السهره، وهى استقامت تخطو نحوها تفسد عليها خلوتها.....
بين مرح الضحكات وتجاذب أطراف الحديث الشيق، جلسوا حول أوارق اللعب (الكوتشينه) بين توزيع الورق وخد وهات لعبوا باستمتاع وتناسوا الساعات، لم يشعروا بالوقت، الا عندما استقامت "غمزه" تقطع صخب مشاكستهم لبعضهم هاتفه :
-- هي الفيلا دى فيها احتفال.....
ردت عليها بسنت :
-- تقريبا عندهم بنات ممكن تكون خطوبة حد فيهم...
تطلعت بسنت لأحمد مردفه :
-- هو مش أنت كان ليك صاحب في الفيلا دى وانتم في ثانوى وكنتم بتذكروا سوى....
عقب أحمد :
-- قصدك الداور الكبير ده اللى على أول الناحيه....
شهقت بسنت مردفه :
-- دوار مين ياعم .. دى قول عليها فيلا .. ثرايا.. يابنى دى شكلها وهم من برا أومال من جوه أيه...
عقب أحمد :
-- هى فعلا ثرايا فخمه .. بس الحج "عبدالجواد الراوى" مبيحبيش التعالي .. ورغم تجديدها بشكل عصرى .. احتفظ باسمها زى ما كان من أيام أبوه وجده .. "دوار الراوى" عشان يفضل محافظ على شعرة الحب اللى بينه وبين الناس من غير خوف من المظاهر .. فيقدروا يخبطوا على بابه فى أى وقت بدون رهبه أنه يصدهم......
ابتسمت "بسنت" بحالميه :
-- اللى زى الراجل ده خلصوا من زمان....
تابعت تسأله :
-- بس ليه انت قطعت علاقتك بابنهم......
أجابها أحمد:
-- أنا مقطعتش علاقتى بيه ولا حاجه .. بس هو سافر للأسف و الحياه شغلتنا وبعدتنا عن بعض .. تلاقيه أتجوز أجنبيه دلوقتي .. قهقه عاليا وأكمل :
-- دى كانت بنات الدفعه كلهم بيعكسوه .. وهو كان مش معبرهم كانت أيام الشقاوة كلها.....
--------------------------
انتصف الليل، استيقظ "عزت" من غفوته، تطلع جواره، ليجد "أنعام" تغط فى نوم عميق، هزها برفق لتستفيق، رفرفت بأهدابها بنعاس هاتفه :
-- خير ياحبيبى أيه قلق نومك..
اعتدل قائلا :
-- سامعه صوت البنات والشباب .. جايب آخر البلد .. الوقت اتأخر وهما لسه فى البلكونه..
ما بين غفوها وصحوها تتائبت هاتفه :
-- سيبيهم ياعزت هما فرحانين متعكننش عليهم....
نهض من على مخدعه بحده :
-- يعنى عجبك صوت ضحكهم العالى ده .. الناس تقول علينا أيه.....
استقام يخطو اتجاه الباب فتحه بعنف، وذهب إليهم يصدح بصوته قائلا :
-- يالا يا شباب ادخلوا ناموا الوقت اتأخر .. وصدى صوتكم مسمع فى البلد كلها....
جاءت من وراءه "أنعام" تمسد على كتفه أن يهدء، بينما اعتذر له الشباب عما صدر منهم، واستقاموا يغادرو.....
قطع خطواتهم استفهامه :
-- بس أيه ريحه الدخان دى كلهم...
مطوا شفتيهم، وتبادلوا النظرات بعدم فهم ودرايه.........
فزع عبدالله :
-- فعلاً يابابا الريحه ظهرت حالا .. احنا قاعدين من بدرى مكنش فى روايح لدخان......
أشارت بسنت بصدمه :
-- بصوا كده الدخان جاى من دوار "الراوى".....
صاح عزت :
-- بسرعه يا ولاد انزلوا ساعدوهم .. المزرعه مليانه مواشي وخيول.
جرت "غمزه" مهروله بذعر :
-- أنا هسيبكم عشان انقذ المواشي....
هرول ورائها "أحمد" يستوقفها :
-- استني جاى معاكي....
ناشدت بسنت عبدالله برجاء :
-- استني يا عبدالله عشان خاطرى هاجي معاكم .....
قاطعتها أنعام رافضه :
-- لا طبعا مش هتروحى .. أنتي ناسيه عندك حساسيه من الدخان .. يعنى ممكن تجيلك الأزمه وتروحي فيها.....
برجاء ألحت بسنت :
-- ماما سبيني اخرج لو سمحتي .. اروح اطمن معاهم عالناس...
أنعام :
-- خلصنا خلاص يا بسنت ادخلي صلي وادعي ربنا يرجعهم بسلامه وانا كمان هروح اصلي .
تركتها ودخلت تصلي وامتثلت بسنت هى الاخرى وذهبت تفعل كأمها تصلى وتدعى ربها.....
-------------------------------
فى نفس الأثناء وبعد مضى قليل من الوقت لاحظ تعكر الهواء من حوله، تجول بنظره للمكان من حوله وصل أنفه رائحة دخان، دقق النظر ليشاهد ألسنة الدخان تتصاعد من أسطبل الخيول، والمزرعه، هرول يقفز على الدرج.......
صاح ينادى بهلع على الغفر :
-- أنت ياغفير منك ليه اطلب المطافي .. بسرعه ياغفير الأسطبل والمزرعه بتتحرق.....
استيقظا "سعد"و"هنيه" فزعا على صياح "فهد" هرولا ورائه يتحرا الأمر..
فى بهو الدوار يقف "فهد" يعطى تعليماته للغفر سأله سعد بقلق :
-- أيه اللى حصل يابنى
أجابه فهد بفزع :
-- المزرعه كتلة نار والخيول بتموت.....
بحزن أردف سعد :
-- لله الأمر من قبل ومن بعد ..
ربنا يجيب العواقب سليمه...
انطلق "فهد" يركض وخلفه "سعد"، ليستفيق الجميع كلا يأخد وجهته يحاول المساعده فى إخماد النيران المشتعله بالمكان....
تلاحقت خطواته وكأنه بسباق، زفر انفاسه المتلاحقه وخارت قواه وهو يقف مصعوق أمام ألسنة النار التى يشاهدها تلتهم كل شى يقابلها،
اقترب خطوه بعدها خطوه، تغيرت ملامحه ونزف قلبه حزنا على رفيقه وخله الوفى، تحول صحن عينيه لوهج أحمر نارى، أى بشر انعدمت داخلهم الرحمه والإنسانية، طعنه غدر أهدرت روحه بجرح غائر بدون شفقه، ليحدثه بلسان قلبه :
-- سامحنى ياصاحبي......
-------------------------
سبحان الله وبحمدهسبحان الله العظيم
------------------------
يرحل البشر وتتحلل الأجساد، لكن تبقى السيرة الحسنة والذكر الطيب.
تزينت الأجواء وتعطرت للاحتفال بعودة الحفيد الأكبر لعائلة الراوى.. وها هو الجد "عبدالجواد الراوى" يجلس على رأس مجلسه بهيبه ووقار فدوماً مجلسه محط الأنظار،
وها هو الحفيد يجلس بعزة وفخر فى كنف جده وأبيه يستقبل المتوافدين على الإحتفال.. الأهل والأصدقاء القريب والغريب الكل بلا استثاء لا يجرؤ أحد على تضييع فرصة شرف حضور مجلس يقيمه الراوى الكبير، فما اذا كان هذا الاحتفال يقام على شرف حفيده، ولسيط العائله وقوتها وسمعتها الحسنه وأصلها العريق، كان على رأس الحضور المحافظ ولفيف من نواب المجالس وعُمد البلاد المجاورة يقدمون التهانى والمباركات..
مرء الوقت فى تبادل الأحاديث عن الصحه والأحوال والسؤال عن خططه لمشاريعه القادمه التى كالعاده تخدم البلده، ومع البهجه التى تعم الأجواء داهمهم أحد الحضور اذا كان الحفيد فى نيته الاستقرار، لتتعالى الضحكات ليقول هو لما الاستعجال أمر الله ليس بأت بعد، لينتهى الحفل بمغادرة المدعوين....
بقوى منهكه استقاموا يترجلوا للداخل،يستريحوا بعد عناء يوم طويل وشاق....
وبعيداً عن قاعه الجلوس العائليه دلف الرجال للصالون، للاستراحة بعيد عن الازعاج، اتخذ كلا منهم متكئ يجلس عليه، يحتسوا القهوه التى أمر "سعد" بعملها لم يمرء الكثير ليصفع الباب بدون استئذان...
اقتحم مجلسهم بوجه مكفهر، بعد أن تباطئ فى الدخول معهم، ليتناول سطر من البودره المخدره، بغرور وتكبر جلس منزلق الظهر على مخدع المقعد، يحدقهم بامتعاض يضع ساق على ساق، وليزيد الصوره قبح أخرج سيجاره يضعها بفمه يسحب منها دخانها يزفره فى الهواء ليتطاير فى وجه جده وأبيه...
بدهشه رمقه "فهد" هاتفا باستفهام :
-- أنت بتشرب سجاير من أمتي...
بعصبيه أجابه "ريان" :
-- وأنت مالك .. ما أنت كمان بتشرب سجاير .. والله أعلم أيه كمان......
استقام "فهد" باستهجان مردفا بعصبيه :
-- أنت مالك .. ليه بقيت كده عصبي وجاف ومتقلب .. ليه اتغيرت كده .. حتي لو أنا بشرب سجاير .. بس عمرى ما شربت قدام جدك وابوك .. ولا حطيت رجلي في وشهم زيك .. ومالها ريحة بوقك وحشه كده ليه .. شكلها مش على قد السجاير العاديه وبس .. انت اتجننت أكيد وصلت للانحدار ده أمتى......
-----------------------
عند النساء فى الخارج استمعوا صوت صياحهم، قفزت القلوب هلعا على الأخوات، والخوف مما هو آت، لم تتمالك نفسها ولم تهتم لأمر حديث أمها، كل ما يشغلها الرد على إهانته لها، وانطلقت تدفع الباب تهرول بالدخول....
صدحت "فجر" تقطع مجلسهم بالا استئذان لتصيح بانفعال :
-- وكمان ضرب "زينه" وبهدلها .. وعلى طول بيضربنا .. وماما منعَ أننا ندخل.. أو نقول لبابا أو جدو....
جحظت الأعين لما تفوهت به "فجر"، أين هم مما يحدث تحت سقفهم، غص قلب الجد والأب...
قطع صدمتهم استهجان فهد قائلا :
-- من أمتى بنضرب أخوتنا البنات .. أنت اتجننت وشكلي هربيك من جديد.....
بسخريه تطلع له "ريان" وبنبرة جافه قال :
-- أنت هتعيش دور الكبير ولا أيه .. فوق لنفسك .. مش عشان أبوك وجدك واقفين في ضهرك هتعمل عليا كبير ..
لوهله حق نفسه، وفى ذاتها تلبسه شيطانه الذى وسوس له بَسُمْ الحيه التى تغويه، دفعه بعدم أكتراث، وغادر يسابق ظله......
------------------------
استدار "فهد" يقلب كفيه بدهشه من تصرفات أخيه، ليطالع "فجر" بحنق، يلتمس لها العذر، ولكن التأدب مطلوب أردف بحزم :
-- اطلعي علي فوق حالا .. والطريقه اللي كلمتي بيها أخوكي الكبير دى غلط .. وآخر مره تتكلمي كده تاني .. مهما يحصل مش ده الأسلوب اللى تتكلمي بيه.....
خحلت فجر من نفسها هاتفه باعتذار :
-- حاضر .. وأنا آسفه ليك يابابا أنت وجدو وحضرتك ياأبيه .. بعد أذنكم
كتمت أنفاسها بصعوبه، وهرولت تغادر والدمع يترقرق بعينيها، لاحظ حزن محياها، صاح عليها "فهد" فطأطات رأسها، خطى نحوها، يجذبها له طبع قبله أخويه على جبهتها، وربت على رأسها بحنو جابرا لقلبها قائلا :
-- متزعليش منى .. بس اللى عملتيه عيب فى حق تربية ماما "هنيه"
رفع ذقنها يداعبها يفك عبوس وجهها :
-- العيون الحلوه دى مدمعش .. كل حاجه هتتصلح وترجع زى ما كان .. يالا افتحى الشباك عشان الدنيا تنور بضحكتك.....
ابتسمت بسعاده لمرضاة أخيها لها، وأومأت له بسرور، وفرت تجرى كالفراشه فى الحقول.....
------------------------
هبط "سعد" على مقعده بإنهيار حاله كالجبل المتصدع من ضرب الزلازل لاستقراره الراسخ منذ سنين، فلذة كبده لا يتهاون فى قذفه بكلمات وتصرفات مؤلمه، حدثه يخبره من فتره أن به شئ غير طبيعى، وها قد صدق سجائر ملفوفه وما خفى كان أعظم.....
حدث نفسه بألم :
-- يعلم الله أنى لم أقصر معه فى شئ ولم أفرق يوما بينه وبين أخيه .. ولكن هو دوما مستقطب لسماع أحاديث أمه الواهيه.....
رُسِمْ الحزن على محياه، خطى يجاوره "فهد"، يهون عليه فعلة أخيه، مسد على ساقه يطالعه بمسانده أن كل شئ سيمرء وسيعود لسابق عهده....
زفر نفسه يمنى حاله بالتغيير والإصلاح ورمقه برويه قائلا :
-- أنت اللي هتصلح حاله يا ابني .. أخوك اتغير بشكل رهيب .. ربنا يجازى اللى كان السبب.....
استقام يستند بساعديه على ولده هاتفا بشحوب :
-- عن أذنكم تصبحوا علي خير بس مش قادر أقعد سامحوني....
عقب عليه الحاج عبدالجواد الراوى ملتمس له العذر قائلا :
-- ربنا يهونها عليك ياحبيبى .. ويصلح لك حاله .. اطلع ارتاح يا ابني ..
حول نظره لحفيده قائلا :
-- وأنت كمان يا"فهد" يابنى اطلع ارتاح زمانك تعبان من السفر .. من ساعة ما وصلت وانت مجعدتش(مقعدتش) بسبب الناس اللى جت تحمدك السلامه.....
أومأ له "فهد" وخطى بجوار أبيه كلا صاعد لغرفته.....
--------------------------
أحياناً تمرُّ بالإنسان عاصفةٌ فلا تُحرِّكُ فيه شعرةً، وأحياناً تخدشه نسمة، باتت الأيام مؤخراً تقذفه ضربات مؤلمة وآلام متفرّقة، أصبح في نفسه قلق لا يفنى، وحزن عميق غير قابل للبوح.....
بخطوات متهدله منكسره، يسير عابس الوجهه، مر من أمامهم بصمت، يثير القلق والريبه فى نفوسهم، استأذنت منهم، وهمت تهرول وراءه ترى ما خطب عبوس وجهه، وانطفاء لمعة عينيه، ولجت لغرفتهم لتجده متسطح بجلبابه الذى كان يرتديه، غُص قلبها لرؤيته مغمض العينين يلف ساعديه حول رأسه يقبض عليها بقوه، شهقت بفزع لظنها أن صداع رأسه عاود يداهمه يفتك به، صعدت لمخدعهم وجثت بركبتيها تجاوره، رتبت على ساعديه بقلبها ليس بكفها هتفت بقلب عاشقه يختلج فؤادها خوفاَ على ملاذها :
-- مالك يا"سعد" .. بيك أيه كفى الله الشر .. هو الصداع عاود من جديد .. طمني عليك ياحبيبى .. قلبى مش مستحمل يشوفك كده....
على استكانته هز رأسه بالنفى، ليس بمقدوره الحديث..
بسطت يدها تمسح على صدره تستجديه الحديث معها ليطمئن قلبها، فزعت من قوة ضخ خافقه تحت أناملها، هتفت بقلق :
-- "سعد" أنت فيك أيه مش طبيعى، قلبك بيدق بسرعه كده ليه، أيه حصل واصلك للحاله دى، وحياة "هنيه" عندك لتتكلم، هموت لو فضلت على سكوتك كده....
فك عقدة ساعديه، وجذبها من يدها لتقع على صدره، وبنبره مستكينه همس لها :
-- بعد الشر عليكى .. خدينى فى حضنك وقلبى هيهدى .. أنتى دوا قلبى .. سامحينى ياهنايا مش قادر اتكلم......
ترقرق الدمع ليسيل على وجنتيها، كتمت شهقاتها حتى لا تزيد عليه آلام روحه، واستنتجت ما حدث بالأسفل، اختلج صدرها حزنا على حاله، ضمته وشددت على ضمه لاحضانها، ودت لو تسكنه أضلعها، لتأخذ عنه كل آلامه، مسحت على رأسه بحب وحنو وظلت تقرأ آيات الذكر الكريم، حتى غفوا اثنتيهم، ليعم السكون الغرفه إلا من انتظام أنفاسهم.......
------------------------
خبيثه يتأكل قلبها من الحقد والغيره، تقف أعلى الدرج تلتهمهم بنظراتها المريضه، تحمل بجوفها نار ودت لو بخت ألسنتها فيهم، فظه غليظة القلب، انتزعت منها الرحمه، لا يتردد بداخلها إلا التوعد لهم بالخراب وحرقة القلب......
صعدت غرفتها تعوى بها كالكـ......، ولكن عذرا أيها الحيوان من تشبيهك بها، فأنت من صفاتك الوفاء للخل والأحباب على عكسها، بشريه بأنياب، فهى بلغت من القسوه ما لم يصل له حيوان.....
أخذت الغرفه ذهابا وأيابا تصيح بغضب :
-- بجي جاعدين (قاعدين) ولا هممكم ولا حاسبينى فى لمتكم، أن ما حرجت (حرقت) جلبك (قلبك) يا"فهد" زى ما كسرت ابني جدام (قدام) الكل....
قبضت على هاتفها واتصلت علي أحد الرجال الخاضعين لسيطرتها والموكلين بتنفيذ طلبتها المشبوه.. أدارت الاتصال عدة مرات ولكن لم ياأتيها الرد ..
هتفت بحنق :
-- انت مبتردش ليه يا مخفي يا رماح.....
حاولت مره أخرى وبعد عدة رنات أتاها الرد :
-- معلش يا ستهم أصل اللحمه اللي بعتها أبويا الحاج كبست علي قلبي....
ردت عليه باستهجان تلقى عليه أوامرها :
-- فوق كده واسمع إللى هجولك(هقولك) عليه .. عاوزه أسطبل الخيول يبجي(يبقى) فحمه .. والحصان "صخر" عاوزه "فهد" جلبه يتجطع عليه من اللي أنت هتعمله فيه .. وعايزك تفوق كده وتصحصح .. مش تقولي اللحمه كبست علي نفسى .. بدل ما اطلع انا بروحك...
بتوجس وخيفه هتف"رماح" :
-- بس دي مجزفه كبيره قوي يا ستهم .. وكمان عاوز حصان "فهد" هنموته...
ردت عليه مكيده بشر :
-- نفذ يا"رماح" بدل ما تكون رجبتك (رقبت) الثمن .. وإياك تجتل(تقتل) الحصان .. أنا عاوزه الحصان يتعذب و"فهد" يجتله(يقتله) بنفسه.....
أطاعها رماح قائلا :
-- حاضر أمرك يا ستهم ..
بس عاوزه التنفيذ ميته.
بغل هتفت مكيده مؤكده :
-- الليله يا"رماح" عايزة الاسطبل رماد الليله .. انت سمعت نفذ...
لم تمهله الرد وأغلقت الخط بوجهه، جلست على مخدعها، وألقت بالهاتف على المنضده، تهز رأسها باستمتاع من حبكة خطتها الشريره وحدثت نفسها :
-- لما نتفرج بجى يا"فهد" هتعمل أيه لما تجتل حصانك بيدك .. الحصان اللي كنت بتنزل مخصوص بس عشان تشوفه .. واشتريته بملايين على نجاوة(نقاوة) عينك .. وجهرت جلب(قلب) ابنى وهو بيطلعلك .. ديما مميزينك عنه .. بس خلاص كفايه عليك كده عاد.......
استقامت بزهو تنظر لنفسها بالمرآه بخيلاء تهاتف حالها بغرور :
-- طول عمرك مصيبه يامكيده .. أيوه كده اصبروا عليا وهتشوفوا مني كتير .. أما خلصت عليكم وأنا أخذ كل حاجه .. وأنتى الدور الجاي عليكى يا"هنيه" استلقى أول مسمار في نعش عيله الراوي اندج (اندق) الليله، ولاحقى بجى على المصايب......
---------------------------
فى نفس الأثناء صعد غرفته منهك فمنذ ان وطأت قدمه البلده ولم يمهله القدر لالتقاط أنفاسه، كل الأحداث توالت بدون هواده، زفر بتعب ما بها درجات السلم استطالت وزاد عددها، مرهق للغايه يتخيل فراشه يود التسطح لاراحة عقله من التفكير، فاليوم كان عكر فى بدايته وختامه، دلف للغرفه فتح بابها لتصطدم قدمه بحقائبه،فالخادمات غير مسموح لهم بدخول غرفة الشباب، زفر بقلة حيله من تعليمات أمه بعدم السماح لأى أحد غيرها هى وأخوته البنات بلولوج لغرفته...
تنفس الصعداء وحدث الحقائب بنعاس :
--تعالوا أوديكم لصحابكم .. عشان ارتاح من هم كركبتكم .. وصداع البنات بتاع الصبح عايزين هديتهم لما يصحوا ميقفوش على راسى ويصحونى .. وأنا ميت من التعب ماهصدق أنام....
استمال بجذعه وقبض على الحقائب واستقام يذهب لغرفهم لاعطائهم هداياهم....
أمام غرفة الفتيات وضع هديتهم امام الباب، ودق دقتتين، وغادر نظرا لتأخر الوقت....
هم وذهب لغرفة أخيه "ريان"، فتحها ليشمئز من كركبة منظرها والرائحه الكريهه التى تفوح منها، زفر بغضب يتوعد بداخله لردعه عن ماهو فيه، وضع هديته على المنضده المجاوره للمخدع ليتثنى له أن يراها، بعيدا عن كومة الملابس المنثورة عالفراش، وبخطى ثقيله بارح المكان ذاهبا غرفته......
قصد غرفة حمامه، يستحم يزيل من على عاتقه إرهاق اليوم وتعبه، تحمحم وارتدى بنطال ترينج رياضى أسود اللون، وخرج عارى الصدر يلف على عنقه منشفه نفس اللون، وقف أمام المرآه يجفف خصلات شعره ويتعطر......
هبط بجزعه العارى على المخدع، يجذب اللاب توب الخاص به، لكى يتابع سير عمله بالخارج، توسط الفراش بجسد منهك يُبسط ساقيه يضع عليهما اللاب، مكث قليل من الوقت ليشعر بتشنج عضلاته، ليقوم بغلق الحاسوب، ويتسطح على المخدع يحاول النوم.....
أغمض جفونه باسترخاء ليلوح طيفها بمخيلته، شق ثغره ابتسامه تعجب، فصدفتها بمذاق مختلف، زفر نفسه وأفكاره لعله يخلد للنوم، ظل هكذا يتململ بالفراش يجافيه النوم، وحده طيفها هو من يعبث بمقلتيه، نفض رأسه محدثا نفسه :
-- وبعدين معاكي يا قزمه .. دى تالت مره أشوف طيفك في خيالي كل ما أغمض عينى .. اطلعي من دماغى عايز أنام .. بس أجيبه منين النوم وأنتى زى البسكوته وعاوزه تتكلي أكل .. بصراحه أنتى عجبتيني أوووووى....
أرهقه إنعكاسها كلما انضجع يميناً ويساراً، ذهب النعاس من عينيه، تنفس بنزق واعتدل يتسطح على ظهره، وضع ساعديه أسفل رأسه واتكئ يسترجع صدفة لقائهم الغريب، دُهش من حاله كيف سمح لفتاه مثلها التفوه معه هكذا، تبجحت كثيرا وبدلا من نهرها ظل مستمتع بعصبيتها، والأدهى صمته على تحطيم السياره، صفع رأسه ضاحكا من حاله، واستقام ينهض من الفراش، ثم أخذ لفافة دخانه ودلف الشرفه يرتشفها، ويستنشق بعض الهواء المنعش، وقف يستند بجزعه على سور الشرفه يزفر أنفاس السيجار والأحاديث الجانبيه مازالت تعبث برأسه تهمس له أحاسيس يحاول تجاهلها......
----------------------------
عندما ترتبط بعائلة حقيقية، تجدهم الملجأ الوحيد والدفء الذي لا ينضب، مهما مرت عليك عقبات وأوجاع.........
دقات طروبه على باب المنزل أطلقتها"بسنت" ببلاهه، تستفذ بها عبوس"غمزة"، أهدتها"غمزة" إبتسامه مغتاظه من بين أسنانها، ليأتى صوت والدتهم من الداخل تحثهم عالصبر......
قطعت "أنعام" المسافه للباب وقبضت عليه تفتحه هاتفه بحب :
-- أهلا بالبنات الحلوه ..
أجابوها بذات اللحظه :
-- أهلا يامامتى...
حضنت"غمزة"من كتفيها تخطو بجوارها لتجلسها على الأريكه بينها وبين أبيها هاتفه بمرح :
-- مبسوطه يا"غمزه" أظن أنتي أول بنت في الصعيد تركب موتوسيكل....
لم تمهلها"بسنت" فرصة الرد وأجابت بدلا عنها :
-- اسكتي لو تعرفي اللي حصلها هتموتي من الضحك....
أقبل عليهم عبدالله مازحا :
-- أنا عاوز أموت من الضحك .. ضحكوني.....
قصت عليهم "غمزة" ما حدث، ولكن احتفظت بخصوصية مشاعرها لنفسها...
خرج "أحمد" من غرفته على تلقيبها ب "قزمه" تعالت قهقهاته، لينخرط الباقين معه فى موجه من الضحك...
تنفس بصعوبه من بين ضحكاته قائلا :
-- يانهار أبيض يعني مش أنا لوحدى اللي بشوفك قزمه.....
اغتاظت منه وأخذتها على كرامتها، عبثت بوجهها تصطنع الغضب هاتفه :
-- كده ياأبيه أنا زعلانه منك .. معدتش تكلمني أنا مخصماك ..
استقامت تنظر لهم باستعلاء مزيف :
-- وأقولكم أنا هسيبكم وأطلع أقعد في البلكونه لوحدى......
---------------------------
غادرت مجلسهم وذهبت للشرفه، هروبها ليس إلا حجه لتختلى بنفسها، شعور وليد اللحظة جعلها مسلوبة الإراده، نهرت حالها تعنفها من متى تنجذب لشخص بهذه السرعه، جذبت سجاده وافترشتها أرضية الشرفه، تربعت أرضا تضع فى أذنها سماعة الهاتف، ظبطت نغماته على موسيقى هادئة تساعدها على الأسترخاء، أغمضت عينيها ليكون أول شئ يترائى لمخيلتها طيف صدفتهم، ابتسمت ببلاهه على صدفه ولدت شعور لم يخطر ببالها مطلقا......
بينما فى الداخل شعرت "بسنت" أنها تحاملت عليها ولم تعطى لمشاعرها التقدير الكافي هتفت :
-- روح يا"عبدالله" هات "لب، وفول وسوداني، وشبسي" وتعالوا نطلع نسهر معاها .. بجد هي مخنوقه من اللي حصل معاها .. وشكلنا زودنها بضحكنا.......
صدح عزت قائلا بنعاس :
-- لا اطلعوا أنتم .. أنا هدخل أنام ..أنا النوم كابس فى عينيا
التف ينظر لزوجته قائلا :
-- يالا يا أم "أحمد" ملناش أحنا في السهرة دى.....
أومأت له أنعام بحب :
-- يالا بينا ..
ثم تطلعت ل "بسنت" والشباب :
-- ربنا يسعدكم يا ولاد تصحبوا علي خير.....
استقام أحمد مؤيدا :
-- وأنا هغير هدومي وهجيلكم على طول ماشي .. يالا اطلعي ظبطي القعده معها يا"بسنت"....
ابتسمت بسنت :
-- تحت أمرك يا دكتور .. بس متخافش هتلاقيها ظبطت القعده كالعاده وحطه السماعه فى ودانها .. عشان تهرب من اللى حصل .. رغم كبرت بس لسه جواها طفله بريئه ..
هز رأسه يوافقها الرأى، وتحرك يشير لها أن تذهب ورائها .. غادر "عبدالله" ليتبضع ما طلبته "بسنت" لزوم السهره، وهى استقامت تخطو نحوها تفسد عليها خلوتها.....
بين مرح الضحكات وتجاذب أطراف الحديث الشيق، جلسوا حول أوارق اللعب (الكوتشينه) بين توزيع الورق وخد وهات لعبوا باستمتاع وتناسوا الساعات، لم يشعروا بالوقت، الا عندما استقامت "غمزه" تقطع صخب مشاكستهم لبعضهم هاتفه :
-- هي الفيلا دى فيها احتفال.....
ردت عليها بسنت :
-- تقريبا عندهم بنات ممكن تكون خطوبة حد فيهم...
تطلعت بسنت لأحمد مردفه :
-- هو مش أنت كان ليك صاحب في الفيلا دى وانتم في ثانوى وكنتم بتذكروا سوى....
عقب أحمد :
-- قصدك الداور الكبير ده اللى على أول الناحيه....
شهقت بسنت مردفه :
-- دوار مين ياعم .. دى قول عليها فيلا .. ثرايا.. يابنى دى شكلها وهم من برا أومال من جوه أيه...
عقب أحمد :
-- هى فعلا ثرايا فخمه .. بس الحج "عبدالجواد الراوى" مبيحبيش التعالي .. ورغم تجديدها بشكل عصرى .. احتفظ باسمها زى ما كان من أيام أبوه وجده .. "دوار الراوى" عشان يفضل محافظ على شعرة الحب اللى بينه وبين الناس من غير خوف من المظاهر .. فيقدروا يخبطوا على بابه فى أى وقت بدون رهبه أنه يصدهم......
ابتسمت "بسنت" بحالميه :
-- اللى زى الراجل ده خلصوا من زمان....
تابعت تسأله :
-- بس ليه انت قطعت علاقتك بابنهم......
أجابها أحمد:
-- أنا مقطعتش علاقتى بيه ولا حاجه .. بس هو سافر للأسف و الحياه شغلتنا وبعدتنا عن بعض .. تلاقيه أتجوز أجنبيه دلوقتي .. قهقه عاليا وأكمل :
-- دى كانت بنات الدفعه كلهم بيعكسوه .. وهو كان مش معبرهم كانت أيام الشقاوة كلها.....
--------------------------
انتصف الليل، استيقظ "عزت" من غفوته، تطلع جواره، ليجد "أنعام" تغط فى نوم عميق، هزها برفق لتستفيق، رفرفت بأهدابها بنعاس هاتفه :
-- خير ياحبيبى أيه قلق نومك..
اعتدل قائلا :
-- سامعه صوت البنات والشباب .. جايب آخر البلد .. الوقت اتأخر وهما لسه فى البلكونه..
ما بين غفوها وصحوها تتائبت هاتفه :
-- سيبيهم ياعزت هما فرحانين متعكننش عليهم....
نهض من على مخدعه بحده :
-- يعنى عجبك صوت ضحكهم العالى ده .. الناس تقول علينا أيه.....
استقام يخطو اتجاه الباب فتحه بعنف، وذهب إليهم يصدح بصوته قائلا :
-- يالا يا شباب ادخلوا ناموا الوقت اتأخر .. وصدى صوتكم مسمع فى البلد كلها....
جاءت من وراءه "أنعام" تمسد على كتفه أن يهدء، بينما اعتذر له الشباب عما صدر منهم، واستقاموا يغادرو.....
قطع خطواتهم استفهامه :
-- بس أيه ريحه الدخان دى كلهم...
مطوا شفتيهم، وتبادلوا النظرات بعدم فهم ودرايه.........
فزع عبدالله :
-- فعلاً يابابا الريحه ظهرت حالا .. احنا قاعدين من بدرى مكنش فى روايح لدخان......
أشارت بسنت بصدمه :
-- بصوا كده الدخان جاى من دوار "الراوى".....
صاح عزت :
-- بسرعه يا ولاد انزلوا ساعدوهم .. المزرعه مليانه مواشي وخيول.
جرت "غمزه" مهروله بذعر :
-- أنا هسيبكم عشان انقذ المواشي....
هرول ورائها "أحمد" يستوقفها :
-- استني جاى معاكي....
ناشدت بسنت عبدالله برجاء :
-- استني يا عبدالله عشان خاطرى هاجي معاكم .....
قاطعتها أنعام رافضه :
-- لا طبعا مش هتروحى .. أنتي ناسيه عندك حساسيه من الدخان .. يعنى ممكن تجيلك الأزمه وتروحي فيها.....
برجاء ألحت بسنت :
-- ماما سبيني اخرج لو سمحتي .. اروح اطمن معاهم عالناس...
أنعام :
-- خلصنا خلاص يا بسنت ادخلي صلي وادعي ربنا يرجعهم بسلامه وانا كمان هروح اصلي .
تركتها ودخلت تصلي وامتثلت بسنت هى الاخرى وذهبت تفعل كأمها تصلى وتدعى ربها.....
-------------------------------
فى نفس الأثناء وبعد مضى قليل من الوقت لاحظ تعكر الهواء من حوله، تجول بنظره للمكان من حوله وصل أنفه رائحة دخان، دقق النظر ليشاهد ألسنة الدخان تتصاعد من أسطبل الخيول، والمزرعه، هرول يقفز على الدرج.......
صاح ينادى بهلع على الغفر :
-- أنت ياغفير منك ليه اطلب المطافي .. بسرعه ياغفير الأسطبل والمزرعه بتتحرق.....
استيقظا "سعد"و"هنيه" فزعا على صياح "فهد" هرولا ورائه يتحرا الأمر..
فى بهو الدوار يقف "فهد" يعطى تعليماته للغفر سأله سعد بقلق :
-- أيه اللى حصل يابنى
أجابه فهد بفزع :
-- المزرعه كتلة نار والخيول بتموت.....
بحزن أردف سعد :
-- لله الأمر من قبل ومن بعد ..
ربنا يجيب العواقب سليمه...
انطلق "فهد" يركض وخلفه "سعد"، ليستفيق الجميع كلا يأخد وجهته يحاول المساعده فى إخماد النيران المشتعله بالمكان....
تلاحقت خطواته وكأنه بسباق، زفر انفاسه المتلاحقه وخارت قواه وهو يقف مصعوق أمام ألسنة النار التى يشاهدها تلتهم كل شى يقابلها،
اقترب خطوه بعدها خطوه، تغيرت ملامحه ونزف قلبه حزنا على رفيقه وخله الوفى، تحول صحن عينيه لوهج أحمر نارى، أى بشر انعدمت داخلهم الرحمه والإنسانية، طعنه غدر أهدرت روحه بجرح غائر بدون شفقه، ليحدثه بلسان قلبه :
-- سامحنى ياصاحبي......