اخر الروايات

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الخامس 5 بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الخامس 5 بقلم سارة محمد 


حافية على جسر عشقي
الفصل الخامس
تفاجأ "ظافر" بما قاله "باسل" ، تمتم بنبرة متسائلة بجدية :
- تتجوز ؟ دلوقتي !!!

أومأ "باسل" بإصرارٍ و تحدٍ يلتمع بعيناه و هو يبادر بنبرة جامدة :
- الوقت دة أكتر وقت مناسب ..

أشتعل صدر "ظافر" غضباً لينهض صارخاً به :
- أنت أتجننت يا باسل ؟ أخوك يبقى عامله المصايب دي ومرمي في المستشفى و امك لسة طالعة من نكسة وتقولي عايز أتجوز !!!!

نهض "باسل" قبالته قائلاً بعقلانية :
-ظافر أهدى .. مش لما تعرف الأول هتجوز مين ؟!!

مسح "ظافر" على وجهه بغضب و هو يقول بسُخرية لاذعة :
- وتبقى مين الهانم ؟!

- رهف ..
قالها كمن قال شئ أعتيادياً غير عابئاً بما فجره في وجه أخيه الذي لم يستوعب ما قاله ، أستغرق دقيقتين ليتقبل ما قاله ، و بعد ذلك الصمت الرهيب لم يقل سوى شئ واحد :
- ليه ؟!!!!

- حبيتها !!!
قالها رافعاً كتفيه بإعتيادية ، لم يصدق "ظافر" حرف مما قاله أبداً ليبتسم أبتسامة صفراء ساخرة :
- حبيت اللي أخوك كان هيغتصبها و أنت لسة شايفها من يومين ؟ أعقل يا باسل ، أنا هعتبر نفسي مسمعتش ولا كلمة !!!!

كاد أن يذهب لولا يد أخيه التي أمسكت بذراعه بقوة ، عيناه بها وميض غريب تفاجأ به "ظافر" ليلتفت له بكامل جسده .. فكّر بعقلانيه قليلاً أستغرقت بعض الدقائق ، رفع أنظاره له ليقول بـ بريق مخيف ظهر في حدقتيه هو الأخر :
- و انا موافق !!!!!

• • • •

دلفت لشقتها لتخلع حذائها ذو الكعب العالي ، ألقت بحقيبتها على الأرضية بأهمال تجلس على الأريكة ، عقدت اصابعها معاً تنظر أمامها شاردة ، لا تعلم لما بدأت تلك الاحاسيس تدفق عليها كتدفق الدم بالشرايين ، نظراته الدافئة لم تتغير من صِغره ، منذ ذلك اليوم الذي أنقذها من بين براثن أبيه ، و منذ رؤيتها لعيناه وهي صغيرة لم تتجاوز الخمس سنوات .. شعرت بشعور غريب يخالجها ، و كأنها أستوطنت عيناه !!!

ذهنها يكاد ينفجر من شدة التفكير ، نظرت إلى كفها المحاوط بضمادة خفيفة ، ظهرت شبح أبتسامة على ثغرها و هي تتذكر نظراته الحنونة لها ، و عندما جذبها من كفها موبخاً شقيقتها عما فعلته ، و عند تلك النقطة تيبس جسدها صائحة بقلقٍ عارم :
- براءة !!!!

ركضت نحو حقيبتها لتخرج منها هاتفها ، سرعان ما هاتفت "فتحية" التي ردّت عليها بقلق هي الأخرى :
- ملاذ يابنتي .. انتِ كويسة يا حبة عيني ؟!

همهمت "ملاذ" سريعاً و اضعة كفها المضمد على جبينها :
- كويسة يا دادة كويسة .. براءة كويسة روّحتوا البيت ؟!

أسبلت "فتحية" بعيناها تشعر بالعطف تجاه تلك المسكينة لتجيبها بتنهيدة حارة :
- كويسة يا حبيبتي و احنا روّحنا دلوقتي ، قوليلي يا ملاذ مين الراجل اللي كان معاكي دة ؟

أرتبكت "ملاذ" و زاغت أنظارها قائلة بتلعثم :
- دة .. دة ظافر يا دادة .. بينا business .. قولي لي طيب يا دادة هي براءة كان مالها ..

- ولا حاجة يا بنتي داخت شوية والدكتور قال نقص كالسيوم و اني اهتم بصحتها ..

أومأت "ملاذ" متنهدة بعمقٍ لتودع "فتحية" .. همت بأغلاق الهاتف معها ولكن سمعت "براءة" تقول بنبرة حادة :
- عايزة أيه تاني الست ملاذ مش قولتلها مش عايزة اسمع صوتها و لا ألمحها حتى ولا هي معندها ذرة كرامة .. انا مش عارفة أزاي قابلة على نفسها تيجي تزورني و أنا أصلاً مش طايقة أشوف وشها!!!

ثم أُغلق الهاتف ، للمرة المائة و العشرون تشعر "ملاذ" بنغزة حادة بقلبها ، و كأنه يُطعن بنصلٍ حاد طعنات أماتتها و هي على قيد الحياة ، شعرت بأن شقيقتها توجه لقلبها لكمات أدمته بلا رحمة ، لم تشعر بنفسها إلا و هي تلقي الهاتف في الحائط امامها ليسقط على الأرضية تتبعثر محتوياته ، أنقبض صدرها تشعر بضيق شديد في التنفس .. و كأن الهواء لا يصل لرئتيها ، أهتاج صدرها علواً وهبوطاً لتخرج رذاذ الربو من حقيبتها .. وضعته بفمها مستنشقة إياه ، هبط صدرها مفمضة عيناه لتستند برأسها على مسند الأريكة ، تدفقت الدماء داخل عيناها التي تلونت بالأحمرار القوي ، نظرت لتلك الشقة الباردة التي تقطن بها بمفردها ، لا أحد يزورها ولا أحد يطمئن عليها ، و كل هذا بسبب من ؟ .. نعم بسبب والد "ظافر" ذاك ، عند تلك النقطة أشتعل صدرها و لمعت عيناها بوميض أنتقام مخيف ، بدت و كانها فقدت عقلها عندما لاحت أبتسامة خبيثة على ثغرها ، عادت لتلتقط هاتفها تحاول لملمة شتاته المتفرقة ، أعادته لحالته الطبيعية لتعبث به قليلاً ،وضعت الهاتف على أذنها والأبتسامة الجذابة لا تمحو من على ثغرها الصغير ، جاءها صوت رجولي من الطرف الأخر يقول بترحيب حار :
- مش معقول ملاذ الشافعي بتكلم جريدتنا المتواضعة !! أزيك يا ملاذ هانم ..

رفعت أنفها بشموخ يضاهي شموخ الجبل ، خرج صوتها في كبرياءٍ ملحوظ :
- مش عايزة رغي كتير يا صابر ، عندي للجورنال بتاعكوا خبر بمليون جنيه هيطلعكوا لفوق !!!!

تأهبت حواس المدعو "صابر " ليعتدل بجلسته قائلاً بتركيز شديد :
- سامعك ؟!

- مازن سرحان الهلالي في مستشفى *** دلوقتي نتيجة محاولة أغتصاب بنت و هو سكران .. ولما اخوه ظافر عرف ضربه لحد مـ كان هيموت واتحجز في المستشفى !!!!

• • • •

وبالفعل بعدما فعلوا الصحفيين اللازم و الذهاب إلى المشفى و تأكدوا من أنه بالفعل قابع بالمشفى ، رغم تردد مدير الجريدة عن نشر خبر كهذا لخوفه من شر "ظافر" و أبناء الهلالي باكملهم ، ولكن حثته "ملاذ" على فعل ذلك مخبرة إياه بأنها ستُعطيه "مبلغ محترم" جعلت لعابه يسيل ، كُتب ذلك الخبر -الذي كان كالفرصة الذهبية لهم- بخطٍ عريض في تلك الجريدة ..

قرأت "ملاذ" الخبر على الأنترنت بأبتسامة شامتة أكتسحت شفتيها :
- محاولة "مازن سرحان الهلالي" بن أكبر عائلات الصعيد و شقيق "ظافر سرحان الهلالي" بأغتصاب فتاةٍ ..

ثم قرأت ما يليه عما حدث بالتفاصيل التي أخبرته بها ، لاخت أبتسامة خبيثة لا تنم بخير على شفتيها ، بل صاح عقلها بفرحةٍ بما أودت بمصيبةٍ ستلاحق عائلة "الهلالي" مهما حيت ، ألتمعت عيناها بنصرٍ له مذاقٍ لذيذ بفمها لتجلس على الأريكة خلفها بأريحية واضعه قدمٍ على الأخرى وهي تقول بغلٍ حاقد :
- قربت نهايتك يا ظافر !!!!

• • • •

كاد أن يقتلع خصلاته من فرط غضبه ، لا يصدق من ولماذا ينشر ذلك الخبر وكيف ولا أحد يعلم ما حدث أبداً خارج عائلتهم !!! ، زمجر بعنفٍ شديد ليقلب غرفة مكتبه رأساً على عقب ، طرح بكل شيء على الأرضية بغضبٍ أهوج ، تشنج فكه بغضبٍ بل و أسودت عيناه كظلام الليل .. أقسَم برحمة أبيه أنه لن يرحم من فعل تلك الفعلة المشينة و تجرأ وأساء لسمعة عائلته ، وجد "ظافر" الباب يُفتح على مصراعيه ليجد أخيه "باسل" يكاد يطوي الأرض من غضبه الأعمى ، أقترب "باسل" من شقيقة متفادياً الأشياء المتناثرة على الأرضية و هو يقول بعصبية :
- مين اللي عمل كدا يا ظافر !!!! مين ابن **** اللي عمل كدا !!!

مسح "ظافر" على وجهه بعنفٍ و هو يردد بجنون تلبسه :
- معرفش معرفش !!!!

ثم تابع متمتماً بسرعةٍ و كأنه يسابق الوقت :
- أسمع يا باسل .. أنت لازم تتجوز البنت دي بسرعة بأسرع ما يمكن و تاخدها وتسافر على مصر ..

أومأ "باسل" سريعاً مؤكداً على.كلامه المنطقي :
- فعلاً دة اللي هيحصل عشان نشيل عننا أي شبوهات و نصرّح أن هي مراتي و أن مازن مستحيل يقرب من مرات أخوه ..!!

- صح .. دة اللي هيحصل يلا روح خدها دلوقتي ع أقرب مأذون و أكتب كتابك عليها و سافروا مصر روح ع شقتي اللي في المعادي غير اللي في الزمالك و انا هديك المفتاح ..

ثم ذهب "ظافر" إلى خزانته ليفتحها مخرجاً مفتاحاً فردي ليُعطيه إلى "باسل" الذي أنطلق من أمامه سريعاً ..

أعتلى الحقد ملامح "ظافر" قائلاً بتوعدٍ مُريب :
- هدفع اللي عمل كدة تمن غلطته كبير أوي ..

أخذ مفاتيح سيارته لينطلق خارج القصر بل خارج قنا بأكملها متجهاً إلى القاهرة ..

• • • •

جلسا الفتاتان "رهف" و "ملك" يتسامرون بأشياء عدة يتخلل حديثهم ضحكاتهم المرحة ، ليقتحم "باسل" الغرفة دون أستئذان و هو يقول سريعاً :
رهف ألبسي أي حاجة من عند ملك و هاتي بطاقتك و حصليني على تحت ..
كانت نبرته لا تنم على خير أبداً لتضيق "رهف" ما بين حاجبيها قائلة بغرابة :
- ليه ؟ هنروح فين ؟! ..

أنفجر بوجهها فالوقت يمر على تساؤلاتها الحمقاء :
- أنتِ هترغي ألبسي يلا مش عايز كلام كتير !!!

تفاجأت من صراخه بوجهها لتومأ برأسها بهدوء ، كاد أن يخرج لولا "ملك" التي أوقفته متجه له و هي تشعر بأن أخاها ليس على ما يُرام ، أمسكت بذراعه المفتول قائلة بتساؤل عجيب :
- خير يا باسل شكلك أجده مش مظبوط في حاچة حُصلت ؟

نفى برأسه يحاول أن يرسم أبتسامة زائفة ليطمئنها ، حاوط كفيه الغليظتان وجهها و يُملي عيناه من شقيقته الصغيرة فهو لن يراها لفترة ربما تكون طويلة حتى تهدأ الأوضاع ، خرج صوته في حنو ودفئ لطالما كان يغلف نبرته :
- مافيش حاجة يا حبيبتي .. لو أحتاجتي أي حاجة قوليلي و قولي لظافر و قولي لأمك متزعلش مني !!

وقع قلب الأثنتان أرضاً تتعالى نظرات الدهشة من حدقتي كِلتاهما ليخرج "باسل" منتظراً "رهف" في سيارته ..

أنتظر خمسة دقائق ليراها تنهض مرتدية إحدى قطع ملابس شقيقته المحتشمة ، أستقلت "رهف" السيارة جواره ملتفة له قائلة بتوجسٍ :
- ممكن أعرف هتودينا فين ؟!!

- رايحين للمأذون ..
قالها بأعتيادية لا يشعر بالقنبلة التي فجرها بوجهها للتو ، نظر لملامحها يراقب تعبيراته المصدومة و شفتيها التي تحرك بهمسٍ خافت متلعثم من حجم صدمتها :
- مأذون !!! ليه !

نظر لها بحنق هادراً بعصبيه :
- هو أيه اللي ليه اكيد مش هنروح عنده نعمل مكرونة بشاميل .. عشان هنتجوز يا رهف !!

- دلوقتي !!
قالت بغباء تلبسها لتتمتم مصححة ما قالته :
- يعني .. ليه بالسرعة دي ؟!

- حصلت مشكلة وهنطلع ع القاهرة هنجيب المأذون هناك وياريت بلاش اسئلة كتير كانت إجابته مختصرة بإنجاز ، أدار مقود السيارة لينطلق ..

• • • •

وفي مكان أخر بالقاهرة و بمشفى عائلة الهلالي تحديداً ..

جلست "فريدة"_ ممرضة "مازن" و التي تتابع حالته_ على الفراش امامه متأملة محياه الهادئة و المستكينة ، جفنيه المسبلتين و أنتظام أنفاسه ، لا تصدق أن ملامحه الهادئة ينبع منها ذلك الشر !! ، بدأت بتفقد حالته لتجد وجهه المكدوم قد بدأ في الشفاء قليلاً ، كادت أن تنهض من أمامه لتجد جفنيه يتحركان ببطئٍ واهن ، أقبلت عليه سريعاً تنحني بوجهها له قأئلة بقلق :
- أنت سامعني ؟ لو سامعني حرك أيدك ..

نزلت بحدقتيها إلى كفه لتجده يتحرك ببطئ ، همت بالركض لتنادي على طبيبها حتى يرى المريض و لكنها وجدت يده تمتمد ليمسك برسغها ضاغطاً عليه بقوة ، تجمعت حبات العرق على جبينه و هو يقول بمهس و هو مازال مغمض العينان :
- أنا مش وحش أوي كدا .. والله مش وحش !!!

خرجت الحروف من شفتيه مرتجفة كأرتجاف كفه الممسك بذراعيها الأن ، هي لا تُخفي أنها تشمئز منه و من أفعاله ، و لكن نبرته تلك جعلت قلبها يرق لحاله ، ربما هو يُخفي ألمٍ كبير داخله ، بلا وعي وجدت كفها الأخر موضوع على كفه الممسك برسغها ، ربتت عليه بأبتسامة ملائكية رُسمت على وجهها و هي تقول بنبرة دافئة :
- أنا عارفة أنك مش وحش ..

نزعت يدها من يده ببطئ لتنادي على الطبيب وقد تغيرت صورته بعيناها تماماً ..

عادت "فريدة" مع الطبيب ليطمئن عليه وبالفعل أخبرها بأن حالته أصبحت تتحسن تدريجياً لاسيما أنه من أبناء عائلة الهلالي ف العناية به تكُن على أكمل وجه ، أخبر الطبيب ممرضته "فريدة" قائلاً بجفاء :
- ممكن يقوم كمان شوية ، أول م يقوم أهتمي بيه كويس و بأكله ..

أومأت له "فريدة" ليخرج الطبيب تاركاً إياه معه ..بمفردهما ، و بالفعل بعد القليل من الوقت فتح "مازن" عيناه السمراوتين ، وجد "فريدة" واثبة و هي تعلّق المحاليل بجانب فراشة ، طالع بشرتها ناصعة البياض و خصلاتها بلونها كالشوكولا الذائبة المنسدلة على وجها بنعومة ، براءة عيناها العسلية و أنفها الرقيق مع شفتيها المكتنزة ، بدى و كأنه يرى لوحة تمزُج بين البراءة و الأنوثة ، للحظة برقت عيناه و تعالت دقات قلبه ، هزّ رأسه بعنف يخالف ذلك الشعور الذي يخالجه عندما يراها ، بل تعالى غضبه من حاله ، وجد نفسه بلا وعي يصرخ بها بنبرة أفزعتها :
- أنتِ واقفة بتعملي أيه عندك و ليه أنا لسة هنا لحد دلوقتي ..

وضعت يدها على قلبها تخفف من فزعها لتطالعه بعنف هادرة به بعصبيه :
- في حد يخُض حد كدا !!! ، و بعدين أنت بتزعق ليه كدا اللي يشوفك دلوقتي مش يشوفك و أنت نايم و مسالم جداً و كان شكلك .. زي الأطفال !!!

أرتفعا حاجبيه و هو ينظر لها بدهشة ، و لكن سرعان ما غضبت ملامحه ليهم بالنهوض معتدلاً بوقفته و لكنه عاد جالساً عندما شعر بالدوار يهاجم رأسه ليحاوط جبينه بوهنٍ ، أمسكت "فريدة" كتفيه سريعاً لتوبخه بنبرة حانية :
- مينفعش تقوم فجأة كدة عشان متدوخش ، أنا هروح أجبلك أكل عشان وشك أصفر أوي ..

ثم ذهبت من أمامه و كأنها تبخرت ، لأول مرة تبقى قريبة منه هكذا ، رأئحتها تغلغلت روحه مدابعه كيانه بأكمله ، أغمض عيناه متمنياً أن تظل رائحتها معبقة بالأجواء حوله ، أنحنى برأسه ممسكاً بها سانداً مرفقية على فخذيه محدثاً نفسه بغضبٍ من نفسه :
- فوق يا مازن .. أنت مستحيل تحبها أنت مش بتحب و معندكش قلب ، أنت عايزها بس عايز تملُكها و دة اللي هيحصل !!!

• • • •

- يعني أيه باسل راح وخد البت اللي أسمها رهف دي ؟ هو ناوي يچنني !!!
صاحت السيدة "رقية" و هي تضع يدها على قلبها تخفف من الألم الذي يخالج صدرها ، حاولت "ملك" تهدئتها حتى لا تنتكس مرة أخرى و هي أيضاً لم تفهم شئ ..
هدأت والدتها قليلاً و هي تقول :
- طب ظافر أخوكي فين راخر (هو كمان) ؟

رفعت الأخيرة منكبيها و هي تقول بأسى :
- معرفش ياما هو كمان كلمني وقالي أنه راح مصر ..

ضربت السيدة "رقية" على رأسها ببكاء :
- يا حزنك يا رقية ولادك الأتنين ضاعوا و الثالت مرمي في المشتشفى (المستشفى) معرفش عنه حاچة .. اهه يا حزنك يا رقية يا حــزنك !!!

- ياما أهدي أبوس يدك متعمليش فنفسك أكده هما چايين بليل أن شاء الله ..
قالت "ملك" مربتة على كتفيها و هي الأخرى أصبح ينتابها القلق مما سيحدث ..

كانت "مريم" تستمع لهم من وراء الباب عيناها مشتعله كالجمر ، بالتأكيد ذهب وراء تلك الملعونة كما أسميتها ، ركضت إلى غرفتها تبحث عن هاتفها بعيناها لتجده قابع على الفراش ، ألتقتطه بنيران مشتعله داخل صدرها لتعبث بأزرارة لتجد أسمه مسجل لديها "حبيبي" ، ضغطت على أزراره بعنف حتى كادت أنه تهشمه ، وضعت الهاتف على أذنها و ملامحها لا تنبؤ بخير أبداً ، سمعت صوته من الطرف الأخر يقول بنبرة عادية :
- في حاجة يا مريم ؟

خرج صوتها غاضب و هي تقول بصوتٍ عالٍ :
- أنت فين يا ظافر ؟!!

تخشب وجهه و هو يقول بنبرة تحذيرية :
- متعليش صوتك وملكيش دعوة أنا فين ، و يلا أقفلي دلوقتي عشان ورايا حاجات مهمه ..!!

ثم فصل الخط بوجهها ، شهقت "مريم" من أفعاله لتقذف الهاتف بالحائط أمامها ليقسط متهشماً ، هتفت بحقدٍ تلألأ بحدقتيها واضعة يدها في خصرها :
- ماشي يا ظافر .. أنا هفرجيك (هوريك) ..

•• •• ••

حدث .. و أصبحت زوجته أمام الجميع ، فركت يداها مبعدة خصلة ثائرة سقطت على وجهها الذي يشتعل أحمراراً ، لأول مرة تكُن خائفة لتلك الدرجة فـ الأمور جرت سريعاً لتصبح الأن تقف في منزل "ظافر" الذي أعطى المفتاح إلى "باسل" ، تراه يودّع أصدقاءه الشاهدون على تلك الزيجة ، خرج الجميع من المنزل تاركين العروسين لتصبح هي و هو بمفردهما ، أقتري منها "باسل" خطوة لتبتعد هي عشر خطوات ، رفع "باسل" كلتا حاجبيه و هو يقول بدهشة :
- أنتِ خايفة مني يا رهف ؟!!!

نكست رأسها للأسفل و لم تنبث ببنت شفة و كأن الحروف تأبى الخروج ، رق قلب "باسل" لها مبادراً حتى يُطمئنها :
- متخافيش يا رهف أنا مستحيل أغصبك على حاجة لأني مستحيل أأذيكي .. أنا عارف أنك زي أي بنت عايزة فستان أبيض وفرح بس صدقيني مكنش فيه وقت ..

قطبت "رهف" حاجبيها لتتخلى عن صمتها و هي تقول بهدوء :
- أنا مكنتش عايزة حاجة من دي .. كفاية أني هبعد عن شر زوج ماما ..
ثم تمتمت بشك ناظرة له بتساؤل :
- بس عايزة أعرف ليه دة حصل بسرعة كدا يا باسل ؟

توترت ملامح "باسل" لوهله ولكنه حافظ على توازنه حتى لا يجعلها تشعر بشئ :
- أنا كنت قلقان الزفت زوج أمك دة يعمل حركة واطية من حركاته عشان كدة سرّعت الموضوع .. و كمان عشان ورث أبوكي ..

أومأت "رهف" بأقتناع فهي تثق بـ "باسل" فيما يقوله ،ردد "باسل" بمزاح حتى يغير مجرى الحديث :
- بقولك أيه بقا أنا جعان أوي بتعرفي تعملي أكل ولا هتسمميني و هتدخليني المستشفى و أنا لسة عريس جديد ؟

قهقهت "رهف" برقة و هي تقول بثقة :
- عيب عليك أنا طباخة قديمة !!!

ضيق عيناه و هو ينظر لها بشك مصطنع :
- أنا قلقان منك يا رهف ..!!!

صدح صوت ضحكاتها الرقيقة ، أبتسم "باسل" ملء فمه و هو يطالع ضحكتها الملائكية ، بل مال برأسه جهة اليمين ينظر لها و قد برقت حدقتيه بإحساس جديد لأول مرة يشعر به ، صمتت "رهف" و هي تنظر له بخجلٍ لينفجر الدماء في وجنتيها الممتلئتان و هي تطالع عيناه السمراوتين الساحرة قائلة بصوتٍ مذبذب :
- أنت بتبصلي كدة ليه بقى ؟..

لم تمحو الأبتسامة من على وجهه ليقول بلا وعي و لأول مرة يصبح شفاف أمام أمرأة بتلك الطريقة :
- ضحكتك .. حلوة اوي .. حتى خدودك وهي شبه الفراولاية كدة !!!

جحظت عيناها العسلية الواسعة لتعُض على شفتيها السفلى بخفة ، ضربت بقدميها بالأرض كالأطفال و هي تقول بخجل شديد :
- يا باسل خلاص بقى الله !!!

قهقه "باسل"بقوة عائداً برأسه للخلف على مظهرها الذي كالطماطم الجاهزة للقضم ، نظرت له بغيظ لتذهب من أمامه إلى الغرفة التي قابلتها ، بينما صاح "باسل" و هو يقول محاولاً السيطرة على ضحكاته الصادحة :
- اسمعي بس في شنطة هدوم عندك غيري لبسك و خودي شاور و تعالي عشان ناكل .. لو أتأخرتي هاكل لوحدي !!!

دلفت "رهف" إلى الغرفة لتجد بالفعل حقيبة مكتظة بالملابس موضوعة على الفراش ، أخرجت بيجامة تتكون من بنطال و كنزة رُسمت عليها أشخاص كرتونية مختلفة و بنصف كُم ، وضعتها على الفراش لتبحث عن الأشياء الأخرى بالحقيبة فـ وجدتها ممتلئة بملابس الخروج و ملابس النوم و العديد من الملابس ذات الذوق الرفيع ، دلفت إلى المرحاض و لم تتذكر منامتها أبداً تاركة إياها موضوعة على الفراش كما هي .. تجولت أنظارها بإنبهار كم هو واسعٌ و به كل شئ تحتاج له .. مضت نحو رذاذ الماء لفتح الصنبور ، بعد دقائق من أنتهاءها بحثت بعيناها عن البيجامة لتضرب كلها برأسها قائلة بغباءٍ :
- نسيت البيجامة على السرير .. طب وبعدين !!!

ألتقطت المنشفة كبيرة الحجم لتحاوط بها جسدها ، وثبت في مكانها قليلاً و هي تفكر بصوتٍ عالي :
- هو ممكن يدخل الأوضة ؟ لاء أكيد لاء يا رهف هو عارف أني بغيّر هدومي .. يارب ميدخلش ..
قالت جملتها الأخيرة برجاء حار ، أمسكت بمقبض الباب لتتوقف قليلاً مفكرة :
- طب م أنا أندهله هو يجبهالي أحسن !!

و بالفعل فتحت الباب نصف فتحة لتصرخ بصوتٍ عالٍ حتى يسمعها :
- بــاســل .. يا بـاســل !!!!!

ركض "باسل" ليفتح باب الغرفة و هو يقول بهلعٍ :
- في أيه يا رهف وقعتي في الحمام ولا أيه !!!!

منعت "رهف" ضحكتها من الخروج لتقول من وراء الباب بخجلٍ :
- أسمع يا باسل في بيجامة على السرير هتهالي لو سمحت ..

ألتمعت مقلتي "باسل" بخبث لم تستطع "رهف" أن تراه ليذهب نحو المرحاض و هو يقف خلف الباب مستطرداً و هو يضع كلتا يداه في جيب بنطاله :
- تدفعي كام يا حلوة ؟!!

- يا باسل انجزز !!!
قالت "رهف" بغضب ليبتسم "باسل" قائلاً :
- طب خلاص خلاص ..

ذهب نحو الفراش ليلتقط البيجامة .. نظر لها بصدمة ليلوح بها بالهواء و هو يقول بدهشة :
- أيه يا رهف دة !!!! دي بيجامة بنت أختك الصغيرة دي ولا أيه !!!

ضربت "رهف" الأرض بقدميها و هي تقول :
- يا باسل" هات بقى أنجز الجو برد و انا لابسة الفوطة و هبرد كدة !!!

أزداد بريق عيناه السمراوتين ليأخذ البيجامة متجهاً نحو المرحاض ، أنزوت شفتيه بأبتسامة ماكرة لمد البيجامة بجانبه و هو ليأمرها أن تأخذها ، مدت "رهف" ذراعها المبتل بحسن نية لتجد يد تسحبها خارج المرحاض ، لم تستطع "رهف" أن تُكتم شهقتها جاحظة العينان و هي ترى مقلتيه يتفرسان بها ، سُحر "باسل" من جمالها ، بدايةً بخصلاتها المنسدلة على كتفيها يقطران بالماء لتزحف قطرات الماء على ذراعيها و عنقها و بشرتها البيضاء ، ترفع رأسها له لقُصر قامتها أمام طوله المهيب ، عيناها العسلية تحدق به في براءة ممتزجة بخجلٍ فجعل من عيناها كلوحة فريدة من نوعها ، رأئحتها المسكرة التي تختلج جوارحه بأكملها ، كيف لها أن تكن بتلك النعومة !!!! ، و بلا وعي منه مدّ أنامله متلمساً وجنتيها الساخنتان كاللهيب من شدة خجلها ، لا يعلم لِمَ يريد أن يقترب و يقبل كل إنش بوجهها ..إحساساً داخلياً يدفعه إلى ذلك ، لم يمنع نفسه من تلك القبلة البريئة -من وجهة نظره-، ليقترب مبهوراً من جاذبيتها التي تعادل جاذبية نيوتن ، أقترب بثغره لوجنتها ليطبع قبلة بثّ بها أحاسيسه المكبوتة ، أغمضت "رهف" عيناها تستشعر شفتيه على وجنتها الناعمة ، و ذقنه الخشنة المنمقة التي ربما تجرح وجنتيها ، كانت كالهش بين يداه ، لا تعلم لمَ لم تمنعه .. و كأن قدميها شُلت !!! ، زحف "باسل" بشفتيه بزاوية شفتيها قُرب شفتيها بالضبط ، أغمض عيناه بلا وعي لِمَ يفعله ، بل توطدت أكثر قبلاته ليصبح مقبلاً كل إنش بوجهها و كأنها طعامه اللذيذ ، و جاء عند شفتيها الكرزية ، رويداً طبع قبلة رقيقة على شفتيها ، قبلة دامت كثير من الوقت .. بينما هي مستسلمة تماماً من رقة قبلاته التي جعلتها تكاد تذوب بين ذراعيه ، جذبها "باسل" من خصرها متعمقاً بقبلته لتصبح أكثر شغفاً ، أصبحت قبلته كالزلزال يعصف بكيانها ، بل و تجرأ اكثر ليمد كفه حتى كاد أن ينزع المنشفة من عليها ، هنا جحظت مقلتيها برعبٍ قوي ، تداهمت الأفكار على ذهنها كالموجات العاصفة ، أمسكت بكفيه تمنعه لتضرب صدره بقوة مبعدة إياه ، تلبستها حالة من الفزع جعلتها تبتعد عدة خطوات للخلف و هي تنفي برأسها بهيستيرية ، و كأن أحدا صفعه على وجهه ليفوق مما كان مقبل عليه ، مسح على وجهه بكفه بعنف ليستعيد رباطة جأشه ، نظر لها "باسل" رافعاً كفيه حتى يطمئنها قائلاً بصوتٍ متحشرج :
- أهدي يا رهف .. متخافيش مش هعملك حاجة ..

نفت برأسها بقوة أكبر ممسكة بالمنشفة مثبتة إياها على جسدها بقوة و هي تصرخ به بصوتٍ مبحوح :
- لاء أنت زيهم ، أنت زي الحيوان جوز ماما و أخوك مش هتفرق عنهم يا باسل ، أبـعـد عني أنا عايزة أروح عند ماما ..

أنهارت عند تلك اللحظة لتسقط على الأرضية تخفي وجهها داخل كفيها ، شهقاتها تقطع نيّاط قلبه .. كانت أشبه بخناجر تمزق قلبه ليسير صوبها .. أنحنى على ركبتيه ليصبح بمستواها ، و بهدوء شديد أبعد كفيها عن وجهها ليطالع عيناها الغارقة بالدموع العالقة بأهدابها ، حاوط وجهها قائلاً بحنو و دفئ ينبعث من نبرة صوته :
- أنا مكنش قصدي يا رهف .. ومش عارف أزاي كنت هعمل كدة ، أنا أسف أنا هروح أنام في الاوضة التانية وصدقيني مش هقربلك أبداً .. بس أنا عايز أقولك حاجة يا رهف ، إياكي تاني مرة تشبهيني بجوز أمك ابن ***** دة تمام ؟..

أسبلت "رهف" بعيناها ليمسك بذقنها رافعاً إياها و هو يقول بحنان :
- ألبسي هدومك و الأكل برا على السفرة أنا طلبته من مطعم جنبنا م هو أكيد مش هسيبك تعملي أكل في يوم زي دة ، كُلي و نامي .. أنا داخل أنام تصبحي على خير !!!!

ثم تبخر من أمامها .. عصفتها البرودة عندما أبعد يداه الدافئتين من على وجهها .. و كأنه الأمان و المسكن لها ..~

•• •• •• ••

تفاجأ مدير الجريدة بـ "ظافر" يقتحم المكتب بعنف ، وثب المدير بصدمة وقد شُلت أطرافه بالكامل ، أقترب منه ظافر بخطوات باردة ، بدت ملامحه كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، وقف أمامه يد وضعت في جيب بنطاله والأخرى ببطئٍ شديد التفت حول عنق الأخير ليدفعه نحو الحائط بعينان سوداوية ، وضع المسكين يده على كف "ظافر" الصلب بطبيعة الحال ، حاول إزاحة كفه و لكنه كان كالجداه لا يتزحزح فقط يوجه له نظرات مشتعله جعلته يرتجف ..!!

- مين اللي طلب منك تنزل الخبر ؟!!!!

جحظ المدير بعيناه ليشعر بأنقطاع أنفاسه ، تلونت شفتيه باللون البنفسجي المائل إلى الأزرق ، خرج صوته في ضعفٍ شديد و نبرة صوته تختفي تدريجياً :
- سيبني يا باشا ..وأنا هحكيلك على كل حاجة بس سيبني أبوس إيدك !!!!

دفعه "ظافر" بقوة ليسعل ذلك الرجل بقوة لينحنى إلى الأمام و هو لا يستطيع إلتقاط أنفاسه ، نظر له "ظافر" بإحتقار ليلتفت إلى المقعد ، جلس واضعاً قدم على الأخرى ليُخرج لُفافة تبغ بنية اللون .. أشعلها بقداحته الذهبية لينفث دخانها متابعاً ذلك المدير بنظرات ثاقبة كالصقر تكاد تخترق عظمه ، جلس المدير بالمقعد المقابل إلى "ظافر" بعد أن هدأ قليلاً و أستعاد أنفاسه المبعثرة ، فرك يداه بتوتر فهو يعلم من هو "ظافر سرحان الهلالي" ويعلم بروده و جموده .. يعلم أيضاً أن لا أحد يستطيع أستفزازه فهو عندما يغضب يتحول إلى جحيم مشتعل بالنيران !!!

أشار "ظافر" بسبابته ليتحدث و هو لازال ينظر له مضيق عيناه بإنصات .. و بالفعل أملى عليه المدير ما أمرت "ملاذ" بأن يتحدث به قائلاً بتوجس متلعثماً :
- آآآ .. اللي قالي انشر الخبر دة .. بنت أسمها رهف ، رهف محمد الجندي يا ظافر باشا !!!



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close