رواية غمزة الفهد الفصل الرابع 4 بقلم ياسمين الهجرسي
رواية(غمزة الفهد حب بالمصادفه) مسجله حصرى بأسمى ياسمين الهجرسى ممنوع منعا باتا النقل أو الاقتباس أو النشر فى اى موقع أو مدونه أو جروب او صفحه حتى ولو شخصيه من دون اذنى ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمسأله القانونيه
--------------------
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
------------------
حاله من الفوضى المزاجيه تعبث بكل شئ داخلها يصعب عليها تفسير ما تشعر به.. هل هو غضب من ردود أفعاله المستفزه معها.. أم بسبب شعور وليد الصدفه، وليد اللحظه ترك نبضه جديده علي خافقها على أثرها اختلجت أوصالها.. مشاعر متضاربه تداهمها كلما تذكرت صدفة لقائهما يخفق قلبها بقوه لينهرها عقلها أَفِيقِى أنها صُدْفًه عابره.......
قادت الماتور بسرعه هائله تنفث فيه غضبها من ذلك العملاق.. وصلت العياده البيطريه فى دقائق معدوده، هبطت من عليه، وترجلت لداخل العياده، وعلى اتفاقهم المسبق وجدت أختها فى انتظارها، بعصبيه مفرطه هتفت :
-- سلام عليكم يا"بسنت".....
علامات الدهشة والاستفهام احتلت وجهها هتفت "بسنت" باستفسار :
-- مالك متعصبه كده ليه.. العياده مش عجبتك صح.. قولي وأنا اغيرها.. بس أهدى بدل ما أنتى راحه جايه خيلتيني......
بانفعال أخذت تلوح بيدها يمين ويسار، قطمت على شفتيها، وقبضت على كفيها تصفعهما ببعض هاتفه بحنق :
-- عياده أيه اللي مش عجبتني.. أنا أصلاً مركزتش فيها.. أنا هموت من العملاق اللي بهدلني، وقالي يا قزمه....
ظلت تأخذ غرفة العياده ذهابا وأيابا عينيها يترقرق منها الدمع، تمسكت برأسها تهزها بهستريه تردد ما قاله لها :
-- أنا مش باينه من الأرض.....
أنا مش باينه من الأرض......
أشارت على نفسها :
-- أنا قزمه .. أنا قزمه .. أنا قزمه
لتقف فجأه تلتمع بمخيلتها فكره كانت غائبه عنها
-- أنا ليه مضربتوش.. كان لازم أعضه، ولا أخربشه حتى.. عشان كل ما يبص في المرايا يفتكرني....
نهرت نفسها على تلك الفكره ونفضت رأسها وكأنها تستبعدها عنها :
-- أنتى غبيه ياغمزة ..
هو أنتى كنتِ هتعرفِ تطوليه أزاى.. ده عملاق عايز سلم عشان تعرفى توصليله.......
ضحكت "بسنت" على هيئتها هاتفه :
-- مين ده يا"غمزه" اللي عمل فيكي كده.. اقعدى كده غلط عليكى...
جذبتها بحنو تمسد على رأسها وتابعت :
-- أهدي عيونك بدمع من الانفعال....
اندفعت منها ضحكه عاليه وأردفت بنبره غناء :
-- بس شكله علم عليكي جامد.. تعالى احكيلي وفضفضيلي.. وعن همك قوليلى.. أختى حبيبتى عندك غيرى تشتكيله......
لكزتها غمزه بامتعاض :
-- أنتي بتهزرى يا"بسنت" بقولك هموت من الغيظ.. وبعدين أنا اللي علمت عليه وكسرتله كشاف العربيه.. لا الأتنين مش واحد.. وان شاء الله هكسر دماغه المره الجاية.....
بزهول مما تفوهت به هتف "بسنت" بتساؤل :
-- ينهار ألوان مين ده اللي كسرتيله كشفات العربية يا مجنونه.. أهدى واحكيلي من الأول الحكايه كلها.......
كتمت "غمزه " أنفاسها وزفرتها دفعه واحده بغيظ، خطت وجلست على أقرب مقعد واستغفرت ربها لتهدئ من وتيرة غضبها وهتفت تقص عليها ما حدث :
-- اسمعي يا ستي أنا خرجت أجرب الموتوسكل.. وأول ما طلعت الطريق لقيت ولد قاعد يعيط جنب قطه ميته.. قولت أروح أشوفه ماله.. ما أختك فقريه.. وبعد حوار طويل ومرير من الأسئله
مين عمل كده في القطه....... وانت ابن مين....... وجاى مع مين....... المهم الولد شاور علي عربيه العملاق..
ابتسمت بغيظ تغير لقبه :
-- لا من هنا ورايح اسمه بقى هولاكو لايق عليه اكتر...
هزت "بسنت" رأسها وحثتها على تكملة الحوار .. لتتابع "غمزة" مسترسله :
-- المهم الولد قال إنه هو اللي موت القطه بالعربيه.. وأنا جنوني زاد وروحت بهدلته.. قالي ياقزمه وهراني تريقه..
استطردت بغل تجز أنيابها كما لو هو الذى بين أسنانها :
-- ما هو هولاكو وأنا قدامه بسكوته
أيش جاب الرقه للعضلات....
هتفت "بسنت" بانزعاج :
-- كملى وبلاش تقطيع عشان أفهم
ردت عليها بنزق :
-- خلاص هكمل متزوقيش..
نفىَ خالص أنه هو اللي موت القطه.. وطبعا لما قالي يا مجنونه اتجننت زياده.. وحبيت اعرفه المجنونه دى ممكن تعمل أيه.. وكسرتله العربية وعلمت عليه وخدت حقى.. هى دى تقريبا الحكاية باختصار.......
ملامح "بسنت" رُسِمَت عليها الصدمه والدهشه زمت شفتيها تحركهم يمين يسار، وبأبهامها دلكت رأسها وكأنها تفكر هاتفه :
-- اااه هى دى الحكايه.. بس أنتى مفكرتيش ولو للحظه أن هو ممكن يكون فعلا مش هو اللي موت القطه.. وخصوصا وأنتي بتقولي علي الطريق.. يعني في كذا عربيه شبه بعض مشيوا عالطريق.. والولد ممكن يكون اختلط عليه الأمر.. ده بردو ولد صغير.....
تابعت بتسليه تغمز لها بطرف عينيها :
-- بس قوليلي عمره قد إيه هولاكو ده.. كبير في السن مثلا.. وخلقه ضيق.. ولا شكله وحش ومكعبر مثلا....
جحظت "غمزة" بهيام :
-- ده مين اللي وحش.. ده زى القمر حتة موز رهيب.. طول وعرض.. عيونه رهيبه عامله زى خليه عسل النحل ولما اتعصب بقت بلون القهوه، ولا رموشه جباره واصله لجواجبه.. من الآخر شاب فآخر وتكه عالمسطره.. ياخربيت مراته واقعه مع برطمان عسل بالمكسرات.. حظها بنت المحظوظه ده لو اتساب تشقطه البنات......
ضحكت "بسنت" وصفعتها على رأسها بمزاح :
-- ومين قالك أنه متجوز. مش يمكن يكون عذابي.. ومحتاج قزمه زيك....
هتفت "غمزه" بسخريه :
-- اللي زي ده مستحيل يتساب بجسمه ده.. زمانه متجوز أربعه عشان بس يلاحقه يزغطوه زى دكر البط.. افتكر عاوز مطبخ متحرك مكان ما يروح عشان يلاحقه عليه
واحده تفطره..... واحده تغديه.....
واحده تعشيه .....وواحده تأكله بين الوجبات.... هههههههههه
استقامت ضاحكه وجذبت بسنت مردفه :
-- كفايانا كلام عنه صدفه وراحت لحالها.. قومي يا أختي ياحبيبتى فرجيني علي العيادة.. بس أول حاجه الجنينة والمرجيحه عشان البلبل اللي نفسي فيه أحطه جنب المرجيحه واقعد جنبه أحكيله وأفضفضله..
جرتها خلفها مهروله :
-- يالا تعالي مرجحيني الأول عايزة أهدى أعصابى من صدفته الهباب......
ابتسمت "بسنت" لاعتدال مزاجها :
-- يالا بينا بس يارب زوقي يعجبك يا قزمه....
القت كلمتها ضاحكه وهرولت تجرى و"غمزة" خلفها تهاتفها أنا اللي هتمرجح الأول...
مضى وقتهم بسعاده بين الهزار وإلقاء النكات والضحك كلما تذكروا العملاق هولاكو....
---------------------------
الأخوة كنافذة من زجاج صافِ.. نطل منها على أحلى ما في الدنيا.. ونرى من خلالها كل المعاني الجميلة.. ولكن عندما تحاوطهم النفوس الخبيثه تعمل على تعكير صفوهم.. وتفرقة جمعهم......
بعد حديثه المؤلم مع والدته، ارتدى ملابسه استعدادا لمقابلة أخيه، غادر غرفته يهبط الدرج ليأخذه الحنين لأخوته البنات، رمى ببصره تجاه غرفهم، زفر بضيق من تعليمات أمه بعدم الاقتراب منهم، ولكن بالأخير غلبه اشتياقه لهم، تمرد على تحذيراتها، ولم يكترث بالعواقب وخطى اتجاه الباب بتردد رفع يده يتحسس سترته، ودق الباب دقه اثنتان، وها هو يقف بخجل من ردت فعلهم، فهو أصبح كالغريب بالنسبه لهم من كترة تقلباته معهم
هرولت "زينه" تفتح ولكن بداخلها ريبه يثاورها الشك فى شخص من بالباب.. فهذه الطرقه لشخص عزيز طالما انتظروا قدومه..
ارتجفت يدها وقبضت عالمقبض كأنها تقبض على قلبها، فتحت الباب ليتسع بؤبؤ عينيها بفزع هاتفه بتلعثم :
-- أزيك ياأبيه "ريان" عامل إيه..
رحبت به باقتضاب وصمتت لم تُكْثَر بالحديث مخافتا من تقلباته المزاجيه.....
غضب "ريان" من فعلتها ليتصنم مكانه، قبض على كفه يخفف من حدة سخطه على فعلتها لرؤيته.. آثارها فى نفسه، ولكن التمس لها العذر فهو بالأخير السبب فى هذه الفجوه.. استقر بداخله أن يمرء الموقف ويستمتع بوقته معهم....
التمتعت مقلتيه اشتياقا لهم وابتسم قائلا :
-- أزيك يا"زينه" ممكن أدخل ولا ممنوع ليا الدخول.....
جاءت خلفها "فجر" تقطع عليها تذبذبها تجيبه بمزاح :
-- لا طبعا اتفضل ده حتى أنت ياأبيه زى هلال العيد......
تنفست "زينه" الصعداء بعد إنقاذ أختها للموقف، ابتعدت قليلا عن الباب هاتفه :
-- اتفضل ياأبيه حضرتك تنور طبعاً..
ابتسم "ريان" بحبور وهتف يمازحهم :
-- ما هو عشان أنا زى هلال العيد قولت أهل عليكم شويه....
تحسس صدره يتمنى الأ يصدوه وتابع بوجه يشع سعاده :
-- ازيكم يا بنات وحشتونى قوى عاملين إيه وأخبار دراستكم أيه....
وضع يده بداخل جيب سترته وأخرج علبة صغيره واسترسل بغبطه :
-- أنا جايبلكم هديه أتمني تعجبكم..
وجه بصره ل زينه "
-- الخاتم ده معمول مخصوص ليكى يا"زينه"جايبه من فتره وشيله فى جيبى مش بطلعه خايف لحسن تكسفيني ..أتمنى يعجبك....
استطرد بحنو :
-- اتفضلي يا"زينه" بس أوعديني أنك مش تقلعيه من أيدك عشان دايما تفتكرينى .. أنا عارف أنى كنت عصبي معاكم آخر فتره.. بس عشان خاطرى متزعليش مني.....
بسطت زينه يدها وأخدته شاكره بدعابه :
-- شكرا ياأبيه أنا بحبك من غير هديه أصلاً .. بس هحبك اكتر بالهديا......
صدحت ضحكتها وتلاشت بوقتها عندما حدقها رافعا أحدى حاجبيه بوعيد...
صفعت فمها تغص ضحكتها هاتفه :
-- خلاص آسفه.. هتكلم بجد بس ياأبيه حضرتك بتتغير أول ما طنط تدخل بنا وبتبقي عصبي .. خليك زينا أحنا مش بندخل بين ماما وطنط .. عشان نبقي مع بعض حلوين.....
بسطت أناملها هاتفه بشقاوه لكى تفك عبوس وجهه :
-- هتكرم عليك واعتبرك زى خطيبى المستقبلى .. يالا لبسهولي وفك التكشيره.....
جذبها لأحضانه يمسد على رأسها بحب هاتفا :
-- معلش يا زينه ادعيلي حياتي تتغير للأحسن .. وآسف أنى أوقات بفقد السيطره علي أعصابى...
أخرجها من صدره يقبل مقدمة رأسها والتقط منها الخاتم وألبسه لها....
اعتدل واستقام يتجه نحو "فجر" يبتسم بحنين :
-- حبيبتي اللي كانت بتستخبي، وتخضني عشان اجرى وراها .. وفي الآخر تتعلق في رقبتي .. وتخبي عيوني لحد ما أطلع لها الشكولاته .. ومتستكفاش لأ كمان تطلب مني اشلها واطلعها أوضتها فكره يا"فجر"......
ابتسمت "فجر" بغبطه
-- طبعا فكره ياأبيه...
هرولت تقف خلفه تعلقت برقبته وسحبت يدها توارى عيونه هاتفه بمزاح :
-- فين الشوكلاته بتاعتي...
ثبتها ريان على ظهره يدور بها وصخب ضحاكاتهم يملئ الغرفه.. تطوح فى دورانه.. ليثبت نفسه يستوقف قليلا، ألتقط أنفاسه، وأنزلها بتروى يأخذها فى صدره يربت على ظهرها بحنو....
مد يده وأخرج من سترته علبة الهدايا مره أخرى ومعها الشيكولاته
وبحماس رفع يداه هاتفا بمرح :
-- اللي هتطوليها هتخديها .. ياالشيكولاته يا السلسله .. واختارى انتي يا"فجر".....
هتفت فجر بسرور :
-- أنت عارفني بضعف قدام الشيكولاته...
أخذت "فجر" تدور حوله تصفق بيدها كالأطفال سعيده فرحه بمرح أخيها معها كسابق عهدهم.. ظلت تقفز تحاول الوصول ليده.. أخفاها "ريان" منها لتبوء محاولاتها بالفشل..
هرولت تجرى خلفه.. ليقعا على المخدع.. اعتدلت "فجر" تجثى على ركبتها تدغدغه لتثير ضحكاته ليسهل عليها تفتيشه..
وأخيرا انقضت علي جيب سترته وأخذتها منه عنوه ثم استقامت تفر من أمامه تهرول خارج الغرفه لتصطدم ب "هنيه" توارت خلفها تستنجد بها ضاحكه :
-- الحقيقى ياهنون...
ابتسمت هنيه بحبور على تجمعهم هاتفه :
-- خير يا"ريان" يابنى عملت فيك إيه الشقيه دى وانا أسلمهالك .
"ريان" بصخب هتف ضاحكا :
-- خليها تطلع من وراكي يا هنون أصل لو مسكتها هدهن وشها بالشيكولاته....
انسحبت هنيه هاتفه باستسلام:
-- هو الموضوع فيه شيكولاته.. لا ياحبيبي أنا مليش دعوه.. أنتم أحرار.. أنا مش هدخل بينكم.. "فجر" لحد الشيكولاته بتتحول......
انتصب "ريان" يضع يده بخصره يضيق ما بين حاجبيه قائلا بخبث :
-- أنتي ملكيش دعوه.. تمام خلعتي يا هنون.. مش كنتي زمان بتسلميهالى تسليم أهالي.. مدام خلعتي سبيهالى بقي وأنا هتصرف...
نبرته تزينت بالضحكات السعيده التى اشتاقها معهم وأردف :
-- هتطلعي ولا أمسكك أنا وساعتها محدش هيقدر ينقذك مني....
صرخت "فجر" بغضب مزيف :
خلاص ياأبيه أنا طلعت أهو.. اسفه ياأبيه.. أنا وحشه مش هعمل كده تاني.....
زمت شفتيها كالأطفال تقوسهم لأسفل.. وبحركه كوميديه أمسكت أذنيها صعودا وهبوطا تطلب العفو والسماح.. فعلتها جعلتهم يترنحوا فى وقفتهم ضحكا على منظرها...
بتذمر وقفت تدب بالأرض، فكت قبضت يدها وبسطتها أمامه تعطى له قطعة الشيكولاته..
أوهمها بعكس ما توقعت قائلا :
-- لفى ضهرك بسرعه..
وأشار على علبة السلسله..
بسذاجه التفت له تقف أمامه..
لتصدح ضحكات "هنيه وزينه".. قطم "ريان" شفته بأسنانه وأشار بأبهامه على فمه يحثهم الصمت. .
أمسكها منها يفتح غلافها وعلى غره كان يصبغ وجهها مٌزَوَقا أياها بلون الشيكولاته.....
فرطت الضحكات من "هنيه وزينه" لم يستطيعوا التماسك أكثر.. ليتصاعد رنين ضحكاتهم بصخب.. فهيئة "فجر" مذريه بعد أن قبض "ريان" على وجهها ولطخه كمهرجى السيرك لتصير كالبليتشو......
صرخت "فجر" بتذمر هاتفه بغضب :
-- كده بهدلت وشى ياأبيه.. هو أنت مش هتتغير.. على طول تعمل فيا المقلب ده وأنا غبيه وبصدقك.. ماشى ياأبيه أنا زعلانه......
---------------------------
وآه من نظرات تشتعل حقد وكره.. تراقبهم من الخلف بعيون ناريه توشك على الانفجار من تجمعهم.. تومض غل وشر لصفاء جوهم.. تضمر لهم الوعيد بهلاكهم......
وكأن كل الناس على شاكلتها خبيثه حدثت نفسها :
-- لفيتي أنتى وبناتك علي ابني عشان تاخديه في صفك.. وكمان لما "فهد" يرجع يسيطر أكتر علي ابني.. مستحيل اسمحلك بده.. فرجتكم (فرقتكم) على يدى.. اللي معرفتش أعمله زمان آن الأوان يتعمل........
------------------------
مازالت "فجر" تتصنع البكاء وتمثيل الحزن، فهى تريده أن يجلس معهم أكبر وقت، فهى اشتاقت لمجلسه وروحه المرحه، اشتاقت أخيها المحب لهم الودود العطوف.....
تأفافت "فجر" هاتفه :
-- عجبك كده شكلي ياأبيه....
وكمان "زينه" بتغفلني وتصورني....
ولسه لما يرجع أبيه فهد وتفرجوا الفيديو هبقي مسخره العيله كلها....
دبدبت الأرض بأقدامها وتابعت :
-- اتصرفي يا مامتي.. أنتى بتضحكي أنتى بذمتك أم أنتى.. واحد لغوص وشى.. والتانيه بتصورنى وأنتى واقفه تتفرجى..
آه يانى ياللى ماليش حظ مع حد......
"هنيه" من فرط السعاده تذوب، خافقها يرفرف فرحا على تجمعهم، وصفاء جوهم هتفت بوجه مشرق تزينه ابتسامه رائعه :
-- وأنا مالي يا بنوتي الحلوه.....
أنتم أخوات حلوين مع بعض.....
ربنا يحميكم ويحفظكم يارب.....
أنا مليش دعوه بيكم....
نظرت "هنيه" لـ"ريان" تغمز له ضاحكه وتابعت :
-- الحته دى مش عليها شيكولاته، وأشارت على وجه "فجر"
باتت الضحكه تغيب عن وجهه الا فى حضورهم.. محياه يشع سعاده وثغره يعلوه الضحكات الجميله.. سر ضحكاته تكمن فى سعاده قلبه.. أبدا لم يكن يوما يتصنع معهم السعاده.. ما ذاقها الا فى أحضانهم.....
بادلها ريان الغمزات مردفا :
-- فعلاً عندك حق...
مد يده يكمل تلطيخ وجهها
اعتدل ينظر ل هنيه مردفا :
-- افتحي بوقك ياهنون .. دى مخصوص ليكى.. فتح قطعه أخرى وضعها بفمها يطعمها إياها.....
مسدت "هنيه" على زراعه هاتفه بحب :
-- تسلم يا حبيبي.. ربنا يخليك ليهم اخ وسند.. ويحفظك من كل شر يارب......
ابتسم "ريان" بحبور قائلا :
-- يا الله ياهنون .. بقالي سنين محدش دعالي كده .. يمكن لو أمي كانت بتدعيلي .. كانت حياتي اتغيرت وموصلتش للي وصلتله...
بتريث هتفت "هنيه" :
-- مهما كان اللي وصلتله.. أخواتك في ضهرك.. وهتعدى أي حاجه وصلتلها واحنا معاك كلنا يا حبيبي.. ربنا يهديك ويبعد عنك شر النفوس الخبيثه....... .
جذبته لصدرها تربت عليه بحنان أم اشتاقت لوليدها، هى تعتبره بمثابة ابن لها، فهى دوما لا تفرق بين اولاد سعد فجميعهم أبنائها مداموا من صلب ملاذها.......
سكنت مقلتيه الدموع، وتحجرت بصحن عينيه، زفر تنهيده حارقه تمزق أضلعه، أحشائه تتلوى من مرارة فقد الحنان والاحتواء.. هو أكثر من محتاج ليرتوى من عطش حرمان الاحضان الحنونه، كم تمنى كثيرا أن تكون هى أمه، عض نواجزه يكتم تأوهاته، يسب سوء حظه الذى ساق له أم مثل "مكيده"......
قَبْلها من جبهتها هاتفا بغبطه :
-- فعلاً كنت محتاج الحضن ده..
ربنا يخليكى ليا....
وقعت عينه صوب "فجر" التى تخطو باتجاه غرفة الحمام..
ابتعد عن "هنيه" هاتفا بمزاح :
-- ط استني يا"فجر" راحه فين.. تعالي هنا.....
رمقته بغيظ تدب الأرض كالاطفال : -- سبني بقي وشي هيطلع فيه حساسيه.. وانتم بهدلتوني كلكم.. أنا مخصماكم....
قبض ريان على أذنها هاتفا بدعابه : -- تعالي أقولك كلمه سر ..
قطم وجنتيها، بوخزات خفيفه ظل يعضها ويدغدغها هاتفا بمرح :
-- انا هاكٌلها الشيكولاته الوحشه اللي ممكن تزعل أختى حبيبة قلبي منى...
فُك عبوس "فجر" وصدحت ضحكاتها...
أخرج "ريان" السلسال قائلا بغبطه :
-- لفي بقي عشان تشوفي أنا جبتلك أيه.. السلسله اللي كان نفسك فيها من زمان.. ونجمع فيها صورنا كلنا.. وأنا ياستى وفيت بوعدى ليكي....
قفزت تصفق بفرح هاتفه :
-- أنت بتهزر صح .. يعني صورنا كلنا
أنت وأبيه فهد وأنا وزينه صح ..
تعالى تهليلها بسعاده، ليضمها اليها بحبور هيئتها فرحه أدخلت السرور لقلبه....
علامات البهجة ترسم محيا الجميع.. استندت "زينه" ترتكز على كتف "هنيه".. أخرجت هاتفها للمره الثانيه والتقطت لهم صور كثيره توثق تلك اللحظات التى باتت قليله.......
ولكن هل تدوم السعاده، للاسف عمرها قصير مع ام قلبها يخفق سواد، نبضاته تحيا على هدم سعادة الآخرين....
همست "زينه" ل "هنيه" :
-- بزمتك مش طيب.. أنا دايما أقول طنط "مكيده" دى عقربه هي اللي بتخليه وحش معانا.....
لكزتها "هنيه" بسخط مردفه :
-- بس عشان جات وراكى.. وبعد كده لمي لسانك.. دى مهما كانت أم اخوكي فهمتي.....
بغيظ ردت عليها زينه :
-- هو أنتى هتبطلي الطيبه اللي بهبل دى أمتي.. دى لو طالت هتولع فيكي مش هتتأخر وهتعملها.....
بحب هتفت "هنيه" :
-- ربنا موجود.. المهم أخوكم قرب منكم.. متبعدوش عنه تاني..
وحثتها عالصمت عند دخول "مكيده" ضورتها الحقوده....
جاءت "مكيده" بزعابيب أمشير تفرق شملهم هاتفه بصراخ :
-- أنت بتعمل أيه هنا.. وأيه اللي في أيدك ده...
جذبت السلسال من يده بعنف هاتفه بسخريه :
-- ايه الحلاوه دى يا ابن بطني..
بجت الحكايه أكده.. بتچيب دهب للبنات المدلعه دول.. وكمان حاطط صورتك معاهم.. مستحيل اسمحلك تجرب
(تقرب) منهم..
استوقفها "ريان" قبل البدء فى مهاترات كلامها التى لا تتوقف عن بخه فى أذنه قائلا :
-- أمي لو سمحتي مش هسمحلك تدخلي بيني وبين أخواتى...
استدار يهاتف "فجر" وتركها تستشيط:
-- يلا عشان البسك السلسله.. وافرحي بيها يا قلب أخوكي....
هرولت فجر تحتضنه بحبور تهمس له :
-- كنت خايفه أوى لتسمع كلامها.....
بادلها ريان الهمس بغبطه :
-- أنتي نسيه أنك حبيبة أخوكي.. يالا سيبي حضني.. أصل أخدك في حضني زى زمان وأنام.. ونسيب أمي وأمك يقتلوا بعض....
اومأت فجر بفرح :
-- حاضر يا حبيبي
التفت له ورفعت شعرها يٌلبسها السلسال...
ارتدته ثم اعتدلت بوقفتها، ليجذبها يطبع قبله على مقدمة رأسها هاتفا :
-- ربنا يسعدك ياحبيبتى زى القمر ماشاء الله...
هزت رأسها تشكره للفرحه التى غمرتها وكان هو السبب فيها
امتعضت زينه وتصنعت العبوس مردفه :
-- يعني أنا مليش في الأحضان دى كلها.. طول عمرك بتحبها هي أكتر مني ياأبيه.....
نفى ريان قائلا :
-- عيب عليكي يا غلبويه.. أنتم الأتنين معزه واحده...
بسط زراعيه يضمهم لخافقه "زينه" توسطت الضلع اليمين و"فجر" توسطت اليسار.. شملهم تحت كتفيه بحبور يبثهم حبه الأخوى المختزل لهم.....
مشهد يرق له الحجر، ولكن الحجر تتفجر منه ينابيع الخير، ولكن قلوب بعض البشر وكأنها نٌحِتَتْ من صخر صلب لا يلين للحب والخير.....
اشرقت عين هنيه بسعاده لتنظر ل "مكيده" بانتصار :
-- ربنا يجمعكم يا ولاد سعد وما يفرق بينكم أبدا.. ويبعد عنكم كل شر.....
على غره من حديثم اقتربت "مكيده" منهم بشر.. وجذبت منها السلسال مزقته وألقته أرضا...
صدح ريان بعصبيه يزجرها قائلا :
-- أيه اللي حضرتك عملتيه ده.. حرام عليكى مفيش فرحه ليا تكمليها للآخر.. لازم باستمرار تكونى السبب فى تعاستى....
بهتت سعادته وحل مكانها البؤس .. دنى أرضا ومد يده وقبض على السلسال قائلا بأسف :
-- أنا آسف يا"فجر" .. حقك عليا أنا هصلحها وهجيبهالك.....
زفر نفسه بحزن يقطع نياط قلبه واستدار لوالدته :
-- حضرتك للأسف عشان أمي مش قادر اتكلم معاكي.. بس لو حد تاني حاول بس يزعل أخواتى أو يعمل اللي حضرتك عملتيه كنت اتصرفت تصرف تاني....
حول نظره لأخوته يبادلهم نظرات حزينه متأسفه على وضعه معهم، تركهم وغادر يجر أذيال معاناته مع ام تحجر قلبها، لا يهمها سعادة ابنها، المهم انتصار حقدها فى تفرقة شملهم......
طالعت مكيده هنيه بتهكم تهاتفها بغيظ :
-- أنتى فكره نفسك يا"هنيه" هتجدرى تاخدى مني ولدى.. وبتضحكي عليه أنتى وبناتك بهزارهم الماسخ ده.. ولدى تحت طوعي..
..
وأشارت علي رأسها وتابعت :
-- ابني ميجدرش يعمل حاجه غصب عني.. واذا كنتي فاكره أنك هتضحكي عليه وتكرهيه فيا عشان اخرج من الدوار و"سعد" يطلجني(يطلقنى) تبجي (تبقى) بتحلمي..
واستطردت بغلاظه تنعتها :
-- فهمتي يا تربيه المزارع...
باستخفاف عقبت عليها هنيه :
-- خلصتي كلامك اللي ملوش طعم ده.. اسمعي بجي (بقى) الكلمتين دول وخليهم حلجه (حلقه) في ودانك...
"فهد وريان وفجر وزينه" ولاد "سعد عبدالجواد الراوى" من صلبه.. يعني متربين من حلال وأصلهم طيب.. لو كالوا بعض في الآخر هم أخوات.. ومهما يدخل بينهم شياطين أنس أو جن.. هفكرك أنهم مرجعهم لبعض.. ريحي شيطانك وخليه يبعد عنهم....
ابتسمت بسعاده مسترسله :
-- كلها ساعه و"فهد" يجي.. وأنا عارفه ابني مش هيسمح لحد علي وش الأرض يفرجهم (يفرقهم)....
حولت نظرها للفتيات تتابع :
-- يالا يا بنات كل واحده تتصل علي أخ من أخواتكم شفوهم فين وطمنوني علي "فهد وريان".. أصل مليش نفس دمي يتعكر بكلام ماسخ......
أخدت الفتيات وخطت خطوتين ووقفت تبادل "مكيده" النظرات التى تطالعها وهى تكاد تموت غيظا هتفت بسعاده :
-- عن أذنك ياضُرتي أصل عندى فرح النهارده.....
لكزتها مكيده باستحقار تعقب عليها :
-- خلي بالك من فرحك ليجلب (يقلب) حزن.. أصل محدش عارف الشر بيجيله منين.. وأنتي عودك لسه أخضر مش واخده علي الحزن.. ومش حمل مصيبه ممكن تحصلك.....
بضجر استعاذة "هنيه" من شرها هاتفه :
-- أعوذ بالله منك ومن كلامك يا شيخه.. ربنا يبعدك عننا وبالأخص ولادك يا سعد.. ربنا يكفينا شرك...
تركتها وغادرت وهى تسلم أمرها لله ان يحفظهم من مكرها.....
----------------------------
القبر الحقيقي ليس في الأرض.. بل في قلوب دفنت فطرتها الطيبه التى خلقت عليها.. فى غياهب الحقد والكره.. إفتقار قلوبهم لإعطاء الحب للمقربين هو القبر الحقيقى..
بعد مغادرة غريمتها تتجول فى الغرفه تاخذها ذهابا وإيابا كل ما يشغل تفكيرها كيفية تعكير فرحهم، حملت حالها وأخرجت هاتفها تتصل على ولدها، تستكمل باقى العبث برأسه، أو عذرا تستكمل باقى تدميره..
أدارت "مكيده" الاتصال وبعد عدة رنات أتاها الرد هتفت بهياج :
-- أنت فين .. ترجع الفيلا حالا عشان ابوك وجدك ميسألوش عليك.. خَلى يومك يعدى...
يضيق عليه تنفسه وكأن الهواء سُحب من رئتيه، يختنق تكاد روحه تزهق،بصعوبه وجد صوته ليتحدث،زفر نفسه بتقطع، وأجابها بهستره بفعل لفافات التبغ والبودره المخدره التى يتناولها..
أردف "ريان" بأنفاس متحشرجه :
-- أنا هنا متقلقيش.. هناخد مملكه الراوى.. ونقتل الراوى الكبير وفهد واقولك والبنات كمان يالا.. وهنون بالمره هنسبها ليه.. دى أصلا في نظرك أوس المصايب.. واقولك الكبيره والحجه "راضيه" كمان.. عشان انتي تورثي مملكه الراوى.. عشان تبقي مرتاحه...
لم يتمالك نفسه وخر فى البكاء، من فكرة فَقَدْ عائلته وتابع بمراره :
-- بس تفتكري ممكن أنا أعيش بعدها.. أنتى أكبر غلطه في حياتي.. بس للأسف محدش بيختار أهله.. لو بأيدى مكنتش أختارتك أمى...
استشاطت "مكيده" وصرخت عليه :
-- أنت شربت إيه مخليك بالحاله دى.. وهو ده وجت (وقت) أنت تشرب فيه الزفت ده.. عاوز مرات أبوك الزفت تسخن أبوك عليك.. اطلع اتسبح عشان تفوج (تفوق) ومتشمتش حد فيا......
صاح "ريان" بعصبيه يعقب عليها باستياء مردفا :
-- كل اللي يهمك نفسك.. مش مهم انا فيا أيه.. عاوزه تعرفي أنا شربت إيه.. هاقولك عشان ترتاحي..
أنا مدمن هروين وبشرب مخدرات مبسوطه وانتي السبب......
لم يفزع قلبها على فلذة كبدها وأجابته بالامباله :
-- أيه يعني ها
هعالجك في أكبر مصحه في مصر كلها.. المهم تعمل اللي بقولك عليه.....
زاد اختناقه واستبدل بكاءه ضحكات ينعى حاله ويرثيه فى أم فقد الأمل فيها، فقد لسانه.. وكيفية الكلام أمام قلبها الغُلف، أغلق الهاتف دون سماع باقى حديثها، وخر ساجد يقلب كفيه على حاله وما آل إليه همس لنفسه بتيه :
-- آه من قلوب قاسيه كالحجاره، بل أشد قسوه، عشرتهم لا تطاق....
آه ممن كنت أظن أنه أحن الناس عليا، وجدت فيه قسوة العالم عليا...
آه من أم قتلت وليدها بسُم قسوتها...
------------------------------
ساحة الدوار مكتظه بالحركة الدؤبه، متأهبين لاستقبال حفيد كبيرهم، بينما كبير العائله وعميدها يجلس على مقعده الوثير والشوق بلغ أقصاه يتحين دخلة الغالى إلى أحضانه، تسود الأرجاء فرحه عارمه، السعاده فقط هى من تلوح بالافق....
مضى بعد الوقت واستفاق الجد من جلسته على تهليل الغفر بوصول حفيده....
صدح بلهفة الاشتياق يأمر الغفير :
-- اضرب نار يغفير منك له..
أما عنه وتعبيرا عن فرحته، فالكبير لا يفعلها مع أى أن كان مخلوق، فخرا وسعاده بحفيده، بنفسه سيرحب به على طريقة الكبار، وقف بشموخ وأدخل يده فى جيب جلبابه الداخلى، أخرج طبنجته الخاصه، ورفع ساعده فى الهواء وبدأ ضرب النار والترحيب به لآخر طلقه....
هبط من السيارة يترجل بتبختر ووجاهه، برزانه يمشى ومحياه يضج فخر بجده، اقترب منه يصافحه بحراره ودنى يقبل يده، ليجذبه جده من منكبيه يشدد على احتضانه
أردف فهد بسعاده :
-- أزي حضرتك ياجدى .. وحشتنى
بحبور رد عليه الحج الراوى :
-- بخير يا ولدى طول ما أنت بخير
أبعده الجد قليلا عن صدره يتطلع لمحياه الذى اشتاقه، ليترقرق الدمع بعينيه، يحمد الله على سلامته.....
داعبه "فهد" قائلا :
-- أنا بخير أهوو ياجدى، والصحه تمام، والقلب متصان، متقلقش عليا أنا من صلب الراوى وتد وراجل من ضهر راجل ياكبير....
مسد الجد على صدره قائلا :
-- ربنا يحميك ياحبيبى، متحرمش من داخلتك عليا ياغالى ياولد الغالى...
رفع رأسه ليجد أبيه يبسط له زراعيه وابتسامة الفرحه تزين وجهه هرول له يرتمى بأحضانه هاتفا بغبطه :
-- آه ياوالدى ليك وحشه..
مسد على ظهره بحب مردفا بفخر :
-- بخير يا "فهد" يابنى.. نورت البلد كلها يا سيادة الدكتور البشمهندس...
أشرأب على قدمه تواضعا لأبيه يقبل رأس والده مردفا بحفاوة وإجلال :
-- ربنا يديمك نعمه فى حياتى.. أنا أكبر عالدنيا كلها ولحد عندك مداس فى رجليك....
ربت "سعد" على وجنتيه بحنو معقبا بفخر :
-- يافرحتى بيك بذره مأصله من يومك ياسبع..
لتومض عينيه بطمأنيه فهو الأمل فى إصلاح ما أتلفته الأيام أردف يسترسل بحبور :
-- أبو الفهود رجع لعرينه.. عشان يصلح المايله....
تأبط زراع والده بسعاده، ويتقدمهم الجد، وولجوا للداخل لتهل عليهم النساء ، مهللين بسعاده، فرحين برجوعه للديار....
استقبلته الحجه"راضيه" بالزغاريط تفتح أحضانها على مصرعيها هاتفه ببهجه وسرور :
-- "فهد" ياضي عيني نورت يا جلب (قلب) ستك الدنيا كلها...
شددت من ضمه ليصدح صوتها يرن بفرحه :
-- اضرب نار يا غفير انت وهو..
خَلي الدنيا كلها تعرف أن كبير عيله الراوى وصل ونور الدنيا كلها....
خرج "فهد" من أحضانها يقبض على كفها بحنو يقبله عدة قبلات ثم رفع رأسه يقبل جبتها الشامخه مردفا :
-- ربنا يبارك فيكي ياجدتي ويديكي الصحه والعافيه ويديمك تاج على راسنا.......
"هنيه" بجوارهما تطالعهما وعلى وجهها ابتسامه واسعه من فرط جمالها يبرز صفى أسنانها، ليترقرق دمع فرحتها على وجنتيها، وهى تسلط عينيها على محياه تتشبع من وجهه الصبوح.....
لم تستطع صبرا أخرجته من أحضان جدته واحتوت وجهه براحتها هاتفه باشتياق :
-- وحشتني يا"فهد".. الحمد لله ربنا رجعك ليا بالسلامه...
لم تتمالك "هنيه" نفسها لتجهش بالبكاء، ضمته لصدرها بحنو، ضمت أم أضناها الحنين لوليدها وأثقل كاهلها وطأة البعاد......
برهه أطمئنت لوجوده بين خافقها، تنفست براحه، واستنشقت عبق رائحته، ابتعدت ترتب على وجنتيه هاتفه بشوق :
-- خوفت أموت قبل ما أشوفك يا "فهد" وأملى عينى منك.....
لم يكن حال "فهد" أقل منها اشتياق ولهفه، سعادته برؤيتها لا توصف ولا تقدر، لقد عاد لأمانه ومأمنه، فهى بالنسبه له مصدر البسمه والفرحه، حضنها له أنعم وأدفى وساده، طالما احتضنته وهدهدته وعوضته قسوة الحرمان، لم تشعره فى يوم بأنه يتيم، وهبته حبها وحنانها دون مقابل، ربته تحت ظلها وكأنه من حشاها....
عذرا أيها العالم لا تكتمل رجولتى إلا عندما انحنى أقبل كفيها وتنهمر دموعى مقابل نظرة رضا من عينيها........
غلبه الحنين والشوق جذبها ينتشلها من أرضها يدور بها بسعاده هاتفا بغبطه :
-- وحشتيني أوووووووي يا ست الكل.. ربنا ما يحرمني منك يارب..
توقف يتمالك أنفاسه ويريحها أرضا واحتضن وجنتيها بحبور :
-- حبيبتى ياهنون سعادتى النهارده متتوصفش بعد ما شوفتك.. وحياتى بلاش سيرة الموت.. عشان خاطرى أنا قصادك أهووو.. رجعت ومش هبطل أناكف فيكى.. أبقى لاحقى عليا.. فاكره زمان اهوو رجعت وهنجدد ليالى زمان..
أمسك يدها يلفها كالعروس الماريونيت وهتف بمزاح :
-- بس زى ما أنتى جميله وصغننه ياقمر..
مال على أذنها هامسا :
-- شكلك مجننه "سعد" بضمير..
لكزته بنزق محبب تبادله الهمس :
-- أسكت أنت متعرفش أبوك دالوقت.. الغيره عنده عدت ليفيل الوحش....
أخرجها من أحضانه بخفه، ليتلاشى الاصتطدام مع أبيه، ولكن للأسف سبق السيف العزل، والآن لدينا ثور هائج يلجم نفسه بصعوبه...
بحركه ذكيه موه الموقف هاتفا بانزعاج واهى :
-- بس أيه اللي أنتم عاملينه ده كله.. ده كتير ياأمى وشدد على كلمة أمى.. حتى تلين ملامح أبيه المستشاطه.....
عقبت هنيه :
-- ليه يا ولدى في عندنا أعز منك.. ده أنت الدنيا كلها شويه عليك....
هبطت الفتيات "زينه و فجر" مهرولين يرتموا بأحضانه سعيدين بفرحة رجوعه.. ضمهم "فهد" سويا لصدره يقبلهم بحفاوة، واشتالهم يلف بهم وصخب ضحاتكهم يصدح بالدوار..
ترنح بهم ليتوقف ينظم أنفاسه، لتهتف "زينه" سريعا بأنفاس متلاحقه :
-- وحشتني أوى ياأبيه.. مش مصدقه أنى اخيرا شوفتك واقف قصادى.. بس تتصور شكلك أحلى بكتير من الصور اللى كنت بتبعتهالنا....
باعجاب استرسلت "فجر" تشارك أختها الرأى :
-- عامل زى أبطال الروايات.. يا بختها اللي هتتجوزك ياأبيه...
قرصها من أنفها بمزاح :
-- يابكاشه بقى أنا حلو كده...
صاحت "هنيه" بنزق لطيف :
-- العين عليك بارده.. لو أنت وحش مين اللى هيبقى حلو.. وتطلع وحش لمين أصلا.. ده أبوك قمر وجدك قمرين.. ورجوله وأصل مفيش بعد كده....
استطردت تحدق به بتباهى وشموخ :
-- وطبعا ياحبيبى يابختها.. دى هتبقي أمها داعيلها في ليله القدر.. وأن شاء الله هتبقي ست البنات.. وكمان لازم تبقي جميله زى ولدى ربنا يحميه.. أنا عاوزه أحفاد حلوين وولاد كتير.. أنا بقولك أهوو
اتسعت ابتسامتها واكملت :
-- وأنا اللى هسميهم كلهم.. أنا عارفه اساميهم اختارتهم خلاص.....
زين الضحك ثغره ليجذبها فهد من رأسها يقبلها بغبطه هاتفا :
-- ربنا يخليكي ليا يا أمي.. جوزتينى.. وخلفت كمان.. وسميتي العيال.. أيه عصر السرعه ده.. كل ده وأنا معرفش....
----------------------------
تعالت الفرحه عالوجوه وتزينت بالبسمات، جنباتهم تضج سعاده.....
ولكن هناك من تترصدهم، تعد عليهم الأنفاس، تقف ترمقهم بغضب، تحسد تجمعهم، وللأسف وريث الشر يجاورها، برغم علمه بمساوؤها ولكن لا ينفك عن طاعتها..يتبادلون النظرات الممتعضه وكأنهم يشاهدوا فيلم مبتذل هابط...
هتفت مكيده من بين أسنانها :
-- إيه المرار الطافح ده.. ليه كان راجع من الحرب إياك.....
يقف "ريان" يدس يده بجيب سرواله، يحدقهم باستهجان أجابها بفتور :
-- آه طبعا ما هو اللي علي الحجر.. والبركه فيكي كرهت الكل فيا.. أما نشوف أخرت التخطيط اللي هتخربي بيه العيله....
خانه جسده بسبب ثقل رأسه من المكيفات التى تناولها، ليترنح فى وقفته...
بحده لكزته "مكيده" بصدره وكأنها سكين يخترق ضلوعه :
-- أقف أصلب حيلك يا ولدى.. وخليك راجل..
أمتعض من فعلتها وأثر الصمت عندما شاهد قدوم "فهد" نحوهم...
صدح فهد بحنين :
-- أيه يا"ريان" موحشتكش.. بس أنت بقي وحشتني قوى .. ومبقاش ليك حجه عشان متفكرش تتصل عليا وتكلمني .. خلاص هنفضل مع بعض يا بطل....
جذبه لصدره يشدد على ضمه :
-- تعالي في حضن أخوك .. لو أنا مش وحشك علي الأقل أنت واحشني يا جدع.....
"ريان" بابتسامه مزيفه :
-- أزاى لا طبعا وحشتني ده حتى أنت أخويه الكبير ..
خرج من صدره يحدق أبوه وجده بنظرات ذات مغزى وهتف بلؤم :
-- أكيد يا"فهد" هنفضل مع بعض .. متنساش أحنا الاتنين اللي شيلين اسم الراوى .. يعني كُبارات البلد دى .. بعد العمر الطويل لجدك وابوك طبعا.....
قطع "سعد" حديثه :
-- مالوش لازمه الكلام ده دلوقت .. يلا نخرج عشان المحافظ وصل هو ونواب البرلمان خذوا جدكم وسبقوني........
صاح الحج عبدالجواد الراوي قائلا بأمر :
-- يلا يا ولدي منك له هموا ورايا ..
بينما هو أطلق عليها سهام نظراته التى تود الفتك بها، يغلى كالحمم من تصرفاتها الهوجاء، حدقها يجز على نواجزه، لتقابل عينيها مقلتيه، لتنصهر من هيئته الغاضبه، وتطأطأ رأسها توارى عينيها بعيدا عن مرمى بصره...
صاح سعد بعصبيه :
-- "هنيه" تعالى عاوزك في المكتب حالا....
كلمتين بدون آطاله ألقاهم واستدار يغادر.....
ردت "هنيه" بلين :
-- حاضر يا سعد ..
استقامت تخطو ورائه...
أمسكت زراعها غريمتها تستوقفها بصراخ :
-- راحه فين ...
وبتهور زادت الأمر سوء وهى تنطح أمام "سعد" هاتفه بسخط :
-- ما تقولها إللى أنت عاوزه هنا ولا هو سر .. أنت مش واخذ بالك أنك زودتها معايا......
بخطوتين كان عاد لها يحدقها بغضب أشار بأصبعه ينقر على رأسها بتهكم :
-- أنتي قولتي أيه سمعينى كده .. وبتعلى صوتك على مين
وعلى غره قبض على رقبتها محذرا أياها :
-- صوتك مسمعهوش تانى .. وتطلعي تغورى أوضتك .. ولو لمحت وشك لمده اسبوع هتبقى الجانيه على نفسك .. وأنا مش هاتكلم ثاني .. أنتى عارفه فى غضبى مش هتسدى عليا....
ارتجفت أوصال "هنيه" وهرولت تقف بجوار الحجه "راضيه" نظرت لها بخوف وتلعثمت هاتفه :
-- أنا خايفه يا ماما .. أول مره أشوف سعد كده ..
بتريث أمسكت الحجه "راضيه" كفها تمسد عليه بحنو معقبه :
-- أهدي كده أحنا عارفين أن هو بيغير عليك من "فهد" من هو عيل صغير .. ما بالك لما بقى راجل طوله اسم الله عليه .. خليكي عقله واتصرفي معاه بقلبك .. وخلي عقلك ده يتصرف بحكمه وتمتصي غضبه .. فهمتى أنا اللي ربيتك أنتى متجوزه ابنى وهو كان أكبر منك بكتير وكنتى عيله بضفاير وبالرغم من كده عشقتيه و حبيتيه و عرفتى تحتويه .. يلا روحي وراه .. هديه وامتصى غضبه.....
-------------------------
عندما لم يلمح ظلها خلفه استوقف بخطواته أمام باب غرفة المكتب، ليركله بقوه هاتفا بعصبيه :
-- هتفضلى عندك كتير ....
بارتباك طالعت عينيه تُجيبه :
-- لا جايه حالا أهوووو
هرولت وراءه، ودلفت وأغلقت الباب خلفها، وقفت تفرك كفيها، فالتوتر بينهم سيد الموقف....
أولاها ظهره وأخرج علبة سجائره، أخذ واحده يضعها بفمه، سحب منها نفس عميق وزفر دخانها ينفث لهيب غيرته فيها، عبئ المكتب ألسنه دخانيه لتصير الأجواء أشد حميه.....
امتزاج أنفاسه الغاضبه مع دخان سيجارته وعضلات ظهره المتشنجه جعلها تنتفض بوقفتها، بدون تفكير هرولت تفف أمامه، جذبتها من يده ووضعتها بالمطفأه هاتفه بجديه :
-- أنت ممنوع تشرب سجاير طول ما أنت زعلان غلط على صحتك....
آه حارقه اخترقت جانبيه، ليهمس لنفسه ليتك تستطيعي إخماد حرائق الغيره التى تشعيلها بعفويه.....
قبض على كتفيها بقوه يهزها للأمام تاره وللخلف تاره، نهرها بعنف، حتى آلامها كثيراً لتفيض دموعها تعلن استسلامها لأجيج غيرته الضاريه، لأول مره لم يكترث لدموعها، وواصل زجره لها قائلا :
-- هو أنتى بتخافي علي صحتي أو أهمك .. أنا قولتلك إيه من يومين مش قولت متحضنيش "فهد" .. ومع ذلك مسمعتيش الكلام.....
بفحيح دنى من أذنها هامسا يتابع تحذيراته :
-- اياكي ألمح طيف راجل غيرى حواليكى .. حتي لو كان ابنك مفهوم . ومش هقولك تاني وأنا حذرتك .. بحس بسكاكين بتتغرز في قلبي......
ألقى جبهته على كتفها، وحاوط خصرها بتملك، يمرمغ وجهه بين عضمتى التروقه، يستنشق رائحتها كالمدمن وكأنها مهدئ وصف لترخى أعصابه.....
بادلته "هنيه" الأحضان بأكثر احتواء وتفهم، مسدت على ظهره تهدئه بحنوها المعتاد هاتفه :
-- أنت حبيبي وأبويا وأخويا.. بس هو كان واحشني أوى .. هحاول علي قد ما أقدر محضنش ابني....
زخات عينيها فاضت أكثر لتشهق مكمله :
-- عشان خاطرك يا"سعد" .. وعشان خاطر مشفش انهيارك ده تانى هنفذ اللى أنت عايزه.....
تصاعدت آهاته تشطر صدره نصفين نصفه عاشق حنون ونصفه الآخر يعشقها بجنون..
هذى لنفسه يحاورها بتيه :
-- غيرتى هى الطاغيه فى مملكة حبى، لا وجود للعقل فحبك بات يشوش على تعقلى.. غيرتى وصلت معكِ لعنان السماء.. حولت صفاء عقلى لعواصف رعديه وزوابع ترابيه.. ارتطم داخلى يصارع خفقات صوت العاطفه التى تموج بهياج ليعلى عليه صوت العاصفه، تعلن عن هبوب رياح عاتيه من الغيره، وإعصار مدمر لعشقها.....
كتم نفسه يحبسه بصدره، وزفره على مهل، ينفث مع كل زفره آه تختلج ضلوعه، رفع رأسه يحاوط براحتيه وجنتيها، يستحلفها بعينيه التماس العذر، همس بين شفتيها :
-- أنا عارف أنى غبي وعصبي .. بس أنتي عارفه أنتي عندي أيه .. أنا ماأقدرش أتخيل حد بيقرب منك....
تابع بألم مضنى لروحه :
-- أقولك أنا بغير عليك من أبويا الراجل الكوباره اللى بيعتبرك زى بنته .. لما بتديله الدواء بأيدك عشان تخففى وجعه .. أيدك اللى بتخفف وجعه هى اللى بتزود وجعى . بغير من أمي إللى هى ست زيك لما بتحضنك .. الحضن ده بينبت شوك وأنا حاسس أن حد تانى أتنعم بحضنك غيرى....
استطرد بعذاب :
-- أعذريني .. بس فعلا مش عاوز أشيل من "فهد" ابني وتكوني أنتي السبب.....
بترت حديثه هلعاً من معناه ووضعت كفها على شفتيه تعترض كلامه معقبه :
-- ما تقولش كده تاني .. أنت مالكش اللي هو ..ربنا ياخذني قبل ما يجي اليوم اللي أكون فيه السبب أنك تشيل من ابنك .. أو تحرمه عطفك وحنانك......
نهرها بحنق :
- أياكي تدعي على نفسك تاني مره مفهوم . ربنا يخليكِ ليا .. سامحيني أنا عارف أنى مزودها عليكى...
احتضنها بشغف... ويده تعبث بتملك على وجسدها
ارتخى جسدها بين يديه لتهمس بهيام :
-- أنا بحبك قوي يا"سعد"
بنبره عاشقه للثماله بادلها همسها : -- وأنا بعشقك يانن عين "سعد".
وأخيرا هدء بفعل كلامها المسكر، رفع ذقنها ومد يده يكفكف بقايا الدموع العالقه بأهدابها قائلا بحب :
-- ربنا يخليكِ ليا ياهنايا يلا بينا نخرج للجماعه طولنا عليهم...
ابتسمت له أومات له خطت تتبطأطأ زراعيه، ليستوقها بغتتا قائلا :
-- أنا هبات عندك النهارده......
اندهشت لحديثه وزوت بين عينيها باستفهام :
-- أزاى بس وهي دي ليله "مكيده "...
بسعاده التمع صحن عينيه من جديد، وضحك بصخب معقبا :
-- ركزي ياهنايا .. أنا قولتلها مشوفش وشك أسبوع كامل .. يعني أغرق في هنايا أنا أسبوع....
دغدغها بشقاوه غامزها بطرف عينيه :
-- ولا أنتي مش عاوزه....
ارتمت بأحضانه هاتفه بغبطه :
-- ربنا يخليك ليه .. الا عاوزه طبعا عاوزه .. ده أنا بتمنى تكون لياليك ليه لوحدى.....
تابعت تضحك بعبث :
-- بس "مكيده" هتولع في البيت حريقه .....
أشار على خافقه قائلا بولع :
-- الحريقه هنا .. من يوم ما شافك يا هنايا وهى مش بتنطفى...
دنى لأذنيها قائلا بمكر :
-- أنا بقول أيه .. أمشي من وشي بدل ما أطلع بيكي ومحدش هيشوفك.... عشان اعرف اطفى الحريقه اللى قدتيها فى جتتى.....
عقبت : لا وعلى أيه الطيب أحسن
ليتعالى رنين ضحكاتها عندما شاهدته يلوح بيده كالمروحه يهوى على وجهه بمزاح لتتركه مهروله للمطبخ فقربه مهلك للأعصاب....
-------------------------
خرجت "هنيه" لتقابل عينيها الحجه "راضيه" لتبادلها النظرات بخجل، رتبت على كتفها بسعاده :
-- بتضحكي تبقى صالحتيه صح .. ربنا يكملك بعقلك يا جلب (قلب) أمك.......
"زينه" بشقاوه شاكستهما :
-- كده يا تيته هى قلبك طيب وإحنا أيه بقى.......
بغلها المعتاد هتفت مكيده :
-- هو أحنا مش هنبطل دلع البنات ده هما وأمهم.....
لتفسد على "هنيه" فرحتها بَسُمْ كلامها :
-- بقولك يا"هنيه" أوعى تنسى نفسك .. مهما خلفتي هتفضلي برضوا حته البت اللي كانت شغاله بالأجره في الأرض اللى بتزرعها يعنى من الآخر بتتحسب من الخدم......
استشاطت "فجر" من تجريحها لوالدتها قاطعتها بحده :
-- بقولك أيه يا مرات أبويا .. أنا مستحيل أسمحلك تتكلمي مع أمي بالطريقه دي .. وتعلى صوتك عليها وتهنيها بالشكل ده........
تدخلت "زينه"واشتبكت معهم تزيد من وطاة الحديث :
-- وبعدين كفايه أن بابا عاملها ست البيت ده .. ما بيقدرش يعيش بعيد عنها يوم .. وهو ده اللي تعبك وقهرك منها.......
---------------------------
ضرب مجلسهم هبوب مفاجئ لعاصفه زادت من توتر الأجواء من مخلفات مناخ سئ للتربيه للأسف دنست الباقى من أصله الطيب
خطى "ريان" يدك الأرض ليجذبها من شعرها يشده بقسوه، منافى لمشاعره معها منذ وقت قريب صاح بغضب :
-- أنتى بتقولي أيه ياحيوانه .. أزاى أصلا تتكلمي مع أمي بالشكل ده....
أنهى كلامه بصفعه خشنه على وجنتها....
هرولت "فجر" لأختها تنجدها من براثنه هاتفه بصراخ :
-- حرام عليك عملتلك أيه ..
سيب "زينه" منك لله ..
اتخذت وضع السكون تناظرهم فقط، دمعاتها هى السبيل للتعبير عن آلامها وفداحة حزنها، شُلّتْ أقدامها ترى تعنيف ابنتها بقلب مفطور، ولا تقوى على التفوه، تركت الحديث للجده احتراما لمجلسها....
استقامت الحجه "راضيه" بفزع تتحامل على قدميها لتخطو تجذب "زينه" من يده هاتفه بحنق :
-- أنت اتجننت ياولد .. بتضرب (خيتك) أختك وأنا واجفه (واقفه) .. سيب خيتك ياجليل الربايه........
تدخلت "مكيده" تزيد من اشتعال الأجواء هاتفه:
-- تستاهل عشان محدش يطول لسانه تاني أبدا عليا .. دي بنت جليلة الأدب وكان لازم يربيها.......
حدقتها الحجه "راضيه" بغضب، وأخدت "زينه" تجلسها بأحضانها تُمَلس على صفعة وجنتها بحنو، وحولت نظراتها ل"ريان" هاتفه باستهجان :
-- جطع (قطع) يدك لما تتمد على خيتك (اختك) وأبوها عايش.....
باستحكار طالعت "مكيده" تكيل لها :
-- وبعدين مين دى اللي جليله (قليلة) الأدب أنتى اللي جليله الأدب، والحيا، والربايه......
استرسلت تلوم نفسها على سوء اختيارها :
-- أنا إللى غلطانه عشان سمحت لوحده زيك تدخلي بيتي .. كنت مفكره أنك هتبقى بنت أصول .. بس للأسف فرقتي بين الأخوات .. وكل تصرفاتك مبتجيبش غير الخراب على البيت .. لا ومن فجرك لسه بتوجعي (بتوقعى) بين الأخوات وكمان عينى عينك جدامي (قدامى)......
جزت على نواجزها تحذرها :
-- لازم تعرفي مين الحجه "راضيه".. أنتي شفتي خيرى .. لكن شري لسه مَشفتهوش .. واحذرى من قلبتى عليكى .. هجيب جديمك (قديمك) وجديدك وهطوى أيامك وليالكى .. وكأنك ما عشتى تحت سجف (سقف) بيتى يوم......
على هيئتها استدارت ل هنيه
-- وأنتي خذي بتك واطلعي طيبي خاطرها.....
تنفست بصعوبه وتحمحمت تجلى حنجرتها ابتلعت غصتها واستأذنت من الجده هاتفه :
-- بعد أذنك ياماما الحجه كلمتين عايزة أقولهم ل"ريان" عشان يعرف أن طال سكوتى ميفتكرش أن ده ضعف منى.....
أومأت لها الحجه"راضيه" بالقبول
أشارت على "ريان" هاتفه بامتعاض :
-- أنا هقولك كلمتين .. تحطهم حلقه فى ودانك .. إياك أيدك تتمد علي بناتي .. أنا كنت بسكت وأعدى عشان أنت أخوهم .. لكن طول عمرك بتظلمهم .. طول عمرك معاهم متقلب المزاج .. طول عمرك كلمه توديك وكلمه تجيبك وأنا أسامح وأقول عشان خاطر "سعد" .. بس لحد كده وكفايه مش هقبل بده يتكرر تانى........
بهياج صارخ قاطعتها "فجر" :
-- أنا هقول ل"فهد" على كل اللي كنت بتعمله فينا وهو مش موجود .. وأبقى وريني هتعمل كده تاني أزاى .. أنا اللي غلطانه أنى فكرتك هترجع أخونا زي زمان....
احتد عليها "ريان" قائلا :
-- شكلك عاوزه تتربى أنتي كمان وتاخذي قلمين زيها .. عشان تعرفي أزاى تكلمي أخوكي الكبير........
اغتاظت "هنيه" من رده وصرخت به :
-- بس بقى بطل عصبيتك الغبيه دى......
استطردت باستهجان :
-- بقولك أيه أنا عمري ما قولتلك أنت ليه بتضرب بناتي اللي هم أخواتك من لحمك ودمك .. رغم أنهم متربين وأنت عارف ومتأكد من أخلاقهم .. كنت بسكت عشان أنت أخوهم الكبير .. بس أكثر من كده خلاص إياك أيدك تتمد على بنت منهم.....
استدارت تعاتب "فجر" بحنق :
-- وأنتى أياكي اسمعك تقولي لأخوكِ "فهد" على اللي حصل أو صوتك يعلا علي أخوكي "ريان" تاني .. مهما يعمل متنسيش أنه أخوكي .. لو قطع من جسمك صوتك ميعلاش عليه .. كفايه الشيطانة اللي دخلت بينكم .. الحكايه مش ناقصه ..
ويالاخدى أختك و اطلعي فوق......
هتف "ريان" باستحقار يقلل من شأن هنيه :
-- هو أنتى هتنسى نفسك يا مرات أبويا .. هو أنتى فاكره علشان سكت على الكلام اللي قلتيه أبقى خوفت .. تبقى غلطانه الأيام الجايه هتبقى سواد على الكل .. وأنتى بالأخص .. أشار عليها بدونيه مكملا :
بس ياريت تستحملي اللي هيحصل يامرات أبويا قال الأخيره بتهكم...
حديثه لاذع ألقاه بفظاظه على مسامعهم .. كلمات أضرمت النار بالنفوس .. ليتركهم ويغادر يَسْبُهُمْ بوعيد حارق.......
زفرت الحجه "راضيه" بقلة حيله :
-- ربنا يهديك يا ابني .. ويبعد عنك شياطين الأنس والجن...
لترسل لمكيده نظرات لو أطلقتها لحرقتها.......
بينما مخالب الشر بادلتها النظرات بامتعاض والغضب بداخلها يشتعل كمراجل النار، من تهكمهم معها، تركتهم صاعده منصبة التفكير فى طريقه لإفساد فرحتهم بحفيدهم.....
--------------------
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
------------------
حاله من الفوضى المزاجيه تعبث بكل شئ داخلها يصعب عليها تفسير ما تشعر به.. هل هو غضب من ردود أفعاله المستفزه معها.. أم بسبب شعور وليد الصدفه، وليد اللحظه ترك نبضه جديده علي خافقها على أثرها اختلجت أوصالها.. مشاعر متضاربه تداهمها كلما تذكرت صدفة لقائهما يخفق قلبها بقوه لينهرها عقلها أَفِيقِى أنها صُدْفًه عابره.......
قادت الماتور بسرعه هائله تنفث فيه غضبها من ذلك العملاق.. وصلت العياده البيطريه فى دقائق معدوده، هبطت من عليه، وترجلت لداخل العياده، وعلى اتفاقهم المسبق وجدت أختها فى انتظارها، بعصبيه مفرطه هتفت :
-- سلام عليكم يا"بسنت".....
علامات الدهشة والاستفهام احتلت وجهها هتفت "بسنت" باستفسار :
-- مالك متعصبه كده ليه.. العياده مش عجبتك صح.. قولي وأنا اغيرها.. بس أهدى بدل ما أنتى راحه جايه خيلتيني......
بانفعال أخذت تلوح بيدها يمين ويسار، قطمت على شفتيها، وقبضت على كفيها تصفعهما ببعض هاتفه بحنق :
-- عياده أيه اللي مش عجبتني.. أنا أصلاً مركزتش فيها.. أنا هموت من العملاق اللي بهدلني، وقالي يا قزمه....
ظلت تأخذ غرفة العياده ذهابا وأيابا عينيها يترقرق منها الدمع، تمسكت برأسها تهزها بهستريه تردد ما قاله لها :
-- أنا مش باينه من الأرض.....
أنا مش باينه من الأرض......
أشارت على نفسها :
-- أنا قزمه .. أنا قزمه .. أنا قزمه
لتقف فجأه تلتمع بمخيلتها فكره كانت غائبه عنها
-- أنا ليه مضربتوش.. كان لازم أعضه، ولا أخربشه حتى.. عشان كل ما يبص في المرايا يفتكرني....
نهرت نفسها على تلك الفكره ونفضت رأسها وكأنها تستبعدها عنها :
-- أنتى غبيه ياغمزة ..
هو أنتى كنتِ هتعرفِ تطوليه أزاى.. ده عملاق عايز سلم عشان تعرفى توصليله.......
ضحكت "بسنت" على هيئتها هاتفه :
-- مين ده يا"غمزه" اللي عمل فيكي كده.. اقعدى كده غلط عليكى...
جذبتها بحنو تمسد على رأسها وتابعت :
-- أهدي عيونك بدمع من الانفعال....
اندفعت منها ضحكه عاليه وأردفت بنبره غناء :
-- بس شكله علم عليكي جامد.. تعالى احكيلي وفضفضيلي.. وعن همك قوليلى.. أختى حبيبتى عندك غيرى تشتكيله......
لكزتها غمزه بامتعاض :
-- أنتي بتهزرى يا"بسنت" بقولك هموت من الغيظ.. وبعدين أنا اللي علمت عليه وكسرتله كشاف العربيه.. لا الأتنين مش واحد.. وان شاء الله هكسر دماغه المره الجاية.....
بزهول مما تفوهت به هتف "بسنت" بتساؤل :
-- ينهار ألوان مين ده اللي كسرتيله كشفات العربية يا مجنونه.. أهدى واحكيلي من الأول الحكايه كلها.......
كتمت "غمزه " أنفاسها وزفرتها دفعه واحده بغيظ، خطت وجلست على أقرب مقعد واستغفرت ربها لتهدئ من وتيرة غضبها وهتفت تقص عليها ما حدث :
-- اسمعي يا ستي أنا خرجت أجرب الموتوسكل.. وأول ما طلعت الطريق لقيت ولد قاعد يعيط جنب قطه ميته.. قولت أروح أشوفه ماله.. ما أختك فقريه.. وبعد حوار طويل ومرير من الأسئله
مين عمل كده في القطه....... وانت ابن مين....... وجاى مع مين....... المهم الولد شاور علي عربيه العملاق..
ابتسمت بغيظ تغير لقبه :
-- لا من هنا ورايح اسمه بقى هولاكو لايق عليه اكتر...
هزت "بسنت" رأسها وحثتها على تكملة الحوار .. لتتابع "غمزة" مسترسله :
-- المهم الولد قال إنه هو اللي موت القطه بالعربيه.. وأنا جنوني زاد وروحت بهدلته.. قالي ياقزمه وهراني تريقه..
استطردت بغل تجز أنيابها كما لو هو الذى بين أسنانها :
-- ما هو هولاكو وأنا قدامه بسكوته
أيش جاب الرقه للعضلات....
هتفت "بسنت" بانزعاج :
-- كملى وبلاش تقطيع عشان أفهم
ردت عليها بنزق :
-- خلاص هكمل متزوقيش..
نفىَ خالص أنه هو اللي موت القطه.. وطبعا لما قالي يا مجنونه اتجننت زياده.. وحبيت اعرفه المجنونه دى ممكن تعمل أيه.. وكسرتله العربية وعلمت عليه وخدت حقى.. هى دى تقريبا الحكاية باختصار.......
ملامح "بسنت" رُسِمَت عليها الصدمه والدهشه زمت شفتيها تحركهم يمين يسار، وبأبهامها دلكت رأسها وكأنها تفكر هاتفه :
-- اااه هى دى الحكايه.. بس أنتى مفكرتيش ولو للحظه أن هو ممكن يكون فعلا مش هو اللي موت القطه.. وخصوصا وأنتي بتقولي علي الطريق.. يعني في كذا عربيه شبه بعض مشيوا عالطريق.. والولد ممكن يكون اختلط عليه الأمر.. ده بردو ولد صغير.....
تابعت بتسليه تغمز لها بطرف عينيها :
-- بس قوليلي عمره قد إيه هولاكو ده.. كبير في السن مثلا.. وخلقه ضيق.. ولا شكله وحش ومكعبر مثلا....
جحظت "غمزة" بهيام :
-- ده مين اللي وحش.. ده زى القمر حتة موز رهيب.. طول وعرض.. عيونه رهيبه عامله زى خليه عسل النحل ولما اتعصب بقت بلون القهوه، ولا رموشه جباره واصله لجواجبه.. من الآخر شاب فآخر وتكه عالمسطره.. ياخربيت مراته واقعه مع برطمان عسل بالمكسرات.. حظها بنت المحظوظه ده لو اتساب تشقطه البنات......
ضحكت "بسنت" وصفعتها على رأسها بمزاح :
-- ومين قالك أنه متجوز. مش يمكن يكون عذابي.. ومحتاج قزمه زيك....
هتفت "غمزه" بسخريه :
-- اللي زي ده مستحيل يتساب بجسمه ده.. زمانه متجوز أربعه عشان بس يلاحقه يزغطوه زى دكر البط.. افتكر عاوز مطبخ متحرك مكان ما يروح عشان يلاحقه عليه
واحده تفطره..... واحده تغديه.....
واحده تعشيه .....وواحده تأكله بين الوجبات.... هههههههههه
استقامت ضاحكه وجذبت بسنت مردفه :
-- كفايانا كلام عنه صدفه وراحت لحالها.. قومي يا أختي ياحبيبتى فرجيني علي العيادة.. بس أول حاجه الجنينة والمرجيحه عشان البلبل اللي نفسي فيه أحطه جنب المرجيحه واقعد جنبه أحكيله وأفضفضله..
جرتها خلفها مهروله :
-- يالا تعالي مرجحيني الأول عايزة أهدى أعصابى من صدفته الهباب......
ابتسمت "بسنت" لاعتدال مزاجها :
-- يالا بينا بس يارب زوقي يعجبك يا قزمه....
القت كلمتها ضاحكه وهرولت تجرى و"غمزة" خلفها تهاتفها أنا اللي هتمرجح الأول...
مضى وقتهم بسعاده بين الهزار وإلقاء النكات والضحك كلما تذكروا العملاق هولاكو....
---------------------------
الأخوة كنافذة من زجاج صافِ.. نطل منها على أحلى ما في الدنيا.. ونرى من خلالها كل المعاني الجميلة.. ولكن عندما تحاوطهم النفوس الخبيثه تعمل على تعكير صفوهم.. وتفرقة جمعهم......
بعد حديثه المؤلم مع والدته، ارتدى ملابسه استعدادا لمقابلة أخيه، غادر غرفته يهبط الدرج ليأخذه الحنين لأخوته البنات، رمى ببصره تجاه غرفهم، زفر بضيق من تعليمات أمه بعدم الاقتراب منهم، ولكن بالأخير غلبه اشتياقه لهم، تمرد على تحذيراتها، ولم يكترث بالعواقب وخطى اتجاه الباب بتردد رفع يده يتحسس سترته، ودق الباب دقه اثنتان، وها هو يقف بخجل من ردت فعلهم، فهو أصبح كالغريب بالنسبه لهم من كترة تقلباته معهم
هرولت "زينه" تفتح ولكن بداخلها ريبه يثاورها الشك فى شخص من بالباب.. فهذه الطرقه لشخص عزيز طالما انتظروا قدومه..
ارتجفت يدها وقبضت عالمقبض كأنها تقبض على قلبها، فتحت الباب ليتسع بؤبؤ عينيها بفزع هاتفه بتلعثم :
-- أزيك ياأبيه "ريان" عامل إيه..
رحبت به باقتضاب وصمتت لم تُكْثَر بالحديث مخافتا من تقلباته المزاجيه.....
غضب "ريان" من فعلتها ليتصنم مكانه، قبض على كفه يخفف من حدة سخطه على فعلتها لرؤيته.. آثارها فى نفسه، ولكن التمس لها العذر فهو بالأخير السبب فى هذه الفجوه.. استقر بداخله أن يمرء الموقف ويستمتع بوقته معهم....
التمتعت مقلتيه اشتياقا لهم وابتسم قائلا :
-- أزيك يا"زينه" ممكن أدخل ولا ممنوع ليا الدخول.....
جاءت خلفها "فجر" تقطع عليها تذبذبها تجيبه بمزاح :
-- لا طبعا اتفضل ده حتى أنت ياأبيه زى هلال العيد......
تنفست "زينه" الصعداء بعد إنقاذ أختها للموقف، ابتعدت قليلا عن الباب هاتفه :
-- اتفضل ياأبيه حضرتك تنور طبعاً..
ابتسم "ريان" بحبور وهتف يمازحهم :
-- ما هو عشان أنا زى هلال العيد قولت أهل عليكم شويه....
تحسس صدره يتمنى الأ يصدوه وتابع بوجه يشع سعاده :
-- ازيكم يا بنات وحشتونى قوى عاملين إيه وأخبار دراستكم أيه....
وضع يده بداخل جيب سترته وأخرج علبة صغيره واسترسل بغبطه :
-- أنا جايبلكم هديه أتمني تعجبكم..
وجه بصره ل زينه "
-- الخاتم ده معمول مخصوص ليكى يا"زينه"جايبه من فتره وشيله فى جيبى مش بطلعه خايف لحسن تكسفيني ..أتمنى يعجبك....
استطرد بحنو :
-- اتفضلي يا"زينه" بس أوعديني أنك مش تقلعيه من أيدك عشان دايما تفتكرينى .. أنا عارف أنى كنت عصبي معاكم آخر فتره.. بس عشان خاطرى متزعليش مني.....
بسطت زينه يدها وأخدته شاكره بدعابه :
-- شكرا ياأبيه أنا بحبك من غير هديه أصلاً .. بس هحبك اكتر بالهديا......
صدحت ضحكتها وتلاشت بوقتها عندما حدقها رافعا أحدى حاجبيه بوعيد...
صفعت فمها تغص ضحكتها هاتفه :
-- خلاص آسفه.. هتكلم بجد بس ياأبيه حضرتك بتتغير أول ما طنط تدخل بنا وبتبقي عصبي .. خليك زينا أحنا مش بندخل بين ماما وطنط .. عشان نبقي مع بعض حلوين.....
بسطت أناملها هاتفه بشقاوه لكى تفك عبوس وجهه :
-- هتكرم عليك واعتبرك زى خطيبى المستقبلى .. يالا لبسهولي وفك التكشيره.....
جذبها لأحضانه يمسد على رأسها بحب هاتفا :
-- معلش يا زينه ادعيلي حياتي تتغير للأحسن .. وآسف أنى أوقات بفقد السيطره علي أعصابى...
أخرجها من صدره يقبل مقدمة رأسها والتقط منها الخاتم وألبسه لها....
اعتدل واستقام يتجه نحو "فجر" يبتسم بحنين :
-- حبيبتي اللي كانت بتستخبي، وتخضني عشان اجرى وراها .. وفي الآخر تتعلق في رقبتي .. وتخبي عيوني لحد ما أطلع لها الشكولاته .. ومتستكفاش لأ كمان تطلب مني اشلها واطلعها أوضتها فكره يا"فجر"......
ابتسمت "فجر" بغبطه
-- طبعا فكره ياأبيه...
هرولت تقف خلفه تعلقت برقبته وسحبت يدها توارى عيونه هاتفه بمزاح :
-- فين الشوكلاته بتاعتي...
ثبتها ريان على ظهره يدور بها وصخب ضحاكاتهم يملئ الغرفه.. تطوح فى دورانه.. ليثبت نفسه يستوقف قليلا، ألتقط أنفاسه، وأنزلها بتروى يأخذها فى صدره يربت على ظهرها بحنو....
مد يده وأخرج من سترته علبة الهدايا مره أخرى ومعها الشيكولاته
وبحماس رفع يداه هاتفا بمرح :
-- اللي هتطوليها هتخديها .. ياالشيكولاته يا السلسله .. واختارى انتي يا"فجر".....
هتفت فجر بسرور :
-- أنت عارفني بضعف قدام الشيكولاته...
أخذت "فجر" تدور حوله تصفق بيدها كالأطفال سعيده فرحه بمرح أخيها معها كسابق عهدهم.. ظلت تقفز تحاول الوصول ليده.. أخفاها "ريان" منها لتبوء محاولاتها بالفشل..
هرولت تجرى خلفه.. ليقعا على المخدع.. اعتدلت "فجر" تجثى على ركبتها تدغدغه لتثير ضحكاته ليسهل عليها تفتيشه..
وأخيرا انقضت علي جيب سترته وأخذتها منه عنوه ثم استقامت تفر من أمامه تهرول خارج الغرفه لتصطدم ب "هنيه" توارت خلفها تستنجد بها ضاحكه :
-- الحقيقى ياهنون...
ابتسمت هنيه بحبور على تجمعهم هاتفه :
-- خير يا"ريان" يابنى عملت فيك إيه الشقيه دى وانا أسلمهالك .
"ريان" بصخب هتف ضاحكا :
-- خليها تطلع من وراكي يا هنون أصل لو مسكتها هدهن وشها بالشيكولاته....
انسحبت هنيه هاتفه باستسلام:
-- هو الموضوع فيه شيكولاته.. لا ياحبيبي أنا مليش دعوه.. أنتم أحرار.. أنا مش هدخل بينكم.. "فجر" لحد الشيكولاته بتتحول......
انتصب "ريان" يضع يده بخصره يضيق ما بين حاجبيه قائلا بخبث :
-- أنتي ملكيش دعوه.. تمام خلعتي يا هنون.. مش كنتي زمان بتسلميهالى تسليم أهالي.. مدام خلعتي سبيهالى بقي وأنا هتصرف...
نبرته تزينت بالضحكات السعيده التى اشتاقها معهم وأردف :
-- هتطلعي ولا أمسكك أنا وساعتها محدش هيقدر ينقذك مني....
صرخت "فجر" بغضب مزيف :
خلاص ياأبيه أنا طلعت أهو.. اسفه ياأبيه.. أنا وحشه مش هعمل كده تاني.....
زمت شفتيها كالأطفال تقوسهم لأسفل.. وبحركه كوميديه أمسكت أذنيها صعودا وهبوطا تطلب العفو والسماح.. فعلتها جعلتهم يترنحوا فى وقفتهم ضحكا على منظرها...
بتذمر وقفت تدب بالأرض، فكت قبضت يدها وبسطتها أمامه تعطى له قطعة الشيكولاته..
أوهمها بعكس ما توقعت قائلا :
-- لفى ضهرك بسرعه..
وأشار على علبة السلسله..
بسذاجه التفت له تقف أمامه..
لتصدح ضحكات "هنيه وزينه".. قطم "ريان" شفته بأسنانه وأشار بأبهامه على فمه يحثهم الصمت. .
أمسكها منها يفتح غلافها وعلى غره كان يصبغ وجهها مٌزَوَقا أياها بلون الشيكولاته.....
فرطت الضحكات من "هنيه وزينه" لم يستطيعوا التماسك أكثر.. ليتصاعد رنين ضحكاتهم بصخب.. فهيئة "فجر" مذريه بعد أن قبض "ريان" على وجهها ولطخه كمهرجى السيرك لتصير كالبليتشو......
صرخت "فجر" بتذمر هاتفه بغضب :
-- كده بهدلت وشى ياأبيه.. هو أنت مش هتتغير.. على طول تعمل فيا المقلب ده وأنا غبيه وبصدقك.. ماشى ياأبيه أنا زعلانه......
---------------------------
وآه من نظرات تشتعل حقد وكره.. تراقبهم من الخلف بعيون ناريه توشك على الانفجار من تجمعهم.. تومض غل وشر لصفاء جوهم.. تضمر لهم الوعيد بهلاكهم......
وكأن كل الناس على شاكلتها خبيثه حدثت نفسها :
-- لفيتي أنتى وبناتك علي ابني عشان تاخديه في صفك.. وكمان لما "فهد" يرجع يسيطر أكتر علي ابني.. مستحيل اسمحلك بده.. فرجتكم (فرقتكم) على يدى.. اللي معرفتش أعمله زمان آن الأوان يتعمل........
------------------------
مازالت "فجر" تتصنع البكاء وتمثيل الحزن، فهى تريده أن يجلس معهم أكبر وقت، فهى اشتاقت لمجلسه وروحه المرحه، اشتاقت أخيها المحب لهم الودود العطوف.....
تأفافت "فجر" هاتفه :
-- عجبك كده شكلي ياأبيه....
وكمان "زينه" بتغفلني وتصورني....
ولسه لما يرجع أبيه فهد وتفرجوا الفيديو هبقي مسخره العيله كلها....
دبدبت الأرض بأقدامها وتابعت :
-- اتصرفي يا مامتي.. أنتى بتضحكي أنتى بذمتك أم أنتى.. واحد لغوص وشى.. والتانيه بتصورنى وأنتى واقفه تتفرجى..
آه يانى ياللى ماليش حظ مع حد......
"هنيه" من فرط السعاده تذوب، خافقها يرفرف فرحا على تجمعهم، وصفاء جوهم هتفت بوجه مشرق تزينه ابتسامه رائعه :
-- وأنا مالي يا بنوتي الحلوه.....
أنتم أخوات حلوين مع بعض.....
ربنا يحميكم ويحفظكم يارب.....
أنا مليش دعوه بيكم....
نظرت "هنيه" لـ"ريان" تغمز له ضاحكه وتابعت :
-- الحته دى مش عليها شيكولاته، وأشارت على وجه "فجر"
باتت الضحكه تغيب عن وجهه الا فى حضورهم.. محياه يشع سعاده وثغره يعلوه الضحكات الجميله.. سر ضحكاته تكمن فى سعاده قلبه.. أبدا لم يكن يوما يتصنع معهم السعاده.. ما ذاقها الا فى أحضانهم.....
بادلها ريان الغمزات مردفا :
-- فعلاً عندك حق...
مد يده يكمل تلطيخ وجهها
اعتدل ينظر ل هنيه مردفا :
-- افتحي بوقك ياهنون .. دى مخصوص ليكى.. فتح قطعه أخرى وضعها بفمها يطعمها إياها.....
مسدت "هنيه" على زراعه هاتفه بحب :
-- تسلم يا حبيبي.. ربنا يخليك ليهم اخ وسند.. ويحفظك من كل شر يارب......
ابتسم "ريان" بحبور قائلا :
-- يا الله ياهنون .. بقالي سنين محدش دعالي كده .. يمكن لو أمي كانت بتدعيلي .. كانت حياتي اتغيرت وموصلتش للي وصلتله...
بتريث هتفت "هنيه" :
-- مهما كان اللي وصلتله.. أخواتك في ضهرك.. وهتعدى أي حاجه وصلتلها واحنا معاك كلنا يا حبيبي.. ربنا يهديك ويبعد عنك شر النفوس الخبيثه....... .
جذبته لصدرها تربت عليه بحنان أم اشتاقت لوليدها، هى تعتبره بمثابة ابن لها، فهى دوما لا تفرق بين اولاد سعد فجميعهم أبنائها مداموا من صلب ملاذها.......
سكنت مقلتيه الدموع، وتحجرت بصحن عينيه، زفر تنهيده حارقه تمزق أضلعه، أحشائه تتلوى من مرارة فقد الحنان والاحتواء.. هو أكثر من محتاج ليرتوى من عطش حرمان الاحضان الحنونه، كم تمنى كثيرا أن تكون هى أمه، عض نواجزه يكتم تأوهاته، يسب سوء حظه الذى ساق له أم مثل "مكيده"......
قَبْلها من جبهتها هاتفا بغبطه :
-- فعلاً كنت محتاج الحضن ده..
ربنا يخليكى ليا....
وقعت عينه صوب "فجر" التى تخطو باتجاه غرفة الحمام..
ابتعد عن "هنيه" هاتفا بمزاح :
-- ط استني يا"فجر" راحه فين.. تعالي هنا.....
رمقته بغيظ تدب الأرض كالاطفال : -- سبني بقي وشي هيطلع فيه حساسيه.. وانتم بهدلتوني كلكم.. أنا مخصماكم....
قبض ريان على أذنها هاتفا بدعابه : -- تعالي أقولك كلمه سر ..
قطم وجنتيها، بوخزات خفيفه ظل يعضها ويدغدغها هاتفا بمرح :
-- انا هاكٌلها الشيكولاته الوحشه اللي ممكن تزعل أختى حبيبة قلبي منى...
فُك عبوس "فجر" وصدحت ضحكاتها...
أخرج "ريان" السلسال قائلا بغبطه :
-- لفي بقي عشان تشوفي أنا جبتلك أيه.. السلسله اللي كان نفسك فيها من زمان.. ونجمع فيها صورنا كلنا.. وأنا ياستى وفيت بوعدى ليكي....
قفزت تصفق بفرح هاتفه :
-- أنت بتهزر صح .. يعني صورنا كلنا
أنت وأبيه فهد وأنا وزينه صح ..
تعالى تهليلها بسعاده، ليضمها اليها بحبور هيئتها فرحه أدخلت السرور لقلبه....
علامات البهجة ترسم محيا الجميع.. استندت "زينه" ترتكز على كتف "هنيه".. أخرجت هاتفها للمره الثانيه والتقطت لهم صور كثيره توثق تلك اللحظات التى باتت قليله.......
ولكن هل تدوم السعاده، للاسف عمرها قصير مع ام قلبها يخفق سواد، نبضاته تحيا على هدم سعادة الآخرين....
همست "زينه" ل "هنيه" :
-- بزمتك مش طيب.. أنا دايما أقول طنط "مكيده" دى عقربه هي اللي بتخليه وحش معانا.....
لكزتها "هنيه" بسخط مردفه :
-- بس عشان جات وراكى.. وبعد كده لمي لسانك.. دى مهما كانت أم اخوكي فهمتي.....
بغيظ ردت عليها زينه :
-- هو أنتى هتبطلي الطيبه اللي بهبل دى أمتي.. دى لو طالت هتولع فيكي مش هتتأخر وهتعملها.....
بحب هتفت "هنيه" :
-- ربنا موجود.. المهم أخوكم قرب منكم.. متبعدوش عنه تاني..
وحثتها عالصمت عند دخول "مكيده" ضورتها الحقوده....
جاءت "مكيده" بزعابيب أمشير تفرق شملهم هاتفه بصراخ :
-- أنت بتعمل أيه هنا.. وأيه اللي في أيدك ده...
جذبت السلسال من يده بعنف هاتفه بسخريه :
-- ايه الحلاوه دى يا ابن بطني..
بجت الحكايه أكده.. بتچيب دهب للبنات المدلعه دول.. وكمان حاطط صورتك معاهم.. مستحيل اسمحلك تجرب
(تقرب) منهم..
استوقفها "ريان" قبل البدء فى مهاترات كلامها التى لا تتوقف عن بخه فى أذنه قائلا :
-- أمي لو سمحتي مش هسمحلك تدخلي بيني وبين أخواتى...
استدار يهاتف "فجر" وتركها تستشيط:
-- يلا عشان البسك السلسله.. وافرحي بيها يا قلب أخوكي....
هرولت فجر تحتضنه بحبور تهمس له :
-- كنت خايفه أوى لتسمع كلامها.....
بادلها ريان الهمس بغبطه :
-- أنتي نسيه أنك حبيبة أخوكي.. يالا سيبي حضني.. أصل أخدك في حضني زى زمان وأنام.. ونسيب أمي وأمك يقتلوا بعض....
اومأت فجر بفرح :
-- حاضر يا حبيبي
التفت له ورفعت شعرها يٌلبسها السلسال...
ارتدته ثم اعتدلت بوقفتها، ليجذبها يطبع قبله على مقدمة رأسها هاتفا :
-- ربنا يسعدك ياحبيبتى زى القمر ماشاء الله...
هزت رأسها تشكره للفرحه التى غمرتها وكان هو السبب فيها
امتعضت زينه وتصنعت العبوس مردفه :
-- يعني أنا مليش في الأحضان دى كلها.. طول عمرك بتحبها هي أكتر مني ياأبيه.....
نفى ريان قائلا :
-- عيب عليكي يا غلبويه.. أنتم الأتنين معزه واحده...
بسط زراعيه يضمهم لخافقه "زينه" توسطت الضلع اليمين و"فجر" توسطت اليسار.. شملهم تحت كتفيه بحبور يبثهم حبه الأخوى المختزل لهم.....
مشهد يرق له الحجر، ولكن الحجر تتفجر منه ينابيع الخير، ولكن قلوب بعض البشر وكأنها نٌحِتَتْ من صخر صلب لا يلين للحب والخير.....
اشرقت عين هنيه بسعاده لتنظر ل "مكيده" بانتصار :
-- ربنا يجمعكم يا ولاد سعد وما يفرق بينكم أبدا.. ويبعد عنكم كل شر.....
على غره من حديثم اقتربت "مكيده" منهم بشر.. وجذبت منها السلسال مزقته وألقته أرضا...
صدح ريان بعصبيه يزجرها قائلا :
-- أيه اللي حضرتك عملتيه ده.. حرام عليكى مفيش فرحه ليا تكمليها للآخر.. لازم باستمرار تكونى السبب فى تعاستى....
بهتت سعادته وحل مكانها البؤس .. دنى أرضا ومد يده وقبض على السلسال قائلا بأسف :
-- أنا آسف يا"فجر" .. حقك عليا أنا هصلحها وهجيبهالك.....
زفر نفسه بحزن يقطع نياط قلبه واستدار لوالدته :
-- حضرتك للأسف عشان أمي مش قادر اتكلم معاكي.. بس لو حد تاني حاول بس يزعل أخواتى أو يعمل اللي حضرتك عملتيه كنت اتصرفت تصرف تاني....
حول نظره لأخوته يبادلهم نظرات حزينه متأسفه على وضعه معهم، تركهم وغادر يجر أذيال معاناته مع ام تحجر قلبها، لا يهمها سعادة ابنها، المهم انتصار حقدها فى تفرقة شملهم......
طالعت مكيده هنيه بتهكم تهاتفها بغيظ :
-- أنتى فكره نفسك يا"هنيه" هتجدرى تاخدى مني ولدى.. وبتضحكي عليه أنتى وبناتك بهزارهم الماسخ ده.. ولدى تحت طوعي..
..
وأشارت علي رأسها وتابعت :
-- ابني ميجدرش يعمل حاجه غصب عني.. واذا كنتي فاكره أنك هتضحكي عليه وتكرهيه فيا عشان اخرج من الدوار و"سعد" يطلجني(يطلقنى) تبجي (تبقى) بتحلمي..
واستطردت بغلاظه تنعتها :
-- فهمتي يا تربيه المزارع...
باستخفاف عقبت عليها هنيه :
-- خلصتي كلامك اللي ملوش طعم ده.. اسمعي بجي (بقى) الكلمتين دول وخليهم حلجه (حلقه) في ودانك...
"فهد وريان وفجر وزينه" ولاد "سعد عبدالجواد الراوى" من صلبه.. يعني متربين من حلال وأصلهم طيب.. لو كالوا بعض في الآخر هم أخوات.. ومهما يدخل بينهم شياطين أنس أو جن.. هفكرك أنهم مرجعهم لبعض.. ريحي شيطانك وخليه يبعد عنهم....
ابتسمت بسعاده مسترسله :
-- كلها ساعه و"فهد" يجي.. وأنا عارفه ابني مش هيسمح لحد علي وش الأرض يفرجهم (يفرقهم)....
حولت نظرها للفتيات تتابع :
-- يالا يا بنات كل واحده تتصل علي أخ من أخواتكم شفوهم فين وطمنوني علي "فهد وريان".. أصل مليش نفس دمي يتعكر بكلام ماسخ......
أخدت الفتيات وخطت خطوتين ووقفت تبادل "مكيده" النظرات التى تطالعها وهى تكاد تموت غيظا هتفت بسعاده :
-- عن أذنك ياضُرتي أصل عندى فرح النهارده.....
لكزتها مكيده باستحقار تعقب عليها :
-- خلي بالك من فرحك ليجلب (يقلب) حزن.. أصل محدش عارف الشر بيجيله منين.. وأنتي عودك لسه أخضر مش واخده علي الحزن.. ومش حمل مصيبه ممكن تحصلك.....
بضجر استعاذة "هنيه" من شرها هاتفه :
-- أعوذ بالله منك ومن كلامك يا شيخه.. ربنا يبعدك عننا وبالأخص ولادك يا سعد.. ربنا يكفينا شرك...
تركتها وغادرت وهى تسلم أمرها لله ان يحفظهم من مكرها.....
----------------------------
القبر الحقيقي ليس في الأرض.. بل في قلوب دفنت فطرتها الطيبه التى خلقت عليها.. فى غياهب الحقد والكره.. إفتقار قلوبهم لإعطاء الحب للمقربين هو القبر الحقيقى..
بعد مغادرة غريمتها تتجول فى الغرفه تاخذها ذهابا وإيابا كل ما يشغل تفكيرها كيفية تعكير فرحهم، حملت حالها وأخرجت هاتفها تتصل على ولدها، تستكمل باقى العبث برأسه، أو عذرا تستكمل باقى تدميره..
أدارت "مكيده" الاتصال وبعد عدة رنات أتاها الرد هتفت بهياج :
-- أنت فين .. ترجع الفيلا حالا عشان ابوك وجدك ميسألوش عليك.. خَلى يومك يعدى...
يضيق عليه تنفسه وكأن الهواء سُحب من رئتيه، يختنق تكاد روحه تزهق،بصعوبه وجد صوته ليتحدث،زفر نفسه بتقطع، وأجابها بهستره بفعل لفافات التبغ والبودره المخدره التى يتناولها..
أردف "ريان" بأنفاس متحشرجه :
-- أنا هنا متقلقيش.. هناخد مملكه الراوى.. ونقتل الراوى الكبير وفهد واقولك والبنات كمان يالا.. وهنون بالمره هنسبها ليه.. دى أصلا في نظرك أوس المصايب.. واقولك الكبيره والحجه "راضيه" كمان.. عشان انتي تورثي مملكه الراوى.. عشان تبقي مرتاحه...
لم يتمالك نفسه وخر فى البكاء، من فكرة فَقَدْ عائلته وتابع بمراره :
-- بس تفتكري ممكن أنا أعيش بعدها.. أنتى أكبر غلطه في حياتي.. بس للأسف محدش بيختار أهله.. لو بأيدى مكنتش أختارتك أمى...
استشاطت "مكيده" وصرخت عليه :
-- أنت شربت إيه مخليك بالحاله دى.. وهو ده وجت (وقت) أنت تشرب فيه الزفت ده.. عاوز مرات أبوك الزفت تسخن أبوك عليك.. اطلع اتسبح عشان تفوج (تفوق) ومتشمتش حد فيا......
صاح "ريان" بعصبيه يعقب عليها باستياء مردفا :
-- كل اللي يهمك نفسك.. مش مهم انا فيا أيه.. عاوزه تعرفي أنا شربت إيه.. هاقولك عشان ترتاحي..
أنا مدمن هروين وبشرب مخدرات مبسوطه وانتي السبب......
لم يفزع قلبها على فلذة كبدها وأجابته بالامباله :
-- أيه يعني ها
هعالجك في أكبر مصحه في مصر كلها.. المهم تعمل اللي بقولك عليه.....
زاد اختناقه واستبدل بكاءه ضحكات ينعى حاله ويرثيه فى أم فقد الأمل فيها، فقد لسانه.. وكيفية الكلام أمام قلبها الغُلف، أغلق الهاتف دون سماع باقى حديثها، وخر ساجد يقلب كفيه على حاله وما آل إليه همس لنفسه بتيه :
-- آه من قلوب قاسيه كالحجاره، بل أشد قسوه، عشرتهم لا تطاق....
آه ممن كنت أظن أنه أحن الناس عليا، وجدت فيه قسوة العالم عليا...
آه من أم قتلت وليدها بسُم قسوتها...
------------------------------
ساحة الدوار مكتظه بالحركة الدؤبه، متأهبين لاستقبال حفيد كبيرهم، بينما كبير العائله وعميدها يجلس على مقعده الوثير والشوق بلغ أقصاه يتحين دخلة الغالى إلى أحضانه، تسود الأرجاء فرحه عارمه، السعاده فقط هى من تلوح بالافق....
مضى بعد الوقت واستفاق الجد من جلسته على تهليل الغفر بوصول حفيده....
صدح بلهفة الاشتياق يأمر الغفير :
-- اضرب نار يغفير منك له..
أما عنه وتعبيرا عن فرحته، فالكبير لا يفعلها مع أى أن كان مخلوق، فخرا وسعاده بحفيده، بنفسه سيرحب به على طريقة الكبار، وقف بشموخ وأدخل يده فى جيب جلبابه الداخلى، أخرج طبنجته الخاصه، ورفع ساعده فى الهواء وبدأ ضرب النار والترحيب به لآخر طلقه....
هبط من السيارة يترجل بتبختر ووجاهه، برزانه يمشى ومحياه يضج فخر بجده، اقترب منه يصافحه بحراره ودنى يقبل يده، ليجذبه جده من منكبيه يشدد على احتضانه
أردف فهد بسعاده :
-- أزي حضرتك ياجدى .. وحشتنى
بحبور رد عليه الحج الراوى :
-- بخير يا ولدى طول ما أنت بخير
أبعده الجد قليلا عن صدره يتطلع لمحياه الذى اشتاقه، ليترقرق الدمع بعينيه، يحمد الله على سلامته.....
داعبه "فهد" قائلا :
-- أنا بخير أهوو ياجدى، والصحه تمام، والقلب متصان، متقلقش عليا أنا من صلب الراوى وتد وراجل من ضهر راجل ياكبير....
مسد الجد على صدره قائلا :
-- ربنا يحميك ياحبيبى، متحرمش من داخلتك عليا ياغالى ياولد الغالى...
رفع رأسه ليجد أبيه يبسط له زراعيه وابتسامة الفرحه تزين وجهه هرول له يرتمى بأحضانه هاتفا بغبطه :
-- آه ياوالدى ليك وحشه..
مسد على ظهره بحب مردفا بفخر :
-- بخير يا "فهد" يابنى.. نورت البلد كلها يا سيادة الدكتور البشمهندس...
أشرأب على قدمه تواضعا لأبيه يقبل رأس والده مردفا بحفاوة وإجلال :
-- ربنا يديمك نعمه فى حياتى.. أنا أكبر عالدنيا كلها ولحد عندك مداس فى رجليك....
ربت "سعد" على وجنتيه بحنو معقبا بفخر :
-- يافرحتى بيك بذره مأصله من يومك ياسبع..
لتومض عينيه بطمأنيه فهو الأمل فى إصلاح ما أتلفته الأيام أردف يسترسل بحبور :
-- أبو الفهود رجع لعرينه.. عشان يصلح المايله....
تأبط زراع والده بسعاده، ويتقدمهم الجد، وولجوا للداخل لتهل عليهم النساء ، مهللين بسعاده، فرحين برجوعه للديار....
استقبلته الحجه"راضيه" بالزغاريط تفتح أحضانها على مصرعيها هاتفه ببهجه وسرور :
-- "فهد" ياضي عيني نورت يا جلب (قلب) ستك الدنيا كلها...
شددت من ضمه ليصدح صوتها يرن بفرحه :
-- اضرب نار يا غفير انت وهو..
خَلي الدنيا كلها تعرف أن كبير عيله الراوى وصل ونور الدنيا كلها....
خرج "فهد" من أحضانها يقبض على كفها بحنو يقبله عدة قبلات ثم رفع رأسه يقبل جبتها الشامخه مردفا :
-- ربنا يبارك فيكي ياجدتي ويديكي الصحه والعافيه ويديمك تاج على راسنا.......
"هنيه" بجوارهما تطالعهما وعلى وجهها ابتسامه واسعه من فرط جمالها يبرز صفى أسنانها، ليترقرق دمع فرحتها على وجنتيها، وهى تسلط عينيها على محياه تتشبع من وجهه الصبوح.....
لم تستطع صبرا أخرجته من أحضان جدته واحتوت وجهه براحتها هاتفه باشتياق :
-- وحشتني يا"فهد".. الحمد لله ربنا رجعك ليا بالسلامه...
لم تتمالك "هنيه" نفسها لتجهش بالبكاء، ضمته لصدرها بحنو، ضمت أم أضناها الحنين لوليدها وأثقل كاهلها وطأة البعاد......
برهه أطمئنت لوجوده بين خافقها، تنفست براحه، واستنشقت عبق رائحته، ابتعدت ترتب على وجنتيه هاتفه بشوق :
-- خوفت أموت قبل ما أشوفك يا "فهد" وأملى عينى منك.....
لم يكن حال "فهد" أقل منها اشتياق ولهفه، سعادته برؤيتها لا توصف ولا تقدر، لقد عاد لأمانه ومأمنه، فهى بالنسبه له مصدر البسمه والفرحه، حضنها له أنعم وأدفى وساده، طالما احتضنته وهدهدته وعوضته قسوة الحرمان، لم تشعره فى يوم بأنه يتيم، وهبته حبها وحنانها دون مقابل، ربته تحت ظلها وكأنه من حشاها....
عذرا أيها العالم لا تكتمل رجولتى إلا عندما انحنى أقبل كفيها وتنهمر دموعى مقابل نظرة رضا من عينيها........
غلبه الحنين والشوق جذبها ينتشلها من أرضها يدور بها بسعاده هاتفا بغبطه :
-- وحشتيني أوووووووي يا ست الكل.. ربنا ما يحرمني منك يارب..
توقف يتمالك أنفاسه ويريحها أرضا واحتضن وجنتيها بحبور :
-- حبيبتى ياهنون سعادتى النهارده متتوصفش بعد ما شوفتك.. وحياتى بلاش سيرة الموت.. عشان خاطرى أنا قصادك أهووو.. رجعت ومش هبطل أناكف فيكى.. أبقى لاحقى عليا.. فاكره زمان اهوو رجعت وهنجدد ليالى زمان..
أمسك يدها يلفها كالعروس الماريونيت وهتف بمزاح :
-- بس زى ما أنتى جميله وصغننه ياقمر..
مال على أذنها هامسا :
-- شكلك مجننه "سعد" بضمير..
لكزته بنزق محبب تبادله الهمس :
-- أسكت أنت متعرفش أبوك دالوقت.. الغيره عنده عدت ليفيل الوحش....
أخرجها من أحضانه بخفه، ليتلاشى الاصتطدام مع أبيه، ولكن للأسف سبق السيف العزل، والآن لدينا ثور هائج يلجم نفسه بصعوبه...
بحركه ذكيه موه الموقف هاتفا بانزعاج واهى :
-- بس أيه اللي أنتم عاملينه ده كله.. ده كتير ياأمى وشدد على كلمة أمى.. حتى تلين ملامح أبيه المستشاطه.....
عقبت هنيه :
-- ليه يا ولدى في عندنا أعز منك.. ده أنت الدنيا كلها شويه عليك....
هبطت الفتيات "زينه و فجر" مهرولين يرتموا بأحضانه سعيدين بفرحة رجوعه.. ضمهم "فهد" سويا لصدره يقبلهم بحفاوة، واشتالهم يلف بهم وصخب ضحاتكهم يصدح بالدوار..
ترنح بهم ليتوقف ينظم أنفاسه، لتهتف "زينه" سريعا بأنفاس متلاحقه :
-- وحشتني أوى ياأبيه.. مش مصدقه أنى اخيرا شوفتك واقف قصادى.. بس تتصور شكلك أحلى بكتير من الصور اللى كنت بتبعتهالنا....
باعجاب استرسلت "فجر" تشارك أختها الرأى :
-- عامل زى أبطال الروايات.. يا بختها اللي هتتجوزك ياأبيه...
قرصها من أنفها بمزاح :
-- يابكاشه بقى أنا حلو كده...
صاحت "هنيه" بنزق لطيف :
-- العين عليك بارده.. لو أنت وحش مين اللى هيبقى حلو.. وتطلع وحش لمين أصلا.. ده أبوك قمر وجدك قمرين.. ورجوله وأصل مفيش بعد كده....
استطردت تحدق به بتباهى وشموخ :
-- وطبعا ياحبيبى يابختها.. دى هتبقي أمها داعيلها في ليله القدر.. وأن شاء الله هتبقي ست البنات.. وكمان لازم تبقي جميله زى ولدى ربنا يحميه.. أنا عاوزه أحفاد حلوين وولاد كتير.. أنا بقولك أهوو
اتسعت ابتسامتها واكملت :
-- وأنا اللى هسميهم كلهم.. أنا عارفه اساميهم اختارتهم خلاص.....
زين الضحك ثغره ليجذبها فهد من رأسها يقبلها بغبطه هاتفا :
-- ربنا يخليكي ليا يا أمي.. جوزتينى.. وخلفت كمان.. وسميتي العيال.. أيه عصر السرعه ده.. كل ده وأنا معرفش....
----------------------------
تعالت الفرحه عالوجوه وتزينت بالبسمات، جنباتهم تضج سعاده.....
ولكن هناك من تترصدهم، تعد عليهم الأنفاس، تقف ترمقهم بغضب، تحسد تجمعهم، وللأسف وريث الشر يجاورها، برغم علمه بمساوؤها ولكن لا ينفك عن طاعتها..يتبادلون النظرات الممتعضه وكأنهم يشاهدوا فيلم مبتذل هابط...
هتفت مكيده من بين أسنانها :
-- إيه المرار الطافح ده.. ليه كان راجع من الحرب إياك.....
يقف "ريان" يدس يده بجيب سرواله، يحدقهم باستهجان أجابها بفتور :
-- آه طبعا ما هو اللي علي الحجر.. والبركه فيكي كرهت الكل فيا.. أما نشوف أخرت التخطيط اللي هتخربي بيه العيله....
خانه جسده بسبب ثقل رأسه من المكيفات التى تناولها، ليترنح فى وقفته...
بحده لكزته "مكيده" بصدره وكأنها سكين يخترق ضلوعه :
-- أقف أصلب حيلك يا ولدى.. وخليك راجل..
أمتعض من فعلتها وأثر الصمت عندما شاهد قدوم "فهد" نحوهم...
صدح فهد بحنين :
-- أيه يا"ريان" موحشتكش.. بس أنت بقي وحشتني قوى .. ومبقاش ليك حجه عشان متفكرش تتصل عليا وتكلمني .. خلاص هنفضل مع بعض يا بطل....
جذبه لصدره يشدد على ضمه :
-- تعالي في حضن أخوك .. لو أنا مش وحشك علي الأقل أنت واحشني يا جدع.....
"ريان" بابتسامه مزيفه :
-- أزاى لا طبعا وحشتني ده حتى أنت أخويه الكبير ..
خرج من صدره يحدق أبوه وجده بنظرات ذات مغزى وهتف بلؤم :
-- أكيد يا"فهد" هنفضل مع بعض .. متنساش أحنا الاتنين اللي شيلين اسم الراوى .. يعني كُبارات البلد دى .. بعد العمر الطويل لجدك وابوك طبعا.....
قطع "سعد" حديثه :
-- مالوش لازمه الكلام ده دلوقت .. يلا نخرج عشان المحافظ وصل هو ونواب البرلمان خذوا جدكم وسبقوني........
صاح الحج عبدالجواد الراوي قائلا بأمر :
-- يلا يا ولدي منك له هموا ورايا ..
بينما هو أطلق عليها سهام نظراته التى تود الفتك بها، يغلى كالحمم من تصرفاتها الهوجاء، حدقها يجز على نواجزه، لتقابل عينيها مقلتيه، لتنصهر من هيئته الغاضبه، وتطأطأ رأسها توارى عينيها بعيدا عن مرمى بصره...
صاح سعد بعصبيه :
-- "هنيه" تعالى عاوزك في المكتب حالا....
كلمتين بدون آطاله ألقاهم واستدار يغادر.....
ردت "هنيه" بلين :
-- حاضر يا سعد ..
استقامت تخطو ورائه...
أمسكت زراعها غريمتها تستوقفها بصراخ :
-- راحه فين ...
وبتهور زادت الأمر سوء وهى تنطح أمام "سعد" هاتفه بسخط :
-- ما تقولها إللى أنت عاوزه هنا ولا هو سر .. أنت مش واخذ بالك أنك زودتها معايا......
بخطوتين كان عاد لها يحدقها بغضب أشار بأصبعه ينقر على رأسها بتهكم :
-- أنتي قولتي أيه سمعينى كده .. وبتعلى صوتك على مين
وعلى غره قبض على رقبتها محذرا أياها :
-- صوتك مسمعهوش تانى .. وتطلعي تغورى أوضتك .. ولو لمحت وشك لمده اسبوع هتبقى الجانيه على نفسك .. وأنا مش هاتكلم ثاني .. أنتى عارفه فى غضبى مش هتسدى عليا....
ارتجفت أوصال "هنيه" وهرولت تقف بجوار الحجه "راضيه" نظرت لها بخوف وتلعثمت هاتفه :
-- أنا خايفه يا ماما .. أول مره أشوف سعد كده ..
بتريث أمسكت الحجه "راضيه" كفها تمسد عليه بحنو معقبه :
-- أهدي كده أحنا عارفين أن هو بيغير عليك من "فهد" من هو عيل صغير .. ما بالك لما بقى راجل طوله اسم الله عليه .. خليكي عقله واتصرفي معاه بقلبك .. وخلي عقلك ده يتصرف بحكمه وتمتصي غضبه .. فهمتى أنا اللي ربيتك أنتى متجوزه ابنى وهو كان أكبر منك بكتير وكنتى عيله بضفاير وبالرغم من كده عشقتيه و حبيتيه و عرفتى تحتويه .. يلا روحي وراه .. هديه وامتصى غضبه.....
-------------------------
عندما لم يلمح ظلها خلفه استوقف بخطواته أمام باب غرفة المكتب، ليركله بقوه هاتفا بعصبيه :
-- هتفضلى عندك كتير ....
بارتباك طالعت عينيه تُجيبه :
-- لا جايه حالا أهوووو
هرولت وراءه، ودلفت وأغلقت الباب خلفها، وقفت تفرك كفيها، فالتوتر بينهم سيد الموقف....
أولاها ظهره وأخرج علبة سجائره، أخذ واحده يضعها بفمه، سحب منها نفس عميق وزفر دخانها ينفث لهيب غيرته فيها، عبئ المكتب ألسنه دخانيه لتصير الأجواء أشد حميه.....
امتزاج أنفاسه الغاضبه مع دخان سيجارته وعضلات ظهره المتشنجه جعلها تنتفض بوقفتها، بدون تفكير هرولت تفف أمامه، جذبتها من يده ووضعتها بالمطفأه هاتفه بجديه :
-- أنت ممنوع تشرب سجاير طول ما أنت زعلان غلط على صحتك....
آه حارقه اخترقت جانبيه، ليهمس لنفسه ليتك تستطيعي إخماد حرائق الغيره التى تشعيلها بعفويه.....
قبض على كتفيها بقوه يهزها للأمام تاره وللخلف تاره، نهرها بعنف، حتى آلامها كثيراً لتفيض دموعها تعلن استسلامها لأجيج غيرته الضاريه، لأول مره لم يكترث لدموعها، وواصل زجره لها قائلا :
-- هو أنتى بتخافي علي صحتي أو أهمك .. أنا قولتلك إيه من يومين مش قولت متحضنيش "فهد" .. ومع ذلك مسمعتيش الكلام.....
بفحيح دنى من أذنها هامسا يتابع تحذيراته :
-- اياكي ألمح طيف راجل غيرى حواليكى .. حتي لو كان ابنك مفهوم . ومش هقولك تاني وأنا حذرتك .. بحس بسكاكين بتتغرز في قلبي......
ألقى جبهته على كتفها، وحاوط خصرها بتملك، يمرمغ وجهه بين عضمتى التروقه، يستنشق رائحتها كالمدمن وكأنها مهدئ وصف لترخى أعصابه.....
بادلته "هنيه" الأحضان بأكثر احتواء وتفهم، مسدت على ظهره تهدئه بحنوها المعتاد هاتفه :
-- أنت حبيبي وأبويا وأخويا.. بس هو كان واحشني أوى .. هحاول علي قد ما أقدر محضنش ابني....
زخات عينيها فاضت أكثر لتشهق مكمله :
-- عشان خاطرك يا"سعد" .. وعشان خاطر مشفش انهيارك ده تانى هنفذ اللى أنت عايزه.....
تصاعدت آهاته تشطر صدره نصفين نصفه عاشق حنون ونصفه الآخر يعشقها بجنون..
هذى لنفسه يحاورها بتيه :
-- غيرتى هى الطاغيه فى مملكة حبى، لا وجود للعقل فحبك بات يشوش على تعقلى.. غيرتى وصلت معكِ لعنان السماء.. حولت صفاء عقلى لعواصف رعديه وزوابع ترابيه.. ارتطم داخلى يصارع خفقات صوت العاطفه التى تموج بهياج ليعلى عليه صوت العاصفه، تعلن عن هبوب رياح عاتيه من الغيره، وإعصار مدمر لعشقها.....
كتم نفسه يحبسه بصدره، وزفره على مهل، ينفث مع كل زفره آه تختلج ضلوعه، رفع رأسه يحاوط براحتيه وجنتيها، يستحلفها بعينيه التماس العذر، همس بين شفتيها :
-- أنا عارف أنى غبي وعصبي .. بس أنتي عارفه أنتي عندي أيه .. أنا ماأقدرش أتخيل حد بيقرب منك....
تابع بألم مضنى لروحه :
-- أقولك أنا بغير عليك من أبويا الراجل الكوباره اللى بيعتبرك زى بنته .. لما بتديله الدواء بأيدك عشان تخففى وجعه .. أيدك اللى بتخفف وجعه هى اللى بتزود وجعى . بغير من أمي إللى هى ست زيك لما بتحضنك .. الحضن ده بينبت شوك وأنا حاسس أن حد تانى أتنعم بحضنك غيرى....
استطرد بعذاب :
-- أعذريني .. بس فعلا مش عاوز أشيل من "فهد" ابني وتكوني أنتي السبب.....
بترت حديثه هلعاً من معناه ووضعت كفها على شفتيه تعترض كلامه معقبه :
-- ما تقولش كده تاني .. أنت مالكش اللي هو ..ربنا ياخذني قبل ما يجي اليوم اللي أكون فيه السبب أنك تشيل من ابنك .. أو تحرمه عطفك وحنانك......
نهرها بحنق :
- أياكي تدعي على نفسك تاني مره مفهوم . ربنا يخليكِ ليا .. سامحيني أنا عارف أنى مزودها عليكى...
احتضنها بشغف... ويده تعبث بتملك على وجسدها
ارتخى جسدها بين يديه لتهمس بهيام :
-- أنا بحبك قوي يا"سعد"
بنبره عاشقه للثماله بادلها همسها : -- وأنا بعشقك يانن عين "سعد".
وأخيرا هدء بفعل كلامها المسكر، رفع ذقنها ومد يده يكفكف بقايا الدموع العالقه بأهدابها قائلا بحب :
-- ربنا يخليكِ ليا ياهنايا يلا بينا نخرج للجماعه طولنا عليهم...
ابتسمت له أومات له خطت تتبطأطأ زراعيه، ليستوقها بغتتا قائلا :
-- أنا هبات عندك النهارده......
اندهشت لحديثه وزوت بين عينيها باستفهام :
-- أزاى بس وهي دي ليله "مكيده "...
بسعاده التمع صحن عينيه من جديد، وضحك بصخب معقبا :
-- ركزي ياهنايا .. أنا قولتلها مشوفش وشك أسبوع كامل .. يعني أغرق في هنايا أنا أسبوع....
دغدغها بشقاوه غامزها بطرف عينيه :
-- ولا أنتي مش عاوزه....
ارتمت بأحضانه هاتفه بغبطه :
-- ربنا يخليك ليه .. الا عاوزه طبعا عاوزه .. ده أنا بتمنى تكون لياليك ليه لوحدى.....
تابعت تضحك بعبث :
-- بس "مكيده" هتولع في البيت حريقه .....
أشار على خافقه قائلا بولع :
-- الحريقه هنا .. من يوم ما شافك يا هنايا وهى مش بتنطفى...
دنى لأذنيها قائلا بمكر :
-- أنا بقول أيه .. أمشي من وشي بدل ما أطلع بيكي ومحدش هيشوفك.... عشان اعرف اطفى الحريقه اللى قدتيها فى جتتى.....
عقبت : لا وعلى أيه الطيب أحسن
ليتعالى رنين ضحكاتها عندما شاهدته يلوح بيده كالمروحه يهوى على وجهه بمزاح لتتركه مهروله للمطبخ فقربه مهلك للأعصاب....
-------------------------
خرجت "هنيه" لتقابل عينيها الحجه "راضيه" لتبادلها النظرات بخجل، رتبت على كتفها بسعاده :
-- بتضحكي تبقى صالحتيه صح .. ربنا يكملك بعقلك يا جلب (قلب) أمك.......
"زينه" بشقاوه شاكستهما :
-- كده يا تيته هى قلبك طيب وإحنا أيه بقى.......
بغلها المعتاد هتفت مكيده :
-- هو أحنا مش هنبطل دلع البنات ده هما وأمهم.....
لتفسد على "هنيه" فرحتها بَسُمْ كلامها :
-- بقولك يا"هنيه" أوعى تنسى نفسك .. مهما خلفتي هتفضلي برضوا حته البت اللي كانت شغاله بالأجره في الأرض اللى بتزرعها يعنى من الآخر بتتحسب من الخدم......
استشاطت "فجر" من تجريحها لوالدتها قاطعتها بحده :
-- بقولك أيه يا مرات أبويا .. أنا مستحيل أسمحلك تتكلمي مع أمي بالطريقه دي .. وتعلى صوتك عليها وتهنيها بالشكل ده........
تدخلت "زينه"واشتبكت معهم تزيد من وطاة الحديث :
-- وبعدين كفايه أن بابا عاملها ست البيت ده .. ما بيقدرش يعيش بعيد عنها يوم .. وهو ده اللي تعبك وقهرك منها.......
---------------------------
ضرب مجلسهم هبوب مفاجئ لعاصفه زادت من توتر الأجواء من مخلفات مناخ سئ للتربيه للأسف دنست الباقى من أصله الطيب
خطى "ريان" يدك الأرض ليجذبها من شعرها يشده بقسوه، منافى لمشاعره معها منذ وقت قريب صاح بغضب :
-- أنتى بتقولي أيه ياحيوانه .. أزاى أصلا تتكلمي مع أمي بالشكل ده....
أنهى كلامه بصفعه خشنه على وجنتها....
هرولت "فجر" لأختها تنجدها من براثنه هاتفه بصراخ :
-- حرام عليك عملتلك أيه ..
سيب "زينه" منك لله ..
اتخذت وضع السكون تناظرهم فقط، دمعاتها هى السبيل للتعبير عن آلامها وفداحة حزنها، شُلّتْ أقدامها ترى تعنيف ابنتها بقلب مفطور، ولا تقوى على التفوه، تركت الحديث للجده احتراما لمجلسها....
استقامت الحجه "راضيه" بفزع تتحامل على قدميها لتخطو تجذب "زينه" من يده هاتفه بحنق :
-- أنت اتجننت ياولد .. بتضرب (خيتك) أختك وأنا واجفه (واقفه) .. سيب خيتك ياجليل الربايه........
تدخلت "مكيده" تزيد من اشتعال الأجواء هاتفه:
-- تستاهل عشان محدش يطول لسانه تاني أبدا عليا .. دي بنت جليلة الأدب وكان لازم يربيها.......
حدقتها الحجه "راضيه" بغضب، وأخدت "زينه" تجلسها بأحضانها تُمَلس على صفعة وجنتها بحنو، وحولت نظراتها ل"ريان" هاتفه باستهجان :
-- جطع (قطع) يدك لما تتمد على خيتك (اختك) وأبوها عايش.....
باستحكار طالعت "مكيده" تكيل لها :
-- وبعدين مين دى اللي جليله (قليلة) الأدب أنتى اللي جليله الأدب، والحيا، والربايه......
استرسلت تلوم نفسها على سوء اختيارها :
-- أنا إللى غلطانه عشان سمحت لوحده زيك تدخلي بيتي .. كنت مفكره أنك هتبقى بنت أصول .. بس للأسف فرقتي بين الأخوات .. وكل تصرفاتك مبتجيبش غير الخراب على البيت .. لا ومن فجرك لسه بتوجعي (بتوقعى) بين الأخوات وكمان عينى عينك جدامي (قدامى)......
جزت على نواجزها تحذرها :
-- لازم تعرفي مين الحجه "راضيه".. أنتي شفتي خيرى .. لكن شري لسه مَشفتهوش .. واحذرى من قلبتى عليكى .. هجيب جديمك (قديمك) وجديدك وهطوى أيامك وليالكى .. وكأنك ما عشتى تحت سجف (سقف) بيتى يوم......
على هيئتها استدارت ل هنيه
-- وأنتي خذي بتك واطلعي طيبي خاطرها.....
تنفست بصعوبه وتحمحمت تجلى حنجرتها ابتلعت غصتها واستأذنت من الجده هاتفه :
-- بعد أذنك ياماما الحجه كلمتين عايزة أقولهم ل"ريان" عشان يعرف أن طال سكوتى ميفتكرش أن ده ضعف منى.....
أومأت لها الحجه"راضيه" بالقبول
أشارت على "ريان" هاتفه بامتعاض :
-- أنا هقولك كلمتين .. تحطهم حلقه فى ودانك .. إياك أيدك تتمد علي بناتي .. أنا كنت بسكت وأعدى عشان أنت أخوهم .. لكن طول عمرك بتظلمهم .. طول عمرك معاهم متقلب المزاج .. طول عمرك كلمه توديك وكلمه تجيبك وأنا أسامح وأقول عشان خاطر "سعد" .. بس لحد كده وكفايه مش هقبل بده يتكرر تانى........
بهياج صارخ قاطعتها "فجر" :
-- أنا هقول ل"فهد" على كل اللي كنت بتعمله فينا وهو مش موجود .. وأبقى وريني هتعمل كده تاني أزاى .. أنا اللي غلطانه أنى فكرتك هترجع أخونا زي زمان....
احتد عليها "ريان" قائلا :
-- شكلك عاوزه تتربى أنتي كمان وتاخذي قلمين زيها .. عشان تعرفي أزاى تكلمي أخوكي الكبير........
اغتاظت "هنيه" من رده وصرخت به :
-- بس بقى بطل عصبيتك الغبيه دى......
استطردت باستهجان :
-- بقولك أيه أنا عمري ما قولتلك أنت ليه بتضرب بناتي اللي هم أخواتك من لحمك ودمك .. رغم أنهم متربين وأنت عارف ومتأكد من أخلاقهم .. كنت بسكت عشان أنت أخوهم الكبير .. بس أكثر من كده خلاص إياك أيدك تتمد على بنت منهم.....
استدارت تعاتب "فجر" بحنق :
-- وأنتى أياكي اسمعك تقولي لأخوكِ "فهد" على اللي حصل أو صوتك يعلا علي أخوكي "ريان" تاني .. مهما يعمل متنسيش أنه أخوكي .. لو قطع من جسمك صوتك ميعلاش عليه .. كفايه الشيطانة اللي دخلت بينكم .. الحكايه مش ناقصه ..
ويالاخدى أختك و اطلعي فوق......
هتف "ريان" باستحقار يقلل من شأن هنيه :
-- هو أنتى هتنسى نفسك يا مرات أبويا .. هو أنتى فاكره علشان سكت على الكلام اللي قلتيه أبقى خوفت .. تبقى غلطانه الأيام الجايه هتبقى سواد على الكل .. وأنتى بالأخص .. أشار عليها بدونيه مكملا :
بس ياريت تستحملي اللي هيحصل يامرات أبويا قال الأخيره بتهكم...
حديثه لاذع ألقاه بفظاظه على مسامعهم .. كلمات أضرمت النار بالنفوس .. ليتركهم ويغادر يَسْبُهُمْ بوعيد حارق.......
زفرت الحجه "راضيه" بقلة حيله :
-- ربنا يهديك يا ابني .. ويبعد عنك شياطين الأنس والجن...
لترسل لمكيده نظرات لو أطلقتها لحرقتها.......
بينما مخالب الشر بادلتها النظرات بامتعاض والغضب بداخلها يشتعل كمراجل النار، من تهكمهم معها، تركتهم صاعده منصبة التفكير فى طريقه لإفساد فرحتهم بحفيدهم.....