اخر الروايات

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سارة محمد 


حافية على جسر عشقي التاسع والعشرون:.
دلف للقصر في وقت متأخر جداً من الليل، فوجده بأكمله مُوحش وظلام، صعد على الدرج بعد أن أنار درجاته بهاتفه، ثم وصل لجناحهما، وقلبه ينتفض شوقاً لرؤيتها، متلهفاً لسماع صوتها الذي أشتاق له، نظر لباب الجناح بتردد، ثم دلف سريعاً، بحث بعيناه عنها ولكن لم يجدها، فـ دلف غرفتهم بعد أن تيقن أنها نائمة، وبالفعل دلف للغرفة فوجدها مظلمة أيضاً، أشعل الأنوار، فسارت عيناه بأرجاء الغرفة سريعاً ليجدها مستلقية على الفراش بجسدها الضئيل، متدثرة بالغطاء لبرودة الطقس، برقت عيناه بوميض مُتّيم، ثم أقترب منها بحذر، ليطالعها بحنان شديد، أنثنى نحوها ليمسد على خصلاتها ليمسح بعيناه على وجهها الأحمر بطريقة غريبة، ولكنه لم ينتبه لذلك، فقط كان يتأملها فهو لم يراها منذ أسبوع، لم يستطيع سماع صوتها، يطمئن عليها خلسة من والدته دون عِلمها، تنهد بثقلٍ، فكاد أن يتعدل بوقفته، ولكن أستوقفه إحمرار وجهها، وحبات العرق التي تجمعت على جبينها، قطب حاجبيه بتوجس، ليضع كفه على جبينها يستشف درجة حرارتها، فوجدها مشتعلة كالنيران، جلس جوارها ثم ربت على خصلاتها قائلة بنبرة تجلى القلق بها:
- ملاذ!!!
همهمت بدون وعي بكلمات خافتة للغاية، ف أحتار هو ماذا سيفعل معها، لينهض ثم أتجه نحو المرحاض، ثم فتح صنبور المياة لتهدر على حوض الأستحمام، أنتظر دقائق حتى أمتلئ بأكمله، لـ يغلق الصنبور وعاد لها، ابعد الغطاء عنها بطول ذراعيه، ثم أنثنى عليها ليمُد ذراعه المفتول أسفل ظهرها، والأخر اسفل ركبتيها، حملها بخفه، لتستكين رأسها على صدره تلقائياً، فـ سار بها تجاه المرحاض، ثم بحذر وضعها في حوض الأستحمام، أنتفض جسدها لتشهق كالغارقة، لتمسك بتلابيب قميصه بعفوية، وكأنه طوق النجاة فهدأ من روعها ممسكاً بكفيها جالساً على حافة المغطس، يقول بهدوء وصوتٍ دافئ:
- أهدي يا حبيبتي أنا جنبك!!!
فتحت عيناها عندما وصل صوته لأذنيها لتتأهب كل
خلية بجسدها للأنقضاض عليه، لم تهتم لمرضها أو جسدها الضعيف، لتبعد ذراعيها عنه ثم همت بالنهوض، ولكنه أمسكها من كتفيها، مشدداً قيدُه عليها، مسترسلاً:
- رايحة في فين؟!! أنتِ سخنة ولازم تقعدي شوية في البانيو!!!
أشتعلت عيناها غضباً، لتضرب ذراعيه الممسكين بها، ثم صرخت به بجنون لتفقد السيطرة على حالها:
- ملكش دعوة بيا!!! أتعب أموت حاجة متخُصكش!!!!

تنهد بصبر ثم تركها تخرج مارةً من جواره، وقبل أن تخرج من المرحاض وقف ليجذب منشفة معه يخرج ورائها،خرجت للغرفة وظلت واقفة تائهة لا تعلم ماذا ستفعل بملابسها التي تقطر مياه، فـ أنقذها هو عندما حاوط جسدها من الخلف بمنشفة كبيرة، ليضم ظهرها إلى صدره بحجة أنه يحميها من البرودة التي باافعل عصفت بها، تأففت "ملاذ" بضجر ثم حاولت الخروج من بين أحضانه و لكن ذراعيه كانا كالأكبال حولها، ليحررها أخيراً فـ ألتفتت له تنظر له بغضبٍ ناري، ثم ألقت المنشفة على الأرض، لتتجه نحو الخزانة، ثم أخرجت منامة ثقيلة تناسب ذلك الطقس البارد، ليجلس هو على الأريكة واضعاً كفه أسفل ذقنه يتأمل حركاتها، فـ دلفت هي لغرفة الملابس، ثم خرجت بعد دقائق، لتتصادم عيناه بعيناها، وعندما رأت الوله يقفز منهما، أستشاطت غضباً أكثر، لتدنو نحوه قائلة بنبرة مُحتقرة، مشيرة بيدها نحو الباب:
- أطلع برا!!!
أغمض عيناه يحاول أن لا يفقد أعصابه، ثم نهض واقفاً على قدميه بشموخ، ليتجه لها قائلاً بهدوء:
- ممكن تسمعيني؟!

أرتدت خطوتان للخلف لتبقى بعيدة عنه، ثم هدرت بحدة:
- مش عايزة أسمعك ولا طايقة أسمع صوتك، أطلع برا لو سمحت وسيبني، يا إما والله هسيبلك الجناح كله و أروح أترمي في أي زفتة أوضة تانية..!!!

فور إنهائها لحديثها، جذبها من خصرها، فتفاجأت بفعلته، لتضع كفيها على صدره بتلقائية، تحاول خلق مسافة بينهم ولكن لا مجال لهذا، فـ ذراعيه كانا مُثبتانها بقوة كما من دقائق لينظر لها بعيناه الخضرواتان الدافئتان، فبادلته هي بنظرات مشتعله، وضع كفه على وجهها متلمساً إياه ليجد الحرارة لاتزال كما هي، لم تطيق "ملاذ" لمسته، حاولت دفعه بعيداً عنها بأقوى ما لديها ولكنه لم يرتد خطوة بعيداً عنها، لتتلوى هي بين يداه، فـ شدد هو أكثر على جسدها قائلاً بنبرة حاسمة:
- إسمعيني و بعدين هسيبك!!!

وكأنها لم تسمعه لتزداد مقاومتها له تردف بصوتٍ مكتوم:
- سيبني بقا!!!

لكن كلما إزدادت مقاومتها كلما قرّبها هو منه أكثر، فـ تعالت أنفاسها من فرط المجهود الذي بذلته ولم تجني ثماره، لترفع عيناها الواسعة له بغضب، فـ أبتسم لها ليضمها لصدره بحنان مقبلاً خصلاتها، يقول بنبرة تجسدت بها معاني الندم:
- أنا أسف، ورحمة أبويا مش همد إيدي عليكي تاني، أنا عارف أني غلطان بس أنا اتعصبت ومكنتش أقصد اللي عملته، حتى لو سامحتيني أنا مش هسامح نفسي، بس أنتِ عارفة أن براءة أختك من ساعة مـ شوفتها أول مرة وأنا عارف أنها بتكرهك ومستغرب إزاي أنتِ مش شايفة ده!!!رغم كدا هخليكي تعملي اللي أنتِ عايزاه، عايزة تشوفيها؟ أنا بنفسي هوديكي ليها، عايزة أي حاجة هعملهالك!!! بس أنتِ تعبانة دلوقتي يا ملاذ، تعالي أقعدي على السرير وأنا هعملك حاجة سخنة تشربيها!!!

كانت كلماته في غاية اللطف، نبرته هادئة، حتى ذراعيه اللذان يُقيداها، لم يقسو بهم على جسدها، أغمضت "ملاذ" عيناها، لتنهمر عيناها بالدموع، ثم طالعته بكراهية، و أردفت في نبرة مغلولة:
- خلصت؟ أنا عايزة أطلق!!!! وكل واحد فينا يروح لحاله!!!!

لوهله لم يستوعب مـ قالته، لتعتلى الصدمة ملامحه، فـ كلمة الطلاق كان لها أثر قوي على قلبه، لتتراخى ذراعيه عنها من هول المفاجأة، فـ أنتهزت الفرصة لتبعد ذراعيه ثم أتجهت نحو المرحاض، صافعة الباب خلفها، ليجلس هو على الأريكة، ثم وضع أصبعيه على عيناه يفركهما وقد بدأ الصداع يهجم كالأسد على عقله، ليشوشه أكثر!!!

• • • •

أستندت على باب المرحاض، ثم أطلقت العنان لدموعها لتنهمر من حدقتيها، تكتم شهقاتها بكفها، فـ تصبب العرق من وجهها أكثر، تراخى جسدها حتى شعرت بالإعياء، فخرجت لتتعلق أنظاره بها، نهض عندما وجدها تضع كفها على رأسها، يعتريها الدوار، فـ ذهب نحوها "ظافر" سريعاً، ثم أمسك بها حتى لا تسقط، رفع ذقنها له قائلاً بهدوء و أنفاسه تضرب بشرتها:
- حاسة بـ أيه؟!!

أستندت على ذراعه تلقائياً، ثم أغمضت عيناها قائلة بوهنٍ:

- الأرض بتلف بيا!!!

أومأ متفهماً، ثم جذبها جواره ليجلسها على الفراش، تفحص حرارتها مجدداً ليجدها في إزدياد، فـ نهض مسرعاً ليتجه نحو مطبخ الجناح
ثم أخرج من المثلج مكعبات من الثلج، ليضعهما في طبق، وسكب عليهم ماء بارد، أخذ منشفة صغيرة باللون الأبيض، ثم أتجه نحوها، ليجلس جوارها، وضع الطبق على الكومود ثم دفعها بلطف من كتفيها ليجعلها تستلقى، فـ أستسلمت له ولم تقوى على مجادلته، ألتفت نحو الطبق ثم وضع المنشفة به، ليعتصرها جيداً، ثم وضعها على جبينها، أغمضت "ملاذ" عيناها بتعب، لتغمغم قائلة:
- أنا مش عايزة منك حاجة، لو سمحت سيبني و أطلع برا!!!

تجمدت تعابير وجهه ليقول بهدوء:
- لما تفوقي نتكلم!!!

وضعت أناملها على المنشفة الصغيرة الموضوع على مقدمة رأسها، ثم همت بإزاحتها ليثبتها هو قائلة بنبرة حادة:
- مـلاذ!!! قولتلك لما تفوقي نتكلم!!!

أعادت ذراعها جوارها لتغمض عيناها رويداً، ليرتخي جسدها بفعل المرض، ولأنه "ظافر" مُستغل المواقف، أقترب منها ليروي شوقه منها، فـ الظمأ تمكن منه، وجعله كـ أرضٍ مُتصحرة لا حياة فيها، أنامله الغليظة سارت على بشرتها، لم تعي "ملاذ" ما يفعل، فأبتسم هو ثم أقترب بثغره لشفتيها، ليقبلهما بشوقٍ لم يكُن أهوجاً، بل كانت قبلته لطيفة لدرجة أنها لم تزعج نومها، أبعد ثغره عنها، ليهمس أمام شفتيها بحنان:
- ياريت إيدي كانت أتقطعت قبل مـ تتمد عليكي!!!

نظر لعيناها المغمضتان، ليقبل جفونها برقة، ثم عاد يغمغم بلُطف:
- أزاي عايزاني أبعد عنك، دة أنا لما بعدت أسبوع بس كنت في جحيم !!!

أبتعد عنها ليسيطر على رغباته في ضمها لصدره، ثم أمسك كفها بين كفيه ليُقبله قائلاً وقد تحولت ملامحه إلى السخرية:
- عايزاني أطلقها، دة لو السما أنطبقت على الأرض هتفضلي مراتي!!!

• • ••

جلست على الفراش، تنظر أمامها بشرودٍ، فهي منذ كلماته التي تغلغلت لعروقها كالسم المميت وهي جالسة بمفردها، لا تخرج سوى لتناول بعض اللقيمات في المطبخ دون أن تشاركه طعامه، و عندما تراه تشيح بوجهها للجانب الأخر وتهرب لغرفتها، أسبلت بعيناها لمعدتها المنتفخة، فأنسدلت معها خصلاتها الطويلة، تنهدت بحزن، لتسمع طرقات الباب الهادئة، رفعت رأسها نحو الباب الذي كان في قبالتها، فـ رأته يدلف بهدوء، أشاحت أنظارها بعيداً عنه، فألقى هو نظرة مشتاقه لها، متفحصاً إياها بإهتمام جلي، وثاق كفيها الذي لم يُحل بعد، عيناها التي تنظر بعيداً عنه، و خصلاتها البندقية الناعمة التي تسقط على وجهها، أغلق الباب خلفه، ثم تقدم نحوها ليجلس جوارها، فنظرت له بدهشة، تحولت لأستخفاف عندما هتف بهدوء:
- أنا عامل أكل برا، مش هتقومي تاكلي ولا هاكل لوحدي؟!!

ألتوى جانب ثغرها بسُخرية شديدة، لتردف ببرودٍ:
- لاء، أتعود تاكل لوحدك، عشان أنا مش طايقة يجمعنا مكان واحد، ولا حتى قادرة أبُصلك!!!!

أبتسم بألمٍ، فهي تُرد له الصفعة صفعتان، و لكنه شعَر بإحساسها الأن، فهو أيضاً يشعر بكلماتها تسقط عليه كالسكين الحاد تمزق أشلائه، ولذلك قال برفق وهو يوجه جسده لها:
- أنا مكنش قصدي أقولك كدا، كنت متعصب ومحستش بنفسي، أنا أسف!!!!

نظرت أمامها بغضبٍ، فـ حاوط كتفيها بذراعه ثم مسد على معدتها، ليردف بعقلانية:

- على الأقل كُلي حاجة عشان بنتي، هي ملهاش دعوة بمشاكلنا يا رهف!!!

وكأن لمسته على معدتها كانت كالصاعق الكهربائي، وذراعه كان يجثم على قلبها، لتبعده ناهضة من على الفراش، ثم جلست على الأريكة، لتسند رأسها على مسندها، مغمضة عيناها بألم، راقبها هو بأسفٍ، فنهض لكي يخرج من الغرفة حتى لا يزعجها، و لكن أوقفه صدور شهقات باكية منها، و إنهمار الدموع من عيناها، لم يتحمل قلبه بكائها، ليتجه نحوها جالساً أمامها يحاوط وجهها مقبلاً خصلاتها بحنو بالغ، قائلاً برجاء:
- كفاية عياط يا رهف، والله العظيم أنا أسف مكُنتش أقصد!!!

أنفجرت في البكاء ليضمها لصدره واضعاً رأسها على موضع قلبه، يمسح على خصلاتها ليُهدئها، مردفاً بصوته العذب:
- قوليلي طيب عايزة أيه؟!! أي حاجة عايزاها هعملهالك دلوقتي!!!

رفعت عيناها الحمرواتان الباكيتان له، لتردف برجاء:
- أنا مش عايزة أعيش معاك، سيبني يا باسل أَمشي، و أوعدك مش هتشوف وشي تاني!!!

صُدم مما قالته، ليرفع ذقنها له، قائلاً بهدوء شديد يخالف البراكين المشتعلة به:
- إلا الطلب دة!! هعملك أي حاجة إلا إنكوا تبعدوا عني!!!!

أزاحت كفه بعيداً قائلة بحدة وهي تنهض من على الأريكة مشيرة بيديها:
- و أنا مش عايزة غير الطلب دة!!! كفاية نتعب في بعض بقا!!!

نهض أمامها يردف بهدوء:
- أنتِ ناسية إنك حامل في بنتي؟!!

قطبت حاجبيها لتقترب منه، تنظر له بسُخرية قائلة:
- مش كنت بتقول إني مش حامل منك؟! وإني واحدة خاينة وزبالة؟!! و لا نسيت أنت قولت وعملت أيه!!!

قاطعها بنبرة عالية مغمضاً عيناه:
- رهــف!!!!

لم تُبالي بعلو صوته، بل أخذت تُزيد في الضغط على موضع ألمه بدون رحمة، قائلة بنبرة متهكمة:
- لو أنت نسيت أفكرك؟ عشان أنا عُمري مـ هنسى أنك أتهمتني في شرَفي من غير حتى مـ تسمعني!!!

أبتعد عنها ليوليها ظهره، رافضاً الأستماع إلى كلماتها التي تُصيبه في مقتل، ولكن صوتها الحزين أخترق أذنه وهي تقول:
- و أنا اللي كنت بقول أن باسل واثق فيا أكتر من نفسه، و عُمره مـ هيصدق حاجة وحشة عني، كنت فاكرة أني أتجوزت الشخص الصح، مكنتش أعرف أن جوازي منك كان أكبر غلطة!!!

شعر "باسل" بإختناق حقيقي، ليضع كفه على صدره مغمضاً عيناه بألم شديد، أغرورقت عيناه بالعِبرات، ليغلق جفونه بعنف، ليستمع لها وهي تسترسل تقضي على ما تبقى من قلبه:
- سيبني أمشي يا باسل، و أوعدك لما أولد إن شاء الله هتشوف البنت وقت مـ تعوز ومش همنعها عنك أبداً، بس سيبني أكمل اللي باقي من حياتي و أنا مش خايفة أنك ترجع تشُك فيا، أو تستخدم دراعك من غير مـ تسمعني!!

أستند على الحائط جواره، حاول أن يلتقط أنفاسه ولكن الأكسجين يأبى الدخول لرئتيه، أهتاجت أنفاسه، فلاحظت هي الحالة المريبة التي سيطرت عليه، لتقترب منه واضعة كفها على كتفه تردف بقلق:
- أنت كويس؟!!

سعل "باسل" بقوة، ليميل برأسه للأمام وهو يحاول تهدئة نفسه، فوقفت أمامه لتنحنى برأسها له واضعه كفها على كتفه تهتف بتوجس:
- في أيه؟!!

أعتدل في وقفته، يحاول تنظيم أنفاسه بشهيق وزفير مستمران، ولكن الألم لا يزال ينغص قلبه بدون رحمة، بعد دقيقتان عادت أنفاسه لطبيعتها، رفع نظراته الجافة لها، ثم تحرك من مكانه ولكن قبل أن يخرج من الغرفة كانت تردف سريعاً:
- قولت أيه في موضوع اآآ

قاطعها بنبرة صارمة، ولم يلتفت ليواجها:
- هوديكي عند أمي و ملاذ تريحي دماغك عندهم يومين تلاتة وانا هفضل هنا، و موضوع الطلاق دة تشيليه من دماغك خالص!!!

فرغت فِاها بصدمه، لتراقبه وهو يذهب لغرفته صافعاً الباب خلفه، جلست على الأريكة بحذر متنهدة بضيق، ولم تشعر بنفسها سوى وهي تستلقى على الأريكة لتغفو بـ إرهاق..

• • ••

وصلا العروسين إلى فندق راقي في مدينة باريس، أكد "ريان" على حجزهما لجِناح زُين خصيصاً لهما، لتدلف "هنا" للجناح بإنبهار، يخطف الأبصار بفخامته و رُقي أثاثه، الورود منثورة على الأرضية باللون الأحمر و الأبيض، ألتفتت لـ "ريان" تقول بسعادة غامرة:
- بجد الجناح حلو أوي يا ريان، أنا متوقعتش يكون بالجمال دة!!!

لم يرمُش له جفن، ليطالعها بهدوء شديد يُناقض حماسها، واضعاً كفيه في جيب بنطاله، لم تنتبه لنظراته الغريبة لها، ولا لبروده وصمته المُخيف، لترفع ثوبها الأبيض عن قدميها ثم سارت للداخل فتعمقت في الجناح مُطالعة كل زاوية به، دلفت لغرفتهم والتي كانت على الزاوية تتفحص كل ركن بها، فوقع عيناها على الفراش المُزين برقة، و وسط إندماجها في كل هذا، أنتفض جسدها بشدة عندما سمعت صوت باب الجناح يغلق بعنف!!!!

لتركض خارج الغرفة، فرأت المكان بأكمله فارغ، أسرعت لتفتح الباب ف نظرت للممر ولكنها وجدته خالي من أي شخص، تركت الباب مفتوحاً ثم ركضت رافعة ثوبها الذي يعيق حركتها، لتقف أمام المصعد فوجدت السهم يُشير إلى الطوابق السفلية تنازلياً، أمتلئت عيناها بالدموع لتبعد خصلاتها الناعمة عن جبينها، عادت للجناح لتدلف له، ثم صفعت الباب بغضب، أتجهت نحو الهاتف الأرضي، لتضغط على رقم الطابق الأسفل والذي يخص موظف الأستقبال، وضعت السماعة على أذنها لتنظف حلقها تمنع ظهور عبراتها بجوفها، ثم أردفت قائلة باللغة الفرنسية:
- معذِرةً، هل رأيت زوجي الأن يخرج من الفندق؟!!

أردف موظف الأستقبال بتهذيب:
- هل تقصدين السيد ريان الجندي يا سيدتي؟!!

- نعم!!
هتفت سريعاً، فرّد هو قائلاً:
- نعم سيدتي لقد ذهب الأن من أمامي خارج الفندق!!!

وضعت السماعة في موضعها بالهاتف الأرضي، لتنهار أرضاً تحاوط وجهها بكِلتا كفيها، لتبكي بحُرقة شديدة، لم تتوقع منه أن يتركها في بلدة لا تعرف عنها شئ، و في يوم زفافهما، في جناحٍ من المفترض أن يقضيا به أسعد أوقاتهم، ولكنها ستقضي به الأن أتعس أوقاتها!!!
• • • •

سار في ضواحي باريس كالتائه، وقد نزع عنه سترته ليبقى بقميصه الأبيض الملتصق بجسده المُعضل، معلقاً بذلته على كتفه!!

تنهد بضيق، فالهواء الذي يلفح جسده لم يكُن كافياً لبث الراحة به، ف هو تعمّد عدم التجول بسيارته حتى يستنشق عبء الأجواء هنا لربما تخمد نيرانه، أتجه نحو أحد المقاهي المشهورة بـ بلد العُشاق، ليجلس على مقعد جلدي، ليعود برأسه للخلف مغمضاً عيناه، يُفكر بفعلته الدنيئة معها وتركها وحيدة في يوم زفافها، ولكن لم يكُن له خيار آخر، فهو لا يريد أستغلال مشاعرها تحت مُسمى الحب وهو يعلم أنه لا يكِن لها شئ، لا يريدها أن لهذا هرِب و سيهرب، قلبه تعلّق بفتاة واحدة و للأسف لا يستطيع نسيانها!!

شعر بوخزةٍ في قلبه للألم الذي سيسببه لتلك المسكينة، ولكنه يقسم أن آلامه أضعاف مُضاعفة، جاء النادل يسأله عما يُريد أن يشرب، فطلب كوب من الشاي بنبرة خاوية، بعد دقائق جاء الشاي فأرتشفه "ريان" بهدوء وهو ينظر لوجوه الناس حوله، ظل جالساً كثير من الوقت يقرر ضاق صدره لينهض يُقرر العودة لها، ليواجهها وما أقساها مواجهة!!!!

• • • •

مرّ الكثير من الوقت، ساعة تليها الأخرى حتى أصبحت الساعة الثالثة فجراً، فـ لم تستطيع أن تتحمل الصداع الذي يُفتك برأسها، ولا البكاء الذي جعل عيناها تتورم، حاولت النهوض عن الأرضية الباردة ولكن لم تستطيع لتيبُس قدميها، أطلقت تآوهٍ متألم و هي تحاول النهوض متشبثة في المقعد جوارها، و بالفعل وقفت على قدميها بعد معاناة، ولم تُكمل الثواني إلا وهي مُنهارة أرضاً مغشياً عليها، فـ أرتطم وجهها بالسيراميك البارد، و عند تلك اللحظة دلف "ريان" للجناح، فوجدها مفترشة على الأرض، وجهها شاحب و جسدها يرتجف من شدة البرد، صرخ بعلو صوته مصدوماً:
- هـــنـــا!!!!!

ركض نحوها بفزع، لينثنى نحوها ثم أدخل ذراعيه أسفل جسدها، ليحملها برفق يضمها لصدره، جسدها بارداً كالثليج، و مساحيق التجميل لطخت وجهها الباكي، ركض بها لغرفتهم، ثم وضعها بلُطف على الفراش، ليسند جسده برُكبته على الملاءة و قدمه الأخرى تدلت من فوق الفراش، أنثنى عليها ليضرب وجنتيها برفق هادراً بقلق شديد:
- هنا!!! هنا رُدي عليا!!! هـنـا!!!

باءت محاولاته بالفشل الذريع ولم يستطيع إفاقتها، فـ نهض من جوارها يلتفت حوله كالتائه يبحث عما يجعلها تفيق، لم يجد سوى زجاجة عطره الموجودة في حقيبته، فركض ليأتي بها، ثم نثر بها على يده، ليتجه نحوها، مال عليها ليضع كفه ناحية أنفها مباشرةً، و قد بدأ شعور الندم يتغلغل إلى داخله، تقلصت ملامحها وهي تشتم الرائحة التي تحفظها عن ظهر قلب، فتحت عيناها ببطئ مقطبة حاجبيها، لترى ملامحه الوسيمة في مواجهتها، لانت تعابير وجهه المتشنجة، ليزفر بإرتياح، ثم مسح على خصلاتها يُبعدها عن مقدمة رأسها، قائلاً:
- وقّعتي قلبي!!!

لم تعي "هنا" ما حدث، لتعود متذكرة تركه لها، فدفعت كتفه بعنف ناهضة من على الفراش، صارخة بإهتياج وهي تدور حول نفسها تبحث عن حقيبتها:
- أنا عايزة أمشي من هنا!!!، فين موبايلي أكلم بابا و أقوله ييجي ياخدني!!!

لم يتحرك "ريان" إنشاً واحداً حتى بعد دفعها له والتي لم تؤثر به، لينهض قائلاً بجمود قائلاً:
- متعليش صوتك!!

لمعت عيناها بالدموع ثم نظرت لها بنظراتٍ جعلته يشعر بوخزٍ في قلبه، وكأنها تعاتبه بنظراتها، فأبعد عيناه الفيروزتان عنه، لتبتعد هي جالسة على الأريكة، ثم ضمت كفيها معاً، لتفركها قائلة وهي على مشارف البكاء:
- أنا عايزة بابي!!!!

نبرتها الباكية جعلته يلتفت لها، فـ لأول مرة يراها تبكي، ولا يعلم لِما تألم قلبه، فـ أتجه نحوها، يحاول عدم إظهار تأثره بعيناها الدامعة، فخرجت نبرتُه جافة، خالية من معالم الحياة:
- مش عايز شُغل عيال يا هنا!!، أنا كان ورايا حاجة مهمة خلصتها وجيت!!!

رفعت أنظارها الباكية له، فـ إزدرد ريقه ثم أبعد أنظاره عنها، لتردف قائلة:
- كنت قولتلي، أنا مكنتش هقولك حاجة، بس أنت سيبتني ساعات مرمية هنا وأنا أصلاً معرفش حاجة في باريس، و في فندق معرفش حد فيه!!!

جلس على الأريكة و ضميره يؤنبه، فنظر لها بجمود أخفى بها نظرات الإعتذار التي كادت أن تقفز من عيناه، فـ أنزعجت من هيئته الباردة وكأنها لم تقُل شئ!!!
تركته لتتجه إلى حقيبتها لتخرج منها منامية ذات أكمام، ثم دلفت للمرحاض، ولم تلاحظ نظراته التي كانت تتبع خطواتها، صفعت باب المرحاض بقوة، ليُغمض عيناه يحاول ألا يفقد هدوءه، جلس دقائق شارداً فوجدها تخرج من المرحاض، وجهها أحمر و خصلاتها غير مرتبة، ولازالت بـ ثوب عرسها، قطب حاجبيه بغرابة ولكن لم يُبالي، نظر إلى هاتفه الذي أخرجه من الحقيبة منشغلاً بها، ولكن كان ينظر لها بطرف عيناه، فوجدها تجلس على حافة الفراش واضعة كفها أسفل ذقنها زامة شفتيها بحُزن، حاول تجاهلها والنظر في هاتفه، ولكن أنتصر أهتمامه بها ليردف قائلاً بصوته الرجولي ذو البحة المميزة:
- مغيرتيش الفستان ليه؟!!!

نظرت له بطرف عيناها بإزدراء ولم تجيبه، رفّع حاجبيه بدهشة، فـ لأول مرة تتجاهله فتاة وهي خصيصاً، أحتل الغضب محياه لينظر لهاتفه بعينان نارية، سمع تأففاتها المتعددة ولكن لم يُعايرها أهتمام، فـ نهضت واقفة أمامه تقول بخجل:
- الفستان دة برُباط من ورا مش سوستة، و أنا مش عارفة أفتحه!!!

رفع عيناه الماكرة لها، فجذبه شكلها الطفولي وهي تفرك أصابعها، ليلقي بهاتفه ثم نهض قبالتها، و من دون كلِمة لفّها ليكُن ظهرها في مقابلته، ملّس على خصلاتها المشعثة ليُعيد ترتيبهم ثم وضعه على إحدي كتفيها، فظهر لها ظهرها الأبيض و أربطة الثوب بالفعل تُقيد الثوب بـ مبالغة، فـ مد أنامله ليُحرر أول عُقده، ثم تليها العقدة الأخرى، و أصابعه تلتمس بشرتها الناعمة للغاية بدون قصدٍ منه، فسارت قشعريرة في جسدها لتتخضب وجنتيها بإحمرارٍ خجول، خفق قلبها بعنف لقربه منها، وبطئة في حل العُقد، بينما هو فكان يُصارع لكي لا يلمس بشرتها التي جذبته، كاد أن يصل إلى نهايات الأربطة لتلتفت هي سريعاً ممسكة بالثوب من الخلف قائلة بحياء:
- خلاص أنا هكمل!!!

أومأ بهدوء يحاول الحفاظ على رباطة جأشه التي أنهارت مع رباط الثوب!~

أسرعت داخل المرحاض ثم أغلقت الباب لتضع كفها على قلبها تردف و أنفاسها في تسارع:
- أهدي يا هنا مافيش حاجة، يا نهار أسود انا قلبي هيُقف، ليه يعني أصلاً وجوده جنبه مش بيأثر فيا عادي، و أنا اللي عبيطة عشان خليتُه يُفك الفستان، عادي يعني كان ممكن أتصرف، أكيد هيقول عليا مدلوقة عليه دلوقتي!!!!

تأففت بضيق ثم نزعت الثوب و أغتسلت سريعاً، و من ثم أرتدت مناميتها لتقف أمام المرآة تنظف وجهها من بواقي مساحيق التجميل، ثم خرجت بخصلاتها المبللة حول وجهها فجعلتها كاللوحة، نظرت له فوجدته هو أيضاً بدّل ثيابه إلى بنطال ثقيل و كنزة سوداء، يتحدث عبر الهاتف بـ شبه غضب، رفعت أنفها بتعالي ثم جلست على المقعد أمام المزينة، فوقعت عيناه عليها وهي تمشط خصلاتها الطويلة ذات اللون البني، ليتابع حديثه بالهاتف قائلاً بنبرة هادئة عن ذي قبل:
- خلاص يا أحمد بكرة نتكلم ونشوف الموضوع دة!!!!

أغلق الهاتف ثم أستلقى على فراشه مغمضاً عيناه، فنظرت له بضيق قائلة منتصبة أمام الفراش:
- أنا هطلع أنام برا!!! مش عايزة أنام هنا!!!

هتف وهو لازال مغمض عيناه:
- براحتك!!!

ضربت الأرض بقدميها وهي التي كانت تتوقع رداً آخر، همت بالذهاب ولكنه هتف قائلاً وهو ينظر لها بفيروزيتيه:
- بس برا برد على فكرة، و البطانية الاحتياطي اللي هنا مش هتدفيكي، فـ لمصلحتك نامي هنا!!

نظرت له بإستخفاف ثم عقدت ذراعيها قائلة بعِناد:.
- ملكش دعوة أتعب ولا لاء!!!

لم يُجيبها بل أغمض عيناه متجاهلاً حديثها، فسمع الباب يغلق بعنف، فرك عيناه بنعاس، ولكنه قاوم ينتظر نومها بالخارج حتى يخرج لها ويحملها إلى هُنا!!!

وبالفعل ظل ما يُقارب الساعة يقاوم بوادر النوم على جفنيه، لينهض متجهاً للخارج، فوجدها مستلقية على الأريكة نائمة بعُمق دون غطاء وجسدها يرتجف من شدة البرود، تجهم وجهه هامساً بعصبية:
- قولتلها تاخد بطانية وبردو مافيش فايدة دماغها ناشفة!!!

أنثنى عليها مطالعاً وجهها عن كثب، عيناها المغمضة ذات الأهداب الطويلة، أنفها الصغير و فمها المزموم أيضاً، تنهد قائلاً بصدق:
- لو كنت شوفتك قبلها، متأكد أن كانت حاجات كتير هتتغير!!

همهمت دون وعي، فـ أبتسم ليحملها بخفة، فـ أسندت وجهها على صدره، لتنسدل خصلاتها فوق وجهها، أتجه نحو غرفتهم، ثم وقف أمام الفراش، ليضعها عليه بحذر حتى لا تصحو، ثم أستلقى جوارها مغمضاً عيناه، وكانت بينهم مسافة معقولة، ولكن "هنا" لم تجعلها تدوم طويلاً، فـ حاوطت خصره مسندة رأسها على صدره دون وعي، تفاجأ، "ريان" مما فعلته، ولكنه حاوط كتفيها بذراعه المفتول، و هو يقاوم ضحكاته على ردة فعلها عندما تفيق وتراهم في تلك الوضعية، ليغفو هو بنعاس شديد!!!

• • • •

سارت ، ملك" تجاه غرفة "ياسمين" لكي تتحدث معها، وقفت أمام الباب وكادت أن تطرق ولكنها سمعتها تقول بتغنج:
- يا أحمد أنت مستعجل على أيه!! ، يابني بقولك بليل مش دلوقتي عشان جواد لسة في البيت، طيب أول مـ يمشي هنتكلم ڤيديو!!!!

جحظت عيناها بشدة، لتضع كفها على فمها تكتم شهقاتها، ثم أبتعدت عن الغرفة هامسة بصدمة حقيقية:
- يا نهار أسود!!! ليه كدا يا ياسمين!!!

ألتفتت عائدة لجناحهم، لتدلف شاردة تنظر للفراغ، فرآها "جواد" في أنعكاس المرآة، ليلتفت لها قائلاً بهدوء وهو ينظر لحالتها المُريبة:
- في أيه يا ملك!!!

- هـــاه!!!
ألتفتت له بدون وعي، لترتبك نظراتها قائلة بتوتر:
- م..مافيش حاجة أنا بس حاسة إني دايخة!!!

توجه لها وعلامات القلق بادية على وجهه يردف قائلاً:
- نروح للدكتور؟!!

نفت سريعاً قائلة بإبتسامة حاولت أن تجعلها هادئة:
- مش للدرجة دي أنا هنزل أقعد مع ماما إيناس شوية وهبقى كويسة!!!

أومأ بهدوء، ثم قال و هو يبتعد ناظراً للأمام بعينان كالصقر:
- أنا فكرت في كلامك يا ملك، ولاقيت إني فعلاً كنت بعيد عن يا ياسمين في أكتر وقت هي كانت محتجالي فيه، عشان كدا هحاول أقرب منها الفترة الجاية!!!!

صُدمت "ملك" من حديثه، وكادت أن تدمع عيناها تأثراً، فـ هو هُنا يؤنب ضميره عن معاملته الجافة مع شقيقته، بينما هي تتحدث مع آخر وتخبره أنها تنتظر خروج أخيها لكي تأخذ راحتها في الحديث معه!! أقشعر بدنها من مجرد تخيُلها ما سيفعله "جواد" معهم، لتنتفض كل خلية بجسدها عندما هتف وهو يتجه لغرفته:
- أنا هروح أشوفها قبل مـ أنزل!!!
لم تستوعب ما قاله، فخرج هو من الغرفة، حثتها قدميها على الركض وراءه لتمنعه من الولوج لغرفة أخته، وبالفعل ركضت وراءه لتمسك ذراعه، ثم بحركة مفاجأة أرتمت في أحضانه قائلة بنبرة مُرهقة:
- حاسة إني دايخة أوي يا جواد مش عارفة مالي!!!

ألتقتطها "جواد" ليحملها بين ذراعيه ثم أتجه لغؤفتها قائلاً بتوجس:
- فيكي أيه يا ملك!!!

حاوطت عنقه قائلة بوهن مصتنع، ونظرات زائغة:
- مش عارفة!!

وضعها على الفراش، ثم مسح على خصلاتها هامساً بحنان:
- طيب أنا هكنسل الشغل النهاردة وهقعد معاكي!!!

توسعت عيناها، لتسرع قائلة:
- لاء يا حبيبي متعطلش نفسك أنا هبقى كويسة والله!!

قال بعناد وهو ينزع عنه سترته ذات القماشة الثمينة:
- لاء يغور الشغل في ستين داهية!!!

زمت شفتيها بحزن، ثم نظرت أمامها بخيبة أمل، فأتاه إتصال جذب إنتباها، لتلتفت له فرأته يقول بنبرة هادئة:
- ماشي يا ظافر أنا جاي!!!

تأفف بضيق بعد أن اغلق معه قائلاً بمزاح:
- أخوكي دة هيجنني!!!

- يعني هتمشي؟!!
قالت بإبتتسامة، لينظر لها بشك قائلاً بمزاح:
- دة أنتِ كرهتيني أوي!!!

ندمت "ملك" على تسرعها بالحديث والذي فسره هو بأنها أصبحت تكرهُه، وقفت على قدميها على الفراش قائلة وهي تحاوط عنقه:
- أخص عليك يا جواد!!! أنا أكرهك؟!! أنا بس مش عايزاك تعطل نفسك عشاني!!!

أبتسم محاوطاً خصرها، ليُقبل ثغرها قبلة سريعة، قائلاً:
- عارف يا حبيبتي أنا بهزر!!!

ودّعها ثم ذهب لتجلس هي على الفراش تفكر بالكارثة التي ستحدث قريباً!!!
• • • •
شعرت بشئٍ صلب كالحائط أسفل راحة كفها، فـ فتحت عيناها بنعاس لتنظر إلى يدها التي أُسندت على صدره، وذراعه المحاوط لكتفيها، أنتفض جسدها لتبتعد زاحفة لآخر الفراش ضامة الغطاء إلى صدرها، تنظر له بخوفٍ، ثم تحسست جسدها لتتأكد من أنها ترتدي ملابسها، لتزفر بإرتياح، قطبت حاجبيها لتنظر حولها قائلة بحيرة:
- أنا مش كنت نايمة برا، أيه اللي جابني هنا بس!!!

ثم حولت عيناها له، لتنكزه في كتفه قائلة بضيق:
- أنت يا أستاذ!!! قوم!!!!

فتح عيناها الزرقاوتان، ثم حدّق بها قائلاً بصوت المتحشرج:
- في أيه!!!!

أبعدت الغطاء ثم ثنت قدميها أسفلها لتميل نحوه بخصلاتها الطويلة، قائلة بعصبية بريئة وهي تضم ذراعيها لصدرها:
- جيبتني هنا ليه!!!

كانت تزُم شفتيها مقطبة جبينها بطريقة جعلتها تُشبه الأطفال، فـ حاول هو ألا يلتفت لمظهرها الذي يُثيره، ليقول بجدية:
- أنتِ اللي جيتي أنا مجبتكيش!!!

توسعت عيناها بتفاجأ، ثم عادت للوراء مشيرة على نفسها مردفة:
- أنا!!!

لم يجيبها ولكن تعابير وجهه كانت جامدة مما جعلها تصدق أنها بالفعل عادت للسير وهي نائمة، لتضرب فخذيها قائلة بضيق:
- أنا كنت فاكرة أني بطلت العادة دي!!!

أخفى أبتسامته، ليعود لجمود عيناه، ثم أردف قائلاً بدهشة زائفة:
- أنتِ فعلاً مش فاكرة انك جيتي هنا ونمتي في حضني!!!
شهقت بصدمة، لتجحظ عيناها بصدمة، ثم رفعت أصبعها في وجهه قائلة بضيق:
- أنت كداب يا ريان، أنا مستحيل اعمل كدا!!!

أمسك بأصبعها بلطف ثم أبعده عن وجهه، ليبعد خصلاته الناعمة عن وجهه قائلاً بإبتسامة:
- لاء مش كداب، دة اللي حصل!!!

أطبقت على شفتيها بحرج، ثم هتفت بتوتر قائلة وهي تهم بالنهوض مبتعدة عنه:
- أنا هطلع برا!!!

أمسك ذراعها يمنعها من النهوض، ثم هتف بـ لين:
- زعلتي؟!!

صمتت ولم تجيبه، فـ نهض نصف جلسة، ثم أمسك بكفيها، ليقول بصدق:
- أولاً أنا مكنتش أقصد اللي عملته أمبارح، وغلطت إني مقولتلكيش، ثانياً اللي عملتيه امبارح دة عادي يعني إنك تنامي في حُضني أنا جوزك!!!

رفعت أنظارها الطفولية له، ثم تحول وجهها للون الأحمر، ولم تعلق عما قاله، فـ شردت بـ فيروزتيه، ولم تنتبه على حديثه معها، و لكن عندما طال شرودها طرق بأصابعه أمام وجهها، قائلاً بغرابة:
- سرحانة في أيه؟!!

رمشت بعيناها عدة مرات بتوتر شديد، ثم أخذت نفساً عميق وهي تقول بهدوء:
- مافيش، أنا هقوم أطلب حاجة ناكلها!!!

نهضت ثم خرجت من الغرفة، فـ نهض هو ليدلف للمرحاض حتى يستحم!!!

• • • •

شعرت بمن يهُز ذراعيها، فـ أفاقت من حالة الشرود المتواصلة التي تلبستها، لتنظر للدادة التي قالت بإهتمام ممزوج بالشفقة عليها:
- مالك يا هنا يابنتي، بقالي ساعة قاعدة معاكي وانتِ سرحانة في ملكوت تاني، حتى ريان بيه باين عليه مش كويس، خير يابنتي!!!

نظرت لها دون تعابير على وجهها، فـ عيناها كانت خاوية، و وجهها شاحب، و لم تردف سوى بـ:
- أنا عايزة أمشي من هنا!!!

جحظت حدقتي الأخيرة بصدمة، فـ لم تتفوه "هنا" بتلك الكلمات منذ أن عملت لديهم، لتقول بقلق جلي وهي تربت على كتفيها:
- ليه يا بنتي أيه اللي حصل!!!

أبعدت عيناها عنها، ثم نظرت للأمام، مرددة وكأنها لم تسمعها، و بدون وعي:
- انا لازم أمشي!!!

ضربت "الدادة" كفها بالأخر، لتقول بحزن:
- طيب أهدي يا حبيبتي، و أتكلمي مع ريان بيه و
أتفاهموا مع بعض، لأن دي مسائل عائلية متخصنيش، و ربنا ميجبش حاجة وحشة!!!

لم تسمعها "هنا" لتنهض كالآلة، متجهة نحو خزانتها ثم أخرجت حقيبة سفرها الضخمة، لتلقي بها على الفراش، ثم أخذت تضع الملابس بها بعشوائية، و تزيل دموعها التي أنهمرت على وجنتيها!!

فـ أنتفضت الدادة من فوق الفراش، لتقترب منها قائلة برجاء:
- أستهدي بالله يا هنا وفكري، هتروحي فين يابنتي دة أنتِ مقطوعة من شجرة و ملكيش حد!!!!

لم تبالي بحديثها لتضع كماً أكبر من الملابس، ثم قالت بنبرة جامدة:
- لميلي هدوم عمر يا دادة، عشان هييجي معايا!!!

عرِفت الأخيرة أنها لن تصل معها لشئ، وأن الوحيد من يستطيع إيقافها هو "ريان"!، فـ أبتعدت عنها لتتجه نحو الغرفة الخاصة بالرياضة، لتطرق عليها عدة مرات بعجلة، فتح "ريان" وهو يجفف وجهه بالمنشفة مزيحاً قطرات العرق التي تتهافت فوق جسده، ليردف بصدرٍ يعلو ويهبط من فرط المجهود الذي بذله:
- في حاجة؟!!

أسرعت تقول وهي تشير نحو غرفتهم:
- هنا هانم بتلم هدومها يابني وهتمشي، وطلبت مني ألم هدوم عمر بس أنا قولت أقولك الأول!!!
أنا هاخد عمر و أنزل البيت وانتوا أتفاهموا ومتشيلوش همُه!!!

سقط قلبه أرضاً حتى و إن لم يظهر عليه ذلك، حتى و إن لم يظهر الخوف في عيناه، حنى وإن لم يُعبر جسده عن القشعريرة التي سارت به من مجرد تخيُلُه أنها ستتركه وترحل، أجتازها ليتجه نحو غرفتهم، وبالفعل أخذت الدادة عُمر ورحلت حيث شقتها بالأسفل، فتح " ريان" الباب بعنف ليبحث عنها، فوجدها بالفعل تجمع أشياءها، أتجه نحوها قائلاً بصوتٍ عالي يناقض هدوءه التام:
- أنتِ فاكرة نفسك تقدري تمشي و تاخدي أبني معاكي!!! تبقي بتحلمي يا هنا!!! أنا هنا اللي اقول مين يمشي ومين يقعد واللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيط!!!

قال جملته الأخير و هو يضرب ضلفة الخزانة براحة يده بقوة، أرتجفت من صراخه عليه و إنفعاله، لترتد للخلف لكي تحافظ على مسافة آمنة بينهما، ولكن لم يمنعه ذلك من مدّ ذراعيه والقبض على ذراعيها ليغرز أظافره بهما صارخاً بنبرة جنونية:
- أنتِ مكبرة الموضوع ليه، قولتلك دي واحدة كانت في الماضي، أيه لازمته الدراما دي كلها؟!! مـ تعقلي بقا وبطلي جنانك دة!!!

نظرت له بعينان دامعتان، لا تعلم لِم لمحت رجاء أن لا تتركه في نظراته لأقل من الثانية، ليعود الغضب يقفز من عيناه، ظنت أنها ربما تتخيل، لتردف بصوتٍ على مشارف البكاء:
- لما تسيبني يوم فرَحنا وتمشي عشان مش طايقني تبقى مش ماضي، لما تعاملني معاملة زي الزفت وكأنك مغصوب عليا تبقى مش ماضي، عُمرك مـ قولتلي أنك بتحبني أو حتى لمحتلي، خمس سنين عايشة مع واحد عامل زي الإنسان الآلي، كل كلامه و أفعاله باردين، مافهيومش روح، حتى لما بتقرب مني بتبقى بارد، كأنك بتأدي واجب و خلاص!!!

كان حديثها معه هادئ، لم تصرُخ، ولم تنفعل، رغم أنها بين براثنه و أظافره تكاد تمزق ذراعيها، ولكن لم تشعر بآلام جسدها، فـ آلام روحها طاغية، فـ خفف هو يداه من على ذراعيها، ليتركها تماماً ينظر لها بنظرات خاوية، لا روح بها، فـ أبتسمت بسُخرية، لتشير لعيناه قائلة:
- مش بقولك!!! النظرة الباردة اللي في عينيك دي مش هتتغير!!!

أبعد نظراته عنها، فـ ألتفتت للحقيبة لتعود واضعة الملابس بها، فـ أستشاط غضباً أكثر، ليمسك بالملابس يُلقي بها أرضاً يهدر بصوته الجهوري:
- مش هتمشي من هنا!!!!

-همشي يا ريان، حتى لو ههرب من هنا خالص!!!
قالت ببرود شديد وهي تضع ملابسها داخل الحقيبة، فـ أستفزه برودها معه، ليحاصرها بذراعيه ضارباً الخزانة خلفها بعنف، قرّب وجهه من وجهها، ولم يبعدهما سوى بعض الإنشات، أنفجرت حُمرة الخجل في وجهها، و تحولت نظراته لأخرى أكثر ظلاماً، و هو يُقرب ثغره من شفتيها، فـ حاولت الإبتعاد و لكنه أمسك بذراعيها، لـ يديرهما خلف ظهرها، فـ جعلها مقيدة بين ذراعيه، و في مواجهة جسده الضخم، و أهم من كل هذا، عيناه الساحرة ولمساته الدافئة، أطبق بشفتيه على شفتيها، فـ أستسلمت بين يداه لـ دقائق، و لكنها عندما شعرت بناقوس الخطر يدُق، ضربته في صدره بكفيها الصغيرتان لكي يبتعد، و أبتعد بالفعل عنها لكي لا يُرغمها على شئ، ولكنه لازال يحاصرها، فـ تسارعت أنفاسها، وهي تنظر له بشئ من الغضب، و هو يطالعها بعينان دافئتان عكس طبيعتهما، يقول بصوتٍ ونبرة حنونة:
- مش هتمشي يا هنا، لو مش طايقة وجودي قوليلي و أنا اللي همشي و هرجع لما تهدي، دة بيتك..متتحركيش من هنا!!!

صُدمت من تحوله الكلي هذا، و لكنها لم تبدي ردة فعل على وجهها رغم تأثرها بنبرته، مدّ أنامله ليمسح على إحدى وجنتيها، قائلاً بصوتٍ خافت:
- صدقيني موضوع ملاذ دة أتقفل، ومش هنجيب سيرته تاني، و اوعدك مش هزعلك أبداً!!!!

أبتلعت ريقها و هي تدرك أستحواذه عليها، حاولت الصمود أمام حركاته اللطيفة، ولكنها بالتأكيد لم تصمد عندما لثم شفتيها في قبلة رقيقة، فـ أنهدمت حصونها بالكامل، و تحول النقاش المحتد بينهم إلى نقاشٍ من نوع أخر، و صراخه بها تحول لنبرة حنونة دافئة، و تصميمها على المغادرة، أصبح عدم قدرة على الإبتعاد!!!!

• • • •

ظل "ظافر" جالس جوارها بعد أن وضع كامل أشغال الشركة على عاتق "جواد"، يراقب حرارتها التي بدأت بالنزول قليلاً، فـ تنهد بإرتياح، ثم حاوط إحدى وجنتيها يربت عليها بإبهامه، متأملاً ملامحها الجميلة، و عيناها المغمضة، و التي بدأت تُفتح رويداً، فـ تأهب هو معتدلاً في جلسته، أنفتحت عيناها لتنظر له بإستغراب، تعود بذاكرتها للخلف فـ تذكرت ما حدث، لتنتفض مبتعدة عنه، قائلة بنبرة إتهام وهي تشير نحوه:
- أنت حطتلي حاجة في العصير صح؟!!! عملت فيا أيه يا ظافر!!!

ألتوى ثغره بإبتسامة ماكرة، ثم أقترب منها ليجذبها من خصره، فـ شهقت بصدمة، ليهمس و هو يغمز لها بوقاحة:
- دة أنا عملت عمايل!!!

توسعت عيناها لتعود بجسدها للخلف مسندة كفيها على الفراش خلفها، فـ أنتهز الفرصة، ليُميل عليها قائلاً بخُبث:
- أحكيلك؟!!

ضربته في صدره بإحدى كفيها ثم هتفت بضيق:
- إبعد يا ظافر دلوقتي!!!

أبتعد عنها ولكن لم تختفي أبتسامة، ليسند ظهره على الفراش جالساً بكُل أريحية، فـ نهضت هي واقفة على الفراش، ثم رفعت سبابتها تهدده بنبرة مشتعلة من الغيظ:
- أنت أنتهازي و أستغليت إني كنت تعبانة، و أنا أصلاً متغاظة منك بما فيه الكفاية، فـ أطلع برا دلوقتي لو سمحت!!!

لها كل الحق فيما تقوله وما ستقوله، و هو أبداً لن يُعلق على حديثها، سيُصلح أخطاءه معها بحكمة وتريث، لهذا نهض ثم مدّ كفه لها قائلاً بهدوء:
- طب أنزلي نتكلم!!!

- لاء مش عايزة أتكلم معاك!!!
قالت وهي تُربع ذراعيها أمام صدرها تنظر للجهة الأخرى بغضب، فـ جذبها من ذراعها للأسفل حتى كادت أن تسقط أرضاً و لكنه شدد عليها، ليجعلها تقف أمامه ثم أستطرد بإبتسامة:
- كدا نعرف نتكلم!!!

قطبت حاجبيها بضيق، لتنفجر في وجهه بصوتٍ أقرب للصراخ، ونبرة عبرّت بها عن مكنون صدرها:
- مش هتكلم يا ظافر!!! مش هسمعك أبداً زي مـ أنت دايماً مش بتسمعني، جرب بقا أحساس ان يبقى في كلام جواك و أنت مش قادر تطلعه، أنت فاكر ان بكلمتين منك هسامحك، أنسى!!! اللي عملته معايا أنا مش هسامحك عليه، مهما عملت هفضل شايلة منك ومش هقدر أنسى أنك منعتني عن أختي و بعدين ضربتني وحبستني هنا في الأوضة زي الكلاب، و في الاخر بتقول لطنط رقية انا بربي مراتي!!! لاء أنا متربية في بيتنا كويس اوي ومش محتاجة تربيني، سيبتني مرمية هنا في القصر متعرفش عني حاجة، وفاكرني هبقا مستنياك عشان أترمي في حُضنك وأقولك سامحتك يا ظافر تبقى بتحلم!!!

كان هادئاً، ليس غاضباً منها، بل من نفسه لأنه أوصلها لتلك الحالة، وتركها تخرج كل ما يؤرقها دون أن يتفوه بحرف، رُغم أن كلماته تنُغز بصدره، و دمعاتها المنهمرة تحرق روحه هو، و عندما شعر أنها لم تكتفي أقترب منها ليضع كفيه على ذراعيها، قائلاً بنبرة هادئة وحنونة بنفس الوقت:
- كمِلي، أنا عايز أسمعك!!!

نفضت ذراعيه لتبتعد خطوتين مشيرة بيديها بإنفعال:
- متفتكرش أن كل حاجة هنا هتمشي بأمرك، وبإشارة من صباعك اللي عايزه هيحصل، وان كل حاجة هتحصل زي مـ أنت مخططلها!!!، أنت بتوهم نفسك وفاكر أن كله هنا تحت رحمتك، أنا مش عارفة أنا بحبك على أيه، مغرور و شايف نفسك و متكبر و عصبي و بارد ورخم ومبتحس باللي حواليك وفاكر أن كل حاجة بتتحكم فيها!!! مافيش فيك ميزة واحدة!!!

أبتسم لها بهدوء ثم أقترب منها ليحاوط وجهها بكفيه، هامساً بخفوت:
- و أنا مش شايف فيكي عيب واحد!!!!

رمقته بضيق بعيناها الجميلتان، ثم هتفت بإصرار:
- بردو مش هتضحك عليا بكلمتين!!!

حافظ على أبتسامته الخفيفة التي زينت ثغره، ثم أسترسل برفق:
- وأنا مش بضحك عليكي بكلمتين، وعارف كويس إني غلطان، عشان كدا سايبك تقولي اللي أنتِ عايزاه ومعاكي حق، بس مش هرتاح غير لما تسامحيني، فـ أجهزي عشان أوديكي لـ براءة تقعدي معاها شوية!!!

كانت تنظر بعيداً عنه في أول حديثته تجتنب النظر لعيناه، ولكنها ألتفتت له بصدمة عند آخر كلامه، بنبرة عالية من شدة الحماس:
- بجد؟!!!!

أومأ لها ممسكاً بكفها، ليرفعه لفمه، ثم طبع في راحتها قبلة كالزهرة، لتسير قشعريرة غريبة بجسدها، ولكنه أردف، بشئ جعل قلبها ينقبض، وكانها تشعر بشئ سئ للغاية سيحدث:
- بس خليكي فاكرة أني قولتلك بلاش، و إني منعتها تكلمك عشان عارف نواياها، بس أنا مش فارق معايا حد غيرك، و عايزك مبسوطة دايماً، و أنا أصلاً وراكي و فـ ضهرك في أي خطوة هتاخديها، ومش هسمح لحد يأذيكي حتى لو بكلمة!!!

كلماته جعلتها تشعر أنه يقف كحائل بين أي شخص يحاول أذيتها، مما جعلها تكاد تطير من الفرح و إن لم تُظهرله ذلك، ولكنها لم تمنع نظرة الأمتنان التي رمقته بها، و الذي أستقبلها هو بأخرى مطمئنة إياها، ثم تركها يخرج من الغرفة لينتظرها بالسيارة، فـ قابل "رقية" التي تفاجأت برؤيته، لتصرخ بشوق:
- ظافر!!!

ربت على ظهرها بعد أن عانقته، لتردف بلوم:
- إكده نهون عليك تسببنا الفترة دي كِلاتها، چيت إمتى؟!!

قال بأسفٍ حقيقي:
- معلش يا أمي بس أنا كنت متلغبط ومحتاج اقعد لوحدي، أنا جيت أمبارح بليل متأخر فـ محبتش أزعجك!!!

أبتعدت عنه، لتسأله بإهتمام:
- أتصافيتوا انت وملاذ؟!!!

قال بهدوء:
- لسة منشفة دماغها!!!

- معلش يابني أنت بردو اللي عملته مش جُليل "قليل"، خليك وراها لحد مـ تسامحك!!!

أومأ وعيناه تبرق بتحدي، مردفاً بإصرار:
- أكيد!!!

أخبرها عن وجهتهما، وأنه لا يستريح لأختها أبداً، ولكنه سيفعل من أجلها، فـ أيدتُه والدته، ليعلم آخر هذا الطريق ويقطع الشك باليقين، فـ خرج "ظافر" من القصر، ليجلس في سيارته ينتظرها، فاتت دقائق لتخرج بطلتها البهية، مرتدية بذلة باللون الأبيض، تعلوها حجاب باللون الوردي، فـ ابتسم تلقائياً لها، لتركض نحوه مستقلة جواره، ثم هتفت بحماس لملاقاة أختها:
- يلا!!!!

نظر لها لثواني، متأملاً وجهها الضحوك، وهو يتمنى بقاء تلك الضحكة الجميلة على وجهها للأبد، ليشعل محرك السيارة، منطلقاً بها!!!

• • • •
وقف السيارة أمام بناية فاخرة، فـ ترجلت "ملاذ"، ولم تنتظره لتركض داخل البناية، فـ أوقفها "البواب" يهلل بإبتسامة بشوشة:
- ملاذ هانم!!! ليكي وحشة يا هانم، دة البرج نور!!!

بادلته إبتسامة صافية تقول:
- شكراً يا عم محمود!!!

لم تطيل الحديث معه لتركص داخل مدخل البنابة الرخامي، فـ وجدت "ظافر" خلفها يقول بصوتٍ هادء ولكن حاد:
- أنتِ ماشية توزعي أبتسامات على الناس؟!!!

ألتفتت له ثم صفقت بيديها بحماسٍ:
- أصل انا فرحانة اوي!!!

تنهد بقلة حيلة على زوجته المجنونة، ثم ضغط على زر المصعد خلفها، كاد "ظافر" أن يستقل المصعد لتوقفه بضيق:
- أنت طالع معايا؟!!

أومأ مؤكداً بسُخرية، وكأنه سيتركها بمفردها مع تلك التي تدعى شقيقتها:
- أكيد يعني!!!

أوقفته من ذراعه قائلة برجاء:
- ظافر أنا عايزة أتكلم معاها لوحدنا، معلش أستناني في العربية!!!

أظلمت تعابير وجهه لينقبض فكه، ثم أردف بنبرة مُخيفة إلى حدٍ كبير، أمتزجت مع صوته الغليظ فـ فشكلا رُعب على "ملاذ":
- وأنا مستحيل أسيبك لوحدك معاها، يـ أما هطلع معاكي أو نمشي!!!

قطبت حاجبيها بحزن، ثم هتفت وهي تحاول إقناعه:
- يا ظافر أنت مش فاهمني، هي هتتكسف تتكلم قدامك في حاجة، معلش يا ظافر أنا والله مش هتأخر عندها، عشان خاطري!!!

حدق بها لوهله، يُفكر بما سيفعله أمام عيناها المتوسلة والتي ترغمك على موافقتها على أي شئ!!، زفر بضيق ثم قال و هو يذهب من أمامها:
- أطلعي ياملاذ!!!!

ركضت خلفه لتقف أمامه، ثم أمسكت كفه قائلة بحنان:
- متزعلش مني، أنا والله مش هتأخر!!!

أومأ دون النظر لها، ثم تركها ليقبع بسيارته، وأستقلت هي المصعد، الذي صعد للطابق الحادي عشر، كانت "ملاذ" تأخذ بحوزتها رذاذ الربو لضيق تنفسها في الأماكن الضيقة، وصلت أخيراً أمام الشقة، شعور غريب يختلجها، قلبها ينبض بسرعة شديدة وكأن شيئاً سئ سيحدث، ولكنها تغاضت عن شعورها، لتطرق على الباب عدة مرات بأيدي مرتجفة، فـ سمعت صوت الدادة "فتحية"، ليبتهج وجهها و هي تضم كفيها لصدرها، فتحت "فتحية" الباب، لتشهق غير مصدقة ما تراه، لترتمي "ملاذ" بأحضانها، تقول بنبرة تجل البكاء بها واضحاً:
- دادة فتحية!! وحشتيني أوي!!!

ضمتها الأخيرة بحنان شديد، تحاوطها بذراعيها، قائلة بإبتسامة فرِحة:
- حبيبتي يابنتي، وحشتيني اوي يا ملاذ!!! ماشاء الله يا حبيبتي الحجاب منور وشك!! كدا الغيبة دي كلها ولا حتى تكلميني ع الموبايل!!!

أبتعدت عنها "ملاذ" قائلة بأسف:
- أنا عارفة أني غلطانة بس والله مش هبعد عنكوا تاني أبداً، براءة جوا؟!!!

نظرت لها "فتحية" بإشفاق، ثم هتفت بحزن وهي تربت على كتفيها:
- مـ بلاش يابنتي، أنتِ عارفة براءة كل مرة بتقولك كلام يسم البدن!!!!

هتفت "ملاذ" سريعاً، والأبتسامة تزين شفتيها، تمسح الدموع العالقة بأهدابها:
- لاء يا دادة هي أصلاً كلمتني و أعتذرت على كل حاجة عملتها، و انا أساساً مش فاكرة ولا عايزة أفتكرلها حاجة وحشة عملتها معايا!!!

لتتابع بلوم زائف:
- هفضل واقفة ع الباب كدا يا دادة!!!

جذبتها "فتحبة" للداخل بود، ثم قالت:
- دة بيتك يا ملاذ مش محتاجة تستأذني!!!

بحثت "ملاذ" بعيناها على "براءة" فهتفت "فتحية تعلم ما يدور بخلدها:
- براءة جوا في أوضتها، أدخليلها يا بنتي!!!

أتجهت إلى غرفتها، لتقف أمامها بحيرة، وأخذت تفكر لو كان "ظافر" جوارها الأن كان سيشُد من أزرها، و يشجعها، فـ هي دائماً ما تستمد القوة منه، ولكنها حسمت أمرها على الدخول، فـ تركتها "فتحية دون أن تزعج حديثهم، دلفت "ملاذ"، فوجدتها جالسة على مقعدها المتحرك كالعادة واضعة جهاز الكمبيوتر المحمول على قدميها، أتسعت عينان "ملاذ" بشوق لأختها الصغيرة، و أمتلئت بالدموع، فهي لا تتخيل أن وأخيراً سيعودا شقيقتان حقيقيتان دون كره وحقد بينهما، رفعت "براءة" عيناها، لتتلاقى بعينان أختها، فـ جمدت أطرافها، وشعرت بتخدر في جسدها لوقوف "ملاذ" أمامها، أنحنت "ملاذ" نحوها لتضمها بقوة تشهق ببكاءٍ عالي وهي تقول:
- براءة!!!!

رُبط لسانها ولم تستطيع ان تتحدث من كم الحنان التي تضمها به أختها، فـ رُغم أنها كانت ولازالت تدمر حياتها، إلا أنها لم تكرهها أبداً، لأول مرة لا تعلم "براءة" ماذا عليها أن تفعل، تضمها أيضاً وتشبع روحها القاسية من حنان أختها، أم تدفعها بعيداً عنها للمرة المائة، و تبقى في مهب الرياح من جديد، بكت "ملاذ" في أحضانها كالطفل الصغير، لتقول بنبرة تمزق القلوب، و تُلين الحجارة:
- متزعليش مني يا براءة، لو عملت معاكي حاجة وحشة قبل كدا سامحيني عليها!!!
جحظت عينان الأخرى غير مصدقة ما تتفوه به "ملاذ"، فـ هي من المفترض أنها من تتحدث هكذا، بل و تتوسل لها لكي تسامحها عما أذنبته بحقها، و هي التي لا تتذكر أن "ملاذ" أذتها بكلمة، بل دائماً مـ كانت ترُد الإساءة بإحسان!!!
وهذا ما جعلها تغضب وتثور أكثر، فـ ملاذ" الأفضل بكل شئ، و عند تلك النقطة، وبدون ذرة من الرحمة نزعت "ملاذ" لتدفعها للخلف بعنف، فكادت "ملاذ" أن تتعثر و تسقط لولا توازنها!!!!
نظرت لها بصدمة، و قلبها يأن ألماً، ليعلو صوت "براءة" وهي تقول بنبرة كريهة:
- بطلي عبط بقا وفوقي، بتتأسفي على أيه؟!!! أنا أول مرة اشوف حد معندوش كرامة اوي كدا، أنتِ فعلاً مشي عليكي دور الأخت الندمانة على اللي عملته، تبقي هبلة لو صدقتي كلمة من اللي قولتلها لما كنت بكلمك، عارفة أنا قولتلك كدا ليه وقتها، عشان أوقع بينك وبين ظافر، وتكرهيه، و تجيلي زي مـ عملتي دلوقتي، عارفة عملت أيه كمان يا ملاذ، عرفت أوصل لمكان الحب القديم!!! ايوا ريان الجندي!!!! وبعتله حرامي يخطف أبنه، وكنت عارفة أن الشخص اللي بعتُه ده هيتمسك، عارفة قولتله لما تتمسك تقول أيه!!! قولتله قول أن ملاذ هي اللي باعتاك عشان تنتقم من ريان وتخطف أبنه وتحرق قلبه عليه!!! أيه رأيك بقا في المفاجأة دي!!!

زاغت أبصارها، و تشوشت الرؤية أمامها بالكاد ترى، قلبها متكوراً منكمشاً، تشعر بجلدات من سوطٍ قاسي يسقط على جسدها، كانت عيناها مثبتة عليها، فقط عيناها تذرف دموع ساخنة كمياه متدفقة، و هي تقسم في تلك اللحظة أن قلبها كاد ان يتوقف بدون مبالغة، ألتفتت بعيدة عنها دون أن تنبس ببنت شفة، لتسير تائهة خارجة من الغرفة، تنظر أمامها دون وعي، دون روح، دون حديث، لتخرج من الشقة مستندة على الحائط حتى لا تسقط منهارة، وعندما وصلت للمصعد، ضغطت عليه بأصابعها الباردة، ثم دلفت له، و فور دخولها المصعد، لم تشعر بنفسها سوى والظلام يحتويها من كل مكان، فارداً ذراعيه لها، فسقطت بها مستسلمة، و أنقطع الكهرباء في المصعد فجأة، لتبقى "ملاذ" ممدة على أرضية المصعد، مغشياً عليها، وسط ظلامٍ موّحش!!!!

• • • •

أنفجرت "براءة" في البكاء، و هي تشعر بألم حقيقي يختلج صدرها، فـ مشهد "ملاذ" وهي تتحرك من أمامها كشخصٍ فقد الحياة لا يذهب من عقلها، تآوهت بألمٍ وكأن سكيناً أنغرز في صدرها، فـ دلفت "فتحية" بهلعٍ، تهدر وهي تقترب منها منحنية نحوها:
- يا ساتر يارب، براءة يابنتي!! أيه اللي حصل، وملاذ فين!!!!

تحدثت "براءة" وهي تمشي، للخارج بصوتٍ متقطع و أنفاس لاهثة:
- ألحقيها والنبي يا دادة، شوفيها فين و لو ظافر تحت خليه ياخدها، أنا إنسانة بشعة، ربنا ياخدني عشان ترتاحوا!!!!

لم تستطيع "فتحية" السيطرة على نفسها، لتقبض على كتفيها بقسوة:
- قولتي للبت أيه يا براءة!!! قولتلها أيه، قوليلي أنتِ جايبة قسوة القلب دي منين!!! حرام عليكي يا شيخة دي كانت جاية وفرحانة أنك كلمتيها، أنتِ أيه معندكيش دم!!! أتقي الله بقا دة محدش هيحبك أدها!!!

بكت "براءة" أكثر، فتركتها "فتحية" تنظر لها بإشمئزاز:
- أنتِ تستاهلي تفضلي لوحدك، هتعيشي وتموتي وانتِ لوحدك!!!!

تآوهت ببكاء شديد، فـ ركضت "فتحية" للخارج لتسحب أقرب وشاح، ثم لفته على رأسها بعشوائية، لتذهب تجاه المصعد، ضغطت على الزر عدة مرات ولكنه لا يستجيب، فـ أخذت تضربه براحة كفيها، وهي تصرخ بصوتٍ عالي:
- اللي سايب الأسانسير مفتوح يقفله!!!

ولكنها لم تسمع رداً من أحد، فـ ركضت للداخل نحو هاتفها لتهاتف البواب، الذي سرعان ما أجاب قائلاً:
- اؤمريني يا هانم!!!

- الأسانسير مش شغال يا عم محمود، في حد فاتحه تحت من عندك؟!!!

- لاء يا هانم، أخر حد طلع فيه كانت المدام ملاذ، و بعدين منزلتش تاني!!!!

ضربت على صدرها بعينان جاحظتان، تقول بهلع:
- يا نهار أسود، يا نهار أسود!!!!

هلع قلب البواب ليقول بصوتٍ مهتم:
- في أيه يا مدام فتحية، المدام ملاذ بخير!!!!

ألتقطت أذني "ظافر" ما قاله "البواب" وهو جالس بسيارته، فـ سقط قلبه بقدميه ليترجل من السيارة سريعاً، ثم ركض نحوه ليأخذ الهاتف، قائلة بنبرة جهورية:
- في أيــه!!!! ملاذ فين!!!

كأنه جاء نجدةً لها، لتسرع قائلة ببكاء:
- ملاذ نزلت يا أستاذ ظافر، بس الأسانسير واقف مش راضي يشتغل، وتقريباً هي جواه!!!!

صرخ بقوة، وعيناه جاحظتان مُخيفة:
- أيـــه!!!!

ألقى بالهاتف أرضاً، ليركض ناحية المصعد ثم ضرب عليه بقبضتيه بعنف صارخاً بحدة:
- مــلاذ!!!!!

أتى البواب ركضاً يردف بقلق:
- الظاهر أنه مش واقف هنا يا باشا، لازم نطلع ونعرف هو واقف فين، وانا هكلم خدمة الصيانة!!!!

لم ينتظره "ظافر" ليصعد درجات السُلم مهرولاً، ظل يصعد ولم يتوقف حتى لكي يلتقط أنفاسه، فـ كيف سيتنفس هو هُنا وهي تصارع بالداخل، و هو يعلم أنها تعاني من ضيق في النفس، ركض حتى وصل للطابق الحادي عشر فوجد "فتحية" تقف أمام المصعد، فهدر بغِلظة:
- أزاي تسيبوها تنزل لوحدها!!!

- والله يابني نزلت من غير مـ تقولي، الله يسامحها براءة!!!!

ألتفت لها بملامحٍ لا تبشر بالخير، فتحولت عيناه النارية لاخرى مظلمة، قائلاً بقسوة:
- حسابها معايا بعدين!!!!

صعد طاقم صيانة المصاعد، لم يُطيلوا بالوقت مراعاة إلى "ظافر" الذي أنفلتت أعصابه، وفجأة فُتح المصعد،فـ أنقبض قلب "ظافر" وهو يزيحهم بعيداً عن مدخل المصعد، فوجدها مرتمية على الأرضية، شفتيها شبه زرقاء ووجهها شاحب كالموتى!!!!

أرتجف جسده بأكمله من شدة الذعر ليهمس بصوتٍ خافت من شدة صدمته:
- مــلاذ!!!!!

ضربت "فتحية" على وجنتيها مصعوقة، خرجت "براءة" من الشقة لترى تلك الجلبة التي تحدث، ثم حولت أنظارها داخل المصعد، لتحدق بـ أختها بصدمة، ولم يقوى لسانها على التحدث، وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع!!!، فـ دلف "ظافر" إلى المصعد ثم سريعاً أنحنى نحوها ليحمل جسدها الضئيل بكلتا ذراعيه المفتولين، فـ أسندت هي رأسها على صدره دون قصدٍ منها، وقبل أن ينغلقا بابي المصعد على بعضهما، ألقى نظرة مرعبة على "براءة" لترتد للخلف بخوف، فـ أندفعت "فتحية" للداخل قائلة برجاءٍ وقلبٍ يدمي:
- هاجي معاكوا يا ظافر باشا، خليني أبقى جنبها أرجوك!!!

حدّق بوجه "ملاذ" الشاحب، ثم هتف بجمود:
- أطلعي برا الأسانسير فوراً!!!!

أنتحبت ببكاء وهي تقول متوسلة إياه:
- انا بس عايزة أبقى جنبها عشان خاطري آآآ..

قاطعها صارخاً بصوتٍ قوي هزّ ارجاء المصعد:
- بــــــرا!!!!!!

أرتدت للخلف بصدمة من صراخه عليها، ووقف الجميع متعجباً مما يمكله هذا الرجل من جبروت، ولكن لم يكن أمامهم سوى الصمت، لتخرج "فتحية" متهدلة الكتفين، فـ أسرع هو بالضغط على الطابق الأرضي بصعوبة، ثم نظر إلى وجهها الشاحب، ليضم جسدها البارد إلى صدره، يحاول نقل دفء جسده لها، مقبلاً جبهتها، يردف بصوتٍ ظهر به الحسرة:
- أنا اللي جيبتك هنا، أنا!!!!!

فُتِح المصعد ليضع أقدامه خارجه، ثم أتجه نحو سيارته غير عابئاً بنظرات الأستغراب من حوله، ثم فتح السيارة بمفاتيحه، ليدلفها للمقعد جواره ثم أنتقل إلى مقعده بسرعة شديدة، ليُشعل محرك السيارة، مناظرا للرياح في سرعته!!!!

• • • •

واقفاً أمام زجاج الغرفة والذي يُظهرها له، مكبلاً يداه خلف ظهره، شامخاً الظهر، و إن كان قلبه منحنياً، فـ هي ترقُد بالداخل، ساكتةٌ بطريقة مُفزعة، أغمض عيناه قابضاً على جفنبه بقوة، وألم قلبه لا يوصف، أخذ نفساً عميقاً، يحاول أن يبقى قوياً لأجلها، حتى لا تضعف هي، فـ المواجهة الأكبر بما حدث..ستكون عندما تفيق وتستعيد ذاتها، وتتذكر ما حدث والذي موقن أنه شئ سئ للغاية، أصتك على أسنانه غضباً من تلك التي أوصلتها لتلك الحالة، أبتسم بألمٍ عندما تذكر لهفتها على رؤية أختها، وضحكاتها السعيدة التي تُغمره عندما علمت أنه سيسمح لها برؤيتها، أقسم بداخله أن لو رأت "براءة" ما تفعله "ملاذ" من أجلها لبكت ندماً، زفر بقنوط شديد، متذكراً تشديده على جميع من بالمشفى _الخاصة بعائلته_ أن لا تفشي خبر وجودهم هُنا حتى بين أنفسهم، فالصحافة يتصيدون الاخبار و الفضائح، فـ هو حتى لم يخبر أحداً بما صار، و يطمئن والدته بأنه في إحدى شققهم في القاهرة لكي تبقى "ملاذ" جوار أختها، رفع عيناه الزيتونية التي تبرق وكأنه على مشارف البكاء، لينظر لسكونها التام، و دقات قلبها التي تنبض بالجهاز، ليخرج الطبيب فجأة، فـ أقترب منه "ظافر" قائلاً بهدوء، ينافي النيران الموقودة داخله:
- هي كويسة صح؟!!!

أومأ الطبيب قائلاً برسمية، وبنبرته المُهذبة، فـ هو يتحدث مع حفيد عائلة الهلالي، و أكثرهم شدةٍ وقسوةٍ:
- كويسة يا ظافر بيه، مُجرد إغماء بسيط نتيجة لضيق في التنفس لأن هي عندها ربو زي مـ حضرتك عارف، أو تعرُضها لصدمة قوية أثرت عليها، هي هتفوق خلال دقايق، ونطمن بعد كدا على كُل مؤشراتها الحيوية!!!

كان منتبهاً لكل كلمة تخرج منه، ليردف قائلاً برزانة:
- تمام..!!

ودون حتى أن يسأله، تجاوزه ليدلف داخل الغرفة، فـ رفع الطبيب كلتا حاجبيه، ثم تنهد بقلة حيلة، فـ لا أحد يستطيع منعه عن شئ، ليُكمل سيره!!!

داخل الغرفة التي تقطن بها "ملاذ"، دلف للداخل، بخطوات وئيدة للغاية، وكأنه خائف من الأقتراب منها، أخذ مقعد جلدى، ثم وضعه جوارها، ليجلس بمحاذاتها، ثم مدّ كفيه ليمسك بكفيها، بين راحتيه الدافئتين، يقبله بعشقٍ خالص، ليقول بصوتٍ دافئ، لا يظهر سوى وهي معه:
- ملاذ!!!

فُتحت عيناها اللامعة ببطئ، لترمش بأهدابها أكثر من مرة، مطالعة السقف فوقها، وبدون قصدٍ منها شددت على يداه بكفها، فـ رفع عيناه لها سريعاً، لينتفض جالساً على الفراش جوارها، محاوطاً وجهها بكفيه، يتأمل عيناها التائهة، وملامحها الذابلة بندمٍ!!!



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close