اخر الروايات

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثلاثون 30 بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثلاثون 30 بقلم سارة محمد 



حافية على جسر عشقي الثلاثون:.
جالسة جواره في السيارة، والهدوء يسود المكان، لم ينبُث أياً منهما بكلمِة، وكأنهما في عالمين مستقلين بعيداً عن بعضهما، عيناها الشاردة وهي تنظر إلى أوجه المارة، و كفه المشدد على المقود وكأنه يعاني حرباً ما داخله،
أسندت "رهف"رأسها على المقعد خلفها، تنظر أمامها بحُزن شديد حاولت ألا يظهر على محياها حتى لا تكُن ضعيفة أمامه، ولكن تفكيرها بما حدث لم يتوقف، عندما طلب منها وبمنتهى البرود تحضير حقيبتها ليذهب بها إلى أمه، لم تنسى ألم قلبها عندما أدركت أنها ستبتعد عنه، وربما لن تراه سوى كل فترة، أفاقت من شرودها على رائحة الدخان الذي ينبعث من سيجارته، فـ أختنقت من تلك الرائحة التي لطالما كرهتها، لتسعل بقوة واضعة يدها على معدتها، ثم أخرجت وجهها للخارج، فـ ألقى "باسل" بالسيجار من النافذة يبتلع ريقه مخفياً قلقه عليها، هدأ سعالها ولكنها ظلت تنظر للطرقات دون أن تلتفت له، نظرت إلى كفها الذي حلّت عن الشاش منذ عدة أيام، لتعود بعيناها إلى الطريق، وصلا للقصر، ليتجاوز البوابة، ثم صف السيارة بعشوائية، وظل صامتاً ينظر أمامه منتظراً نزولها، و بالفعل ترجلت من السيارة دون أن تنظر له، ثم فتحت الباب الخلفي لتأخذ حقيبتها والتي كانت خفيفة، فهي لم تأخذ ملابسها بأكملها حسب طلبه هو لأنها لن تبقى هُنا طويلاً، و فور أن أغلقت الباب، أنطلق بسيارته سريعاً فـ أرتدت هي للخلف بصدمة، ثم تنهدت بضيق، لتجذب الحقيبة خلفها، خطت نحو الباب الضخم للقصر، لتطرق عليه طرقات رغم ضعفها إلا أن "رقية" سمعتها، لتفتح الباب مبتسمة ببشاشة، قائلة وهي تجذبها لأحضانها:
- وحشتيني يا بتي!!!

أحتضنتها "رهف" وقاومت رغبة قوية في البكاء، ثم جلست معها قليلاً يتسامرون، و عندما لاحظت "رقية" شعورها بالتعب، طلبت منها الصعود لغرفتها لكي تستريح، فصعدت بالفعل لجناحهم، ولكن فور دخولها له، هجمت الذكريات على رأسها بقوة مفترسة ما تبقى منها من قوة، ظلت واقفة على عتبة الباب، مُثبتة عيناها على الأرضية، هي نفسها التي تكورت بخوف فوقها عندما أنهال عليها بالضربات، شعرت بوخز في قلبها لا يُحتمل، لتضع كفها على فمها تكتم شهقاتها عندما تذكرت عُنفه معها، وسبُها بأسوأ الألفاظ، عِند تلك النقطة تحديداً صفعها، و هُنا ضرب رأسها بالأرض حتى أُغشي عليها، في تلك البُقعة أتهمها في شرفها، وفي تلك اللحظة سقط قلبها صريعاً لم تستطيع "رهف" السيطرة على بكاءها و أنتفاضة جسدها، لتعود للخلف تهُز رأسها نفياً بألم، فـ أتت "رقية" على صوتها، قائلة بقلق:
-رهــف!!! مالك يابتي!!!

ألتفتت لها "رهف" مشيرة للداخل قائلة وهي تهدر بهيستيرية، بنبرة ليست واعية:
- أنا مش عايزة أقعد هنا، مش عايزة أقعد هنا!!!

وضعت كلتا كفيها على أذنيها صارخة بصوتٍ تجلى الألم به:
- أنا كرهته أوي!!!!

اشفقت عليها "رقية" لتربت على كتفيها قائلة وهي تحاول تهدأتها:
- خلاص يابتي اهدي، متقعديش هنا محدش يجدر يچبرك على حاجة!!! تعالي يا حبيبتي نامي معايا في أوضتي!!

جذبتها من ذراعها لتنظر "رهف" للجناح خلفها بأسى، ثم سارت معها وجسدها بأكمله يرتجف كما لو أنها بـ وسَط القطب الجنوبي!!

أخذتها "رقية" لغرفتها لتجعلها تنام جوارها و هي تسُب "باسل" في سرّها على ما فعله ليجعل تلك المسكينة تصل لهذه الحالة!!!، ظلت جوارها تضمها لصدرها الحنون، حتى نامت " رهف" فـ أبتعدت عنها "رقية" لتخرج خارج الغرفة، ثم أخذت هاتفها من فوق السفرة، لتضغط على شاشته، ثم وضعته على أذنها، أنتظرت ردّه فأتاها صوته البارد بعد ثوانٍ و هو يقول:
- في حاجة يا أمي؟!!!

خرجت نبرتها قاسية، وصوتها حزين على ما آلت إليها عائلتها:
- أنت معندكش دم يا واد؟!! يعني بدل مـ تحِب على راس مرتك و تحاول تعوضها عن الجرف "القرف" اللي عملته معاها، چايبها إهنه وبعدتها عنك جال يعني إكده بتصلح كل حاچة، ومخطرش على بالك أن وچودها إهنه عيفكرها بكُل حاچة عملتها، أنت كدا بتزيد الفچوة بيناتكوا يابني، وصدجني البُعد بيعلم الچفا، وجلب الست لو إنكسر، عُمره مـ هيرچع زي الاول!!!!!

أنقبض قلبه عندما تذكر أن جلوسها في القصر سيجعلها تتذكر ما فعله، وهو نسى تلك النقطة تماماً، ليبتلع ريقه وهو يقول بغصة في حلقه:
- حاولي يا أمي متخليهاش تدخل الجناح بتاعنا، أقفليه بالمفتاح خالص!!!

زمت شفتيها و هي تقول بحسرة:
- بعد أيه!!!، مـ هي دخلته وأفتكرت كل حاچة واللي حُصل حُصل، و أنا بغبائي جولتلها أطلعي للجناح و نسيت اللي حُصُل!!!!
صف "باسل" سيارته جانباً، ليضع كفه على رأسه يُدلكها ليخفف من حدة صداعه، قائلاً بنبرة أوضحت عما به من نيران مستعرة:
- عملت أيه؟!!!

جلست "رقية" على الأريكة مسترسلة بتأثر:
- والله يابني لو تشوفها وهي بتبكي و بتجول مش عايزة أجعد هنا، كان جلبك أتجطع عليها!!!

أُعتصر قلبه من شدة الألم، ليُغمض عيناه و هو يتخيل ردة فعلها التي ستمزقه أشلاء، ليسمع والدته وهي تتابع حديثها بنبرة حادة:
- تيچي بكرة وتصالح مراتك يا وِلدي، و تحب على إيدها وراسها كُمان عشان تسامحك، كفاية بجا يابني دة العُمر مافيهوش حاچة، صدجني هتعرف قيمتها بعد مـ تختفي من حياتك، هتتمنى لحظة واحدة ترچع وتشوفها، هتتمنى إنك مستغلتش كل دقيقة وهي چارك "جنبك"!!!!

أسند رأسه على المقود، يلعن نفسه تحت أنفاسه، ليتحرك بالسيارة عائداً بها من طريق آخر، قائلاً بحسم:
- أنا جاي!!!

• • • •
فُتحت عيناها اللامعة ببطئ، لترمش بأهدابها أكثر من مرة، مطالعة السقف فوقها، وبدون قصدٍ منها شددت على يداه بكفها، فـ رفع عيناه لها سريعاً، لينتفض جالساً على الفراش جوارها، محاوطاً وجهها بكفيه، يتأمل عيناها التائهة، وملامحها الذابلة بندمٍ!!!!
مال عليها ليُقبل رأسها قبلة عميقة، دفن ذراعه أسفل جزعها العلوي ليرفعها يضمها لصدره، حاوطت "ملاذ" عنقه بذراعيها، دفن أنفه بعنقها يحاوط خصرها بإشتياق، ليبتعد عنها ممسكاً وجهها بين يداه، ليردف بنبرة حانية:
- ملاذ،أنتِ كويسة؟! قلقتيني عليكي!!!

أغرورقت عيناها بالدموع عندما جاء على بالها ما حدث فـ أسرع قائلاً و هو يمسح دموعها بأنامله، قائلاً:
- لاء يا ملاذ متعيطيش، مش عايز أشوف دموعك!!!

ألقت برأسها على صدره محاوطه خصره، قائلة بصوتٍ مرتجف ضعيف:
- كان عندك حق يا ظافر، ياريتني مـ روحتلها، ياريتها مـ كانت أختي أصلاً!!!

ضمها له بحنان، واضعاً كف أسفل عنقها، والأخر يصعد ويهبط على ظهرها، يقول بنبرة قوية ولكن حنونة:
- متخليش حاجة تكسرك يا ملاذ، مـ عاش ولا كان اللي ييجي جنب مرات ظافر الهلالي!!
أرتجف جسدها في أحضانه فـ شدد على أحتضانها أكثر، لتتنهد "ملاذ" محاوطة خصره أكثر أسفل حِلته السوداء، قائلة والدموع تنهمر من عيناها:
- أول مـ دخلت عندها، حضتنها!! كانت وحشاني بطريقة مش طبيعية، حضنها كان واحشني أوي، أنت عارف أنا بقالي سنة محضنتهاش، أخر مرة خدتني في حضنها لما كنت سخنة جداً و تعبانة، كانت فكراني نايمة، بس أنا كنت صاحية يا ظافر، فرحت أوي وقتها، عارف أول مـ حضنتها النهاردة عملت معايا أيه؟!! بعدتني عنها كأني هوسخها، بصتلي بصة أنا عُمري مـ هنساها، وقالتلي كلام هيفضل محفور في دماغي، قالتلي أنا كلمتك بس عشان أوقع بينك وبين ظافر، وأنا زي الغبية أتخانقت معاك وعملتلها اللي هي عايزاه، ظافر أنا مش عايزة أشوفها تاني، لو شوفتها هفتكر كل اللي حصل، بس عارف؟! أنا أصلاً مش هعرف أنسى، دة حتى الجرح اللي في إيدي واللي هي السبب فيه بيفكرني بيها!!، مش هقدر أنسى الوجع اللي سببتهولي!!!!

كل كلِمة تخرج من فمها، يتبعها شهقة باكية تنتفض على أثرها جسدها، فيحتويها هو بين ذراعيه أكثر،تمتلأ عيناه بالدموع، ترك المجال لها لتتكلم أكثر دون أن يقاطعها، ممسكاً بكفها يُقبله، فأكملت "ملاذ" مغمضة عيناها بقوة، تتشبث بقميصه الاسود، قائلة بنبرة مُهتزة:
- ظافر..أنا.. أنا مليش غيرك دلوقتي، متسبنيش!!!

رفع وجهها الأحمر لها، لينظر لعيناها المتورمة بعينان حمراء من شدة الحزن، قائلاً و هو يقبل وجنتها:
- عُمري مـ هبعد عنك، حتى لو على جثتي!!!

صُدمت "ملاذ" عندما وجدت دمعة تشُق طريقها عبر وجنته، فـ مسحتها بأناملها النحيفة قائلة بحنان:
- ظافر أنت بتعيط!!! متعيطش يا حبيبي، خلاص أنا مش هعيط عشان متزعلش!!!

ضمها "ظافر" لصدره أكثر واضعاً رأسه على كتفها لتنهمر الدموع على وجنته أكثر، متنهداً بثقلٍ على قلبه، فـ مسحت "ملاذ" على خصلاته بحنان، و هي تعلم أنه يبكي، فهي شعرت بدموعه تبلل كنزتها، قبّلت جانب عنقه محاوط بذراعيها منكبيه العريض، مربتة على ظهره بحنو شديد، وكأنه طفل يبكي عندما وجد أمه تبكي، هي تعلم "ظافر" لا يبكي أبداً ولا تسقط دمعة واحدة من عيناه سوى لشئ يستحق، وتعلم أن لحظات ضعفه تلك لا تظهر إلا معها، لا يبكي أمام غيرُها، تنهدت بحزن وهي تحاول تهدأته، فـ رغم أن بكاءه يخرج دون صوت، ولكن رجفة جسده تشعر بها، شددت على عناقه كما فعل هو، لتردف بلُطف، وصوت رقيق:
- حبيبي أهدى، عشان خاطري يا ظافر أنا أول مرة أشوفك كدا!!!
لم يترك خصرها المشدد عليه، ولم يهدأ أبداً، فـ تركته يخرُج مكنون قلبه، تربت على ظهره برفق ساندة رأسها على كتفه، مرت دقائق دون حديث، فقط هو يسند جبهته على كتفها، وهي تعانقه بأقوى ما لديها، ليبتعد "ظافر" عنها، فـ أنقبض قلب "ملاذ" عندما رأت عيناه شديدة الإحمرار، لتكُوب وجهه بحنان، مُقبلة وجنتيه المزينان بذقنٍ خفيفة، ليمسك كفيها يحاوطهما بكفيه، مقبلهما، قائلاً بصوتٍ متحشرج:
- أنا اسف، أسف على أي حاجة وحشة عملتها معاكي، أسف على أي كلمة أذيتك بيها، أو فعل متهور وجعك، سامحيني يا ملاذ، وعد مني عُمري مـ هزعلك يا حبيبتي، خليكي عارفة دايماً إني جنبك، مش هسيبك أبداً، لو الدنيا كلها سابتك أنا مش هسيبك، لو حد وجعك بكلمة هاكله بسناني، لو حد بس فكر يأذيكي همحيه من على وش الأرض، قوليلي يا ملاذ أنك مسمحاني!!!

تأثرت بحديثه، لتلقي بنفسها في أحضانه، مستشعرة دفئه قائلة سريعاً وبدون تردد:
- مسامحاك يا حبيبي والله!!!

تنهد براحة، ليردف بقلق و هو يبعدها عنه محاوطاً وجهها:
- تعبانة يا حبيبتي، حاسة بأيه؟!! راسك وجعاكي صح!!!

-شوية..!!!
هتفت وهي تشعر بالصداع يهلك رأسها، نهض لينحني حاملاً إياها بخفة، فـ اسندت رأسها على صدره، قائلة بحرج وهي تتشبث في حِلته:
- ظافر أنا هقدر أمشي!!

هتف بإبتسامة جميلة قائلاً:
- تمشي و أنا موجود، دة حتى عيب في حقي!!!
تحرك خارج الغرفة فـ قابلته الممرضة التي نظرت له بتوتر:
- ظافر باشا مينفعش تاخدها هي لسة تعبانة وآآآ...

تحول وجهه إلى جمود شديد، يهتف ببرود أذهل "ملاذ":
- حاجة متخصكيش!!!!

أبتلعت الممرضة باقي العبارات داخل جوفها منكسة رأسها للأسفل بحرج، فـ سار "ظافر" بها في ممر المشفى، لتنظر له"ملاذ" بدهشة، فـ هو عندما يتعامل مع أحد دونها يكون قاسي، بارد، ولكن عندما يتعامل معها يعود كـ طفل صغير يركض لأمه، لم تلاحظ أنها ظلت تنظر له كثيراً، فـ توقف "ظافر" عن الحركة قائلاً وهو ينظر لها بخبث:
- عارف إني حلو بس مش للدرجة دي!!!
تنحنحت "ملاذ" بخجل، ولكنها قالت بضيق:
- ليه أحرجت الممرضة كدا يا ظافر حرام عليك!!!

تابع السير بوجهٍ جامد قائلاً:
- أنا مبحبش حد يتدخل في حياتي يا ملاذ، وبعدين يعني هي هتخاف عليكي أكتر مني؟!!

كادت أن ترُد ولكنها لاحظت
أنظار من بالمشفى لهم، منهم الحاقد والحالِم، لتدفن وجهها في عنقه بخجل شديد، أبتسم نصف أبتسامة متجاهلاً نظرات من حوله، ثم خرج من المشفى، ليتجه نحو سيارته، فتح السائق الباب الخلفي لهما، ليضعها "ظافر" على الأريكة الجلدية برفق، ثم جلس جوارها يضمها لصدره بحنان فـ أنطلق السائق بالسيارة!!!

• • • •

لم يذهبا إلى القصر حتى لا يعلم أحد عن تعبها، وظلا بشقته في القاهرة، بعد أن حملها إلى باب الشقة، واضعاً إياها على الفراش، نازعاً عنها الجاكيت الثقيل الذي كانت ترتديه، أستلقى جوارها ثم أخذها في أحضانه، ليحاوطها بذراعيه، ممسداً على خصلاتها برفق، و رأسها مُسند على صدره، لتغمض "ملاذ" عيناها بألمٍ، تشعر بأن قلبها يُعتصَر من شدة الألم، حاولت أن تخفي أرتجاف جسدها عنه حتى لا يعلم أنها تبكي، ولكنه كان يشعر بكُل حركة تصدرها، ليُبعدها عنه قائلاً بقلق:
- ملاذ!! متعيطيش يا حبيبتي!!!
فركت عيناها ببكاء كالأطفال، قائلة بحزن:
- مش عارفة لو مكنتش في حياتي، كنت هعمل أيه لوحدي في الدنيا دي!!!!
نهض جالساً ليجذبها معه، مدّ أنامله ليمسح دموعها برقة، قائلاً بحنان:
-أنا اللي مش هعرف لو كنتي جنبي كنت هكمل حياتي أزاي!!!
قرّب وجهها لوجهه، مسنداً جبينه على جبينها، لتغمض عيناها كما فعل هو بالمثل، قبّل أرنبة أنفها الحمراء، ثم لثم شفتيها في قبلة رقيقة، شعرت "ملاذ" بأنه يداوي جراحها بطريقته الخاصة، أرتعش كامل جسدها عندما مرر يدها على ذراعيها بطريقة جعلتها تُرخي جسدها المشدود، كان وكأنه يُمحي جراحها بحنانه، بل ويطبع قبلة على كل جرح نفسي داخلها، فـ حنانه معها كان كالدواء الذي شفاها، تفنن في لطفه معها، وأغدق عليها بحنوٍ ليس له مثيل!!!!

• • • •

يجلس جوارها على الفراش، مسنداً رأسها على كفه يراقب أصغر حركة تصدُر منها، متأملاً جمال ملامحها، شفتيها المزمومة والتي أختطف قبلة منهما بشوقٍ وحنان عيناها المغمضة، و أهدابها التي علقت بها بعض الدمعات، فأزالها بشفتيه، سقط بأنظاره لبطنها المتكورة، فـ أبتسم بحنان ليضع كفه عليها متحسساً صغيرته بالداخل، ثم أمسك كف "رهف" يتلمسه بإبهامه، تململت "رهف" بنعاس، لتضع كفها الأخر على يده دون وعيٌ منها، ثم سحبتها لتضمها له فـ أبتسم هو بلُطف، مقبلاً أنفها، قطبت "رهف" حاجبيها عندما شعرت بململس يده الدافئة والتي تعلمها، فتحت عيناها بفزع، لتراه أمامها، شهقت واضعة يدها على قلبها بخضة، لتبتعد عنه تاركة كفه، ولكنه في لحظات كان يُقربها منه مجدداً محاوطاً خصرها، يميل على وجهها حتى بات لا يفصلهما سوى بعض الإنشات، نظرت له بحدقتيها المفزوعتان، قائلة وهي تضع كفيها على صدره لكي تبعده:
- أنت بتعمل أيه هنا؟!!!

نظر لها بشوق، ولم يمنع نفسه من تقبيل جبيينها، لتبرد أطراف جسدها، عندما نظر لعيناها بطريقة أذابتها وصوته الدافئ جعل قلبها يخفق بجنون:
-وحشتيني، مقدرتش أبعد عنك!!!!

أنفرجت شفتيها بصدمة، ولكن عندما لاحظت نظراته المصوبة على ثغرها، أطبقت عليهم وكأنه تعلم أنه سيُقبلها، فـ ضحك "باسل"، ليُحرر شفتيها بإبهامه، ينظر لعيناها برومانسية، تدفق الأدرينالين بدمائها، ولكنها جمعت أشلاءها، قائلة بضيق:
- بس أنا مش عايزة أشوفك!!!

قرّب ثغره من شفتيها ليتلامسا دون أن يقبلها قائلاً بخفوت شديد، ونظرة خبيثة محببه نبعت من عيناه:
- مبتعرفيش تكدبي!!!

أغمضت عيناها بقوة، عندما بدأ بتقبيلها بحنو شديد، تريد أن تبعده عنها، وبنفس الوقت لا تقوى على هذا، ولكنها حسمت أمرها لتدفعه من صدره بعيداً ولكن ليس بقسوة، فمن الأساس تحمد ربُها بأن ذراعيها أستطاعا الأرتفاع عن جانبها و إبعاده، لتردف بأنفاس لاهثة، قائلة وهي تضع يداها على صدره لكي تطمئن أنه لن يقترب:
- جيت ليه يا باسل!!!

تلمس وجنتيها بإبهامه و كأنه قاصداً أن يُضعفها، قائلاً وعيناه تتلألأ كالنجوم:
- والله يا رهف مقدرتش أبعد عنك، أول م سيبتك ومشيت حسيت فجأة أن قلبي واجعني وصداع هيفرتك دماغي، فـ رجعت، بس غريبة!! أول مـ جيت وشوفتك الصداع كله راح!!!

لا تعلم لما شعرت بضعف ذراعيها على صدره، فـ بدأوا بالأرتخاء تدريجياً ليبتسم "باسل" ممسكاً كفها يثبته على صدره، قائلاً بمكر:
- أثبتي على موقفك!!!

توسعت عيناها لتتخضب وجنتيها بإحمرار شديد، فأبتسم على شكلها الطفولي، عندما شعرت بقُرب إستسلامها له، قررت أن تجعله يتألم، و تجرحه بكلماتها، فـ أردفت بنبرة قاسية:
- أنت أيه مش بتفهم؟! أنا جاية هنا أصلاً عشان مش عايزة أشوفك، ومش طايقة أبُصلك، عشان كل مـ بشوفك بفتكر اللي حصلي بسببك!!!

وبالفعل تحقق ما رغبت به، عندما أعتلى الألم عيناه، ولكنه بدّله سريعاً بالجمود، لينهض مبتعداً عنها يوليها ظهره، فـ شعرت "رهف" بقلبها يؤلمها، ولكنها نهضت من على الفراش، لتقف خلفه قائلة وهي تزداد في الصغط على جرحه:
- واجهني يا باسل، متبقاش جبان، تقدر تقولي مين سبب اللي أنا فيه دة، مين اللي دمّر حياتي، أنت متعرفش أنا حسيت بأيه لما دخلت الجناح، كل اللي حصل أتعاد قدامي، و أنا بترجاك تسمعني وأنت مش شايف غير إني خاينة وكدابة مستحقش حتى أدافع عن نفسي، لما عرفت إني حامل وقولت دة مش مني، أنا المفروض أحرمك من بنتي للأبد، و أعاقبك على كل اللي عامله فيا، عشان تشرب من كاس الوجع اللي شربت منه، بس أنا مش هعمل كدا، عشان عندي رحمة، مش زيك!!!

ألتفت لها فجأة بعينان غاضبتان، فـ أرتدت للخلف خطوة بذُعر، ليقترب منها قابضاً على ذراعيها دون أن يشدد عليهما حتى لا يؤلمها، ولكن ورغم الألم الذي يشعر به في قلبه من قسوة كلماتها، إلا أنه ظل محتفظاً بهدوءه، حتى وهو يقول بنبرة مالت إلى الحزن:
- كفاية عذاب فيا أكتر من كدا يا رهف، صدقيني أنا شربت من الكاس دة لما بعدتي عني 3 شهور بحالهم، مكنتش بنام، كل يوم كنت ألف ف الشوارع بالعربية وأنا بدور عليكي، ومليون سيناريو في دماغي، قلبي بيوجعني لمجرد إني أحس إنك مش في أمان، أن حد خطفك ولا بيعمل فيكي حاجة إنتِ وبنتي، وأنا حاسس إنك ممكن تبقي قاعدة في الشارع مش لاقية مكان تروحيه، و إحساس إني ظلمتك كان بيقطع قلبي، كنت بعاقب نفسي إني أفضل نايم في الجناح عشان أفتكر كل اللي عملته فيكي و أوجع قلبي أكتر،كنت بعيط كل يوم وأنا ماسك لبسك وبحضُنه عشان أحس إنك جنبي حتى أسألي أمي، كنت بدعي ربنا أنك تبقي كويسة، انا كنت بتعاقب كل يوم وانتِ بعيدة عني، ولما لاقيتك، كأني روحي رجعت ليا، حسيت إني عايز أفضل حاضنك ويقف الزمن على كدا، مش عايز حاجة غير كدا خلاص، لما عرفت إنك سقطتي بنتي بسببي، كأن في حاجة ماتت جوايا، والله العظيم يارهف أنا أتعلمت درس صعب أوي، مش هنساه طول حياتي، خلاص بقا، كفاية يا رهف!!
قال كلامه الأخير وهو يترجاها بعينان غارقتان في الدموع، فـ أنتفض قلب "رهف" لهذا الألم المرتسم في عيناه لتدمع عيناها تأثراً بحديثه ورجاءه لها، والدموع التي رأتها في عيناه وهو ينظر لها، تراه يبكي للمرة الأولى، فـ أنفطر قلبها، ليرتعش جسدها بقوة، ولم تستطيع منع نفسها من ضمه لها، فـ حاوط هو خصرها بشدة، يرجوها بصوتٍ جسّد ألمه:
- سامحيني يارهف وخلصيني من العذاب دة!!!!

مسحت على ظهره مغمضة عيناها والدموع تنهمر فوق وجنتيها، فهي لأول مرة تراه بهذا الكم من الألم، ليردف مشدداً على خصرها، بصوتٍ تمزق قلبها له:
- أنا خايف أخسرك، خايف تبعدي عنه!!!

هدأته "رهف" و هي تربت على ظهره، لتجلسه على الفراش، ليضع رأسه على صدره، يفرك عيناه بشدة ليزيل الدموع عنهم، فـ مسدت هي على خصلاته، تقبل جبينه والذي برزت العروق منه من شدة الإنفعال، حتى غفى "باسل" بأحضانها، فـ قبلته "رهف" من جبينه، حتى نامت هي الأخرى من شدة التعب!!!

• • • •

جلست "هنا" على الفراش تضم "عمر" إلى صدرها، تدغده بـ معدته، لتصدر منه ضحكات ملئت غرفته، فـ أتى "ريان" على أثر ضحكاتهم، مبتسماً بشغف وهو ينظر إلى حركاتها الطفولية، جلس جوارهم، فـ أنقض "عمر" بأحضان أبيه، صارخاً بصوته الطفولي:
- بـــابــي!!!!

أحتضنه "ريان" يعبث بخصلاته، ليقول بمزاح:
- يا واد أنشف شوية، قول أبويا!!!
شهقت "هنا" بصدمة، لتسرع قائلة:
- عمر حبيبي متسمعش كلام بابي، هو بيهزر معاك!!!

أومأ "عمر" بـ لا مبالة، ليهمس "ريان" في أذنه قائلاً:
- سيبك منها، أنا ابويا وهي أمي!!!!

ألتفت "عُمر" إلى "هنا" قائلاً وهو يمد ذراعيه لها قائلاً بإبتسامة:
أُمــي!!!!

أنفجر "ريان" في الضحك عائداً برأسه للخلف عندما رأى تعابير وجه "هنا" المذهولة، فشاركه "عمر" في الضحك دون أن يعلم السبب، أبتسمت "هنا" سريعاً وهي ترى ضحكاتهم، وضحكاته الرجولية الجميلة، وضعت كفها أسفل ذقنها تراقبه بإبتسامة، لينظر لها بعيناه اللامعتان، يغمز لها قائلاً:
- أنا بضعف قدام النظرة دي على فكرة!!!!

ضحكت ولم تعقب، فـ نظر لهما "عمر" قائلاً ببراءة:
- بابي انا سعلان منك!!!!

ألتفت له "ريان" قائلاً بسُخرية:
- سعلان؟! ليه يا عمر باشا!!!

- عسان أنت مس بتوديني الملاهي!!!
قال زاماً شفتيه بحُزن، فـ قلدته "هنا" وهي تضم ذراعيها لصدرها زامة شفتيها قائلة بحزن زائف:
- و أنا كمان سعلانة!!!

جذبها "ريان" جواره، ليقول مبتسماً:
- طب يلا عايزين تروحوا أمتى؟!!

أندفع "عمر" قائلاً:
- دلوقتي دلوقتي!!!

نظر "ريان" في ساعته فوجدها الثامنة، ليردف بجدية:
- تمام، يلا أجهزوا!!!!

• • • •
تحسست الفراش جوارها دافنة وجهها في الوسادة، فوجدت مكانُه بارد، فتحت عيناها بإستغراب ثم إلتفتت حولها ولكن لم تجده، أنتفضت فزعة لترتدي قميصه الأبيض تستُر به جسدها، لتنهض عن الفراش راكضة على الأرضية بقدميها الحافية و الخلخال يرِن بهما، نزلت عدة سلالم لبهو الشقة و لم تجده أيضاً، ولكنها سمعت صوتاً يأتي من المطبخ، فذهبت نحوه على الفور، وضعت يداها على قلبها لتهدأ من نبضاته الخائفة عندما وجدته يقف مرتدياً بنطالٍ أسود وصدره عاري، نظرت لما يفعله فوجدته يطهو طعام شهي للغاية، أبتسمت "ملاذ" ثم سارت على أطراف أصابعها لتقف خلفه تكتم ضحكاتها، كادت أن تفعل حركة تفزعه بها ولكن صدمها صوته عندما قال بخبث وهو لازال مولياً ظهره لها:
- صباح الخير!!!

لم يعطيها فرصة لكي تستوعب أنه علِم بوقوفها وراءه، ليلتفت محاوطها خصرها فـ أرتطمت بصدره رافعة عيناها الواسعتان له، أبتسم بمكرٍ وهو يتفرسها في قميصه الأبيض والذي أصبح أنثوي بحت عندما أرتدته، أنكمشت في جسدها بخجل من نظراته، لترفع أصبعها بوجهه قائلة بضيق:
- أنت عرفت إزاي إني واقفة وراك؟!!

لمس ظهرها بأصابعه، ثم أخذ أصبعها ليقبله قائلاً وهو ينظر لها وإبتسامة جميلة تحتل ثغره:
- أولاً أنا بحس بيكي لما بتبقي جنبي، دة غير صوت الخلخال وريحتك!!!

أبتسمت "ملاذ" لتحاوط عنقه قائلة بصدق:
- لما بتبقى جنبي بردو بحس بيك، حتى لو كنت بعيد!!!

مال "ظافر" نحوها بطوله الفارع، ليطبق بشفتيه على شفتيها برقة أذابتها، ليحملها من خصرها واضعاً إياها على الرُخام، ينظر لها برغبة ممسكاً كفيها، ليتأفف بضيق قائلاً بمزاح:
- ملاذ أيه اللي جابك!! مـ أنا كنت واقف بعمل الفطار!!!!

أبتسمت له بشقاوة تنظر له ببراءة قائلة:
- هو أنا عملت حاجة دلوقتي!!!

مدّ إبهامه متلمساً شفتيها برقة، ثم جذب ذقنها، و همّ بتقبيلها، ولكنها هتفت سريعاً:

- الأكل هيتحرق!!!

ألتفتت إلى الطعام ثم أكمل طهيه بقلة حيلة، لتأرجح "ملاذ" قدميها في الهواء قائلة بإستفهام:
- ظافر هو أنت ليه بتعمل الفطار النهاردة؟!!!

- و أيه المشكلة؟!!
قال بغرابة، تهز كتفيها مسترسلة:
- غريبة..!!!

أطفئ على الطعام ثم وقف أمامها، فـ وقفت هي حركة قدميها، حاوط "ظافر" خصرها قائلاً بحنو شديد:
- بقيتي كويسة يا حبيبتي صح!!!!

ضمت كفيها معاً بطفولية، ثم أومأت وهي تنظر له بإبتسامة مطمئنة، كاذبة، هي لن تعود مثل الأول، لن تستطيع نسيان ما حدث بهذه السهولة، و رغم أن أبتسامتها له كانت مقنعة، ولكنه قطب حاجبيه بضيق قائلاً:
- بتكدبي يا ملاذ!!!
أستسلمت نظراتها له، لتتنهد بيأس، ثم أسندت رأسها على صدره دون أن تعانقه، ودون أن تنبث ببنت شفة، فحاوطها هو مربتاً على خصلاتها، و هو يشعر بألمٍ مريع يتغلغل داخله، وكأن الضربة جائت له هو، هو من تألم وهو من يعاني أضعاف معاناتها الأن، فـ لا يوجد أصعب من أن ترى حبيبك يعاني وأنت عاجز عن إراحته، أغمض عيناه و قلبه أصبح ممزقاً عندما سمع شهقة بكاء تصدر منها، ليحتويها بذراعيه أكثر، هامساً بأذنيها:
- شششش أهدي يا حبيبتي، أهدي!! أنا عامل حساب زعلك لولا كدا كنت هحاسبها على كل دمعة نزلت من عيونك بسببها!!!

أبتعدت عنه سريعاً قائلة برجاء، و عيناها الدامعة كالسم الذي يقتله ببطئ:
- لاء يا ظافر متعملش حاجة لو سمحت، هي مهما كان أختي!!!!

حاوط وجهها ثم مسح دمعاتها بأنامله، قائلاً بصوتٍ أخافها بعض الشئ:
- عشان هي أختك يا ملاذ أنا مش عايز أقربلها، صدقيني لو كانت غير كدا أنا كنت هخليها تندم على اليوم اللي أتولدت فيه!!

أرتجف جسدها خوفاً من تهديداته على أختها، ليُقبل كفيها وقد عادت نبرته للحنان، يهتف بصوتٍ دافئ:
- ملاذ أنتِ نقطت ضعفي، ظافر الهلالي اللي كان مبيتلويش دراعه، بقيتي أنتِ دراعي اللي بيتلوي!!!
لو حد قرّبلك أنا ببقى زي المجنون، بفقد السيطرة على نفسي، يعني دلوقتي وانا شايفك كدا هاين عليا أروح لأختك أطلع روحها في إيدي، بس أنا ساكت عشانك!!!

رمشت بأهدابها غير مصدقة ما يقوله، ألتلك الدرجة هي مُهمة لديه!!، نظرت له بعنان لامعتان، ثم حاوطت عنقه بذراعيه تعانقه بقوة فـ دفن هو أنفه في مكان نبضُ عنقها يطبع عليه عدة قبلات، ظلت "ملاذ" متشبثة به كالطفلة الي تخاف فقدان والدها، و هو لم يتركها أبداً، وضعت كفها خلف عنقه، لتردف بنبرة حانية، و صوتٍ مثقل بالعاطفة:
- ظافر أنا بحبك أوي!!!!!!

شدد على خصرها، مقبلاً خصلاتها، قائلاً بنبرة متيمة:
- و أنا بموت فيكي!!!!

أبتعدت عنه لتنظر له بعينان تبرُق من شدة الفرح، فـ هو الوحيد القادر على محو حزنها ووضع أبتسامة على ثغرها في دقيقة!!
ألتقط ثغرها في قبلة عميقة دامت لدقائق، تحولت لعدة قبلات على وجهها بإشتياقٌ لها، ليحملها من خصرها متجهين إلى غرفتهم، لتتعلم على يداه أبجدية العشق، غارقين في بحور شغفهم، في عالم خاص بهم!!!

• • • •

دلفت "ملك" مقتحمة غرفة "ياسمين"دون إستئذان، فـ أنتفضت "ياسمين برعب لتُخفي الهاتف أسفل الوسادة، ثم نهضت لتقف أمامها تصيح بجنون:
- أنتِ أتجننتي أزاي تدخلي أوضتي بالشكل دة!!!

تنهدت "ملك" بصبر، ثم هتفت بهدوء:
- عايزة أتكلم معاكي شوية!!!

نظرت لها "ياسمين" بدهشة، ولكنها عادت مقطبة حاجبيه قائلة بنبرة مستفزة:
- وأنا مش عايزة، أتفضلي بقا أطلعي برا عشان مش فاضيالك!!!!

شعرت بغضب يهُز جسدها، لتقترب منها قائلة بغضب شديد ولكنها حاولت قدر الإمكان خفض صوتها:
- أومال فاضية لأيه يا ياسمين، للمرقعة وقلة الأدب، مش مكسوفة من نفسك وأنتِ بتتكلمي مع ولد ومستنية أخوكي ينزل عشان تاخدي راحتك في الكلام معاه، طب ومامتك المسكينة دي معملتيش حساب ليها؟!

فرغت شفتيها بصدمة شديدة، لتجحظ عيناها بعدم أستيعاب، جالسة على الفراش خلفها مصعوقة، قائلة والدموع تنهمر من عيناها:
- عرفتي أزاي!!!

لانت نظراتها نحوها، لتجلس جوارها مربتة على كتفيها بشفقة، قائلة برفق:
- متخافيش يا ياسمين، أحنا نقدر نحل الموضوع دة من غير مـ حد يعرف، و أنا أوعدك مش هقول حاجة لحد!!!!

نظرت لها "ياسمين" بعينان حمراوتان، لتنهض كمن لدغتها عقربة، صارخة بها بقسوة:
- ملكيش دعوة بحياتي، أنا مطلبتش منك مساعدة، ولو فاكرة أنك كدا بتذليني أو بتكسري عيني يا ملك تبقي غلطانة، و لو عايزة تروحي تقولي لـ جواد ولا ماما قوللهم، أنا ميفرقش معايا!!!

نهضت "ملك" لتمسكها من كتفيها تهزها بقوة قائلة بإنفعال شديد:
- أنتِ أتجننتي، عارفة لو جواد عرف بحاجة زي دي هيعمل فيكي أيه؟!!، مش بعيد يقتلك!!!، فوقي يا ياسمين أنتِ كدا بتضيعي نفسك، سيبيلي أنا الموضوع دة و أنا هحله!!

نفضت ذراعيها عنها صارخة بحقد:
- طبعاً، لازم تطلعي البطلة الشجاعة والطيبة دايماً، عايزة تنقذيني ليه رغم أنك عارفة أن لو جواد عرف إنك عرفتي الموضوع دة وخبيتي عليه هيقلب عليكي؟!!!

- أنا مش عايزة أطلع البطلة ولا حاجة، أنا بس عايزة أشيلك من اللي أنتِ فيه دة قبل مـ تحصل حاجة وحشة، وصدقيني جواد مش هيعرف أي حاجة، خليني أساعدك يا ياسمين لو سمحتي!!!
قالت "ملك" بنبرة شبه راجية، لتنظر لها "ياسمين" بتردد، فـ أسرعت "ملك" قائلة بحزن:
- عارفة جواد قالي أيه النهاردة؟!! قالي أنه حاسس أن هو مقصر في حقك أوي من ساعة مـ عمو أتوفى، وأنه هيحاول يعوضك عن وجوده بأي طريقة!!!

رفعت "ياسمين" عيناها بصدمة، لتمتلئ عيناها بالدموع قائلة وهي تمسك يدها:
- بجد يا ملك؟!!! بجد قالك كدا!!!

أشفقت "ملك" عليها، لتقترب منها تجذبها لأحضانه، قائلة بنبرة متأثرة:
- والله قالي كدا يا حبيبتي، بس لو عرف باللي بتعمليه هتبقي خسرتيه العُمر كله يا ياسمين!!!

أنفجرت "ياسمين" في البكاء بأحضانها، لتتشبث بملابسها قائلة بحزن:
- غصب عني أنا حبيته أوي، وهو عوضني عن الفراغ اللي كنت عايشاه!!!

تنهدت "ملك" مربتة على ظهرها قائلة بحنان:
- هو بيحاول يعوضك عن النقص اللي عندك في موضوع الأهتمام دة، لحد مـ تبقي في إيده، وياخد اللي هو عايزه ويمشي!!!

- لاء، لاء يا ملك هو مش كدا، أنا هخليه ييجي يتقدملي من جواد و هتجوزه!!
هتفت ببكاء، ف أبعدتها "ملك" عنها قائلة بعقلانية:
- هو عُمره مـ هيتجوزك، عارفة ليه؟ عشان أنتِ بالنسباله واحدة خانت ثقة أهلها وبتكلمه من وراهم، عشان كدا مش هيآمن على نفسه و على شرفه لما تتجوزيه، عارفة هيقول أيه؟ هيقول زي مـ كلمتني قبل الجواز وبعتتلي صورها هتكلم حد تاني بعد الجواز وهتخوني معاه، صدقيني هو دة تفكيرهم!!!

طالعتها بذهول لتمسح دموعها بصدمة قائلة:
- معقول!!!

- طبعاً، حتى جربي تفاتحيه في موضوع الجواز وتقوليله يبجي يتجوزك، هتلاقيه طلعلك بألف حجة، مرة يقول لسة بكون نفسي ولسة لما أخلص دراستي، بلاش يا ياسمين الطريق اللي أنتِ ماشية فيه ده، أنا خايفة عليكي!!!

نظرت لها بحيرة ثم هتفت كالطفلة التائهة:
- طيب أعمل أيه دلوقتي!!!

- أنا هقولك!!!
أجلستها على الفراش، ثم أخذت هاتفها لتجعلها تفتحه، قرأت المحادثات بينهم، لتتوسع عيناها بصدمة، وهي تنظر للصور المبعوثة له لـ "ياسمين" بشعرها وبملابس لنقول عليها فاضحة!!!!
نظرت لها "ملك" بصدمة، واضعة كفها على فمها، فـ نكست "ياسمين" رأسها بخجل، لتردف الأخيرة بعصبية:
- يا نهار أسود أزاي تبعتيله صورك كدا!!! ليه كدا يا ياسمين، أدعي بقا أن ربنا يسامحك!!!!

بكت "ياسمين" بقهر، فـ نهضت "ملك" لتردف بضيق:
- أعمليلُه block حالاً من كل حاجة حالاً، وانا هنزل أشتريلك خط جديد قبل مـ جواد يرجع!!!

• • • •

صف "ريان" سيارته خارج الملاهي، ليركض "عمر" خارج السيارة مع "هنا"، صفق "عمر" بحماس، ليدلفا ثلاثتهم للملاهي، أشار الصغير على أحد اللعب التي تناسب عمر، فألتفتت "هنا" إلى "ريان" وسط الإزدحام، ولكنها وجدته جوارها، يحاوط خصرها قائلاً بتحذير:
- المكان زحمة أوي، خليكي جنبي ومتبعديش عني..!!!

نظرت له بصدمة لترمش بأهدابها، أخفت إبتسامته عنه، ليذهبا معاً يقفا أمام "عُمر" المستمتع باللعب كثيراً، بينما "هنا" كانت مستمتعة بوجودها جواره، قريبة منه لتلك الدرجة، ورائحته تدغدها، أرتعش جسدها عندما حاوط كتفيها ليضمها لصدره بتملك، أرتكزت رأسها على صدره، و السعادة تكاد تقفز من عيناها، كل خلية بجسدها تحفزت لتحاوط خصره، ولكن حياءها منعها من ذلك، أبتسمت وهي ترى فرحة صغيرها، لتلتفت إلى "ريان" فوجدت وجهه يعتليه الجمود، قطبت حاجبيها قائلة :
- في حاجة يا ريان، شكلك مضايق؟!!!

لانت ملامحه عندما نظر لها، ليُردف بهدوء:
- مافيش حاجة ،أنا هروح أعمل مكالمة ضروري، وأنتِ خليكي هنا مع عمر و أوعي تتحركي، خدي بالك من نفسك وانا مش هتأخر!!!

أومأت بقلق، فـ نبرته لم تُريحه، وكأن كارثة على وشك الحدوث، رأته وهو يذهب من بين الناس حتى أختفى عن مرمى عيناها، زفرت بقلق، ثم ألتفت إلى "عُمر" فوجدته كما هو يصرخ بضحكاتٍ عالية كحال باقي الأطفال، ظلت واقفة بضع دقائق بتوتر، ولكن أنتفض جسدها برجفة عنيفة عندما وجدت يد نحيفة توضع على خصرها لتجذبها للخلف في حركة سريعة لم يُلاحظها الآخرون وسط ذلك الإزدحام، وُضع كف غليظ على شفتيها ليكتم صرخاتها المستغيثة، لم تستطيع حتى أن ترى ملامحه ولكن صوته بدى مألوفاً له:
- لو فاكرة إني هسيبكوا تبقوا غلطانين، أنا بس مش واخد أوامر إني أخطف أبنك دلوقتي، لكن صدقيني هبقى زي ضلك، هتلاقيني معاكي في كل حتة، حتى في أوضة النوم!!!!

نعم!!! هو!! صوته الكريهه، ذلك الحرامي الذي أقتحم بيتهم، تشنج وجهها من كلماته الحقيرة، حاولت دفعه من الخلف ولكنه أحكم بذراعه عليها، و رُغم ضعف بنيانه، إلا أنها كانت الأضعف!!!

أقترب منها ليهمس بأذنها من الخلف، وبصوتٍ ذو مغزى، ونبرة مقززة:
- مـ هو بصراحة حرام الجمال دة يتهنى بيه ريان باشا بس، ولا أحنا ملناش نفس!!!!

شددت على كفه على فمها لتغرز أسنانها بجِلده بعنف فـ صرخ بقوة جعل من حولهم يلتفت لهم بإستغراب، فـ أبتعد عنها هو سريعاً وهو ينظر لها بتوعد، قبل أن يختفي من أمامها، حاولت "هنا" السيطرة على أنتفاضات جسدها، ثم همت بالذهاب نحو "عُمر" لتطمئن عليه، فـ هذا الحقير قد أخذها بعيداً عنه تماماً، لم تخطو سوى خطوتين لتعودهم سريعاً وهي تجد "ريان" يذهب نحوها بخطواتٍ كالإعصار، أمسك ذراعها بعنف ليجذبها نحوه قائلاً بصوتٍ حاد:
- كنتي فين!! و أزاي تسيبي عمر لوحده!!!!

أرتبكت معالم وجهها، لتقول بتوتر:
- أنا آآآ!!!

قاطعها ليردف بقسوة:
- أبنك يا أستاذة نزل من الملاهي و دور عليكي ملاقكيش، وطبعاً قعد يعيط لولا أني جيت فجأة كان ممكن يتخطف ولا يحصله حاجة!!!!

نظرت له بصدمة، لتندفع قائلة وقلبها ينتفض بين ضلوعها:
- يا حبيبي، طيب هو فين؟!!!

نظر لها بجمود، ثم جذبها خلفه بطريقة عنيفة، فـ سارت ورائه مستسلمة تنظر حولها تتمنى ألا يكون ذلك الحقير يراقبهم فـ يُلاحظه "ريان"، ولكنها بالفعل وجدته يقف بين حشود الناس، ينظر لها نظرات أرعبتها، و جعلت جسدها بأكمله بارد كالثلج، حتى خطواتها لم تكُن متزنة، ولكنها شددت على كف "ريان"، لعلها تستمد قوتها منه، ذهبت معه للسيارة فوجدت "عمر" جالس مع السائق، تركت "ريان" لتركض نحو صغيرها ثم حملته لأحضانها تطمئن عليه بقلبٍ ملتاع، تقول و هي تنهار في البكاء مما حدث معه ومعها:
- عُمر حبيبي أنت كويس؟!! أنا أسفة يا عمر والله غصب عني!!

مسح "عُمر" دمعاتها بأصابعه الصغيرة، قائلاً بحنان:
- خلاص يا مامي متعيطيس، أنا كويس!!!!

وزعت قبلات سريعة على وجهه لتضمه لها، ثم ألتفتت إلى "ريان" الذي كان يقف واضعاً كفيه بجيبه، ينظر لها بنظرات تخبرها أنه لن يمرر الموضوع مرور الكِرام، ليقترب منهم ثم مدّ ذراعه يفتح باب السيارة، مشيراً لها بعيناه لكي تصعد، وبالفعل أستقلت "هنا" و كفلها السيارة، ليصفع "ريان" الباب بقسوة شديدة جعلت جسدها ينتفض من الخوف، تجزم أنها تكاد أن يغشى عليها، حتى "عمر" لاحظ وجهها الشاحب والبارد، وكفيها المثلجتان، ليردف ببراءة:
- مامي إنتِ ساقعة أوي!!!

جلس "ريان" جوارهم ثم أشار للسائق بالتحرك، فـ ألتقطت أذناه ما قاله "عمر" ليلتفت لها فوجدها شاحبة بطريقة مُريبة، و الإرهاق جلياً على وجهها، فـ أخذ "عمر" منها ليجعله يجلس بالأمام جوار السائق، ثم ألتفت لها بكامل إهتمامه، ليردف بشكٍ:
- في أيه!!!

نظرت له لتمتلء عيناها بالدموع، تتمنى لو ترتمي بأحضانه وتخبره ما حدث، ولكنها تعلم أنه لربما يقتل ذلك المقيت، وهي لا تريد خسارة "ريان" أبداً!!!
أنقبض قلبه عندما شاهد دموعها، ليمسك بكفها متيقن أن شئٍ ما حدث، ولكنه نظر لها بصدمة عندما وجد كفيها في غاية البرودة، تلمس وجهها و عنقها فوجد نفس البرودة، ليسرع قائلاً للسائق يشعل المدفأة في السيارة ففعل، نزع عنه چاكت ثقيل كان يرتديه ليحاوطها به، ثم ضمها له ليمسح على ظهرها بحنان، حاوطت "هنا" خصره تدفن وجهها في قميصه، تمنع نفسها من البكاء بصعوبة، أمسك هو بكفيها بين راحتيه يفركهم سريعاً لينقل دفئ جسده لها، أنغمست "هنا" بأحضانه مغمضة عيناها، و إحساس الأمان والدفئ يتغلغل لها، هو فقط القادر على بث تلك الأحاسيس بها!!!

حاوطها بذراعيه المفتولين، ثم قبل جبينها ليستشعر برودته فوجدها دافئة، زفر براحة، ولكنه لم يُبعدها عنه، و رُغم قلقه وخوفه من أن يكُن حدث لها شئ بغيابه ولكنه فضّل الحديث في وقت آخر، سقط ببصره نحوها ثم مسح على خصلاتها هامساً بأذنها في خفوت:
- بقيتي كويسة؟!!!

أومأت وهي لازالت مغمضة العينان، تحاوط خصره أكثر، فـ أسند ذقنه على رأسها يمرر كفه علواً وهبوطاً على ظهرها بحنان!!!

• • • •أفاق "باسل" يفتح عيناه، فوجد نفسه بين أحضانها، ذلك المكان الذي تمنى لو أن يظل به باقي حياته، تحاوطه بذراعيها القصيرتان، رفع عيناه لها فوجدها نائمة بعمق، تذكر "باسل" ما حدث، و إنفجاره بها بكلماتٍ كان يطويها خفيةً، ولكنه يقسم لو كانت أخذت قرار بالإبتعاد عنه سيكون بمثابة الحكم بالإعدام له، أنزّل جسدها برفق لمستواه، ثم ضمها هو له مقبلاً جبينها بشوق، يتمنى لو تنهض وتخبره أنها تسامحه، وأنها ستنسى أفعاله الغبية، و ردود أفعاله المتهورة، ستنسى كل ما بدر منه من سوء، وستبقى جواره إلى نهاية المطاف، تململت "رهف" بين أحضانه، لتفتح عيناها ببطئ فوجدت الظلام يحيط بالغرفة، أرتعبت عندما وجدت نفسها في أحضان ولم تتذكر ما حدث بالأمس، لتصرخ بفزع تصيح وهي تحاول إبعاده:
- مــيــن!!!!

إندهش "باسل" ولكنه سيطر على ركلاتها ليحاوط كتفيها قائلاً بصوتٍ حنون يهدئها:
- إهدي يا حبيبتي، دة أنا!!!

وبالفعل هدأت تماماً عندما سمعت صوته يتغلغل إلى أذنها، متذكرة ما حدث بالأمس، فوجدته يفتح ضوء خفيف من جواره، ليلتفت لها مجدداً يسند جسده بمرفقه، قائلاً وهو ينظر لها بتركيز، ونبرة صوته قلِقة:
- رهف..سامحتيني مش كدا!!!

طال صمتها، وهي تنظر له بجمودٍ، نظرات جعلته يعلم ردّها قبل أن تتفوه به حتى، ليُغمض عيناه بأسى، يشعر بقلبه أنقسم إلى أشلاء مبعثرة، ولكنه سمِع ما جعله يفتح عيناه بصدمة، ينظر لها بعدم تصديق عندما قالت تتشبث بذراعه الموضوع جوارها:
- أيوا، مسامحاك!!!

رفرف قلبه من شدة الفرح، و أرتعش كامل جسده من شدة الفرحة التي ظهرت جلية في عيونه، فـ نظرت له "رهف" بحنان، و أبتسامة زينت ثغرها، لينقض "باسل" عليها مقبلاً كل إنش في وجهها لتتصاعد ضحكاتها الفرِحة، فهتف محاوطاً وجهها يقبل ثغرها عدة قبلات سريعة:
- حرام عليكي نشفتي ريقي!!!

أبتسمت بشقاوة، فـ قبّل جبينها بحنان يُطيل في قبلته، يروي شوقه منها، ثم سقط بثغره لمعدتها يقبلها هامساً لصغيرته:
- ماما سامحتني أخيراً!!!

أبتسمت "رهف" لسعادته، ليعود لها "باسل"، ليسند جبهته على جبينها، ممسكاً بوجهها بين راحتيه، وعيناه مغلقتان، تنهد براحة وكأن حجرٍ ثقيل أزاحته هي بكلمة منها من فوق صدره، ليسترسل بصوتٍ مُثقل بالعاطفة:
- يآآآه يا رهف، أخيراً، أنا مش عارف أوصفلك أد أيه فرحان، أنا كأن أتكتبلي عُمر جديد!!!!!
حاوطت عنقه لتضمه لها برفق، تربت على ظهرها بلُطف مُقبلة جانب عنقه، فـ حاوط هو خصرها يدفن أنفه بخصلاتها، همس جوار أذنها بصوتٍ جاد وهادئ:
- أوعدك عُمري مـ هزعلك تاني أبداً، والله أنا أتعلمت درس مش هنساه أبداً!!!

هتفت "رهف" بصوتٍ حزين:
- أنا مكنتش أعرف أن هيجرالك كل دة والله، أنا عذبتك أوي يا باسل!!!!

أبعد وحهه عنها ليبقى في مواجهتها، ثم حاوط وحهها سريعاً قائلاً بلهفة:
- معذبتنيش ولا حاجة يا عُمري، أنا أستاهل أصلاً اللي جرالي، أنا اللي كنت غبي ومعرفتش قيمتك!!! بس دلوقتي يا رهف مستعد أخسر أي حاجة بس أنتِ مش هستحمل أخسرك!!!!

أرتجف قلبها بين ضلوعها لتنظر له بحُزن، فـ جذبها لأحضانه مستلقياً جوارها، ثم همس بصوتٍ خافت:
- مش عايز أشوفك زعلانة تاني أبداً، تعالي ننسى كل اللي حصل ونبدأ من الأول خالص!!!

أومأت دون أن تتحدث وهي محاوطة خصره تستنشق عبير رائحته التي حُرِمت منها شهور، و حنانه الذي أشتاقت له، ليهمس لها وهو ينظر لها بخبث:
- نبدأ من الأول خالص بقا!!!
أطلقت ضحكة لتضربه على صدره، ليُقضيا أجمل ساعات معاً، وكلاً منهم أجتمعا في عالم خاص بهم!!!

• • • •
عندما وصلا المنزل، و "هنا" لم تتحدث أبداً، فقط جالسة على فراشهم أسفل الغطاء، فـ أخذت الدادة "عُمر" ليُبيت معها في شقتها بالأسفل بأمرٍ من "ريان"، الذي أتجه نحوها جالساً أمامها، يقول بصوتٍ هادئ:
- أحكي كل حاجة من أول مـ سيبتكوا!!!!

لم تلتفت له، ولكنها قالت في صوت لا حياة به:
- طيب ممكن أنام دلوقتي ولما أقوم نتكلم!!!

- لاء مش ممكن!!!!
هتف بحدة، ثم زفر يضيق، لينهض و هو يقول:
- أنا لازم أعرف أيه اللي حصل بالظبط، و ليه كنت خايفة أوي كدا وأحنا في العربية، تعبِك وبرودة جسمك دي كانت من أيه، عايز أعرف أيه اللي خلاكي تسيبي عمر لوحده في مكان زي دة وتبعدي عنه!!!

كان يتحدث وهو يسير ذهاباً و إياباً، فـ نظرت له "هنا" بحُزن شديد، و هي تتذكر تلك اليد القذرة التي لمستها، و ذلك الصوت المقرف والتي لازال يرّن بأذنها، وفور تذكرها ما حدث أنفجرت بالبكاء تخفي وجهها بكفيها، فـ توقف "ريان" عن الحديث متسمراً بالأرض، ليلتفت لها بقلق، ثم ذهب نحوها ليجلس أمامها على الفراش يُبعد كفيها عن وجهها الأحمر، أعتصر قلبه عندما رآها بتلك الحالة، ليكوب وجهها بين كفيه، يقترب منها أكثر هامساً بجزع:
- في أيه يا هنا!!! قولي يا بابا متخافيش، أنا متأكد أن في حاجة كبيرة حصلت!!!!

نظرت له بحُزن، لتنظر إلى كفيها تفرُك أصابعها بإرتباك، ليمسح دمعاتها بحنان، ثم رفع وجهها له مجدداً يردف وهو يحاول أن يطمئنها:
- ردي عليا يا هنا، أيه اللي حصل، متسيبيش دماغي تودي وتجيب كدا!!!!

نظرت لعيناه بمقلتين مهتزتان، فـ وضع خصلاتها خلف أذنها يومأ لها برأسه يحُثها على الحديث، فـ تلعثمت "هنا" وهي تقول بنبرة مهزوزة:
- أنا هقولك!!!، لما كنت واقفة مع عمر لمحت ولد كدا صغير ... كان هيُقع من اللعبة، فـ لما روحت ومسكته جات مامته آآآ و زعقتلي عشان فاكرة إني جاية أخطفه، و آآ قالتلي كلام وِحش كدا، فـ أنا لسة متأثرة شوية بيه!!!!

أعتلى الغضب ملامحه، ليتركها قائلاً بضيق:
- دي واحدة زبالة مبتعرفش تفرق بين ولاد الناس والحرامية، يعني دة منظر واحدة تخطف طفل!!!!

قال وهو يشير عليها، فـ زفرت "هنا" براحة، فـ هي كانت تتوقع عدم تصديقه لها، لم تجيبه، فـ هتف بإنفعال وهو يجلس أمامها:
- وبعدين و أنتِ تتأثري بكلامها ليه دي مجنونة، بدل مـ تشكرك إنك أنقذتي أبنها بتتهمك أنك بتخطفي أطفال، دي واحدة ماعندهاش دم و آآآ

قاطعته عندما أرتمت بأحضانه في حركة كانت صادمة له، حاوطت خصرها بذراعيها تدفن رأسها في صدره، لتنتحب ببكاء وهي تشدد على قميصه، سرعان ما حاوطها "ريان" بذراعيه المفتولين، فـ أختفت "هنا" بين ثنايا صدره، وجسدها عاد يرتجف من شدة البكاء، أخذ يمسح على خصلاتها القصيرة وظهرها، يُقبل رأسها بلُطف، فـ أستسلمت "هنا" لذلك الإحساس، ليهدأ بكاءها، وتختفي رعشة جسدها تدريجياً أسفل لمساته الرقيقة، و تغلغل لها الشعور بالأمان مجدداً، و أن لا يمكن أبداً لأي شخص أن يؤذيها أو يؤذي صغيرها، تنهدت بحرارة فـ مال عليها "ريان" ليسند ذقنه على كتفها، ثم قبّل عُنقها قبلة عميقة أستغرقت وقتاً ليس بقليل، أغمضت عيناها و قد تخضبت وجنتيها من مجرد قبلة، تصاعدت شفتيه لفكها، فـ قبله بحنان، ثم تلك الشامة الموضوعة جوار ثغرها، حتى وصل إلى شفتيها، فتح عيناه لينظر إلى وجهها الأحمر، وجسدها المتراخي لولا ذراعيه اللذان يُسنداها، أبتسم نصف أبتسامة، وعيناه تلتمع بـ بريق فريد، وقبل أن يطبق بشفتيه على شفتيها صدح صوت الصغير يردف وهو يقف عند مقدمة الغرفة:
- مامي عايز أنام جنبك عسان خايف!!!!

أغمض عيناه يسُب أبنه في سره، يعُض على شفتيه السفلى بغيظ، ليفتح عيناه فوجدها تسربت من بين يداه، متجهة إلى "عُمر" بخطوان مرتبكة، لتحمله قائلة بحنان:
- تعالي يا حبيبي!!!!

حاوط "عمر" عنقها، ولكن وقعت عيناه على أبيه، فشهق بخضة قائلاً:
- مامي هو بابي وسه أحمر ليه كدا!!! هو مضايق؟!!!

كتمت "هنا" ضحكاتها وهي تنظر لوجه "ريان" المكتوم بحُمرة مغتاظة، لتوجه له نظرة متشفية، قائلة بنبرة ذات مغزى:
- لاء يا حبيبي، دة بابي هينفجر بس، أصل أنت قطعت عليه حاجة مهمة!!!

نهض "ريان" متجهاً لهم، لتتحول ملامحه من غضب إلى مكر، ليقترب منهم قائلاً وهو يجذب "هنا" من خصرها، ينظر إلى طفله بخبث:
- أصل أنت مشوفتش أمك يا عمر كانت عاملة أزاي من شوية، كانت خلاص بتسلم نِمَر !!!!

تصاعدت الدماء لوجهها بخجل شديد، لتنكزه بكتفه، ثم ذهبت إلى الفراش لتنام على جانبها الأيمن، واضعة "عمر" بأحضانها، وكادت أن تغمض عيناها لولا ذراعه الذي ألتف على خصرها، شدد على معدتها ليُقربها منه، ثم أسند جانب وجهه على وجنتيها، طابعاً قبلة صغيرة على عنقها..
تسارعت نبضات قلبها من شدة الأرتباك، لتغمض عيناها بنعاس، ولكنها شهقت تكتم ضحكتها التي كادت أن تصدح بالغرفة عندما دغدغ معدتها بأنامله، ألتفتت له بوجهها فقط لتطالع الأبتسامة التي أعتلت وجهه، فقطبت حاجبيها غيظاً، ثم هتفت بضيق زائف:
- يا ريان نام بقا!!!

أستغل أن وجهها قبالة وجهه، وشفتيها أمام شفتيه، ليُطبق بشفتيه عليهم يلُفها له بعد أن تأكد أن "عمر" ذهب في ثُباتٍ عميق، أستسلمت "هنا" له، ولم تبدي أية أعتراض، ولكن وفجأة قفز إلى عقلها ما قاله هذا الرجل، وأنهم مُراقبون حتى في غرفة نومهم، لتدفع "ريان" إلى الخلف من صدره بدون مقدمات، فـ أندهش الأخير يردف:
- في أيــه!!!!

ألتفتت حولها برعب، ومقلتيّها تدورا في كل أنحاء الغرفة، لينكمش جسدها عندما نظرت إلى الشرفة المغلقة وهي تتخيل أنه يقف خلفها، ولكن ما أخرجها من تهيؤاتها "ريان" الذي أدار وجهها له ممسكاً بذقنها، يُردف بـ شك ملحوظ:
- هنا أنتِ فيكي حاجة؟!!

تسارعت أنفاسها من شدة الرعب لتنهض من فوق الفراش تغلق الشرفة جيداً، ثم سدلت الستائر عليها، قطب حاجبيه من أفعالها الغريبة، ليجدها ذهبت له ثم أستلقت جواره، لتدس رأسها في صدره محاوطة خصره وجسدها بأكمله يرتجف، حاوطها "ريان" بذراعيه السمراوتين، ليربت على ظهرها، و هو تيقن تماماً أن هناك شيئاً حدث، وسيعلمه ولكن ليس الأن حتى لا يضغط عليها، مسح على خصلاتها حتى غفت بأحضانه، فـ نام هو أيضاً، ولكنه عقله بقيّ يفكر فيما أصابها وهو بعيداً عنها!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close