اخر الروايات

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سارة محمد 



حافية على جسر عشقي الثامن والعشرون:
دلفت"رهف" لغرفتها لتجلس على الأريكة، ثم نظرت إلى كفيها وملابسها التي يجب أن تبدلها بقلة حيلة، يا لقساوة شعور العجز، وبنفس الوقت لا تريد أن تطلب المساعدة منه، فـ كرامتها تؤلمها منذ فِعلته بالصباح، نهضت رافعة كفيها أمام معدتها ثم خرجت من الغرفة لتجلس على الأريكة بـ بهو الشقة، أمام التلفاز الذي يعرض أحد المسلسلات التركية، جلست أكثر من ساعة حتى شعرت بالضجر، ف سمعت صوت باب غرفته يُفتح ثم خرج عاري الصدر مرتدياً بنطال قطني ثقيل، لتلتفت له مقطبة حاجبيها فـ وقف أمامها قائلاً بهدوء:
- هتاكلي أيه؟!!!

لمِعت عيناها وهي تنظر له ببراءة قائلة:
- أنا بصراحة جعانة أوي، فـ اي حاجة هتعملها هاكلها..!!!

أومأ ثم هم بالذهاب تجاه المطبخ ولكنه ألتفت لها قائلاً بإستغراب:
- مش هتغيري هدومك؟!!

أسبلت عيناها بحُزن لترفع كفيها الملفوفتان له، مما جعله يبتسم نصف أبتسامة لتلك النظرة الطفولية التي ترمقه بها، ليقترب منها ثم أمسكها من كتفيها برفق وجذبها وراءه تجاه غرفتها، ليخرج منامة لها ثم ألتفت لها ليمسك بطرف كنزتها وكاد أن يرفعها لفوق ولكنها أزحات ذراعه بمرفقها شاهقة بصدمة لتعود للخلف قائله بهلع:
- أنت هتعمل أيه..!!!

جذبها له مجدداً من ذراعها قائلاً بهدوء:
- هغيرلك هدومك!!!!

نظرت له بدهشة قائلة وهي تنفي برأسها منكمشة على جسدها:
- لاء مش عايزة..!!!!

بدى وكأنه لم يستمع لها ليرفع كنزتها ينزعها عبر رأسها بلُطف، أرتجفت وكأن أصابعه التي تلمسها بدون قصد منه صعقات كهربية، ليلتقط الجزء العلوي من المنامة ثم ألبسها إياها ليغلق أزرارها دون النظر لعيناها، فـ هو بقوته وجبروته وقسوته ضعيفاً أمام تلك العينان، بينما هي كادت أن تموت خجلاً رُغم أنه زوجها ولكن لازالت وجنتيها يتخضبا بالإحمرار عندما يقترب منها، رفعت أنظارها له لتراقب عيناه السمراء والتي أصبحت باردة الفترة الأخيرة كرد فعل طبيعي عما فعلته، أرتد جسدها للخلف عندما حاول تكملة لباسها لتهدر قائلة بخجل شديد:
- بــاســل لاء!!!!!

زمجر بحدة ليمسك رسغها مما جعلها ترتطم بصدره، فقال بعنف حادٍ:
- بطلي عبط بقا، أنا جوزك!!!!

أغرورقت عيناها بالدموع ثم نظرت له بـ عبوس طفلة مسترسلة:
- أنا مطلبتش منك حاجة أصلاً، سيبني و أنا هتصرف!!!

- مش لازم تطلبي دي حاجة المفروض أعملها من غير مـ تطلبيها..
قال و هو يكتف ذراعيه، ليتابع قائلاً بجدية ممسكاً بمرفق ذراعها قائلاً بتهكُم:
- وبعدين تتصرفي ازاي بإيدك المتشرحة دي!!

صمتت وعجزت عن الجواب ليُكمل هو ما كان يفعله ليجعلها ترتدي لباسا أكثر راحةً، بينما هي في موقف يُرثى له، بعد أن أنتهى أخذها من يدها ليجلسها أمام المزينة ثم أخذ يمشط خصلاتها بلُطفٍ شديد، حدقت بصورته المنعكسة في المرآة بعشقٍ عجز لسانها عن البوح به، وأندفعت عيناها تصرخ به، أنتهى ثم قال:
- هروح أعمل الأكل..!!!

أومأت سريعاً و أبتسامتها لا تستطيع إخفائها، ليخرج من الغرفة، فوضعت هي كفها الملفوف على بطنها المنتفخ قائلة بسعادة مفرطة:
- شوفتي بابي بيحبنا أزاي يا حبيبتي، ومش هيتخلى عننا أبداً..

ثم نهضت لتخرج جالسة على الأريكة براحة تنعم برائحته التي علقت بها، لتنهض فجأة مستغلة وجوده بالمطبخ لتدلف لغرفته، مبتسمة بفرحٍ شديد عندما أقتحمت رائحته الرجولية أنفها، فعبق غرفته يأتيها دائماً محملاً بتلك الرائحة التي تدغدغ أنفها، لتقف امام المزينة ممسكة بزجاجة عطره السوداء، أخذت تنثر منها على ملابسها ثم ألتمست ساعاته الباهظة، أنتفض جسدها عندما سمعت صوته يأتي من خلفها قائلاً بنبرة حادة كـ طرف السكين:
- بتعملي أيـه!!!!!

حاولت أن تجمع شتاتها لتلتفت له بشموخٍ قائلة:
- كنت بدور على حاجة ضايعة بس ملقيتهاش!!!

سارت تجاه الباب قائلة بتهكمٍ:
- متقلقش كنت خارجة..!!!

لم يُعقب على حديثها بل وقف ثابتاً في مكانه لم يتحرك، محدقاً في فراغها وقلبه ينفطر نصفين، شعورٍ قاسي أختلجه، ليتنهد بعمق رافعاً رأسه إلى السقف، ثم ألتفت ليخرج من الغرفة ذاهباً نحو السفرة التي وُضع عليها الطعام الشهي، مما جعلها تجلس فوقها في الحال لتميل بجزعها العلوي ثم أخذت تأكل بشراهة كبيرة، ليراقبها هو بنظرات ثاقبة، فرفعت رأسها له قائلة بتساؤل:
- انا هاكل لوحدي ولا أيه..؟!!

أعتدل في وقفته قائلاً و هو يلتفت يعود لغرفته:
- انا مش جعان..!!!

قطبت حاجبيها لتوقفه بصوتها قائلة بنبرة حزينة:
- بس أنا مش بحب اكل لوحدي، وانت سايبني بقالك كتير وبتاكل برا..

ألتفت لها قائلاً بسُخرية:
- أتعودي تاكلي لوحدك بعد كدا، لأن انا مش طايق يجمعنا مكان واحد، ولا حتى أبُصلك!!!!

نغزات متتالية في قلبها، تسمع أنينه من بين القفص الصدري، آهاته وتنهداته الحزينة تخرج من بين حنايا صدرها، لتنهض ببطئ ثم أتجهت نحو غرفتها صافعة الباب خلفها بقسوة، بينما وقف هو مغمضاً عيناه و هو يشعر بنفس الألم وربما أضعاف فعندما تتألم هي يزداد ألم قلبه ووجدانه، جلس على الأريكة نادماً على قسوة كلماته معها، فـ يالغبائها إن صدقت حرف مما قاله للتو، فـ هو يريد لو أن يجلس أمامها ويراقب تفاصيل وجهها وكأنه يراها لأول مرة، يريد أن يضمها له بكل ما أوتي من قوة ليُشبع شوقه وقلبه، يريد لو يحطم عِظامها بين يداه لربما يرتوى من بحور عشقهما، ذلك العشق الملعون الذي حُكِم عليه، فـ هو قد حُِكم عليه أن يعشقها، يتيم بها عشقاً، يعشق عيوبها قبل ميزاتها، يعشق تلك النظرة التي تنظر بها له عندما تريد منه شئ، تنهد بثقلٍ على قلبه ثم أقترب من غرفته ليسمع بكائها التي تحاول دفنه بالوسادة، وشهقاتها المكتومة، تمنى لو أن يدلف و يضمها لصدره بقوة لم ولن تعِهدها، يربت على خصلاته ويعتذر عما قاله ولكنه لن يفعل، فقلبهه لازال يؤلمه، لازال لم ينسى ما فعلته، وهذا هو العائق بينهم، ليغادر يدلف لغرفته، تاركاً قلبه وعقله بحوزتها!!!

• • • •

جلست "ملاذ" في غرفتها بعد أن روَت لـ "رقية" ما حدث و ما قاله "ظافر" لشقيقتها فأخطأته "رقية" بالطبع، فهو ليس من حقه أن يفعل هذا حتى وإن كانت على خلاف مع أختها، أنتظرته "ملاذ" كثيراً حتى أتى وأخيراً دلف للجناح، نهضت سريعاً ليدلف لغرفتهم ثم نزع سترته ليبدأ في حل أزرار قميصه و عيناه تنظر للخواء بإرهاق، فـ أقتربت منه قائلة بجمودٍ:
- عايزة أتكلم معاك!!!!

نظر لها ليردف قائلاً بتبلُد:
- أنا تعبان وعايز انام!!!!

ضربت الأرض بقدميها قائلة بحدة:
- وانا بقولك عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم!!!!

إسودت عيناه ليهدر بعنف ممسكاً ذراعها بقسوة:
- إياكي تتكلمي معايا بالطريقة دي مرة تانية فاهمة!!!!

حاولت إبعاد ذراعها عنه قائلة بتمردٍ:
- أبعد عني، أنت ازاي متقوليش أن براءة حاولت تكلمني!!! ليه مقولتليش و أنا اللي كنت بتمنى أسمع صوتها!!!

تركها ليتجه نحو المرحاض تاركاً قميصه مفتوح ليُظهر صدره ، ولكن لم تعطيه الفرصه لتنقض عليه ممسكة بتلابيبه صارخة:
- متسيبنيش وتمشي ورُد عليا!!!!!

قبص على ذراعيها بقسوة شديدة ليهُزها بعنف يزأر كالأسد أمام فريسته:
- عايزة تعرفي ليه مقولتلكيش؟!!! عشان أنتِ غبية وهبلة وهتروحي تقابليها طبعاً، وانا مش هسمحلك تعملي كدا، بطلي بقا ضعفك قدامها دة، دي واحد **** عايزة تستغلك و عُمرهاـ مـحبتِك أنتِ مبتفهميش!!!!

أرتجف جسدها وهو يصرخ بها هكذا وملامحه أصبحت كابوسٍ أسود، اظافره الغارزة بذراعيها وعيناه البارزة بجحوظٍ أرعبها، شفتيه التي ترتجف لشدة الإنفعال و إهتزازات جسده الغاضب أخافتها، فحاولت الإبتعاد عنه ليتركها هو بعنف ماسحاً على وجهه يحاول تهدأة أعصابه، ليعود ينظر لها وهي تفرك أصابعها ببعضهما جالسة على طرف الفراش تنظر أمامها كالتائهه ، التي فقدت أبيها و أمها وسط الإزدحام، لتردف بنبرة تمزق القلب:
- مش عارفة أكرهها، رغم كل اللي عملته فيا مش قادرة أكرهها يا ظافر، كُرهها ليا بيخليني كارهة نفسي، هو أنا أخت وحشة أوي كدا عشان تكرهني بالطريقة دي؟!!

لتتابع وشهقاتها تتوالى:
- ويوم لما اخيراً تبقى كويسة معايا وعايزة تتكلم متقوليش وتقولها اني مش عايزة اكلمها!!!

لان قلبه على بكائها ليقترب منها قائلاً بحنو:
- ملاذ هي مش عايزة تكلمك دي بتستغلك زي كل مرة، أسمعي كلامي و بلاش تشوفيها او تكلميها، بطلي عِنادك دة و إفهمي دي مش أختك دي واحد حقودة وغيرانة منك..!!!

نفت برأسها بقوة وهي تنهض واثبة قبالته قائلة بصراخ:
- أنت كداب أسكت!!!!

تحولت ملامحه للغضب سريعاً ليبتعد عنها مغمضاً عيناه يحاول التحكم بأعصابه، ولم تكتفي "ملاذ" من إغضابه، فهرولت نحوه لتقف أمامه صارخة بوجهه بدون وعي:
- هقابلها يا ظافر و هعمل اللي أنا عايزاه مش هبقى تحت طوعك مرة تانية والشغل هنزله حتى لو غصب عنك!!!!

كانت جملتها الأخيرة كالقشة التي قسمت ظهر البعير، إشتدت عيناه إحمراراً ليجذب خصلاتها المتحررة للأسفل في يده حتى كاد يمزقه لتصرخ بألمٍ شديد، وصوته زلزل أذنها بل رُجّ في اركان الغرفة:
- بلاش تخليني أوريكي وِشي التاني عشان حقيقي هتتمني الموت وقتها، و مش هخليكي تقدري تنطقي أسمها قدامي مش تروحي تقابليها، وشغلك مش هتشوفيه، هحرمك تطلعي برا الجِناح دة وهقفل عليكي ومش هسيبك حتى تطلعي البلكونة، أنتِ شكلك لسة متعرفنيش لما بغضب، الشيطان نفسه ميجيش حاجة جنبي!!!!!

بكائها وصوته الجهوري جعل من بالقصر يصعد لهم طارقين الباب بعنف وفي مقدمتهم "رقية" التي صرخت به ليفتح، ليُلقيها أرضاً من بين يديه مما جعل جسدها يرتطم بالارضية بقسوة، أتجه نحو الباب بعد أن أخذ سترته ليفتح الباب، فوجد "رقية" تنظر له بغضب، وقبل أن تهم بالكلام تحدث هو بعنف لأول مرة يتلبسه و هو يغلق الباب عليها بالمفتاح:
- محدش يدخلها ولا حتى يتكلم معاها من ورا الباب!!!!

قطبت "رقية" حاجبيها قائلة بصوتٍ عالي:
- وآه أيه اللي أنت بتجوله دِه أنتَ أتجنيت يا ولدي!!!!

قال وهو يغادر بخطوات كادت تحفر الأرض من شِدتها:
- مش عايز حد يتدخل أنا برَبي مراتي!!!!
تنهدت "رقية" تتابع تحرُكه من أمامها، وخروجه من القصر، ثم ألتفتت نحو الباب لتطرق عليه قائلة بحنان:
- ملاذ يابتي، متخافيش يا ضنايا هحاول أفتحلك الباب..

لم تسمع سوى صوت بكائها العالي، لتبتعد تضرب كفاً بآخر و قلة الحيلة تتغلغل بها!!!

بينما ظلت "ملاذ" ممدة على الأرض واضعة كفها جوار وجهها على السجاد، تبكي بقهر شديد و روحها تكاد تخرج منها، شهقات متتالية تصدح في الغرفة، أنفاسها تدخل رئتيها إكراهاً، عيناها مغمضة بقوة وجسدها ينتفض أنتفاضاً، تحسست خصلاتها ولكنها شعرت بألمِ مُريع ما إن وُضعت أصابعها على فروة رأسها، تآوهت بقوة لتضم ركبتيها لصدرها تبكي بحُرقة وقلبها متوقداً بنيران لن تخمد، حتى أرهقها البكاء لساعاتٍ طويلة فـ غفت رغماً عنها، والدموع تسيل من عيناها رويداً..!!

• • • •

دلف "مازن" لغرفتهم بعد أن نام "يزيد"، فوجدها جالسة على الأريكة ضامة ركبتيها لصدرها، مستندة برأسها على المسند، فـ أقترب منها بهدوء ليجلس أمامها، أستند مثلها على مسند الأريكة وبدلاً أن تنظر له كانت تنظر خلفه في شرود تام، ظلا هكذا لدقائق معدودة، يتأمل هو حُزنها بينما هي تتذكر ما فعله أبيها، وفجأة تهدلت دموعها من عيناها ببطئ لتمسحهم بأصابعها، تنهد "مازن" و هو يشعر بقلبه يؤلمه و هو يرى تلك البلورتان تُدمعا، مدّ كفيه يضعهما على وجنتيها محاوطاً وجهها ليجذبه نحو صدره جاعلاً جسدها بأكمله في أحضانه، أخذ يربت على خصلاتها هامساً في أذنها برفق:
- لو هتعيطي، متعيطيش غير و أنتِ في حُضني!!!!

تشبثت بقميصه لتبكي بالفعل كما لم تبكي من قبل، تدفن أنفها في رقبته تغمغم وسط بكاءها:
- أنا تعبت أوي يا مازن، خلاص مبقتش قادرة أستحمل!!!

ضمها اكثر له قائلاً بنبرة قوية:
- والله هاخدك أنتِ ويزيد ونسافر فرنسا ونبعد عن كل القرف اللي هنا!!!!

رفعت أنظارها له قائلة برجاء:
- ياريت يا مازن أنا عايزة أبعِد اوي!!!

مال بثغره يُقبل جبينها قائلاً بحنان:
- هخليكي أسعد واحدة في الدنيا، و الدموع دي عمري مـ هشوفها في عيونك تاني!!!

قال وهو يمسح دموعها، لتبتسم هي ثم أعتدلت تُقبل وجنتيه لتحاوط عنقه بذراعيها تسند رأسها على كتفه، فحاوط هو خصرها يقول بسُخرية زائفه:
- يعني أنا بقولك كلام حلو من الصبح وأنتِ تقومي بايساني على خدي بس كدا، البوسة دة يا حبيبتي تديها ليزيد مش ليا، أنا جوزك ها!!!

أبتعدت عنه قائلة وهي تضم ذراعيها لصدرها:
- عايزة أيه أنت دلوقتي يعني؟!!!

- تعالي أقولك !!!!
قال وهو يجذب ذراعها له بوقاحه، فشهقت هي بخجل لتبعد ذراعها عنه تنهض من فوق الأريكة صارخة به:
- مازن أنت قليل الأدب!!!

نهض قبالتها يضحك بخبث قائلاً وهو يجذب خصرها له بذراعيه المفتولين:
- دة أنا أهلي مربونيش أساساً!!!!

حاولت إبعاد ذراعيه، ولكنه كان كالفولاذ لا يتحرك، فقالت هي سريعاً:
- يا مازن يزيد برا!!!

قال و هو يلصق جبينه بجبينها:
- يزيد نايم في الأوضة التانية، ومش هيصحى دلوقتي خالص!!!

ثم تابع بصوتٍ أجش وهو ينظر داخل عيناها:
- على فكرة أنتِ معندكيش دم، عشان انا سايبك ومسافر شهور و عامل عملية القلب يعني الزعل غلط عليا، خليكي مؤدبة بقا!!! ولا أقولك خليكي قليلة الأدب!!!

أطلقت ضحكات عالية ليبادلها هو نفس الضحكات، لترمي بأنفاسها في أحضانه تعانقه بقوة وسط ضحكاتهم..

• • • •

أندفعت "هنا" تُخفي عيناها بالوسادة في يدها عندما جاء مشهداً مرعباً في التلفاز، فالساعة تعدت الواحدة بعد منتصف الليل وهذا الوقت الذي تشاهد فيه هذا النوع من الأفلام، وكالعادة جلس "ريان" في مكتبهُ يُراجع بعض الأوراق الهامة، و "عمر" في غرفته نائم بعدما لعِب كثيراً مع الدادة فأصابه الإرهاق، وضعت "هنا" كفها أسفل ذقنها تنظر للتلفاز بتركيز، ولكن فجأة أنقطعت الكهرباء ليسود ظلام دامس بالشقة بأكملها، صرخت "هنا" برعب شديد، لتنهض تحاول الوصول إلى غرفة "ريان" وهي تنادي أسمه، فأتى الأخير سريعاً ثم حاوط كتفيها قائلة برفق:
- أنا هنا متخافيش، خليكي دقيقة هجيب الكشاف و أجيب عمر هنا عشان ميتخضش!!!!

أومأت ببطئ ليذهب هو من أمامها ثم أنار الكشاف ليدلف إلى غرفة "عمر" فوجده مستغرق بالنوم، حمله على ذراعيه وأخذ سلاحه، ثم خرج إلى "هنا"، ولكنه لم يجدها بنفس المكان الذي تركها به، فأنقبض قلبه، قام بالنداء عليها، ليسمع همهمات خفيفة آتية من خلفه، ألتفت موجهاً الكشاف نحو المكان الذي ينبع الصوت منه، فوجد ما لن ينساه، شخصاً يقيدها من الخلف واضعاً مسدساً على رأسها وجهه مُقنعاً بقناع اسود، وكفه الآخر موضوع على فمها ليكتم صوتها، بكى الصغير و هو يقول:
- مامي!!!!

هتف هذا المجهول بصوتٍ حاد وسط الظلام:
- لو قربت خطوة واحدة هفجر دماغها!!!!

أرتجف قلبه خوفاً عليها ولأول مرة يصارع ذلك الشعور، ولكن التفكير في تلك اللحظة كانت صعباً عليه ليبتعد واضعاً "عمر" على الأريكة، أعتدل في وقفته ليمسك مسدسه سريعاً يوجهه نحو وجه ذلك المقيت، ف أرتد الاخير للخلف ساحباً "هنا" معه يصرخ بحدة شديدة:
- أرمي المسدس في الأرض و إلا هتترحم عليها!!!!

نظر "ريان" إلى "هنا" يبعث لها بنظراتٍ مطمئنة حتى لا تخاف، أستغل ذلك الضوء الخفيف الذي ينبعث من الكشاف، ثم أنثنى وهو ينظر له واضعاً المسدس على الأرضية، ف اسرع الأخير بقوله:
- هاته هنا برجلك!!!!

نظر له بسُخرية شديدة، وبحركة سريعة كان يضرب الكشاف بقدمه مما جعل الظلام يسود المكان، فأسرع بأخذ المسدس راكضاً نحوه، فتشتت الأخير عندما أصبح المكان مظلم، لتأتيه لكمة قوية كادت تطيح بأسنانه و جسد "هنا" ينفلت من بين يداه، ركضت "هنا" بعيداً عنهم تاركة زوجها يُبرحه ضرباً، ركضت نحو "عمر" الذي أصبح يبكي مفزوعاً من صوت الضوضاء حوله، ثم حملته وهي تهدهده بحنو، دموعها تسقط من عيناها بقوة و قلبها يرتجف خوفاً، ليصرخ بهما "ريان" و هو واضع جسده على ذلك المجهول يكتف ذراعيه بكلتا يداه:
- خدي عمر وأدخلي جوا حالاً!!!!

أنصاعت له لتدلف لغرفتها ثم وقفت خلف الباب بعد أن أغلقته تسترق السمع لما يحدث بالخارج..

أبعد "ريان" القناع عن وجهه فظهرت ملامحه المُريبة، ليكور كفه ثم لكُمه بعنف كاد أن يطيح بأسنانه، ثم صرخ به بألفاظ نابية:
- بتدخل بيت ريان الجندي و تهددني بـ مراتي يا ***** دة أنا هطلع *****، مين باعتك يالا!!! رد يا حيلة أمك!!

حاول يلتقط أنفاسه ولكن "ريان" لم يُعطيه فرصه بل سدد له ضربه أخرى بوجهه جعلت وجهه محجّباً بدماءٍ مُريعة المظهر، ليردف وسط أنفاسه قائلاً:
- أبوس إيدك أرحمني وأنا هقول كل حاجة يابيه..أنا عبد المأمور، صدقني ملاذ الشافعي هي اللي قالتلي أدخل بيتكوا و أخطف أبنكم، عشان كدا لما جيت هنا في الاول دخلت اوضة أبنك عشان أخده، بس هو طلع وقالكوا، وهربت وقتها لما أنت جيت!!!

جُحظت عيناه بقوة، لتنتفض كل خلية بجسده عندما ذُكر أسمها رافضة ما يقوله ذلك الأبله، لينهض من فوقه غير مصدقاً حرفاً، وصدمته تزداد أضعاف عندما أكمل الأخير:
- قالت أن كان فيه بينكوا تار (ثأر) قديم لما روحت أتجوزت بعد مـ سيبتوا بعض، و أن هي بتاخد حقها!!!

نظر له بعدم تصديق، لينحني عليه مزمجراً بقسوة شديدة:
- أنت كداب و ابن ****، ملاذ متعملش كدا أبداً!!!!

اسرع الأخير بقوله وهو يضع كفه أمام وجهه ليحمي نفسه من بطش هذا البربري:
- والله يا باشا اللي بقولهولك دة اللي حصل أنا مليش ذنب في حاجة، متقتلنيش يا بيه بالله عليك أنا عندي عيلين بصرف عليهم، هيتيتموا من غيري أبوس إيدك!!

أمسك تلابيب قميصه ليجعله ينهض، ثم أوقفه قائلاً وهو يهزه بعنف:
- و أنت مفكرتش في دة ليه لما كنت جاي تخطف أبني، و انت فاكر إني هرحمك، دة أنا هخليك تشوف أسود أيام حياتك لما أسيبك، عارف ليه هسيبك تمشي؟ عشان توصلها أنها غبية، و أن حقي هاخده منها، وهدمرلها حياتها زي مـ هي عايزة تدمرهالي!!!!

دفعه بعيداً ثم هتف بنزق:
- أطلع بــرا، و خليك فاكر إني مش هرحمك، فـ لو شوفتني في حتة امشي من الشارع التاني، عشان لو شوفت وشك العِكر دة مرة تانية هطلع عين أهلك!!!

أومأ الأخير ثم خرج من الباب سريعاً، ليتجه "ريان" إلى الكهرباء ثم أشعل الأنوار، فـ ذلك الحقير قد قطع الكهرباء عنهم حتى يُنهي فعلته الدنيئة!!!!

و قبل أن يتجه إلى غرفتهم حتى يطمئن على "هنا" وطفله، وجدها تخرج من الغرفة وعلى وجهها غضب ناري، لتقف أمامه قائلة:
- ملاذ مين يا ريان!!!!

رفع أحد حاجبيه ثم هتف ببرود:
- أنتِ كنتي بتتصنتي علينا؟!!!

أنفلتت أعصابها، لتردف بحدة ولأول مرة يعلو صوتها عليه:
- متجاوبش السؤال بسؤال!!! رد عليا مين ملاذ دي؟!!!

تنهد وهو يحاول تلطيف الأجواء ممسكاً بكتفيها:
- طيب اهدي وانا هقولك!!!

أبعدت كفيه قائلة وهي تصرخ بجنون وبدأت الدموع تسقط إنهماراً منها:
- أنا هادية مش بشد في شعري، رد عليا بقا!!!!

أغمص عيناه يحاول التحكم بأعصابه، فـ لأول مرة يعلو صوت إمرأة أو حتى رجل عليه، ليردف قائلاً بنفاذ صبر:
-وطي صوتك وأنتِ بتكلميني!!!

إزداد غضبها أكثر لتقول بنبرة أعلى:
- مش هوَطي صوتي يا ريان، وهتقولي دلوقتي حالاً مين ملاذ يـ إما والله هسيبلك البيت وهمشي!!!

انتفض جسدها لترتد للوراء عندما هدر بصوتٍ جهوري:
- قــولــت وطـي صـوتـك!!!!

أنهمرت الدموع من عيناها لتبتعد عنه، ثم ركضت إلى غرفتهم لتجلس على الفراش ضامة ركبتيها لصدرها لتجهش بالبكاء، فهي قد سمعت كل شئ دار بينهما، لم تكُن تعرف أنه كان لديه حبيبة سابقاً، وهي التي ظنت أن قلبه كالحجر لا يعشق، بكت أكثر عندما علمت من كلامهم أنه فور أنفصاله عنها جاء و تزوجها!!!!

فُتح الباب ليدلف "ريان" يقترب من الفراش، لينظر لها وهي مستلقيه عليه تدفن وجهها في الوسادة تُعطيه ظهرها، ليجلس جوارها ثم أنثنى مقبلاً خصلاتها قائلاً بهدوء، ونبرة خاوية:
- متزعليش مني!!!!

أنتفضت من جواره لتجلس بأخر الفراش، تردف وهي تنظر بعيداً عنه:
- سيبني لوحدي لوسمحت!!!!

تنهد "ريان" ليردف بجدية وصوتٍ يُضاهي برود الثلج:
- انتِ عايزة أيه يا هنا..!!!!

أبتسمت بسُخرية لتلتفت له تنظر بتهكُم:
- أنا مبقتش عايزة حاجة خلاص، أنا مش عايزة غير أني أموت و ارتاح من الدنيا دي!!!!

قطب حاجبيه قائلاً بصوتٍ جلّ به بالعصبية:
- بعد الشر عليكي متجيبيش سيرة الموت تاني!!!!

نهضت لتقف أمامه تردف بحدة:
- أنا ميتة من زمان يا ريان، كل مرة بتعاملني فيها بطريقة ميتحملهاش بني آدم وانا أتحملتها كنت ميتة، كل مرة بتقولي فيها كلام زي السم و أنا بستحمل كنت ميتة، كل يوم كنت بنام معيطة بسببك كنت ميتة يا ريان، لما سمعته وهو بيقول أنك كنت بتحب واحدة ولما سابتك أتجوزتني عشان تنتقم لرجولتك كنت ميتة!!!!

وقف قبالتها ثم أمسكها من ذراعيها يهزّها بعنف هادراً:
- أنا لما أتجوزتك مكانش عشان أنتقم لرجولتي زي مـ بتقولي، ولما هي سابتني أنا دوست على قلبي وكملت، مش ريان الجندي اللي يفضل متمسك بحد سابه من زمان!!!

نفت برأسها صارخة بعنف وهي تحاول إبعاد ذراعيه:
- لاء يا ريان، أنت لسة بتحبها متكدبش على نفسك، لسة قلبك معاها، بس مش هستحمل يحصل لأبني حاجة بسبب غراميات سيادتك القديمة!!!

ترك ذراعيها ليلتفت مبتعداً عنها متجهاً نحو الشُرفة، فذهبت هي وراءه وهي تضع كِلتا كفيها على رأسها:
- طلعتني غبية قدام نفسي، أنا فعلاً غبية عشان أتجوزتك، ياريتني مـ عرفتك ولا شوفتك حتى، أنا اللي عملت كدا في نفسي، أنا اللي عاندت بابا اللي مكانش موافق على جوازنا و أتجوزتك، كنت فاكراك بتحبني، طلعت هبلة وساذجة!!!!

ألتفت لها مكتفاً ذراعيه يطالعها بنظرات كالصقر بعيناه الزرقاوتان، بينما جلست هي على فراشهما وكلماتها تخرُج مُهتزة لبكائها:
- بابا الله يرحمه كان عندُه حق لما قالي بلاش ريان، أنا عارفه كويس وعارف أنه هيتعبك، قالي ريان بارد و عَملي جداً، هو كان عارفك كويس عشان كنت بتشتغل معاه في الشركة، بس أنا سديت وداني عن كُل دة، كنت بقول أنا هغيرُه، هخليه يحبني، كنت مغفلة يا ريان، قولت أن الحب بيغير أي إنسان، مكنتش أعرف أن عُمرك مـ هتحبني!!!!

أغمض عيناه يحاول التصدى لألم كل كلمة تخرج من فيِهها، و لكنه لم يستطيع التصدي لدموعها، يضعف أمام عيناها الباكية تلك ولا يستطيع القاومة، ليسير نحوهها ثم جلس أمامها كالقرفصاء ممسكاً بكفيها يردف بـ لين:
- طيب ممكن تهدي؟!، أهدي و أنا هفهمك كُل حاجة!!!

بكت أكثر منكسة برأسها للأسفل لا تستطيع النظر في عيناه، لينهض جالساً جوارها ثم جذبها لأحضانه مربتاً على رأسها، لتقول و صوت بكاءها يخترق قلبه:
- أنا كل ذنبي إني حبيتك!!!

شدد أكثر في ضمه لها يوِد لو أن يدخلها في ضلوعه، ليحاوط إحدى وجنتيها يرفع وجهها الباكي لها، لانت صفحات وجهه عندما طالع عيناها الباكية، ليزيل دموعها بأصبعه، ثم مال على عيناها يطبع قلبه عليها، حاولت "هنا" مقاومته والأبتعاد عنه ولكن دون جدوى، فهو كان متمسكاً بها لأقصى درجة، لا يريد أن يُخرجها من بين ذراعيه، ليردف بعد أن تنهد مطولاً، قائلاً:
- أنا فعلاً كنت بحبها جداً، فوق مـ تتخيلي، زي مـ انتِ بتحبيني كدا، لما سافرت وقتها أنا وقعت، حسيت أني مكسور!! عملت حادثة ودخلت المستشفى، بعدين لما أتجوزتك كنت عشان محتاج حد في حياتي يعوضني عنها، يمكن دة أكتر قرار صح خدته في حياتي، بس صدقيني مش عشان أنساها بيكي، بس كنت عايز اي حد يعوضني عنها، لكن والله دلوقتي أنا نسيتها، وكرهتها جداً، ومش هسمحلها تأذي شعرة منك أو من يزيد!!!! واللي هي عملته هحاسبها عليه كويس!!!

أبتعدت عنه ثم نظرت له بحسرة مدققة في عيناه:
- أنت لسة مانسيتهاش يا ريان، لما بتكدب بيبان في عيونك!!!!

- حتى لو مكنتش ناسيها أمبارح، النهاردة أنا كِرهتها!!!
قال و هو ينظر بعيداً عن "هنا" التي أخذت نفساً عميقاً، وكأنه آخر نفس ستلتطقته في حياتها، ثم نهضت مبتعدة عنه تخرج من الغرفة بأكملها، تاركة إياه ينظر في أثرها، ليمسح على وجهه بغضبٍ، وقلبه يخاف من فُقدانها!!!

• • • •
دلفت غرفة الصغير لتوصد الباب بالمفتاح، ثم أخذته في أحضانها، لتتنهد بحُرقة عندما تذكرت يوم زفافهما، ذلك اليوم الذي لن تنساهر بكل شئ جميل وسئ حدث به!!

وسَط غبطة "هنا" و بروده اللامتناهي، طفوليتها وهي تقفز هنا وهناك في الزفاف تُرحب بهذا وترقص مع هذه، بينما هو كان متأنق في بذلته السوداء و ذقنه المنمقة، عيناه الزرقاوتان أمتزجت مع خصلاته البنية ذات اللون الفاتح ليُشكلا منه شخصاً يفوق الوسامة بدرجاتٍ، حاول الإبتسام مع أصدقاءه الذين فرِحوا من قلبهم له، ولكن السعادة ترفض أن تتشكل على محياه، فقط البرود الشديد هو المرتسم على صفحات وجهه، فـ هذا اليوم لا يُشكل فارقاً معه أبداً، بل يعتبره من اسوأ الأيام بحياته، لا يعلم كيف سيتأقلم بدونها، و هذا ما يكرَهه، فالتفكير بها بعد أن تركته يجعله يخذل أمام نفسه، تزوج بتلك التي جواره فقط ليثبت أمام قلبه أن الحياة لم تتوقف عليها، بل ستسير على نحوٍ أفضل، أو هذا ما كان يحاول إقناع نفسه بها!!!

نظر لها وهي جالسة جواره بعينان ضيّقتان، خصلاتها القصيرة و ثوبها ناصع البياض، حركاتها البريئة وكأنه متزوج من طفلة ليست فتاة بالغة، وكأنها شعرت بنظراته لها لتلتفت له بضحكتها الآخاذة، تردف بصوتٍ عالي حتى سمعها وسط هذا الضجيج:
- أنا فـرحـانـة أوي!!!!!

لا يعلم لِمَ بادلها الأبتسامة، فضحكتها جعلته يضحك تلقائياً، ليومأ لها دون حديث ومن ثم أبعد أنظاره عنها، جائت صديقتها ثم أمسكت ذراعها لكي تنهضها قائلة بحماس:
- في عروسة تقعد قعدتك دي، يلا قومي نرقُص ومتبقيش بايخة!!!

همت بالنهوض معها ولكن أمسكتها يداً من فولاذ، لتلتفت له فوجدته مقطباً حاجبيه مشدداً على ذراعيها، ليهدر بحدة:
- مافيش رقص، أنتِ مش قاعدة مع سوزي!!!

زمت شفتيها بغضب طفولي، لتردف قائلة وهي تنظر لصديقتها:
- بس دة فرَحي وأنا عايزة أرقُص!!!

هتف بجمود:
- لاء!!!

حمحمت صديقتها بإحراج لتردف وهي تذهب من أمامهم:
- طيب يا جماعة عن إذنكوا أنا بقا..

ألتفتت تردف بحزن:
- رقصة واحدة بس يا ريان!!!!

أشتعلت عيناه كالجمر ليقول بحدة:
- مش هتقومي من جنبي يا هنا!!!

- اوففف...
تأففت وهي تلصُق ظهرها بظهر الأريكة المزينة برُقي، ثم نظرت أمامها بعبوس، فأتت والدته التي هتفت بفرحةٍ:
- مالك يا حبيبتي قاعدة كدا ليه، قومي يلا عشان ترقُصي!!!

أنفلتت أعصابه ليزمجر في والدته بفتور:
- مافيش رقص يا أمي، وياريت نلِم الليلة دي عشان عايز أمشي!!!!

نظرت له "هنا" بطرف عيناها بغضب، ثم قالت لوالدته التي ضربت كفاً على آخر:
- طنط ممكن تنادي بابا عايزة أشوفه..!!!

- عنيا يا حبيبتي!!!
هتفت والدته بحنان لتذهب من أمامهم، ليجلس هو كما هو جامداً لا يؤثر به شئ، جاء والدها ليُلقي عليه نظرة غاضبة، ليُبادله بنظراتٍ باردة وكأنه يخبره أنه أنتصر عليه عندما عاندته أبنته و تزوجت به، ليتجه الأب نحو أبنته، فـ نهضت "هنا" لترتمي في أحضانه قائلة بحُزن:
- هتوحشني أوي يا بابا!!!، بس والله أول مـ أرجع من لندن هجيلك على طول!!!

ضمها بقوة له وكأنه آخر عناق لهما، ليردف متنهداً بتأثُر:
- ربنا يعلم الشهر اللي هتقضيه في لندن دة هيعدي عليا إزاي، متعودتش تغيبي عني يوم مش شهر يا هنا!!!!

أبتعدت "هنا" عنه لتنظر له ببراءة قائلة:
- خلاص ريان يروح لوحده بقا وأنا هفضل معاك!!!!

أبتسم بحنان لينظر لأبنته التي سرعان ما كبِرت و أرتدت ثوبها الأبيض متألقة به، ليُربت على خصلاتها قائلاً بلُطف:
- مينفعش يا حبيبتي تسيبي جوزك يروح لوحده، بس لو حصل أي حاجة تكلميني فوراً وأنا هبعت طيارة مخصوص تجيبك!!!

- حاضر!!
قالت بهدوء يليه دمعات أغرقت عيناها وهي تردف:
- كان نفسي ماما تبقى معايا في اليوم دة!!!

قطب حاجبيه بدهشة ليقول وقد ظهرت بحة حُزن في صوته:
- أول مرة تقولي كدا يا هنا، لما سامية "الأم" ماتت كنتِ يادوب 3 سنين، وطول عمرك بتقوليلي أنت كفاية عليا!!!

- مش قصدي يابابا والله متزعلش مني، بس أي بنت يوم فرحها بتبقى عايزة مامتها جنبها، بس أنت دايماً كنت الأب والأم ليا، أنا بحبك أوي يا بابا..!!!

أنهت كلامها لتحاوط عنقه كالطفلة الصغيرة، والدموع تسقط من عيناها وهي لا تتخيل عدم وجوده جوارها طيلة ثلاثون يوماً!!!!

لم يستمع "ريان" لحديثهم للضجة التي حوله، فأنهى سيجارته من فرط الإنفعال الذي لم يُلاحظه أحد، و هو يتمنى هروبه من تلك البلاد سريعاً وذهابه بعيداً عن كُل شئ هُنا، حدّق في "هنا" التي كانت تبكي ووالدها يحاول تهدئتها، ليزفر بإختناق شديد!!!

• • • •

أستقلا سيارة العروسين المُزينة بـ بهجة، والذي أختار "ريان" أن يقودها بنفسه، و أخيراً ليسير إلى طريق مطار القاهرة، بينما هي جالسة جواره تحاول بشتى الطرق تُخفي دموعها عنه، ولكن لا تعلم أنه متنبهاً لكل حركة صغيرة تفعلها حتى و إن لم ينظُر لها، ولكنه فضّل الصمت عن سؤال ما اللذي يُبكيها، فتلك الإجابة يعلمها هو جيداً، يعلم أنها لا تريد أن تترك أبيها أبداً، ألتفت لها لأول مرة منذ ركوبهما السيارة، فوجدها تحاوط كتفيها المغطيان بقماش الثوب الذي يصل لرسغيها-والذي أعترض هو أن يُظهر ذراعيها الغض- و الهواء البارد يلفح وجنتيها، فأسرع برفع الزجاج عبر زرٍ ضغط عليه في باب السيارة، ليُضغط على آخر جعل التكييف يبُث هواء دافئ، دار كل هذا دون همسة تُذكر، فـ ما أجمل حديث الصمت بينهما، ولطول الطريق غفت "هنا"على زجاج السيارة، ولكن تعثُرات الطريق جعلت رأسها ترتطم بالزجاج مرة تلو الأخري لتفتح عيناها بإنزعاج وهي تضغط على موضع الألم برأسها، ليصدح صوته الهادء الذي يزلزل كيانها، يُردف وهو ينظر للطريق أمامه:
-نامي على كتفي!!!!

ألتفتت له بدهشة لتراقب تعبيرات وجهه الجامدة، لم تستوعب ما يقوله فجذبها هو بذراعه ثم حاوط كتفيها ليضع رأسها تستكين على كتفه، و كأن هذا أول عناق بينهما، لأول مرة تستشعر وجودها بين ذراعيه، ليخفق قلبها بقوة حتى أقسمت أنه ربما يسمع دقاته الأن، رغم بروده الذي دائماً ما يُظهره لها بدون سبب، ولكن دفئ أحضانه جعلتها تتمنى لو كان موطنها هُنا، و هي لا تريد أن تتغرب!!!

أستكانت شيئاً فـ شيئاً لتغمض عيناها ثم ذهبت في نوم عميق، نومٍ مُريح لم تحظى به منذ فترة!!!

• • • •
ظلت كما هي لم تتحرك، تضُم قدميها لصدرها مغمضة عيناها التي أرهقتها البكاء، خصلاتها منسدلة على الأرضية و وجنتيها مبللتان بالدمعات الساخنة، معدتها تصدُر أصواتاً من جوعها، جسدها الذي يرتجف دائماً عندما تكُن حزينة، شعرت بضيق تنفُسها لتنهص سريعاً تبحث عن رذاذ الربو خاصتها، بدأت تسعل بقوة فبحث في جميع الأدراج و وجدته أخيراً وضعته داخل فمها ثم ضغطت عليه ليهدأ إهتياج تنفُسها سريعاً، جلست عل الفراش ولازال صدرها يعلو ويهبط، أتجهت نحو الطبخ الملحق بالجناح والذي كان فارغ من الطعام على حظها، فهم لا يضعوا به كثيراً من المعلبات لأنهم يأكلون بالأسفل معاً، أستلقت على الفراش لتُغمض عيناها مجدداً، تذكرت أول مرة قابلت "ظافر"وهم أطفال، أبتسمت بسُخرية فهو يفعل الأن ما فعله أبيه بها بالماضي، قُطعت ذكرياتها عندما سمعت طرقات الباب، ليصدح صوت "رقية" تقول بشفقة:
- ملاذ يا بنتي، أنا چيبت مفتاح إحتياطي، تعالي يا ضنايا و أجعدي معايا!!!

نهضت "ملاذ" فوجدت بالفعل الباب يُفتح، لتتجه نحو "رقية" التي فتحت ذراعيها لها بخطوات واهنة، أنفجرت في البكاء عندما أحتضنتها "رقية" بحنان تُربت على ظهرها و هي تحاول تهدأتها، ولكن كانت "ملاذ" كـ طفلة أكتفت من صفعات أبيها، فلجأت لأحضان أمها!!!

أخذتها "رقية" من يدها لغرفتها ثم جعلتها تنام بأحضانها تقرأ عليها آيات من الذِكر الحكيم، حتى هدأت "ملاذ" وغفت!!!!

• • • •

تمدد على الفراش ينظر للسقف بشرود، عيناه الخضرواتان يبرقان بألمٍ لم يعتاد على عهدُه، فـ حتى الألم يتوجس خيفةً من القُرب منه، و لكن الأن قلبه ينزف و يتقلص بشدة و هو يتخيل أنها كما هي مثلما تركها مفترشة على الأرضية تبكي بقهرٍ، هو يكره الشجار معها، بل وينفُر أن يتطاول عليها بالأيدي، فتلك أبداً ليست شخصيته، علّمته أمه منذ صغره أن القوة على الضعيف ضعفٍ بحد ذاته!، و أن النساء خُلقت لكي نُربت عليهم كما أوصانا الرسول في حديثه الشريف"رفقاً بالقوارير"..

تنهد ليجلس نصف جلسة على فراش الشقة التي يمتلكها بالمعادي، والتي يبتعد بها عن ضوضاء الحياة ومشكلاتها، نظر إلى هاتفه بتردد يتلبسه لأول مرة، ولكنه قرر أخيراً بالإتصال بوالدته لكي يُطمئن عليها، فـ هو يعلم وجود نُسخ أخرى لمفاتيح غُرف القصر، وأن والدته ستستخدم المفتاح الخاص بجناحه، لذلك هو واثق بأن "ملاذ" جوارها الأن، وضع الهاتفه على أذنه ليُرن الجرس، وفجأة أتى صوت والدته والذي أستشف الحسرة به:
- ملاذ نامت يا ظافر، نام أنت كمان و متجلجش (متقلقش) يابني، ربنا يصلح الأحوال بقا..!!

تنهد ليفرك عيناه قائلاً بندم:
- يعني هي كويسة؟!!

- كويسة كيف؟ دي نايمة ودِمعتها على خدها، نامت بالعافية بعد بُكاها اللي جطع (قطع) جلبي!!!

شعر بقلبه يتكور حُزناً عليه، ليردف بهدوء أخفى به ألم قلبه:
- طيب لو سمحتي يا أمي خُدي بالك منها، أنا قدامي شوية حاجات كدا في الشغل هخلصها، و هكمل إجراءات شرا القصر بتاعنا وبعدين هاجي..!!

- طيب يابني، إنت في شجة المعادي صُح؟!!

- أيوا.
قال بإبجاز، ثم ودّعها قبل أن ينهي المكالمة، لينزع عنه قميصه ليلقي به أرضاً، أشعل لُفافة تبغ بُنية اللون، ثم أخذ يُحرق كل إنش بها، يحترق هو الأن، وكأن الدخان الذي يُشكل غيمة حوله، نابع منه وليس من التبغ، تعلَق في ذاكرته و هو يجذبها من خصلاتها ويُلقي بها أرضاً، لينتفض ناهضاً بلوعةً شديدة، ليضع السيجار في المطفأة الزجاجية، ليُلقي بجسده على الفراش وهو يعلم أن النوم سيكون أفضل له الأن..

• • • •

وقفت السيارة في مطار القاهرة، ف ألتفت لينظر لها بسكون، يتأمل وجهها و تفاصيلة التي تجذبه، أغمض عيناه ليعود برأسه للخلف، تنهد بضيق و كأن أحدٍ ما يقبض على عنقه حتى كاد أن يلفُظ أنفاسه الأخيرة، عاد مرة أخرى لها ثم أفاقها وهو يربت على وجنتيها هامساً:
- هنا..، قومي وصلنا المطار..

فتحت "هنا" عيناها لتنظر حولها قائلة بصوتٍ متحشرج:
- وصلنا؟!!

أوما لها ثم غادر السيارة ليحمل الحقائب، بينما ترجلت هي، وسرعان ما أنكمش جسدها من الصقيع، و بدون أن تنتبه شعرت بـ سُترة أمتلئت برائحته وضعت على كتفيها، ألتفتت له بدهشة ليقول وهو ينظر أمامه:
- ألبسي الچاكيت عشان متبرديش!!!

أومأت دون أن تجادله حتى، لتصم السُترة لجسدها بشدة تستنشق رائحته الرجولية البحتة، أنهوا الإجراءات بأكملها ليصعدوا للطائرة، جست "هنا" جوار النافذة، ولكن منذ صعودها للطائرة شعرت بخوف ليس له حدود، فلاحظ "ريان" حالة التوتر التي تلبستها، ولكنه لم يريد أن يسألها عن شئ، على صوت المضيفة بضرورة ربط الأحزمة لأن الطائرة ستقلع، رّبط "ريان" حزام الأمان جيداً، ليلتفت لها فوجدها تحاول جاهدة ولكن كفيها المرتعشان لم تُسعفاها، أعدل في جلسته بهدوء ثم مدّ أنامله لخصرها النحيا ليوصل الحزام ببعضه، خفق قلبها بشدة لا تعلم لأنها تخاف من الطائرات، أم لقربه منها، رفعت أنظارها له فوجدته ينظر لها هو الأخر، بعيناه الزرقاوتان اللامعتان، أبتلعت رمقها برهبة، فلأول مرة يتبادلا النظرات بهذا القرب، دائماً ما كان يتجنب النظر لها، حتى ظنت في بعض الأحيان أنه يكرُهها ولا يطيق النظر لها، ولكن هو معذور، فـ لربما هو يعلم أن النظر لعيناه، يجعلك ضالاً لا تعرف طريقاً لتسلكه!!!!

أبتعد عنها لينظر أمامه بجمود، لتعتدل هي في جلسها وهي تقسم أن قلبها سيتوقف الأن من شدة دقاته، همت الطائرة بالإرتفاع، فـ أنتفض جسدها بشدة لينظر لها بقلق قائلاً:
- أنتِ كويسة؟!!
تسارعت أنفاها وهي تقول بخفوت:
- انا بخاف من الطيارة أوي يا ريان، لما كنت بركبها كان بابا بيبقى معايا دايماً و كنت بمسك فيه، بس هو مش معايا دلوقتي..!!

أمتلئت عيناها بالدموع، فـ لانت ملامحه فـ هو بات يعلم تأثير دموعها عليه، أمسك كفها بكفه الضخم، ليربت عليه، قائلاً بنبرة حنونة جداً:
- أنا معاكي، أعتبريني باباكي وأمسكي فيا ومتخافيش!!!

نظرت له بصدمة وعينان جاحظتان، فـ تلك المرة الأولى التي ترى فيها الجانب الحنون منه، فنظرت له بتوتر قائلة:
- يعني أنت مش هتتعصب لو مسكت فيك جامد!!!

هتف بهدوء مؤكداً و هو فقط يتمنى لو أن تكف عيناها عن البكاء أمامه:
- لاء طبعاً..!!!

وبالفعل صعدت الطائرة محلقة في السماء، فـ أمسكت "هنا" ب كفه مشددة عليه بقوة لم تعِها، غارزة أظافرها بـ لحم كفه، لم يرمُش له جفناً بل جلس شامخاً الظهر ينظر أمامه، تاركاً لها ذراعه تُخرج به خوفها بكُل الطرق!!!!
(ريان خُد قلبي🙁❤!)

فتحت عيناها التي كانت مغمضة إياها، وهدأت أنفاسها، لتنظر حولها بإرتعاب، ثم ألتفتت له فوجدته جالساً كما هو، نظرت ليدها لتشهق بتفاجأ أجمع نظرات الناس حولها، أبعدت أظافرها عن كفه لتمسك به تتفحصه، لينظر هو لها قائلاً بلُطف:
- أهدي مافيش حاجة!!!

نفت برأسها قائلة ببكاء والدموع شوشت عيناها:
- أنا أسفة يا ريان والله مكنش قصدي بجد أنا عُمري مـ مسكت في حد بالقوة دي، حتى بابا مكنتش بغرز ضوافري في إيده بالشكل دة، أنا والله مش قصدي أناآآآ..!!

قاطعها قائلاً بهدوء:
- صدقيني مافيش حاجة، وبعدين أنا محستش بحاجة أصلاً!!!

أسبلت عيناها بحُزن ثم ربتت على كفه قائلة بحنو:
- لاء أكيد إيدك بتوحعك وأنت مش عايز تقولي!!!

أبتسم، ليرفع أنامله وهو يمسح دموعها، قائلاً برفق:
- والله مش بتوحعني، ممكن متعيطيش بقا وتنامي شوية عشان لسة بدري لغاية مـ نوصل؟!

أستشعرت دفء كفيه لتنظر له بندم، ثم لمحت مُضيفة الطيران، تسير جوارهما، فقالت لها سريعاً:
- لو سمحتي عندك صندوق أسعافات اولية؟!!

أومأت المضيفة وهي مُثبتة أنظارها على كتلة الرجولة والوسامة الجالسة، ثم أبعدت نظراتها عنه بصعوبة لتسير لكي تجلب لها ما طلبته، بينما "هنا" أستشاطت غضباً لنظراتها الجريئة نحوه، فقالت بصوتٍ خافت تخدث نفسها:
- مُضيفة قليلة الأدب، بس هي عندها حق هو قمر أوي بصراحة!!!!

قطب الأخير حاجبيه يهمس مثلها قائلاً:
- بتقولي أيه؟!!

نظرت له بعبوس لتردف بإيجاز:
- ولا حاجة!!!

جائت المُضيفة بلهفة، لتنحني عليه تنظر لكفه قائلة بقلق:
- مِدّ إيدك يا فندم أحُطلك عـ الجرح بلاستر طبي..!!!

نظر لها بإستغراب قائلاً ببرود:
- مافيش داعي!!!

أنتفضت "هنا" قائلة بعصبية:
- لو مش واخدة بالك من فستان الفرح والدبلة اللي في إيده أن انا مراته، و بعدين محدش طلب منك مُساعدة، هاتي البوكس و أتفضلي على شُغلك!!!!

شعرت المُضيفة بالخجل، لتُعطبها الصندوق ثم سارت للداخل قائلة بإحراج:
- أنا مُتأسفة يا هانم!!!!

جلست "هنا" بغضب ثم نظرت إليه، فوجدت على ملامحه الدهشة، تغاضت عن نظراته ثم أمسكت باللاصق الطبي لتضعه على الجرح برفق، لتنظر له قائلة بحُزن:
- كدا الجروح هتلتئم إن شاء الله..

لم يُجاوبها سوى بالصمت فأراحت هي رأسها على المقعد، ثم أغمضت عيناها، وسرعان ما أنغمست في نومٍ عميق..

• • • •
عاد "جواد" للقصر فوجده مُظلم تماماً، ليصعد لجِناحه بخطوات سريعة على الدرج، ثم أدار مقبض الباب فوجدها نائمة متدثرة أسفل الغطاء لبرودة الجو، ألقى بـ سُترته ثم إتجه نحوها ليستلقى جوارها، أسند ذقنه على ذراعها وحاوط خصرها، ثم مال برأسه لها فوجدها مستغرقة في النوم، أبتسم على شكل فمها المزموم كما أعتادت منذ أن كانت صغيره، عبث بخصلاتها الناعمة بلُطف، ثم همس في أذنها بخفوت:
- ملك!!!
لم تصدر منها إستجابة، ليتابع حديثه بنفس النبرة الخافتة:
- و أنا اللي قُلت هاجي ألاقيها مستنياني نقعد مع بعض!!!

قطبت حاجبيها بإنزعاج لتهمهم بلا وعي:
- أنا جعانة!!!!

قهقه "جواد" بصوته الرجولي ليقول وهو يهزّها برفق لكي تنهض:
- حتى وأنتِ نايمة بتحلمي بالأكل!!!

فتحت "ملك" عيناها لتفركهما وهي تطالع الغرفة حولها، لتشهق منتفضة و هي تنظر له بتوجس:
- أنا فــيــن!!!

رفع حاجبيه بدهشة، ثم ألتوى ثغره بإبتسامة خبيثة، ليقول بمكرٍ:
- أنتِ في قصري، وفي جناحي، على سريري!!!!

أخفت فمها بكلتا كفيها، لتنظر له جاحظة عيناها، ولكن سرعان، ما تذكرت أنها زوجته، لتقترب منه بحذر قائلة بصوتٍ خافت:
- أنا مراتك صح؟!!

- بيقولوا!!!
أردف بسُخرية، ثم جذبها لأحضانه يربت على رأسها يقول بتهكم:
- دة أنا مُبتلي!!!
(😂😂😂)
أبتسمت بشقاوة ثم حاوطت خصره قائلة و هي تدفن رأسها في صدره:
- جواد أنت اتأخرت في الشغل النهاردة!!!

- عارف والله بس كان في حاجات متعطلة في الشركة وكان لازم اخلصها!!!

زمت شفتيها بحُزن قائلة وهي تشدد على خصره:
- طب خليك قاعد معايا ومتروحش بكرة!!!

أعاد خصلاتها المتمردة على وحهها خلف أذنها، ليردف بحنو قائلاً:
- و أنا موافق!!!

أبتسمت بشدة لتصقف بيدها، ثم أبتعدت عنه لتسترسل بإهتمام:
- كَلت حاجة؟!!

أومأ قائلاً وهو يستلقى ضاماً إياها لصدره:
- أيوا يا حبيبتي كَلت في الشركة!!

أراحت رأسها على صدره مغمضة عيناها، ليقول بهدوء:
- ياسمين زعَلتك يا ملك صح؟!!

توسعت عيناها من أن يكون علِم بما قالته شقيقته، لتعتدل في جلستها مستندة بمرفقيها على الفراش قائلة وهي تنفي برأسها:
- لاء..!!!

هتف بحدة رغماً عنه:
- متكدبيش، أنا عارف أنها ضايقتك بالكلام!!!

أنكست رأسها بحزن، ثم هتفت بصدق:
- بس أنا مش زعلانه منها والله، هي بتحبك أوي ومش عايزة حد غيرها ياخد إهتمامك، فـ ياريت يا جواد تحاول تبقى جنبها وتحسسها أنك بتحبها جداً وبتهتم بيها!!!

نهض عن الفراش بعد أن تأكد صدق حدسه، ليحُك أنفه قائلاً بصوتٍ عالي:
- مش هتكبر أبداً هتفضل دماغها صغيره، هي أختي و أنتِ مراتي يعني أنا بحبكوا أنتوا الأتنين، لازمته أيه بقا اللي هي بتعمله دة!!!

نهضت لتقف أمامه قائلى برجاء:
- طب أهدى يا حبيبي متعصبش نفسك، هي كمان معاها حق، يعني انا لو شايفة اخويا بيهتم أوي بمراته ومش بيسأل فيا هضايق طبعاً، متلومهاش يا جواد، عمو اللي كان بيدلعها الله يرحمه، حاول أنتَ تعوضها!!!

جلس على الفراش ليُدخن سيجارته يهُز قدمه بعصبية، فجلست جواره، ثم تعلّقت بذراعه لتسند رأسها على كتفه، تنظر للفراغ بشرود، لتتذكر حديث "ياسمين" أنها ستحاول أن تفرقهما بشتى الطرق، رفعت رأسها له، لتُردف بتوجس:
- جواد هو أنت ممكن تبطل تحبني في يوم من الأيام؟!!

نظر لها بإستغراب، ليحاوط كتفيها قائلاً بلُطف:
- أكيد لاء، هفضل أحبك لأخر نفس فيا!!!

أغمضت عيناها ثم أستندت برأسها على كتفيه، وهي باتت خائفة من القادم!!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close