رواية حافية علي جسر عشقي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي السابع والعشرون:
أغلق باب الشقة خلفه ليطالع الظلام الكاحل بالشقة، سار بخطواتٍ واهنة نحو غرفتهم، حاملاً ثقلٍ على عاتقيه لا يزيحهما سواها، ولأنها لم تخرج من غرفتهم ما يُقارب اليومان ولا يراها تقريباً سوى مرتان باليوم أصبح مشوشاً وكأنه تائه لا يعلم طريقه، جلس على الأريكة بذلك الظلام الموّحش واضعاً رأسه بين كفيه منحنياً للأمام، لا تفعل شئ سوى أنها تخرج من غرفتهم وتُعد الطعام لهم ثم تدلف مرة أخرى معتكفة على الفراش، ولا يفهم سبب ما يحدث، عندما ينام جوارها يسمع أحياناً همهمات بكائها معتقدة أنه غفى ولن يسمعها، لا تعلم أنه لا ينام بالأساس وهي بتلك الحالة، ولأنه "ريان" متبلد القلب لا يسألها عما يضايقها، لا يتحدث معها معتقداً أنها ستعود لطبيعتها قريباً، فهو يعلم طبيعة النساء الحزن والكآبة تغلب عليهم دائماً، ولكن اليوم عندما لم تأكل شئ أزداد قلقه عليها، حتى "عمر" لم تتحدث معه سوى القليل، وعند تلك النقطة نفذ صبره حقاً، لينهض ملقياً ببذلته بعنف على الأرضية، أقتحم الغرفة ليجدها مظلمة كالعادة، أشعل الأنوار ليجدها كما هي نائمة على الفراش لا يظهر منها شئ، أقترب منها ولم تُخفي عليه رعشة جسدها، ليزداد غضبة أضعافاً، فهي تظنه أبله لا يعلم أنها مستيقظة، أمسك بطرف الغطاء ليجذبه ملقياً به على للأرض و هو يصرخ بصوتٍ جهوري زلزل الجدران:
- قومي وكلميني!!!!
نظر لجسدها الضئيل والمتكور كالجنين، أهدابها التي ترتجف بخوفٍ وجفونها المسبلة تتحرك بتوتر لم تستطيع السيطرة عليه، ليزمجر بعنف ثم أمسك رسغها ليجعلها تنهض يبصق كلماته في وجهها بحدة:
- عمّال بقول سببها براحتها يمكن زعلانه من حاجة ومش عايزة تقول، دلع بنات و هيروح، بشوفك بالعافية ولما برجع من الشغل بتعملي نفسك نايمة عشان متتكلميش معايا، وبعد م تحِسي أني نمت بتعيطي وفاكراني مش هسمعك، أنتِ عايزة أيه يا هنا؟! بلاش تهربي زي الأطفال وقوليلي عايزة أيه!!!!
أمتلئت عيناها بالدموع عندما صرخ بوجهها في آخر جملته و قسوة كلماته تجسدت على هيئة خنجر غُرز بمنتصف قلبها، و عند كل كلمة تخرج من ثغره كان يهز جسدها بعنف ضاغطاً بقسوة على كتفيها، صدرت شهقات خافته منها تُنذر ببكاء حارق ستبكيه الأن، وهي التي كانت تعتقد أنه سيكون رئيفاً بها و سيسألها بهدوء عما يؤرقها، ولكن ليس زوجها من يفعل هذا أبداً، بالطبع لن يتخلى عن غروره ويسألها عما يُحزنها، أرتخى جسدها رويداً وهي تبكي بحرقة ورأسها متدلية تنظر للأرض التي لم تضح رؤيتها بسبب عيناها المبللة بالدموع، بينما أرخى هو قبضتيه عن كتفيها و بكائها جعله يتمنى لو أن يأخذ حزنها بأكمله ويضعه بقلبه هو، هو يعلم أنها لن تقول ما يُضايقها، فـ "هنا" لا تستطيع أن تعبر عما بداخلها أبداً، عيناها تفيض بالحنان والحب ولكنها لا تعترف، و هو الأن يرى حزناً ليس له مثيل داخل حدقتيها، أغمض عيناه يحاول تهدأة نفسه حتى لا يتهور، يقنع نفسه بأنها لن تقول شئ بصراخه عليه، بجب أن يتمهل ويتعامل معها كـ صغيره "عمر" عندما يحزن، حاوط كتفيها برقة ليضمها له ملصقاها به يربت على خصلاتها قائلاً بصوتٍ هادئ يعاكس ما حدث قبل دقيقتين، لتستند هي برأسها على صدره مغمضة عيناها وقد بدأت شهقاتها بالإنخفاض تدريجياً للمساته الحانية، لتسمعه يهمس بصوتٍ مُحمل بالقلق:
- قوليلي أيه اللي مزعلك طيب وانا هحل الموضوع!!!!
أبتعدت عنه لتفرك عيناها قائلة بصوتٍ خافت:
- مافيش حاجة أنا كويسة..!!!
تجاهل ما قالته ليقترب منها قائلاً بهدوء:
- عملتي حاجة غلط وخايفة تقوليلي عليها؟!!!
نفت برأسها ببراءة، ليقول مخمناً:
- خايفة من الحرامي اللي دخل؟!!، متقلقيش انا ببحث ف الموضوع وهجيبه!!!!
نفت أيضاً قائلة بهدوء:
- مش عشان كدا!!!
حاوط وجهها يرفعه له لعله يفهم من عيناها سبب حزنهاولكن عندما لم يرى شئ سوى الدموع هتف بنبرة مُرهقة:
- أومال في أيه..؟!!!
أسترسلت بصوتٍ مبحوح أثر البكاء وهي تنظر لعيناه:
- أنت يا ريان مش بيفرق معاك أصلاً إذا كنت أنا زعلانه ولا لاء، بدليل أن بقالي يومين قاعدة في الأوضة ومفكرتش تيجي تقولي مالِك، ولسة فاكر النهاردة تسألني وكمان جاي تزعق!!!، أنا بجد تعبت منك ومبقتش عايزة أتعامل معاك أصلاً، لأني كل مـ بشوفك قلبي بيوجعني أكتر، وأنا قلبي أكتفى من الوجع خلاص!!!!
صُدم لحديثها ليُبعد يداه عنها وقد عاد لحالة البرود كما كان سابقاً، ليومأ لها قائلاً:
- للدرجة دي أنا بوجعك؟، طب ومستحملة ليه يا هنا، أيه اللي يجبرك تتحملي تعيشي معايا!!!
صرخت به بقوة محركة يداها في الهواء:
- عشان أنا غبية وبحبك، عشان مش هقدر أعيش من غيرك، رغم كل اللي بتعمله معايا وبردو مش عارفة أكرهك، أرتحت؟!!!!!
جمدت تعابير وجهه تماماً، لا يعلم تحديداً بما يشعر، قلبه يلعن نفسه لأنه لا يستطيع أن يبادلها مشاعرها، و بنفس الوقت فرِحاً بإعترافها، فهو يعلم أنها تعشقه عشقاً، يعلم أنها ستفعل أي شئ في سبيل إرضاءه، ولكنها تعترف له علانيةً أنها تعشقه، مما جعل أبتسامة لا يعلم سببها تظهر على ثغره، لتستشيط هي غضباً تلعن غباءها لتبعده من كتفه تستلقى على الفراش تخفي جسدها ووجها بالغطاء ففعل هو بالمثل لا يستطيع إزاحة أبتسامته عن وجهه، ليجذبها نحوه واضعاً ذراعه أسفل كتفيها ثم مد كفه يحاول إزاحة الغطاء عن وجهها لكي تستطيع التنفس ولكنها كانت ممسكة به بشدة، لتصدح ضحكاته الرجولية بالغرفة قائلاً:
- يا هبلة هتتخنقي!!!!
أستطاع أخيراً إبعاده عن وجهها ليتأمله مبعداً خصلاتها عن وجهها مقرباً وجهه من وجهها حتى أصبح لا يبعدهما سوى بعض الإنشات القليلة، تصاعدت الحُمرة لوجهها عندما ألصق شفتيه بثغرها في قبلة بطيئة، تعالت نبضات قلبها عندما أبتعد عنها لتغمص عيناها تغمغم بخفوت شديد:
- ريان..
دفن أنفه بعنقها يستنسق عبير رائحتها يهمهم، يطبع عدة قبلات عليه جعلتها ممسكة بياقة قميصه تعلن أستسلامها له للمرة الألف..!!!!
• • ••
وقفت أمام باب غرفته لا تعلم أتدلف أم تتراجع، ولكن ما تعلمه أنها ستجعله يسامحها بأي طريقة، وبالفعل دلفت ببطئ لتجد الغرفة مظلمة، لتلمحه نائم على الأريكة واضعاً ذراعه على عيناه كالعادة، فتحت الأنوار لتقترب منه ببطئٍ حذِر، كم أشتاقت له و لصوته، أشتاقت لمزاحه معها، لضحكاته، ثمانية وأربعون ساعة و وعشرة دقائق لم يُخاطبها بكلمة واحدة، و ليشهد الله أنه لم ينظر لها حتى، آهات قلبها المكتومة أمامه تُخرجها في وسادتها ليلاً، ولكن كفى، ستخرج مكنونات قلبها وتُعري روحها أمامه عله يلين قليلاً لتبعد ذراعيه بكفيها ثم وضعتها على معدته، أمتدت أناملها تسير على وجنتيه برقة مما جعله يهمهم مستمتعاً بلمساتها، ضحكت في خفوت عندما شعرت بتأثيرها عليه، لتنثنى عليه بوجهها هامسة بدلال :
- باسل..
لم يعي "باسل" وجودها جواره وأعتقد أنه ينعم بحلمٍ جميل لن يتحقق بالواقع، ولكن تلك الدغدغات التي تسير على وجهه يشعر بها وليست بحلمٍ أبداً، فتح عيناه بذعرٍ لينتفض مزيحاً ذراعها ينهض واثباً يصرخ بها بحدة:
- أيه اللي جابك هنا؟!!!!
نهضت "رهف" قائلة بتوتر :
- كنت جاية أطمن عليك بس والله!!!!
توحشت عيناه ليقترب منها ممسكاً بكتفيها بعنف مردفاً:
- أحسنلك متظهريش قدامي، متحتكيش بيا أصلاً عشان صدقيني هتندمي!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع التي لهبت وجنتيها، نظرت داخل عيناه لربما تجد أي لمحة عشق ولكن لم تجد سوى قسوة لن تستطيع محوها، غمغمت في همسٍ:
- باسل متعملش كدا!!!
ضغط أكثر على كتفيها قائلاً بقسوة:
- أنا لسة معملتش حاجة!!!!
أستكمل بنبرة متوعدة:
- هدوقك من نفس الكاس، وهحرمك من أبنك العمر كله!!!!
كورت كفيها لتضربه في صدره بحدة صارخة بعنف أم مهددة بحرمان صغيرها منها، لتبرز عروقها من شدة الغضب:
- وأنا مش هسمحلك تعمل كدا، دة أبني ومحدش هياخده مني!!!!
أنفلتت أعصابه ليجذب خصلاتها بعنف لا يأبي لصراخها، جذبها معه خارج الغرفة ثم تركها أمام الباب مزمجراً بصوتٍ كاد يهُز الجدران:
- مش عايز أشوف وشك أبداً، شهور حملك هستحملهم بالطول وبالعرض وبعدها هاخد أبني و أسافر، مش هسمح لأم أنانية زيك تربي أبني الوحيد!!!!
عجز لسانها عن النطق، وكأنه رُبط بمكابلٍ من حديد، لتعود بعد دقائق تجأر بحدة ضاربة الباب الذي صفع بوجهها بكلتا كفيها، ليخرج من جوفها صوتٍ قوي ولكن مهزوز:
- مش هسمحلك تعمل كدا، مش هتاخد أبني مني يا باسل غير على جثتي!!!!
• • • •
قفزت "فريدة" على الفراش تنكز جسده قائلة بملل ستبكي منه:
- يا مازن قوم بقا حرام عليك كل دة نوم، انا قاعدة برا لوحدي!!!
فرك الأخير عيناه لينهص نصف جالسة وهو يضع كفيه على مقلتيه يُبعد الضوء المزعج،قائلاً بصوتٍ مستحشرج:
- الساعة كام؟!!!
- 5 الفجر!!!!
قالت وهي تنظر له ببراءة لتتوسع عيناه بصدمة، ليجذبها من كنزتها قائلاً بغلٍ:
- و مصحياني خمسة الفجر أبيع لبن و لا ايه!!!!
حاولت إبعاد أنامله الغليظة قائلة بتأفف:
- يا مازن سيبني، انا مش عارفة انام والله و عايزاك تقوم تسهر معايا!!! يزيد جاي بكرة مع طنط رقية وهو اللي كان دايماً بيسهر معايا!!!
ترك كنزتها ليحاوط كتفيها جاذبها نحوه ليجعلها تستلقى جواره ملصقاها بجسده وذقنه أعلى رأسها مغمضاً عيناه بنعاس حقيقي:
- نامي ونسهر بكرة مع يزيد!!!!
تلوت بجسدها تحاول الأبتعاد عنه ولكنه كان مقيداً لها بإحكام، تأففت بقنوط لترفع أنظارها.متأمله وجهه المرتخي، ليبتسم مقبلاً جبينها هو لازال مغمضاً عيناه، يربت على خصلاتها قائلاً بنعاس:
- ربنا يهديكي ياحبيبتي..!!!
نظرت له بغيظ لتزم شفتيها بطفولية ثم دفنت وجهها في صدره مغمضة عيناها، مستسلمة لكفه الذي يسير على خصلاتها بتناغمٍ، ولم تشعر بنفسها سوى غفُوها في أحضانه، بين ذراعيه، و أذنها تسترق السمع لنبضات قلبه..!!!
• • ••
جالسة على الأريكة تضم ركبتيها لصدرها، لم يزورها النوم وهو بعيداً عنها، فمنذ أن أخبرته بالحقيقة ذهب ولم يعود، وهي تعلم أنه عند قمة غضبه.. يبتعد، لأبعد نقطة لكي لا يؤذي أحد بطوفان مقته، أدمعت عيناها وهي تتخيل ماذا يفعل الأن بمفردُه وحيداً، و هل ستخمد نيران قلبه عندما يعود، أم ستزداد إشتعالاً وتحرِق الأخضر واليابس!!!!
"ظافر" ليس كأي رجل قابلته هي في حياتها، هو يختلف كُلياً، يختلف لدرجة أنها أصبحت لا تتوقع ردة فعله تجاه أي موقف يُقابله، وذلك ما يُقلقها، لتعود بذاكرتها عندما أجابته على كامل أسئلته..
أشتعلت النيران بعيناه وهو يتلقى إجابتها التي كانت كالجمر يجثو على صدره، ليجعله يصرخ ألماً دون صوت!!!
أخذ نفساً عميق وحاول أن يكُن مُتحضراً حتى لا يندم عما سيفعله، ولكن التحضر لا يندمج مع "ظافر" ذو الشخصية المندفعة والهوجاء، لينهض من على الفراش ثم أشعل لُفافة تبغه ينفث بها غضبه، قائلاً وكفيه يرتعشا من شدة الغضب المُبطِن:
- كمِلي!!!!!!
رُغم أنه لم يقُل سوى كلمة واحدة، ولكنها كانت كافية لتجعل جسدها يرتجف رعباً، نهضت من على الفراس واثبة أمامه مرتدية قميصه الأبيض، لتردف وصدرها يعلو ويهبط توتراً:
- هو كان بيحبني جداً، وأتقدملي، و أنا وافقت، مش عارفة ليه وافقت وقتها بس لما شوفت في عيونه أنه بيحبني بالطريقة دي وافقت، كان ساعتها على أد حاله مكنش معاه فلوس كتير، وانا بردو كنت صغيرة وكنت بنت عادية، الكلام دة لما كان عندي 18 سنة، ولما كبرت شوية وبقيت مصممة أزياء كبيرة إلى حدٍ ما بالنسبة لسني الصغير، بقيت بتكبر عليه وبعامله بطريقة وحشة جداً عشان يمشي وسيبني، بس هو كان مستحملني، لحد مـ أنا اللي قولتله اننا لازم نسيب بعض، وسافرت باريس وسيبته، وعرفت بعد كدا أنه عمل حادثة بعد سفري بساعات، ساعتها ضميري وجعني أوي وكنت بفكر ارجعله عشان عارفة أنه بيحبني، بس مرجعتش وكنت بقول أنه هينساني أكيد، وبعدها بحوالي شهرين عرفت أنه أتجوز، وكنت عارفة أنه بيحاول ينساني بواحدة تانية، عدت سنين كتير لغاية لما قابلته هو وأبنه ف عملية مازن، حسيت أني أد أيه كنت زبالة زمان يا ظافر، وكنت أنانية جداً، مش بفكر غير في نفسي، والله دة اللي حصل ومش بكدب عليك في حاجة!!!
أنهت حديثها جالسة على الفراش تبكي بحُرقة، لا تريد أن تنظر لمِحياه تُخفي وجهها بكفيها!!!
ملامحه غير المقروءة، و فكه النابض و كأن كل خلية بجسده تصرخ أعتراضاً عما تتفوه به، ضغط على السيجار بيده ولم يشعر بألمٍ، ف ألم روحه أضعاف، تمنى لو أن يذهب ويحطم وجه ذلك الـ "ريان"، صارخاً به كيف يُفكر بحبيبته، كيف كان سيتزوجها وكانت ستصبح ملكه هو!!، فقد أعصابه عندما وصل تفكيره لهُنا، ليجأر بحدة ثم ضرب بقدمه الكومود ليسقط أرضاً ويسقط ما كان عليه، أخفت رأسها بفزعٍ وهي تبكي ظناً منه أن سيتطاول بيده عليها، ولكنها سمعت الباب يُغلق حتى أقسمت أنه كاد أن ينشطر نصفين!!!!
عادت "ملاذ" من ذكرياتها على باب الجناح الذي فُتح ببطئٍ، أنتفضت واقفة تطالع هيئته، بدايةً من خصلاته المشعثة وعيناه المرهقة، و بذلته التي تدلت من كتفه بفعل يده، أغرورقت عيناها بالدموع قائلة بنبرة تُفطر القلب:
- ظافر، أنت كويس!!!
لم يُجيبها ليدلف لغرفتهم بصمت ثم دلف للمرحاض بعد أن أخذ بنطال لينام به، لتجلس هي مجدداً على الأريكة دافنة وجهها في ظهرها ذو القماش الجلدي تضم قدميها لصدرها، أنتظرت كثيراً حتى خرج ثم ألقى جسده على الفراش ليسود الصمت عدا أنين بكائها الخافت، تقلّب "ظافر" في الفراش يعلم أنه لن ينام إن كانت تبكي، و لن تنسدل جفونه إن لم تكُن بين ذراعيه، نهضت وكأنها قرأت ما يُفكر به، لتنام جواره ثم حاوطت خصره من الخلف، ليغمض عيناه بشدة يحاول عدم الألتفات لها وضمها، ولكن إزداد الأمر صعوبة عندما همست بصوتٍ باكي:
- قولتلي قبل كدا مهما حصل بينا منامش غير و أنا في حضنك!!!
ظل مغمضاً عيناه يطلب من ربه الثبات، فتلك النبرة مع بكاءها و ذراعيها المحاوطان جزعه ستفقده عقله لا محال، تنهدت هي بحزن لتُغمض عيناها فنامت فوراً، و عندما تأكد من إنتظام أنفاسها ألتفت بحذرٍ، ليضمها لصدره يلعن الحب بداخله، فـ قوة الحب تتغلب على الكبرياء والغرور دائماً، و هو دليلٌ حي لذلك، مسح بأنامله الدمعات العالقة على وجنتيها ليقبلهما، لتندفع هي دون وعي داخل أحضانه ضامة ذراعيها أمام صدره، و عند تلك اللحظة فقط غفت غابات الزيتون، و أسدل الليل الحالك ستائره، بعد أن شهِد على أجمل قصص الحب بأنواعها!!!!
• • • •
أستفاقت "ملاذ" لتجد نفسها وحيدة في الفراش، نظرت جوارها ولكن لم تجده، نهضت نصف جالسة لتنظر لساعة الحائط فوجدتها تشير للعاشرة، بالتأكيد هو في شركته الأن، طُرق باب الجناح فجأة لتنهض ثم أتجهت نحوه، أدارت المقبض لتفتحه فوجدت "رقية" تقول في مرِحها المعتاد:
- صباح الخير يا بنتي!!!
أبتسمت "ملاذ" ببهوت قائلة:
- صباح النور يا ماما، هو ظافر راح الشركة صح؟
أومأت "رقية" قائلة بجدية:
- صُح، نزل الصبح و كان مستعچل حتى جولتله يفطر بس مارضاش..
تنهدت "ملاذ" و هي تفرك أصابعها بعيون قلقه، لتستكمل "رقية" قائلة:
- يلا يابنتي چهزي حالك عشان نفطر سوا، چواد و ملك جاعدين معانا تحت بس هيمشوا على طول!!!
- ماشي هلبس حاجة بس وهاجي!!!!
نزلت "رقية" للأسفل بعد أن أستعجلتها، لترتدي "ملاذ" إسدال للصلاة عندما علمت بوجود "جواد"، ثم نزِلت للأسفل معهم، جلست على مقعدها جوار "يزيد" ثم أخذت تُطعمه كالعادة منذ ذهاب "فريدة" حتى لا يحزن، ولكنها لم تأكل بل ظلت تعبث بالملعقة شاردة لتنظر لها "ملك" قائلة بقلق:
- مش بتاكلي ليه يا ملاذ، وشكلك تعبان في حاجة حصلت؟!!!!
رفعت "ملاذ" أنظارها لها لتبتسم قائلة:
- مافيش حاجة يا لوكا أنا بس حاسة أني تعبانة شوية!!!
أومأت الأخيرة بعدم أقتناع، لينهض "جواد" بعد أن أخذ بذلته قائلاً لـ "ملك" بجدية:
- يلا يا ملك عشان أروّحك البيت عندنا وبعدين هروح الشركة..
نظرت له بدهشة، لتردف بعدها بثواني برجاء:
- لاء أنا عايزة أقعد مع ماما والنبي يا جواد!!! أنا حتى لسة مشوفتش مازن وكنت عايزة أروحله عشان وُحشني
مسح على وجهه بكفيه بغصب، لتعترض والدتها التي قالت سريعاً حتى لا تشتعل الأمور بينهم:
- كفاياكي دلع عاد يا ملك، جومي روّحي مع جوزك، زمان حماتك مستنياكي وانتِ من ساعة عملية مازن مروحتوش عنديها، وأنا هروح أزوره و معايا الوكل زي كل يوم، و يوم تاني هنروح كلنا نجضي اليوم عندهم!!!
أومأت "ملك" بحزن وهي تعلم أن أمها محقة بما تقول، لتنهض بعد ان ودّعتهم، لتذهب معه خارج القصر، وداخلها لا يريد الذهاب، فرغم والدته التي لم تُسئ لها بكلمة يوماً، ولكن كره"ياسمين" الغير مبرر لها ما يقلقها، جلست جواره بسيارته لتشعل مُشغل الموسيقى على أغنية لفيروز تعشقها، أخذت تدندن معها بينما هو مبتسماً علي جنونها، وصلا لقصره بعد وقتٍ طويل لتُفتح بوابة القصر ليصتطفها جانباً، ثم ترجل من السيارة نازعاً نظارته الشمسية، جلست هي بخوفٍ لا تريد النزول، ليلتفت لها بغرابة قائلاً بوقاحة:
- هعزم على سيادتك ولا أيه؟!!!
إزدردت ريقها لتترجل ببطئٍ ثم أمسكت ذراعه قائلة وهي تنظر للصقر من الخارج:
- جواد أنت ليه جبت القصر دة؟!! شبه اللي بيطلعوا في أفلام الرعب والله، أنت أيوا مرعب وأنا ساعات بخاف منك بس ذوقك بيرعبني!!!!!
صدحت ضحكاته الرجولية ليخرج من جيبه مفتاح القصر ثم دسه به، دلفا ليجدوا "ياسمين" جالسة أمام التلفاز، لتنتفص سريعاً راكضة نحو أخيها تتشبث بعنقه قائلة بإشتياق حقيقي:
- وحشتني أوي يا جواد، كنت فين كل دة حرام عليك!!!
ربت على ظهرها بحنان بكفٍ والأخر ظل ممسكاً بـ "ملك" التي حاولت الأبتعاد لترك مساحة من الحرية لهم، ولكنه لم يتركها..
- أنتِ كمان يا ياسمين وحشتيني أكتر، بس أنتِ عارفة اللي حصل مع مازن أخو ملك عشان كدا كنت بطمن عليكوا بالفون بس..
أبتعدت عنه "ياسمين" لترمق "ملك" بإزدراء لم يُلاحظه "جواد"، لتقول سريعاً وهي تركض للداخل:
- هروح أنده ماما!!!
ألتفت "جواد" ممسكاً بكتفيّ "ملك" قائلاً بحنان:
- حبيبتي أنا هسلم على أمي و همشي عشان عندي شغل كتير، لو أي حاجة حصلت كلميني ومتخافيش، أنا مش هتأخر هرجع على طول وأنتِ اقعدي مع أمي أو نامي زي م تحِبي، تمام؟!!
أومأت "ملك" بإبتسامة تحاول طمئنته:
- حاضر يا حبيبي، متقلقش عليا!!!
ضمها لصدره مقبلاً رأسهأ قائلاً بمزاح:
- أيوا أنا عارف أني متجوز راجل!!!
ضربته على صدره توبخه متذمرة، قائلة بحزن زائف:
- يعني أنا راجل ف نظرك يا جواد؟!!
أبعدها عنه قائلاً بإبتسامة عاشقة:
- أسكتي يا هبلة، دة أنتِ ست البنات!!!
ضحكت "ملك بشقاوة لتأتي "إيناس" والدته التي أرتمت في أحضانه تضمه لها بشوق، تردف بعتابٍ شديد:
- حرام عليك يا جواد والله تسيبنا كل دة من غير حتى مـ أشوفك و أطمن عليك!!!
أبتسم "جواد" قائلاً:
- في أيه يا جماعة دول هما يومين تلاته، هو أنا كنت في العراق، وبعدين يا أمي كلنا كنا خايفين على مازن ومكنش ينفع أسيب ملك لوحدها..
أبتعدت عنها لتنظر لـ "ملك" التي أبتسمت لها، ولكنها تلقتها في أحضانها قائلة وهي تربت على ظهرها:
- حبيبتي يابنتي والله أنتِ كمان وحشتيني زي جواد بالظبط..
هتفت بسعادة وهي تبادلها عناقها:
- والله حضرتك أكتر!!!
أبعدتها عنها قائلة بقلقٍ:
- أخوكي بقى كويس صح؟!!!
اومأت "ملك"سريعاً تحمد ربُها، لينظر "جواد" في ساعته قائلاً بجدية:
- أنا اتأخرت اوي، أمي أنا مش هتأخر معلش خلي بالك من ملك..
- في عنيا يا ضنايا...
قالت "إيناس" ليذهب "جواد" بعد أن ودًعهم، فجلسا ثلاثتهم ونظرات "ياسمين" الحاقده تنغُزها، فقررت "ملك" الصعود لغرفتها لكي لا تحتك بها، لتستأذن "إيناس" تقول لها بكلامٍ لبِق:
- معلش ياماما أنا هطلع بس أخد شاور و أغير هدومي وهنزل أقعد مع حضرتك..
اومأت الأخيرة قائلة:
- أكيد يا حبيبتي أطلعي!!!
وفي ثوانِ كانت "ملك" بجناحهم، لتدلف للحمام لكي تستحم.. وبعد دقائق خرجت منه تلُف جسدها بمنشفة طويلة، جففت خصلاتها ثم جلست تُمشطها، لترتدي منامة مريحة ثم أطلقت خصلاتها للعنان، لتنزل لهم فوجدت "إيناس بالمطبخ "وياسمين" جالسة أمام التلفاز، حمحمت بإحراج لتجلس جوارها فهذا هو الوقت لفض الخلاف بينهما لم تعيرها "ياسمين " إهتمام ممسكة بجهاز التحكم، أخذت "ملك" نفساً عميقاً ثم قالت برفق:
- ممكن أعرف أنتِ بتكرهيني أوي كدا ليه!!!
لم تنظر لها وكأنها لم تتحدث أبداً، لتكمل قائلة بحزن:
- من وأحنا صغيرين وأنتِ مش بتحبيني، لما كنت باجي هنا و أنا طفلة كنتي بتضربيني وتروحي تعيطي لجواد وتقوليله أن أنا اللي ضربتك، وساعات جواد كان بيزعقلي مع أن مليش ذنب في حاجة، بس وقتها كنا أطفال مش فاهمين حاجة، بس ليه دلوقتي بتعامليني كدا؟!!!
أنتفضت "ياسمين" كمن لدغتها أفعى ملتفتة لها تلقي بجهاز التحكم أرضاً تقول بغل:
- عايزة تعرفي بكرهك ليه؟!!!، عشان دايماً جواد بيفضلك عني وبيعاملك أحسن، من وأحنا أطفال وأنا بحس أنه بيحبك أكتر مني، ولما كبرنا و أتجوزتوا كرهتك أكتر، أنتِ كابوس بالنسبالي مش عارفة أخلص منه!!!!
قطبت حاجبيها بألمٍ لتردف بصوتٍ خافت:
- للدرجة دي!!!!
نهضت واثبة بحقدٍ صارخة بها:
- و أكتر يا ملك، لو لسة عندك دم ياريت تمشي من حياتنا، أطلعي من حياة أخويا وسيبينا في حالنا بقا!!!
برقت عيناها بالدموع لتنهض واقفة أمامها قائلة بصوتٍ مهزوز:
- صدقيني يا ياسمين جواد بيحبك جداً، و أنا أصلاً مستحيل هفرق بينكوا لأنك أخته، هو ممكن كان بيهتم بيا وأنا صغيرة أكتر منك شوية عشان أنا كان دايماً بابا بيزعقلي وساعات كتير بيضربني، فهو كان حنين عليا زي مـ كان ظافر وباسل ومازن بيعملوا معايا، بس أنتِ باباكي الله يرحمه كان بيحبكوا جداً ومش بيعمل فيكوا حاجة وحشة كان بيدلعك جداً، عشان كدا هو كان بيهتم بيا زيادة بس والله هو في الحقيقة بيحبك أنتِ جداً!!!
ضمت ذراعيها لصدرها مقتربة منها عدة خطوات، لتقول بنظرات متقززة:
- بلاش تمثلي دور الطيبة البريئة دة عليا، عشان أنا عارفاكي كويس، و بردو هتبعدي عن أخويا يا ملك، هخليه يكرهك وميطقش يبُص في وشك!!!!
جائت "إيناس" على صوتهم لتستمع لجملة أبنتها مما جعلها تضرب صدرها صارخة:
- يالهوي!!! أيه يا ياسمين اللي بتقوليه دة، وصوتك عالي ليه؟!!! تعالي يا ملك يابنتي أقعدي معايا في المطبخ!!!
أنهمرت الدموع على وجنتيها لتذهب معها تصارع رغبة شديدة في البكاء، دلفا للمطبخ لتجلسها "إيناس" على المقعد مربتة على خصلاتها قائلة بأسفٍ:
- متزعليش منها يا حبيبتي والله ياسمين طيبة هي بس بتحب أخوها بزيادة شوية، وملكيش دعوة بكلامها محدش هيقدر يعملك حاجة وأنا معاكي!!!
بكت بقوة لحنان كلماتها مردفة بصوتٍ مبحوح:
- لو وجودي مضايقها أوي كدا هقنع جواد أني أقعد عند ماما لحد مـ تهدى، أنا مبحبش حد يبقى كارهني مش بعرف أستحمل!!!! وصدقيني أنا مش زعلانه منها هي بردو عندها حق، وأنا هحاول أحسن علاقتها بجواد و أخليه يهتم بيها أكتر من كدا!!!
ضمتها "إيناس" بقوة قائلة متعجبة من مدى طيبة تلك الفتاة:
- ربنا يكرمك يابنتي ويديكي على أد نيتك، متتعبيش نفسك يا حبيبتي ومتفكريش في الحاجات الوحشة دي، أطلعي نامي شوية وأرتاحي!!!
حركت رأسة موافقة على كلماتها فهي بالفعل تحتاج للراحة، أستأذنت منها ثم خرجت لبهو القصر فوجدتها خالية من "ياسمين"، صعدت الدرج ناحية الجناح لتدلف مغلقة الباب، دلفت للغرفة لتستلقى على الفراش بتعب، أخذت تراجع كلمات "ياسمين" متذكرة ما حدث عندما كانت صغيرة، فهي بالفعل كانت تحظي بإهتمامٍ كبير من "جواد"، فـ في أحد الأيام عندما جاء لهم "جواد محملاً بكيس كبير من الحلويات فور أن أخبره "ظافر" أنها تجلس بغرفتها حزينة ترفص أن تأكل أو تشرب شئ، ولا يومجد من يُقنعها سواه، صعد لها ليدلف للغرفة فوجدها بالفعل نائمة على فراش تضُم عروستها لها، دموعها كحبات اللؤلؤ متناثرة على وجنتيها، جلس جوارها ليربت على خصلاتها الناعمة قائلاً بحنان:
- ملك، ملوكة، قومي يلا جايبلك حلويات كتير..
نهضت الصغيرة تفرك عيناها، ليمد أنامله يُزيل دمعاتها ولكنه لاحظ إحدى وجنتيها شديدة الإحمرار، فسقط قلبه أرضاً قائلاً بقلقٍ :
- خدِك أحمر كدة ليه!!!!
تلمس وجنتيها لتنتفض الصغيرة صارخة بألمٍ ثم أجهشت بالبكاء، واضعة كفها الصغير للغاية على وجنتها الملتهبة، ثم تفاجأ بها تلقي بنفسها بين أحضانه قائلة ببكاءٍ:
- جواد هو أنا طفلة وحسة (وحشة) ومس بسمع الكلام؟!!
قطب حاجبيه ليحاوط جسدها الصغير قائلاً:
- مين قال كدا يا حبيبتي، ومين اللي ضربك!! قوليلي!!!
- بابي ضربني وظافر زعقله جامد!!!
قالت ببراءة وهب تبتعد عنه، لتتجمد ملامحه يسُب ذلك الرجل في نفسه، ثم مسح على وجهه يتمنى لو أن كان أمامه الأن وكان سيحطم وجهه من شدة الضرب الذي سيتلقاه منه، نظر للصغيرها ليضع كفه على وجنتها الحمراء وقلبه يتمزق عليها، فبحق الخالق أب رجل عديم القلب هو ليصفع طفله لم يتجاوز عُمرها العشر سنوات!!! كيف طاوعه قلبه ليمُد يداه علي ص
غيرته، مسح على خصلاتها بحنان يُغدقها به، قائلاً برفق:
- متزعليش يا ملك، لو بتحبيني كفاية عياط...
اومأت هي بطفولية، ليردف مقبلاً كفها الصغير:
- قوليلي دلوقتي على أي حاجة وأنا هعملهالك؟!!
أخذت تُفكر واصعة أصبعها في شفتيها تنظر للسقف، ثم قالت سريعاً بفرحةٍ:
- خليك قاعد معانا النهاردة..!!!
- دة أنا هقعد معاكي أنتِ وظافر ونجيب فيلم حلو وناكل فشار وشوكولاته كمان!!!!
- هيييي!!!!!
صرخت الطفلة بحماس تحاوط عنقه بذراعيها الصغيرتان ليضحك هو ثم بدأ بدغتغتها في معدتها لتصدح صوت ضحكاتها بالقصر بأكمله مما جعل من به يندهشون لتأثير "جواد" عليها!!!!
ابتسمت "ملك" عِند تلك الذكرى لتنتفض من فوق الفراش باحثة عن هاتفها، بعد أن وجدته ضغطت عل أسمه لتضعه على أذنها، أجابها أخيراً بصوته الذي يزعزع شتاتها ويبعث الطمأنينة في قلبها، يقول بنبرة قلِقة:
- حاجة حصلت يا ملك؟!!
نفت سريعاً قائلة:
- لاء مافيش حاجة، أنا كنت بكلمك بس عشان آآآ...
هتف مستغرباً:
- عشان أيه؟!!!
- عشان أقولك أني بحبك أوي يا جواد!!!!
هتفت بنبرة شبه باكية وهي تجلس على الفراش، و هب تعلم أنه مبتسماً الأن، وما أكد لها نبرته السعيدة و هو يقول:
- و أنا بموت فيكي يا قلب جواد!!!!
بكت "ملك" بقوة ليضحك هو عليها قائلاً:
- بتعيطي ليه دلوقتي بذمتك!!!!
شهقت بصوتٍ متقطع وجسدها ينتفض كل ثانية لشدة بكائها مما جعله ينتفض من فوق مكتبه قائلاً بحنان:
- طب أهدي يا حبيبتي كفاية عياط، أجيلك طيب؟!!
هتفت وهي تمسح دموعها قائلة بصوتٍ متقطع:
- لاء .. خليك، أنا بس أفتكرت حاجة كدا هي اللي خليتني أكلمك، أنت أحن واحد شُفته في حياتي، ربنا يخليك ليا!!!
أبتسم "جواد" ليردف بلُطفٍ ونبرة فريدة:
- وأنتِ أطيب و أرق واحدة شوفتها، بس متعيطيش لحسن والله هرمي اللي في إيدي وأجيلك ويلعن أبو الشغل في الأرض!!!!
ضحكت "ملك" قائلة سريعاً:
- لاء خلاص مش هعيط أهو، بُص أنا هنام دلوقتي ولما تيجي تصحيني ماشي؟!!
- تمام، أيوا صحيح ياسمين مقالتلكيش حاجة ضايقتك؟!!
أسرعت قائلة بتوتر:
- لاء أنا أصلاً خدت شاور و قولت لماما إيناس
إني هنام شوية!!!
ردد بعدم أقتناع:
- ماشي يا حبيبتي، نامي وأنا مش هتأخر..
- حاضر!!!
غمغمت لتغلق معه، ثم أستلقت على الفراش تنام براحة شديدة!!!
• • • •
- يعني أيه نسافر يا مازن، أنا مش عايزة أمشي من هنا!!!
قالت "فريدة" بحزن ليردف هو محاولاً إقناعها برفق:
- ياحبيبتي هو أحنا هنقعد عمرنا كُله هناك، أنا شغلي كله هناك يا فريدة وفي حاجات متعطلة كتير ولازم أروح أظبط الدنيا!!!
زمت شفتيها قائلة:
- طب ويزيد؟!!!
- هييجي معانا طبعاً دة وحشني جداً الواد دة!!!
أسترسل و هو يضمها له لتومأ هي قائلة:
- ماشي يا مازن بس نرجع ع طول!!!
قبّل جبينها ثم مسح على خصلاته، ليسمعا طرقات الباب فنهضت "فريدة" لكي تفتح قائلة بحماس:
- دي أكيد ماما رقية!!!
اومأ لينهض يتبعها، فتحت الباب ليصرخ "يزيد" الصغير وهو يرتمي في أحضان شقيقته:
- ديــدا!!!
تعالت ضحكاتهما و هي تضمه لها بإشتياق شديد مقبلة كل أنحاء وجهه مما جعل "مازن" ينظر لهم بغيره ولكنه لم يظهر لهم، لتندفع "رقية" نحوه تحتضنه بقلق:
- حبيبي يابني، أتوحشتك جوي يا مازن!!!
أبتسم "مازن" قائلاً وهو يضمها:
- وحشتك أيه بس يا حاجة هو أنتِ بتسيبيني يوم من غير مـ تيجي تطمني عليا!!!
- حتى لو بردو بتوحشني!!
أردفت وهي تبتعد عنه ليمد "يزيد" ذراعيه نحو "مازن":
- وحستني أوي يا عمو مازن!!!
حمله "مازن" يعبث بخصلاته قائلاً بحنان:
- أنت كمان يا يزيد وحشتني أوي!!!
أخذت "رقية" "فريدة" بعيداً مستغلة إنشغال ولُدها بالصغير، لتردف قائلة بحزم:
- فريدة خُدي بالك يابتي من وكله و غذيه كويس عشان ترچعله صحته وعافيته!!!
أومأت "فريدة" قائلة:
- متقلقيش يا ماما..
عرض "مازن" على والدته أن تجلس وتقضي اليوم معهم ولكنها أخبرته بوجود "ملاذ" بمفردها في القصر وأنها لا تستطيع تركها، وبعد أن ودعتهم ذاهبة، أخذت "فريدة" الصغيره تحمله بين ذراعيه قائلة بسعادة:
- أيه رأيك نتفرج على كارتون؟!!!
اومأ الصغير مصفقاً بحماس لينظر لهم "مازن" بإنزعاج متمتماً بخفوت:
- الأستاذ يزيد جه وهياخد كل أهتمامها، ماشي يا فريدة!!!
• • • •
جلست "هنا" مع "عمر" الذي أهملته في الفترة الأخيرة، تداعبه و تلعب مع بألعابه الطفولية، مما جعله يكاد يقفز فرحاً لعودة أمه لطبيعتها، بينما هي شردت للحظة مبتسمة وهي تتذكر البارحة، فـ هو لأول مرة يُعاملها بتلك الطريقة الحنونة، تعترف أنه بالطبع لم يكُن قاسي معها سابقاً، ولكنه دائماً ما كان بارد معها، لكن تلك المرة كان مختلفاً، كان معها عقلاً وجسداً، حتى ظنت أنه بالفعل يبادلها حُبها، ولكنها عادت مبتسمة بسُخرية فما تُفكر به لن يحدث، جُمدت أطرافها عندما ظنت أنه تعاطف معها لأعترافها بحُبها له بتلك السذاجة، لربما أشفق عليها لذلك كان يعاملها بذلك اللُطف، أغرورقت عيناها بالدموع ليهُزها "عمر" قائلاً بحُزن بدى على محياه:
- مامي؟!! بتعيطي ليه؟!!!
لم تجيبه لتجهش في بكاء قوي واضعة كفها على قلبها، مما جعل الصغير يلتاع قلبه ليحتضنها مربتاً على ظهرها بيداه الصغيرة، دلف "ريان" للغرفة بعد أن سمع بكائها عندما مرّ بالصدفة ذاهباً للشركة، فسقط قلبه أسفل قدميه عندما وجدها تُخفي وجهها بكفيها تبكي، أتجه نحوها ليجلس أمامها كالقرفصاء قائلاً بملامح قلِقة للغاية:
- بتعيطي ليه يا هنا!!!
أبتعد "عمر" عنها لينظر لأبيه بغضب قائلاً بحدة و هو لازال يربت على خصلاتها بحنان طفولي:
- أنتَ اللي سعلتها (زعلتها) يا بابي، مامي أصلاً بتعيط دايماً بسببك، و أنا مس (مش) بحبك خالص!!!!
صُدم "ريان" مما يقوله ولدُه الصغير، أهو لتلك الدرجة يُعذبها، لاحظ ذلك الطفل ذو الخمس سنوات ذلك و هو من كان لا يُبالي!!، أبعد "هنا" كفيها عن وجهها تنهَر طفلها بحدة:
- عمر متتكلمش مع بابي بالطريقة دي!!!
أجاب "عمر" متمرداً:
- بس هو مس بيحبك، وبيخليكي تعيطي دايماً يا مامي، أنا زعلان منه ومس هكلمه أبداً!!!!
قال و هو يكتف ذراعيه أمام صدره ليردف "ريان" بحنان قائلاً:
- عمر.. حبيبي ممكن تقعد برا تتفرج ع الكارتون وأنا هتكلم مع ماما شوية؟!!
أندفع الصغير محاوطاً عنق والدته قائلاً:
- لاء لو سيبتك معاها هتخليها تعيط!!!!
جذبه نحوه مقبلاً وجنتيه قائلاً بلُطف:
- لاء أوعدك مش هخليها تعيط أبداً!!!
أستغرق عدة ثواني يُفكر ثم حسم أمره قائلاً بغرور:
- موافق!!!
أبتسم الأخير و هو يراقب خروجه من الباب، ألتفت لها ثم أمسك كتفيها برقة ليجعلها تنهض قبالته، ترك كتفيها ليحاوط وجهها قائلاً بنبرة لطيفة:
- ممكن أعرف القمر دة بيعيط ليه؟!!!
نظرت له ببلاهة فاغرة شفتيها بصدمة شديدة، فركت أذنها علها تسمع جيداً فربما عقلها ما هيئ لها ما يقوله، لتردف قائلة بعدم أستيعاب:
- أنت قولت أيه؟!!!
ضحك "ريان" بقوة ليمسك بطرف ذقنها قائلاً بنبرة أقسمت أنها لأول مرة تسمعها منه:
- بذمتك العيون الحلوة دي تعيط؟!! وبعدين لحسن يكون كلام المفعوص اللي برا دة حقيقي وأنك بتعيطي بسببي!!!
خفق قلبها بعُنف حتى كادت أن تسقط مغشياً عليها، أرتجفت شفتيها لأنظاره المثبته عليها، لييمسح على خصلاتها ينادي عليها عندما إزداد صمتها بنبرة كادت أن تذيبها:
- هنا!!!!
رمشت بعيناها عدة مرات لتغمض عيناها مغمغمة برجاء:
- أسكت ياريان عشان هقع من طولي دلوقتي!!!!
وصلت ضحكاته للصغير بالخارج ليضمها له قائلاً و هو لازال مبتسماً:
- والله مجنونة!!!!
أبتعدت عنه تتلمس جبينه لتتأكد من حرارته قائلة بدهشة:
- طب م أنت مش سخن أهو، أومال مالك مش طبيعي؟!! مش ريان القديم اللي كانت حياته كلها زعيق!!!
قرّب خصرها منه بكلتا ذراعيه المفتولين يُردف أمام شفتيها:
- عندك حق، بفكر أرجع لشخصيتي القديمة!!!
- لاء أثبت على كدا عشان خاطري!!!
قالت مرتمية في أحضانه التي لطالما كانت ملجأ لها، ليضمها له مقبلاً عنقها يردف بإستفهام:
- بردو معرفتش كُنتي بتعيطي ليه!!!!!
- مش لازم تِعرف، أنتَ أحضُني كدا وأنا هبقى كويسة!!!
قالت وهي تشدد على خصره ليزداد هو من ضمه لها، يمسح على ظهره علواً وهبوطاً، شعرت "هنا" في تلك اللحظة أنها أسعد مخلوقة على وجه الأرض، بل ستُحلق في السماء فرحةً الأن، بينما كان يشعر هو أنه من بحاجة لذلك العناق ليست هي، فهي دائماً ما تذكرُه بنفسه بالماضي، كان يُعطي ببذخ، بدون مقابل وبدون أن ينتظر شئ من الطرف الآخر، وماذا كانت النتيجة، تحطم قلبه أسفل أقدام حبيبته، لتتركه غير عابئة بحياته التي ستدمر بفراقها له، ولكنه لن يفعل مع "هنا"، لن يسمح لأحد بمسّها بأذى، لهذا عندما أعترفت له بحبها البارحة، لم يكن بإمكانه سوى أن يُعطيها الحنان الذي حُرم منه من قبل، ولكنه لن يُحرمها منه، فـ هو لدية زوجة رائعة تفعل ما يسعده دائماً فماذا يريد أكثر من ذلك؟!!!
تنهد بقوة عابثاً في خصلاتها بحنان، ثم أبعدها عنه قائلاً بإبتسامة:
- مش عايزك تعيطي أبداً مرة تانية، و لو حسيتي أنك زعلانه ومضايقة قوليلي فوراً، بس أوعي مرة تانبة تحبسي نفسك أو تعيطي بعيد عني، فاهمة؟!!
أومأت سريعاً بإبتسامة شقت صغرها، ليُقبل جبينها قائلاً برقة:
- أنا هروح الشركة دلوقتي، بس مش هتأخر هرجع على طول!!!
- ماشي!!!
قالت وهي تضم كفيها لصدرها ليخرجا من الغرفة أمام "عمر" الذي وقف أمامهم مكتفاً ذراعيه قائلاً و هو ينظر لهم بشك، ثم أردف و هو يرمق أبيه بإتهام:
- صالحت مامي يا بابي!!!
أندفع "ريان" نحوه ليحمله قائلاً بنزق:
- صالحتها يا خويا، وبعدين أيه مامي وبابي دي مـ تسترجل كدا شوية!!!
شهقت "هنا" لتهرول نحوهم قائلة:
- ريان متوبظليش أخلاق الواد!!!
أخذ يهمس في أذن صغيره قائلاً بجدية وكأنها يتحدث مع شخصٍ بالغ:
- بُص أسمع كلامي أنا سيبك من امك!!! أنت تقول أمي و أبويا!!!
أومأ الصغير ظناً منه أنه يقول ما يتوجب عليه فعله حقاً، لتسمع "هنا" همهماته، وسريعاً ما وضعت كفيها على فمها تردف وهي تكاد تبكي:
- يا نهار أسود عليا!!!!
• • • •
جلست "ملاذ" وحيدة بالقصر سوى من العاملين به تنتظر "رقية" لتعود، فـ أمسكت بهاتفها مترددة عما ستقدم من فعله، نعم.. ستحادث "براءة" بعد تلك المدة ستحادثها، رغم تحذيرات "ظافر" لها ألا تتواصل أبداً معها، ولكنها شقيقتها بالنهاية، لا تملك سوى أن تحبها وإن كانت لا تبادلها هي، رنّ جرس الهاتف في أذنها ليخفق قلبها بعنف شديد، فُتِح الخط لتنتفض "ملاذ" واقفة على قدميها، تنتظر رداً منها، ليأتي صوتها باكياً مترجياً:
- ملاذ؟!!!
قطبت حاجبيها بهلعٍ عندما سمعت بحة البكاء في صوتها، لتردف بقلقٍ شديد:
- أنتِ بتعيطي يا براءة؟!! مالِك في حاجة حصلت؟!!!
أرتعش صوتها على الجهة الأخرى وهي تشهق متوسلة:
- سامحيني والنبي يا ملاذ، أنا أسفة والله على كل حاجة عملتها فيكي!!!!
أنقبض قلبها لتشعر بشعورٍ لم تعرِفُه من قبل، جلست على الأريكة خلفها لتردف بحنو:
- أنا مسامحاكي على كل حاجة والله بس قوليلي فيكي أيه!!!
لم تصدق الأخيرة ما قالته لتردف بذهول:
- مسامحاني بجد؟!! لما كلمت ظافر قالي متصلش بيكي أبداً وان عمرك مـ هتسامحيني!!!!
صُدمت "ملاذ" مما هتفت به للتو، لتسترسل رافعة حاجبيها:
- هو ظافر كلمك أمتى؟! مقاليش أنه كلمك أصلاً!!!!
صمتت "براءة" ثواني، لتردف بعدها بحزن:
- أنا أسفة أني أتكلمت معاه، بس والله لما كنت بتصل بيكي كان هو بيبقى جنب الفون و بيرُد، هي كانت مرة واحدة وقالي اني مكلمكيش مرة تانية لأنك مش عايزة ترُدي عليا!!!!
غرزت اسنانها بشفتيها بغيظ لتنظر أمامها بغلٍ، قائلة بهدوء عكس ما يختلج صدرها:
- طيب يا حبيبتي، أنا هجيلك بكرة أطمن عليكي وأعرف أخبارك، سلميلي ع دادة فتحية!!!!
أنهت المكالمة معها لتضع الهاتف جانباً تُفرك رأسها تكاد أن تجن، أخذت هاتفها مجدداً ثم ضغطت على الأتصال برقمٍ مجهول، وضعته على أذنها ليصل لها صوت رجل، أردفت بنبرة جدية و حاسمة:
- محمد أنا راجعة الشركة اللي أهملتها دي، وكل حاجة هترجع زي مـ كانت!!!
• • • •
جلس "مازن" يُراقبهما بغيظ، يحسد ذلك الفتى على علاقته بحبيبته، فهو جالساً على قدميها يشاهدان أحد الرسوم المتحركة بينما هو ينظر لهم بغلٍ، ليقترب منهما ملصتقا بها قائلاً يحاول لفت أنتباهها:
- فريدة أنا نازل؟!!!
أومأت برأسها موافقة وكأنها لم تسمعه مشيرة على التلفاز للصغير، ليتأفف ثم نهض ملقياً أحد الوسادات في الأرض، يذهب نحو غرفته ثم أغلق الباب بقوة، ليجلس على الفراش واضعاً الحاسوب على قدمه يحاول أن ينشغل به، و بالفعل جلس ما يقارب الساعة يدير أشغاله عبره، نظر للساعة ليضيق عيناه كالصقر بغضب حقيقي، فهي لم تكُن تتركة طيلة هذه المدة بل لم تكن تتركه وحيداً من الأساس!!!
حك رقبته وقد فاض الغضب به، لينهض واقفاً وراء الباب ثم وضع يده على قلبه يسعل بقوة وهو يعلم أن تلك هي الطريقة الوحيدة التي ستجعلها تركض له!!!
وبالفعل بعد ثواني كانت تهرول نحو الغرفة تاركة "يزيد" النائم، لتدلف فوجدته جالساً على الفراش يسعل بقوة، سكبت المياه له ثم ربتت على كتفه لتجعله يرتشف من الكوب ثم وضعته جانباً لتلتفت له منثنية نحوه قائلة بهلعٍ:
- أنت كويس؟!!
أومأ يبتسم داخلياً، ليقول بنبرة ذات مغزى:
- فين يزيد؟!!!
قالت وهي تجلس جواره:
- نام عشان تعبان..
أومأ بمكرٍ ثم جذب رسغها نحوه قائلاً بخبث:
- مصلحة!!!
أطلقت ضحكة عالية لتقترب منه قائلة بلؤم:
- لا والله؟!!
طُرق باب الشقة بعنفوان، لتنتفض "فريدة" قائلة وهي تقطب حاجبيها:
- مين بيخبط بالطريقة دي يامازن؟!!!
أبعدها "مازن" لينهض عائداً بخصلاته للوراء في حركة عفوية مسترسلاً:
- خليكي أنا هشوف!!!
خرج لبهو الشقة ليفتح الباب، فوجد آخر شخص يتوفع وجوده الأن يدلف بهوجاء قائلاً:
- هي فين، فريدة فين!!!!
خرجت "فريدة" من الغرفة بخطوات بطيئة وصوته زعزع كيانها، لتنهمر الدموع من عيناها وهي تتجه لهم تتحدث بصدمة:
- بابا؟!!!!!
ألتفت أبيها لها لتُظلم معالم وجهه، كاد أن يقترب منها و عيناه لا تبشر بالخير، ولكن وقف "مازن" أمامه يهدر بصوتٍ عالي:
- أنت فاكر نفسك رايح فين!!!! متتحركش خطوة زيادة عشان هتندم!!!!
أبتعد برهبة ليعود موجهاً أنظاره النارية نحو أبنته، وكأن الرحمة نُزعت من قلبه، ولكن رُغم ذلك أقتربت منه "فريدة" قائلة وجسدها بأكمله يرتجف شوقاً:
- وحشتني أوي يا بابا!!!!
ألتفت لها "مازن" بذهول لما تفوهت به للتو، ولكنه فضّل الصمت، لتربتك معالم الآخير مشيحاً بوجهه جانباً، ليُفاجأ بـ "يزيد" نائم على الأريكة مما جعله يبتسم بخبث ليركض داخل البيت في لمح البصر حاملاً "يزيد" بين ذراعيه، ركض "مازن" خلفه مزمجراً ليقع قلب "فريدة" من شدة الخوف على أخيها هرولت نحوه تتوسل أبيها وهب تحاول نزع "يزيد" منه:
- بابا سيب يزيد أنت بتعمل أيه!!! عشان خاطري يا بابا سيبه حرام عليك دة نايم!!
صرخ "مازن" به بصوته الجهوري:
- سيبه و إلا و رب الكعبة هنسى أنك أبوها وراجل كبير وهقِل منك!!!!
- مش هسيبه دة أبني، عايزينه يبقى هتدوني فلوسه!!!!!
جحظت عيناها ولم تستطيع التفوه بحرفٍ يُعبر عن ذهولها من أبٍ كهذا لا يستحق لقبُه، لتندفع نحوه ممسكة بتلابيبه صارخة بقوة:
- أنت أيه!!! دة اللي عملك أب ظلمك، بِعتني قبل كدا وقبضت تمني، وسامحتك في الآخر زي الهبلة، بس الطفل الصغير دة ذنبه أيه؟!!! بتساومنا بيه ليه!!!! أنا بكرهك!!! سيبنا في حالنا بقا عايز مننا أيه!!!!!
أقترب منها "مازن" ليجذبها بين ذراعيه يُدفن رأسها بصدره الصلب، فتشبثت هي بكنزته تردف برجاءٍ:
- مازن خليه يمشي مش عايزة أشوفوه!!!!عشان خاطري!!!!
قالت وهي ترفع رأسها له ليقبل جبينها مثبتاً انظاره له بتوعدٍ لأنه جعلها بتلك الحالة!!!
فوضع هو "يزيد" الذي أخذ يتقلب بإنزعاج وكأن أحضانه كالنيران جانباً، ثم ألتفت لهم لينكس رأسه يسير تجاه الشقة، ألقى نظرة أخيره على أبنته وكأنها الوداع، ليغلق الباب خلفه، وفور فِعلته أنهارت هي أرضاً و هي لازالت بأحضانه، رئتيها ترفض دخول الهواء مما جعلها تشهق بعنف تحتضنه بقوة تقول في بكاء شديد:
- مازن متسيبنيش أنا ماليش غيرك دلوقتي!!!!
ضمها له بحنان قائلاً و هو يُزيل دمعاتها:
- دة أنا أسيب الدنيا كلها و مسيبكيش!!!!
تشبثت بملابسه لترفع رأسها له و أنامله الدافئة تمر على وجنتيها، وكفٍ آخر صغير مر على خصلاتها قائلاً بصوت ناعس:
- بتعيطي ليه يا ديدا؟!!!
ألتفتت لصغيرها لتضمه لأحضانها مقبلة كامل وجهه بحنان ولا تصدق أنها كانت ستفقده، لتمسح على خصلاته قائلة برفق:
- حبيبي أنت محسيتش بأي حاجة؟!
نفى الصغير لها ليضمهما "مازن" بين ذراعيه يحاول تغيير مجرى الحديث قائلاً:
- عايز بقا أوديكوا مكان هتحبوه أوي!!!!
لم تجيبه لتتركهم دالفة غرفتها.
• • • •
وقفت في المطبخ تُعِد الطعام بصعوبة ليديها الملفوفتان بالشاش، فهي على تلك الحالة منذ يومان تحاول ولكنها تفشل في عمل أي شئ، لينتهي بها الحال تطلب من الخارج، ولكن هو يأكل في الشركة بعيداً عنها، تنهدت بحزن ثم أمسكت السكين والطماطم، ولكن لم تستطيع قطعها أبداً، حاولت مراراً وتكراراً حتى شعرت بنغزات قاتلة بهما، و أخذا ينبضا بعنف مما جعلها تشهق بألمٍ شديد لتخرج لبهو الشقة جالسة على الأريكة، نظرت للشاش الذي تلطخ لونه بالأحمر، أدمعت عيناها بقلة حيلة ثم بكت لشدة الألم، تاركة قطرات الدماء تسقط على الأرضية، جلست هكذا لدقائق وشهقات بكائها تصل له بالداخل، فخرج من غرفته وقلبه ينتفض لمعرفة ما الذي يحدث معها، أندفعت الدماء في أوردته عندما رآها بتلك الحالة ليتجه نحوها جالساً أمامها ليمسك كفيها قائلاً بنبرة ظهر بها القلق جلياً و إن حاول إخفاءه:
- أيه اللي حصل؟!!!
نظرت له بعيناه الدامعتان قائلة كالطفلة التي أذنبت:
- كنت بحاول أقطع الخضار بالسكينة ومعرفتش، حاولت كذا مرة لحد م الجرح أتفتح، بس بيوجعني أوي يا باسل!!!!
نهض ليجعلها تنهض ممسكاً كتفيها، ثم قال برفق:
- طيب تعالي نروح المستشفى!!!
أخذها بالفعل بالسيارة لأقرب مشفى في قسم الطوارئ، ثم فحصتها الطبيبة لتُغير لُفافة الشاش لها ليجلس هو جوارها يراقب تعبيرات وجهها المتألمة، ثم أخبرته الطبيبة بضرورة تعقيم الجرح يومياً و شرحت له كيف يحدث ذلك..
سارا في الممر لتستوقفه "رهف" قائلة بتردد وهي تنظر لكفيها:
- ممكن أطلب منك طلب!!!
ألتفت لها بجمودٍ ليومأ لها، لتردف بتردد:
- عايزة أعرف نوع البيبي، و الدكتورة هنا في المستشفى، لو مش عايز تيجي أمشي أنت و أنا هبقى أجي في تاكسي!!!!
رفع كلتا حاجبيه بسُخرية قائلاً بنظرات كالصقر:
- لا والله؟!! يعني عايزاني أتحرم من أني أعرف نوع أبني زي مـ حرمتيني من أني أعرف أصلاً أنه في بطنك؟!!
نكست رأسها بندم ثم همهمت :
- مش قصدي والله..!!
مرّ جوارها عائداً لداخل المشفى يقول ببرود:
- يلا!!!!
سارت جواره لتذهب لغرفة الطبيبة التي تُتابع معها، ثم دلفت ملقية السلام عليها، لتجلس فوراً على المقعد الجلدي مستلقية، ليقف جوارها يتطلع للشاشة الصغيره بأعين فضحت شوقه لرؤية نُطفته، وبالفعل بعد أن دهنت الطبيبة بيديها على بطنها ب جل لزِج، لينتفض جسده عندما ظهرت قطعة صغيرة على الشاشة، وكان شعور "رهف" نفس الشئ، لتردف الطبيبة قائلة بإبتسامة:
- مبروك يا حبيبتي الجنين بنت.. شايفاها؟!!!
أومأت "رهف" بلهفة مبتسمة بشدة، لتنظر إلى "باسل" فبادلها إبتسامة فرِحة أيضاً، لتنهض بعد أن عدّلت ملابسها لتردف الطبيبة:
- صحتها كويسة بس لازم تاكلي كويس وهكتبلك شوية ڤيتامينات تاخديهم..
خرجا من عند الطبيبة بعد أن شكرتها والفرحة لا تسِعها، لتلتفت له قائلة بسعادة:
- أنا فرحت أوي إنها بنت يا باسل!!!
لم يريد تعكير مزاجها ليردف بإبتسامة غُصب على رسمها فوق ثغره:
- وأنا كمان..!!!
أكملا ممر المشفى ليركبا السيارة ثم أنطلقا بها..!!
أغلق باب الشقة خلفه ليطالع الظلام الكاحل بالشقة، سار بخطواتٍ واهنة نحو غرفتهم، حاملاً ثقلٍ على عاتقيه لا يزيحهما سواها، ولأنها لم تخرج من غرفتهم ما يُقارب اليومان ولا يراها تقريباً سوى مرتان باليوم أصبح مشوشاً وكأنه تائه لا يعلم طريقه، جلس على الأريكة بذلك الظلام الموّحش واضعاً رأسه بين كفيه منحنياً للأمام، لا تفعل شئ سوى أنها تخرج من غرفتهم وتُعد الطعام لهم ثم تدلف مرة أخرى معتكفة على الفراش، ولا يفهم سبب ما يحدث، عندما ينام جوارها يسمع أحياناً همهمات بكائها معتقدة أنه غفى ولن يسمعها، لا تعلم أنه لا ينام بالأساس وهي بتلك الحالة، ولأنه "ريان" متبلد القلب لا يسألها عما يضايقها، لا يتحدث معها معتقداً أنها ستعود لطبيعتها قريباً، فهو يعلم طبيعة النساء الحزن والكآبة تغلب عليهم دائماً، ولكن اليوم عندما لم تأكل شئ أزداد قلقه عليها، حتى "عمر" لم تتحدث معه سوى القليل، وعند تلك النقطة نفذ صبره حقاً، لينهض ملقياً ببذلته بعنف على الأرضية، أقتحم الغرفة ليجدها مظلمة كالعادة، أشعل الأنوار ليجدها كما هي نائمة على الفراش لا يظهر منها شئ، أقترب منها ولم تُخفي عليه رعشة جسدها، ليزداد غضبة أضعافاً، فهي تظنه أبله لا يعلم أنها مستيقظة، أمسك بطرف الغطاء ليجذبه ملقياً به على للأرض و هو يصرخ بصوتٍ جهوري زلزل الجدران:
- قومي وكلميني!!!!
نظر لجسدها الضئيل والمتكور كالجنين، أهدابها التي ترتجف بخوفٍ وجفونها المسبلة تتحرك بتوتر لم تستطيع السيطرة عليه، ليزمجر بعنف ثم أمسك رسغها ليجعلها تنهض يبصق كلماته في وجهها بحدة:
- عمّال بقول سببها براحتها يمكن زعلانه من حاجة ومش عايزة تقول، دلع بنات و هيروح، بشوفك بالعافية ولما برجع من الشغل بتعملي نفسك نايمة عشان متتكلميش معايا، وبعد م تحِسي أني نمت بتعيطي وفاكراني مش هسمعك، أنتِ عايزة أيه يا هنا؟! بلاش تهربي زي الأطفال وقوليلي عايزة أيه!!!!
أمتلئت عيناها بالدموع عندما صرخ بوجهها في آخر جملته و قسوة كلماته تجسدت على هيئة خنجر غُرز بمنتصف قلبها، و عند كل كلمة تخرج من ثغره كان يهز جسدها بعنف ضاغطاً بقسوة على كتفيها، صدرت شهقات خافته منها تُنذر ببكاء حارق ستبكيه الأن، وهي التي كانت تعتقد أنه سيكون رئيفاً بها و سيسألها بهدوء عما يؤرقها، ولكن ليس زوجها من يفعل هذا أبداً، بالطبع لن يتخلى عن غروره ويسألها عما يُحزنها، أرتخى جسدها رويداً وهي تبكي بحرقة ورأسها متدلية تنظر للأرض التي لم تضح رؤيتها بسبب عيناها المبللة بالدموع، بينما أرخى هو قبضتيه عن كتفيها و بكائها جعله يتمنى لو أن يأخذ حزنها بأكمله ويضعه بقلبه هو، هو يعلم أنها لن تقول ما يُضايقها، فـ "هنا" لا تستطيع أن تعبر عما بداخلها أبداً، عيناها تفيض بالحنان والحب ولكنها لا تعترف، و هو الأن يرى حزناً ليس له مثيل داخل حدقتيها، أغمض عيناه يحاول تهدأة نفسه حتى لا يتهور، يقنع نفسه بأنها لن تقول شئ بصراخه عليه، بجب أن يتمهل ويتعامل معها كـ صغيره "عمر" عندما يحزن، حاوط كتفيها برقة ليضمها له ملصقاها به يربت على خصلاتها قائلاً بصوتٍ هادئ يعاكس ما حدث قبل دقيقتين، لتستند هي برأسها على صدره مغمضة عيناها وقد بدأت شهقاتها بالإنخفاض تدريجياً للمساته الحانية، لتسمعه يهمس بصوتٍ مُحمل بالقلق:
- قوليلي أيه اللي مزعلك طيب وانا هحل الموضوع!!!!
أبتعدت عنه لتفرك عيناها قائلة بصوتٍ خافت:
- مافيش حاجة أنا كويسة..!!!
تجاهل ما قالته ليقترب منها قائلاً بهدوء:
- عملتي حاجة غلط وخايفة تقوليلي عليها؟!!!
نفت برأسها ببراءة، ليقول مخمناً:
- خايفة من الحرامي اللي دخل؟!!، متقلقيش انا ببحث ف الموضوع وهجيبه!!!!
نفت أيضاً قائلة بهدوء:
- مش عشان كدا!!!
حاوط وجهها يرفعه له لعله يفهم من عيناها سبب حزنهاولكن عندما لم يرى شئ سوى الدموع هتف بنبرة مُرهقة:
- أومال في أيه..؟!!!
أسترسلت بصوتٍ مبحوح أثر البكاء وهي تنظر لعيناه:
- أنت يا ريان مش بيفرق معاك أصلاً إذا كنت أنا زعلانه ولا لاء، بدليل أن بقالي يومين قاعدة في الأوضة ومفكرتش تيجي تقولي مالِك، ولسة فاكر النهاردة تسألني وكمان جاي تزعق!!!، أنا بجد تعبت منك ومبقتش عايزة أتعامل معاك أصلاً، لأني كل مـ بشوفك قلبي بيوجعني أكتر، وأنا قلبي أكتفى من الوجع خلاص!!!!
صُدم لحديثها ليُبعد يداه عنها وقد عاد لحالة البرود كما كان سابقاً، ليومأ لها قائلاً:
- للدرجة دي أنا بوجعك؟، طب ومستحملة ليه يا هنا، أيه اللي يجبرك تتحملي تعيشي معايا!!!
صرخت به بقوة محركة يداها في الهواء:
- عشان أنا غبية وبحبك، عشان مش هقدر أعيش من غيرك، رغم كل اللي بتعمله معايا وبردو مش عارفة أكرهك، أرتحت؟!!!!!
جمدت تعابير وجهه تماماً، لا يعلم تحديداً بما يشعر، قلبه يلعن نفسه لأنه لا يستطيع أن يبادلها مشاعرها، و بنفس الوقت فرِحاً بإعترافها، فهو يعلم أنها تعشقه عشقاً، يعلم أنها ستفعل أي شئ في سبيل إرضاءه، ولكنها تعترف له علانيةً أنها تعشقه، مما جعل أبتسامة لا يعلم سببها تظهر على ثغره، لتستشيط هي غضباً تلعن غباءها لتبعده من كتفه تستلقى على الفراش تخفي جسدها ووجها بالغطاء ففعل هو بالمثل لا يستطيع إزاحة أبتسامته عن وجهه، ليجذبها نحوه واضعاً ذراعه أسفل كتفيها ثم مد كفه يحاول إزاحة الغطاء عن وجهها لكي تستطيع التنفس ولكنها كانت ممسكة به بشدة، لتصدح ضحكاته الرجولية بالغرفة قائلاً:
- يا هبلة هتتخنقي!!!!
أستطاع أخيراً إبعاده عن وجهها ليتأمله مبعداً خصلاتها عن وجهها مقرباً وجهه من وجهها حتى أصبح لا يبعدهما سوى بعض الإنشات القليلة، تصاعدت الحُمرة لوجهها عندما ألصق شفتيه بثغرها في قبلة بطيئة، تعالت نبضات قلبها عندما أبتعد عنها لتغمص عيناها تغمغم بخفوت شديد:
- ريان..
دفن أنفه بعنقها يستنسق عبير رائحتها يهمهم، يطبع عدة قبلات عليه جعلتها ممسكة بياقة قميصه تعلن أستسلامها له للمرة الألف..!!!!
• • ••
وقفت أمام باب غرفته لا تعلم أتدلف أم تتراجع، ولكن ما تعلمه أنها ستجعله يسامحها بأي طريقة، وبالفعل دلفت ببطئ لتجد الغرفة مظلمة، لتلمحه نائم على الأريكة واضعاً ذراعه على عيناه كالعادة، فتحت الأنوار لتقترب منه ببطئٍ حذِر، كم أشتاقت له و لصوته، أشتاقت لمزاحه معها، لضحكاته، ثمانية وأربعون ساعة و وعشرة دقائق لم يُخاطبها بكلمة واحدة، و ليشهد الله أنه لم ينظر لها حتى، آهات قلبها المكتومة أمامه تُخرجها في وسادتها ليلاً، ولكن كفى، ستخرج مكنونات قلبها وتُعري روحها أمامه عله يلين قليلاً لتبعد ذراعيه بكفيها ثم وضعتها على معدته، أمتدت أناملها تسير على وجنتيه برقة مما جعله يهمهم مستمتعاً بلمساتها، ضحكت في خفوت عندما شعرت بتأثيرها عليه، لتنثنى عليه بوجهها هامسة بدلال :
- باسل..
لم يعي "باسل" وجودها جواره وأعتقد أنه ينعم بحلمٍ جميل لن يتحقق بالواقع، ولكن تلك الدغدغات التي تسير على وجهه يشعر بها وليست بحلمٍ أبداً، فتح عيناه بذعرٍ لينتفض مزيحاً ذراعها ينهض واثباً يصرخ بها بحدة:
- أيه اللي جابك هنا؟!!!!
نهضت "رهف" قائلة بتوتر :
- كنت جاية أطمن عليك بس والله!!!!
توحشت عيناه ليقترب منها ممسكاً بكتفيها بعنف مردفاً:
- أحسنلك متظهريش قدامي، متحتكيش بيا أصلاً عشان صدقيني هتندمي!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع التي لهبت وجنتيها، نظرت داخل عيناه لربما تجد أي لمحة عشق ولكن لم تجد سوى قسوة لن تستطيع محوها، غمغمت في همسٍ:
- باسل متعملش كدا!!!
ضغط أكثر على كتفيها قائلاً بقسوة:
- أنا لسة معملتش حاجة!!!!
أستكمل بنبرة متوعدة:
- هدوقك من نفس الكاس، وهحرمك من أبنك العمر كله!!!!
كورت كفيها لتضربه في صدره بحدة صارخة بعنف أم مهددة بحرمان صغيرها منها، لتبرز عروقها من شدة الغضب:
- وأنا مش هسمحلك تعمل كدا، دة أبني ومحدش هياخده مني!!!!
أنفلتت أعصابه ليجذب خصلاتها بعنف لا يأبي لصراخها، جذبها معه خارج الغرفة ثم تركها أمام الباب مزمجراً بصوتٍ كاد يهُز الجدران:
- مش عايز أشوف وشك أبداً، شهور حملك هستحملهم بالطول وبالعرض وبعدها هاخد أبني و أسافر، مش هسمح لأم أنانية زيك تربي أبني الوحيد!!!!
عجز لسانها عن النطق، وكأنه رُبط بمكابلٍ من حديد، لتعود بعد دقائق تجأر بحدة ضاربة الباب الذي صفع بوجهها بكلتا كفيها، ليخرج من جوفها صوتٍ قوي ولكن مهزوز:
- مش هسمحلك تعمل كدا، مش هتاخد أبني مني يا باسل غير على جثتي!!!!
• • • •
قفزت "فريدة" على الفراش تنكز جسده قائلة بملل ستبكي منه:
- يا مازن قوم بقا حرام عليك كل دة نوم، انا قاعدة برا لوحدي!!!
فرك الأخير عيناه لينهص نصف جالسة وهو يضع كفيه على مقلتيه يُبعد الضوء المزعج،قائلاً بصوتٍ مستحشرج:
- الساعة كام؟!!!
- 5 الفجر!!!!
قالت وهي تنظر له ببراءة لتتوسع عيناه بصدمة، ليجذبها من كنزتها قائلاً بغلٍ:
- و مصحياني خمسة الفجر أبيع لبن و لا ايه!!!!
حاولت إبعاد أنامله الغليظة قائلة بتأفف:
- يا مازن سيبني، انا مش عارفة انام والله و عايزاك تقوم تسهر معايا!!! يزيد جاي بكرة مع طنط رقية وهو اللي كان دايماً بيسهر معايا!!!
ترك كنزتها ليحاوط كتفيها جاذبها نحوه ليجعلها تستلقى جواره ملصقاها بجسده وذقنه أعلى رأسها مغمضاً عيناه بنعاس حقيقي:
- نامي ونسهر بكرة مع يزيد!!!!
تلوت بجسدها تحاول الأبتعاد عنه ولكنه كان مقيداً لها بإحكام، تأففت بقنوط لترفع أنظارها.متأمله وجهه المرتخي، ليبتسم مقبلاً جبينها هو لازال مغمضاً عيناه، يربت على خصلاتها قائلاً بنعاس:
- ربنا يهديكي ياحبيبتي..!!!
نظرت له بغيظ لتزم شفتيها بطفولية ثم دفنت وجهها في صدره مغمضة عيناها، مستسلمة لكفه الذي يسير على خصلاتها بتناغمٍ، ولم تشعر بنفسها سوى غفُوها في أحضانه، بين ذراعيه، و أذنها تسترق السمع لنبضات قلبه..!!!
• • ••
جالسة على الأريكة تضم ركبتيها لصدرها، لم يزورها النوم وهو بعيداً عنها، فمنذ أن أخبرته بالحقيقة ذهب ولم يعود، وهي تعلم أنه عند قمة غضبه.. يبتعد، لأبعد نقطة لكي لا يؤذي أحد بطوفان مقته، أدمعت عيناها وهي تتخيل ماذا يفعل الأن بمفردُه وحيداً، و هل ستخمد نيران قلبه عندما يعود، أم ستزداد إشتعالاً وتحرِق الأخضر واليابس!!!!
"ظافر" ليس كأي رجل قابلته هي في حياتها، هو يختلف كُلياً، يختلف لدرجة أنها أصبحت لا تتوقع ردة فعله تجاه أي موقف يُقابله، وذلك ما يُقلقها، لتعود بذاكرتها عندما أجابته على كامل أسئلته..
أشتعلت النيران بعيناه وهو يتلقى إجابتها التي كانت كالجمر يجثو على صدره، ليجعله يصرخ ألماً دون صوت!!!
أخذ نفساً عميق وحاول أن يكُن مُتحضراً حتى لا يندم عما سيفعله، ولكن التحضر لا يندمج مع "ظافر" ذو الشخصية المندفعة والهوجاء، لينهض من على الفراش ثم أشعل لُفافة تبغه ينفث بها غضبه، قائلاً وكفيه يرتعشا من شدة الغضب المُبطِن:
- كمِلي!!!!!!
رُغم أنه لم يقُل سوى كلمة واحدة، ولكنها كانت كافية لتجعل جسدها يرتجف رعباً، نهضت من على الفراس واثبة أمامه مرتدية قميصه الأبيض، لتردف وصدرها يعلو ويهبط توتراً:
- هو كان بيحبني جداً، وأتقدملي، و أنا وافقت، مش عارفة ليه وافقت وقتها بس لما شوفت في عيونه أنه بيحبني بالطريقة دي وافقت، كان ساعتها على أد حاله مكنش معاه فلوس كتير، وانا بردو كنت صغيرة وكنت بنت عادية، الكلام دة لما كان عندي 18 سنة، ولما كبرت شوية وبقيت مصممة أزياء كبيرة إلى حدٍ ما بالنسبة لسني الصغير، بقيت بتكبر عليه وبعامله بطريقة وحشة جداً عشان يمشي وسيبني، بس هو كان مستحملني، لحد مـ أنا اللي قولتله اننا لازم نسيب بعض، وسافرت باريس وسيبته، وعرفت بعد كدا أنه عمل حادثة بعد سفري بساعات، ساعتها ضميري وجعني أوي وكنت بفكر ارجعله عشان عارفة أنه بيحبني، بس مرجعتش وكنت بقول أنه هينساني أكيد، وبعدها بحوالي شهرين عرفت أنه أتجوز، وكنت عارفة أنه بيحاول ينساني بواحدة تانية، عدت سنين كتير لغاية لما قابلته هو وأبنه ف عملية مازن، حسيت أني أد أيه كنت زبالة زمان يا ظافر، وكنت أنانية جداً، مش بفكر غير في نفسي، والله دة اللي حصل ومش بكدب عليك في حاجة!!!
أنهت حديثها جالسة على الفراش تبكي بحُرقة، لا تريد أن تنظر لمِحياه تُخفي وجهها بكفيها!!!
ملامحه غير المقروءة، و فكه النابض و كأن كل خلية بجسده تصرخ أعتراضاً عما تتفوه به، ضغط على السيجار بيده ولم يشعر بألمٍ، ف ألم روحه أضعاف، تمنى لو أن يذهب ويحطم وجه ذلك الـ "ريان"، صارخاً به كيف يُفكر بحبيبته، كيف كان سيتزوجها وكانت ستصبح ملكه هو!!، فقد أعصابه عندما وصل تفكيره لهُنا، ليجأر بحدة ثم ضرب بقدمه الكومود ليسقط أرضاً ويسقط ما كان عليه، أخفت رأسها بفزعٍ وهي تبكي ظناً منه أن سيتطاول بيده عليها، ولكنها سمعت الباب يُغلق حتى أقسمت أنه كاد أن ينشطر نصفين!!!!
عادت "ملاذ" من ذكرياتها على باب الجناح الذي فُتح ببطئٍ، أنتفضت واقفة تطالع هيئته، بدايةً من خصلاته المشعثة وعيناه المرهقة، و بذلته التي تدلت من كتفه بفعل يده، أغرورقت عيناها بالدموع قائلة بنبرة تُفطر القلب:
- ظافر، أنت كويس!!!
لم يُجيبها ليدلف لغرفتهم بصمت ثم دلف للمرحاض بعد أن أخذ بنطال لينام به، لتجلس هي مجدداً على الأريكة دافنة وجهها في ظهرها ذو القماش الجلدي تضم قدميها لصدرها، أنتظرت كثيراً حتى خرج ثم ألقى جسده على الفراش ليسود الصمت عدا أنين بكائها الخافت، تقلّب "ظافر" في الفراش يعلم أنه لن ينام إن كانت تبكي، و لن تنسدل جفونه إن لم تكُن بين ذراعيه، نهضت وكأنها قرأت ما يُفكر به، لتنام جواره ثم حاوطت خصره من الخلف، ليغمض عيناه بشدة يحاول عدم الألتفات لها وضمها، ولكن إزداد الأمر صعوبة عندما همست بصوتٍ باكي:
- قولتلي قبل كدا مهما حصل بينا منامش غير و أنا في حضنك!!!
ظل مغمضاً عيناه يطلب من ربه الثبات، فتلك النبرة مع بكاءها و ذراعيها المحاوطان جزعه ستفقده عقله لا محال، تنهدت هي بحزن لتُغمض عيناها فنامت فوراً، و عندما تأكد من إنتظام أنفاسها ألتفت بحذرٍ، ليضمها لصدره يلعن الحب بداخله، فـ قوة الحب تتغلب على الكبرياء والغرور دائماً، و هو دليلٌ حي لذلك، مسح بأنامله الدمعات العالقة على وجنتيها ليقبلهما، لتندفع هي دون وعي داخل أحضانه ضامة ذراعيها أمام صدره، و عند تلك اللحظة فقط غفت غابات الزيتون، و أسدل الليل الحالك ستائره، بعد أن شهِد على أجمل قصص الحب بأنواعها!!!!
• • • •
أستفاقت "ملاذ" لتجد نفسها وحيدة في الفراش، نظرت جوارها ولكن لم تجده، نهضت نصف جالسة لتنظر لساعة الحائط فوجدتها تشير للعاشرة، بالتأكيد هو في شركته الأن، طُرق باب الجناح فجأة لتنهض ثم أتجهت نحوه، أدارت المقبض لتفتحه فوجدت "رقية" تقول في مرِحها المعتاد:
- صباح الخير يا بنتي!!!
أبتسمت "ملاذ" ببهوت قائلة:
- صباح النور يا ماما، هو ظافر راح الشركة صح؟
أومأت "رقية" قائلة بجدية:
- صُح، نزل الصبح و كان مستعچل حتى جولتله يفطر بس مارضاش..
تنهدت "ملاذ" و هي تفرك أصابعها بعيون قلقه، لتستكمل "رقية" قائلة:
- يلا يابنتي چهزي حالك عشان نفطر سوا، چواد و ملك جاعدين معانا تحت بس هيمشوا على طول!!!
- ماشي هلبس حاجة بس وهاجي!!!!
نزلت "رقية" للأسفل بعد أن أستعجلتها، لترتدي "ملاذ" إسدال للصلاة عندما علمت بوجود "جواد"، ثم نزِلت للأسفل معهم، جلست على مقعدها جوار "يزيد" ثم أخذت تُطعمه كالعادة منذ ذهاب "فريدة" حتى لا يحزن، ولكنها لم تأكل بل ظلت تعبث بالملعقة شاردة لتنظر لها "ملك" قائلة بقلق:
- مش بتاكلي ليه يا ملاذ، وشكلك تعبان في حاجة حصلت؟!!!!
رفعت "ملاذ" أنظارها لها لتبتسم قائلة:
- مافيش حاجة يا لوكا أنا بس حاسة أني تعبانة شوية!!!
أومأت الأخيرة بعدم أقتناع، لينهض "جواد" بعد أن أخذ بذلته قائلاً لـ "ملك" بجدية:
- يلا يا ملك عشان أروّحك البيت عندنا وبعدين هروح الشركة..
نظرت له بدهشة، لتردف بعدها بثواني برجاء:
- لاء أنا عايزة أقعد مع ماما والنبي يا جواد!!! أنا حتى لسة مشوفتش مازن وكنت عايزة أروحله عشان وُحشني
مسح على وجهه بكفيه بغصب، لتعترض والدتها التي قالت سريعاً حتى لا تشتعل الأمور بينهم:
- كفاياكي دلع عاد يا ملك، جومي روّحي مع جوزك، زمان حماتك مستنياكي وانتِ من ساعة عملية مازن مروحتوش عنديها، وأنا هروح أزوره و معايا الوكل زي كل يوم، و يوم تاني هنروح كلنا نجضي اليوم عندهم!!!
أومأت "ملك" بحزن وهي تعلم أن أمها محقة بما تقول، لتنهض بعد ان ودّعتهم، لتذهب معه خارج القصر، وداخلها لا يريد الذهاب، فرغم والدته التي لم تُسئ لها بكلمة يوماً، ولكن كره"ياسمين" الغير مبرر لها ما يقلقها، جلست جواره بسيارته لتشعل مُشغل الموسيقى على أغنية لفيروز تعشقها، أخذت تدندن معها بينما هو مبتسماً علي جنونها، وصلا لقصره بعد وقتٍ طويل لتُفتح بوابة القصر ليصتطفها جانباً، ثم ترجل من السيارة نازعاً نظارته الشمسية، جلست هي بخوفٍ لا تريد النزول، ليلتفت لها بغرابة قائلاً بوقاحة:
- هعزم على سيادتك ولا أيه؟!!!
إزدردت ريقها لتترجل ببطئٍ ثم أمسكت ذراعه قائلة وهي تنظر للصقر من الخارج:
- جواد أنت ليه جبت القصر دة؟!! شبه اللي بيطلعوا في أفلام الرعب والله، أنت أيوا مرعب وأنا ساعات بخاف منك بس ذوقك بيرعبني!!!!!
صدحت ضحكاته الرجولية ليخرج من جيبه مفتاح القصر ثم دسه به، دلفا ليجدوا "ياسمين" جالسة أمام التلفاز، لتنتفص سريعاً راكضة نحو أخيها تتشبث بعنقه قائلة بإشتياق حقيقي:
- وحشتني أوي يا جواد، كنت فين كل دة حرام عليك!!!
ربت على ظهرها بحنان بكفٍ والأخر ظل ممسكاً بـ "ملك" التي حاولت الأبتعاد لترك مساحة من الحرية لهم، ولكنه لم يتركها..
- أنتِ كمان يا ياسمين وحشتيني أكتر، بس أنتِ عارفة اللي حصل مع مازن أخو ملك عشان كدا كنت بطمن عليكوا بالفون بس..
أبتعدت عنه "ياسمين" لترمق "ملك" بإزدراء لم يُلاحظه "جواد"، لتقول سريعاً وهي تركض للداخل:
- هروح أنده ماما!!!
ألتفت "جواد" ممسكاً بكتفيّ "ملك" قائلاً بحنان:
- حبيبتي أنا هسلم على أمي و همشي عشان عندي شغل كتير، لو أي حاجة حصلت كلميني ومتخافيش، أنا مش هتأخر هرجع على طول وأنتِ اقعدي مع أمي أو نامي زي م تحِبي، تمام؟!!
أومأت "ملك" بإبتسامة تحاول طمئنته:
- حاضر يا حبيبي، متقلقش عليا!!!
ضمها لصدره مقبلاً رأسهأ قائلاً بمزاح:
- أيوا أنا عارف أني متجوز راجل!!!
ضربته على صدره توبخه متذمرة، قائلة بحزن زائف:
- يعني أنا راجل ف نظرك يا جواد؟!!
أبعدها عنه قائلاً بإبتسامة عاشقة:
- أسكتي يا هبلة، دة أنتِ ست البنات!!!
ضحكت "ملك بشقاوة لتأتي "إيناس" والدته التي أرتمت في أحضانه تضمه لها بشوق، تردف بعتابٍ شديد:
- حرام عليك يا جواد والله تسيبنا كل دة من غير حتى مـ أشوفك و أطمن عليك!!!
أبتسم "جواد" قائلاً:
- في أيه يا جماعة دول هما يومين تلاته، هو أنا كنت في العراق، وبعدين يا أمي كلنا كنا خايفين على مازن ومكنش ينفع أسيب ملك لوحدها..
أبتعدت عنها لتنظر لـ "ملك" التي أبتسمت لها، ولكنها تلقتها في أحضانها قائلة وهي تربت على ظهرها:
- حبيبتي يابنتي والله أنتِ كمان وحشتيني زي جواد بالظبط..
هتفت بسعادة وهي تبادلها عناقها:
- والله حضرتك أكتر!!!
أبعدتها عنها قائلة بقلقٍ:
- أخوكي بقى كويس صح؟!!!
اومأت "ملك"سريعاً تحمد ربُها، لينظر "جواد" في ساعته قائلاً بجدية:
- أنا اتأخرت اوي، أمي أنا مش هتأخر معلش خلي بالك من ملك..
- في عنيا يا ضنايا...
قالت "إيناس" ليذهب "جواد" بعد أن ودًعهم، فجلسا ثلاثتهم ونظرات "ياسمين" الحاقده تنغُزها، فقررت "ملك" الصعود لغرفتها لكي لا تحتك بها، لتستأذن "إيناس" تقول لها بكلامٍ لبِق:
- معلش ياماما أنا هطلع بس أخد شاور و أغير هدومي وهنزل أقعد مع حضرتك..
اومأت الأخيرة قائلة:
- أكيد يا حبيبتي أطلعي!!!
وفي ثوانِ كانت "ملك" بجناحهم، لتدلف للحمام لكي تستحم.. وبعد دقائق خرجت منه تلُف جسدها بمنشفة طويلة، جففت خصلاتها ثم جلست تُمشطها، لترتدي منامة مريحة ثم أطلقت خصلاتها للعنان، لتنزل لهم فوجدت "إيناس بالمطبخ "وياسمين" جالسة أمام التلفاز، حمحمت بإحراج لتجلس جوارها فهذا هو الوقت لفض الخلاف بينهما لم تعيرها "ياسمين " إهتمام ممسكة بجهاز التحكم، أخذت "ملك" نفساً عميقاً ثم قالت برفق:
- ممكن أعرف أنتِ بتكرهيني أوي كدا ليه!!!
لم تنظر لها وكأنها لم تتحدث أبداً، لتكمل قائلة بحزن:
- من وأحنا صغيرين وأنتِ مش بتحبيني، لما كنت باجي هنا و أنا طفلة كنتي بتضربيني وتروحي تعيطي لجواد وتقوليله أن أنا اللي ضربتك، وساعات جواد كان بيزعقلي مع أن مليش ذنب في حاجة، بس وقتها كنا أطفال مش فاهمين حاجة، بس ليه دلوقتي بتعامليني كدا؟!!!
أنتفضت "ياسمين" كمن لدغتها أفعى ملتفتة لها تلقي بجهاز التحكم أرضاً تقول بغل:
- عايزة تعرفي بكرهك ليه؟!!!، عشان دايماً جواد بيفضلك عني وبيعاملك أحسن، من وأحنا أطفال وأنا بحس أنه بيحبك أكتر مني، ولما كبرنا و أتجوزتوا كرهتك أكتر، أنتِ كابوس بالنسبالي مش عارفة أخلص منه!!!!
قطبت حاجبيها بألمٍ لتردف بصوتٍ خافت:
- للدرجة دي!!!!
نهضت واثبة بحقدٍ صارخة بها:
- و أكتر يا ملك، لو لسة عندك دم ياريت تمشي من حياتنا، أطلعي من حياة أخويا وسيبينا في حالنا بقا!!!
برقت عيناها بالدموع لتنهض واقفة أمامها قائلة بصوتٍ مهزوز:
- صدقيني يا ياسمين جواد بيحبك جداً، و أنا أصلاً مستحيل هفرق بينكوا لأنك أخته، هو ممكن كان بيهتم بيا وأنا صغيرة أكتر منك شوية عشان أنا كان دايماً بابا بيزعقلي وساعات كتير بيضربني، فهو كان حنين عليا زي مـ كان ظافر وباسل ومازن بيعملوا معايا، بس أنتِ باباكي الله يرحمه كان بيحبكوا جداً ومش بيعمل فيكوا حاجة وحشة كان بيدلعك جداً، عشان كدا هو كان بيهتم بيا زيادة بس والله هو في الحقيقة بيحبك أنتِ جداً!!!
ضمت ذراعيها لصدرها مقتربة منها عدة خطوات، لتقول بنظرات متقززة:
- بلاش تمثلي دور الطيبة البريئة دة عليا، عشان أنا عارفاكي كويس، و بردو هتبعدي عن أخويا يا ملك، هخليه يكرهك وميطقش يبُص في وشك!!!!
جائت "إيناس" على صوتهم لتستمع لجملة أبنتها مما جعلها تضرب صدرها صارخة:
- يالهوي!!! أيه يا ياسمين اللي بتقوليه دة، وصوتك عالي ليه؟!!! تعالي يا ملك يابنتي أقعدي معايا في المطبخ!!!
أنهمرت الدموع على وجنتيها لتذهب معها تصارع رغبة شديدة في البكاء، دلفا للمطبخ لتجلسها "إيناس" على المقعد مربتة على خصلاتها قائلة بأسفٍ:
- متزعليش منها يا حبيبتي والله ياسمين طيبة هي بس بتحب أخوها بزيادة شوية، وملكيش دعوة بكلامها محدش هيقدر يعملك حاجة وأنا معاكي!!!
بكت بقوة لحنان كلماتها مردفة بصوتٍ مبحوح:
- لو وجودي مضايقها أوي كدا هقنع جواد أني أقعد عند ماما لحد مـ تهدى، أنا مبحبش حد يبقى كارهني مش بعرف أستحمل!!!! وصدقيني أنا مش زعلانه منها هي بردو عندها حق، وأنا هحاول أحسن علاقتها بجواد و أخليه يهتم بيها أكتر من كدا!!!
ضمتها "إيناس" بقوة قائلة متعجبة من مدى طيبة تلك الفتاة:
- ربنا يكرمك يابنتي ويديكي على أد نيتك، متتعبيش نفسك يا حبيبتي ومتفكريش في الحاجات الوحشة دي، أطلعي نامي شوية وأرتاحي!!!
حركت رأسة موافقة على كلماتها فهي بالفعل تحتاج للراحة، أستأذنت منها ثم خرجت لبهو القصر فوجدتها خالية من "ياسمين"، صعدت الدرج ناحية الجناح لتدلف مغلقة الباب، دلفت للغرفة لتستلقى على الفراش بتعب، أخذت تراجع كلمات "ياسمين" متذكرة ما حدث عندما كانت صغيرة، فهي بالفعل كانت تحظي بإهتمامٍ كبير من "جواد"، فـ في أحد الأيام عندما جاء لهم "جواد محملاً بكيس كبير من الحلويات فور أن أخبره "ظافر" أنها تجلس بغرفتها حزينة ترفص أن تأكل أو تشرب شئ، ولا يومجد من يُقنعها سواه، صعد لها ليدلف للغرفة فوجدها بالفعل نائمة على فراش تضُم عروستها لها، دموعها كحبات اللؤلؤ متناثرة على وجنتيها، جلس جوارها ليربت على خصلاتها الناعمة قائلاً بحنان:
- ملك، ملوكة، قومي يلا جايبلك حلويات كتير..
نهضت الصغيرة تفرك عيناها، ليمد أنامله يُزيل دمعاتها ولكنه لاحظ إحدى وجنتيها شديدة الإحمرار، فسقط قلبه أرضاً قائلاً بقلقٍ :
- خدِك أحمر كدة ليه!!!!
تلمس وجنتيها لتنتفض الصغيرة صارخة بألمٍ ثم أجهشت بالبكاء، واضعة كفها الصغير للغاية على وجنتها الملتهبة، ثم تفاجأ بها تلقي بنفسها بين أحضانه قائلة ببكاءٍ:
- جواد هو أنا طفلة وحسة (وحشة) ومس بسمع الكلام؟!!
قطب حاجبيه ليحاوط جسدها الصغير قائلاً:
- مين قال كدا يا حبيبتي، ومين اللي ضربك!! قوليلي!!!
- بابي ضربني وظافر زعقله جامد!!!
قالت ببراءة وهب تبتعد عنه، لتتجمد ملامحه يسُب ذلك الرجل في نفسه، ثم مسح على وجهه يتمنى لو أن كان أمامه الأن وكان سيحطم وجهه من شدة الضرب الذي سيتلقاه منه، نظر للصغيرها ليضع كفه على وجنتها الحمراء وقلبه يتمزق عليها، فبحق الخالق أب رجل عديم القلب هو ليصفع طفله لم يتجاوز عُمرها العشر سنوات!!! كيف طاوعه قلبه ليمُد يداه علي ص
غيرته، مسح على خصلاتها بحنان يُغدقها به، قائلاً برفق:
- متزعليش يا ملك، لو بتحبيني كفاية عياط...
اومأت هي بطفولية، ليردف مقبلاً كفها الصغير:
- قوليلي دلوقتي على أي حاجة وأنا هعملهالك؟!!
أخذت تُفكر واصعة أصبعها في شفتيها تنظر للسقف، ثم قالت سريعاً بفرحةٍ:
- خليك قاعد معانا النهاردة..!!!
- دة أنا هقعد معاكي أنتِ وظافر ونجيب فيلم حلو وناكل فشار وشوكولاته كمان!!!!
- هيييي!!!!!
صرخت الطفلة بحماس تحاوط عنقه بذراعيها الصغيرتان ليضحك هو ثم بدأ بدغتغتها في معدتها لتصدح صوت ضحكاتها بالقصر بأكمله مما جعل من به يندهشون لتأثير "جواد" عليها!!!!
ابتسمت "ملك" عِند تلك الذكرى لتنتفض من فوق الفراش باحثة عن هاتفها، بعد أن وجدته ضغطت عل أسمه لتضعه على أذنها، أجابها أخيراً بصوته الذي يزعزع شتاتها ويبعث الطمأنينة في قلبها، يقول بنبرة قلِقة:
- حاجة حصلت يا ملك؟!!
نفت سريعاً قائلة:
- لاء مافيش حاجة، أنا كنت بكلمك بس عشان آآآ...
هتف مستغرباً:
- عشان أيه؟!!!
- عشان أقولك أني بحبك أوي يا جواد!!!!
هتفت بنبرة شبه باكية وهي تجلس على الفراش، و هب تعلم أنه مبتسماً الأن، وما أكد لها نبرته السعيدة و هو يقول:
- و أنا بموت فيكي يا قلب جواد!!!!
بكت "ملك" بقوة ليضحك هو عليها قائلاً:
- بتعيطي ليه دلوقتي بذمتك!!!!
شهقت بصوتٍ متقطع وجسدها ينتفض كل ثانية لشدة بكائها مما جعله ينتفض من فوق مكتبه قائلاً بحنان:
- طب أهدي يا حبيبتي كفاية عياط، أجيلك طيب؟!!
هتفت وهي تمسح دموعها قائلة بصوتٍ متقطع:
- لاء .. خليك، أنا بس أفتكرت حاجة كدا هي اللي خليتني أكلمك، أنت أحن واحد شُفته في حياتي، ربنا يخليك ليا!!!
أبتسم "جواد" ليردف بلُطفٍ ونبرة فريدة:
- وأنتِ أطيب و أرق واحدة شوفتها، بس متعيطيش لحسن والله هرمي اللي في إيدي وأجيلك ويلعن أبو الشغل في الأرض!!!!
ضحكت "ملك" قائلة سريعاً:
- لاء خلاص مش هعيط أهو، بُص أنا هنام دلوقتي ولما تيجي تصحيني ماشي؟!!
- تمام، أيوا صحيح ياسمين مقالتلكيش حاجة ضايقتك؟!!
أسرعت قائلة بتوتر:
- لاء أنا أصلاً خدت شاور و قولت لماما إيناس
إني هنام شوية!!!
ردد بعدم أقتناع:
- ماشي يا حبيبتي، نامي وأنا مش هتأخر..
- حاضر!!!
غمغمت لتغلق معه، ثم أستلقت على الفراش تنام براحة شديدة!!!
• • • •
- يعني أيه نسافر يا مازن، أنا مش عايزة أمشي من هنا!!!
قالت "فريدة" بحزن ليردف هو محاولاً إقناعها برفق:
- ياحبيبتي هو أحنا هنقعد عمرنا كُله هناك، أنا شغلي كله هناك يا فريدة وفي حاجات متعطلة كتير ولازم أروح أظبط الدنيا!!!
زمت شفتيها قائلة:
- طب ويزيد؟!!!
- هييجي معانا طبعاً دة وحشني جداً الواد دة!!!
أسترسل و هو يضمها له لتومأ هي قائلة:
- ماشي يا مازن بس نرجع ع طول!!!
قبّل جبينها ثم مسح على خصلاته، ليسمعا طرقات الباب فنهضت "فريدة" لكي تفتح قائلة بحماس:
- دي أكيد ماما رقية!!!
اومأ لينهض يتبعها، فتحت الباب ليصرخ "يزيد" الصغير وهو يرتمي في أحضان شقيقته:
- ديــدا!!!
تعالت ضحكاتهما و هي تضمه لها بإشتياق شديد مقبلة كل أنحاء وجهه مما جعل "مازن" ينظر لهم بغيره ولكنه لم يظهر لهم، لتندفع "رقية" نحوه تحتضنه بقلق:
- حبيبي يابني، أتوحشتك جوي يا مازن!!!
أبتسم "مازن" قائلاً وهو يضمها:
- وحشتك أيه بس يا حاجة هو أنتِ بتسيبيني يوم من غير مـ تيجي تطمني عليا!!!
- حتى لو بردو بتوحشني!!
أردفت وهي تبتعد عنه ليمد "يزيد" ذراعيه نحو "مازن":
- وحستني أوي يا عمو مازن!!!
حمله "مازن" يعبث بخصلاته قائلاً بحنان:
- أنت كمان يا يزيد وحشتني أوي!!!
أخذت "رقية" "فريدة" بعيداً مستغلة إنشغال ولُدها بالصغير، لتردف قائلة بحزم:
- فريدة خُدي بالك يابتي من وكله و غذيه كويس عشان ترچعله صحته وعافيته!!!
أومأت "فريدة" قائلة:
- متقلقيش يا ماما..
عرض "مازن" على والدته أن تجلس وتقضي اليوم معهم ولكنها أخبرته بوجود "ملاذ" بمفردها في القصر وأنها لا تستطيع تركها، وبعد أن ودعتهم ذاهبة، أخذت "فريدة" الصغيره تحمله بين ذراعيه قائلة بسعادة:
- أيه رأيك نتفرج على كارتون؟!!!
اومأ الصغير مصفقاً بحماس لينظر لهم "مازن" بإنزعاج متمتماً بخفوت:
- الأستاذ يزيد جه وهياخد كل أهتمامها، ماشي يا فريدة!!!
• • • •
جلست "هنا" مع "عمر" الذي أهملته في الفترة الأخيرة، تداعبه و تلعب مع بألعابه الطفولية، مما جعله يكاد يقفز فرحاً لعودة أمه لطبيعتها، بينما هي شردت للحظة مبتسمة وهي تتذكر البارحة، فـ هو لأول مرة يُعاملها بتلك الطريقة الحنونة، تعترف أنه بالطبع لم يكُن قاسي معها سابقاً، ولكنه دائماً ما كان بارد معها، لكن تلك المرة كان مختلفاً، كان معها عقلاً وجسداً، حتى ظنت أنه بالفعل يبادلها حُبها، ولكنها عادت مبتسمة بسُخرية فما تُفكر به لن يحدث، جُمدت أطرافها عندما ظنت أنه تعاطف معها لأعترافها بحُبها له بتلك السذاجة، لربما أشفق عليها لذلك كان يعاملها بذلك اللُطف، أغرورقت عيناها بالدموع ليهُزها "عمر" قائلاً بحُزن بدى على محياه:
- مامي؟!! بتعيطي ليه؟!!!
لم تجيبه لتجهش في بكاء قوي واضعة كفها على قلبها، مما جعل الصغير يلتاع قلبه ليحتضنها مربتاً على ظهرها بيداه الصغيرة، دلف "ريان" للغرفة بعد أن سمع بكائها عندما مرّ بالصدفة ذاهباً للشركة، فسقط قلبه أسفل قدميه عندما وجدها تُخفي وجهها بكفيها تبكي، أتجه نحوها ليجلس أمامها كالقرفصاء قائلاً بملامح قلِقة للغاية:
- بتعيطي ليه يا هنا!!!
أبتعد "عمر" عنها لينظر لأبيه بغضب قائلاً بحدة و هو لازال يربت على خصلاتها بحنان طفولي:
- أنتَ اللي سعلتها (زعلتها) يا بابي، مامي أصلاً بتعيط دايماً بسببك، و أنا مس (مش) بحبك خالص!!!!
صُدم "ريان" مما يقوله ولدُه الصغير، أهو لتلك الدرجة يُعذبها، لاحظ ذلك الطفل ذو الخمس سنوات ذلك و هو من كان لا يُبالي!!، أبعد "هنا" كفيها عن وجهها تنهَر طفلها بحدة:
- عمر متتكلمش مع بابي بالطريقة دي!!!
أجاب "عمر" متمرداً:
- بس هو مس بيحبك، وبيخليكي تعيطي دايماً يا مامي، أنا زعلان منه ومس هكلمه أبداً!!!!
قال و هو يكتف ذراعيه أمام صدره ليردف "ريان" بحنان قائلاً:
- عمر.. حبيبي ممكن تقعد برا تتفرج ع الكارتون وأنا هتكلم مع ماما شوية؟!!
أندفع الصغير محاوطاً عنق والدته قائلاً:
- لاء لو سيبتك معاها هتخليها تعيط!!!!
جذبه نحوه مقبلاً وجنتيه قائلاً بلُطف:
- لاء أوعدك مش هخليها تعيط أبداً!!!
أستغرق عدة ثواني يُفكر ثم حسم أمره قائلاً بغرور:
- موافق!!!
أبتسم الأخير و هو يراقب خروجه من الباب، ألتفت لها ثم أمسك كتفيها برقة ليجعلها تنهض قبالته، ترك كتفيها ليحاوط وجهها قائلاً بنبرة لطيفة:
- ممكن أعرف القمر دة بيعيط ليه؟!!!
نظرت له ببلاهة فاغرة شفتيها بصدمة شديدة، فركت أذنها علها تسمع جيداً فربما عقلها ما هيئ لها ما يقوله، لتردف قائلة بعدم أستيعاب:
- أنت قولت أيه؟!!!
ضحك "ريان" بقوة ليمسك بطرف ذقنها قائلاً بنبرة أقسمت أنها لأول مرة تسمعها منه:
- بذمتك العيون الحلوة دي تعيط؟!! وبعدين لحسن يكون كلام المفعوص اللي برا دة حقيقي وأنك بتعيطي بسببي!!!
خفق قلبها بعُنف حتى كادت أن تسقط مغشياً عليها، أرتجفت شفتيها لأنظاره المثبته عليها، لييمسح على خصلاتها ينادي عليها عندما إزداد صمتها بنبرة كادت أن تذيبها:
- هنا!!!!
رمشت بعيناها عدة مرات لتغمض عيناها مغمغمة برجاء:
- أسكت ياريان عشان هقع من طولي دلوقتي!!!!
وصلت ضحكاته للصغير بالخارج ليضمها له قائلاً و هو لازال مبتسماً:
- والله مجنونة!!!!
أبتعدت عنه تتلمس جبينه لتتأكد من حرارته قائلة بدهشة:
- طب م أنت مش سخن أهو، أومال مالك مش طبيعي؟!! مش ريان القديم اللي كانت حياته كلها زعيق!!!
قرّب خصرها منه بكلتا ذراعيه المفتولين يُردف أمام شفتيها:
- عندك حق، بفكر أرجع لشخصيتي القديمة!!!
- لاء أثبت على كدا عشان خاطري!!!
قالت مرتمية في أحضانه التي لطالما كانت ملجأ لها، ليضمها له مقبلاً عنقها يردف بإستفهام:
- بردو معرفتش كُنتي بتعيطي ليه!!!!!
- مش لازم تِعرف، أنتَ أحضُني كدا وأنا هبقى كويسة!!!
قالت وهي تشدد على خصره ليزداد هو من ضمه لها، يمسح على ظهره علواً وهبوطاً، شعرت "هنا" في تلك اللحظة أنها أسعد مخلوقة على وجه الأرض، بل ستُحلق في السماء فرحةً الأن، بينما كان يشعر هو أنه من بحاجة لذلك العناق ليست هي، فهي دائماً ما تذكرُه بنفسه بالماضي، كان يُعطي ببذخ، بدون مقابل وبدون أن ينتظر شئ من الطرف الآخر، وماذا كانت النتيجة، تحطم قلبه أسفل أقدام حبيبته، لتتركه غير عابئة بحياته التي ستدمر بفراقها له، ولكنه لن يفعل مع "هنا"، لن يسمح لأحد بمسّها بأذى، لهذا عندما أعترفت له بحبها البارحة، لم يكن بإمكانه سوى أن يُعطيها الحنان الذي حُرم منه من قبل، ولكنه لن يُحرمها منه، فـ هو لدية زوجة رائعة تفعل ما يسعده دائماً فماذا يريد أكثر من ذلك؟!!!
تنهد بقوة عابثاً في خصلاتها بحنان، ثم أبعدها عنه قائلاً بإبتسامة:
- مش عايزك تعيطي أبداً مرة تانية، و لو حسيتي أنك زعلانه ومضايقة قوليلي فوراً، بس أوعي مرة تانبة تحبسي نفسك أو تعيطي بعيد عني، فاهمة؟!!
أومأت سريعاً بإبتسامة شقت صغرها، ليُقبل جبينها قائلاً برقة:
- أنا هروح الشركة دلوقتي، بس مش هتأخر هرجع على طول!!!
- ماشي!!!
قالت وهي تضم كفيها لصدرها ليخرجا من الغرفة أمام "عمر" الذي وقف أمامهم مكتفاً ذراعيه قائلاً و هو ينظر لهم بشك، ثم أردف و هو يرمق أبيه بإتهام:
- صالحت مامي يا بابي!!!
أندفع "ريان" نحوه ليحمله قائلاً بنزق:
- صالحتها يا خويا، وبعدين أيه مامي وبابي دي مـ تسترجل كدا شوية!!!
شهقت "هنا" لتهرول نحوهم قائلة:
- ريان متوبظليش أخلاق الواد!!!
أخذ يهمس في أذن صغيره قائلاً بجدية وكأنها يتحدث مع شخصٍ بالغ:
- بُص أسمع كلامي أنا سيبك من امك!!! أنت تقول أمي و أبويا!!!
أومأ الصغير ظناً منه أنه يقول ما يتوجب عليه فعله حقاً، لتسمع "هنا" همهماته، وسريعاً ما وضعت كفيها على فمها تردف وهي تكاد تبكي:
- يا نهار أسود عليا!!!!
• • • •
جلست "ملاذ" وحيدة بالقصر سوى من العاملين به تنتظر "رقية" لتعود، فـ أمسكت بهاتفها مترددة عما ستقدم من فعله، نعم.. ستحادث "براءة" بعد تلك المدة ستحادثها، رغم تحذيرات "ظافر" لها ألا تتواصل أبداً معها، ولكنها شقيقتها بالنهاية، لا تملك سوى أن تحبها وإن كانت لا تبادلها هي، رنّ جرس الهاتف في أذنها ليخفق قلبها بعنف شديد، فُتِح الخط لتنتفض "ملاذ" واقفة على قدميها، تنتظر رداً منها، ليأتي صوتها باكياً مترجياً:
- ملاذ؟!!!
قطبت حاجبيها بهلعٍ عندما سمعت بحة البكاء في صوتها، لتردف بقلقٍ شديد:
- أنتِ بتعيطي يا براءة؟!! مالِك في حاجة حصلت؟!!!
أرتعش صوتها على الجهة الأخرى وهي تشهق متوسلة:
- سامحيني والنبي يا ملاذ، أنا أسفة والله على كل حاجة عملتها فيكي!!!!
أنقبض قلبها لتشعر بشعورٍ لم تعرِفُه من قبل، جلست على الأريكة خلفها لتردف بحنو:
- أنا مسامحاكي على كل حاجة والله بس قوليلي فيكي أيه!!!
لم تصدق الأخيرة ما قالته لتردف بذهول:
- مسامحاني بجد؟!! لما كلمت ظافر قالي متصلش بيكي أبداً وان عمرك مـ هتسامحيني!!!!
صُدمت "ملاذ" مما هتفت به للتو، لتسترسل رافعة حاجبيها:
- هو ظافر كلمك أمتى؟! مقاليش أنه كلمك أصلاً!!!!
صمتت "براءة" ثواني، لتردف بعدها بحزن:
- أنا أسفة أني أتكلمت معاه، بس والله لما كنت بتصل بيكي كان هو بيبقى جنب الفون و بيرُد، هي كانت مرة واحدة وقالي اني مكلمكيش مرة تانية لأنك مش عايزة ترُدي عليا!!!!
غرزت اسنانها بشفتيها بغيظ لتنظر أمامها بغلٍ، قائلة بهدوء عكس ما يختلج صدرها:
- طيب يا حبيبتي، أنا هجيلك بكرة أطمن عليكي وأعرف أخبارك، سلميلي ع دادة فتحية!!!!
أنهت المكالمة معها لتضع الهاتف جانباً تُفرك رأسها تكاد أن تجن، أخذت هاتفها مجدداً ثم ضغطت على الأتصال برقمٍ مجهول، وضعته على أذنها ليصل لها صوت رجل، أردفت بنبرة جدية و حاسمة:
- محمد أنا راجعة الشركة اللي أهملتها دي، وكل حاجة هترجع زي مـ كانت!!!
• • • •
جلس "مازن" يُراقبهما بغيظ، يحسد ذلك الفتى على علاقته بحبيبته، فهو جالساً على قدميها يشاهدان أحد الرسوم المتحركة بينما هو ينظر لهم بغلٍ، ليقترب منهما ملصتقا بها قائلاً يحاول لفت أنتباهها:
- فريدة أنا نازل؟!!!
أومأت برأسها موافقة وكأنها لم تسمعه مشيرة على التلفاز للصغير، ليتأفف ثم نهض ملقياً أحد الوسادات في الأرض، يذهب نحو غرفته ثم أغلق الباب بقوة، ليجلس على الفراش واضعاً الحاسوب على قدمه يحاول أن ينشغل به، و بالفعل جلس ما يقارب الساعة يدير أشغاله عبره، نظر للساعة ليضيق عيناه كالصقر بغضب حقيقي، فهي لم تكُن تتركة طيلة هذه المدة بل لم تكن تتركه وحيداً من الأساس!!!
حك رقبته وقد فاض الغضب به، لينهض واقفاً وراء الباب ثم وضع يده على قلبه يسعل بقوة وهو يعلم أن تلك هي الطريقة الوحيدة التي ستجعلها تركض له!!!
وبالفعل بعد ثواني كانت تهرول نحو الغرفة تاركة "يزيد" النائم، لتدلف فوجدته جالساً على الفراش يسعل بقوة، سكبت المياه له ثم ربتت على كتفه لتجعله يرتشف من الكوب ثم وضعته جانباً لتلتفت له منثنية نحوه قائلة بهلعٍ:
- أنت كويس؟!!
أومأ يبتسم داخلياً، ليقول بنبرة ذات مغزى:
- فين يزيد؟!!!
قالت وهي تجلس جواره:
- نام عشان تعبان..
أومأ بمكرٍ ثم جذب رسغها نحوه قائلاً بخبث:
- مصلحة!!!
أطلقت ضحكة عالية لتقترب منه قائلة بلؤم:
- لا والله؟!!
طُرق باب الشقة بعنفوان، لتنتفض "فريدة" قائلة وهي تقطب حاجبيها:
- مين بيخبط بالطريقة دي يامازن؟!!!
أبعدها "مازن" لينهض عائداً بخصلاته للوراء في حركة عفوية مسترسلاً:
- خليكي أنا هشوف!!!
خرج لبهو الشقة ليفتح الباب، فوجد آخر شخص يتوفع وجوده الأن يدلف بهوجاء قائلاً:
- هي فين، فريدة فين!!!!
خرجت "فريدة" من الغرفة بخطوات بطيئة وصوته زعزع كيانها، لتنهمر الدموع من عيناها وهي تتجه لهم تتحدث بصدمة:
- بابا؟!!!!!
ألتفت أبيها لها لتُظلم معالم وجهه، كاد أن يقترب منها و عيناه لا تبشر بالخير، ولكن وقف "مازن" أمامه يهدر بصوتٍ عالي:
- أنت فاكر نفسك رايح فين!!!! متتحركش خطوة زيادة عشان هتندم!!!!
أبتعد برهبة ليعود موجهاً أنظاره النارية نحو أبنته، وكأن الرحمة نُزعت من قلبه، ولكن رُغم ذلك أقتربت منه "فريدة" قائلة وجسدها بأكمله يرتجف شوقاً:
- وحشتني أوي يا بابا!!!!
ألتفت لها "مازن" بذهول لما تفوهت به للتو، ولكنه فضّل الصمت، لتربتك معالم الآخير مشيحاً بوجهه جانباً، ليُفاجأ بـ "يزيد" نائم على الأريكة مما جعله يبتسم بخبث ليركض داخل البيت في لمح البصر حاملاً "يزيد" بين ذراعيه، ركض "مازن" خلفه مزمجراً ليقع قلب "فريدة" من شدة الخوف على أخيها هرولت نحوه تتوسل أبيها وهب تحاول نزع "يزيد" منه:
- بابا سيب يزيد أنت بتعمل أيه!!! عشان خاطري يا بابا سيبه حرام عليك دة نايم!!
صرخ "مازن" به بصوته الجهوري:
- سيبه و إلا و رب الكعبة هنسى أنك أبوها وراجل كبير وهقِل منك!!!!
- مش هسيبه دة أبني، عايزينه يبقى هتدوني فلوسه!!!!!
جحظت عيناها ولم تستطيع التفوه بحرفٍ يُعبر عن ذهولها من أبٍ كهذا لا يستحق لقبُه، لتندفع نحوه ممسكة بتلابيبه صارخة بقوة:
- أنت أيه!!! دة اللي عملك أب ظلمك، بِعتني قبل كدا وقبضت تمني، وسامحتك في الآخر زي الهبلة، بس الطفل الصغير دة ذنبه أيه؟!!! بتساومنا بيه ليه!!!! أنا بكرهك!!! سيبنا في حالنا بقا عايز مننا أيه!!!!!
أقترب منها "مازن" ليجذبها بين ذراعيه يُدفن رأسها بصدره الصلب، فتشبثت هي بكنزته تردف برجاءٍ:
- مازن خليه يمشي مش عايزة أشوفوه!!!!عشان خاطري!!!!
قالت وهي ترفع رأسها له ليقبل جبينها مثبتاً انظاره له بتوعدٍ لأنه جعلها بتلك الحالة!!!
فوضع هو "يزيد" الذي أخذ يتقلب بإنزعاج وكأن أحضانه كالنيران جانباً، ثم ألتفت لهم لينكس رأسه يسير تجاه الشقة، ألقى نظرة أخيره على أبنته وكأنها الوداع، ليغلق الباب خلفه، وفور فِعلته أنهارت هي أرضاً و هي لازالت بأحضانه، رئتيها ترفض دخول الهواء مما جعلها تشهق بعنف تحتضنه بقوة تقول في بكاء شديد:
- مازن متسيبنيش أنا ماليش غيرك دلوقتي!!!!
ضمها له بحنان قائلاً و هو يُزيل دمعاتها:
- دة أنا أسيب الدنيا كلها و مسيبكيش!!!!
تشبثت بملابسه لترفع رأسها له و أنامله الدافئة تمر على وجنتيها، وكفٍ آخر صغير مر على خصلاتها قائلاً بصوت ناعس:
- بتعيطي ليه يا ديدا؟!!!
ألتفتت لصغيرها لتضمه لأحضانها مقبلة كامل وجهه بحنان ولا تصدق أنها كانت ستفقده، لتمسح على خصلاته قائلة برفق:
- حبيبي أنت محسيتش بأي حاجة؟!
نفى الصغير لها ليضمهما "مازن" بين ذراعيه يحاول تغيير مجرى الحديث قائلاً:
- عايز بقا أوديكوا مكان هتحبوه أوي!!!!
لم تجيبه لتتركهم دالفة غرفتها.
• • • •
وقفت في المطبخ تُعِد الطعام بصعوبة ليديها الملفوفتان بالشاش، فهي على تلك الحالة منذ يومان تحاول ولكنها تفشل في عمل أي شئ، لينتهي بها الحال تطلب من الخارج، ولكن هو يأكل في الشركة بعيداً عنها، تنهدت بحزن ثم أمسكت السكين والطماطم، ولكن لم تستطيع قطعها أبداً، حاولت مراراً وتكراراً حتى شعرت بنغزات قاتلة بهما، و أخذا ينبضا بعنف مما جعلها تشهق بألمٍ شديد لتخرج لبهو الشقة جالسة على الأريكة، نظرت للشاش الذي تلطخ لونه بالأحمر، أدمعت عيناها بقلة حيلة ثم بكت لشدة الألم، تاركة قطرات الدماء تسقط على الأرضية، جلست هكذا لدقائق وشهقات بكائها تصل له بالداخل، فخرج من غرفته وقلبه ينتفض لمعرفة ما الذي يحدث معها، أندفعت الدماء في أوردته عندما رآها بتلك الحالة ليتجه نحوها جالساً أمامها ليمسك كفيها قائلاً بنبرة ظهر بها القلق جلياً و إن حاول إخفاءه:
- أيه اللي حصل؟!!!
نظرت له بعيناه الدامعتان قائلة كالطفلة التي أذنبت:
- كنت بحاول أقطع الخضار بالسكينة ومعرفتش، حاولت كذا مرة لحد م الجرح أتفتح، بس بيوجعني أوي يا باسل!!!!
نهض ليجعلها تنهض ممسكاً كتفيها، ثم قال برفق:
- طيب تعالي نروح المستشفى!!!
أخذها بالفعل بالسيارة لأقرب مشفى في قسم الطوارئ، ثم فحصتها الطبيبة لتُغير لُفافة الشاش لها ليجلس هو جوارها يراقب تعبيرات وجهها المتألمة، ثم أخبرته الطبيبة بضرورة تعقيم الجرح يومياً و شرحت له كيف يحدث ذلك..
سارا في الممر لتستوقفه "رهف" قائلة بتردد وهي تنظر لكفيها:
- ممكن أطلب منك طلب!!!
ألتفت لها بجمودٍ ليومأ لها، لتردف بتردد:
- عايزة أعرف نوع البيبي، و الدكتورة هنا في المستشفى، لو مش عايز تيجي أمشي أنت و أنا هبقى أجي في تاكسي!!!!
رفع كلتا حاجبيه بسُخرية قائلاً بنظرات كالصقر:
- لا والله؟!! يعني عايزاني أتحرم من أني أعرف نوع أبني زي مـ حرمتيني من أني أعرف أصلاً أنه في بطنك؟!!
نكست رأسها بندم ثم همهمت :
- مش قصدي والله..!!
مرّ جوارها عائداً لداخل المشفى يقول ببرود:
- يلا!!!!
سارت جواره لتذهب لغرفة الطبيبة التي تُتابع معها، ثم دلفت ملقية السلام عليها، لتجلس فوراً على المقعد الجلدي مستلقية، ليقف جوارها يتطلع للشاشة الصغيره بأعين فضحت شوقه لرؤية نُطفته، وبالفعل بعد أن دهنت الطبيبة بيديها على بطنها ب جل لزِج، لينتفض جسده عندما ظهرت قطعة صغيرة على الشاشة، وكان شعور "رهف" نفس الشئ، لتردف الطبيبة قائلة بإبتسامة:
- مبروك يا حبيبتي الجنين بنت.. شايفاها؟!!!
أومأت "رهف" بلهفة مبتسمة بشدة، لتنظر إلى "باسل" فبادلها إبتسامة فرِحة أيضاً، لتنهض بعد أن عدّلت ملابسها لتردف الطبيبة:
- صحتها كويسة بس لازم تاكلي كويس وهكتبلك شوية ڤيتامينات تاخديهم..
خرجا من عند الطبيبة بعد أن شكرتها والفرحة لا تسِعها، لتلتفت له قائلة بسعادة:
- أنا فرحت أوي إنها بنت يا باسل!!!
لم يريد تعكير مزاجها ليردف بإبتسامة غُصب على رسمها فوق ثغره:
- وأنا كمان..!!!
أكملا ممر المشفى ليركبا السيارة ثم أنطلقا بها..!!