رواية حافية علي جسر عشقي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي السادس والعشرون:
دلفت للغرفة فوجدته نائم على الفراش بإستكانة، أقتربت منه بخطوات سريعة وثغر مزين بإبتسامة سعيدة لعودة حياتهما طبيعية، أنثنت عليه ثم تلمست جبينه بباطن راحتها فوجدته دافئاً، وقبل أن تزيل يدها من على بشرته، كان هو يضم كفها بقبضته ليطبع قبلة في باطن راحتها، نظر لها وهو يجذبها نحوه لتجلس جواره مبتسماً بهدوء قائلاً:
- أنا بقيت كويس والله، كل خمس دقايق تيجي تشوفي حرارتي وبردو بتلاقيها طبيعية..
قرّبت وجهها من وجهه قائلة بحنو:
- الدكتور قال أن بعد مـ تاخد الدوا اللي أديتهولك دة حرارتك هتعلى و هيجيلك صداع، فـ طبيعي أجي أطمن عليك كل شوية..!!! مازن أنا مش مصدقة أننا رجعنا لشقتنا أخيراً، بجد مبسوطة انك جنبي وبقيت كويس..!!!
أعتدل في جلسته ليجذبها لأحضانه جاعلاً من رأسها فوق صدره ناحية قلبه مباشرةً، ثم قبل خصلاتها بحنان بالغ، حاوطت خصره بشدة مغمضة عيناها بسعادة، لا تصدق أنها و أخيراً جواره، في أحضانه، يضمها بين ذراعيه، سقط بثغره يهمس بأذنها:
- لولا مرَضي مكنتيش سامحتيني..صح؟!!!
أبعدت وجهها عن صدره ولكن لازالت متشبثة بخصره، تردف قائلة بمزاح:
- عايزة أقولك أني سامحتك من أول م رجعت من فرنسا، بس كنت حابة أسويك على نار هادية عشان تتعلم أن زعلي مش سهل..!!!
حدق بها بدهشة ليضحك بهدوء، ليلصق جبينه بجبينها مغمضاً عيناه، يتنهد بعمق قائلاً:
- أتعلمت يا فريدة، عُمري مـ هزعلك أبداً..!!!!
برقت أسنانها البيضاء في ضحكة شقيّة، ثم حاوطت عنقه تضمه لها بشوق شديد، ضمها بذراعٍ والأخر أزاح خصلاتها ليجمعهما على جانب عنقها، فظهر عنقها الأبيض لينثنى يقبله عدة قبلات متفرقة، أطلقت الأخيرة ضحكة رقيقة لتبتعد عنه قائلة وهي تحُك رقبتها قائلة بضحكات شديدة:
- مــازن بـغير!!!!!!
أنفجر "مازن" في ضحكات رجولية على حركاتها الطفولية والتي حقاً يعشقها، يعشق أصغر تفاصيلها مثلاً تلك الشامات على رقبتها، تلك التي تعلو شفتيها الصغيرة، عيناها البندقية وخصلاتها بنفس اللون، أنفها الصغير، يعشق ضحكاتها وعبوسها، حزنها و سعادتها، مُتيّم بـ جنون أفعالها، وقفزها من فوق الأرض عند سعادتها الشديدة، يعشق نظرات الدهشة التي ترمقه بها الأن لشروده بها وعيناه المبتسمة وهو يراقبها من خصلاتها الطويلة إلى أخمص قدميها، أقتربت منه لتفرقع بأصابعها أمام وجهه لكي تلفت أنتباه، نظر لها لترمقه هي بشك مقطبة حاجبيها زامة شفتيها:
- سرحان في مين؟!! أوعى يا مازن وأنا مش موجودة تكون ممرضة غرغرت بيك ولا حاجة، والله هقتلها وهقتلك وهقتل نفسي عشان محدش يقولي عملتي كدا ليه!!!!
لم يستطيع السيطرة على ضحكاته ليضع يده على قلبه وهو يميل للأمام يضحك بهيستيرية لتشاركه هي، و فجأة سعل بقوة لتنتفض "فريدة" تسكب به ماء في الكوب، وقفت جواره لتسند رأسه ثم جعلته يرتشف منها، أبتسم بعد أن أنهى الكوب ليجلسها أمامه، أخذ رأسها بين كفيه ليطبع قبلة عميقة على شفتيها، بث بها معاني العشق بأكملها والذي لم يعلمه سوى بعد أن قابلها!!!!
• • • •
جلست "هنا" أمام شاشة التلفاز ممسكة بصحن مملوء بالفشار، عيناها ثابتة على الفيلم أمامها، أبتسمت بقوة عندما عانق البطل البطلة وهما يضحكا بسعادة، لتتحول أبتسامتها إلى عبوس خفيف قائلة ببراءة كالأطفال:
- بس دة في الأفلام بس، لكن في الحقيقة كل الرجالة زومبي!!!!
سمعت صوته يأتي من خلفها ساخراً:
- يعني أنا زومبي؟!!!!
جحظت عيناها بقوة لتمضغ الفشار الذي كان بفمها تحاول أبتلاعه بصعوبة ثم ألتفتت له، فوجدته واقفاً يضع كفيه في جيبه يطالعها بنظرات مستهزئة، نظرت له ببراءة وكأنها لم تقُل شئ، ليذهب هو بإتجاهها ثم جلس جوارها، مدّ يده ليأخذ العديد من حبات الفشار يحشرهما بفمه، نظر للفيلم ليردف بوجهٍ متجهم ونظرات متقززة:
- دة عيِّل مايص أصلاً أنما أحنا رجالة أوي!!!
جحظت بعيناها وهي تنظر ببلاهه، ليس لحديثه فقط بل لجلوسه جوارها يشاركها طعامها والفيلم الذي تشاهده، أعادت كلماته في رأسها لتضع كفيها في منتصف خصرها قائلة:
- لا والله؟!! وبعدين مين دة اللي مايص دة قمر وكيوت ورومانسي، مش أنت بارد و مش عندك قلب!!!
نظرت للشاشة بهيام واضعة كفها أسفل ذقنها ولم تلاحظ نظراته التي أظلمت فجأة، وعيناه التي تحولت لإحمرار شديد وكأنه مصاص دماء سيتجرع من دمائها الأن، ألتفتت له عندما لاحظت نظراته، وفور رؤيتها له زحفت للخلف على الأريكة قائلة بتوجس:
- أنت هتتحول ولا أيه يا ريان!!!!
جذبها من ذراعها له لترتطم بصدره مزمجراً، لتخرج نبرته غير قابلة للمزاح مطلقاً:
- إياكي توصفي جنس راجل ولا تمدحي فيه قدامي، أول و أخر مرة تعملي كدا فاهمة..!!!
تعالت نبضات قلبها بخوف لتمتلئ عيناها بالدموع، فهزها هو بقسوة صارخاً بوجهها:
- فــاهــمــة؟!!!!
أومأت سريعاً تحاول سحب رسغها من كفه، ليُبعدها هو ينهض تاركاً إياها تعاني مرارة قسوته وعشقها له!!!!
ضمت ركبتيها لصدرها تدفن وجهها بهما، لتشعر بكفٍ صغير يوضع على خصلاتها وصوت رقيق طفولي يقول:
- متسعليش (متزعليش) يا مامي...
رفعت أنظاره لصغيرها لتضمه لأحضانه تمسح دموعها قائلة بإبتسامة مرحة زائفة:
- مين اللي قالك أني زعلانه يا عمر؟!! أنا مش زعلانه ياحبيبي أنا بس نعسانة شوية..!!!
أبتعد عنها قائلاً ببراءة:
- مامي أنتِ قولتي قبل كدا أن اللي بيكذب بييوح (بيروح) الناي (النار)..!!! ليه بتكذبي دلوقتي، أنا سوفت (شوفت) بابي و هو بيزعقلك، و أنا سعلان (زعلان) منه..!!!
أبتسمت "هنا" على براءته لتحاوك وجهه بكفيها قائلة بحنو:
- حبيبي صدقني أنا وبابا مش بنزعق هو كان بيهزر معايا.. طب تعالى معايا و أنا هوريك..!!!
حملته بين ذراعيه لتتجه لغرفتهما، وجدته ينثر عطره الذي تعشقه على عنقه بعد أن أرتدى حِلة رسمية للذهاب للشركة، أقتربت منه ترسم أبتسامة على شفتيها قائلة بنبرة حاولت أن تجعلها طبيعية:
- ريان.. عمر بيقول أننا متخانقين قوله أنك كنت بتهزر معايا عشان مش مصدقني..!!!
أبتسم "ريان" لصغيره ليأخذه منها قائلاً بحنان و هو يمسد على خصلاته الناعمة:
- حبيبي أنا وماما بنهزر مع بعض بس أنت صغير مش هتفهم هزارنا .
كتف "عمر" ذراعيه أمام صدره قائلاً بعبوس:
- بس أنا سوفتها بتعيط...!!!!
أسرعت "هنا" قائلة بإبتسامة ملئت ثغرها:
- دة أنا كنت بعيط من الفرحة عشان أنا بحب بابي أوي أوي، كل مرة بيأكدلي حُبي ليه..!!!!
نظر لها "ريان" بدهشة تليها أبتسامة فهو قد أستشعر صدقها في الجملة الأخيرة، عندما تكذب"هنا" يظهر ذلك جلياً في عيناها، و هو يرى الأن عينان عاشقة خجولة، ألتفت الصغير لأبيه قائلاً بشك:
- و أنت يا بابي بتحب مامي؟!!!!
جحظت عيناه بصدمة للفخ الذي أوقعه طفله به، فهو الأن مضطراً أن يعترف لها علناً أنه يُحبها، إزدرد ريقه و هو ينظر لملامحها الباهتة تسقط عيناها للأسفل، ليسرع هو قائلاً و هو يجذبها من خصرها له وبذراعه الأخر يحمل صغيره، حاوط وجهها بكفٍ واحد قائلاً بإبتسامة:
- بموت فيها!!!!
سقط قلبها صريعاً لجملة تتكون من كلمتين، رفعت عيناها له بصدمة شديدة ليظهر شحوب قوي على وجهها، شعرت بتقلص معدتها من شدة التوتر و هي تنظر لعيناه مباشرةً تتمنى لو كانت تحلم لا تفيق بتاتاً!!!!، بينما أبتسم الصغير ليحتضن عنق أبيه بذراعه الصغير و عنق أمه يقربهما منه، ارتطمت المسكينة تلقائياً بصدره و هي لا زالت فاغرة شفتيها، يكاد يقسم لولا "عمر" لكان أنقض على ثغرها يقبلها بعنف ، حاوط كتفيها بذراعه مبتسماً لحالتها تلك بينما "عمر" يبتسم بغبطة شديدة!!!
• • • •
- أنت لسة زعلان مني؟!!
هتفت "ملاذ" بنبرة حزينة إلى "ظافر" الذي كان يرتدي ملابسه ليذهب لشركته، لم يُجيبها ليتجاوزها يقف أمام المزينة يلف رابطة العنق حول رقبته، تألمت "ملاذ" ولكنها فضلّت الصمت، سارت إلى خارج الغرفة لكي لا تزعجه ولكنها إلتفتت له عندما رأته يحاول ربط الرابطة، حتى أزعجته ليلقيها على المزينة مستنداً بكفيه عليها ينظر لأنعكاس صورته بالمرآة التي أمامه، أقتربت "ملاذ" منه لتلتقط رابطة العنق، لفّته لها من منكبيه لتقف أمامه ثم لفتها بإحترافيه، رفعت أنظارها له فوجدته ينظر خلفها يتجنب عيناها، اشرأبت "ملاذ" لتقف على أطراف أصابع قدميها ثم طبعت قبلة طويلة على وجنته، محاوطة وجهه بكفيها، و بسرعة البرق كانت تختفي من أمامه تركض خارج الغرفة، فضرب هو كفاً بكف يتخلى عن هدوءه قائلاً:
- متجوز طفلة ومجنونة، والله أنا أتخميت في الجوازة دي و أضحك عليا!!!!
خرج من الغرفة بعد أن أخذ هاتفه ومفاتيح إحدى سياراته، سار بوقار في القصر فوجدها تقف على الأريكة تتحدث إلى "رهف" بجدية و هي تذهب وتسير على الأريكة، كتم "ظافر" ضحكاته ليتحه نحوها يتسمع لحديثها وهي تضحك قائلة:
- ماشي يا مجنونة ربنا يهديكي..!!!!
نظر لها بتهكم قائلاً:
- يهديها هي بردو..!!!
فزعت "ملاذ" لوقوفه أمامها لتضع كفها على قلبها قائلة برعب:
- والله خضتني يا ظافر ربنا يسامحك!!!
ضحكت "رهف" على الطرف الأخر لتغلق معها بعد أن ودعتها، أستندت "ملاذ" على كتفيه لتسقط واضعة قدميها على الأرضية، حاوطها "ظافر" من خصرها لكي لا تسقط، فأبتسمت له قائلة بحماس:
- ظافر عايزة أتكلم معاك في موضوع مهمم اوي!!!
نظر لها بإستغراب قائلاً:
- موضوع أيه؟!!!
هتفت بعقلانية:
- لما ترجع طيب عشان متتأخرش!!!
أومأ بهدوء ثم كاد أن يذهب من أمامها و لكن أوقفته قائلة بحزن:
- مش ناسي حاجة؟!!
لم يفهم مقصدها لينفي برأسه، فحركت رأسها إيجابياً بعينان برقت بالدموع، لم يتحمل "ظافر" رؤية دموعها ليكوب وحهها بكلتا كفيه ثم طبع قبلة رقيقة على جبهتها مبتسماً بمكر:
- كل دة عشان بوسة، دة أنا على كدا عندي أستعداد أبوسك ليل نهار بس مشوفش الدموع دي..!!!!
ضحكت من قلبها لتومأ له بإيجاب، ليُقربها منه أكثر قائلاً بخبث:
- بس أنا بقا متمشيش معايا بوسة الأخوات دي!!!!
لم يُعطيها فرصة لكي تتحدث بل سارع بالهجوم على شفتيها يتجرع منها العشق كؤوساً، ثم أبتعد عنها ليذهب دالفاً خارج القصر، تاركه تبتسم بشرود..!!!
• • • •
سار نحو المطبخ حيث تقف هي تُطهي الطعام، أخرج تنهيداً مستمتعاً بالرائحة المنبعثة من حساء الفراخ، لتلتفت له مبتسمة، أتجه نحوها ليقف أمامها قائلة بإستفسار جدي زائف:
- ياترى هروح أعمل غسيل معدة أمتى؟!!!
ضيقت عيناها لتعقد ذراعيها عابسة بوجهها، تردف بحزن مصطتنع:
- بقى كدا؟!!!
لتتحول مائة وثمانون درجة عندما مدت كفها تضربه جوار قلبه قائلة بنبرة عنيفة:
- دمك خفيف يا بسلة..!!!!
وضع كفه على قلبه يصتنع الألم قائلاً بإقتضاب:
- دة انتِ إيدك أنشف من إيدي..!!
ذهبت من أمامه لترفع جسدها جالسة على رخام المطبخ قائلة وهي تشير إلى الطعام على النيران:
- وريني شطارتك بقا!!!!
عدّل ياقة قميصه قائلاً بتفاخر:
- عيب عليكي، دة انا طباخ قديم!!!
قلبت شفتيها تسخر منه لتشير بكفها إلى الطعام قائلة:
- أتفضل ياخويا..!!!
نظر إلى النيران العالية ليهداً منها قليلاً ثم ذهب تجاهها واضعاً كفيه على الرخام جوارها، يردف بجدية:
- قوليلي حاجة واحدة بس شاطرة فيها!!!!
نظرت له بحزن حقيقي قائلة بخفوت:
- قصدك اني فاشلة؟!!!
اومأ لها بجدية تامة ظهرت على وجهه، لم تمر سوى ثوانٍ لينفجر هو ضحكاً على وجهها الطفولي العابس، زمت شفتيها حزناً على سخريته منها لتقفز بجسدها على الأرض ثم همت بالذهاب من أمامه، فأوققها هو بدهشة ممسكاً بخصرها:
- لاء أكيد مزعلتيش يارهف!!! أنا كنت بهزر!!!
رفعت نظراتها له قائلة وهي ترفع كتفيها وبنبرة خاوية هتفت:
- عادي مزعلتش!!!!!
أبتسم على حماقتها فهو كان يمزح، ليضم رأسها لصدره قائلاً بإبتسامة مربتاً على خصلاتها:
- طب خلاص متزعليش، انا كنت بهزر محدش يقدر يقول على مراتي فاشلة!!!!
أبتسمت بشقاوة ليقهقه هو على برائتها، أكملت طهي الطعام ليدلف هو لغرفتهم، جلس على الفراش يعبث بهاتفه ليلتفت إلى هاتفها الذي صدح صوته بالغرفة، ألتقطه من فوق الكمود ليصرخ بصوتٍ عالٍ لكي تأتي "رهف" وترد، ولكن عندما لم يجد رد منها علِم انها لم تسمعه، نظر للرقم الذي يراه لأول مرة على هاتفها، فأنتابه الفضول ليعرف من، ضغط على زر الإيجاب ليضعه على أذنه قائلاً:
- الو؟!!
أتآه صوت أنثوي على الطرف الأخر يهتف بـ :
- مدام رهف موجودة؟!!
قطب حاجبيه بغرابة قائلاً:
- أنا جوزها.. في حاجة..!!!
تنحنحت الفتاة بحرج لتردف قائلة:
- كنت بتصل عليها عشان أفكرها أن عندها ميعاد النهاردة مع الدكتورة عشان تطمن على الجنين و تعرف نوعه كمان!!!!
أرتجف كفه الممسك بالهاتف، لينتابه شعور كما لو أُلقى عليه ماء بارد في الشتاء، ردد بنبرة لازالت لم تستوعب:
- جنين!!!!!!
• • • •
جلست جواره تضع قماشة مبللة بماء بارد على جبينه والدمعات تسقط كالشلال من عيناه و هي تتلمس وجهه الذي كما لو أن نيران تنبعث منه، أنثنت عليه لتلصق وجنتها اليمنى بجبينه بعد أن أبعدت القماشة ليفتح هو عيناه الناعسة ممسكاً بقبضتها يحتضنها بكفه قائلاً بصوتٍ مبحوح:
- فريدة والله أنا كويس، حبيبتي دة طبيعي عشان الدوا اللي خدته، شوية وهتنزل الحرارة، كفاية عياط ممكن..!!!!
أنتفض جسدها مع كل كلمة تخرج من فمها لشدة بكائها عندما قالت:
- الحرارة مش هتنزل لوحدها يا مازن، ومش هبطل عياط غير لما تبقى كويس..
امسك بخصرها سريعاً ليقرب جسدها منه دافناً وجهها بعنقه يردف برفق مبتسماً:
- لو مبطلتيش عياط دلوقتي هفضل مكتفك كدا ومش هتخرجي من حُضني أبداً!!!!
حاوطت خصره واضعة رأسها على صدرها قائلة بنبرة مهزوزة حزناً:
- خلاص يبقى هفضل أعيط.!!!!
قبّل خصلاتها لترفع هي رأسها بعيداً عن صدره وهي لازالت متشبثة به عدا كفها الذي وضع القماشة على جبينه مجدداً، ثم عادت تسند رأسها على صدره مغمضة عيناها ولازال ثغرها يُخرج شهقات خفيفة هدأت قليلاً عندما مسح على خصلاتها هبوطاً بظهرها، تشعر أنه أبيها الذي لم تنعم بحنانه قط، أبنته التي تخاف فقدان سندها في تلك الحياة القاسية، بعد قليل من الوقت شعرت بإنتظام أنفاسه لتزيح القماشة فوجدت حرارته أنخفضت قليلاً، بتلك اللحظة فقط قررت أن تأخذ قسط من الراحة لتنام بين أحضانه!!!!
• • • •
سقط قلبها أرضاً عندما سمعت صراخ "باسل" لتلتفت له برعب وقلبها يخفق بسرعة، وجدته يذهب تجاهها ليقبض على ذراعها يهتف بسُخرية شديدة ونبرة أرتعدت لها:
- طب كنتي قولتيلي أن عندك ميعاد مع الدكتور النهاردة، كنت جيت معاكي عشان أشوف أبني اللي قولتيلي أنه مات..!!!!!
أمتلئت عيناها بالدموع لتضع كفها على يده الممسكة بها تحاول أن تهدأه قائلة بخفوت:
- باسل أسمعني أنا آآآ...!!!
قاطعها عندما أبعد ذراعها بقسوة ليضع سبابته أمام شفتيه صارخاً بقسوة:
- أخرسي.. مش عايز أسمعلك نفس!!!!!
شهقت ببكاء شديد ليجذبها من ذراعها لخارج المطبخ ثم دفعها على الأريكة بعنف صارخاً:
- وانا اللي فاكر كل دة أن أبني مات بسببي أنا، بحاول أضحك عشان أنسيكي الموضوع بس أنا كان جوايا بيتقطع لما حتة مني ماتت، أبني اللي بتمناه من الدنيا خبتيه عليا، وليه؟!!! عشان سيادتك أنانية عايزة أبني يتربى من غير أبوه!!!!
ضمت جسدها إلى آخر الأريكة واضعة كفيها على أذنيها لشدة صراخه بها، نظرت لها بعيناها الغارقة بالدموع مغمغمة بأسف:
- كنت هقولك والله، بس خوفت من ردة فعلك..!!!!
شدد على ذهنه مزمجراً بقسوة ليطيح بمزهرية كبيرة على الأرض يهتف بصوتٍ صدح بالشقة:
- بــس أسكتي وإلا ورحمة أبويا هندمك على اللحظة اللي عرفتيني فيها!!!!
نظرت له بغضب لتنهض واثبة على قدميها تصرخ بوجهه:
- كنت عايزني اعمل أيه؟!!!! أقولك أني لسة حامل عشان متطلقنيش، أنا متأكدة أنك لو كنت عرفت مستحيل تطلقني، وانا مش قادرة أعيش معاك مش قادرة أسامحك!!!! أنت السبب في كل حاجة بتحصلي وجاي دلوقتي بتزعق!!!!
أنتفض مقترباً منها ممسكاً بذراعها صارخاً بنبرة مرعبة:
- بقولك أخــرســي!!!!!!
أدمعت عيناها من قوة قبضته على ذراعها لتنظر له بحسرة، قائلة بخفوت:
- أحنا بنأذي في بعض، تعالى نطلق يا باسل وكل واحد يشوف حياته!!!!
أبتسامة صغيرة لا تنم عن مرح زينت ثغره تليها ضحكات عالية ساخرة بقسوة حتى أدمعت عيناه، أرتعبت من تلك الحالة الذي بدى عليه، وبالحظات تحول للنقيض تماماً لتتوحش قسمات وجهه و هو يقول بنبرة مخيفة:
- أطلقك؟!!! أنتِ بتحلمي!!! هتفضلي هنا تحت رحمتي لحد أنا م أسمح أنك تمشي بعد مـ أزهق منك ومن كدبك وخداعك، وبعد مـ أخد أبني اللي مش هتشوفي ضُفره!!!!!
شهقت بعنف واضعة كفها على فمها تُكتم صدمتها، لتنهار باكية ممسكة بذراعه قائلة بترجي تحاول إثارة عطفه:
- لاء ياباسل والنبي، انا عارفة انك مش هتعمل كدا، باسل اللي حبيته ميعملش كدا، مش هتبعد أم عن أبنها أكيد!!!!
أبتسم بإستهزاء ليُبعد كفها يردف بسأم:
- أنتِ جايبة بجاحتك دي منين، ليكي عين تتكلمي أساساً!!!
نفت برأسها مبتعدة عنه صارخة بحُرقة حتى برزت عروقها:
- ياريتني مـ قابلتك و أتجوزتك، أنت أسوأ حاجة حصلتلي في حياتي!!! أنا بكرهك أوي و عُمري مـ هعيش معاك بعد كل اللي حصل!!!
أقترب منها عدة خطوات لتبتعد هي ضعفهم حتى إصتدمت بالحائط بقسوة، ليمسك هو كلا كفيها يرفعهما فوق رأسه ضاغطاً على عروقها بحدة لتغمض عيناها من شدة الألم، فـ أسترسل هو بنبرة خافتة ولكنها جعلت معدتها تنقبض لشدة الخوف:
- صوتك ميعلاش أحسنلك، عشان أقسم بالله انا في حالة مش هعرف أتحكم في نفسي وممكن أقتلك دلوقتي!!!!
خفق قلبها بعنف لتصمت تماماً تستمع لحديثه الناطق بالحقد:
- يعني مشيتي وسيبتي البيت بعد اللي حصل و سيبتيني ألِف في المستشفيات والاقسام والفنادق بدور عليكي، خليتي أمي واخويا اللي عمرهم م كذبوا عليا يسيبوني دايخ عشان الأقيكي وانا مش عارف اذا كنتي عايشة أساساً ولا ميتة، ولما لاقيتك كنتي في المستشفى وعرفتوني أن أبني مات وان انا السبب في كل دة طبعاً، جيت وراكي هنا عشان مسيبكيش و أعوضك عن اللي حصل، أستحملت أي كلمة قولتيها كأني مسمعتهاش و أقول لنفسي سيبها يا باسل تقول وتعمل اللي هي عايزاه اللي عملته فيها مش قُليل، أبنها مات في بطنها و هي زعلانه عليه ومش قادرة تسامحك، كل يوم تقومي بحالة مرة طلقني يا باسل وامشي من هنا مش قادرة أسامحك، ومرة تنامي في حضني و انتِ مبسوطة، كل دة أنا مكانش عندي مشكلة فيه، كنت بحاول أعوضك بالطريقة دي، حتى لما طلبتي الطلاق وقولتلك هطلقك يا رهف بس أصبري أسبوع مكنتش هطلقك، عُمري م كنت هبعدِك عني، كنت بس بقولك كدا عشان اعمل كل اللي اقدر عليه في الاسبوع دة وأقرب منك تاني، حتى أمبارح مزعلتش منك بعد الموقف اللي حصل دة، كنت بقول في سِري حقها، وحقها تعمل أكتر من كدا، ولما صالحتك وقتها مش عشان رجلك، عشان عرفت بعدها أنها مش وجعاكي ولا حاجة، بس أنا طلعت غبي، طلعتيني غبي قدام نفسي يا رهف مبروك، انا قولت مش عايزاني أقربلك عشان لسة زعلانه، أنما طلعتي مش عايزة كذبتك تتكشف!!! بس أهي أتشكفت، و أول م تولدي أبني هاخده وامشي وهحرمك منه زي م حرمتيني أني أعرف حملِك دة!!!!
وسط كلماته، عيناه الدامعة ونبرته التي بَحت في آخر كلماته تنم عن ألمِ ليس له مثيل، أصابعه التي طُبعت على رسغيها و حواجبه قاطبة، كل ذلك جعلها تتمنى لو أن تضم رأسه لها لربما تُهدأ من وضعه قليلاً، ولكنها تعلم أن نيرانه لن تخمد، شهقت ببكاء شديد نادمة عما فعلته به، ليتركها هو ثم أبتعد عنها يخرج من الباب ليغلقه بعنف أنتفض جسدها له، أنهارت أرضاً لتكور كفيها ثم أخذت تضربهم بالأرض حتى جرحتهما ، نهضت كالثملة تسير بصعوبة على الأرض، لتلتقط المزهرية ثم ألقتها أرضاً بجنون تستوعب أنها تخسر زوجها، أمسكت بأخرى لتفعل المثل حتى أصبحت حالة البيت لا يُرثى لها، شدت شعرها بعنف ثم وقعت أرضاً ليرتطما كفيها بقطع الزجاج ف أحدثا جرح غائراً بهما، مما جعل جسدها يتخدر من كثرة الألم، لترتطم رأسها بالأرضية فاقدة الوعي!!!!
• • ••
دلف "ريان" للمنزل في وقت متأخر من الليل مُجهداً، لينزع سترته ثم كاد أن يلقي بها على الأريكة بوهنٍ، ليتراجع بعد أن لاحظ وجودها على الأريكة نائمة بعمق، سار نحوها لينثنى عليها يُبعِد خصلاتها عن وجهها برفق، ثم وضع أحد ذراعيه أسفل كتفيها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بهدوء ذاهباً بها نحو غرفتهم ، وضعها على الفراش برفق ثم بدّل ملابسه في المرحاض ليخرج ملقياً بجسده جوارها دثرها جيداً ثم ظل نائماً على ظهره واضعاً ذراعه على عيناه، فـ أستفاقت هي فاتحة عيناها تنظر حولها بعدم أستيعاب:
- ريان .. أيه دة أنا فين، أنا نمت أزاي كدا.. ثواني هقوم أحضرلك العشا...
ألتفت لها ضاحكاً ثم ألتقطها بين أحضانه قائلاً بهدوء مبتسماً:
- حتى وأنتِ نايمة محنونة، نامي يا هنا ربنا يهديك ويصبرني عليكي!!!!
أستكانت في أحضانه تعانق خصره، ولكنها عادت تنتفض تفرُك عيناها حتى لا تنام قائلة ببوادر نعاس:
- لاء هقوم أعملك الأكل!!!!!
ضحِك بشدة و هو يأخذها في أحضانه ثم حاوط وجهها بأحد كفيه قائلاً بإبتسامة وهو ينظر لجفنيها اللذان يُغلقا بين الفنية والأخرى:
- هنا نامي أنا مش جعان، نامي تمام؟!!
أومأت بخفة ثم غُرقت في النوم لتظهر أسنانه لشدة ضحكه، ثم مال بثغره يُقبل فمها المزموم بحنان ليذهب هو أيضاً في نومٍ عميق!!!
• • • •
عاد "ظافر" للقصر ليجده مظلم تماماً، صعد الدرج لجناحه ليجده الوحيد الذي تنبعث الأنوار منه، دلف ببطئ حذِر فوجدها تنام على معدتها فوق الفراش خصلاتها الناعم معقوصة بأحد الأقلام، أمامها أوراق بيضاء كبيرة يسير القلم عليها بتناغم، لم تلاحظ وجوده رغم أنه أغلق الباب بطريقة ملفتة، ولكنها كانت منغمسة في عالمها لا تريد من أحد أن يوقظها، سُرعان ما أخرج "ظافر" هاتفه ليلتقط لها صورة و أبتسامة حانية ترتسم على شفتيه، أقترب منها ثم جلس جوارها لتنتفض فزعة تجلس على ركبتيها واضعة كفها على قلبها تردف بعدم استيعاب:
- والله حرام عليك يا ظافر، دة انت بتخُضني قبل وبعد الأكل ولا كأنه دوا..!!!!
أخذ الرسمة ليطالعها بإنبهار شديد مما جعلها تبتسم بشغف شديد تضم كفيها لصدرها قائلة وهي تميل برأسها نحوه:
- حلوة؟!!!
نظر لها بدهشة مبتسماً:
- أنتِ بتعرفي ترسمي يا ملاذ!!!
حلت خصلاتها بعد أن أبعدت القلم عنهم تعود بخصلاتها للخلف في حركة مفتخره وهي تقول بغرور:
- عيب عليك والله!!!!
قهقه بشدة عائداً برأسه للخلف لتنظر له بنظرات جانبية وهي لازالت ترفع أنفها للأمام بشموخ، لم يستطيع أن يتحكم في نفسه ليقترب منها مقبلاً أنفها وشفتيها يُلثمها برقة ثم أبتعد ينظر في عيناها و أهدابها التي تتحرك بطفولية، ثم حمحمت بخجل لتنظر للرسمة بسعادة فخوة بنفسها، ولكنها رفعت عيناها ثانيةً صارخة بحماس وهي تقفز من فوق الفراش:
- أستنى هوريك حاجة!!!!
ضحك "ظافر" بشدة على أفعالها ثم جلس بإعتدال يُراقب محاولاتها المستميتة في الوصول لأخر رف في الخزانة تقف على أطراف أصابعها، لينهض هو قائلاً بجدية:
- عايزة أيه وانا أجيبهولك!!!
أشارت لأعلى قائلة سريعاً:
- في آخر رف هتلاقي بوكس لونه أحمر كدا هاتُه!!!!
وبالفعل أخذه "ظافر" بدون عناء ليُعطيه لها لتأخذه هي ثم قفزت على الفراش لتجلس عليه مشيرة له بالجلوس أمامه فـ فعل، فتحت الصندوق لتخرج صورة بها طفلة صغيرة بضفيرتين مبتسمة بشدة وكأنها في أسعد لحظات حياتها، و فور وقوع عيناه على الصورة سقط قلبه أرضاً ضحية للعشق لتنهار عليه ذكرياتهما معاً وهما أطفال، عندما حملها بين ذراعيه يُحميها من شر أبيه، عندما أخذها لغرفته لتستلقى على الفراش والدموع عالقة بأهدابها، لربما كانت هذا الصورة قبل الحادث بقليل، عاد ينظر لها وهي تضحك نفس تلك الضحكة، ليبتسم هو بحنان عندما أعطته صورة أخرى تنظر للكاميرا بتلك النظرة البريئة و التي تجعله يود لو يأكلُها، لتبتسيدم "ملاذ" وهي ترى عيناه اللامعة تُقسم للمرة المليون أنها تعشق هذا الرجل، ستظل تعشقه لآخر نفسٍ تلفظُه، فنظر هو لها وكأنه يسمع ما تقول ثم وضع الصور بداخل الصندوق ليلتقطها بين أحضانه مقبلاً خصلاته، فسمع نبرتها الحزينة وهي تغمغم:
- ظافر أنت مش زعلان مني عشان اللي عملتُه صح؟!!!
قطب حاجبيه قائلاً:
- عملتي أيه بالظبط؟!!
ظلت في أحضانه ولكنها عادت برأسها له قائلة بحرج:
- أول حاجة عشان كنت فكراك مش كويس وكنت عايزة أخد حقي منك، وتاني حاجة يعني عشان قولت لفريدة وكدا!!!
- لاء خلاص مش زعلان..!!!!
هتف بإبتسامة ثم أنقض على شفتيها كما لو كان أسد وجد فريسته بعد أن ظل جائع لأيام!!!!
• • • •
أبتعدا جفنيها عن بعضهما بسكون، فوجدت نفسها كما هي مستلقية على الأرض و الزجاج غارزاً في باطن كفيها، بكت من ألم قلبها وليس لألم جسدها، لم تقوى على النهوض، أو ربما كانت تعاقب نفسها بتلك الطريقة، بعد قليل وُجدت باب الشقة يُفتح، ليدلف "باسل" الذي أرتعب من منظرها وسقوطها على الأرض بينما بقع الدماء تحوط كفيها، وعيناها تفتح ثانية وتُغلق الأخرى، ناهيك عن الشقة التي كما لو حدث بها زلزال، ركض نحوها ليحملها راكضاً خارج الشقة ثم تجاوز الدرج في ثواني قليلة ليتجه نحو سيارته ثم وضعها جواره، أستقل محله ليسابق الرياح في سرعته، ينظر لها بين الحين والآخر فيجدها نائمة لا حول لها ولا قوة!!!!
• • • •
صرخ بالأطباء و هو يحملها بين ذراعيه ليأتوا له طاقم من الأطباء ذوي الخبرة العالية، وضعها على الفراش المتنقل ليأخذوها فوراً يفحصوها، بينما جلس هو على المقعد ونبضات قلبه تتسارع، معدته تؤلمه من التوتر وحبات العرق ملتصقة بجبينه، بعد قليل خرج له الطبيب قائلاً يُطمئنه:
- متقلقش يا باسل بيه مافيش حاجة واضح أن المدام أتعرضت لصدمة ودة اللي سببلها الإغماء، بس الإزاز اللي كان في إيدها للأسف ساب جرح عميق شوية في إيد واحدة أما الإيد التانية حالتها تمام الحمدلله،أحنا هنلف إيديها الأتنين و إن شاء الله مع الكريمات اللي هكتبهالها و المراهم هتبقى تمام..
لا يعلم لما شعر بأن قلبه آلمه بعنف، و هو يندم على أنه ضغط عليها بتلك الطريقة التي جعلتها بهذه الحاله، ليردف للطبيب بنبرة جامدة..زائفة:
- طيب وهتفُك الشاش دة أمتى؟!
- المفروض تيجي الأسبوع الجاي نشوف الجرح!!!
أومأ "باسل" ليتجاوزه يدلف لها دون إستئذانه، و فور دخوله للغرفه أُعتصِر قلبه بقسوة عندنا وجد كلتا يداها ملفوفتيه وعيناها تنظر أمامها، أقترب منها ببرود قائلاً بنبرة خاوية:
- بقيتي كويسة؟!!!
أومأت و هي تنظر له بحزن، لتزيح الغطاء بقدميها ثم وضعت قدميها على الأرض وكادت أن تقف حتى تتأهب للذهاب، ولكنها في ثوانٍ معدودة وجدته يحملها بوجهٍ جامد، لتسند هي رأسها على كتفه و الدمعات تنهمر من عيناها كالشلالات، خرج من المشفى ثم وضعها في مقعدها ثم أغلق الباب بعنف لتنتفض هي باكية بحُرقة، أستقل السيارة جوارها ليسير بها بسرعة و صوت بكائها القوي يُحفر في ذاكرته، طوال سيرهم في الطريق لم تتوقف عن البكاء و هو لم يعيرها إهتمام!!!!
• • • •
وصلا للمنزل لتخجل "رهف" من الأشياء المحطمة، لتلتفت له قائلة بعفوية:
- انا هنضف الشقة وانت نام..!!!!
ألتفت لها قائلاً بنبرة تحذيرية:
- متلمسيش حاجة فيها، أنا هجيب حد من القصر ينضفها!!!!
نظرت له بحزن، ألتلك الدرجة لا يريدها أن تعبث بشئ بشقته، ولكنها وجدته يردف بسخرية:
- ولا تكوني هتنضفي برجلك مثلاً!!!
نظرت لكفيها لتعلم سبب ما قاله، شعرت بسعادة خفية أنه لازال خائف عليها، ولكنها عادت تزفر بإختناق و هي تتمنى لو أنها ترى كابوساً وستفيق منه، كاد أن يذهب لغرفتهم لتردف هي قائلة بنبرة مختنقة من كثرة البكاء:
- أنا هنام في أوضتي عشان متضايقش!!!!
لم تسمع سوى صوت الباب يُصفع بقوة، أبتلعت تلك الغصة في حلقها بقسوة لتدلف لغرفتها مرتمية على الفراش بحزن شديد..!!!!
• • • •
شعرت بكفوف صغيرة تتلمس وجهها توقظها من نومها ليداعب أذنها صوتٍ طفولي يقول بعجلة ونبرة خائفة:
- مامي، مامي قومي بقا!!!!
فتحت عيناها تنظر لصغيرها لتنهض مغمغمة بنبرة ناعسة:
- في أيه يا عمر؟!!!
قال عمر بذعرٍ و هو يشير للخارج:
- في حد في أوضتي يا ماما!!!!
جحظت بعيناها برعب لتلتفت لكي توقظ زوجها صارخة بإرتعاد:
- ريـــان، ريـان قـوم!!!!!
أنتفض "ريان" على صراخها قائلاً بحدة:
- في أيه يا هنا حد يصحي حد بالشكل دة، أنتِ أتجننتي؟!!!
حملت "هنا" صغيرها قائلة بوجهٍ شاحب:
- عمر بيقول أن في حد فـ أوضته!!!!
قطب حاجبيه يحدة فمن يجرؤ على الدخول لمنتصف بيته!!! لينهض سريعاً ثم أخذ مسدسه من خزانته، ليشير لهم مزمجراً بنبرة تحذيرية:
- إياكوا تتحركوا من هنا!!!!
أنفعلت "هنا" قائلة بصوتٍ عالي وهي تتقدم منه حاملة "عمر":
- لاء طبعاً أنا جاية معاك!!!!
صرخ بها "ريان" بنبرة أرعبتها:
- هـــنـــا!!!!!
تسمرت في محلها ليتابع هو السير واضعاً المسدس بين كفيه يتأهب ليصيب أي شخص يتعرض لعائلته، فتح غرفة أبنه لتدور عيناه بحذر بين أرجاء الغرفة، فوجد ظلٍ يتحرك تجاه الشرفه، صرخ "ريان" بقوة ليشتت أنتباهه راكضاً نحو الشرفة ولكن للأسف قفز من الدور الأول ولم يستطيع اللحاق به، رفع المسدس في السماء ليضرب طلقات متتالبة حتى يخاف الأخير الذي كانت سرعته فائقة، ألتفت عندما سمع "هنا" خلفه تبكي بخوف محتضنة ولدُها الذي أخفى أنفه بعنقها، وضع السلاح جانباً ليمضي نحوهها، حاوطهما بذراعيه يقبل جبين طفله، لتردف هي بنبرة مهتزة:
- مين دة يا ريان، وعايز أيه مننا؟!!!
مسح على خصلاتها قائلاً بحنان:
- أهدي مافيش حاجة، هجيبه.. لو تحت الأرض هجيبه متقلقيش!!!
حاوطت خصره ليعانق "عمر" أبيه الذي أخذه ليجلسه على فراشه قائلاً:
- عمر حبيبي أحكيلي اللي حصل!!!!
- أنا كنت نايم يا بابي وبعدين حسيت بحد بيتحيك "بيتحرك" في الأوضة، ولما قومت وبصيت لقيت حد في البلكونة بيحاول ينُط، ف جيت وقولت لمامي!!!!
أومأ "ريان" و هو يحاول أن يهدأ من روعه، ليحمله بحضنه ثم أخذها من كفها متجهين لغرفتهم، لينام "عمر" في الوسط محتضناً والدته من عنقها..!! بينما هو لم ينام!!!!
• • • •
تتسود صدره ترتدي أحد قمصانه البيضاء، لتسمع صوته يقول بنبرة غريبة:
- ملاذ!!!!
رفعت نظراتها له بدهشة ليردف قائلاً بشرود:
- أنتِ تعرفي ريان مش كدا!!!!!
أرتعش جسدها كما لو كان هواء بارد عصفها، لتزدرد ريقها جالسة على الفراش أمامه قائلة بتوتر:
- هعرفه منين أصلاً، أنا شرحتلك كل حاجة في المستشفى!!!!
أعتدل في جلسته أمامها ليقبض على رسغها قائلاً بنبرة سوداوية:
- قولتلك قبل كدا مبحبش الكدب، إياكي تكدبي عليا وقوليلي دلوقتي أنتِ تعرفيه منين!!!!
قطبت حاجبيها بألم قائلة وهي تحاول نزع كفه بعيداٌ عنها:
- ظافر!!! إيدي هتتكسر!!!!
- أنطقي!!!!
صرخ في وجهها بقسوة لتقول هي سريعاً:
- هقولك والله بس سيب إيدي!!!
ترك ذراعها لتنظر هي له بندم قائلة بتردد:
- ريان ، ريان كان بيحبني من زمان وكان عايز يتجوزني!!
دلفت للغرفة فوجدته نائم على الفراش بإستكانة، أقتربت منه بخطوات سريعة وثغر مزين بإبتسامة سعيدة لعودة حياتهما طبيعية، أنثنت عليه ثم تلمست جبينه بباطن راحتها فوجدته دافئاً، وقبل أن تزيل يدها من على بشرته، كان هو يضم كفها بقبضته ليطبع قبلة في باطن راحتها، نظر لها وهو يجذبها نحوه لتجلس جواره مبتسماً بهدوء قائلاً:
- أنا بقيت كويس والله، كل خمس دقايق تيجي تشوفي حرارتي وبردو بتلاقيها طبيعية..
قرّبت وجهها من وجهه قائلة بحنو:
- الدكتور قال أن بعد مـ تاخد الدوا اللي أديتهولك دة حرارتك هتعلى و هيجيلك صداع، فـ طبيعي أجي أطمن عليك كل شوية..!!! مازن أنا مش مصدقة أننا رجعنا لشقتنا أخيراً، بجد مبسوطة انك جنبي وبقيت كويس..!!!
أعتدل في جلسته ليجذبها لأحضانه جاعلاً من رأسها فوق صدره ناحية قلبه مباشرةً، ثم قبل خصلاتها بحنان بالغ، حاوطت خصره بشدة مغمضة عيناها بسعادة، لا تصدق أنها و أخيراً جواره، في أحضانه، يضمها بين ذراعيه، سقط بثغره يهمس بأذنها:
- لولا مرَضي مكنتيش سامحتيني..صح؟!!!
أبعدت وجهها عن صدره ولكن لازالت متشبثة بخصره، تردف قائلة بمزاح:
- عايزة أقولك أني سامحتك من أول م رجعت من فرنسا، بس كنت حابة أسويك على نار هادية عشان تتعلم أن زعلي مش سهل..!!!
حدق بها بدهشة ليضحك بهدوء، ليلصق جبينه بجبينها مغمضاً عيناه، يتنهد بعمق قائلاً:
- أتعلمت يا فريدة، عُمري مـ هزعلك أبداً..!!!!
برقت أسنانها البيضاء في ضحكة شقيّة، ثم حاوطت عنقه تضمه لها بشوق شديد، ضمها بذراعٍ والأخر أزاح خصلاتها ليجمعهما على جانب عنقها، فظهر عنقها الأبيض لينثنى يقبله عدة قبلات متفرقة، أطلقت الأخيرة ضحكة رقيقة لتبتعد عنه قائلة وهي تحُك رقبتها قائلة بضحكات شديدة:
- مــازن بـغير!!!!!!
أنفجر "مازن" في ضحكات رجولية على حركاتها الطفولية والتي حقاً يعشقها، يعشق أصغر تفاصيلها مثلاً تلك الشامات على رقبتها، تلك التي تعلو شفتيها الصغيرة، عيناها البندقية وخصلاتها بنفس اللون، أنفها الصغير، يعشق ضحكاتها وعبوسها، حزنها و سعادتها، مُتيّم بـ جنون أفعالها، وقفزها من فوق الأرض عند سعادتها الشديدة، يعشق نظرات الدهشة التي ترمقه بها الأن لشروده بها وعيناه المبتسمة وهو يراقبها من خصلاتها الطويلة إلى أخمص قدميها، أقتربت منه لتفرقع بأصابعها أمام وجهه لكي تلفت أنتباه، نظر لها لترمقه هي بشك مقطبة حاجبيها زامة شفتيها:
- سرحان في مين؟!! أوعى يا مازن وأنا مش موجودة تكون ممرضة غرغرت بيك ولا حاجة، والله هقتلها وهقتلك وهقتل نفسي عشان محدش يقولي عملتي كدا ليه!!!!
لم يستطيع السيطرة على ضحكاته ليضع يده على قلبه وهو يميل للأمام يضحك بهيستيرية لتشاركه هي، و فجأة سعل بقوة لتنتفض "فريدة" تسكب به ماء في الكوب، وقفت جواره لتسند رأسه ثم جعلته يرتشف منها، أبتسم بعد أن أنهى الكوب ليجلسها أمامه، أخذ رأسها بين كفيه ليطبع قبلة عميقة على شفتيها، بث بها معاني العشق بأكملها والذي لم يعلمه سوى بعد أن قابلها!!!!
• • • •
جلست "هنا" أمام شاشة التلفاز ممسكة بصحن مملوء بالفشار، عيناها ثابتة على الفيلم أمامها، أبتسمت بقوة عندما عانق البطل البطلة وهما يضحكا بسعادة، لتتحول أبتسامتها إلى عبوس خفيف قائلة ببراءة كالأطفال:
- بس دة في الأفلام بس، لكن في الحقيقة كل الرجالة زومبي!!!!
سمعت صوته يأتي من خلفها ساخراً:
- يعني أنا زومبي؟!!!!
جحظت عيناها بقوة لتمضغ الفشار الذي كان بفمها تحاول أبتلاعه بصعوبة ثم ألتفتت له، فوجدته واقفاً يضع كفيه في جيبه يطالعها بنظرات مستهزئة، نظرت له ببراءة وكأنها لم تقُل شئ، ليذهب هو بإتجاهها ثم جلس جوارها، مدّ يده ليأخذ العديد من حبات الفشار يحشرهما بفمه، نظر للفيلم ليردف بوجهٍ متجهم ونظرات متقززة:
- دة عيِّل مايص أصلاً أنما أحنا رجالة أوي!!!
جحظت بعيناها وهي تنظر ببلاهه، ليس لحديثه فقط بل لجلوسه جوارها يشاركها طعامها والفيلم الذي تشاهده، أعادت كلماته في رأسها لتضع كفيها في منتصف خصرها قائلة:
- لا والله؟!! وبعدين مين دة اللي مايص دة قمر وكيوت ورومانسي، مش أنت بارد و مش عندك قلب!!!
نظرت للشاشة بهيام واضعة كفها أسفل ذقنها ولم تلاحظ نظراته التي أظلمت فجأة، وعيناه التي تحولت لإحمرار شديد وكأنه مصاص دماء سيتجرع من دمائها الأن، ألتفتت له عندما لاحظت نظراته، وفور رؤيتها له زحفت للخلف على الأريكة قائلة بتوجس:
- أنت هتتحول ولا أيه يا ريان!!!!
جذبها من ذراعها له لترتطم بصدره مزمجراً، لتخرج نبرته غير قابلة للمزاح مطلقاً:
- إياكي توصفي جنس راجل ولا تمدحي فيه قدامي، أول و أخر مرة تعملي كدا فاهمة..!!!
تعالت نبضات قلبها بخوف لتمتلئ عيناها بالدموع، فهزها هو بقسوة صارخاً بوجهها:
- فــاهــمــة؟!!!!
أومأت سريعاً تحاول سحب رسغها من كفه، ليُبعدها هو ينهض تاركاً إياها تعاني مرارة قسوته وعشقها له!!!!
ضمت ركبتيها لصدرها تدفن وجهها بهما، لتشعر بكفٍ صغير يوضع على خصلاتها وصوت رقيق طفولي يقول:
- متسعليش (متزعليش) يا مامي...
رفعت أنظاره لصغيرها لتضمه لأحضانه تمسح دموعها قائلة بإبتسامة مرحة زائفة:
- مين اللي قالك أني زعلانه يا عمر؟!! أنا مش زعلانه ياحبيبي أنا بس نعسانة شوية..!!!
أبتعد عنها قائلاً ببراءة:
- مامي أنتِ قولتي قبل كدا أن اللي بيكذب بييوح (بيروح) الناي (النار)..!!! ليه بتكذبي دلوقتي، أنا سوفت (شوفت) بابي و هو بيزعقلك، و أنا سعلان (زعلان) منه..!!!
أبتسمت "هنا" على براءته لتحاوك وجهه بكفيها قائلة بحنو:
- حبيبي صدقني أنا وبابا مش بنزعق هو كان بيهزر معايا.. طب تعالى معايا و أنا هوريك..!!!
حملته بين ذراعيه لتتجه لغرفتهما، وجدته ينثر عطره الذي تعشقه على عنقه بعد أن أرتدى حِلة رسمية للذهاب للشركة، أقتربت منه ترسم أبتسامة على شفتيها قائلة بنبرة حاولت أن تجعلها طبيعية:
- ريان.. عمر بيقول أننا متخانقين قوله أنك كنت بتهزر معايا عشان مش مصدقني..!!!
أبتسم "ريان" لصغيره ليأخذه منها قائلاً بحنان و هو يمسد على خصلاته الناعمة:
- حبيبي أنا وماما بنهزر مع بعض بس أنت صغير مش هتفهم هزارنا .
كتف "عمر" ذراعيه أمام صدره قائلاً بعبوس:
- بس أنا سوفتها بتعيط...!!!!
أسرعت "هنا" قائلة بإبتسامة ملئت ثغرها:
- دة أنا كنت بعيط من الفرحة عشان أنا بحب بابي أوي أوي، كل مرة بيأكدلي حُبي ليه..!!!!
نظر لها "ريان" بدهشة تليها أبتسامة فهو قد أستشعر صدقها في الجملة الأخيرة، عندما تكذب"هنا" يظهر ذلك جلياً في عيناها، و هو يرى الأن عينان عاشقة خجولة، ألتفت الصغير لأبيه قائلاً بشك:
- و أنت يا بابي بتحب مامي؟!!!!
جحظت عيناه بصدمة للفخ الذي أوقعه طفله به، فهو الأن مضطراً أن يعترف لها علناً أنه يُحبها، إزدرد ريقه و هو ينظر لملامحها الباهتة تسقط عيناها للأسفل، ليسرع هو قائلاً و هو يجذبها من خصرها له وبذراعه الأخر يحمل صغيره، حاوط وجهها بكفٍ واحد قائلاً بإبتسامة:
- بموت فيها!!!!
سقط قلبها صريعاً لجملة تتكون من كلمتين، رفعت عيناها له بصدمة شديدة ليظهر شحوب قوي على وجهها، شعرت بتقلص معدتها من شدة التوتر و هي تنظر لعيناه مباشرةً تتمنى لو كانت تحلم لا تفيق بتاتاً!!!!، بينما أبتسم الصغير ليحتضن عنق أبيه بذراعه الصغير و عنق أمه يقربهما منه، ارتطمت المسكينة تلقائياً بصدره و هي لا زالت فاغرة شفتيها، يكاد يقسم لولا "عمر" لكان أنقض على ثغرها يقبلها بعنف ، حاوط كتفيها بذراعه مبتسماً لحالتها تلك بينما "عمر" يبتسم بغبطة شديدة!!!
• • • •
- أنت لسة زعلان مني؟!!
هتفت "ملاذ" بنبرة حزينة إلى "ظافر" الذي كان يرتدي ملابسه ليذهب لشركته، لم يُجيبها ليتجاوزها يقف أمام المزينة يلف رابطة العنق حول رقبته، تألمت "ملاذ" ولكنها فضلّت الصمت، سارت إلى خارج الغرفة لكي لا تزعجه ولكنها إلتفتت له عندما رأته يحاول ربط الرابطة، حتى أزعجته ليلقيها على المزينة مستنداً بكفيه عليها ينظر لأنعكاس صورته بالمرآة التي أمامه، أقتربت "ملاذ" منه لتلتقط رابطة العنق، لفّته لها من منكبيه لتقف أمامه ثم لفتها بإحترافيه، رفعت أنظارها له فوجدته ينظر خلفها يتجنب عيناها، اشرأبت "ملاذ" لتقف على أطراف أصابع قدميها ثم طبعت قبلة طويلة على وجنته، محاوطة وجهه بكفيها، و بسرعة البرق كانت تختفي من أمامه تركض خارج الغرفة، فضرب هو كفاً بكف يتخلى عن هدوءه قائلاً:
- متجوز طفلة ومجنونة، والله أنا أتخميت في الجوازة دي و أضحك عليا!!!!
خرج من الغرفة بعد أن أخذ هاتفه ومفاتيح إحدى سياراته، سار بوقار في القصر فوجدها تقف على الأريكة تتحدث إلى "رهف" بجدية و هي تذهب وتسير على الأريكة، كتم "ظافر" ضحكاته ليتحه نحوها يتسمع لحديثها وهي تضحك قائلة:
- ماشي يا مجنونة ربنا يهديكي..!!!!
نظر لها بتهكم قائلاً:
- يهديها هي بردو..!!!
فزعت "ملاذ" لوقوفه أمامها لتضع كفها على قلبها قائلة برعب:
- والله خضتني يا ظافر ربنا يسامحك!!!
ضحكت "رهف" على الطرف الأخر لتغلق معها بعد أن ودعتها، أستندت "ملاذ" على كتفيه لتسقط واضعة قدميها على الأرضية، حاوطها "ظافر" من خصرها لكي لا تسقط، فأبتسمت له قائلة بحماس:
- ظافر عايزة أتكلم معاك في موضوع مهمم اوي!!!
نظر لها بإستغراب قائلاً:
- موضوع أيه؟!!!
هتفت بعقلانية:
- لما ترجع طيب عشان متتأخرش!!!
أومأ بهدوء ثم كاد أن يذهب من أمامها و لكن أوقفته قائلة بحزن:
- مش ناسي حاجة؟!!
لم يفهم مقصدها لينفي برأسه، فحركت رأسها إيجابياً بعينان برقت بالدموع، لم يتحمل "ظافر" رؤية دموعها ليكوب وحهها بكلتا كفيه ثم طبع قبلة رقيقة على جبهتها مبتسماً بمكر:
- كل دة عشان بوسة، دة أنا على كدا عندي أستعداد أبوسك ليل نهار بس مشوفش الدموع دي..!!!!
ضحكت من قلبها لتومأ له بإيجاب، ليُقربها منه أكثر قائلاً بخبث:
- بس أنا بقا متمشيش معايا بوسة الأخوات دي!!!!
لم يُعطيها فرصة لكي تتحدث بل سارع بالهجوم على شفتيها يتجرع منها العشق كؤوساً، ثم أبتعد عنها ليذهب دالفاً خارج القصر، تاركه تبتسم بشرود..!!!
• • • •
سار نحو المطبخ حيث تقف هي تُطهي الطعام، أخرج تنهيداً مستمتعاً بالرائحة المنبعثة من حساء الفراخ، لتلتفت له مبتسمة، أتجه نحوها ليقف أمامها قائلة بإستفسار جدي زائف:
- ياترى هروح أعمل غسيل معدة أمتى؟!!!
ضيقت عيناها لتعقد ذراعيها عابسة بوجهها، تردف بحزن مصطتنع:
- بقى كدا؟!!!
لتتحول مائة وثمانون درجة عندما مدت كفها تضربه جوار قلبه قائلة بنبرة عنيفة:
- دمك خفيف يا بسلة..!!!!
وضع كفه على قلبه يصتنع الألم قائلاً بإقتضاب:
- دة انتِ إيدك أنشف من إيدي..!!
ذهبت من أمامه لترفع جسدها جالسة على رخام المطبخ قائلة وهي تشير إلى الطعام على النيران:
- وريني شطارتك بقا!!!!
عدّل ياقة قميصه قائلاً بتفاخر:
- عيب عليكي، دة انا طباخ قديم!!!
قلبت شفتيها تسخر منه لتشير بكفها إلى الطعام قائلة:
- أتفضل ياخويا..!!!
نظر إلى النيران العالية ليهداً منها قليلاً ثم ذهب تجاهها واضعاً كفيه على الرخام جوارها، يردف بجدية:
- قوليلي حاجة واحدة بس شاطرة فيها!!!!
نظرت له بحزن حقيقي قائلة بخفوت:
- قصدك اني فاشلة؟!!!
اومأ لها بجدية تامة ظهرت على وجهه، لم تمر سوى ثوانٍ لينفجر هو ضحكاً على وجهها الطفولي العابس، زمت شفتيها حزناً على سخريته منها لتقفز بجسدها على الأرض ثم همت بالذهاب من أمامه، فأوققها هو بدهشة ممسكاً بخصرها:
- لاء أكيد مزعلتيش يارهف!!! أنا كنت بهزر!!!
رفعت نظراتها له قائلة وهي ترفع كتفيها وبنبرة خاوية هتفت:
- عادي مزعلتش!!!!!
أبتسم على حماقتها فهو كان يمزح، ليضم رأسها لصدره قائلاً بإبتسامة مربتاً على خصلاتها:
- طب خلاص متزعليش، انا كنت بهزر محدش يقدر يقول على مراتي فاشلة!!!!
أبتسمت بشقاوة ليقهقه هو على برائتها، أكملت طهي الطعام ليدلف هو لغرفتهم، جلس على الفراش يعبث بهاتفه ليلتفت إلى هاتفها الذي صدح صوته بالغرفة، ألتقطه من فوق الكمود ليصرخ بصوتٍ عالٍ لكي تأتي "رهف" وترد، ولكن عندما لم يجد رد منها علِم انها لم تسمعه، نظر للرقم الذي يراه لأول مرة على هاتفها، فأنتابه الفضول ليعرف من، ضغط على زر الإيجاب ليضعه على أذنه قائلاً:
- الو؟!!
أتآه صوت أنثوي على الطرف الأخر يهتف بـ :
- مدام رهف موجودة؟!!
قطب حاجبيه بغرابة قائلاً:
- أنا جوزها.. في حاجة..!!!
تنحنحت الفتاة بحرج لتردف قائلة:
- كنت بتصل عليها عشان أفكرها أن عندها ميعاد النهاردة مع الدكتورة عشان تطمن على الجنين و تعرف نوعه كمان!!!!
أرتجف كفه الممسك بالهاتف، لينتابه شعور كما لو أُلقى عليه ماء بارد في الشتاء، ردد بنبرة لازالت لم تستوعب:
- جنين!!!!!!
• • • •
جلست جواره تضع قماشة مبللة بماء بارد على جبينه والدمعات تسقط كالشلال من عيناه و هي تتلمس وجهه الذي كما لو أن نيران تنبعث منه، أنثنت عليه لتلصق وجنتها اليمنى بجبينه بعد أن أبعدت القماشة ليفتح هو عيناه الناعسة ممسكاً بقبضتها يحتضنها بكفه قائلاً بصوتٍ مبحوح:
- فريدة والله أنا كويس، حبيبتي دة طبيعي عشان الدوا اللي خدته، شوية وهتنزل الحرارة، كفاية عياط ممكن..!!!!
أنتفض جسدها مع كل كلمة تخرج من فمها لشدة بكائها عندما قالت:
- الحرارة مش هتنزل لوحدها يا مازن، ومش هبطل عياط غير لما تبقى كويس..
امسك بخصرها سريعاً ليقرب جسدها منه دافناً وجهها بعنقه يردف برفق مبتسماً:
- لو مبطلتيش عياط دلوقتي هفضل مكتفك كدا ومش هتخرجي من حُضني أبداً!!!!
حاوطت خصره واضعة رأسها على صدرها قائلة بنبرة مهزوزة حزناً:
- خلاص يبقى هفضل أعيط.!!!!
قبّل خصلاتها لترفع هي رأسها بعيداً عن صدره وهي لازالت متشبثة به عدا كفها الذي وضع القماشة على جبينه مجدداً، ثم عادت تسند رأسها على صدره مغمضة عيناها ولازال ثغرها يُخرج شهقات خفيفة هدأت قليلاً عندما مسح على خصلاتها هبوطاً بظهرها، تشعر أنه أبيها الذي لم تنعم بحنانه قط، أبنته التي تخاف فقدان سندها في تلك الحياة القاسية، بعد قليل من الوقت شعرت بإنتظام أنفاسه لتزيح القماشة فوجدت حرارته أنخفضت قليلاً، بتلك اللحظة فقط قررت أن تأخذ قسط من الراحة لتنام بين أحضانه!!!!
• • • •
سقط قلبها أرضاً عندما سمعت صراخ "باسل" لتلتفت له برعب وقلبها يخفق بسرعة، وجدته يذهب تجاهها ليقبض على ذراعها يهتف بسُخرية شديدة ونبرة أرتعدت لها:
- طب كنتي قولتيلي أن عندك ميعاد مع الدكتور النهاردة، كنت جيت معاكي عشان أشوف أبني اللي قولتيلي أنه مات..!!!!!
أمتلئت عيناها بالدموع لتضع كفها على يده الممسكة بها تحاول أن تهدأه قائلة بخفوت:
- باسل أسمعني أنا آآآ...!!!
قاطعها عندما أبعد ذراعها بقسوة ليضع سبابته أمام شفتيه صارخاً بقسوة:
- أخرسي.. مش عايز أسمعلك نفس!!!!!
شهقت ببكاء شديد ليجذبها من ذراعها لخارج المطبخ ثم دفعها على الأريكة بعنف صارخاً:
- وانا اللي فاكر كل دة أن أبني مات بسببي أنا، بحاول أضحك عشان أنسيكي الموضوع بس أنا كان جوايا بيتقطع لما حتة مني ماتت، أبني اللي بتمناه من الدنيا خبتيه عليا، وليه؟!!! عشان سيادتك أنانية عايزة أبني يتربى من غير أبوه!!!!
ضمت جسدها إلى آخر الأريكة واضعة كفيها على أذنيها لشدة صراخه بها، نظرت لها بعيناها الغارقة بالدموع مغمغمة بأسف:
- كنت هقولك والله، بس خوفت من ردة فعلك..!!!!
شدد على ذهنه مزمجراً بقسوة ليطيح بمزهرية كبيرة على الأرض يهتف بصوتٍ صدح بالشقة:
- بــس أسكتي وإلا ورحمة أبويا هندمك على اللحظة اللي عرفتيني فيها!!!!
نظرت له بغضب لتنهض واثبة على قدميها تصرخ بوجهه:
- كنت عايزني اعمل أيه؟!!!! أقولك أني لسة حامل عشان متطلقنيش، أنا متأكدة أنك لو كنت عرفت مستحيل تطلقني، وانا مش قادرة أعيش معاك مش قادرة أسامحك!!!! أنت السبب في كل حاجة بتحصلي وجاي دلوقتي بتزعق!!!!
أنتفض مقترباً منها ممسكاً بذراعها صارخاً بنبرة مرعبة:
- بقولك أخــرســي!!!!!!
أدمعت عيناها من قوة قبضته على ذراعها لتنظر له بحسرة، قائلة بخفوت:
- أحنا بنأذي في بعض، تعالى نطلق يا باسل وكل واحد يشوف حياته!!!!
أبتسامة صغيرة لا تنم عن مرح زينت ثغره تليها ضحكات عالية ساخرة بقسوة حتى أدمعت عيناه، أرتعبت من تلك الحالة الذي بدى عليه، وبالحظات تحول للنقيض تماماً لتتوحش قسمات وجهه و هو يقول بنبرة مخيفة:
- أطلقك؟!!! أنتِ بتحلمي!!! هتفضلي هنا تحت رحمتي لحد أنا م أسمح أنك تمشي بعد مـ أزهق منك ومن كدبك وخداعك، وبعد مـ أخد أبني اللي مش هتشوفي ضُفره!!!!!
شهقت بعنف واضعة كفها على فمها تُكتم صدمتها، لتنهار باكية ممسكة بذراعه قائلة بترجي تحاول إثارة عطفه:
- لاء ياباسل والنبي، انا عارفة انك مش هتعمل كدا، باسل اللي حبيته ميعملش كدا، مش هتبعد أم عن أبنها أكيد!!!!
أبتسم بإستهزاء ليُبعد كفها يردف بسأم:
- أنتِ جايبة بجاحتك دي منين، ليكي عين تتكلمي أساساً!!!
نفت برأسها مبتعدة عنه صارخة بحُرقة حتى برزت عروقها:
- ياريتني مـ قابلتك و أتجوزتك، أنت أسوأ حاجة حصلتلي في حياتي!!! أنا بكرهك أوي و عُمري مـ هعيش معاك بعد كل اللي حصل!!!
أقترب منها عدة خطوات لتبتعد هي ضعفهم حتى إصتدمت بالحائط بقسوة، ليمسك هو كلا كفيها يرفعهما فوق رأسه ضاغطاً على عروقها بحدة لتغمض عيناها من شدة الألم، فـ أسترسل هو بنبرة خافتة ولكنها جعلت معدتها تنقبض لشدة الخوف:
- صوتك ميعلاش أحسنلك، عشان أقسم بالله انا في حالة مش هعرف أتحكم في نفسي وممكن أقتلك دلوقتي!!!!
خفق قلبها بعنف لتصمت تماماً تستمع لحديثه الناطق بالحقد:
- يعني مشيتي وسيبتي البيت بعد اللي حصل و سيبتيني ألِف في المستشفيات والاقسام والفنادق بدور عليكي، خليتي أمي واخويا اللي عمرهم م كذبوا عليا يسيبوني دايخ عشان الأقيكي وانا مش عارف اذا كنتي عايشة أساساً ولا ميتة، ولما لاقيتك كنتي في المستشفى وعرفتوني أن أبني مات وان انا السبب في كل دة طبعاً، جيت وراكي هنا عشان مسيبكيش و أعوضك عن اللي حصل، أستحملت أي كلمة قولتيها كأني مسمعتهاش و أقول لنفسي سيبها يا باسل تقول وتعمل اللي هي عايزاه اللي عملته فيها مش قُليل، أبنها مات في بطنها و هي زعلانه عليه ومش قادرة تسامحك، كل يوم تقومي بحالة مرة طلقني يا باسل وامشي من هنا مش قادرة أسامحك، ومرة تنامي في حضني و انتِ مبسوطة، كل دة أنا مكانش عندي مشكلة فيه، كنت بحاول أعوضك بالطريقة دي، حتى لما طلبتي الطلاق وقولتلك هطلقك يا رهف بس أصبري أسبوع مكنتش هطلقك، عُمري م كنت هبعدِك عني، كنت بس بقولك كدا عشان اعمل كل اللي اقدر عليه في الاسبوع دة وأقرب منك تاني، حتى أمبارح مزعلتش منك بعد الموقف اللي حصل دة، كنت بقول في سِري حقها، وحقها تعمل أكتر من كدا، ولما صالحتك وقتها مش عشان رجلك، عشان عرفت بعدها أنها مش وجعاكي ولا حاجة، بس أنا طلعت غبي، طلعتيني غبي قدام نفسي يا رهف مبروك، انا قولت مش عايزاني أقربلك عشان لسة زعلانه، أنما طلعتي مش عايزة كذبتك تتكشف!!! بس أهي أتشكفت، و أول م تولدي أبني هاخده وامشي وهحرمك منه زي م حرمتيني أني أعرف حملِك دة!!!!
وسط كلماته، عيناه الدامعة ونبرته التي بَحت في آخر كلماته تنم عن ألمِ ليس له مثيل، أصابعه التي طُبعت على رسغيها و حواجبه قاطبة، كل ذلك جعلها تتمنى لو أن تضم رأسه لها لربما تُهدأ من وضعه قليلاً، ولكنها تعلم أن نيرانه لن تخمد، شهقت ببكاء شديد نادمة عما فعلته به، ليتركها هو ثم أبتعد عنها يخرج من الباب ليغلقه بعنف أنتفض جسدها له، أنهارت أرضاً لتكور كفيها ثم أخذت تضربهم بالأرض حتى جرحتهما ، نهضت كالثملة تسير بصعوبة على الأرض، لتلتقط المزهرية ثم ألقتها أرضاً بجنون تستوعب أنها تخسر زوجها، أمسكت بأخرى لتفعل المثل حتى أصبحت حالة البيت لا يُرثى لها، شدت شعرها بعنف ثم وقعت أرضاً ليرتطما كفيها بقطع الزجاج ف أحدثا جرح غائراً بهما، مما جعل جسدها يتخدر من كثرة الألم، لترتطم رأسها بالأرضية فاقدة الوعي!!!!
• • ••
دلف "ريان" للمنزل في وقت متأخر من الليل مُجهداً، لينزع سترته ثم كاد أن يلقي بها على الأريكة بوهنٍ، ليتراجع بعد أن لاحظ وجودها على الأريكة نائمة بعمق، سار نحوها لينثنى عليها يُبعِد خصلاتها عن وجهها برفق، ثم وضع أحد ذراعيه أسفل كتفيها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بهدوء ذاهباً بها نحو غرفتهم ، وضعها على الفراش برفق ثم بدّل ملابسه في المرحاض ليخرج ملقياً بجسده جوارها دثرها جيداً ثم ظل نائماً على ظهره واضعاً ذراعه على عيناه، فـ أستفاقت هي فاتحة عيناها تنظر حولها بعدم أستيعاب:
- ريان .. أيه دة أنا فين، أنا نمت أزاي كدا.. ثواني هقوم أحضرلك العشا...
ألتفت لها ضاحكاً ثم ألتقطها بين أحضانه قائلاً بهدوء مبتسماً:
- حتى وأنتِ نايمة محنونة، نامي يا هنا ربنا يهديك ويصبرني عليكي!!!!
أستكانت في أحضانه تعانق خصره، ولكنها عادت تنتفض تفرُك عيناها حتى لا تنام قائلة ببوادر نعاس:
- لاء هقوم أعملك الأكل!!!!!
ضحِك بشدة و هو يأخذها في أحضانه ثم حاوط وجهها بأحد كفيه قائلاً بإبتسامة وهو ينظر لجفنيها اللذان يُغلقا بين الفنية والأخرى:
- هنا نامي أنا مش جعان، نامي تمام؟!!
أومأت بخفة ثم غُرقت في النوم لتظهر أسنانه لشدة ضحكه، ثم مال بثغره يُقبل فمها المزموم بحنان ليذهب هو أيضاً في نومٍ عميق!!!
• • • •
عاد "ظافر" للقصر ليجده مظلم تماماً، صعد الدرج لجناحه ليجده الوحيد الذي تنبعث الأنوار منه، دلف ببطئ حذِر فوجدها تنام على معدتها فوق الفراش خصلاتها الناعم معقوصة بأحد الأقلام، أمامها أوراق بيضاء كبيرة يسير القلم عليها بتناغم، لم تلاحظ وجوده رغم أنه أغلق الباب بطريقة ملفتة، ولكنها كانت منغمسة في عالمها لا تريد من أحد أن يوقظها، سُرعان ما أخرج "ظافر" هاتفه ليلتقط لها صورة و أبتسامة حانية ترتسم على شفتيه، أقترب منها ثم جلس جوارها لتنتفض فزعة تجلس على ركبتيها واضعة كفها على قلبها تردف بعدم استيعاب:
- والله حرام عليك يا ظافر، دة انت بتخُضني قبل وبعد الأكل ولا كأنه دوا..!!!!
أخذ الرسمة ليطالعها بإنبهار شديد مما جعلها تبتسم بشغف شديد تضم كفيها لصدرها قائلة وهي تميل برأسها نحوه:
- حلوة؟!!!
نظر لها بدهشة مبتسماً:
- أنتِ بتعرفي ترسمي يا ملاذ!!!
حلت خصلاتها بعد أن أبعدت القلم عنهم تعود بخصلاتها للخلف في حركة مفتخره وهي تقول بغرور:
- عيب عليك والله!!!!
قهقه بشدة عائداً برأسه للخلف لتنظر له بنظرات جانبية وهي لازالت ترفع أنفها للأمام بشموخ، لم يستطيع أن يتحكم في نفسه ليقترب منها مقبلاً أنفها وشفتيها يُلثمها برقة ثم أبتعد ينظر في عيناها و أهدابها التي تتحرك بطفولية، ثم حمحمت بخجل لتنظر للرسمة بسعادة فخوة بنفسها، ولكنها رفعت عيناها ثانيةً صارخة بحماس وهي تقفز من فوق الفراش:
- أستنى هوريك حاجة!!!!
ضحك "ظافر" بشدة على أفعالها ثم جلس بإعتدال يُراقب محاولاتها المستميتة في الوصول لأخر رف في الخزانة تقف على أطراف أصابعها، لينهض هو قائلاً بجدية:
- عايزة أيه وانا أجيبهولك!!!
أشارت لأعلى قائلة سريعاً:
- في آخر رف هتلاقي بوكس لونه أحمر كدا هاتُه!!!!
وبالفعل أخذه "ظافر" بدون عناء ليُعطيه لها لتأخذه هي ثم قفزت على الفراش لتجلس عليه مشيرة له بالجلوس أمامه فـ فعل، فتحت الصندوق لتخرج صورة بها طفلة صغيرة بضفيرتين مبتسمة بشدة وكأنها في أسعد لحظات حياتها، و فور وقوع عيناه على الصورة سقط قلبه أرضاً ضحية للعشق لتنهار عليه ذكرياتهما معاً وهما أطفال، عندما حملها بين ذراعيه يُحميها من شر أبيه، عندما أخذها لغرفته لتستلقى على الفراش والدموع عالقة بأهدابها، لربما كانت هذا الصورة قبل الحادث بقليل، عاد ينظر لها وهي تضحك نفس تلك الضحكة، ليبتسم هو بحنان عندما أعطته صورة أخرى تنظر للكاميرا بتلك النظرة البريئة و التي تجعله يود لو يأكلُها، لتبتسيدم "ملاذ" وهي ترى عيناه اللامعة تُقسم للمرة المليون أنها تعشق هذا الرجل، ستظل تعشقه لآخر نفسٍ تلفظُه، فنظر هو لها وكأنه يسمع ما تقول ثم وضع الصور بداخل الصندوق ليلتقطها بين أحضانه مقبلاً خصلاته، فسمع نبرتها الحزينة وهي تغمغم:
- ظافر أنت مش زعلان مني عشان اللي عملتُه صح؟!!!
قطب حاجبيه قائلاً:
- عملتي أيه بالظبط؟!!
ظلت في أحضانه ولكنها عادت برأسها له قائلة بحرج:
- أول حاجة عشان كنت فكراك مش كويس وكنت عايزة أخد حقي منك، وتاني حاجة يعني عشان قولت لفريدة وكدا!!!
- لاء خلاص مش زعلان..!!!!
هتف بإبتسامة ثم أنقض على شفتيها كما لو كان أسد وجد فريسته بعد أن ظل جائع لأيام!!!!
• • • •
أبتعدا جفنيها عن بعضهما بسكون، فوجدت نفسها كما هي مستلقية على الأرض و الزجاج غارزاً في باطن كفيها، بكت من ألم قلبها وليس لألم جسدها، لم تقوى على النهوض، أو ربما كانت تعاقب نفسها بتلك الطريقة، بعد قليل وُجدت باب الشقة يُفتح، ليدلف "باسل" الذي أرتعب من منظرها وسقوطها على الأرض بينما بقع الدماء تحوط كفيها، وعيناها تفتح ثانية وتُغلق الأخرى، ناهيك عن الشقة التي كما لو حدث بها زلزال، ركض نحوها ليحملها راكضاً خارج الشقة ثم تجاوز الدرج في ثواني قليلة ليتجه نحو سيارته ثم وضعها جواره، أستقل محله ليسابق الرياح في سرعته، ينظر لها بين الحين والآخر فيجدها نائمة لا حول لها ولا قوة!!!!
• • • •
صرخ بالأطباء و هو يحملها بين ذراعيه ليأتوا له طاقم من الأطباء ذوي الخبرة العالية، وضعها على الفراش المتنقل ليأخذوها فوراً يفحصوها، بينما جلس هو على المقعد ونبضات قلبه تتسارع، معدته تؤلمه من التوتر وحبات العرق ملتصقة بجبينه، بعد قليل خرج له الطبيب قائلاً يُطمئنه:
- متقلقش يا باسل بيه مافيش حاجة واضح أن المدام أتعرضت لصدمة ودة اللي سببلها الإغماء، بس الإزاز اللي كان في إيدها للأسف ساب جرح عميق شوية في إيد واحدة أما الإيد التانية حالتها تمام الحمدلله،أحنا هنلف إيديها الأتنين و إن شاء الله مع الكريمات اللي هكتبهالها و المراهم هتبقى تمام..
لا يعلم لما شعر بأن قلبه آلمه بعنف، و هو يندم على أنه ضغط عليها بتلك الطريقة التي جعلتها بهذه الحاله، ليردف للطبيب بنبرة جامدة..زائفة:
- طيب وهتفُك الشاش دة أمتى؟!
- المفروض تيجي الأسبوع الجاي نشوف الجرح!!!
أومأ "باسل" ليتجاوزه يدلف لها دون إستئذانه، و فور دخوله للغرفه أُعتصِر قلبه بقسوة عندنا وجد كلتا يداها ملفوفتيه وعيناها تنظر أمامها، أقترب منها ببرود قائلاً بنبرة خاوية:
- بقيتي كويسة؟!!!
أومأت و هي تنظر له بحزن، لتزيح الغطاء بقدميها ثم وضعت قدميها على الأرض وكادت أن تقف حتى تتأهب للذهاب، ولكنها في ثوانٍ معدودة وجدته يحملها بوجهٍ جامد، لتسند هي رأسها على كتفه و الدمعات تنهمر من عيناها كالشلالات، خرج من المشفى ثم وضعها في مقعدها ثم أغلق الباب بعنف لتنتفض هي باكية بحُرقة، أستقل السيارة جوارها ليسير بها بسرعة و صوت بكائها القوي يُحفر في ذاكرته، طوال سيرهم في الطريق لم تتوقف عن البكاء و هو لم يعيرها إهتمام!!!!
• • • •
وصلا للمنزل لتخجل "رهف" من الأشياء المحطمة، لتلتفت له قائلة بعفوية:
- انا هنضف الشقة وانت نام..!!!!
ألتفت لها قائلاً بنبرة تحذيرية:
- متلمسيش حاجة فيها، أنا هجيب حد من القصر ينضفها!!!!
نظرت له بحزن، ألتلك الدرجة لا يريدها أن تعبث بشئ بشقته، ولكنها وجدته يردف بسخرية:
- ولا تكوني هتنضفي برجلك مثلاً!!!
نظرت لكفيها لتعلم سبب ما قاله، شعرت بسعادة خفية أنه لازال خائف عليها، ولكنها عادت تزفر بإختناق و هي تتمنى لو أنها ترى كابوساً وستفيق منه، كاد أن يذهب لغرفتهم لتردف هي قائلة بنبرة مختنقة من كثرة البكاء:
- أنا هنام في أوضتي عشان متضايقش!!!!
لم تسمع سوى صوت الباب يُصفع بقوة، أبتلعت تلك الغصة في حلقها بقسوة لتدلف لغرفتها مرتمية على الفراش بحزن شديد..!!!!
• • • •
شعرت بكفوف صغيرة تتلمس وجهها توقظها من نومها ليداعب أذنها صوتٍ طفولي يقول بعجلة ونبرة خائفة:
- مامي، مامي قومي بقا!!!!
فتحت عيناها تنظر لصغيرها لتنهض مغمغمة بنبرة ناعسة:
- في أيه يا عمر؟!!!
قال عمر بذعرٍ و هو يشير للخارج:
- في حد في أوضتي يا ماما!!!!
جحظت بعيناها برعب لتلتفت لكي توقظ زوجها صارخة بإرتعاد:
- ريـــان، ريـان قـوم!!!!!
أنتفض "ريان" على صراخها قائلاً بحدة:
- في أيه يا هنا حد يصحي حد بالشكل دة، أنتِ أتجننتي؟!!!
حملت "هنا" صغيرها قائلة بوجهٍ شاحب:
- عمر بيقول أن في حد فـ أوضته!!!!
قطب حاجبيه يحدة فمن يجرؤ على الدخول لمنتصف بيته!!! لينهض سريعاً ثم أخذ مسدسه من خزانته، ليشير لهم مزمجراً بنبرة تحذيرية:
- إياكوا تتحركوا من هنا!!!!
أنفعلت "هنا" قائلة بصوتٍ عالي وهي تتقدم منه حاملة "عمر":
- لاء طبعاً أنا جاية معاك!!!!
صرخ بها "ريان" بنبرة أرعبتها:
- هـــنـــا!!!!!
تسمرت في محلها ليتابع هو السير واضعاً المسدس بين كفيه يتأهب ليصيب أي شخص يتعرض لعائلته، فتح غرفة أبنه لتدور عيناه بحذر بين أرجاء الغرفة، فوجد ظلٍ يتحرك تجاه الشرفه، صرخ "ريان" بقوة ليشتت أنتباهه راكضاً نحو الشرفة ولكن للأسف قفز من الدور الأول ولم يستطيع اللحاق به، رفع المسدس في السماء ليضرب طلقات متتالبة حتى يخاف الأخير الذي كانت سرعته فائقة، ألتفت عندما سمع "هنا" خلفه تبكي بخوف محتضنة ولدُها الذي أخفى أنفه بعنقها، وضع السلاح جانباً ليمضي نحوهها، حاوطهما بذراعيه يقبل جبين طفله، لتردف هي بنبرة مهتزة:
- مين دة يا ريان، وعايز أيه مننا؟!!!
مسح على خصلاتها قائلاً بحنان:
- أهدي مافيش حاجة، هجيبه.. لو تحت الأرض هجيبه متقلقيش!!!
حاوطت خصره ليعانق "عمر" أبيه الذي أخذه ليجلسه على فراشه قائلاً:
- عمر حبيبي أحكيلي اللي حصل!!!!
- أنا كنت نايم يا بابي وبعدين حسيت بحد بيتحيك "بيتحرك" في الأوضة، ولما قومت وبصيت لقيت حد في البلكونة بيحاول ينُط، ف جيت وقولت لمامي!!!!
أومأ "ريان" و هو يحاول أن يهدأ من روعه، ليحمله بحضنه ثم أخذها من كفها متجهين لغرفتهم، لينام "عمر" في الوسط محتضناً والدته من عنقها..!! بينما هو لم ينام!!!!
• • • •
تتسود صدره ترتدي أحد قمصانه البيضاء، لتسمع صوته يقول بنبرة غريبة:
- ملاذ!!!!
رفعت نظراتها له بدهشة ليردف قائلاً بشرود:
- أنتِ تعرفي ريان مش كدا!!!!!
أرتعش جسدها كما لو كان هواء بارد عصفها، لتزدرد ريقها جالسة على الفراش أمامه قائلة بتوتر:
- هعرفه منين أصلاً، أنا شرحتلك كل حاجة في المستشفى!!!!
أعتدل في جلسته أمامها ليقبض على رسغها قائلاً بنبرة سوداوية:
- قولتلك قبل كدا مبحبش الكدب، إياكي تكدبي عليا وقوليلي دلوقتي أنتِ تعرفيه منين!!!!
قطبت حاجبيها بألم قائلة وهي تحاول نزع كفه بعيداٌ عنها:
- ظافر!!! إيدي هتتكسر!!!!
- أنطقي!!!!
صرخ في وجهها بقسوة لتقول هي سريعاً:
- هقولك والله بس سيب إيدي!!!
ترك ذراعها لتنظر هي له بندم قائلة بتردد:
- ريان ، ريان كان بيحبني من زمان وكان عايز يتجوزني!!