اخر الروايات

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سارة محمد 



افية على جسر عشقي الخامس والعشرون:
ألتفت الجميع حول الطبيب الذي أخذ ينظر لهم بنظرات لا تبشر بالخير، نظف حلقه ثم تمتم بصوتٍ هادء:
- العملية نجحت الحمدلله، بس آآآ..!!!!!!
سارت قشعريرة بجسدها عندما وجدته يصمت ناكساً رأسه للأسفل لتردف بصوتٍ مهزوز:
- بس أيه يا دكتور، مازن ماله؟!!!

نفذ صبره لينقض "ظافر" قابضاً على تلابيبه صارخاً بعنف :
- مـ تنطق!!!!

أرتعب الطبيب ليضع كفيه على "ظافر" يحاول إبعاده قائلاً بصوت خائف:
- مازن بيه دخل في غيبوبة، ومش عارفين ممكن يفوق منها امتى!!!!!!

ترك "ظافر" الطبيب وصوت البكاء المفاجئ من خلفه إنهمر على أذنيه، ركضت "فريدة" نحو النافذة الزجاجية فوجدته مستلقي هادئ ليس مثلما أعتادت عليه، أنهمرت في البكاء لتهرول نحو باب الغرفة فمنعها "ظافر" الذي أسرع قائلاً:
- فريدة أهدي مينفعش تدخلي!!!!

ألتقطتها "ملاذ" بين ذراعيها لتقبل خصلاتها قائلة بعطف:
- أهدي يا حبيبتي!!!!!

وضعت "رقية" يدها على قلبها تستند على أبنتها تطلق تآوهات متألمة، ركض "باسل" نحوها يقبض على خصرها واضعاً رأسها على قلبه، بينما صرخ "ظافر" في الطبيب يضرب بكفه الأيسر على الحائط:
- ورحمة أبويا أطربق المستشفى دي على دماغكوا لو حصله حاجة، هنسفكوا من على وش الأرض فاهم!!!!!

• • • •

دلف "ريان" لشقته حاملاً صغيره، وقفت زوجته في أستقباله أقل ما يُقال عنها بارعة الجمال، ذات أعين سوداء و بشرة بيضاء صافية، جوار خصلاتها التي تصل لرقبتها بلونها الأسود، أبتسمت لصغيرها الذي ما إن أنزله أبيه حتى ركض في أحضان والدته، فتحت ذراعيها له لتقبل وجنته و هي تقول بصوتٍ رقيق:
- يلا يا حبيبي عشان تتعشى وتنام..

أومأ الصغير برضى ثم ركض لغرفته، أعتدلت "هنا" في وقفتها لتقترب منه قائلة بحنو:
- ريان أيه اللي حصل معاك؟!!!

كان ينظر لها ببرود، نزع بذلته ليلقي بها على المقعد، ثم ذهب تجاه الغرفة دون أن يعيرها اي أهتمام، مرّ من أمامها لتبرق هي عيناها بالدموع، أنتفض جسدها لصوت الباب الذي أُغلق بقسوة، لتنظر خلفها متنهدة بألمٍ، سارت خطوات وئيدة لتقف أمام الباب، طرقت على الباب ثم دلفت ببطئ، وجدته يقف في شُرفة غرفته تحوطه هاله من دخان لُفافة التبغ القابعة بين أصبعيه السبابة و الإبهام، عيناه شاردة كما هي دائماً، فركت أصابعها بتوتر ثم أقربت منه ووقفت جواره في الشرفة تحاوط كتفيها لشدة البرودة، رفعت عيناها له ومالعادى بدى أنه حتى لم يشعر بوجودها، فلم تشعر بنفسها وصوت بكاءها يعلو في سكون الليل، ألتفت لها "ريان" مقطباً حاجبيه يهتف برفق:
- بتعيطي ليه؟!!!

نظرت له وجسدها ينتفض أثر شهقاتها، أسرع يحاوط كتفيها بذراعيه ليربت على ظهرها يستشعر جسدها المرتجف، أعتلت الدهشة ملامحه فتمتم بغرابة ووجهه قبالة وجهها:
- ليه دة كله يا هنا..!!!

نظرت له لتسأله بصوتٍ غلب عليه الحزن:
- ريان أنت مش بتحبني صح!!!!

رفع حاجبيه بصدمة، ف طيلة فترة زواجهم لم تسأله هذا السؤال قط، لأنها حتماً تعلم إجابته، ف "ريان الجندي" لم يُقدم قلبه على طبق من ذهب سوى لـ واحدة، لم ولن يعشق سواها، لم يخفق قلبه سوى لها، لم تلمع عيناه سوى لرؤيتها، ليكسو الجليد قلبه بعد أن تركته، وكأنه يقسم بأن لا توجد فتاه تتربع على عرشه سوى "ملاذ"، عندما تزوج بـ "هنا"لم يختارها لأنه أحبها، أو لأنه شعر بشعورٍ مختلف عندما رآها، هو تزوجها فقط لينتقم لكبريائه الذي دُعس عليه، وليرضي غروره بفتاة وقعت بعشقهُ مثلما وقع هو بعشق ملاذُه، سَخر من تقلبات الزمن ف "هنا" تذكره بنفسهُ عندما عشِق وليته لم يفعل، كان يتنازل لأقصى درجة مثلما تفعل هي معه الأن، ظلت "هنا" تطالعه بعيناها الكاحلتان تترجاه بتواصل بصري أن يكذب ويخبرها أنه يحُبها مثلما تفعل هي، تمنت لو أن بداخله القليل.. فقط القليل من المشاعر لها وهي سترضى بها، أنتظرت كثيراً حتى يتحدث، عيناها مُثبتة على عيناه التي نظرت في مكان بعيداً عن حدقتيها، ذراعيه أبتعدا عن خصرها ف صفعها هواء الشتاء على وجنتيها وكانه يُفيقها من أحلامها الوردية، سقطت عبراتها زحفاً على وجنتيها عندما أبتعد عنها تاركاً إياها تقف في منتصف الشرفة بحدقتي لامعتان بالعبرات الساخنة، ألتفتت بأنظارها لداخل الغرفة عندما سمعت باب المرحاض يُصفع مِن قِبله، وضعت كفها على قلبها تواسيه لتعلو شهقاتٍ حاولت أن تكتمها داخل جوفها بكفها الأخر، وسرعان ما دلفت خارج الغرفة حتى لا تتبعثر كرامتها أكثر عندما يسمع أنينها المتألم، توجهت لغرفة صغيرها وقبل أن تفتح الباب تأكدت من مسح دمعاتها و إزالة أي أثر يُظهر حزنها، فتحت باب الغرفة لتجد المُربية جالسة معه تُداعبه ويلعبا بالألعاب خاصته، ولكن ما إن راى الصغير والدته ركض نحوها لتحمله "هنا" بأحضانها تُقبل كل إنش بوجهه، نظرت لها المُربية _ذات العُمر الذي يُناهز اوائل الأربعينات _ بعطف شديد لتردف بتهذيب:
- عُمر غيرتله هدومة و حضرتله العشا، تؤمريني بحاجة تانية يا ست هانم؟!!!

نظرت لها "هنا" بإمتنان قائلة بإبتسامة خفيفة:
- انا بجد مش عارفة من غيرك كنت هعمل أيه، بس لو تبطلي هانم دي وتقوليلي هنا بس هنبسط اوي..

نظرت المربية أرضاً بخجل قائلة:
- يا هانم الناس مقامات، وبعدين انا اللي مش عارفة من غير طيبة حضرتك وريان باشا وكرمكم معايا كنت هعمل أيه، ربنا يعلم أنك بتفكريني بـ بنتي الله يرحمها كانت في نفس طيبة قلبك وبياضه كدا..

أنهت جملتها وهي تنظر لها تتأمل ملامحها بعينان دامعتان لتسرع "هنا"نحوها بعد أن جعلت "عمر" يقف أرضاً ثم وقفت بجانبها تمُد أناملها الرقيقة لتمسح دموعها من فوق وجنتيها المجعدة تردف بلهفة:
- وحياتي عندك متعيطيش، وبعدين هو أنا أطول يبقى عندي أم بالحنية دي!!!

شهقت الأخرى قائلة وهي تربت على كتفيها:
- دة انتِ تطولي ونص يابنتي ربنا يُجبر بخاطرك زي مـ بتجبري بخاطري كدا!!!

أحتضنتها "هنا" لكي تشعر بحنان الأم الذي فقدته، ف أحتضنتها الأخيرة بصدر رحب تمسد على خصلاتها بحنان، أبتعدا الأثنتان بعد وقتِ لتستأذن المُربية تذهب لشقتها القابعة أسفل شقتهم بعد أن أستأجرها لها "ريان"..

حملت "هنا" ولُدها ليستلقا على الفراش، فأستغرب الصغير يسأل ببراءة:
- هتنامي معايا يا مامي!!!!

أومأت "هنا" وهي تدثره بالغطاء المرتسم عليه أحد الأشخاص الكرتونية ثم وضعت رأسها على الوسادة لتفتح ذراعيها بمرحٍ قائلة :
- تعالى في حُضن مامي..!!

أرتمى "عمر" في أحضانها بسعادة غامرة فحاوطت جسده بأكمله بذراعيها، قبلت خصلاته تتمتم بحماس:
- بفكر أخُد مكان دادة نادية وانام جنبك بُكرة كمان!!!

صفق الصغير سريعاً بكفيه الصغيرتان ليشرأب بعنقه ثم طبع قبله على وجنتها فـ أمتلئت الغرفة بضحكاتهم السعيدة، وبعد قليل من الوقت غفى الصغير بأحضان والدته أما هي فلم يزور النوم جفنيها، فهي عندما لا تكُن جواره لا تستطيع النوم، أبتسمت ساخرة عندما ذكرها عقلها اليوم وهي تحتضن طفلها لمحت شبح غيرة بمقلتيه، ولكنها عادت تنفي أفكارها التى من صنع خيالها، تخبر قلبها الساذج أن الغيرة تُساوي حب، والحب لا يُساوي "ريان"، ظلت على حالها لا تستطيع النوم سوى بعد ثلاث ساعات وأخبراً أغمضت عيناها بنعاسٍ
• • • •

فتح الباب ببطىء حذِر ثم دلف ليغلقه خلفه، إبتسم بخفة عندما شاهد منظرهما الذي داعب حواس الأبوة داخله، وقف أمام الفراش جوار صغيره ثم أنثنى عليه ليمسح على خصلاته يليها قبلة فوق جبينه، لمست شفتيه جبهتها أيضاً لقربها من صغيره، أبتسم بحنان لينثنى عليها أكثر ليُلثم شفتيها المزمومتان بقبلة رقيقة للغاية جعلتها تُرفرف سعادةً وهي تظن أنها بإحدى أحلامها الوردية، أبعد "ريان" خصلة متمردة سقطت على وجهها يتأمله بروّية، ثم بعد وقتٍ ليس بقصير نهض وهو يدثرهم جيداً، أغلق الأنوار إلا من نور خافت حتى لا يرتعب "عمر" ثم أغلق الباب برفق خلفه..!!!!

• • • •

غفت "ملك" بأحضان زوجها كذلك "رقية" التي تمنع غلق عيناها بصعوبة، أتجه "ظافر" لها ليجلس جوارها ثم هتف بلين:
- قومي يا أمي باسل هيروحكوا ترتاحوا شوية!!!

نفت "رقية" بشدة قائلة لحزن:
- انا مش عتحرك من مُطرحي غير لما أخوك يبجى زين!!!

هتف "ظافر" بصرامة وأعصابه على وشك الإنفجار:
- يا أمي وجودكوا هنا مش هيفيدوه بحاجة، روحوا أرتاحوا و أول م الصبح يطلع باسل هيجيبك، بلاش عِند لو سمحتي!!!!

نظرت له والدته بخيبة أمل لتتنهد بحُرقة قائلة:
- بتعلي حِسك عليا يا ظافر؟ الله يسامحك يابني..خلاص أنا همشي زي مـ انت رايد والصبح هاچي...

شعر "ظافر" وكأن هناك كف ضخم أعتصر قلبه حتى نزف لآخر قطرة به، فسرعان ما أمسك بكف أمه ثم قبله عدة قبلات متتالية، ليُقبل رأسها أيضاً قائلاً بحنان بالغ:
- دة أنا صوتي يتقطع قبل م يعلى عليكي ياست الكل!!!

تابع قائلاً بهدوء:
- انا بس شايفكوا تعبتوا ف لازم تروحوا ترتاحوا وأي جديد انا هقولك على طول، وقولي لفريدة تروح معاكوا حتى عشان تشوف يزيد..

أومأت "رقية" ثم مسحت خصلاته برقة لتنهض ف أسرع "باسل" بالنهوض ليسبقهم لسيارته ممسك بكف "رهف" يرفض تركه، حاول "جواد" إفاقة "ملك" ولكنها كانت في سُبات عميق، فحملها بين ذراعيه وقبل ذهابة أكد على "ظافر" قائلاً بحسم:
- اول م الشمس تطلع هبقى هنا وتروح أنت وترتاح..

أوما "ظافر" ليذهب الأخير من أمامه، وبالفعل أقنعت الأم "فريدة" أن تذهب معهما بعد كثير من المجادلات، بينما "ملاذ" جالسة تنظر له بعطف فهي الوحيدة من تستطيع تمييز نظراته، والأن هي ترى شقاء وهمٍ لم تراه بعيونه من قبل، و قبل ذهاب "رقية" قالت إلى "ملاذ" بلطف:
- يلا يابتي تعالي معانا!!!

نهضت "ملاذ" قائلة برفضٍ تام:
- لاء يا ماما انا هفضل مع ظافر..!!!

رفع عيناه الباردة لها ليردف قائلاً بجفاء:
- أنا مش عايز حد معايا، روحي معاهم!!!!

رغم قسوة نبرته وكلماته، ولكنها أصرت أن تبقى معه مهما كلفها ذلك، بعد ذهابهما جلست "ملاذ" على المقعد تتأمله و هو واثباً أمام غرفة "مازن" يواليها ظهره، زفرت ببطئ تُربش أهدابها في محاولة بائسة لمقاومة النعاس الذي أكتنفها، ضمت ركبتبها إلى صدرها لتضع رأسها عليهما، لينتفض جسدها لصوته البارد عكس ما أعتادته من دفئ:
- هحجزلك أوضة هنا تنامي فيها، مينفعش نومتك دي..!!!

رفعت رأسها بدهشة فـ كيف رآها و هو يواليها ظهره، نظرت للزجاج فوجدت صورتها منعكسة، تراخت ملامحه تردف بصوتٍ نبع منه حنو شديد:
- لاء أنا مش هنام وأسيبك، أنا أصلاً مش نعسانة..!!!

ظل كما هو على حاله دون أن يرُد عليها، فـ بُهِت وجهها الذي أسندته على الحائط خلفها، وسُرعان ما أستسلمت للنوم دون قصد منها، ألتفت لها "ظافر" بإبتسامة ساخرة ليُقلد صوتها بخفوت:
- أنا أصلاً مش نعسانة!!!!

ذهب نحوها ليجلس متأملاً وجهها المزين بالحجاب، اندثرت ذراعه من أسفلها ثم حاوط كتفيها ليسند رأسها على كتفه، أقترب منها بثغره ليطبع قبلة صغيرة على عيناها..~

• • • •

دلفا الجميع للقصر ليذهب "جواد" إلى جناحهما حاملاً زوجته الغافية، كما فعلا "باسل" و "رهف"، بينما جلست " رقية" مع "فريدة" تحتضنتها في بهو القصر وهي تقرأ القرآن بصوتٍ رخيم..

وضعها على الفراش برفق ثم دلف للمرحاض ليُبدل ملابسه بأخرى أكثر راحةً مردتياً بنطال ثقيل باللون الأسود تعلوه كنزة سوداء ذات حمالات عريضة تلتصق بصدره،
أقترب من "ملك" ثم نزع الحجاب برفق حتى لا يزعجها في نومها، أطلق خصلاتها للعنان ليذهب للشرفة لكي يُدخن سجائره، مسح على وجهه بإرهاق فـ هو لن ينسى ذلك اليوم العصيب طيلة حياته!!!، ظل هكذا ما يُقارب الساعة، أسترق السمع لتآوهات خافتة تليها همهمات بصوتٍ باكي، إلتفت إلى "ملك" سريعاً ليجد رأسها تتحرك نفياً ووجهها غارق بالدمعات، ألقى بالسيجار ليركض نحوها منثنياً بجزعه العلوي عليها يمسح دمعاتها و هو ييقول بصوتٍ عال:
- ملك فوقي يا حبيبتي، مــاــك!!!!!

أنتفضت "ملك" لتفتح عيناها تشهق سريعاً كالغارقة، تشبثت بكنزته بقوة وهي تنظر حولها برعب:
- فين مازن، مازن فين يا جواد!!!!

تابعت بتوسل وعينان تشعان رجاء:
- عشان خاطري وديني عنده يا جواد!!!!

ضم رأسها لصدره لتحاوط هي خصره بكل ما أوتيت من قوة، جلس جوارها ثم حملها كالطفل بين ذراعيه المفتولين ليجلسها على قدمه، حاوطت عنقه بذراعيها تبكي بخفوت، ليبعد هو وجهها عن صدره ثم حاوطه بكفه والأخر حاوط به خصرها، قبّل جبينها برقه ثم مسح دمعاتها بأنامله لتنظر هي له برجاء قائلة:
- عايزة أروح لمازن!!!

هتف بحنان و هو يضُمها له أكثر:
- حاضر.. هتروحيله والله، بس دلوقتي أرتاحي ونامي ياحبيبتي ممكن؟!!

حاوطت عنقه بقوة قائلة بإرتعاب:
- خليك جنبي ياجواد متسيبنيش!!!!!

قرّب جسدها منه يمسد على ظهرها يردف بحنو:
- مستحيل أقدر أسيبك!!!!

• • • •

جلس "باسل" على أقرب أريكة وجدها منحنياً بجزعه العلوي يسند رأسه على كفيه، أشفقت عليه "رهف" لتجلس جواره تردف برقة:
- كل حاجة هتبقى كويسة إن شاء الله!!!
رفع رأسه لها ليبتسم بتكلفٍ يومأ برأسه لها، ثم نظر أمامه مضيقاً عيناه كالصقر، لتسترسل هي بلطف:
- أنا هنزل أجهزلك العشا..

همت بالنهوض لتجده يقبض على كفها و هو يقول بهدوء:
- مليش نفس يارهف..!!!!

نظرت له بحزن ثم ربتت على كفه قائلة:
- لازم تاكل يا باسل أنت مكلتش حاجة من أمبارح!!

- صدقيني والله مش قادر اكل، لو جعت هقولك ياحبيبتي!!!!!
هتف بملامح متقلصه، لتومأ هي بإستسلام، تركها ونهض ليدلف للغرفة ثم ألقى بجسده على الفراش مغمضاً عيناه، دلفت "رهف" وراءه ثم أخذت غطاء من الخزانه، أغلقت الأنوار ثم أتجهت للأريكة لتستلقى عليها، لم يمر دقيقة لتجد نفسها معلقه في الهواء، شهقت برعب لتتشبث بـ "باسل" قائلة بحدة:
- نزلني با باسل أنت أتجننت؟!!!!

هدر "باسل" بعنف و هو لازال يحملها:
- أخرسي يارهف!!!

ألقى بها على الفراش لتتآوه "رهف" بألم تحاوط معدتها بخوف، رفع سبابته في وجهها بحدة قائلاً:
- أعملي حسابك لو نمتي على الكنبة تاني هجيبك كل مرة بالطريقة دي، فـاهـمـة!!!!!

أغرورقت عيناها بالدموع وهي تشعر بنغزات حادة في بطنها تتمنى أن لا يصيب جنينها مكروهاً، نظرت لها بحقد لتصرخ به قائلة:
- أنت غبي والله!!!!

رفع حاجبيه بدهشة لينثنى عليها قائلاً بنبرة تحذيرية:
- مسمعتش قولتي أيه؟!!!

نظرت له بحزن ثم أبعدت ذراعيها عن بطنها حتى لا يشك بالأمر، أستلقت على الفراش تواليه ظهرها مغمضة عيناها بأسى، فـ متى سيعلم الحقيقة وكيف ستكون ردة فعله!!!

أستلقى الأخير جوارها ثم مدّ ذراعه ليضم جسدها له حتى ألتصق ظهرها بصدره، حاولت "رهف" إبعاد ذراعه ولكن لم تستطيع، أسند "باسل" رأسه على كفه ليُلثم عنقها بقبلة رقيقة جعلتها ترتعش، أبتسم وهو يرى تأثيره عليها، عاد يطبع عدة قبلات متتالية على نبض عُنقها لتلتفت له "رهف" تردف بنبرة ضعيفة:
- باسل لو سمحت..!!!!

- شششش!!!!

قاطعها و هو يضع سبابته على شفتيها يتلمسها بأنامله، أغمضت "رهف" عيناها وداخلها صوت يُريده أن يبتعد، و ألف صوت يتمنى لو أن يقترب أكثر، خفق قلبها بعنف عندما عانق شفتيها بشفتيه في قبلة دامت لدقائق، حاولت "رهف" إبعاده ولكن لم تستطيع لإرتخاء كل خلية بجسدها وسط لمساته الحنونة للغاية، وضعت كفيها على صدره مغمضة عيناها ليمسك هو باطن راحتها يقبلها بعشق، نظرت "رهف" لبطنها التي أنتفخت قليلاً، لتجحظ عيناها رعباً، فهو هكذا بالتأكيد سيكتشف كل شئ، نظرت له برجاء قائلة بتوسل:
- باسل عشان خاطري بلاش!!!

توقف لينظر لها بغموض لتبتعد هي تغلق أزرار قميصها العلوية، أبتعد عنها لينهض ثم دلف للمرحاض صافعاً الباب خلفه بقسوة!!!!

نظرت "رهف" في أثره لتنهض نصف جالسة تتمتم بخفوت تمنع بكائها:
- لازم أقوله، حرام كل دة يفضل فاكر أن أبنه مات!!!!

بعد قليل خرج "باسل" بوجهٍ متجهم، لتنهض "رهف" ثم أمسكت ذراعيه قائلة:
- باسل أنا عايزة أقولك حاجة مهمة!!!

أبعد ذراعه عنها ثم أتجه نحو الفراش يردف ببرود:
- مش عايز أسمع حاجة!!!!

لمعت عيناها بالعبرات لتذهب جالسة جواره على الفراش قائلة بحزن:
- طيب أسمع حتى أنا هقولك أيه!!!!

ألتفت لها بوجهٍ جامد قائلاً:
-لاء!!!!!

أومأت بخيبة أمل ثم أغلقت الأنوار لتنام في آخر الفراش لا تستطيع السيطرة على شهقاتها الخافتة، فهي تعلم أن برفضها له ضغطت على وتر حساس ألا وهو كرامته، و "باسل" لا يقبل بتاتاً أن يمِسْ أحد كرامته!!!، ألتفتت له فوجدته نائم على ظهره واضعاً ذراعيه على عيناه مثلما أعتاد، فركت أصابعها بتوتر حزين لا تعلم ماذا تفعل حتى لا تتركه ينام حزيناً، جاءت على خاطرها فكرة جنونية ولكن ستفعلها، نهضت من على الفراش برفق و هي تنظر له بمكر، نظرت للمزينة لتميل ثم ضربت الخشب بكفها لتعود ممسكة قدميها صارخة بألم، أنتفض "باسل" بتوجس ليثب راكضاً نحوها يحاوط خصرها قائلاً بقلق شديد:
- في أيه مالها رجلك؟!!!!

نظرت لها بحزن زائف وهي تحاوط عنقه بذراع والأخر لازال ممسك بقدميها:
- أتخبطت في التسريحة..!!!!

حملها "باسل" مقطباً حاجبيه وهو يقول بلوم :
- مش تاخدي بالك وانتِ ماشية؟!!!

أبتسمت بخبث متشبثة بعنقه لتعود تزم شفتيها قائلة:
- أصل أنا كنت بعيط وعيني غشلقت ومشوفتش حاجة فـ أتخبطت..!!!

نظر لها بصدمة ليتوقف عن التحرك قائلاً:
- غشلقت؟!!!!

أومأت ببراءة ليبتسم وهو يضعها على الفراش برفق ثم جلس أمامها، أمسك بقدميها يتفحصها بلهفة، نظرت له "رهف" بعشق و أبتسامة تزين ثغرها، رفع "باسل" نظراته لها قائلاً بإستغراب:
- انتِ اتهبلتي يارهف؟!! بتضحكي على أيه!!!

أطلقت ضحكة مستمتعة ليضرب هو كفاً بآخر بقلة حيلة، ثم أمسك قدمها مجدداً يقول:
- رجلك مافيهاش حاجة..!!!!

وضعت كفها على قدمها المصابة قائلة بغنجٍ:
- بس بتوجعني أوي يا باسل..

ضيق عيناه بشك، لينهض قائلاً:
- هكلم دكتورة تيجي تشوفها..!!!

أنتفضت "رهف" قائلة بإندفاع:
- لاء مش لازم..!!!!

ضم ذراعيه أمام صدره ينظر لها بنظرات ذات مغزى، لتفتح هي ذراعيها على آخرها قائلة بإبتسامة:
- خدني في حضنك بقا با بسلة!!!!

ظهرت أسنانه اللؤلؤية مبتسماً بشدة على تصرفاتها الطفولية، جلس جوارها ثم ضمها لأحضانه لتحاوط هي خصره بقوة تبتسم أبتسامة خفية وأخيراً حققت مرادها..!!!

• • ••

يسير في الشقة ذهاباً وإياباً بأعصاب تالفة، يزمجر بعنف و هو يضغط على هاتفها بقسوة صارخاً:
- يعني أيه تنزل من غير م تقولي؟!!! وكمان ناسية موبايلها هنا..!!!!

أنزوى الصغير وراء المقعد خوفاً من صراخ أبيه، بينما هتفت الدادة "نادية" بقلق:
- يارب استر عليها ورجعها بالسلامة..!!!

ذهبت الدادة لتحتضن الصغير لتطمأنه وسط صراخ أبيه، ليقطع ذلك الجو المذبذب دخول "هنا" بعد أن أغلقت الباب بلهفة، ألتفت "ريان" لها لينكمش وجهه قسوةٍ، ضغط على أسنانه بحدة ليهتف و هو لازال ينظر لها بنظرات سوداوية:
- خدي عمر وادخلي أوضته يا مدام نادية!!!!!

وبالفعل انصاعت له تفعل ما يؤمره بها، بينما نظرت له الأخيرة بدهشة فـ لأول مرة تراه بهذه الحالة، لطالما أعتادت منه البرود ولم تراه أبداً بتلك الهيئة طيلة حياتها، أقترب هو منها يُضيق عيناه قائلاً بهدوء يسبق العاصفة:
- كنتي فين؟!!!!

إزدردت ريقها و هي تنظر له بتوجسٍ، فعيناه الحادة تثير بها شتى أنواع الخوف، وقبل أن تتحدث صرخ بها بعنف و هو يلقي بهاتفها الذي كان في يده أرضاً:
- أيــه أتـخـرسـتـي!!!!!!

أرتدت خطوة للخلف بصدمة ليقبض هو على ذراعها يُقربها من صدره مزمجراً:
- هتفضلي لحد أمتى عديمة المسؤلية كدا، نازلة وسايبة ابنك في اوضته لوحدة بيعيط ومن غير أصلاً مـ تقوليلي وكمان مخدتيش موبايلك معاكي!

حاولت "هنا" إمتصاص غصبه كما تفعل دائماً، لتضع كفها على كتفه و هي تقول برفق:
- ريان إهدى.. ممكن تهدى عشان نعرف نتكلم..؟!!

أبعد ذراعها عنه بحدة قائلاً:
- مش هتنيل أهدى!!!!

أخذت نفس عميق ثم أبتعدت عنه لتمد كفيها بالكيس البلاستيكي التي كانت تحمله وهي تقول بجمود:
- لما قومت من النوم كنت سخنة ومصدعة جداً، نزلت اقرب صيدلية وجيبت مسكنات وڤيتامينات، وبعدين قابلت صاحبتي فـ قعدنا نتكلم مع بعض شوية، ومسيبتش عمر لوحدة زي مـ بتقول قولت للدادة تطلع وتقعد معاه ومقولتلهاش أني تعبانة عشان متقلقش وانت كمان متقلقش..!!!!!

صُدِم من حديثها لينظر للكيس البلاستيكي والمدوّن فوقه أحد أسامي الصيدليات، ليُبعد عيناه عن عيناها بحركةٍ يفعلها عندما لا يعلم ماذا سيقولؤ أبتسمت "هنا" بألم لتهم بالذهاب من أمامه لولا كفه الذي أمسك ذراعها بلطف يمنعها من الذهاب، تلمس جبينها بـ باطن راحته فوجدها بالفعل كما لو أنها تحترق، أندهشت "هنا" لإهتمامه بها، شعرت بقلبها يقرع كالطبول عندما أستشعرت دفئ كفه على وجهها، تأملت عيناه الرمادية وهي تجاهد في إخفاء إبتسامتها ولكن داخلها يتطاير فرحاً، تنهد "ريان" ثم هتف برفق يناقض تماماً حالته السابقة:
- حاسة بأيه؟!!!

حركت أهدابها دهشةً لتبتسم بإتساع و هي تقول بحماس تضم كفيها لصدرها:
- فرحانة أوي..!!!!!

قطب حاجبيه بغرابة قائلاً:
- فرحانة وانتِ تعبانة؟!!!

ليكمل قائلاً بجدية زائفة:
- حاسس أني عندي طفلين مش طفل واحد، دة حتى عمر اللي مكملش 5 سنين عقله أكبر منك..!!!

ضيقت عيناها غضباً تزُم شفتيها بحزن قائلة:
- بقا كدا يا ريان، يعني بتتريق عليا وانت شايفني تعبانة وسخنة ومصدعة..؟!!!

عقد ذراعيه أمام صدره ليومأ برأسه يحُثها على الإكمال فهو أعتاد على تقلُبها المريب، وبالفعل تابعت هي تشير له بحدة خفيفة:
- وبعدين على فكرة انا طبيعية جداً، انت اللي هادي وجامد زيادة عن اللزوم، بجد بحس انك لوح تلج..!!! النهاردة بس أول مرة أشوفك متعصب اوي كدا، ريان هو انت بجد خوفت عليا؟؟!!!!

أندهش من سؤالها المفاجئ فهذا لم يكن ضمن حديثها اليومي، ولكن بالفعل لِم قلق من عدم وجودها وهو لا يكِن لها أيّة مشاعر من الحب، لِم شعر بالخوف عندما بحث عنها بالمنزل ولم يجدها، شعر بفراغ داخله، مجرد تخيله أنها ستذهب بلا عودة يشعره بالإختناق، يشعر كما لو أن حياته باتت دون معنى، و رُغم البراكين التي تُقام داخله لم يظهرها على ملامحه التي جمدت فجأة ليردف بجفاء:
- أنا مبخافش من حاجة غير من اللي خلقني ياهنا، إحساس الخوف أنا عُمري مـ جربته ولا يمكن بني آدم يخليني أخاف، يمكن قلقت عليكي، لأن لو حصلك حاجة أبني هيعيش يتيم الأم، يعني قلقي كان على أبني مش أكتر..!!!!!

هل تعلمون ذلك الشعور عندما ينفطر قلبك نصفين، هل مررتم بهذا الإحساس، عندما تتأهب كل خلية بجسدك على أن تسمع فقط كلِمة تنعشك للحياة مجدداً، وتتفاجئ بقسوة تلك الحياة، وصفعة تلي الأخرى تسقط على وجهك دون رحمة، هذا ما شعرته "هنا" بالضبط، أرتفعت حرارتها أكثر وإزداد ألم رأسها وقلبها، وكأن جسدها يصرخ طالباً للحياة التي لن يجدها، نظرت "هنا" أرضاً تخفي دموعها عن مرمى عيناه، ثم رفعت عيناها مجدداً لتبتسم له أبتسامة جعلته يشعر بأن قلبه يعتصر ألماً، وكلماتها التي كانت كـ ألم الملح فوق الجرح:
- شكراً أنك عرفتني قيمتي عندك!!!!!!

سارت "هنا" من أمامه وقدميها بالكاد تحملها، دلفت للمرحاض الذي في بهو الشقة ثم أغلقت الباب بحدة، أستندت عليه بظهرها لتضع كفيها على فمها تكتم بكائها بعنف حتى أشتعل وجهها إحمراراً وضاقت أنفاسها، أبعدت كفها ثم مضت نحو الصنبور لتفتح المياه، أخذت تنثرها على وجهها لعلها تفيق من دوامة أحلامها..، وتحيا بذلك الواقع المؤلم!!!!

• • • •

فتحت عيناها لتتحرك أهدابها تحاول أستيعاب أين هي، ولكنها سرعان ما أدركت جلوسها في أحضانه، ألتفتت له لتجده جالس كما هو، و عيناه الحمراء أخبرتها أنه لم ينام، زمت شفتيها تشفق عليه وهي تتأمل ملامحه المجهدة، أمسكت بذراعه المحاوط كتفيها لتقبض على كفه بحنانٍ قائلة برفق:
- ظافر..!!!

ألتفت لها "ظافر" بشرود، وكأنه أصبح جسد دون روح، أبعدت ذراعه عنها لتفتح ذراعيها بدورها قائلة:
- تعالى..!!!

دامت نظراته لها ثانية.. ثانيتان.. وفي الثالثة تفاجأت به يلقى برأسه على كتفها لتحاوط هي منكبيه بصعوبة لـ عرضهما، لم تتخيل أنه سيجعلها تحتضنه بتلك السهولة، "ظافر" و إن أنهار الجميع حوله يبقى هو ثابتاً يقف على أرض صلبة بشموخ، لا يتزحزح بل ويمد الأخرين بالقوة، ولكنه كالبشر يضعف ويسقط احياناً، مسدت على خصلاته ممسكة بكفيه بقوة، سقطت بعيناها له لتجده مغمض العينان بإستسلام تام، نظرت أمامه لتجد "مازن" كما هو، مطت شفتيها بحزن ثم ظلت على حالها تعبث بخصلاته حتى أسترخى هو تماماً!!!!

• • • •

- خُدي بالك منها ومن عمر، انا لازم اروح الشركة وهحاول متأخرش، أدويتها تاخدها في مواعيدها، ولو حصل أي حاجة كلميني ع طول يا مدام نادية!!!

أومأت الأخيرة وداخلها يتطاير فرحاً، فـ و أخيراً أظهر رب عملها إهتمامه بزوجته، تركها هو ليخرج من المنزل سريعاً، بينما دلفت "نادية" لغرفتهم والأبتسامة تعلو وجهها، ولكن تخشبت قدميها على الأرض عنما وجدت وجهها الأحمر الباكي والممتلئ بالدمعات، جوارها "عمر" نائم على الفراش بعمق، هرولت لها "نادية" بلهفة لتضمها لصدرها قائلة بحزن:
- يا حبيبتي يابنتي!!!! ليه يابنتي العياط دة كله، محدش يستاهل صدقيني..!!!

أنفجرت "هنا" في البكاء قائلة بنبرة ينفطر القلب لها:
- أنا تعبت منه خلاص، كل مرة بقول يمكن يتغير، يمكن يحبني زي مـ انا بحبه، أو حتى يكدب عليا ويقولي انه بيحبني، مافيش فايدة ، دة حتى لما نزلت من غير م أقوله مخافش عليا، خاف على عمر لأن لو حصلي حاجة هيتربى من غير أم، تخيلي يا دادة للدرجة دي انا مش فارقة معاه!!!

نفت "نادية" قائاة بلهفة وهي تمسح على ظهرها:
- يا بنتي متصدقيش، دة لسة دلوقتي قبل ما ينزل بيقولي خدي بالك منها وأديكي أدويتك في مواعيدها، يبقى أزاي بقا مش خايف عليكي؟!!

أبتعدت عنها قائلة سريعاً بحزن شديد:
- مش عشاني .. عشان عمر، عشان اخد بالي منه، طول مـ انا تعبانة مش هعرف أهتم بـ عمر..!!!!

زمت الأخرى شفتيها لا تعلم بماذا تجيبها، ولكنها عادت تقول وهي تربت على وجنتيها اليُمنى:
- والله يا هنا دة أنتِ ست البنات، أي حد يتمنى يبقى مكان ريان بيه، هو بس مش حاسس بالنعمة اللي في إيده، بس أنا متأكدة هييجي يوم وهيعرف قيمتك، بس أنتِ لحد مـ ييجي اليوم دة متستسلميش وخليكي معاه دايماً، وأنا متأكدة أنه هيعشقك كمان!!!!

أبتسمت "هنا" بسخرية وهي تشعر بنغزٍ في قلبها قائلة:
- بقالي سنين بحاول أخليه يحبني، سنين بتمنى كلمة حلوة منه، سنين واقفة معاه وفي ضهره، بس خلاص يا دادة، انا خلاص تعبت، كفاية كدا عليا، لو عمر مكنش معايا كنت أطلقت.. بس أنا عايزة عمر يتربى مع أمه و أبوه.. ودة اللي هيحصل، بس انا مش هرجع مع ريان زي زمان، هحاول أكرهُه بكل الطرق..!!!!

نظرت لها "نادية" بعطف لتقترب "هنا" منها أكثر محتضنة كفيها قائلة سريعاً:
- داداة ممكن لو ضعفت أو حسيت أني مش قادرة أنساه ومش قادرة أكرُهه تفوقيني؟! حتى لو هتضربيني بالقلم عشان أفوق، بس متسبنيش في الدوامة دي، فكريني بكل حاجة وحشة عملها معايا، اللي أنا مش فاكرة حاجة منها دلوقتي!!!!

• • • •

وقفت "فريدة" على قدميها أمام غرفته لازالت تطالعه بعينان دامعتان، تتوسله بصمت أن ينهض ويتلقاها بين ذراعيه كعادته، تريد فقط لو أن تنظر لعيناه الكاحلتان مجدداً، ظلت سويعات تبكي بخفوت، فقط شهقات تجعل جسدها يرتجف بقسوة و دمعات تحفر طريقها على وجنتيها، نفت "فريدة" برأسها وهي ترتد للخلف مرددة بهيستيرية:
- لاء أنا عايزة أدخل، عايزة أتكلم معاه، أنا هدخل!!!

ألتفتت للعائلة لتذهب إلى "ظافر" تترجاه:
- ظافر هُما بيسمعوا كلامك هنا، قولهم يدخلوني، دقيقتين وهطلع بس عايزة أتكلم معاه، ظافر وحياة ملاذ عندك تدخلني!!!، أنا أول مرة أطلب منه طلب.. عايزة أدخله عشان خاطري، مازن أصلاً بيحبني وهيفوق لما يلاقيني تعبانه من غيره كدا، مش هيقدر يسيبني كدا عشان بيحبني، أنا متأكدة أنه هيحس بيا وهيفوق ع طول!!!!

أشفق "ظافر" على حالها ليومأ لها بهدوء ثم ذهب يبحث عن الطبيب المختص بحالة أخيه، رغم إيماءته البسيطة إلا إنها كانت كـ قطرة مياة أنعشت الحياة بها بعد لُهاثٍ، ألتفتت إلى مازن لتبتسم وسط دمعاتها وهي لا تصدق أن ستدلف له، ربتت "ملاذ" على كتفيها تساندها، فلو كان زوجها بتلك الحالة لا تسطيع تخيل ما ستفعله، ألتفتت "فريدة" فوجدت "ظافر" يأتي نحوها، أقتربت منه هي ليهتف قائلاً:
- أدخلي بس حاولي متتأخريش!!!!

و في ثانية واحدة كانت داخل الغرفة، جالسة على مقعد أمامه، أمتد كفيها المرتعشان إلى كفه، أمسكت به بلطف لتضع أسفل ذقنها، أنهمرت الدموع من عيناها و هي تردف بخفوت رقيق:
- ليه بتعذبني معاك، ليه عايز تأذيني وتعذبني في بُعدك؟!!، مازن أنا قولتلك أني مليش حد في الدنيا دي غيرك، قولتلك أن لو حصلك حاجة والله هموت وراك، ورغم كدا دخلت في غيبوبة، رغم كل دة بردو بتهرب، مازن قوم عشان خاطري، قوم وخدني في حضنك و طبطب عليها وقولي متعيطيش، أنا مش عارفة أنام من أمبارح مش قادرة أنام، حاسة أن روحي بتتسحب مني وانا شايفاك كدا، قلبي واجعني جداً كأن في سكينة غارزة فيه!!!!

رفعت رأسها لتُزيل دمعاتها سريعاً وهي تشير له بسبابتها قائلة بحزن:
- خلي بالك يامازن لما تقوم أنا هحاسبك على كل اللي أنا فيه دة عشان كل دة بسببك، قوم يلا عشان عايزة أتخانق معاك..!!!

حاوطت كفه مرة أخرى برفق قائلة:
- أنا عارفة أنك بتحبني أوي ومش هتسيبني وتمشي، مش ههون عليك صح؟، مش هتسيبني لوحدي في الدنيا وتمشي مش هتعمل فيا كدا أنا عارفة!!!!

أقتربت منه أكثر لتستند برأسها على ذراعه بإرهاق ممسكه بكفه، وبالفعل داعب النعاس جفونها كما توقعت، فالنوم لن يزورها إلا وهي بقربه، أغمضت عيناها ولازالت الدمعات عالقة على وجنتيها لا تتحرك، شعرت بأناملٍ تحفظها عن ظهر قلب تمسد على وجنتيها ماسحة دموعها، أبتسمت "فريدة" تظن أنها بحلمٍ رائع تتمنى لو أن يقف الزمن بها عند تلك النقطة!!!، ولكنها تفاجأت بصوته الدافئ مغمغماً بخفوت:
- فريدة..!!!!!!

أنتفضت "فريدة" من فوق المقعد واضعة كفيها على فمها بصدمة، ألتفت لها "مازن" برأسه وعلى ثغره أبتسامة صغيرة، يفتح ذراعه لها و هو يشير لها بالأقتراب منه، لم تعي "فريدة" ما حدث بتلك الثواني، لترتمي بأحضانه جالسة على الفراش تحاوط عنقه بذراعيها تنفجر من البكاء، ليعانقها هو بأحد ذراعيه مقبلاً خصلاتها، أبعدت رأسها عنه ليبعد هو خصلاتها عن وجهها يتأمله وسط حديثها الباكي:
- أنا مش مصدقة والله حاسة أني بحلم، خُوفت أوي عليك يا مازن، و خوفت تسيبني!!!

أومأ لها و هو يعيد خصلاتها خلف أذنيها ثم أمسك بكفها يُقبله برفق قائلاً:
- لآخر نفس فيا هفضل جنبك، عُمري مـ هسيبك أبداً!!!!!

عانقته بقوة لتدلف العائلة بعد أن رآوه في النافذة الزجاجية، لتنهمر الضحِكات السعيدة، وكأن روحهم رُدت لهم!!!!!

• • • •

تمددت على الأريكة بإرهاق، تحاوط جسدها بغطاء ثقيل، تشعر بدوار وهذا ضمن أعراض الدواء الذي أخذته، نظرت لساعة الحائط لتبتسم بسُخرية فهو دائماً ما يأتي بعد منتصف الليل، وكأنه يهرُب منها، ألتلك الدرجة هي لا تُطاق؟، أنسابت دمعاتها متنهدة بحرقة ولكنها عادت تزيلهم بعنف ترفض ذلك الضعف الذي يتلبسها، ضمت ركبتيها لصدرها عندما سمعت باب الشقة يُصفق بحذر، أغمضت عيناها تتصنع النوم خوفاً من مواجهة عيناه الرمادية، دلف "ريان" للغرفة ثم أغلق الباب خلفه، قطب حاجبيه عندما وجدها نائمة على الأريكة، ليمضي نحوها ثم جلس جوارها، مَدّ باطن كفه ليتلمس جبينها نزولاً بوجنتيها فوجد حرارتها زالت قليلاً، حمد ربه في سره لينتقل كفه يعبث بخصلاتها القصيرة مبتسماً، أقترب بثغره لأذنيها هامساً بهدوء:
- عارف أنك صاحية، مش بتعرفي تمثلي..!!!!

فتحت عيناها اللامعتان بالدموع ليبعد هو ثغره عن أذنها ثم وضع وجهه قبالة وجهها، نظر لعيناها الداكنة ليرى أنعكاس صورته بها لشدة بريقها، حمحم بتوتر ثم هتف بهدوء جامد:
- قومي نامي في السرير، أنتِ عارفة أني مبحبش الحركة دي!!!!

شعرت بأوداجها تنتفخ لتنهض نصف مستلقية قائلة بنبرة حادة متمردة:
- مش فارق معايا بتحب الحركة دي ولا لاء، ومن هنا ورايح هنام على الكنبة أو مع عمر، والسرير دة مش هلمسه يا ريان!!!!

قبض على رسغها قائلاً بجمود شديد وملامح متشنحة:
- أولاً متعليش صوتك وانتِ بتتكلمي معايا، ثانياً مبحبش الدلع دة فـ قومي نامي في السرير من سُكات!!!!!

نفضت يده عن ذراعها لتنظى لرسغها الذي صُبغ بلون أحمر داكن أثر قبضته، أرتفعت بنظراتها له قائلة بقسوة:
- وانا قولت مش هنام جنبك .. مش بالعافية!!!!!

نهض "ريان" يحاول التحكم بأعصابه لكي لا يتهور ويفعل شئ يندم عليه لاحقاً، كوّر قبضتيه غارزاً أظافره بها فـ نظرت لهما "هنا" بخوف ظناً منه أنه سيضربها، نظرت لعيناه المغمضتان بشدة لتردف بنبرة أهتزت رغماً عنها:
- حتى لو هتضربني مش هنام غير على الكنبة!!!!

فتح عيناه بدهشة لينظر لها وهي تضم قدميها إلى صدرها تستند بذقنها على ركبتيها وهي تنظر بعيداً عنه، شعر بنغزات متتالية بقلبه ليتنهد بعنق ثم مال نحوها مستنداً بكفه على ظهر الأريكة خلفها وجهه لا يبتعد سوى إنشات عن وجهها، نظرت له ببراءة ليهتف هو يقول بهدوء ممتزج بلُطفٍ خفي:
- أنا عمري مديت إيدي عليكي قبل كدة؟!!

حركت رأسها نفياً بطفولية ليسترسل هو متابعاً:
- أومال ليه بتقولي كدا؟!!

نظرت لأصابع يدها لا تعلم بماذا ستجيبه، ليقول هو ولازال قريباً منها:
- هسيبك تنامي النهاردة على الكنبة، النهاردة بس!!!!

ظلت على حالها تفرك أناملها توتراً، تأمل خصلاتها القصيرة والتي يعشقها، لتسقط خصلة متمردة على وجهها فأسرع هو بإعادتها خلف أذنها قائلاً بصوتٍ دافئ أذاب المسكينة:
- خدتي أدويتك كلها؟!!!

أومأت دون أن ترد تتهرب من عيناه، ليرفع ذقنها له مثبتاً أنظاره على شفتيها قائلاً بإبتسامة:
- كلها؟!!

إزدادت نبضات قلبها بسرعة رهيبة، لتزدرد ريقها و هي تراه يقترب بشفتيه نحو شفتيها، و وسط قلبها المرفرف، وجسدها المستكين، وعيناها العاشقة، أنتفض العقل كما لو أصيب بصاعقة كهربية يُخبرها أن تُبعده سريعاً، يُذكرها بقسوة الكلمات التي ألقاها بوجهها صباحاً، وقبل أن تلمس شفتيه لشفاهها أبعدته من صدره و صدرها يعلو ويهبط، استغرب هو فعلتها فلأول مرة تُبعده عنها، دائماً هي من تمنت قربه، بل ودائماً كانت مستسلمة بين يداه، أعتدل في وقفته لتستلقى على الأريكة تُدير ظهرها له، تحتضن جسدها كالطفل الصغير، شعر "ريان" بالصدمة من المشاعر التي تختلجه، لينفي برأسه يرفض التصديق، ثم بدّل ملابسة بالغرفة المخصصة لذلك، ألقى بحسده على الفراش يحمد ربه أنها ليست بجواره الأن، ف يُقسم أنه كان سيفعل أشياء لا تصدر سوى من عاشق، وهو بالطبع ليس كذلك!!! أو هذا ما يحاول إقناع نفسه به!!!!

• • • •

يتبع..!!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close