رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي الثاني والعشرون:
توقفت الحروف على أعتاب ثغرها، لتسير قشعريرة عصفت بجسدها بأكمله، زاغت أنظارها وهي تنظر له بصدمة تجلت على ملامحها، تنظر إليه وكأنها تتشبع برؤيته لتحفظ تلك الذكرى داخل عيناها، شعرت بأنها بحلمٌ تعلم أنه سيقلب حياتها رأساً على عقب، أرتدت خطوة واحدة تنفي تجسّده أمام عيناه بهيبته و وسامته التي تذيبها، تنفي وجود ذلك الشوق والحنان بعيناه ألتفتت لتجد أخيها يركض له بإندفاع صارخاً بإسمه لينحنى هو له يستقبله في أحضانه بإبتسامه هادئة، ثم حدق بها لتظل هي تنظر له بعيناها الواسعتان فحدث بينهما تواصل بصري قال ما لم يستطيع اللسان قوله، لقد تغير وهي تعترف بذلك، أصبح أكثر هيبة، أكثر جدية، و أكثر وسامة، عند تلك النقطة تمنت لو أن تذهب لتلكم وجهه الوسيم، تخبره أنها كم تكره نفسها لأنها شعرت بمشاعر تختبرها لأول مرة معه، تخبره أنه لا يجب أن يعود ويدمر حياتها بعد أن جاهدت في بنائها مجدداً، تخبره كم تكره رؤيته.. وكم أشتاقت له!!!!
عندما دلف من الباب و هو يجدها تخرج من المطبخ تتهادى في سيرها ممسكة بصينية، وجهها الذي أزداد جمالاً لم يظهره تلك الصورة، خصلاتها التي أزدادت طولاً ساقطة على وجهها بنعومة، شفتيها التي أظهرت عن اسنانها المتلألئة، زالت الأبتسامة التي تشكلت على ثغرها عندما رفعت أنظارها له لهتاف أخيها، فسقطت أنظاره على الوعاء الذي أنسكب أرضاً، ليعود بأنظاره الجامدة على ملامحها المصدومة وكأنها للتور تعرضت لصدمة كهربية، لانت ملامحه عندما شعر بإرتجاف جسدها الذي لا يُخفي عليه، تنهد بخفة وهو يتمنى لو أن يذهب لها ليحتصنها بقسوة ممتزجة بحنان لم تراه مسبقاً، يخبرها أنه نادم، آسف، يخبرها أن لا يوجد شخص على الكرة الأرضية أغبى منه لأن لم يستغل كل ثانية ليبقى بجوارها، ينعم بقربها قبل أن تنقبض روحه، نظر إلى الصغير الذي هرول نحوه ليجلس على ركبتيه حتى يكون في مستواه، ثم فتح ذراعيه له ليرتمي "يزيد" في أحضانه محاوطاً عنقه، ثم قبله على وجنته التي نبت بها ذقنه، قائلاً ببراءة:
- وحشتني أوي ياعمو مازن!!!!!
أبتسم له "مازن" ثم قبّل وجنتيه بحنو ليهتف بصوته الرجولي الذي جعل جسدها بأكمله يرتجف و هي لازالت تنظر لهم:
- أنت أكتر يا يزيد!!!!
هتف "يزيد" بعفوية مندفعاً و هو يصفق بكفيه:
- أخيراً رجعت وفريدة مش هتعيط تاني!!!!
نظر له "مازن" بصدمة لينظر إلى "فريدة" التي ألقت لأخيها نظرة حانقه ثم سقطت بأنظارها لقدميها عندما وجدته محدقاً به، ليبتسم هو بشوقٍ لا يصدق أنها كانت تبكي عندما أبتعد عنها، نهض سريعاً عندما رأى والدته تركض نحوه غير مصدقة بأن فلذة كبدها يقف أمامها، ألقت بجسدها البدين في أحضانه محاوطة خصرها لتبكي بقهرٍ، حاوطها "مازن" مربتاً على ظهرها، ليبعدها عنه، ثم مسح دمعاتها قائلاً بحنان بالغ:
- أهدي يا أمي، ليه العياط دلوقتي بس!!!
أمسكت بكفه لتقبله بإشتياق لتحاوط وجهه تقبله ببكاءٍ شديد وسط ضحكاته على أستقبال والدته له، لتهتف "رقية" قائلة بلومٍ:
- ليه ياضنايا الغيبة دي كُليتها، حرام عليك يابني تعمل فينا أكده أنا كنت بطمن عليك كل يوم من ظافر وباسل بس هُما مجالوليش أنك چاي ياحبيبي، ليه إكده يامازن تحرمني منك المدة دي، موحشتكش ياحبيبي، مراتك موحشتكش!!!!!
عند تلك النقطة رفعت أنظارها لهم بحنق شديد، لتلتفت حتى تذهب لغرفتها بخطواتٍ حانقة، ولكن أوقفتها في أرضها جملته التي هتف بها بنبرة حنونة علمت أنها ذات مغزى:
- طبعاً وحشتوني أوي!!!!!
لا تعلم أيقصد شئ بإستخدامه صيغة "واو الجماعة"، لا يمكن أن يقصدها بتلك الكلمة، تابعت سيرها بخطوات قوية لا تبالي بكلماته، غافله عن نظراته التي ظلت تتابعها حتى أختفت عن مرمى عيناه، ليعود بأنظاره لوالدته ثم أخذ بتقبيل كفها الدافئ ليهتف بود:
- أنا في الفترة دي أتعلمت كتير أوي يا أمي، عايزك تسامحيني على أي حاجة وحشة عملتها معاكوا، أنا خايف ييجي وقت وميقاش نافع فيه ندم!!!!
شعرت "رقية" بقلبها ينقبض على صغيرها، لتحاوط وجنتيه قائلة بعينان دامعتان:
- في أيه ياضنايا، مالك ياحبيبي!!!!
نظر لها بنظرات مطمأنة حتى لا يثير شكها، ثم قال و هو يربت على كفيها:
- مافيش حاجة ياحبيبتي، أهم حاجة تسامحيني!!!!
ربتت "رقية" على خصلاته قائلة بحنو:
- مسمحاك يابني، وراضية عنك ليوم الدين!!!!!
أبتسم لها لتتابع هي قائلة بنبرة حانية:
- أطلع يابني لمراتك عشان ترتاح من السفر هبابة، ربنا ييسر الاحوال بيناتكوا ويخليكم لبعض!!!!
أومأ "مازن" بإبتسامة فقلبه يرفرف فرحاً لأنه سيصعد لها، ليجد من يتشبث ببنطاله، ألتفت إلى "يزيد" الذي هتف بحماس:
- خدني معاك ياعمو مازن!!!!
سارعت "رقية" بالقول لتمسك بيد الصغير بلطف قائلة:
- تعالى يايزيد ناكل الأول وبعدين تعمل اللي تريده!!!
أومأ "يزيد" بإبتسامة راضية ليذهب معها، ثم أمسك بحقيبته الصغيرة فهو لا يريد أن يبقى هنا كثيراً، ليتجه إلى الدرج ثم صعده ركضاً، ليتجه إلى غرفتهما، ففتح الباب سريعاً ولكن وجد أنوارها مطفأة شديدة الظلام، ليلتفت ثم فتح الأنوار فوجدها نظيفة مرتبة توحي بأن لا أحد يجلس بها، ليلغلق باب الغرفة متيقناً بأنها ذهبت لغرفة أخرى، سار بالممر لينظر لغرفة نبع من أسفل بابها نور أبيض، ليبتسم بعذوبة ثم أتجه نحوها، أمسك بنقبض الباب ليُديره بهدوءٍ حذر، ثم فتحه على مهلٍ ليجدها تقف في منتصف الغرفة تعطيه ظهرها، مكتفة ذراعيها أمام صدرها، طالع خصلاتها المنسابة على ظهرها ليغلق الباب بخفوت ثم وضع حقيبته أرضاً، ليذهب تجاهها بخطواتٍ وئيدة، تصاعدت أنامله ليضعها على كتفيها مردفاً بهدوءٍ:
- فريدة!!!!!
أنتفض جسدها كمن لدغها عقرب لتلتفت له منفضة ذراعيه بحدة هادرة بصوتٍ عالٍ:
- أبعد عني!!!! أيه اللي رجّعك؟!!! أيه اللي جابك رد عليا، جاي تدمر حياتي تاني مش مكفيك اللي حصل فيا مش كدا!!! بس لاء يامازن اللي سيبتها فريدة القديمة، وفريدة القديمة ماتت و أتدفنت، دلوقتي قدامك فريدة تانية خالص مش هتسمحلك تدوسلها ع طرف، أرجع مكان مـ كنت لأن محدش عايزك!!!!!
تغاضى عن شعور النغزة بقلبه، ليعود ممسكاً بكتفيها لكي يروضها ولكنها اخذت في ضرب صدره بقوة، على قلبه مباشرةً، تصرخ به بجنون أن يبتعد عنها، حاوط كتفيها بذراعيه ليقربها من صدره بحنو ماسحاً على خصلاتها، تلوّت "فريدة" بين ذراعيه ولكن أستكان جسدها عندما سقط بثغره جوار أذنها ليهمس بنبرة حانية، نغمة جديدة على مسامعها لم تسمعها منه من قبل:
- أنا أسف، أسف على كل حاجة عملتها فيكي قبل كدا، أنا عارف أنك مش هتسامحيني بسهولة، بس أنا هفضل أعافر معاكي لحد مـ تسامحيني يافريدة، مش هسيبك أبداً مهما حصل!!!!
أبتلعت ريقها تحت تأثير كلماته التي تغلغلت لقلبها لتمسد عليه برقه، أغمضت عيناها مستمتعة بقربه ورائحة عطره التي تنعشها، تمنت لو أن تبكي بأحضانه بقوة، تخبره كم يملك قلب قاسي أستطاع الأبتعاد عنها، أرادت أن تخبره أنها لم تكن تعلم مقدار عشقها له الذي تخطى حواجز الحب، ولكن كبريائها بمنعها عن فعل أياً من ذلك، ستصبح قاسية لتلقنه درساً لن ينساه، ستريه أنها لن تنسى ما فعله، بها، ظلت بأحضانه ثوانٍ و ذراعيه يحاوطا كتفيها مغمضاً عيناه و هو يعلم انها ستتلاشى من بين يداه في ثواني، و بالفعل أبتعدت عنه تُزيح ذراعيه ثم وقفت أمامه مبتسمة بسُخرية، لتعقد ذراعيها قائلة بتهكمٍ تجلى في نبرتها:
- جاي تقول الكلام دة بعد أيه؟!! الأوان فات خلاص!!!
نفى بقوة يزيح كلامها بعيداً عن رأسه، ليقترب منها الخطوات التي أبتعدتها هي عنها ثم حاوط وجهها قائلاً بلهفة:
- لاء يا فريدة الأوان مفاتش، هصلح كل غلط عملته معاكي أو مع أي حد، هنعيش حياتنا سوا وهنبدأ صفحة جديدة مع بعض، صدقيني هشيل كل حزنك دة و هبدله بطريقتي!!!
أبعدت كفيه عن وجهها هادرة بعنف:
- أنت أيه بقولك مش هعيش معاك مش طيقاك مش هقدر أبص حتى في وشك أفهم أنا بجد كرهتك يا مازن!!!!
طالعها بنظرات لهيبية، ليبتعد عنها خطوتان ثم ألتفت ليغادر الغرفة، صافعاً الباب بقوة حتى كاد أن ينخلع من مكانه لتنتفض هي على أثره، سارت نحو الفراش وهي تشعر بحصونها تنهار، قوتها التي تُزيفها أمامه تتناثر أرضاً، فهي قد قاومت رغبتها في معانقته بشتى الطرق، كلماتها التي ألقت بها في وجهه آلمتها هي قبل أن تؤلمه، أستندت بكفيها على الفراش لتنهمر الدموع من عيناها بهدوء، أغمضت عيناها لتتصاعد شهقات خفيفة من جوفها أنتفض لها جسدها، أستلقت على الفراش لتحتضن الوسادة تدفن بها وجهها!!!
• • • •
بعد أن خرج من غرفتها وهو يشعر بتلك النغزة تعود له مجدداً، وقف أعلى الدرج ممسكاً بـ الدرابزين واضعاً يده على قلبه، ليفاجأ بصراخ مرح أتى من الأسفل، نظر لشقيقته المجنونة التي صعدت مهرولة له، ثم أرتمت في أحضانه بقوة ليحاوطها "مازن" بإبتسامة خفيفة، هتفت "ملك" بعدم تصديق وجوده معهم:
- أنا بجد مش قادرة أصدق أنك جيت أخيراً يا مازن، ليه تبعد كل دة حرام عليك ماما و أنا وفريدة!!!
لم يُجيبها لينثنى مقبلاً خصلاتها، لتهتف "ملك" سريعاً وهي تبعد وجهها عنه تاركة ذراعيها تحاوط خصره، لتهتف بدهشة:
- هي شافتك صح؟!!!
أومأ "مازن" بصمت، لتعقد حاجبيها قائلة بمزاح:
- هو أنت راجع من فرنسا أخرس ولا أيه؟!!!
أبتسم لها ليهتف قائلاً بهدوء:
- لاء عندي لسان و هيشتمك دلوقتي!!!!
وقفت على أطراف قدميها لتمسك بوجهه ثم قبلته بقوة على وجنتيه وسط ضحكاته من شقيقته المجنونة، سمعوا صوتٍ حاد ساخر أتى من أسفل الدرج:
- حمدلله ع السلامة يا مازن!!!
جحظت "ملك" بعيناها لتبتعد عن أخيها قم ألتفتت لزوجها، لتسمع صوت "مازن" من خلفها قائلاً بنبرة غير مكترثة:
- الله يسلمك يا جواد!!!!
ثم تابع قائلاً:
- مبروك!!!
أومأ "جواد" بصمت ليصعد لهم ثم أمسك بذراع "ملك" ليهتف بتهكمٍ إلى "مازن":
- معلش هاخد أختك عشان عايزها في كلمتين!!!!
أشار له "مازن" بكفه لكي يأخذها ليذهبا كلاً منهم، كاد "مازن" أن يذهب أيضاً مروراً بالدرج ولكنه تذكر نسيان مفاتيح سيارته و هاتفه في الحقيبة الصغيرة القابعة في غرفتها، عاد إلى الغرفة ثم وقف أمامها حتى كاد أن يدلف ولكنه أسترق السمع لهمهمات باكية رقيقة، لانت تعابير وجهه ليفتح الباب بحذر شديد فتحة صغيرة تكفي ليراقبها منها، وبالفعل وجدها مستلقية على الفراش تحتضن الوسادة، تبكي بخفوت مع أنتفاضة جسدها المصاحبة لشهقاتها، تمنى لو أن يصفع الباب بعرض الحائط ليدلف لها ثم يحاوطها بذراعيه ويجعلها تبكي للغد كيفما شاءت، لو فقط تستكين على صدره وتترك له فرصة حتى يعوضها عن حماقاته السابقة، ولكنه يعلمها جيداً لن ترضخ له بهذه السهولة، لم يريد أن يدلف لها حتى لا تظهر ضعيفه أمامه في نظرها، ليغلق الباب ببطئ ثم أتجه لوالدته بعد أن سأل الخادمة عليها أتجه إلى غرفة "يزيد" ثم دلف لها فوجد والدته تجلس وعلى قدميها الصغير الذي ذهب في سُبات عميق، أشارت له والدته بالدخول بكفها ثم ربتت على الفراش جوارها، ليجلس هو بجانبها ثم هتف بهدوءٍ:
- أمي لو سمحتي ممكن تقومي تروحي لفريدة في أوضتها، أقعدي معاها شوية وقوللها لو وجودي هيخليها بالحالة دي أنا همشي!!!!
نظرت له والدته بعتاب لتقول:
- تمشي تروح فين يا مازن دي البنية دايبة فيك وبتعشجك أنت معذور لما مكنتش موچود كنت بحس أنها چسم بيتحرك بس روحها وجلبها وعجلَها كانوا معاك، دة أنت لما چيت عينيها لمعت زي النچوم، أنا هجعد معاها وهلين جلبها نحيتك شوية وبعدين أنت تروح لمرتك وتاخدها في حضنك حتى لو غصب عنها، ماشي يا مازن؟!!!
أغمض عيناه مستنداً برأسها داخل كفيه لتربت هي على كتفه، نهضت حاملة "يزيد" ثم أراحت جسده الصغير في محلها جوار "مازن" لتسير مبتعده عنهم تدلف خارج الغرفة، نظر "مازن" إلى "يزيد" يتأمل ملامحه المشابهة لها كثيراً، بدايةً من الخصلات البنية مروراً بالأنف و الشفاة الصغيرة، نهص ليفتح النافذة ثم عقد ذراعيه معاً ينظر من خلالها بشرود..
• • • •
دلفت "رقية" لغرفتها دون طرق الباب، لتخط بخطواتها نحوها ترمقها بعطفٍ لشهقات بكائها التي تمزق القلب، جلست جوارها على طرف الفراش لتمسد على خصلاتها و هي تراها لازالت على حالها، لتهتف قائلة بشفقة:
- سامحيه يابنيتي، دة ربنا بيسامح مش هتسامحيه أنتِ ياحبيبتي، صدجيني يافريدة الدنيا جصيرة اوي مش مستاهلة العذاب دة كِلياته "كله"، مازن مش وحش للدرچة دي، مازن بيحبك والله أبني و حافظاه لمعة عينيه ولهفته عليكي بيجولوا أنه بيحبك، أستهدي بالله وسامحيه يابنتي!!!
رفعت "فريدة" رأسها لتنظر لها والدموع تملأ حدقتيها بوجهٍ أحمر وشفتين ورديتين ترتجف بقوة، لتردف قائلة بحُرقة:
- مازن أتأخر أوي ياطنط، جه بعد مـ أنا كرهته خلاص ومبقتش قادرة اسامحه على اللي عمله معايا زمان، صدقيني الوقت فات اوي ومش هيرجع تاني!!!!
تنهدت "رقية" من عِناد تلك الفتاة، لتربت على كتفيها وهي لا تريد الضغط عليها أكثر ثم قالت:
- براحتك يابنتي، بس أنا بجولك اهو دلوكتي هتندموا على الأيام اللي بتفوت دي!!!!!
ثم تركتها وذهبت بقلة حيلة لتعود لمازن الذي وقف يُنفث دخان سجائره، ألتفت لها سريعاً يهتف بلهفة:
- قالتلك أيه يا أمي!!!!
أطلقت زفيراً حانقاً على حالهم، لتقول بإيجاز:
- دماغها صعيدية كِيف "زي" دماغنا!!!!!
بعد أن أُنيرت عيناه بشعله عاشقة، عادت مُنطفئة مجدداً ليُلقي بلُفافة تبغه من النافذة بعنف، ثم أطاح بالمزهرية أرضاً لينتفض جسد الصغير بعد أن كان غارق بالنوم، صرخ "مازن" بحدة بوجه والدته:
- هي أيه بقا مش هتبطل عِنادها دة أعتذرتلها و قولتلها نبدأ صفحة جديدة مع بعض بردو مافيش فايدة فيها!!!!
أقتربت منه "رقية" على عجل تحاول تهدأته، لتنظر إلى "يزيد" الذي بدأ بالبكاء، ركضت نحوه لتجذبه لأحضانها مربته على ظهره تهدهده، نظر لهم "مازن" بقنوط ثم مسح على وجهه بعنف، ليذهب خارج الغرفة صافعاً الباب خلفه!!!!
• • • •
دفعها لجناحهما بضيق ليغلق الباب، ثم يهدر بعصبية ملوحاً بكفه:
- نازلة فيه بوس و أحضان و أنا أتفلق صح!!!!
نظرت له "ملك" بعدم تصديق قائلة بذهول:
- أنت بتغير عليا من أخويا يا جواد!!!!
أتجه لها ليقبص على كتفيها قائلاً بقنوط:
- مغيرش ليه سيادتك مش هو راجل!!!!
توسعت عيناها بصدمة قائلة بعدم تصديق:
- أيوا بس دة اخويا!!!!
- ملك هُما كلمتين أنا بس اللي تحضنيه وتبوسيه غير كدا مش هيحصل خير!!!!
هتف بتحذير لتلك الواقفة أمامه لا تصدق ما يقوله، لتبتعد عنه بضيق قائلة:
- انت أكيد بتهزر قولي أنك بتهزر معايا!!!! هو في حد عاقل يغير من اخو مراته!!!!
صرخ بها بعنف:
- انا مجنون ياستي و المجنون دة ممكن يعمل حاجات متخطرش على بالك لو دايقتيه!!!!!
ثم تابع بحدة شديدة رافعاً أصبعه بوجهها:
- أنا ماسك نفسي بالعافية ومش عايز أتهور عليكي و اخليكي تشوفي وشي تاني!!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع من صراخه عليها، لتجلس على الفراش ضامة ركبتيها لصدرها قائلة بشهقات متتالية:
- أنت فكرتني بـ بابا بما كان بيصرخ فيا كدا!!!!!
صُدم "جواد" من حديثها ليمسح على وجهه بضيق، ليذهب لها جالساً امامها، أمتدت أنامله لترفع وجهها له يُزيل دموعها برفق، ثم جذب جسدها الصغير لأحضانه مقبلاً خصلاتها مربتاً على ظهرها صعوداً وهبوطاً، أغمض عيناه بندمٍ عندما شعر بجسدها المرتجف بين ذراعيه، ليهتف و هو يرفع ذقنها له:
- ملك.. أهدي يا حبيبتي خلاص مافيش حاجة، أنا أسف يا عُمري!!!!
حاولت الإبتعاد من بين ذراعيه ولكنه شدد على جسدها بأحضانهن مقدمة رأسها يتمتم:
- أهدي بقا عشان خاطري!!!!
نظرت له بعيناها الامعة بالدموع، فـ لم يتسطيع مقاومة جمالهما ليميل مقبلاً شفتيها بحنان شديد، سارت شفتيه على كل إنش بوجهها طابعاً قبلات كالورود على بشرتها!!!!
• • • •
أتجه لغرفتها بعد أن دفع جميع مصروفات المشفى ليأخذها معه، فتح الباب بقوة ليتسمر جسده عندما وجد الفراش فارغ، خطى داخل الغرفة ليذهب تجاه المرحاض و هو يكذِب جميع توقعاته، فتحه ببطيء ليجده فارغ أيضاً، جن جنونه ليشدد على خصلاته بقوة، ثم أتجه خارجاً ليصرخ بصوتٍ عالٍ و هو واثباً في الممر:
- رهــــف !!!!!!!
التفتت الأنظار حوله بدهشة ليركض له الطبيب قائلاً بضيق:
- يا فندم أيه اللي حضرتك بتعمله دة!!!!!
ألتفت له "باسل" ليقبض على تلابيبه بقسوة ثم قربه منه بعنف هادراً به بصوت هَز أرجاء المشفى:
- مراتي فين!!!!
قطب الطبيب حاجببه بغرابة ليُبعد كفيه بنزق ثم هتف:
- في أوضتها أكيد!!!!!!
جذبه مرة ثانية ليجعله يدلف للغرفة مرغماً، طالع الطبيب الغرفة الفارغة بدهشة ليلتفت له قائلاً بصدمة:
- هي فين!!!!!
لم يستطيع "باسل" التحكم في أنفاعلاته ليلكمه فوقع الأخير أرضاً، جلس على الأرضية بمستواه ليقبض على عنقه بكلتا كفيه مزمجراً بنظراتٍ مشتعلة:
- ورحمة أبويا مراتي لو مظهرتش دلوقتي هطربق المستشفى على دماغكوا!!!!!!
تحول وجهه للون الأزرق و هو يحاول التخلص من قبضته، لتأتي الممرضة مع الكثير من الأطباء اللذين تجمهروا حولهم ثم أبعدوا "باسل" عنه، ليصرخ بهم بجنون، ثم تركهم ليتجه للمدير، دفع الباب بقدمه بفظاظة لينتفض المدير من مقعده ثم نظر له برعب فمن القليل عندما يزوره أحفاد صاحب المشفى، لذا هتف بقلقٍ:
- باسل بيه!!! أتفضل يا باشا!!!!
مضى نحوه بخطوات حُفرت بالأرضية، ليضرب على المكتب أمامه بعينان مشتعلتان، ثم حدج به بقسوة، لبتخرج نبرته قوية أثارت رعبه:
- ورحمة أبويا أنت راجل ****!!!!!!!
جحظ "مهاب" بعيناه من سبته النابية، ليحمحم متمتماً بإحراج:
- ليه بس كدا يا باسل بيه!!!!
تقلصت تعابير وجه الأخير بإشمئزاز ليجذبه من قميصه نحوه لا يفصلهما سوى المكتب، قائلاً بتوعد شديد:
- يعني أنا مراتي تمشي من المستشفى وانتوا هنا نايمين على ودانكوا، فين الأمن والحراسة!!!!!
صُدم "مهاب" ليهتف بدهشة:
- أزاي بس!!!! أنا متابع حالتها كويس وهي كانت كويسة؟!!
- عارف يا مهاب أنا لو مالقيتهاش هعمل فيك أيه؟!!!!
هتف "باسل" و هو يُضيق عيناه بتوعد، ليردف الأخير بنبرة مهتزة:
- أكيد هنلاقيها يا باشا متقلقش!!!!
نفضه عن كفيه ليلتفت نحو الباب بعد أن ألقى نظرة جامدة عليه، ثم دلف خارج غرفة المكتب صافعاً الباب بشدة أنتفض لها جسد الأخير الذي أستند بكفيه على المكتب مغمضاً عيناه بضيق حانق!!!
• • ••
دلف لغرفتها بخطواتٍ بطيئة، ليُشعل أنوار الغرفة، ثم أقترب منها بهدوءٍ ليجلس على الفراش جوارها واضعاً ذراعه حول رأسها المستند على الوسادة، لازالت تنام بنفس الوضعية مطبقة بكفيها أسفل وجنتيها، وضع رأسها على صدره أسفل ذقنه، سقط بأنظاره يتأمل وجهها، لاحت أبتسامة على ثغره ليمد أنامله يُبعد خصلة متمردة ساقطة على وجهها، ليبدأ بمداعبة وجنتها بحنو، ثم قرّب ثغره لحدقتيها المغمضة بخمول ليقبلهما برقة، لا يصدق أنه بات بهذا القرب حتى بدا أنهما يتشاركان أنفاسهما معاً، حاوط خصرها بحذر مقبلاً مقدمة رأسها ليحتضنها بهدوء حتى لا تفيق، و لأول مرة يتفرس وجهها بتلك الطريقه و بذلك الهدوء، ضم رأسها لصدره ليستند بذقنه على رأسها مبتسماً بخفوت، ثم أغمض عيناه و أخيراً ينام بـ راحة بعد ذلك الإرهاق الذي عاناه بعيداً عنها!!!!
•• • •
بحث عنها في الطُرق بأكملها، لم يترك زقاق إلا وبحث عنها به، كما أنه ذهب لوالدتها لربما أختبأت معها رُغم يقينه أن هذا أخر مكان قد تذهب إليه فـ لو أرادت الذهاب لهُناك لذهبت منذ ثلاثة أشهر، ذهب لها بحجة أنه كان قريباً منها وجاء ليطمأن عليها، و عندما حادثته بودٍ و أمتنان تسأل عن أحوال أبنتها علِم أنها لم تأتي لها، تنهد يشعر بغصة في حلقه و هو يستند برأسه على المقود، يلهث و صدره يعلو ويهبط من فرط غضبه، فـ لو كانت أمامه الأن أقسم على أن يُذيقها من كأس العذاب الذي تجرع هو منه كثيراً، عاد برأسه لمقعده مغمضاً عيناه بإرهاق شديد، ليعود للقصر بتثاقل، فتحت الخادمة الباب له ليجد والدته تركص له بفرحٍ شديد:
- أخوك چه يا باسل!!!!
أومأ "باسل" ينظر لها بعينان واهنتان قائلاً :
- عارف يا أمي!!!!
نظرت له "رقية" بإستفسار، و لكنها عادت تشهق و هي تضرب جبينها، لتهتف بقلق حقيقي:
- كِيف نسيت، أنا كنت هكلمك أطمن على رهف سيبتها و چيت ليه يابني!!!!
جلس "باسل" على أقرب مقعد وجده، ليحني ظهره واضعاً رأسه بين كفيه، يقول بنبرة تألمت لها "رقية":
- رهف هربت!!!!!!
جحظت عيناها برعب لتردد بعدم أستيعاب:
- هربت!!!!!
صمتت قليلاً تستوعب، لتتابع مرددة بإندفاع:
- أكيد راحت هناك!!!!!
رفع رأسه لها بحدة لينهض منتصباً أمامها، ثم هتف بحدة شديدة:
- هناك فين!!!!!!!!!
ندمت "رقية" على تسرعها بالحديث، لتفرك كفيها بتوتر شديد، فزمجر هو بعصبية مفرطة:
- ردي عليا يا أمي رهف فين!!!!!!!
نظرت له والدته لتقول محاولة تهدأته:
- أهدى بس يابني!!!
فقد "باسل" أعصابه ليصرخ مُطيحاً بالمقعد بقدمه، ثم هتف بحدة شديدة:
- فـــيـــن رهــف!!!!!!!!!
هتفت بترددٍ:
- في الشقة اللي في المعادي!!!!!!
جحظ بعيناه بصدمة، ليُكور قبضتيه بقسوة غارزاً اظافره بها، يهتف بنبرة جحيمية:
- يعني هي طول المدة دي قاعدة هناك!!!!!! وأنتِ كنتي عارفة وخبيتي عليا!!!!!
تنهدت "رقية" بحزن على فلذة كبدها، فأقتربت لكي تربت على كتفيه، ليبتعد هو خطوتين للخلف، فعادت "رقية" على وضعها وقد تساقطت الدمعات من عيناها، لم يتأثر "باسل" بل هتف بثبات:
- مين تاني كان عارف؟!!!
أزدردت ريقها برهبة من أن يعلم حقيقة الوضع، فأحتارت تكذب عليه أم تخبره بالحقيقة، ولكن حسمت أمرها لتردف:
- ظافر اخوك ومراته.. و فريدة!!!!!!!
شعر بأن الطعنات تأتيه من كل جانب، لترتسم أبتسامة ساخرة على ثغره، سُرعان ما تحولت لضحكات متتالية صدحت بالقصر بأكمله، أنحنى للأمام من شدة ضحكاته، لتنظر له "رقية" بذهول لتسرع بالإقتراب منه تترجاه بحنو:
- أهدى سايج عليك النبي!!!!!!
رفع أنظاره له ولم تزال تلك الأبتسامة من فوق فمه، ليقول بعينان مشتعلتان و نبرة متهكمة:
- يعني أنا طلعت مغفل في الأخر!!!!! كله حواليا شايفني و أنا بتدمر ٣ شهور قُدامكوا و معملتوش حاجة، حتى أنتِ يا أمي بتشوفيني كل يوم وأنا تعبان و روحي بتطلع من جسمي و هي بعيدة عني معرفش هي فين و مقولتليش!!!!!
بكت "رقية" ندماً، وضع "باسل" كفيه في جيب بنطاله ليُلقي عليها نظرة آلمتها، ليخطو بخطواته ناحية غرفتهم، صافعاً بابها بقوة، تاركاً "رقية" تجلس أرضاً باكية وهي باتت متيقنة أنها خسرته!!!!!
• • • •
لملم ملابسه في حقيبة كبيرة الحجم، ليجذبها خلفه ثم سقط بها على الدرج، ليطالع والدته التي جلست تبكي على الأرضية الباردة فـ لان قلبه عليها، وضع الحقيبة جانباً ثم ذهب لها ليحاوط كتفيها و هو يُنهضها من على الأرضية، قائلاً بنبرة هادئة:
- قومي يا أمي!!!!
أرتمت "رقية" بأحضانه باكية بقوة، تتشبث في قميصه مترجية إياه بنبرة متوسلة:
- متسيبنيش يابني أنا أسفة على كل حاچة حصلت، أنا مصدجت أني لميتكوا تاني في حضني!!!!
أبعدها عنه بلطف دون أن يبادلها عناقها، ليبتسم بثبات وداخله يحترق قائلاً:
- صدقيني مبقاش ينفع، كنتي زمان تقوليلي قلبي أسود و مبنساش، و أنا مش هعرف أنسى اللي حصل!!!!!
نفت برأسها بقوة لتمسك ذراعه قائلة برجاء:
- متعملش إكده فيا!!!!!!
أبعد كفها عن ذراعه ليربت على وجنتيها بإبتسامة خاوية، قائلاً بلُطف:
- خدي بالك من نفسك، هشوف ظافر و مراته ييجوا يقعدوا معاكي هنا عشان متبقيش لوحدك!!!!
شهقت "رقية" ببكاء و هي تراه يتركها ذاهباً نحو الباب بعد أن أخذ حقيبته معه!!!!
• • • •
وقف أمام باب المنزل، يُمرر أنامله في خصلاته بحنق، ليطرق عليه بحدة عدة مرات لفترة ليست بقليلة، بدأ صبره ينفذ منه ليصفع الباب بباطن راحته هادراً بقوة:
- أفتحي يا رهف أنا عارف أنك جوا!!!!!!
كانت "رهف" نائمة على فراشها بالغرفة تحتضن جسدها بغطاءٍ سميك، لتسمع طرقات قوية على الباب، أنتفضت تشهق برعب لتلقي الغطاء بعيداً ثم سارت على أطراف أصابعها ناحية الباب، نظرت من ذلك الثقب الذي يجعلها تنظر لمن بالخارج، جحظت عيناها حتى كادتا أن تخرج من محلها، لترتد عدة خطوات للخلف واضعة كفها على فمها بعدم تصديق، فهي لم تكن تتوقع مجيئة هنا أبداً، عندما صرخ بها أن تفتح سارت قشعريرة مؤلمة في جسدها، أقتربت من الباب لتنظر له عبر الثقب مرة أخرى فوجدته ممسك بحقيبة ضخمة بكفٍ والأخر وُضع على الباب، يُميل برأسه للأمام زافراً بوهن أستطاعت تمييزه بسهولة، لتمتلئ حدقتيها بالدموع تطبق على شفتيها بقوة، لتتمتم بنبرة خافته لكن أُذناه ألتقطتها:
- عايز أيه يا باسل!!!!
رفع أنظاره للباب بلهفة ليضع كفه عليه قائلاً بنبرة حنونة:
- أفتحي يا حبيبتي نتكلم!!!!
أجهشت بالبكاء بقوة، فهي لم تعد تحتمل تلك الضغوطات عليها، ليصرخ بها صافعاً الباب بحدة وصوت بكائها أصعب من أن يتحمله:
- أنتِ فاكرة أن الباب دة هيمنعني عنك!!!! قسماً بالله لو مفتحتيه هكسره وهدخل بردو!!!!!!
مسحت على وجهها لتجذب خصلاتها بقوة، ثم هتفت بنبرة متألمة واهنة:
- أنت عايز مني ايه كفاية لحد كدة طلقني بقا وسيبني أشوف حياتي مع حد ميشُكش فيا وميحسسنيش اني رخيصة في نظره، حد مش بيستقوى بدراعه قبل مـ يفهم بعقله، يا أخي دة أنا كرهت نفسي بسببك، كرهت حُبي ليك اللي بيضعفني بالشكل دة!!!!
ضرب الباب بقدمه بفظاظة صارخاً بها غير مراعياً للوقت المتأخر:
- أنتِ مراتي وملكي أنا متنطقيش أسم راجل على لسانك غيري فاهمه!!!!!
أبتسمت ساخرة لتعقد ذراعيها معاً قائلة بتهكمٍ:
- لسة زي مـ أنت متغيرتش بتتعامل معايا كأني حتة أباچورة في أوضتك تكسرها براحتك وتصلحها تاني براحتك، و أنا عمري مـ هرجعلك و أنت كدا!!!!
زفر تنهيدة قانطة لتلين نبرته قائلاً بهدوء:
- طيب أفتحي الباب و نتكلم مع بعض و انا هعملك اللي انتِ عايزاه!!!!
هتفت بعند:
- مش هفتح الباب يا باسل واللي عندك أعمله!!!!!!
ضغط على شفتيه السفلى بقسوة ليبتعد عن الباب مشمراً ذراعيه بقميصه الاسود قائلاً بتأهب:
- أستعنى ع الشقى بالله!!!!
ثم تابع بحدة:
- أبعدي يا بت من قدام الباب!!!!
توسعت عيناها بدهشة لتبتعد برهبة قائلة:
- هتعمل أيه!!!!!
ركض نحو الباب ليدفع الباب بثقل جسده، أعاد الكرة مرة أخرى وسط شهقة "رهف"، أرتطم الباب الثقيل بالأرضية بقسوة لتنتفض الأخيرة بعيداً لا تصدق ما فعله، دلف "باسل" بإبتسامة مفتخراً بنفسه، ثم جذب الحقيبة للداخل، نظرت "رهف" له بغيظ لتتجه نحوه مشيرة بسبابتها في وجهه:
- أوعى تفتكر أني هقعد معاك تحت سقف واحد!!!!
جذبها من خصرها ليرتطم جسدها بصدره، ثم مال عليها بثغره لينقض على شفتيها يقبلها بشغف أنامله تعبث بخصلاتها المنسدلة على ظهرها، صُدمت "رهف" من فعلته لتضع كفيها على صدره حتى تُبعده، ولكن خانها جسدها الذي أستجاب له سريعاً، تشبثت بقميصه تريد الإبتعاد ولا تريد بنفس الوقت، فقبلاته كانت حنونة لدرجة أذابتها، حاوط وجهها ليفصل قبلتها مغمضاً عيناه، مستنداً بأنفه على أنفها ليبتسم مقبلاً عيناها يتمتم بتنهيدة شوق:
- تعبتيني معاكي يا رهف!!!!!!
أغمضت عيناها لا تريد النظر لعيناه، لتتصاعد حُمرة محببة لوجنتيها عندما طبع قبلة على عنقها ليبتعد عنها ثم ألتقط هاتفه من جيبه قائلاً بهدوء:
- هتصل على نجار ييجي يصلح الباب دة!!!!
أفاقت من غيبوبتها لتلتفت له، ناظرة له بحقد، ثم دلفت للمطبخ لتأتي بدلو ممتلئ بماء شديد البرودة، نظر لها "باسل" بغرابة قائلاً:
- هتمسحي دلوقتي؟!!!
نظرت له بإستخفاف لترفع الدلو عالياً تجاهه، ثم قذفته به بقوة لينسكب الدلو بأكمله فوقه، تحولت عيناه لأخرى شديدة الأحمرار من فرط غضبه، لتهتف "رهف" بشماته:
- عشان تبقى تبوسني بالعافية!!!!!!
أرتفعت أنظاره الحمراء لها، وخصلاته المبللة الساقطة على وجه، لتركض هي من أمامه تتجنب تهوره، دلفت لغرفتها ثم أوصدت بابها جيداً و هي تضع كفها على قلبها برعب!!!!!
• • • •
كشفّت عن عيناها البندقية ببطئ، لتجد من يُطبق على خصرها بـ كُل ما أوتي من قوة، توقفت عن أخذ أنفاسها لثانتين، فمن دون أن ترفع رأسها لتراه قد أخبرتها رائحته التي داعبت حواسها، رأسها موضوع عند قلبه بالظبط، وذراعيه لا تترك لها الفرصة لكي تبتعد، قطبت حاجبيها بإنزعاج لتقبض على ذراعه تحاول جاهدةً إزاحته بعيداً، و لكن باءت جميع محاولاتها بالفشل الذريع، زفرت حانقة لترفع رأسها له فوجدته نائم كالملاك لا يشعر بشئ، أزدادت حنقاً لتغرس أناملها بكتفه تدفعه قائلة بقنوط:
- أبعد عني يا أستاذ أنت!!!!!
ظلت تحاول إيفاقته من غيبوبته تلك، ليفتح الأخير عيناه بنعاس قائلاً بضيق:
- أتهدي يا فريدة و نامي!!!!
توسعت عيناها لما تفوه به ولذراعيه الذان شُددا أكثر على خصرها، ناهيك عن رأسه التي دُفنت بعنقها بإستمتاع، لتنفجر به محاولة إبعادة عنها:
- سيبني أقوم بقا أنت أزاي تتجرأ وتنام جنبي!!!!!
طبع قبلة على عنقها ثم هتف بنبرة شديدة النعاس:
- نامي بس وبعدين نبقى نتكلم!!!!
حاوطت وجهه محاولة إبعاده عنها ولكنه لم يستجيب، لتردف بتأفف:
- انا بجد مش عارفة ازاي تدخل اوضتي و تنام هنا !!!!
رفع أنظاره لها بخبث قائلاً:
- أنتِ نسيتي ولا أيه، مش انتِ اللي قولتيلي متسيبنبش يا مازن وخليك جنبي يا مازن و نام هنا يا حبيبي، و أنا ضعفت بصراحة مقدرتش!!!!!
شهقت بصدمه لتتمتم بعدم تصديق:
- أنت كداب!!!!
نظر لها بعتاب ليعتدل ثم أسند كفيه جوار رأسها قائلاً و هو يقرب رأسه منها:
- في واحدة تقول لجوزها كداب !!!!
توترت أكثر من قربه لتهتف بتردد:
- عشان انت بتكدب بجد و انا مستحيل اقول كدا اصلاً!!!
- أنا بردو أتصدمت لما قولتيلي كدا!!!
هتف ببراءة زائفة لتطالعه هي بحيرة، وجدته يقترب منها رويداً حتى كاد ثغره أن يلتمس ثغرها، لتدفعه هي من صدره بعيداً فسقط فوق الفراش لتسرع هي بالنهوض من أمامه واثبة على الأرضية، تقول بحزم وهي تشير نحو الباب:
- اطلع برا لو سمحت!!!!!
غضب "مازن" من فعلتها لينهض و هو يشعر بلهيب يحترق داخله و لن يُطفيه سواها، أنقض عليها ممسكاً بكتفيها هادراً بصوتٍ عالياً:
- أنت عايزة أيه يا فريدة!!!! عاقبتيني بما فيه الكفاية خلاص بقا انا جاي بتأسفلك وبقولك نبدأ صفحة جديدة وبردو مافيش فايدة فيكي، بحاول أصلح أي قرف عملته زمان حتى و أتغيرت و بردو انتِ لسة مصممة تعاقبيني، عاقبتيني بـ بُعادك عني و ربنا عاقبني على اللي عملته فيكي، كفاية كدا بقا!!!!!!
صُدمت "فريدة" من هجومه عليها بتلك الطريقة، و حديثه الذي لمس قلبها، ولكن عندما هتف بأن الله عاقبه ايضاً جعل قلبها يرتجف و هي تشعر بشئ سئ حدث معه، لتهتف تتغاضى عن بقية حديثه قائلة:
- قصدك أيه أن ربنا عاقبك!!!!!
تركها ليلتفت يُعطيها ظهره مغمضاً عيناه يسُب نفسه لحماقته، فلم يجد حلاً سوى الهروب من أمامها، ليلتفت ثم وضع كفه على مقبض الباب لكي يديره، ولكنها وقفت أمامه تمنعه من التحرك قائلة بحدة:
- تقصد أيه يا مازن بكلام دة!!!!!
- أبعدي يا فريدة من قدامي!!!!!
هتف بجمود ليُزيحها من كتفيها بلطف ثم خرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه، لتضغط هي على أسنانها بغضب، ثم أردفت بحسم:
- متأكدة انك مخبي عني حاجة!!!! وهعرفها قريب اوي يا مازن!!!!!
دلفت للمرحاض لتبدل ثيابها بـ تنورة واسعة تعلوها كنزة خفيفة و بزة تُحميها من برودة الشتاء، ثم تركت خصلاتها منسدلة على ظهرها بنعومة، تجاوزت الدرج لتدلف لغرفة "يزيد" فوجدته غارقاً بالنوم، تأكدت من تدثيره بالغطاء جيداً ثم ذهبت للحديقة، فوجدته جالس على أحد المقاعد المُريحة عائداً برأسه للخلف مغمضاً عيناه، تحركت على أطراف أصابعها قبل أن يلمحها، ولكنها سمعت صوته الجهوري خلفها يهتف بغصب:
- بتتسحبي زي الحرامية كدا على فين!!!!!!
أغمضت عيناها تحاول التحكم بأعصابها، لتلتفت له ببرود عاقدة ذراعيها معاً، تقول ببرود:
- حاجة متخصكش!!!!!
أشتعلت عيناه تصدر جمراً كافي بأن يحرق بلدة بأكملها، ليتوجه نحوها بخطوات تطوي الأرضية أسفل قدميه، وقفت أمامها ليجذب ذراعها نحوه يجعلها ترتطم بصدره الصلب، ثم مال نحوها قائلاً بتحذير:
- أعدلي لسانك و أنتِ بتتكلمي معايا!!!!!
أبعدت وجهها عنه لتزيح ذراعه ببساطة قائلة بنبرة أغاظته:
- لساني معدول على فكرة!!!!!
مسح على وجهه بعنف ليجذبها من خصرها مجدداً له، ثم نظر لخصلاتها التي داعبتها الهواء، ليتحول وجهه للون الأحمر من شدة غضبه قائلاً:
- سيادتك كُنتي ناوية تنزلي بشعرك مفرود كدا ومن غير مـ تقوليلي اصلاً انك نازلة كأنك متجوزة سوسن!!!!!
تأففت بنزق لتهتف برسمية:
- أولاً شعري و أنا حرة فيه أفرده ألمه أولع فيه أكهربه و أمشي في الشارع زي المجانين حتى دي حاجة ترجعلي أنا، ثانياً انا رايحة الشغل و كنت هقولك بس انت اللي استعجلت، ثالثاً بقا أنت ملكش الحق تتحكم في حياتي ومش لازم قبل مـ أنزل أخُد إذن حضرتك!!!!
أصتكت أسنانه غضباً يحاول جاهداً أن لا يفقد أعصابه عليها، ولكن كعادته أنفلتت أعصابه ليهدر بإنفعال:
- ايوا تاخدي إذن حضرتي عشان حضرتي جوزك يا فريدة، شعرك دة مش ملكك على فكرة انتِ كل حاجة فيكي بتاعتي يعني ملكيش حق تعملي فيه اللي انتِ عايزاه زي مـ بتقولي و أنا الوحيد اللي يحقلي أشوف شعرك مفرود مش حد تاني، و بعدين لما سيادتك رايحة الشغل مستنية لما توصلي عشان تقوليلي!!!!
ضاقت عيناها وهي تطالعه، لترفع سبابتها في وجهه قائلة بجمود:
- مازن وطي صوتك!!!!
أمسك بأصبعها بقوة في كفه لتتآوه هي بألمٍ، فأوقفهما صوتٍ أنثوي أتى من خلف "فريدة" :
- أستهدوا بالله مش كدا!!!!
هتفت "ملاذ" التي سعدت بشدة لمجئ "مازن" فـ و أخيراً لن ترى صديقتها حزينة مجدداً، ترك الأخير أصبع المسكية يتوعد لها بنظرة مخيفة، ليطالع "ملاذ" التي أقتربت منهم قائلة بودٍ:
- حمدلله على السلامة يا مازن!!!! ظافر قالي أنك جيت امبارح!!!!
- الله يسلمك، هو ظافر فين؟!!!
هتف بتساؤل، ليأتي "ظافر" من خلف "ملاذ" عاقداً ذراعيه معاً، حانت أبتسامة زينت ثغره و هو يتفرسه، و أخيراً رأى رجُل أمامه بجسده الضخم و ملابسه الرجولية بدلاً من الشبابية التي كان يرتديها معظم الوقت، أقترب "ظافر" من أخيه الذي عانقه بإشتياق حاول أن يُخفيه، ضرب "ظافر" على ظهره بحركةٍ تُعبر عن أشتياقه، ليهتف بهدوءٍ:
- أتغيرت يا مازن!!!!!
أبتسم "مازن" مفتخراً، ليبتعد عنه قائلاً بسُخرية:
- محدش بيفضل على حاله!!!!!
أومأ "ظافر" مؤكداً على صدق حديثه، ليردف "مازن" متسائلاً:
- كنتوا فين أمبارح؟!!!
- بعد الشركة روّحنا البيت!!!
أردف "ظافر" ببساطة، ليومأ "مازن" ثم هدر و هو ينظر لـ "فريدة":
- طيب انا هوصلها وبعدين راجع عشان في حاجات كتير لازم نتكلم فيها!!!!!
• • • •
بالفعل أخذها "مازن" من ذراعها بلطف لكي لا يقسو عليها، حاولت هي إبعاده قائلة بضيق من صراخه عليها منذ قليل و أصبعها الذي لازال يؤلمها:
- سيبني يا مازن أمشي أنا!!!!!
فتح باب السيارة لها ليجعلها تستقلها برفق ثم أستقل هو مقعده، لتقبض على أصبعها الرفيع تزم شفتيها بحزن، قائلة بنبرة تشوبها الألم:
- بردو مش هتتغير و مش هتبطل معاملتك الهمجية دي!!!
ألتفت لها فـ لانت صفحات وجهه عندما نظر لها، ليلتقط كفها مقبلاً أصبعها وباطن راحتها قائلاً بحنو:
- متزعليش مني..!!!
ثم تابع و هو ممسك بكفها الصغير قائلاً بنبرة رخيمة:
- طيب مش أنتِ اللي عصبتيني؟ يعني تعصبيني وتزعلي بعد كدا؟!!
نفت برأسها قائلة بعناد:
- أنت بتتعصب لوحدك!!!!
أبتسم قائلاً بمزاح:
- انا مجنون و انتِ ست العاقلين صح؟!!!
اومأت و هي تنظر أمامها ترفع كتفيها بطفولية، لتصدح صوت ضحكته الرجولية قائلاً:
- دة أنتِ أعيل من يزيد اخوكي!!!!!
نظرت له مشيرة لنفسها بذهول:
- أنا يا مازن!!!!
أبتسم بلطف ليُقبل كفها برقة قائلاً:
- لما بتقولي أسمي بعد كل الغياب دة بحس أني عايز أخدك في حضني و مطلعكيش منه أبداً!!!!!
أنفجر الدماء بوجهها لتلتفت بوجهها تنظر من النافذة بخجلٍ، ليتحرك هو بالسيارة عازماً على أن لا يتركها إلا و هو جثة هامدة!!!!!
وصل بعد قليل أمام المشفى فكادت أن تترجل من السيارة دون حديث، ليوقفها هو ممسكاً بكفها، قائلاً و هو يشير إلى خصلاتها بهدوء:
- لمي شعرك يا فريدة!!!!
- بردو؟!!
تمتمت بعتاب، ليبتسم بلطف قائلاً:
- حبيبتي أنا مش عايز حد يشوف شعرك مفرود غيري، لميه لو سمحتي!!!!
خفق قلبها عندما نطق بـ "حبيبتي"، لتنظر لعيناه اللامعة، فتنهدت بإبتسلام لتخرج "مطاطة" صغيرة من حقيبتها عقدت بها خصلاتها، كان يطالع أصغر حركاتها متيماً، ليجذبها من ذراعها مقبلاً وجنتيها الغضة، فنظرت له "فريدة" بتفاجأ لتطبق على شفتيها ثم صمتت، همت بالترجل ليجذبها هو له مجدداً قائلاً بتحذير:
- خدي بالك من نفسك!!!!!! سامعاني يا فريدة!!!!!
لا تعلم لِما شعرت بشئ سئ في مجيئه لها، فتمنت لو أن تخبره أنها خائفة ذلك اليوم خصيصاً و لاتريد الإبتعاد عنه، إزدردت ريقها لتخرج نبرتها مهزوزة رغماً عنها:
- حاضر!!!!
عندما أستشعر خوفها هتف بجمود:
- في حد بيدايقك في المستشفى؟، فريدة لو في حاجة قوليلي المستشفى دي بتاعتنا يعني أنا أقدر أمشي اللي أنتِ عايزاه مش موجود!!! في أي حد أتعرضلك بأي طريقة!!!!
تذكرت "إياد" بنظراته التي أصبحت لا تريحها الأونة الأخيرة، ولكنها تعلم أن لو علِم "مازن" سيُدمر المشفى فوق رأسه، نظرت له بتردد ثم قالت:
- لاء طبعاً مافيش حد!!!!
نظر لها بشكٍ ثم أومأ قائلاً بنبرة قوية:
- عايزك تبقي متأكدة أني معاكي حتى لو مش جنبك في نفس المكان، و أن أي حد هيحاول أو يفكر بس مجرد تفكير يعملك حاجة همحيه من على وش الدنيا، صدقيني يا فريدة أنا مستعد أعمل أي حاجة بس مافيش شعرة منك تتأذي!!!! أنا عارف أنك قوية وهتاخدي بالك من نفسك كويس بس بردو لو حصل معاكي أي حاجة حتى لو صغيرة كلميني!!!!!
كم عشقت شعور الأمان الذي أفتقدته طيلة حياتها، تمنت لو أن ترتمي بأحضانه لتخبره أنها ممتنة لحديثه هذا، و ان كلماته تلك زرعت بها شعورٍ قوي كان مهتزاً منذ دقيقتان، الكلمات تستطيع أن تفعل الكثير، نظرت له لتبتسم و هي تحرك رأسها بالإيجاب، ثم ترجلت من السيارة تخطو خطواتها داخل المشفى بثقة، فراقبها هو من بعيد، ليُمسك بهاتفه ثم ضغط على أسم "منير"، ليضعه على أذنه قائلاً بعد ثواني:
- مُنير، عايزك تيجي عند المستشفى بنفسك و لو حكمت تدخل كمان و تراقبها من بعيد، و لو حسيت أن أي حد دايقها كلمني فوراً!!!!
• • • •
- مالك بس يا أمي؟!! أيه اللي حصل؟!!!
اردف "ظافر" و هو يمسد على ذراع والدته تجلس جوارها "ملاذ"، لتهتف "رقية" ببكاءٍ شديد:
- أخوك يا ظافر، باسل أخوك خلاص معدش هيرچع إهنه تاني، هو خلاص كرهني!!!!!
تفاجأ "ظافر" لما تقوله، ليهتف بتساؤل:
- أيه اللي خلاكي تقولي كدا!!!!
- باسل عرف كل حاچة، عرف اننا كنا مخبيين عليه مكان رهف، مشي و مش هيعاود تاني!!!!!
قالت "رقية" بحزن شديد و هي تضرب على صدرها، لتشهق "ملاذ" بعنف واضعة كفيها على ثغرها، ليومأ "ظافر" و هو ينظر بعيداً، يعلم أن أخيه لن يمررها مرور الكرام، عاود النظر لوالدته ليقول مطمئناً إياها:
- طب أهدي و انا هحل كل حاجة، أهدي بس!!!!!
• • • •
أسترقت "رهف" السمع بعد كثير من الوقت صوت رجلٍ آخر يتحدث مع "باسل" فعلمت أنه النجار من صوت الجلبة التي يفعلها بالباب، قضمت أظافرها تحترق فضولاً لتخرج لهم، و لكنها تعلم إن خرجت سيذبحها "باسل" و يمزقها أشلاء أولاً لِما ترتديه من قميص بيتي خفيف للغاية، و ثانياً لِما فعلته به، أبتسمت بشدة عندما تذكرت مظهره الغاضب، ذهبت نحو غرفة تبديل الملابس لترتدي منامة تتكون من بنطال وكنزة ثقيلة، ثم رفعت خصلاتها كعكة فوضوية جعلتها بمظهر جذاب طفولي، عندما هدأ الصوت بالخارج تيقنت من ذهاب الرجل، و لكنها فضلّت أن تظل بغرفتها، جلست على الفراش ممسكة بهاتفها تلعب بإحدى الألعاب الإلكترونية، و لكن انتفض جسدها عندما سمعت صوت سعاله العنيف يأتي من الخارج، كان يسعل بطريقة أخافتها، لم تتردد لتخرج من الغرفة فوجدت الباب قد صُلح، ألتفتت لتجده مستلقي على الأريكة العريضة بعد أن بدّل ملابسه المبللة واضعاً أحد ذراعيه على عيناه لا يكف عن السعال، ركضت نحو المطبخ لتأتي له بكوب من الماء ثم اتجهت نحوه لتجلس جواره، أسندت رأسه على رسغها ثم جعلته يرتشف منها قائلة بقلقٍ:
- فيك أيه بس!!!!
أراح رأسه على الوسادة بإرهاق بعد أن شرِب، وضعت كفها على مقدمة رأسه و على وجهه بأكمله فوجدت حرارته مرتفعة للغاية، شهقت هي بصدمة لتمسح على خصلاته قائلة:
- دة أنت حرارتك عالية أوي يا باسل!!!!!
نظر لها بعيناه المرهقة ليردف بلطفٍ:
- انا كويس متقلقيش!!!!!
برقت عيناها بالدموع لتحاوط وجهه بكفيها قائلة بندمٍ:
- كل دة بسببي أنا غرقتك بـ ميا متلجة و الجو اصلاً برد، أنا بجد أسفة يا باسل مش عارفة أقولك أيه!!!!!
أبتسم بحنو قائلاً و هو يربت على كفها:
- صدقيني انا كويس الحرارة شوية وهتنزل!!!!!
نفت برأسها لتهتف قائلة وهي، تركض للمطبخ:
- لاء انا لازم هعملك كمادات!!!!!
بالفعل بعد قليل أتت بوعاء مليئ بمياة بها قطع من الثلج، بجوار قطعة صغيرة من القماش وضعتها على الطاولة ثم جلس بجانبه تماماً في مواجهته، أمسكت ب القماشة ثم أغرقتها في الطبق لتعصرها جيداً و وضعتها على جبينه، أغمض هو عيناه بإرهاق ليتراخى جسده، طالعته "رهف" بخوفٍ بالغ عليه لتحاوط وجنته بكفها بأسفٍ، ليقبل هو كفها الصغير يطمئنها بنظراته، عاودت الكرة مرة أخرى مع المنشفة فوضعتها على جبهته، لتقول وهي تتلمس وجهه براحتها، ليقول هو ببراءة زائفة:
- كدا مش هتعرفي لو الحرارة نزلت ولا لاء، شوفي بشفايفك!!!!!!
وكزته في كتفه قائلة بنفاذ صبر:
- حتى و أنت تعبان قليل الأدب!!!!!
صدحت ضحكلته الرجولية في أرجاء المنزل، لتميل عليه بوجنتيها تتلمس وجنتيه، فوجدت بالفعل وجهه دافئ، تنهدت براحة ثم نهضت قائلة:
- قوم نام في الأوضة اللي جنب أوضتي!!!!!
قبض على كفها برفق قائلاً بإرهاق برز في صوته:
- مش قادر أقوم يا رهف، تعالي نامي جنبي هنا و أنا هبقى كويس!!!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج لتتمتم برفضٍ تام:
- لاء طبعاً!!!!!
ازاح كفه بعيداً عن كفها، ليومأ بملامح خالية ونبرة حزينة:
- براحتك!!!!!
ألمها قلبها له لتتنهد قائلة بضيق:
- خلاص .. هنام جنبك!!!!!
التفت لها مبتسماً بسعادة ليفتح ذراعيه لها، أرادت "رهف" أن تلقي بنفسها داخل أحضانه ولكنها عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة بغرورٍ:
- هنام جنبك بس هتنام بأحترامك يا باسل!!!!! في حدود مش هنتعداها!!!!
زفر بضيق ليهتف بنزق:
- طب تعالي و خلصيني!!!!!
اشارت لذراعيه قائلة:
- أبعد دراعك عشان أنام!!!!
أبعد ذراعيه عنها بالفعل لتستلقي هي جواره بتردد، ثم أعطته ظهرها لتسحب الغطاء عليهما، حاولت مقاومة رائحته وشعورها بأنها أصبحت جواره، لتطبق بكفيها أسفل جانب رأسها، لم تستطيع النوم وهي جواره، أنفاسه قريبة من عنقها تحرق بشرتها، قطبت حاجبيها بإنزعاج لتسرع قائلة بتوتر:
- مـ تبعد شوية يا باسل!!!!!
أنفجر بالضحك لينثنى هامساً بأذنها بخبث:
- مش عارفة تنامي صح!!!!!
همت بالنهوض ليقبض على خصرها قائلاً بمزاح و هو لا يستطيع السيطرة على ضحكاته:
- طب خلاص أهدي و أنا هبعد!!!
نظرت له بطرف عيناها بإمتعاض لتبعد ذراعه عنها تراقبه و هو يبتعد عنها، زفرت براحة لتضم هي كفيها أمام وجهها و سرعان ما غاصت بنومٍ عميق، أستغل هو تلك الفرصة الذهبية فأقترب منها محاوطاً خصرها يُلصق ظهرها بصدره، رفع رأسه ليُقبل جانب عنقها، ممتناً للمرض الذي جعله يحظي بها!!!!
توقفت الحروف على أعتاب ثغرها، لتسير قشعريرة عصفت بجسدها بأكمله، زاغت أنظارها وهي تنظر له بصدمة تجلت على ملامحها، تنظر إليه وكأنها تتشبع برؤيته لتحفظ تلك الذكرى داخل عيناها، شعرت بأنها بحلمٌ تعلم أنه سيقلب حياتها رأساً على عقب، أرتدت خطوة واحدة تنفي تجسّده أمام عيناه بهيبته و وسامته التي تذيبها، تنفي وجود ذلك الشوق والحنان بعيناه ألتفتت لتجد أخيها يركض له بإندفاع صارخاً بإسمه لينحنى هو له يستقبله في أحضانه بإبتسامه هادئة، ثم حدق بها لتظل هي تنظر له بعيناها الواسعتان فحدث بينهما تواصل بصري قال ما لم يستطيع اللسان قوله، لقد تغير وهي تعترف بذلك، أصبح أكثر هيبة، أكثر جدية، و أكثر وسامة، عند تلك النقطة تمنت لو أن تذهب لتلكم وجهه الوسيم، تخبره أنها كم تكره نفسها لأنها شعرت بمشاعر تختبرها لأول مرة معه، تخبره أنه لا يجب أن يعود ويدمر حياتها بعد أن جاهدت في بنائها مجدداً، تخبره كم تكره رؤيته.. وكم أشتاقت له!!!!
عندما دلف من الباب و هو يجدها تخرج من المطبخ تتهادى في سيرها ممسكة بصينية، وجهها الذي أزداد جمالاً لم يظهره تلك الصورة، خصلاتها التي أزدادت طولاً ساقطة على وجهها بنعومة، شفتيها التي أظهرت عن اسنانها المتلألئة، زالت الأبتسامة التي تشكلت على ثغرها عندما رفعت أنظارها له لهتاف أخيها، فسقطت أنظاره على الوعاء الذي أنسكب أرضاً، ليعود بأنظاره الجامدة على ملامحها المصدومة وكأنها للتور تعرضت لصدمة كهربية، لانت ملامحه عندما شعر بإرتجاف جسدها الذي لا يُخفي عليه، تنهد بخفة وهو يتمنى لو أن يذهب لها ليحتصنها بقسوة ممتزجة بحنان لم تراه مسبقاً، يخبرها أنه نادم، آسف، يخبرها أن لا يوجد شخص على الكرة الأرضية أغبى منه لأن لم يستغل كل ثانية ليبقى بجوارها، ينعم بقربها قبل أن تنقبض روحه، نظر إلى الصغير الذي هرول نحوه ليجلس على ركبتيه حتى يكون في مستواه، ثم فتح ذراعيه له ليرتمي "يزيد" في أحضانه محاوطاً عنقه، ثم قبله على وجنته التي نبت بها ذقنه، قائلاً ببراءة:
- وحشتني أوي ياعمو مازن!!!!!
أبتسم له "مازن" ثم قبّل وجنتيه بحنو ليهتف بصوته الرجولي الذي جعل جسدها بأكمله يرتجف و هي لازالت تنظر لهم:
- أنت أكتر يا يزيد!!!!
هتف "يزيد" بعفوية مندفعاً و هو يصفق بكفيه:
- أخيراً رجعت وفريدة مش هتعيط تاني!!!!
نظر له "مازن" بصدمة لينظر إلى "فريدة" التي ألقت لأخيها نظرة حانقه ثم سقطت بأنظارها لقدميها عندما وجدته محدقاً به، ليبتسم هو بشوقٍ لا يصدق أنها كانت تبكي عندما أبتعد عنها، نهض سريعاً عندما رأى والدته تركض نحوه غير مصدقة بأن فلذة كبدها يقف أمامها، ألقت بجسدها البدين في أحضانه محاوطة خصرها لتبكي بقهرٍ، حاوطها "مازن" مربتاً على ظهرها، ليبعدها عنه، ثم مسح دمعاتها قائلاً بحنان بالغ:
- أهدي يا أمي، ليه العياط دلوقتي بس!!!
أمسكت بكفه لتقبله بإشتياق لتحاوط وجهه تقبله ببكاءٍ شديد وسط ضحكاته على أستقبال والدته له، لتهتف "رقية" قائلة بلومٍ:
- ليه ياضنايا الغيبة دي كُليتها، حرام عليك يابني تعمل فينا أكده أنا كنت بطمن عليك كل يوم من ظافر وباسل بس هُما مجالوليش أنك چاي ياحبيبي، ليه إكده يامازن تحرمني منك المدة دي، موحشتكش ياحبيبي، مراتك موحشتكش!!!!!
عند تلك النقطة رفعت أنظارها لهم بحنق شديد، لتلتفت حتى تذهب لغرفتها بخطواتٍ حانقة، ولكن أوقفتها في أرضها جملته التي هتف بها بنبرة حنونة علمت أنها ذات مغزى:
- طبعاً وحشتوني أوي!!!!!
لا تعلم أيقصد شئ بإستخدامه صيغة "واو الجماعة"، لا يمكن أن يقصدها بتلك الكلمة، تابعت سيرها بخطوات قوية لا تبالي بكلماته، غافله عن نظراته التي ظلت تتابعها حتى أختفت عن مرمى عيناه، ليعود بأنظاره لوالدته ثم أخذ بتقبيل كفها الدافئ ليهتف بود:
- أنا في الفترة دي أتعلمت كتير أوي يا أمي، عايزك تسامحيني على أي حاجة وحشة عملتها معاكوا، أنا خايف ييجي وقت وميقاش نافع فيه ندم!!!!
شعرت "رقية" بقلبها ينقبض على صغيرها، لتحاوط وجنتيه قائلة بعينان دامعتان:
- في أيه ياضنايا، مالك ياحبيبي!!!!
نظر لها بنظرات مطمأنة حتى لا يثير شكها، ثم قال و هو يربت على كفيها:
- مافيش حاجة ياحبيبتي، أهم حاجة تسامحيني!!!!
ربتت "رقية" على خصلاته قائلة بحنو:
- مسمحاك يابني، وراضية عنك ليوم الدين!!!!!
أبتسم لها لتتابع هي قائلة بنبرة حانية:
- أطلع يابني لمراتك عشان ترتاح من السفر هبابة، ربنا ييسر الاحوال بيناتكوا ويخليكم لبعض!!!!
أومأ "مازن" بإبتسامة فقلبه يرفرف فرحاً لأنه سيصعد لها، ليجد من يتشبث ببنطاله، ألتفت إلى "يزيد" الذي هتف بحماس:
- خدني معاك ياعمو مازن!!!!
سارعت "رقية" بالقول لتمسك بيد الصغير بلطف قائلة:
- تعالى يايزيد ناكل الأول وبعدين تعمل اللي تريده!!!
أومأ "يزيد" بإبتسامة راضية ليذهب معها، ثم أمسك بحقيبته الصغيرة فهو لا يريد أن يبقى هنا كثيراً، ليتجه إلى الدرج ثم صعده ركضاً، ليتجه إلى غرفتهما، ففتح الباب سريعاً ولكن وجد أنوارها مطفأة شديدة الظلام، ليلتفت ثم فتح الأنوار فوجدها نظيفة مرتبة توحي بأن لا أحد يجلس بها، ليلغلق باب الغرفة متيقناً بأنها ذهبت لغرفة أخرى، سار بالممر لينظر لغرفة نبع من أسفل بابها نور أبيض، ليبتسم بعذوبة ثم أتجه نحوها، أمسك بنقبض الباب ليُديره بهدوءٍ حذر، ثم فتحه على مهلٍ ليجدها تقف في منتصف الغرفة تعطيه ظهرها، مكتفة ذراعيها أمام صدرها، طالع خصلاتها المنسابة على ظهرها ليغلق الباب بخفوت ثم وضع حقيبته أرضاً، ليذهب تجاهها بخطواتٍ وئيدة، تصاعدت أنامله ليضعها على كتفيها مردفاً بهدوءٍ:
- فريدة!!!!!
أنتفض جسدها كمن لدغها عقرب لتلتفت له منفضة ذراعيه بحدة هادرة بصوتٍ عالٍ:
- أبعد عني!!!! أيه اللي رجّعك؟!!! أيه اللي جابك رد عليا، جاي تدمر حياتي تاني مش مكفيك اللي حصل فيا مش كدا!!! بس لاء يامازن اللي سيبتها فريدة القديمة، وفريدة القديمة ماتت و أتدفنت، دلوقتي قدامك فريدة تانية خالص مش هتسمحلك تدوسلها ع طرف، أرجع مكان مـ كنت لأن محدش عايزك!!!!!
تغاضى عن شعور النغزة بقلبه، ليعود ممسكاً بكتفيها لكي يروضها ولكنها اخذت في ضرب صدره بقوة، على قلبه مباشرةً، تصرخ به بجنون أن يبتعد عنها، حاوط كتفيها بذراعيه ليقربها من صدره بحنو ماسحاً على خصلاتها، تلوّت "فريدة" بين ذراعيه ولكن أستكان جسدها عندما سقط بثغره جوار أذنها ليهمس بنبرة حانية، نغمة جديدة على مسامعها لم تسمعها منه من قبل:
- أنا أسف، أسف على كل حاجة عملتها فيكي قبل كدا، أنا عارف أنك مش هتسامحيني بسهولة، بس أنا هفضل أعافر معاكي لحد مـ تسامحيني يافريدة، مش هسيبك أبداً مهما حصل!!!!
أبتلعت ريقها تحت تأثير كلماته التي تغلغلت لقلبها لتمسد عليه برقه، أغمضت عيناها مستمتعة بقربه ورائحة عطره التي تنعشها، تمنت لو أن تبكي بأحضانه بقوة، تخبره كم يملك قلب قاسي أستطاع الأبتعاد عنها، أرادت أن تخبره أنها لم تكن تعلم مقدار عشقها له الذي تخطى حواجز الحب، ولكن كبريائها بمنعها عن فعل أياً من ذلك، ستصبح قاسية لتلقنه درساً لن ينساه، ستريه أنها لن تنسى ما فعله، بها، ظلت بأحضانه ثوانٍ و ذراعيه يحاوطا كتفيها مغمضاً عيناه و هو يعلم انها ستتلاشى من بين يداه في ثواني، و بالفعل أبتعدت عنه تُزيح ذراعيه ثم وقفت أمامه مبتسمة بسُخرية، لتعقد ذراعيها قائلة بتهكمٍ تجلى في نبرتها:
- جاي تقول الكلام دة بعد أيه؟!! الأوان فات خلاص!!!
نفى بقوة يزيح كلامها بعيداً عن رأسه، ليقترب منها الخطوات التي أبتعدتها هي عنها ثم حاوط وجهها قائلاً بلهفة:
- لاء يا فريدة الأوان مفاتش، هصلح كل غلط عملته معاكي أو مع أي حد، هنعيش حياتنا سوا وهنبدأ صفحة جديدة مع بعض، صدقيني هشيل كل حزنك دة و هبدله بطريقتي!!!
أبعدت كفيه عن وجهها هادرة بعنف:
- أنت أيه بقولك مش هعيش معاك مش طيقاك مش هقدر أبص حتى في وشك أفهم أنا بجد كرهتك يا مازن!!!!
طالعها بنظرات لهيبية، ليبتعد عنها خطوتان ثم ألتفت ليغادر الغرفة، صافعاً الباب بقوة حتى كاد أن ينخلع من مكانه لتنتفض هي على أثره، سارت نحو الفراش وهي تشعر بحصونها تنهار، قوتها التي تُزيفها أمامه تتناثر أرضاً، فهي قد قاومت رغبتها في معانقته بشتى الطرق، كلماتها التي ألقت بها في وجهه آلمتها هي قبل أن تؤلمه، أستندت بكفيها على الفراش لتنهمر الدموع من عيناها بهدوء، أغمضت عيناها لتتصاعد شهقات خفيفة من جوفها أنتفض لها جسدها، أستلقت على الفراش لتحتضن الوسادة تدفن بها وجهها!!!
• • • •
بعد أن خرج من غرفتها وهو يشعر بتلك النغزة تعود له مجدداً، وقف أعلى الدرج ممسكاً بـ الدرابزين واضعاً يده على قلبه، ليفاجأ بصراخ مرح أتى من الأسفل، نظر لشقيقته المجنونة التي صعدت مهرولة له، ثم أرتمت في أحضانه بقوة ليحاوطها "مازن" بإبتسامة خفيفة، هتفت "ملك" بعدم تصديق وجوده معهم:
- أنا بجد مش قادرة أصدق أنك جيت أخيراً يا مازن، ليه تبعد كل دة حرام عليك ماما و أنا وفريدة!!!
لم يُجيبها لينثنى مقبلاً خصلاتها، لتهتف "ملك" سريعاً وهي تبعد وجهها عنه تاركة ذراعيها تحاوط خصره، لتهتف بدهشة:
- هي شافتك صح؟!!!
أومأ "مازن" بصمت، لتعقد حاجبيها قائلة بمزاح:
- هو أنت راجع من فرنسا أخرس ولا أيه؟!!!
أبتسم لها ليهتف قائلاً بهدوء:
- لاء عندي لسان و هيشتمك دلوقتي!!!!
وقفت على أطراف قدميها لتمسك بوجهه ثم قبلته بقوة على وجنتيه وسط ضحكاته من شقيقته المجنونة، سمعوا صوتٍ حاد ساخر أتى من أسفل الدرج:
- حمدلله ع السلامة يا مازن!!!
جحظت "ملك" بعيناها لتبتعد عن أخيها قم ألتفتت لزوجها، لتسمع صوت "مازن" من خلفها قائلاً بنبرة غير مكترثة:
- الله يسلمك يا جواد!!!!
ثم تابع قائلاً:
- مبروك!!!
أومأ "جواد" بصمت ليصعد لهم ثم أمسك بذراع "ملك" ليهتف بتهكمٍ إلى "مازن":
- معلش هاخد أختك عشان عايزها في كلمتين!!!!
أشار له "مازن" بكفه لكي يأخذها ليذهبا كلاً منهم، كاد "مازن" أن يذهب أيضاً مروراً بالدرج ولكنه تذكر نسيان مفاتيح سيارته و هاتفه في الحقيبة الصغيرة القابعة في غرفتها، عاد إلى الغرفة ثم وقف أمامها حتى كاد أن يدلف ولكنه أسترق السمع لهمهمات باكية رقيقة، لانت تعابير وجهه ليفتح الباب بحذر شديد فتحة صغيرة تكفي ليراقبها منها، وبالفعل وجدها مستلقية على الفراش تحتضن الوسادة، تبكي بخفوت مع أنتفاضة جسدها المصاحبة لشهقاتها، تمنى لو أن يصفع الباب بعرض الحائط ليدلف لها ثم يحاوطها بذراعيه ويجعلها تبكي للغد كيفما شاءت، لو فقط تستكين على صدره وتترك له فرصة حتى يعوضها عن حماقاته السابقة، ولكنه يعلمها جيداً لن ترضخ له بهذه السهولة، لم يريد أن يدلف لها حتى لا تظهر ضعيفه أمامه في نظرها، ليغلق الباب ببطئ ثم أتجه لوالدته بعد أن سأل الخادمة عليها أتجه إلى غرفة "يزيد" ثم دلف لها فوجد والدته تجلس وعلى قدميها الصغير الذي ذهب في سُبات عميق، أشارت له والدته بالدخول بكفها ثم ربتت على الفراش جوارها، ليجلس هو بجانبها ثم هتف بهدوءٍ:
- أمي لو سمحتي ممكن تقومي تروحي لفريدة في أوضتها، أقعدي معاها شوية وقوللها لو وجودي هيخليها بالحالة دي أنا همشي!!!!
نظرت له والدته بعتاب لتقول:
- تمشي تروح فين يا مازن دي البنية دايبة فيك وبتعشجك أنت معذور لما مكنتش موچود كنت بحس أنها چسم بيتحرك بس روحها وجلبها وعجلَها كانوا معاك، دة أنت لما چيت عينيها لمعت زي النچوم، أنا هجعد معاها وهلين جلبها نحيتك شوية وبعدين أنت تروح لمرتك وتاخدها في حضنك حتى لو غصب عنها، ماشي يا مازن؟!!!
أغمض عيناه مستنداً برأسها داخل كفيه لتربت هي على كتفه، نهضت حاملة "يزيد" ثم أراحت جسده الصغير في محلها جوار "مازن" لتسير مبتعده عنهم تدلف خارج الغرفة، نظر "مازن" إلى "يزيد" يتأمل ملامحه المشابهة لها كثيراً، بدايةً من الخصلات البنية مروراً بالأنف و الشفاة الصغيرة، نهص ليفتح النافذة ثم عقد ذراعيه معاً ينظر من خلالها بشرود..
• • • •
دلفت "رقية" لغرفتها دون طرق الباب، لتخط بخطواتها نحوها ترمقها بعطفٍ لشهقات بكائها التي تمزق القلب، جلست جوارها على طرف الفراش لتمسد على خصلاتها و هي تراها لازالت على حالها، لتهتف قائلة بشفقة:
- سامحيه يابنيتي، دة ربنا بيسامح مش هتسامحيه أنتِ ياحبيبتي، صدجيني يافريدة الدنيا جصيرة اوي مش مستاهلة العذاب دة كِلياته "كله"، مازن مش وحش للدرچة دي، مازن بيحبك والله أبني و حافظاه لمعة عينيه ولهفته عليكي بيجولوا أنه بيحبك، أستهدي بالله وسامحيه يابنتي!!!
رفعت "فريدة" رأسها لتنظر لها والدموع تملأ حدقتيها بوجهٍ أحمر وشفتين ورديتين ترتجف بقوة، لتردف قائلة بحُرقة:
- مازن أتأخر أوي ياطنط، جه بعد مـ أنا كرهته خلاص ومبقتش قادرة اسامحه على اللي عمله معايا زمان، صدقيني الوقت فات اوي ومش هيرجع تاني!!!!
تنهدت "رقية" من عِناد تلك الفتاة، لتربت على كتفيها وهي لا تريد الضغط عليها أكثر ثم قالت:
- براحتك يابنتي، بس أنا بجولك اهو دلوكتي هتندموا على الأيام اللي بتفوت دي!!!!!
ثم تركتها وذهبت بقلة حيلة لتعود لمازن الذي وقف يُنفث دخان سجائره، ألتفت لها سريعاً يهتف بلهفة:
- قالتلك أيه يا أمي!!!!
أطلقت زفيراً حانقاً على حالهم، لتقول بإيجاز:
- دماغها صعيدية كِيف "زي" دماغنا!!!!!
بعد أن أُنيرت عيناه بشعله عاشقة، عادت مُنطفئة مجدداً ليُلقي بلُفافة تبغه من النافذة بعنف، ثم أطاح بالمزهرية أرضاً لينتفض جسد الصغير بعد أن كان غارق بالنوم، صرخ "مازن" بحدة بوجه والدته:
- هي أيه بقا مش هتبطل عِنادها دة أعتذرتلها و قولتلها نبدأ صفحة جديدة مع بعض بردو مافيش فايدة فيها!!!!
أقتربت منه "رقية" على عجل تحاول تهدأته، لتنظر إلى "يزيد" الذي بدأ بالبكاء، ركضت نحوه لتجذبه لأحضانها مربته على ظهره تهدهده، نظر لهم "مازن" بقنوط ثم مسح على وجهه بعنف، ليذهب خارج الغرفة صافعاً الباب خلفه!!!!
• • • •
دفعها لجناحهما بضيق ليغلق الباب، ثم يهدر بعصبية ملوحاً بكفه:
- نازلة فيه بوس و أحضان و أنا أتفلق صح!!!!
نظرت له "ملك" بعدم تصديق قائلة بذهول:
- أنت بتغير عليا من أخويا يا جواد!!!!
أتجه لها ليقبص على كتفيها قائلاً بقنوط:
- مغيرش ليه سيادتك مش هو راجل!!!!
توسعت عيناها بصدمة قائلة بعدم تصديق:
- أيوا بس دة اخويا!!!!
- ملك هُما كلمتين أنا بس اللي تحضنيه وتبوسيه غير كدا مش هيحصل خير!!!!
هتف بتحذير لتلك الواقفة أمامه لا تصدق ما يقوله، لتبتعد عنه بضيق قائلة:
- انت أكيد بتهزر قولي أنك بتهزر معايا!!!! هو في حد عاقل يغير من اخو مراته!!!!
صرخ بها بعنف:
- انا مجنون ياستي و المجنون دة ممكن يعمل حاجات متخطرش على بالك لو دايقتيه!!!!!
ثم تابع بحدة شديدة رافعاً أصبعه بوجهها:
- أنا ماسك نفسي بالعافية ومش عايز أتهور عليكي و اخليكي تشوفي وشي تاني!!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع من صراخه عليها، لتجلس على الفراش ضامة ركبتيها لصدرها قائلة بشهقات متتالية:
- أنت فكرتني بـ بابا بما كان بيصرخ فيا كدا!!!!!
صُدم "جواد" من حديثها ليمسح على وجهه بضيق، ليذهب لها جالساً امامها، أمتدت أنامله لترفع وجهها له يُزيل دموعها برفق، ثم جذب جسدها الصغير لأحضانه مقبلاً خصلاتها مربتاً على ظهرها صعوداً وهبوطاً، أغمض عيناه بندمٍ عندما شعر بجسدها المرتجف بين ذراعيه، ليهتف و هو يرفع ذقنها له:
- ملك.. أهدي يا حبيبتي خلاص مافيش حاجة، أنا أسف يا عُمري!!!!
حاولت الإبتعاد من بين ذراعيه ولكنه شدد على جسدها بأحضانهن مقدمة رأسها يتمتم:
- أهدي بقا عشان خاطري!!!!
نظرت له بعيناها الامعة بالدموع، فـ لم يتسطيع مقاومة جمالهما ليميل مقبلاً شفتيها بحنان شديد، سارت شفتيه على كل إنش بوجهها طابعاً قبلات كالورود على بشرتها!!!!
• • • •
أتجه لغرفتها بعد أن دفع جميع مصروفات المشفى ليأخذها معه، فتح الباب بقوة ليتسمر جسده عندما وجد الفراش فارغ، خطى داخل الغرفة ليذهب تجاه المرحاض و هو يكذِب جميع توقعاته، فتحه ببطيء ليجده فارغ أيضاً، جن جنونه ليشدد على خصلاته بقوة، ثم أتجه خارجاً ليصرخ بصوتٍ عالٍ و هو واثباً في الممر:
- رهــــف !!!!!!!
التفتت الأنظار حوله بدهشة ليركض له الطبيب قائلاً بضيق:
- يا فندم أيه اللي حضرتك بتعمله دة!!!!!
ألتفت له "باسل" ليقبض على تلابيبه بقسوة ثم قربه منه بعنف هادراً به بصوت هَز أرجاء المشفى:
- مراتي فين!!!!
قطب الطبيب حاجببه بغرابة ليُبعد كفيه بنزق ثم هتف:
- في أوضتها أكيد!!!!!!
جذبه مرة ثانية ليجعله يدلف للغرفة مرغماً، طالع الطبيب الغرفة الفارغة بدهشة ليلتفت له قائلاً بصدمة:
- هي فين!!!!!
لم يستطيع "باسل" التحكم في أنفاعلاته ليلكمه فوقع الأخير أرضاً، جلس على الأرضية بمستواه ليقبض على عنقه بكلتا كفيه مزمجراً بنظراتٍ مشتعلة:
- ورحمة أبويا مراتي لو مظهرتش دلوقتي هطربق المستشفى على دماغكوا!!!!!!
تحول وجهه للون الأزرق و هو يحاول التخلص من قبضته، لتأتي الممرضة مع الكثير من الأطباء اللذين تجمهروا حولهم ثم أبعدوا "باسل" عنه، ليصرخ بهم بجنون، ثم تركهم ليتجه للمدير، دفع الباب بقدمه بفظاظة لينتفض المدير من مقعده ثم نظر له برعب فمن القليل عندما يزوره أحفاد صاحب المشفى، لذا هتف بقلقٍ:
- باسل بيه!!! أتفضل يا باشا!!!!
مضى نحوه بخطوات حُفرت بالأرضية، ليضرب على المكتب أمامه بعينان مشتعلتان، ثم حدج به بقسوة، لبتخرج نبرته قوية أثارت رعبه:
- ورحمة أبويا أنت راجل ****!!!!!!!
جحظ "مهاب" بعيناه من سبته النابية، ليحمحم متمتماً بإحراج:
- ليه بس كدا يا باسل بيه!!!!
تقلصت تعابير وجه الأخير بإشمئزاز ليجذبه من قميصه نحوه لا يفصلهما سوى المكتب، قائلاً بتوعد شديد:
- يعني أنا مراتي تمشي من المستشفى وانتوا هنا نايمين على ودانكوا، فين الأمن والحراسة!!!!!
صُدم "مهاب" ليهتف بدهشة:
- أزاي بس!!!! أنا متابع حالتها كويس وهي كانت كويسة؟!!
- عارف يا مهاب أنا لو مالقيتهاش هعمل فيك أيه؟!!!!
هتف "باسل" و هو يُضيق عيناه بتوعد، ليردف الأخير بنبرة مهتزة:
- أكيد هنلاقيها يا باشا متقلقش!!!!
نفضه عن كفيه ليلتفت نحو الباب بعد أن ألقى نظرة جامدة عليه، ثم دلف خارج غرفة المكتب صافعاً الباب بشدة أنتفض لها جسد الأخير الذي أستند بكفيه على المكتب مغمضاً عيناه بضيق حانق!!!
• • ••
دلف لغرفتها بخطواتٍ بطيئة، ليُشعل أنوار الغرفة، ثم أقترب منها بهدوءٍ ليجلس على الفراش جوارها واضعاً ذراعه حول رأسها المستند على الوسادة، لازالت تنام بنفس الوضعية مطبقة بكفيها أسفل وجنتيها، وضع رأسها على صدره أسفل ذقنه، سقط بأنظاره يتأمل وجهها، لاحت أبتسامة على ثغره ليمد أنامله يُبعد خصلة متمردة ساقطة على وجهها، ليبدأ بمداعبة وجنتها بحنو، ثم قرّب ثغره لحدقتيها المغمضة بخمول ليقبلهما برقة، لا يصدق أنه بات بهذا القرب حتى بدا أنهما يتشاركان أنفاسهما معاً، حاوط خصرها بحذر مقبلاً مقدمة رأسها ليحتضنها بهدوء حتى لا تفيق، و لأول مرة يتفرس وجهها بتلك الطريقه و بذلك الهدوء، ضم رأسها لصدره ليستند بذقنه على رأسها مبتسماً بخفوت، ثم أغمض عيناه و أخيراً ينام بـ راحة بعد ذلك الإرهاق الذي عاناه بعيداً عنها!!!!
•• • •
بحث عنها في الطُرق بأكملها، لم يترك زقاق إلا وبحث عنها به، كما أنه ذهب لوالدتها لربما أختبأت معها رُغم يقينه أن هذا أخر مكان قد تذهب إليه فـ لو أرادت الذهاب لهُناك لذهبت منذ ثلاثة أشهر، ذهب لها بحجة أنه كان قريباً منها وجاء ليطمأن عليها، و عندما حادثته بودٍ و أمتنان تسأل عن أحوال أبنتها علِم أنها لم تأتي لها، تنهد يشعر بغصة في حلقه و هو يستند برأسه على المقود، يلهث و صدره يعلو ويهبط من فرط غضبه، فـ لو كانت أمامه الأن أقسم على أن يُذيقها من كأس العذاب الذي تجرع هو منه كثيراً، عاد برأسه لمقعده مغمضاً عيناه بإرهاق شديد، ليعود للقصر بتثاقل، فتحت الخادمة الباب له ليجد والدته تركص له بفرحٍ شديد:
- أخوك چه يا باسل!!!!
أومأ "باسل" ينظر لها بعينان واهنتان قائلاً :
- عارف يا أمي!!!!
نظرت له "رقية" بإستفسار، و لكنها عادت تشهق و هي تضرب جبينها، لتهتف بقلق حقيقي:
- كِيف نسيت، أنا كنت هكلمك أطمن على رهف سيبتها و چيت ليه يابني!!!!
جلس "باسل" على أقرب مقعد وجده، ليحني ظهره واضعاً رأسه بين كفيه، يقول بنبرة تألمت لها "رقية":
- رهف هربت!!!!!!
جحظت عيناها برعب لتردد بعدم أستيعاب:
- هربت!!!!!
صمتت قليلاً تستوعب، لتتابع مرددة بإندفاع:
- أكيد راحت هناك!!!!!
رفع رأسه لها بحدة لينهض منتصباً أمامها، ثم هتف بحدة شديدة:
- هناك فين!!!!!!!!!
ندمت "رقية" على تسرعها بالحديث، لتفرك كفيها بتوتر شديد، فزمجر هو بعصبية مفرطة:
- ردي عليا يا أمي رهف فين!!!!!!!
نظرت له والدته لتقول محاولة تهدأته:
- أهدى بس يابني!!!
فقد "باسل" أعصابه ليصرخ مُطيحاً بالمقعد بقدمه، ثم هتف بحدة شديدة:
- فـــيـــن رهــف!!!!!!!!!
هتفت بترددٍ:
- في الشقة اللي في المعادي!!!!!!
جحظ بعيناه بصدمة، ليُكور قبضتيه بقسوة غارزاً اظافره بها، يهتف بنبرة جحيمية:
- يعني هي طول المدة دي قاعدة هناك!!!!!! وأنتِ كنتي عارفة وخبيتي عليا!!!!!
تنهدت "رقية" بحزن على فلذة كبدها، فأقتربت لكي تربت على كتفيه، ليبتعد هو خطوتين للخلف، فعادت "رقية" على وضعها وقد تساقطت الدمعات من عيناها، لم يتأثر "باسل" بل هتف بثبات:
- مين تاني كان عارف؟!!!
أزدردت ريقها برهبة من أن يعلم حقيقة الوضع، فأحتارت تكذب عليه أم تخبره بالحقيقة، ولكن حسمت أمرها لتردف:
- ظافر اخوك ومراته.. و فريدة!!!!!!!
شعر بأن الطعنات تأتيه من كل جانب، لترتسم أبتسامة ساخرة على ثغره، سُرعان ما تحولت لضحكات متتالية صدحت بالقصر بأكمله، أنحنى للأمام من شدة ضحكاته، لتنظر له "رقية" بذهول لتسرع بالإقتراب منه تترجاه بحنو:
- أهدى سايج عليك النبي!!!!!!
رفع أنظاره له ولم تزال تلك الأبتسامة من فوق فمه، ليقول بعينان مشتعلتان و نبرة متهكمة:
- يعني أنا طلعت مغفل في الأخر!!!!! كله حواليا شايفني و أنا بتدمر ٣ شهور قُدامكوا و معملتوش حاجة، حتى أنتِ يا أمي بتشوفيني كل يوم وأنا تعبان و روحي بتطلع من جسمي و هي بعيدة عني معرفش هي فين و مقولتليش!!!!!
بكت "رقية" ندماً، وضع "باسل" كفيه في جيب بنطاله ليُلقي عليها نظرة آلمتها، ليخطو بخطواته ناحية غرفتهم، صافعاً بابها بقوة، تاركاً "رقية" تجلس أرضاً باكية وهي باتت متيقنة أنها خسرته!!!!!
• • • •
لملم ملابسه في حقيبة كبيرة الحجم، ليجذبها خلفه ثم سقط بها على الدرج، ليطالع والدته التي جلست تبكي على الأرضية الباردة فـ لان قلبه عليها، وضع الحقيبة جانباً ثم ذهب لها ليحاوط كتفيها و هو يُنهضها من على الأرضية، قائلاً بنبرة هادئة:
- قومي يا أمي!!!!
أرتمت "رقية" بأحضانه باكية بقوة، تتشبث في قميصه مترجية إياه بنبرة متوسلة:
- متسيبنيش يابني أنا أسفة على كل حاچة حصلت، أنا مصدجت أني لميتكوا تاني في حضني!!!!
أبعدها عنه بلطف دون أن يبادلها عناقها، ليبتسم بثبات وداخله يحترق قائلاً:
- صدقيني مبقاش ينفع، كنتي زمان تقوليلي قلبي أسود و مبنساش، و أنا مش هعرف أنسى اللي حصل!!!!!
نفت برأسها بقوة لتمسك ذراعه قائلة برجاء:
- متعملش إكده فيا!!!!!!
أبعد كفها عن ذراعه ليربت على وجنتيها بإبتسامة خاوية، قائلاً بلُطف:
- خدي بالك من نفسك، هشوف ظافر و مراته ييجوا يقعدوا معاكي هنا عشان متبقيش لوحدك!!!!
شهقت "رقية" ببكاء و هي تراه يتركها ذاهباً نحو الباب بعد أن أخذ حقيبته معه!!!!
• • • •
وقف أمام باب المنزل، يُمرر أنامله في خصلاته بحنق، ليطرق عليه بحدة عدة مرات لفترة ليست بقليلة، بدأ صبره ينفذ منه ليصفع الباب بباطن راحته هادراً بقوة:
- أفتحي يا رهف أنا عارف أنك جوا!!!!!!
كانت "رهف" نائمة على فراشها بالغرفة تحتضن جسدها بغطاءٍ سميك، لتسمع طرقات قوية على الباب، أنتفضت تشهق برعب لتلقي الغطاء بعيداً ثم سارت على أطراف أصابعها ناحية الباب، نظرت من ذلك الثقب الذي يجعلها تنظر لمن بالخارج، جحظت عيناها حتى كادتا أن تخرج من محلها، لترتد عدة خطوات للخلف واضعة كفها على فمها بعدم تصديق، فهي لم تكن تتوقع مجيئة هنا أبداً، عندما صرخ بها أن تفتح سارت قشعريرة مؤلمة في جسدها، أقتربت من الباب لتنظر له عبر الثقب مرة أخرى فوجدته ممسك بحقيبة ضخمة بكفٍ والأخر وُضع على الباب، يُميل برأسه للأمام زافراً بوهن أستطاعت تمييزه بسهولة، لتمتلئ حدقتيها بالدموع تطبق على شفتيها بقوة، لتتمتم بنبرة خافته لكن أُذناه ألتقطتها:
- عايز أيه يا باسل!!!!
رفع أنظاره للباب بلهفة ليضع كفه عليه قائلاً بنبرة حنونة:
- أفتحي يا حبيبتي نتكلم!!!!
أجهشت بالبكاء بقوة، فهي لم تعد تحتمل تلك الضغوطات عليها، ليصرخ بها صافعاً الباب بحدة وصوت بكائها أصعب من أن يتحمله:
- أنتِ فاكرة أن الباب دة هيمنعني عنك!!!! قسماً بالله لو مفتحتيه هكسره وهدخل بردو!!!!!!
مسحت على وجهها لتجذب خصلاتها بقوة، ثم هتفت بنبرة متألمة واهنة:
- أنت عايز مني ايه كفاية لحد كدة طلقني بقا وسيبني أشوف حياتي مع حد ميشُكش فيا وميحسسنيش اني رخيصة في نظره، حد مش بيستقوى بدراعه قبل مـ يفهم بعقله، يا أخي دة أنا كرهت نفسي بسببك، كرهت حُبي ليك اللي بيضعفني بالشكل دة!!!!
ضرب الباب بقدمه بفظاظة صارخاً بها غير مراعياً للوقت المتأخر:
- أنتِ مراتي وملكي أنا متنطقيش أسم راجل على لسانك غيري فاهمه!!!!!
أبتسمت ساخرة لتعقد ذراعيها معاً قائلة بتهكمٍ:
- لسة زي مـ أنت متغيرتش بتتعامل معايا كأني حتة أباچورة في أوضتك تكسرها براحتك وتصلحها تاني براحتك، و أنا عمري مـ هرجعلك و أنت كدا!!!!
زفر تنهيدة قانطة لتلين نبرته قائلاً بهدوء:
- طيب أفتحي الباب و نتكلم مع بعض و انا هعملك اللي انتِ عايزاه!!!!
هتفت بعند:
- مش هفتح الباب يا باسل واللي عندك أعمله!!!!!!
ضغط على شفتيه السفلى بقسوة ليبتعد عن الباب مشمراً ذراعيه بقميصه الاسود قائلاً بتأهب:
- أستعنى ع الشقى بالله!!!!
ثم تابع بحدة:
- أبعدي يا بت من قدام الباب!!!!
توسعت عيناها بدهشة لتبتعد برهبة قائلة:
- هتعمل أيه!!!!!
ركض نحو الباب ليدفع الباب بثقل جسده، أعاد الكرة مرة أخرى وسط شهقة "رهف"، أرتطم الباب الثقيل بالأرضية بقسوة لتنتفض الأخيرة بعيداً لا تصدق ما فعله، دلف "باسل" بإبتسامة مفتخراً بنفسه، ثم جذب الحقيبة للداخل، نظرت "رهف" له بغيظ لتتجه نحوه مشيرة بسبابتها في وجهه:
- أوعى تفتكر أني هقعد معاك تحت سقف واحد!!!!
جذبها من خصرها ليرتطم جسدها بصدره، ثم مال عليها بثغره لينقض على شفتيها يقبلها بشغف أنامله تعبث بخصلاتها المنسدلة على ظهرها، صُدمت "رهف" من فعلته لتضع كفيها على صدره حتى تُبعده، ولكن خانها جسدها الذي أستجاب له سريعاً، تشبثت بقميصه تريد الإبتعاد ولا تريد بنفس الوقت، فقبلاته كانت حنونة لدرجة أذابتها، حاوط وجهها ليفصل قبلتها مغمضاً عيناه، مستنداً بأنفه على أنفها ليبتسم مقبلاً عيناها يتمتم بتنهيدة شوق:
- تعبتيني معاكي يا رهف!!!!!!
أغمضت عيناها لا تريد النظر لعيناه، لتتصاعد حُمرة محببة لوجنتيها عندما طبع قبلة على عنقها ليبتعد عنها ثم ألتقط هاتفه من جيبه قائلاً بهدوء:
- هتصل على نجار ييجي يصلح الباب دة!!!!
أفاقت من غيبوبتها لتلتفت له، ناظرة له بحقد، ثم دلفت للمطبخ لتأتي بدلو ممتلئ بماء شديد البرودة، نظر لها "باسل" بغرابة قائلاً:
- هتمسحي دلوقتي؟!!!
نظرت له بإستخفاف لترفع الدلو عالياً تجاهه، ثم قذفته به بقوة لينسكب الدلو بأكمله فوقه، تحولت عيناه لأخرى شديدة الأحمرار من فرط غضبه، لتهتف "رهف" بشماته:
- عشان تبقى تبوسني بالعافية!!!!!!
أرتفعت أنظاره الحمراء لها، وخصلاته المبللة الساقطة على وجه، لتركض هي من أمامه تتجنب تهوره، دلفت لغرفتها ثم أوصدت بابها جيداً و هي تضع كفها على قلبها برعب!!!!!
• • • •
كشفّت عن عيناها البندقية ببطئ، لتجد من يُطبق على خصرها بـ كُل ما أوتي من قوة، توقفت عن أخذ أنفاسها لثانتين، فمن دون أن ترفع رأسها لتراه قد أخبرتها رائحته التي داعبت حواسها، رأسها موضوع عند قلبه بالظبط، وذراعيه لا تترك لها الفرصة لكي تبتعد، قطبت حاجبيها بإنزعاج لتقبض على ذراعه تحاول جاهدةً إزاحته بعيداً، و لكن باءت جميع محاولاتها بالفشل الذريع، زفرت حانقة لترفع رأسها له فوجدته نائم كالملاك لا يشعر بشئ، أزدادت حنقاً لتغرس أناملها بكتفه تدفعه قائلة بقنوط:
- أبعد عني يا أستاذ أنت!!!!!
ظلت تحاول إيفاقته من غيبوبته تلك، ليفتح الأخير عيناه بنعاس قائلاً بضيق:
- أتهدي يا فريدة و نامي!!!!
توسعت عيناها لما تفوه به ولذراعيه الذان شُددا أكثر على خصرها، ناهيك عن رأسه التي دُفنت بعنقها بإستمتاع، لتنفجر به محاولة إبعادة عنها:
- سيبني أقوم بقا أنت أزاي تتجرأ وتنام جنبي!!!!!
طبع قبلة على عنقها ثم هتف بنبرة شديدة النعاس:
- نامي بس وبعدين نبقى نتكلم!!!!
حاوطت وجهه محاولة إبعاده عنها ولكنه لم يستجيب، لتردف بتأفف:
- انا بجد مش عارفة ازاي تدخل اوضتي و تنام هنا !!!!
رفع أنظاره لها بخبث قائلاً:
- أنتِ نسيتي ولا أيه، مش انتِ اللي قولتيلي متسيبنبش يا مازن وخليك جنبي يا مازن و نام هنا يا حبيبي، و أنا ضعفت بصراحة مقدرتش!!!!!
شهقت بصدمه لتتمتم بعدم تصديق:
- أنت كداب!!!!
نظر لها بعتاب ليعتدل ثم أسند كفيه جوار رأسها قائلاً و هو يقرب رأسه منها:
- في واحدة تقول لجوزها كداب !!!!
توترت أكثر من قربه لتهتف بتردد:
- عشان انت بتكدب بجد و انا مستحيل اقول كدا اصلاً!!!
- أنا بردو أتصدمت لما قولتيلي كدا!!!
هتف ببراءة زائفة لتطالعه هي بحيرة، وجدته يقترب منها رويداً حتى كاد ثغره أن يلتمس ثغرها، لتدفعه هي من صدره بعيداً فسقط فوق الفراش لتسرع هي بالنهوض من أمامه واثبة على الأرضية، تقول بحزم وهي تشير نحو الباب:
- اطلع برا لو سمحت!!!!!
غضب "مازن" من فعلتها لينهض و هو يشعر بلهيب يحترق داخله و لن يُطفيه سواها، أنقض عليها ممسكاً بكتفيها هادراً بصوتٍ عالياً:
- أنت عايزة أيه يا فريدة!!!! عاقبتيني بما فيه الكفاية خلاص بقا انا جاي بتأسفلك وبقولك نبدأ صفحة جديدة وبردو مافيش فايدة فيكي، بحاول أصلح أي قرف عملته زمان حتى و أتغيرت و بردو انتِ لسة مصممة تعاقبيني، عاقبتيني بـ بُعادك عني و ربنا عاقبني على اللي عملته فيكي، كفاية كدا بقا!!!!!!
صُدمت "فريدة" من هجومه عليها بتلك الطريقة، و حديثه الذي لمس قلبها، ولكن عندما هتف بأن الله عاقبه ايضاً جعل قلبها يرتجف و هي تشعر بشئ سئ حدث معه، لتهتف تتغاضى عن بقية حديثه قائلة:
- قصدك أيه أن ربنا عاقبك!!!!!
تركها ليلتفت يُعطيها ظهره مغمضاً عيناه يسُب نفسه لحماقته، فلم يجد حلاً سوى الهروب من أمامها، ليلتفت ثم وضع كفه على مقبض الباب لكي يديره، ولكنها وقفت أمامه تمنعه من التحرك قائلة بحدة:
- تقصد أيه يا مازن بكلام دة!!!!!
- أبعدي يا فريدة من قدامي!!!!!
هتف بجمود ليُزيحها من كتفيها بلطف ثم خرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه، لتضغط هي على أسنانها بغضب، ثم أردفت بحسم:
- متأكدة انك مخبي عني حاجة!!!! وهعرفها قريب اوي يا مازن!!!!!
دلفت للمرحاض لتبدل ثيابها بـ تنورة واسعة تعلوها كنزة خفيفة و بزة تُحميها من برودة الشتاء، ثم تركت خصلاتها منسدلة على ظهرها بنعومة، تجاوزت الدرج لتدلف لغرفة "يزيد" فوجدته غارقاً بالنوم، تأكدت من تدثيره بالغطاء جيداً ثم ذهبت للحديقة، فوجدته جالس على أحد المقاعد المُريحة عائداً برأسه للخلف مغمضاً عيناه، تحركت على أطراف أصابعها قبل أن يلمحها، ولكنها سمعت صوته الجهوري خلفها يهتف بغصب:
- بتتسحبي زي الحرامية كدا على فين!!!!!!
أغمضت عيناها تحاول التحكم بأعصابها، لتلتفت له ببرود عاقدة ذراعيها معاً، تقول ببرود:
- حاجة متخصكش!!!!!
أشتعلت عيناه تصدر جمراً كافي بأن يحرق بلدة بأكملها، ليتوجه نحوها بخطوات تطوي الأرضية أسفل قدميه، وقفت أمامها ليجذب ذراعها نحوه يجعلها ترتطم بصدره الصلب، ثم مال نحوها قائلاً بتحذير:
- أعدلي لسانك و أنتِ بتتكلمي معايا!!!!!
أبعدت وجهها عنه لتزيح ذراعه ببساطة قائلة بنبرة أغاظته:
- لساني معدول على فكرة!!!!!
مسح على وجهه بعنف ليجذبها من خصرها مجدداً له، ثم نظر لخصلاتها التي داعبتها الهواء، ليتحول وجهه للون الأحمر من شدة غضبه قائلاً:
- سيادتك كُنتي ناوية تنزلي بشعرك مفرود كدا ومن غير مـ تقوليلي اصلاً انك نازلة كأنك متجوزة سوسن!!!!!
تأففت بنزق لتهتف برسمية:
- أولاً شعري و أنا حرة فيه أفرده ألمه أولع فيه أكهربه و أمشي في الشارع زي المجانين حتى دي حاجة ترجعلي أنا، ثانياً انا رايحة الشغل و كنت هقولك بس انت اللي استعجلت، ثالثاً بقا أنت ملكش الحق تتحكم في حياتي ومش لازم قبل مـ أنزل أخُد إذن حضرتك!!!!
أصتكت أسنانه غضباً يحاول جاهداً أن لا يفقد أعصابه عليها، ولكن كعادته أنفلتت أعصابه ليهدر بإنفعال:
- ايوا تاخدي إذن حضرتي عشان حضرتي جوزك يا فريدة، شعرك دة مش ملكك على فكرة انتِ كل حاجة فيكي بتاعتي يعني ملكيش حق تعملي فيه اللي انتِ عايزاه زي مـ بتقولي و أنا الوحيد اللي يحقلي أشوف شعرك مفرود مش حد تاني، و بعدين لما سيادتك رايحة الشغل مستنية لما توصلي عشان تقوليلي!!!!
ضاقت عيناها وهي تطالعه، لترفع سبابتها في وجهه قائلة بجمود:
- مازن وطي صوتك!!!!
أمسك بأصبعها بقوة في كفه لتتآوه هي بألمٍ، فأوقفهما صوتٍ أنثوي أتى من خلف "فريدة" :
- أستهدوا بالله مش كدا!!!!
هتفت "ملاذ" التي سعدت بشدة لمجئ "مازن" فـ و أخيراً لن ترى صديقتها حزينة مجدداً، ترك الأخير أصبع المسكية يتوعد لها بنظرة مخيفة، ليطالع "ملاذ" التي أقتربت منهم قائلة بودٍ:
- حمدلله على السلامة يا مازن!!!! ظافر قالي أنك جيت امبارح!!!!
- الله يسلمك، هو ظافر فين؟!!!
هتف بتساؤل، ليأتي "ظافر" من خلف "ملاذ" عاقداً ذراعيه معاً، حانت أبتسامة زينت ثغره و هو يتفرسه، و أخيراً رأى رجُل أمامه بجسده الضخم و ملابسه الرجولية بدلاً من الشبابية التي كان يرتديها معظم الوقت، أقترب "ظافر" من أخيه الذي عانقه بإشتياق حاول أن يُخفيه، ضرب "ظافر" على ظهره بحركةٍ تُعبر عن أشتياقه، ليهتف بهدوءٍ:
- أتغيرت يا مازن!!!!!
أبتسم "مازن" مفتخراً، ليبتعد عنه قائلاً بسُخرية:
- محدش بيفضل على حاله!!!!!
أومأ "ظافر" مؤكداً على صدق حديثه، ليردف "مازن" متسائلاً:
- كنتوا فين أمبارح؟!!!
- بعد الشركة روّحنا البيت!!!
أردف "ظافر" ببساطة، ليومأ "مازن" ثم هدر و هو ينظر لـ "فريدة":
- طيب انا هوصلها وبعدين راجع عشان في حاجات كتير لازم نتكلم فيها!!!!!
• • • •
بالفعل أخذها "مازن" من ذراعها بلطف لكي لا يقسو عليها، حاولت هي إبعاده قائلة بضيق من صراخه عليها منذ قليل و أصبعها الذي لازال يؤلمها:
- سيبني يا مازن أمشي أنا!!!!!
فتح باب السيارة لها ليجعلها تستقلها برفق ثم أستقل هو مقعده، لتقبض على أصبعها الرفيع تزم شفتيها بحزن، قائلة بنبرة تشوبها الألم:
- بردو مش هتتغير و مش هتبطل معاملتك الهمجية دي!!!
ألتفت لها فـ لانت صفحات وجهه عندما نظر لها، ليلتقط كفها مقبلاً أصبعها وباطن راحتها قائلاً بحنو:
- متزعليش مني..!!!
ثم تابع و هو ممسك بكفها الصغير قائلاً بنبرة رخيمة:
- طيب مش أنتِ اللي عصبتيني؟ يعني تعصبيني وتزعلي بعد كدا؟!!
نفت برأسها قائلة بعناد:
- أنت بتتعصب لوحدك!!!!
أبتسم قائلاً بمزاح:
- انا مجنون و انتِ ست العاقلين صح؟!!!
اومأت و هي تنظر أمامها ترفع كتفيها بطفولية، لتصدح صوت ضحكته الرجولية قائلاً:
- دة أنتِ أعيل من يزيد اخوكي!!!!!
نظرت له مشيرة لنفسها بذهول:
- أنا يا مازن!!!!
أبتسم بلطف ليُقبل كفها برقة قائلاً:
- لما بتقولي أسمي بعد كل الغياب دة بحس أني عايز أخدك في حضني و مطلعكيش منه أبداً!!!!!
أنفجر الدماء بوجهها لتلتفت بوجهها تنظر من النافذة بخجلٍ، ليتحرك هو بالسيارة عازماً على أن لا يتركها إلا و هو جثة هامدة!!!!!
وصل بعد قليل أمام المشفى فكادت أن تترجل من السيارة دون حديث، ليوقفها هو ممسكاً بكفها، قائلاً و هو يشير إلى خصلاتها بهدوء:
- لمي شعرك يا فريدة!!!!
- بردو؟!!
تمتمت بعتاب، ليبتسم بلطف قائلاً:
- حبيبتي أنا مش عايز حد يشوف شعرك مفرود غيري، لميه لو سمحتي!!!!
خفق قلبها عندما نطق بـ "حبيبتي"، لتنظر لعيناه اللامعة، فتنهدت بإبتسلام لتخرج "مطاطة" صغيرة من حقيبتها عقدت بها خصلاتها، كان يطالع أصغر حركاتها متيماً، ليجذبها من ذراعها مقبلاً وجنتيها الغضة، فنظرت له "فريدة" بتفاجأ لتطبق على شفتيها ثم صمتت، همت بالترجل ليجذبها هو له مجدداً قائلاً بتحذير:
- خدي بالك من نفسك!!!!!! سامعاني يا فريدة!!!!!
لا تعلم لِما شعرت بشئ سئ في مجيئه لها، فتمنت لو أن تخبره أنها خائفة ذلك اليوم خصيصاً و لاتريد الإبتعاد عنه، إزدردت ريقها لتخرج نبرتها مهزوزة رغماً عنها:
- حاضر!!!!
عندما أستشعر خوفها هتف بجمود:
- في حد بيدايقك في المستشفى؟، فريدة لو في حاجة قوليلي المستشفى دي بتاعتنا يعني أنا أقدر أمشي اللي أنتِ عايزاه مش موجود!!! في أي حد أتعرضلك بأي طريقة!!!!
تذكرت "إياد" بنظراته التي أصبحت لا تريحها الأونة الأخيرة، ولكنها تعلم أن لو علِم "مازن" سيُدمر المشفى فوق رأسه، نظرت له بتردد ثم قالت:
- لاء طبعاً مافيش حد!!!!
نظر لها بشكٍ ثم أومأ قائلاً بنبرة قوية:
- عايزك تبقي متأكدة أني معاكي حتى لو مش جنبك في نفس المكان، و أن أي حد هيحاول أو يفكر بس مجرد تفكير يعملك حاجة همحيه من على وش الدنيا، صدقيني يا فريدة أنا مستعد أعمل أي حاجة بس مافيش شعرة منك تتأذي!!!! أنا عارف أنك قوية وهتاخدي بالك من نفسك كويس بس بردو لو حصل معاكي أي حاجة حتى لو صغيرة كلميني!!!!!
كم عشقت شعور الأمان الذي أفتقدته طيلة حياتها، تمنت لو أن ترتمي بأحضانه لتخبره أنها ممتنة لحديثه هذا، و ان كلماته تلك زرعت بها شعورٍ قوي كان مهتزاً منذ دقيقتان، الكلمات تستطيع أن تفعل الكثير، نظرت له لتبتسم و هي تحرك رأسها بالإيجاب، ثم ترجلت من السيارة تخطو خطواتها داخل المشفى بثقة، فراقبها هو من بعيد، ليُمسك بهاتفه ثم ضغط على أسم "منير"، ليضعه على أذنه قائلاً بعد ثواني:
- مُنير، عايزك تيجي عند المستشفى بنفسك و لو حكمت تدخل كمان و تراقبها من بعيد، و لو حسيت أن أي حد دايقها كلمني فوراً!!!!
• • • •
- مالك بس يا أمي؟!! أيه اللي حصل؟!!!
اردف "ظافر" و هو يمسد على ذراع والدته تجلس جوارها "ملاذ"، لتهتف "رقية" ببكاءٍ شديد:
- أخوك يا ظافر، باسل أخوك خلاص معدش هيرچع إهنه تاني، هو خلاص كرهني!!!!!
تفاجأ "ظافر" لما تقوله، ليهتف بتساؤل:
- أيه اللي خلاكي تقولي كدا!!!!
- باسل عرف كل حاچة، عرف اننا كنا مخبيين عليه مكان رهف، مشي و مش هيعاود تاني!!!!!
قالت "رقية" بحزن شديد و هي تضرب على صدرها، لتشهق "ملاذ" بعنف واضعة كفيها على ثغرها، ليومأ "ظافر" و هو ينظر بعيداً، يعلم أن أخيه لن يمررها مرور الكرام، عاود النظر لوالدته ليقول مطمئناً إياها:
- طب أهدي و انا هحل كل حاجة، أهدي بس!!!!!
• • • •
أسترقت "رهف" السمع بعد كثير من الوقت صوت رجلٍ آخر يتحدث مع "باسل" فعلمت أنه النجار من صوت الجلبة التي يفعلها بالباب، قضمت أظافرها تحترق فضولاً لتخرج لهم، و لكنها تعلم إن خرجت سيذبحها "باسل" و يمزقها أشلاء أولاً لِما ترتديه من قميص بيتي خفيف للغاية، و ثانياً لِما فعلته به، أبتسمت بشدة عندما تذكرت مظهره الغاضب، ذهبت نحو غرفة تبديل الملابس لترتدي منامة تتكون من بنطال وكنزة ثقيلة، ثم رفعت خصلاتها كعكة فوضوية جعلتها بمظهر جذاب طفولي، عندما هدأ الصوت بالخارج تيقنت من ذهاب الرجل، و لكنها فضلّت أن تظل بغرفتها، جلست على الفراش ممسكة بهاتفها تلعب بإحدى الألعاب الإلكترونية، و لكن انتفض جسدها عندما سمعت صوت سعاله العنيف يأتي من الخارج، كان يسعل بطريقة أخافتها، لم تتردد لتخرج من الغرفة فوجدت الباب قد صُلح، ألتفتت لتجده مستلقي على الأريكة العريضة بعد أن بدّل ملابسه المبللة واضعاً أحد ذراعيه على عيناه لا يكف عن السعال، ركضت نحو المطبخ لتأتي له بكوب من الماء ثم اتجهت نحوه لتجلس جواره، أسندت رأسه على رسغها ثم جعلته يرتشف منها قائلة بقلقٍ:
- فيك أيه بس!!!!
أراح رأسه على الوسادة بإرهاق بعد أن شرِب، وضعت كفها على مقدمة رأسه و على وجهه بأكمله فوجدت حرارته مرتفعة للغاية، شهقت هي بصدمة لتمسح على خصلاته قائلة:
- دة أنت حرارتك عالية أوي يا باسل!!!!!
نظر لها بعيناه المرهقة ليردف بلطفٍ:
- انا كويس متقلقيش!!!!!
برقت عيناها بالدموع لتحاوط وجهه بكفيها قائلة بندمٍ:
- كل دة بسببي أنا غرقتك بـ ميا متلجة و الجو اصلاً برد، أنا بجد أسفة يا باسل مش عارفة أقولك أيه!!!!!
أبتسم بحنو قائلاً و هو يربت على كفها:
- صدقيني انا كويس الحرارة شوية وهتنزل!!!!!
نفت برأسها لتهتف قائلة وهي، تركض للمطبخ:
- لاء انا لازم هعملك كمادات!!!!!
بالفعل بعد قليل أتت بوعاء مليئ بمياة بها قطع من الثلج، بجوار قطعة صغيرة من القماش وضعتها على الطاولة ثم جلس بجانبه تماماً في مواجهته، أمسكت ب القماشة ثم أغرقتها في الطبق لتعصرها جيداً و وضعتها على جبينه، أغمض هو عيناه بإرهاق ليتراخى جسده، طالعته "رهف" بخوفٍ بالغ عليه لتحاوط وجنته بكفها بأسفٍ، ليقبل هو كفها الصغير يطمئنها بنظراته، عاودت الكرة مرة أخرى مع المنشفة فوضعتها على جبهته، لتقول وهي تتلمس وجهه براحتها، ليقول هو ببراءة زائفة:
- كدا مش هتعرفي لو الحرارة نزلت ولا لاء، شوفي بشفايفك!!!!!!
وكزته في كتفه قائلة بنفاذ صبر:
- حتى و أنت تعبان قليل الأدب!!!!!
صدحت ضحكلته الرجولية في أرجاء المنزل، لتميل عليه بوجنتيها تتلمس وجنتيه، فوجدت بالفعل وجهه دافئ، تنهدت براحة ثم نهضت قائلة:
- قوم نام في الأوضة اللي جنب أوضتي!!!!!
قبض على كفها برفق قائلاً بإرهاق برز في صوته:
- مش قادر أقوم يا رهف، تعالي نامي جنبي هنا و أنا هبقى كويس!!!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج لتتمتم برفضٍ تام:
- لاء طبعاً!!!!!
ازاح كفه بعيداً عن كفها، ليومأ بملامح خالية ونبرة حزينة:
- براحتك!!!!!
ألمها قلبها له لتتنهد قائلة بضيق:
- خلاص .. هنام جنبك!!!!!
التفت لها مبتسماً بسعادة ليفتح ذراعيه لها، أرادت "رهف" أن تلقي بنفسها داخل أحضانه ولكنها عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة بغرورٍ:
- هنام جنبك بس هتنام بأحترامك يا باسل!!!!! في حدود مش هنتعداها!!!!
زفر بضيق ليهتف بنزق:
- طب تعالي و خلصيني!!!!!
اشارت لذراعيه قائلة:
- أبعد دراعك عشان أنام!!!!
أبعد ذراعيه عنها بالفعل لتستلقي هي جواره بتردد، ثم أعطته ظهرها لتسحب الغطاء عليهما، حاولت مقاومة رائحته وشعورها بأنها أصبحت جواره، لتطبق بكفيها أسفل جانب رأسها، لم تستطيع النوم وهي جواره، أنفاسه قريبة من عنقها تحرق بشرتها، قطبت حاجبيها بإنزعاج لتسرع قائلة بتوتر:
- مـ تبعد شوية يا باسل!!!!!
أنفجر بالضحك لينثنى هامساً بأذنها بخبث:
- مش عارفة تنامي صح!!!!!
همت بالنهوض ليقبض على خصرها قائلاً بمزاح و هو لا يستطيع السيطرة على ضحكاته:
- طب خلاص أهدي و أنا هبعد!!!
نظرت له بطرف عيناها بإمتعاض لتبعد ذراعه عنها تراقبه و هو يبتعد عنها، زفرت براحة لتضم هي كفيها أمام وجهها و سرعان ما غاصت بنومٍ عميق، أستغل هو تلك الفرصة الذهبية فأقترب منها محاوطاً خصرها يُلصق ظهرها بصدره، رفع رأسه ليُقبل جانب عنقها، ممتناً للمرض الذي جعله يحظي بها!!!!