رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي الثالث والعشرون:
شعرت "رهف" بأنفاسه على عنقها، شفتيه التي لامست جانب عنقها مستنداً عليه بذقنه، و ذراعه المفتول يحاوط خصرها النحيل، تفاجأت بفعلته لتبعد ذراعه ببطئ حتى لا تفيقه، ثم زحفت برأسها بحذر من أسفل ذقنه لتحاوط وجهه جاعلة إياه يستند على الأريكة، جلست جواره لتلتمس بشرته برقة لكي تتأكد من زوال حرارته، و بالفعل وجدته أفضل بكثير عن أمس، وضعت كفها أسفل ذقنها بإبتسامة عابثة وهي تتفرس ملامحه الجذابة، بدايةً من أهدابه الكثيفة التي حاوطت جفنيه، نزولاً بأنفه الشامخ، وصولاً بشفتيه المرتسمة بإبداع خالق، نهضت بعد قليل حتى لا يفيق و يراها تحدق به هكذا، أنبت نفسها بشدة على تساهلها معه، لتقرر أنها ستصبح أقسى و أعنف معه، سيرى أسوأ معاملة قد تعامله أمرأة بها، أنثنت عليه ثم وكزته في كتفه قائلة بأمتعاض:
- بـــاسل!!!!!!
أنتفض "باسل" بخضة قائلاً:
- في أيه!!!!
- قوم عشان تمشي يلا!!!!
أردفت بجمود بعد أن أعتدلت في وقفتها، ففعل هو المثل بعد أن جلس على الأريكة قائلاً بنبرة هادئة ولكن مخيفة:
- امشي!!!! اسمعي بقا يا رهف أنا مش همشي من هنا غير و أنتِ معايا، غير كدا أنا قاعد!!!!
أردف و هو يضع قدمه على الأخرى بغرور يراقب أشتعال ملامحها ببرود، فمالت هي نحوه مستندة بكفيها على ظهر الأريكة جوار رأسه حتى باتت لا يفصل بين وجههما إنش، أنزوت شفتيه بإبتسامة ماكرة لقربها منه، فهدرت "رهف" بنفاذ صبر:
- لاء يا باسل هتمشي و من غيري، و عايزة ورقتي توصلي في خلال يومين!!!!
حدق بها بتحدٍ، يوزع نظراته بين عيناها وشفتيها، ليهتف بجمود:
- ولما أطلقك هتقعدي فين!!!!
نظرت له بغرابة لترفع كتفيها قائلة:
- هِنا طبعاً!!!!!
رفع حاجبيه قائلاً بخبث:
- في شقتي؟!!!!
أعتدلت في وقفتها ترمقه بنظرات مصدومة، تردد بدهشة بالغة:
- شقتك!!!!!، دي شقة ماما رقية و هي قالتلي أقعد فيها!!!!!
نفى برأسه ببساطة، ثم نهض ليتجاوزها يُعطيها ظهره قائلاً بنبرة جامدة:
- دي شقتي أنا يا رهف، و كنت سايب مفتاحها مع أمي عشان لو اي حاجة حصلت، تقدري بقا تقوليلي لما أطلقك هتقعدي فين!!! وطبعاً مش هتروحي لأمك عشان جوزها و أنا اصلاً مش هسمحلك تعتبي بيتهم من غيري، يبقى هتروحي فين؟!!!
أغرورقت عيناها بالدموع لترتد خطوة للخلف غير مصدقة، قائلة بنبرة آلمته:
- أنت بتعايرني عشان ماليش مكان أروحله!!!!!
ألتفت لها سريعاً ليقترب منها قائلاً بحدة:
- أنا مقولتش كدا!!!!!!
أبتعدت هي عنه عدة خطوات للخلف، تحرك رأسها نفياً بهيستيرية، وضعت كفيها على أذنها مطبقة جفنيها بقوة صارخة به:
- أنا بكرهك!!!! بكرهك!!!!!!
صُدم "باسل" من الحالة التي تلبستها فجأة، ليقترب منها فحاول إمساك كتفيها ولكنها نفضت ذراعيه بعنف بعيداً عنها، ليعود محاوطاً جسدها لصدره مردداً بحنو:
- انا مكانش قصدي والله اللي فهمتيه!!!! أهدي يا حبيبتي!!!!
أخذت تضربه بصدره بقوة وهي تصدر شهقات نتجت عن بكائها، حاول "باسل" إحتوائها بذراعيه يمسد على خصلاتها و هو يهدهدها بكلمات حانية، ولكنها لم تستجيب فظلت تدفعه بعيداً عنها حتى تملصت من ذراعيه متجهة لغرفتها لتصفع الباب بعنف ثم أوصدته، سرعان ما أنهارت أرضاً تُخفي وجهها بكفيها وشهقات بكائها تصل له بالخارج، سمعت طرقات قوية على الباب تليها صراخه عليها بأن تفتح وتكف عن أفعالها الطفولية، صرخت هي به بقسوة:
- أبــعــد عــنــي!!!!!!!!
ضرب الباب بكفه بعنف صارخاً:
- أفتحي بقولك الزفت دة!!!!!
أنفجرت ببكاء يمزق نياط القلب، ليمسح وجهه بعنف ثم وضع كفه على الباب ليردف بنبرة حانية:
- طيب متعيطيش لو سمحتي!!!!
إزداد صوت بكائها ونشيجها أكثر، ليتابع بنبرة لطيفة:
- أنا مكنش قاصدي أعايرك يا حبيبتي، أنا أصلاً لآخر نفس فيا هتفضلي مراتي ومش هسيبك لو حصل أيه!!!!
نهضت لتفتح الباب بعنف فوقفت قبالته صارخة بقسوة:
- و أنا بقا هطلق منك ومش هتشوف وشي تاني أبداً!!!!!
دفعها من كتفيها بلطف ليدلف للغرفة، ثم حاوط وجنتيها ليمسح دمعاتها برفق قائلاً بنبرة لطيفة:
- طيب ممكن تهدي؟!!!
أرتعشت شفتيها من شدة البكاء لتحدق بعيناه الدافئة، لتهتف برجاء:
- سيبني يا باسل، عشان خاطري كفاية لحد كدا، انا والله مش هعرف اسامحك على اللي عملته!!! الطلاق هو الحل لينا احنا الاتنين!!!!
تحولت عيناه الدافئة إلى أخر جامدة، و ملامحه اللطيفة لثانية خالية من الحياة، ليبعد كفيه عنها قائلاً بنبرة باردة:
- دة أخر كلام عندك؟!!!
أومأت هي ببطئ، ليضغط على أرنبة أنفه يُحرك رأسه إيجاباً، هاتفاً بنبرة خاوية:
- و أنا مش هغصبك على حاجة، هطلقك يا رهف!!!!!
سقط قلبها أرضاً لجملته الأخيرة، فشعرت بالدماء تهرب من جسدها هرباً وهي تراقب صفحات وجهه، شعرت بقشعريرة عصفت بجسدها من تخيلها أنها ستبتعد عنه للأبد، لتزدرد ريقها لشدة جفافه، فشعرت بغصة في حلقها و كأنها تحارب البكاء بصعوبة، ليتها تُخبره ألا يفعل، تخبره أن وجوده كوجود الأكسجين برئتيها لا تستطيع الإستغناء عنه، ولكن يبقى كبريائهما حاجزاً بينهما، تعالت ضربات قلبها عندما هتف بهدوءٍ:
- بس مش دلوقتي، أصبري أسبوع أكون جهزت أوراقي عشان أسافر، وبعدين هطلقك ومش هتشوفيني تاني أبداً!!!!
إرتخاء غريب في عضلات جسدها وكأنها على وشك فقدان الوعي لتومأ له بشرود، دلف "باسل" خارج الغرفة صافعاٌ الباب خلفه، ثم بعد دقيقة سمعت صفعة باب الشقة، أستندت على الحائط جوارها لتضع رأسها عليها مغمضة عيناها بقوة، لتنهمر الدموع على وجنتيها بألم.
• • • •
جلس "مازن" في شقته بالزمالك واضعاً أوراق شركته على قدميه يقلب فيهما بكثب، نظر لساعته ليجد الساعة قد تعدت الثالثة عصراً و هو يعلم أن عملها ينتهي الواحدة ظهراً، لينتفض ملقياً بأوراقه أرضاً ثم أمسك بهاتفه ليغمض عيناه بعنف عندما وجده صامت و "منير" الذي هاتفه عشرات المرات!!! ضغط على أسنانه بقسوة ثم عبث بالهاتف ليضغط على أسمها بإبهامه، وضع الهاتف على أذنه وكل خلية بجسده تتأهب للصراخ عليها، ولكن صدمه التسجيل الصوتي يخبره بأنه مغلق، هاتف "منير" الذي فورما سمع صوته هتف بلهفة:
- مازن بيه أخيراً بتصل بحضرتك من بدري المدام كل دة لسة مخرجتش و المفروض الشيفت بتاعها خلص من زمان، تحب أدخل أسأل عليها؟!!
لم يجيب سوى بكلمة واحدى أباحت عن النيران المتأججة بقلبه:
- أنا جاي!!!!!!
أغلق معه ليبدل ملابسه بأول قميص وبنطال وقعت عيناه عليهما، ثم أمسك بمفتاح سيارته وهاتفه ليصفع باب الشقة ثم تجاوز الدرج ركضاً، قفز مستقلاً سيارته ليتحرك بسرعة مائتان وقلبه يُخبره بأنها ليست بخير، لهث بعنف فقلبه عاد يؤلمه مجدداً وقد نسي أن يأخذ دوائه..!!!
• • • •
وقف أمام المشفى ليركض له "منير" هاتفاً بقلق:
- مازن بيه أنا حاسس أن في حاجة غلط!!!!
ترجل من السيارة ليدفعه من كتفيه ثم ركض لمدخل المشفى ليقف أمام موظفة الإستقبال متمتماً يحاول إلتقاط أنفاسه:
- فريدة الهلالي فين!!!!
نظرت له الفتاة بتوتر لتلتقط الهاتف الأرضي ثم أجرت مكالمة سريعة، لتعود له قائلة بحرج:
- هي في مكتب دكتور إياد يافندم، الدور الأخير آخر اوضة على الشمال!!!!!
صُدم "مازن" من حديثها لتشتعل عيناه تُقذف جمراً، ليركض في الممر يصعد بالمصعد..
• • • •
قبل نصف ساعة، وقفت فتاة تبلغ من العمر واحد وعشرون عاماً، ذات خصلاتٍ بنية طويلة و عينان بنفس اللون، تجلس على مقعد المشفى البارد لا تتوقف عن شهقات البكاء التي تخرج عنوة من فمها، تنحني بجزعها العلوي للأمام واضعة يدها على قلبها تطمئنه بأنه سيكون بخير، وستدلف لتحتضنه بأقوى ما لديها، رفعت رأسها سريعاً لتقف على قدميها عندما خرجت "فريدة" من غرفة الطوارئ جوار "إياد" الذي أزاح كمامته يمسح حبات العرق التي تكونت على جبينه، لينظر إلى الفتاة قائلاً بجمود دُهشت "فريدة" له:
- أزاي تسكتوا والمريض قلبه متدهور بالطريقة دي، للأسف القلب عنده مقدرش يستحمل.. البقاء لله!!!!!
لم تستوعب الذي قاله لتجحظ عيناها واضعة كفيها على فمها برعب، أنهارت أرضاً و أنهارت معها دموعها كالشلالات، لتقترب "فريدة" منها بعطف ثم ربتت على خصلاتها بشفقة قائلة:
- أهدي يا حبيبتي!!!!
أرتمت الصغيرة في أحضانها تهتف بقهر:
- والله مكنش معايا فلوس اعمله العملية صدقيني، ماما ماتت و هو كمان مات انا مش عارفة اعمل أيه!!!!!
نظر لهم بتأفف ليفقد أعصابه عليها قائلاً بنزق:
- أحنا مستشفى هنا مش جمعية خيرية أنزلي ادفعي مصاريف المستشفى و خدي ابوكي و امشي!!!!
لم تستطيع المدعوة بـ "ليلى" أن ترد عليه لسوء حالتها، او لربما لم تسمعه من الأساس، لترفع "فريدة" أنظارها له بصدمة، تقلصت ملامحها بإشمئزاز قائلة بحدة:
- أنت مين سمحلك تتكلم معاها بالطريقة دي، وبعدين المستشفى دي مش بتاعتك عشان تعمل كدا!!!
نظر لها بضيق ليشير بها بأصبعه و هو يتحرك تجاه غرفته:
- تعالي ورايا!!!!
نظرت "فريدة" للفتاة ذات الملامح البريئة لتقول و هي تحاول التهوين عليها:
- سيبك منه دة مريض نفسي أصلاً، انتِ عندك كام سنة؟!
أجابت "ليلى" بصوتها العذب:
!!!21 -
أومأت لتتابع بتساؤل:
- طيب هتعملي أيه؟!
مسحت دمعاتها قائلة:
- هكلم عمي ييجي!!!
أومأت "فريدة" ثم قالت:
-تمام أنا هروح اشوفه عايز أيه وهجيلك تاني، أومأت هب بإنصياع لتجلس على المقعد، ذهبت "فريدة" لمكتبه في الطابق الأخير بعيداً عن "ليلى" لتفتح الباب دون أستئذان ولم تغلقه، وقفت أمامه بملامح باردة تقول:
- خير؟!!!
نهض "إياد" بملامح شيطانية، ثم تقدم منها بخطوات بطيئة، شعرت "فريدة" بعدم الأرتياح من نظراته لترتد للخلف برهبة، ولكنه كان الأسرع ليجذبها من خصرها وبحركة سريعة لفها للجهة الأخرى ليغلق الباب بقدمه، صُدمت هي مما فعله لتضربه على صدره بكل ما أوتيت من قوة صارخة:
- أنت بتعمل أيه يا حيوان أنت أتجننت!!!!!!
كمم فمها بكفه الغليظ يبتسم بخبث و هو يطالعها برغبة، ليسقط ببصره يتفرسها بنظرات جعلتها تشعر أنها عارية أمامه، أنفجرت مقلتيها بالدموع وهي تحاول إزاحة كفه عن فمها ولكنه سرعان ما دفعها على الأريكة لينزع سترته السوداء عنه، صرخت "فريدة" في أمل أن ينقذها أحد، أشرف عليها "إياد" لينظر لها برغبة قائلاً بجنون:
- أخيراً يا فريدة، كنت مستني اللحظة دي من زمان أوي يا حبيبتي، أنا عارف انك بتحبيني و أنك مغصوبة على اللي اسمه مازن دة، انا كنت بحس كدا من نظراتك ليا زمان، صدقيني يا فريدة مش هتلاقي حد يحبك أدي، جوزك مسافر ومش هيعرف حاجة و آآآآه!!!!!
لم تتركه "فريدة" يكمل حديثه لتجذبه من تلابيبه ثم دفعت بركبتها في معدته، فتكور الأخير أرضاً بألم شديد، نهضت "فريدة" لتعبر من فوقه و هي تحاول الوصول للباب لكي تستنجد بأحد، و لكنه أمسك بقدمها فتعثرت لتسقط مرتطمة بالأرضية ليزحف هو لها ممسكاً برأسها ليضربها بالأرضية صارخاً:
- يا بنت ال***!!!!!!
تآوهت بألمٍ فشعرت به يطبع قبلات على وجهها كانت كالنيران على بشرتها، حاولت إبعاد وجهه القذر عنها تتوسله ببكاء شديد!!!
أرتجف قلبه عندما خرج من المصعد و أستمع لصوتها، ركض للممر الفارغ تماماً ليتجه للغرفة التي ينبع من الصوت، دفع الباب بقدمه بقوة لينفتح، توسعت عيناه لينقض عليه يرفعه من فوقها، ثم كور قبضته ليسدد له لكمه جعلته يرتد للخلف مرتمياً على الأرضية، لم يكتفي "مازن" ليضربه بقدمه في معدته حتى فقد الوعي و الدماء تدفق من فمه بقوة، لهث من شدة الإرهاق الذي فعله ليرفع أنظاره لها، نهضت "فريدة" بمقلتي مصدومتان، طالعت "مازن" بحُرقة ظهرت في عيناها، وبدون شعورٍ منها ركضت نحوه لترتمي في أحضانه متشبثة بعنقه بأقوى ما لديها ليرتد جسده خطوة للخلف فحملها من خصرها محاوطاً جسدها بقوة حتى أصبحت قدميها لا تلامس الأرض، دفنت وجهها بعنقه لتبكي كما لو أنها لم تبكي من قبل، مسد على خصلاتها مغمضاً عيناه ليقبل جانب عنقها المغطى بخصلاتها وقلبه يأن من بكائها و من المجهود الذي بذله، تشبثت بقميصه من الخلف حتى كادت أن تمزقه بـ أظافرها، ليهتف "مازن" بعد صمت طويل قائلاً بحنان:
- ششش أهدي.. خلاص مافيش حاجة أنا جنبك، محدش هيعملك حاجة و أنا معاكي!!!!
حاوطت عنقه بذراعيها أكثر لا تريد تركه، ليضع ذراعه أسفل ركبتيها ثم حملها بخفة، أستكانت رأسها على كتفه مغمضة عيناها، نظر هو لها ليقبل جبينها، ثم خطى خارج الغرفة و هو يتوعد شراً لذلك الملقي أرضاً بالداخل، خرج من باب سري يعلمه حتى لا تلتفت الأنظار حوله، ليجد "منير" يستقبله وسرعان ما أعتلت الصدمة وجهه و هو ينظر لـ "فريدة" ليسرع بقوله:
- أيه اللي حصل يا مازن بيه، الهانم مالها!!!!
هتف "مازن" بعنف و هو يقترب منه وعيناه تلمع بوميض مخيف:
- أطلع الدور الرابع أخر اوضة في الممر، و هات ابن ****** و أطلع على المخزن، بليل يا منير يبقى هناك!!!!!
أومأ له "منير" سريعاً ثم تقدم ليفتح له باب السيارة الأمامي، ليضع هو "فريدة" على المقعد جواره، ثم جلس بمقعده أمام المقود ليسابق الرياح في سرعته، متحهاً نحو شقته، ،وزع نظراته بينها وبين الطريق ليجدها ساكنة تنظر أمامها بملامح جامدة و الدموع تسقط من عيناها، تألم قلبه لحالها ليمد أنامله قابضاً على كفها و هو يقول:
- فريدة؟!!!
كفها شديد البرود بين كفه الدافئ، ليرفع إلى فمه و هو ينظر للطريق ثم طبع قبلة عليه، ليهدر هو بشرارٍ نبع من صوته:
- و عزة جلالة الله ما هسيبه!!!!!
• • • •
دلف لمكتب أخيه بخطواتٍ ثابته، ليجده قابع فوق كرسيه ينظر للأوراق بيده بأهتمام، ليرفع أنظاره له بدهشة، تحولت لتفهم و هو ينهض متقدماً منه، ولكنه لم يشعر سوى بلكمه جعلت وجهه يلتفت للجهة الأخرى ليضغط على أسنانه بقوة و فكه ينبض بحدة، أقترب "باسل" منه ممسكاً بتلابيبه ليهتف بحدة:
- الضربة دي عشان كنت عارف مكانها و مقولتليش!!!!!
نظر له "ظافر" ببرود شديد، ليبتعد عنه "باسل" و هو يشعر بألم شديد أستوطنه، ليخرج من المكتب صافعاً بابه بحدة، ألتفت "ظافر" ليثبت كفيه على مكتبه منحنياً يجزعه العلوي يحاول السيطرة على غضبه و عدم الذهاب له لتحطيم وجهه من كثرة الضرب، فيعود و يقول أنه حقه، فلو كان هو من أختفت زوجته بعيداً عنه شهور عديدة و أخيه يعلم مكانها، كان فعل أكثر بكثير!!!!!
• • • •
جلست "رهف" على الأريكة أمام التلفاز تشاهد أحد الأفلام الكارتونية بإبستمتاع، تحاول أن تنسى عدم وجوده و ما قاله لها، نظرت للباب الذي فُتح فجأة بالمفتاح الذي أخذه منها بالصباح، لتعود ناظرة لشاشة التلفاز ببرود زائف، سمعت بعد قليل صوت باب الغرفة المجاورة لغرفتها يصفع بعنف لتنتفض هي مكانها برعب، نهضت متجهة نحو المطبخ لتبدأ بطهي الطعام ببرود، تضع جوارها هاتفها الذي أنبعث منه صوت إحدى المطربات، لتدندن هي معها تحاول أن ترفع صوتها لكي تثير غيظه، و بالفعل وجدته بعد قليل يخرج من الغرفة متجهاً له ليصيح بغضب:
- أقفلي الزفت دة مش عارف أنام!!!!
أعطته ظهرها وظلت تدندن مع الموسيقى دون أن تبالي به، خطى "باسل" نحوها بإنفعال ثم أمسك بالهاتف ليوقف الموسيقى، لم تكترث "رهف" بل ظلت على حالها تغنو بصوتها الذي لا يصلح للغناء أبداً و كأن الموسيقى لازالت مفتوحة، وقف جوارها ثم أغمض عيناه بعصبية ليقبض على أحد الأكواب الزجاجية بقسوة صارخاً:
- رهــــف!!!
نظرت له ببرود لتبتعد عنه متجهة إلى حوض غسيل الأوانئ بصمت شديد، فألقى هو بالكوب أرضاً ليسقط متناثراً لأشلاء فأنتفضت هي برعب ملتفتة له، سرعان ما أتجه نحوها جاذباً ذراعها له بقسوة يصرخ بوجهها حتى أشتدت عروقه:
- إياكي بعد كدا و أنا بكلمك تسيبيني و تمشي!!!!!
نظرت له بتوجس لتومأ له سريعاً فغضبه تقسم أنه سيلتهم الأخضر و اليابس، لينفض هو ذراعها قائلاً بنظرات باردة:
- أعتذري حالاً!!!!!
أشتعلت عيناها غضباً لتقول بهدوء:
- لاء!!!!!
ألقى عليها نظرات جعلتها تقول سريعاً لكي يذهب من أمامها:
- أسفة!!!!!
ألتفت مبتعداً عنها ليذهب نحو غرفته ليرتطم الباب بإطاره بقوة، لتضرب هي قدميها بالارض متمتمه بخفوت:
- غبي و رخم و رزل و مغرور و مناخيره في السما، انا مش عارفة بحبه ليه!!!!!
أكملت طهي الطعام ثم بعد نصف ساعة وضعته على طاولة الطعام، لتتجه له ثم فتحت الباب بحذر لتجده يتحدث في الهاتف عن أمور العمل، عقدت ذراعيها معاً امام صدرها تنتظر لكي ينهي محادثته، ظلت على وضعها دقيقتان لتزفر بضجر فألتفت هو لها بجمود يشير بأصبعه لكي تنتظر، و بالفعل أنهى مكالمته ليجلس على الأريكة قائلاً بنبرة خالية من المشاعر:
- عايزة أيه؟!!!
أردفت هي بنبرة مماثلة:
- الأكل جاهز!!!!
- مش جعان.!!
قال و هو يعبث بهاتفه لتنظر له بصدمة قائلة:
- مش جعان أزاي أنت مكلتش من أمبارح!!!!
رفع أنظاره لها يقول بهدوء:
- كلي أنتِ!!!
تنهدت بحزن أخفته فهي تكره الجلوس على طاولة الطعام بمفردها، فهذا يجعلها تتذكر تلك الأيام التي كانت وحيدة بها لا يوجد سوى "ملاذ" جوارها، ألتفتت للباب لتخرج من الغرفة دون أن تعلق ثم ذهبت لغرفة الطعام و لم تشعر بدموعها التي سقطت على وجنتيها بخيبة أمل جلست بمقعد جانبي أمام طبقها، أمسكت بالملعقة تعبث بمحتوياته وهي أيضاً لا تشعر بشهية للطعام، نظرت لطبقه في المقعد الأمامي لتتنهد بألم، ولكن توسعت عيناها عندما وجدته يجلس على مقعده ليبدأ بتناول طعامه بصمت، حانت على ثغرها أبتسامة جانبية ثم بدأت هي أيضاً تلوك الطعام في فمها، فنظرت لعابيره الهادئة تستشف إن أعجبه أم لا، ولكنها كالعادة وجدت غموضاً تام وكأنها تفك شفرة، لتزفر بضيق وهي تتساءل:
- عجبك!!!!!
أومأ هو ببساطة لتبتسم ببراءة، لتمسك بملعقتها ثم بدأت الأكل بشراهة، طالعها بطرف عيناه ليبتسم هو بنظرات عاشقة لم تلاحظها، رغم أنه بالفعل لا يريد أن يأكل ولكن مظهرها الحزين و هي تخرج من غرفته جعلته يذهب ورائها على الفور دون تردد، الجلوس أمامها و رؤيته وهي تأكل جعله هو أيضاً ينهي طعامه، ولكنه ظل جالساً حتى لا يتركها بمفردها، و لكنه سريعاً ما هتف بإندفاع:
- كنتي كل الأيام دي بتاكلي لوحدك!!!!
رفتت حدقتيها له بصدمة، ثم سقطت بها على طبقها و هي تومأ ببطئ، ليغمض عيناه يلعن حاله في نفسه، فهو السبب الرئيسي لكل شئ عانته في تلك الشقة بمفردها، لم يستطيع "باسل" مقاومة عيناها التي برقت بالدموع و هي تنظر لطبقها ليجذب مقعدها قريباً منها فتفاجأت هي بحركته، حاوط ذراعيها ليجذب ملعقتها ثم ملئها بالطعام ليقربها من فمها يهتف بنبرة حاول أن يجعلها عادية ولكنه خرجت بحنان بالغ:
- من هنا ورايح أنا اللي هأكلك، عشان أنتِ خاسة الفترة دي!!!!
نظرت له بغرابة لتقول بتردد:
- لاء أنا هاكل لوحدي!!!
نظر لها بتحذير ثم قال :
- أفتحي بؤك بسرعة!!!!
برقت عيناها بسعادة خفية لتفتح فمها فدس هو الطعام به ببطئ، ثم عاود الكرة عدة مرات لتهتف هي ممسكة بمعدتها عندما قرّب الملعقة من ثغرها:
- لاء يا باسل خلاص و النبي مش قادرة!!!!!
نظر لها بحدة ليردف و هو يشير لوعائها:
- هتخلصي الطبق دة كله ومش عايز أعتراض!!!!
جملته جعلتها تشعر بأنها جالسة أمام أبيها وليس زوجها، وضعت كفيها أسفل وجنتيها قائلة بطفولية:
- خلاص يا بابا بجد شبعت!!!!!
أبتسم بعذوبة لها ليردف بحنو:
- هانت يا قلب بابا فاضل معلقتين وخلاص!!!!
نظرت له بصدمة عندما هتف بـ تلك الجملة التي جعلتها تود لو أن تعانقه بقوة و لا تخرج من أحضانه، ولكنها سرعان ما فتحت فمها مجدداً لتمضغ الطعام وهي تنظر له بإبتسامة، عندما أنهت طبقها أبتسم لها قائلاً و كأن من أمامه طفلة لم تتعدى الخمس سنوات:
- شاطرة!!!
داعب النعس جفونها لتومأ له ببطئ ، فقهقه هو على مظهرها لينهض حاملاً إياها بين ذراعيه متجهاً لغرفته هو، أستند بركبته على الفراش ثم وضعها على الفراش برقة ليدثرها جيداً بالغطاء، انحنى عليها مطبقاً بشفتيه فوق شفتيها المزمومة، أغلق الأنوار ليخرج من الغرفة ثم جلس أمام الحاسوب ليتابع أعماله من خلاله!!!!
• • • •
خرجت "ملاذ" من غرفة "رقية"بعد أن نامت من كثرة الإرهاق، ذهبت لجناحهما بخطوات مرهقة لتفتح الباب ببطئ، وجدت "ظافر" مستلقي على الفراش واضعاً ذراعه على عيناه، تقدمت منه بعد أن أغلقت الباب بحذر، أستلقت على الفراش بجانبه لتضع رأسها على ذراعه محاوطة خصره بقوة، قبّلت وجنته اليمنى لتعود واضعة رأسها على صدره، عندما شعرت بسكون جسده أردفت برقة:
- ظافر.. أنت كويس؟!!
لم تستمع لرد منه، لتنظر له مبعدة ذراعه عن عيناه قائلة بقلق:
- في أيه؟!!!
فتح عيناه شديدة الأحمرار لتشهق هي برعب، جلست أمامه لتحاوط وجنتيه قائلة بتوجس:
- في أيه يا حبيبي!!!!!
أبعد كفيها عن وجهه ليردف بجمود:
- ملاذ سيبيني لوحدي شوية!!!
قطبت حاجبيها بغرابة من طلبه لتهتف برفق:
- لاء طبعاً مش هسيبك، أحكيلي أيه اللي حصل؟!!!
صرخ بها بإنفعال:
- ملاذ بقولك سيبيني لوحدي!!!!!
أنتفض جسدها لصراخه، لتنظر له بحزن ثم فركت أصابعها قائلة تزم شفتيها:
- صرخ و أتعصب و أعمل اللي أنت عايزه بس بردو مش هسيبك لوحدك و أنت كدا!!!!
تأفف هو بحنق، ليلتفت معطيها ظهره مغمضاً عيناه، شعر بها هي الأخر تستلقي في آخر الفراش لتضع الغطاء عليها وعليه لينفضه بقدميه بحدة، نظرت له "ملاذ" بأسى لتتنهد بألم، ثم أستلقت على الفراش لتغمض عيناها تعطيه ظهرها هي الأخرى، لم تنتبه لعيناها التي ذرفت الدموع و لا لأنينها الخافت، لتشعر به يسحبها من خصرها يلُفها له ليحتضنها بذراعيه المفتولين، حاولت "ملاذ" الإبتعاد عنه ولكنه لم يعطيها فرصه ليضع قدمه على قدميها يُثبت جسدها بين يداه يهتف برفق:
- أهدي.. أنا أسف، متزعليش مني!!!!
أبعدت وجهها عن صدره لتهدر بعصبية:
- ظافر أبعد عني دلوقتي حالاً!!!!!
حاوط وجنتيها بكفه قائلاً بهدوء:
- طيب أهدي.
رفعت أنظارها له بغضب قائلة:
- مش ههدى أبعد عني!!!!!
تنهد هو بضيق ليُقربها منه مستنداً بجبينه على جبينها، مردفاً بصوتٍ مجهد:
- ملاذ أنا مضغوط اليومين دول.. أستحمليني!!!!
أغمضت عيناها هي الأخرى لتغمغم بعصبية:
- أمتى هتفهم أني مراتك و أن من حقي عليك تقولي أيه اللي مدايقك ونفكر مع بعض، بس لاء هتفضل تكتم في نفسك كدا وتعاملني كأني غريبة!!!!
لفّ وجهه جانباً قائلاً بقنوط:
- عارف انك حقك تعرفي، بس في حاجات مينفعش أقولهالك!!!!
أزداد غضبها أكثر و لكنها حاولت التماسك، لتحاوط وجهه ثم أعادته لها قائلة برفق:
- أنا مش بخبي حاجة عليك، بس أنت بتخبي!!
أعتدل في جلسته ليضع رأسه بين كفيه، ليُفجر صدمة في وجهها:
- مازن عنده القلب!!!!!!!!
أنتفضت "ملاذ" في جلستها برعب، واضعة كلتا كفيها على فمها بصعوق، لتهمهم بصدمة:
- مش معقول!!!!! هو قالك؟!! و عرفت أمتى!!!!
- أيوا قالي بعد مـ سافر فرنسا بكام يوم، لأنه عارف كويس أنه لو قالي قبل كدا مكنتش هخليه يسافر، وباسل كمان عارف..
- طيب يعني هو حالته متأخرة أوي، ينفع يعمل عملية ولا لاء؟!!
- أنا هكلمه في الموضوع دة..
ليلتفت لها محذراً بنظرات مرعبة:
- ملاذ إياكي تقولي لفريدة و لا لأمي ولا لملك!!!!!
توترت تعابير وجهها لتقول:
- يعني فريدة متعرفش؟!!!
ألتفت لها قائلاً:
- لاء طبعاً متعرفش و هو مش عايز يعرفها!!!! ملاذ أنا بحذرك تقوللها ولا تقولي لأي مخلوق!!!!
أومأت "ملاذ" لتطبق شفتيها بحزن على صديقتها و "مازن"، رفعت أنظارها له لتجد ألماً و حيرة لأول مرة تراهم بمقلتيه، رفعت ذراعيها لتحاوط عنقه وهي تجذب رأسه ليستند على كتفيها، فبادلها هو عناقها محاوطاً خصرها واضعاً مقدمة رأسه على طرف منكبيها، مغمضاً عيناه بإستكانة عندما شعر بأناملها تعبث بخصلاته مربتة على ظهره برقة..
• • • •
صفّ سيارته بموقف السيارات الخاص به ليسرع بالترجل من السيارة ملتفتاً لبابها، فتحه سريعةً ثم أدخل جزعه العلوي وحملها برقة ليصفع باب السيارة بغضبٍ أُفرِغ به، صعد البناية لينفتح له المصعد، ظل حاملها بدلاً من أن يجعلها تقف على قدميها.. وكأنه خائف من أنهيارها بدونه، نظر لها ليجدها واضعة رأسها على صدره مغمضة عيناها، أنثنى هو نحوها ليُقبل جبينها قبلةٍ طويلة يخبرها بها أنه معها لن يتركها..!!!
أنفتح المصعد له ليفتح باب الشقة سانداً جسدها بذراعٍ واحد، أغلق الباب خلفه ليدلفا ماضياً بخطوات حادة نحو الأريكة ثم جعلها تجلس عليها بإعتدال، لينحني عليها ممسك بكفيها و رؤيته لنظراتها فارغة تنظر أمامها أقلقته، رفع ذقنها له ليحدق بعيناها الجميلتان بنظراته الدافئة، طال تواصلهما البصري ولكن عندما وجد مقلتيها يمتلئان بالدموع تدريجياً سرعان ما جلس جوارها ليجذبها لأحضانه فبثت هي عن مكنون قلبها بشهقاتٍ باكية مزقت قلبه أشلاءٍ، حاوط كتفيها بذراعيه بقوة ليرفع كفها مقبلاً باطنه و هو يمسد على خصلاتها، ظلت على حالها لم تهدأ، ليتفاجأ بها تدفعه من صدره بقوة لتنهض على قدميها واثبة أمامه، تقول بصراخ عالٍ:
- أنت السبب في كل دة!!!! أنت اللي اديتله الفرصة يعمل معايا كدا!!!!
نهض هو أمامها بصدمة شديدة تجلت على ملامحه، ليردف محاولاً أن يتحكم بأعصابه:
- أزاي يعني!!!!!
تقدمت منه لتضربه بصدره صارخة بحدة:
- لو مكنتش سيبتني لوحدي وسافرت مكنش أتجرأ يعمل كدا لكن هو عمل كدا عشان عارف ان مش ورايا راجل يسألني رايحة فين وجاية منين وشغلي فين وبخلصه أمتى، هو عمل كدا عشان مطمن أن جوزي راميني هنا ومسافر برا وعايش حياته، هو بذات نفسه سألني ليه انت سيبتني ومشيت تفتكر كنت هقوله ايه؟!!!
هقوله ان جوزي اناني مش بيهمه غير نفسه وبس ميفرقش معاه اي حاجة تانيه وانه قبل م يمشي قالي جمله لسة بترن في ودني لحد دلوقتي.. فاكر يا مازن قولتلي أيه؟!! قولتلي انك بتتمنى الزمن يرجع عشان متعيدش الغلطة دي وتتجوزني!!!! لو كنت جنبي ومعايا مكنش حد هيقدر يعمل فيا أي حاجة، كل قرف أنا عيشته كان بسببك، عرفت بقا بقولك ليه انت السبب في دة كله!!!!!
لم تظهر تعبيرات على وجهه، كان بارداً لم تهتز شعرةً له، عيناه جامدة تطالع حدقتيها التي تهتز بعدم إتزان، يراقب زفيرها العالٍ بجمود، ظل هكذا دقائق، ولكنه لم يستطيع التحكم بغضبه ليقبض على كتفيها بقسوة يهزّه بعنف ناهراً، والجمرات المشتعلة إن كان لها أثر فيزيائي لباتت هي فتات من الرماد:
- مين اللي قالك أني رميتك ومكنتش عارف عنك حاجة مين!!!! كل خطوة بتخطيها جوا أو برا البيت كنت عارف عنها كل حاجة، أنا سايب واحد مخصوص من رجالتي يراقبك عشان يعرف أنتِ فين و إذا كان حد أذاكي ولا لاء، كل حاجة عنك كنت عارفها، كنت بطمن عليكي كل دقيقه، عارف كنتي بتاكلي أيه وبتشربي أيه و اهلي بيعاملوكي كويس ولا لاء واذا كنتي فرحانة ولا بتعيطي، تبقي عبيطة لو كنتي فاكرة أني هقدر أستحمل 3 شهور من غير مـ أعرف عنك حاجة ولا حتى اشوفك في الصور، أنتِ متعرفيش اللي حصلي وانتِ بعيدة عني، وجابة دلوقتي تقوليلي أن مافيش وراكي راجل و اني اناني!!!!
لم تستطيع "فريدة" التفوه بحرفٍ فاغرة شفتيها بصعوق، تنكمش بجسدها بين ذراعيه، أرتعش جسدها لنظراته الحارقة لتزدرد ريقها، نفضها هو من بين ذراعيه ليلتفت يعطيها ظهره، مغمضاً عيناه ضاغطاً على أسنانه بشدة، رفعت أنظارها لمنكبيه فهي لازالت غير مستوعبة كلماته، أخذت حقيبتها لتقرر الذهاب، فهي دوماً عندما لا تعلم ماذا ستقول، تهرب بعيداً، لتهتف متجهة نحو الباب:
- أنا ماشية!!!!
توحشت نظراته ليلتفت متجهاً لها ثم أمسك بها من ذراعيها بقوة قائلاً:
- فاكرة نفسك رايحة فين!!! مش هتتحركي من هنا غير و انا معاكي!!!!
تهدلت كتفيها قائلة بصوتٍ راجي على حافة البكاء:
- سيبني امشي يا مازن لو سمحت!!!!
- قولت لاء، انتِ هتفضلي معايا هنا!!!!
قال بصوتٍ حاد لا يقبل النقاش و هو لا زال مشدداً على ذراعها، فبكت هي بحُرقة، شعر "مازن" بنغزات حقيقية بقلبه، كما لوأن قلبه يعتصر من شدة الألم الذي يُعانيه، فقد مر الكثير من الوقت ولم يأخذ دوائه، أرتخت يداه على ذراعها كما أرتخى جسده تدريجياً، ليلتفت للأريكة جالساً عليها يحاول أن لا يظهر لها ألمه، واضعاً كفيه على وجهه منحنياً بجزعة العلوي، فظنت "فريدة" أنها دعوة منه لذهابها، لتفتح الباب سريعاً ثم صفعته خلفها، تجاوزت الدرج لكي لا تضطر لإنتظار المصعد فيغير هو رأيه و يذهب ورائها!!!!
• • • •
أتجهت "فريدة" فور دخولها للقصر إلى "رقية" بعد أن علمت بمرضها، جلست معها قليلاً من الوقت حتى طلبت منها أن تذهب و أنها تكون بخير، وبعد رجاءاً منها نهضت هي ماضية نحو جناح "ملاذ"، طرقت الباب لتفتح لها "ملاذ" التي كانت شبه نائمة، فركت عيناها بنعاس لتشير لها لكي تدلف، بالفعل ذهبت "فريدة" مرتمية على الفراش ولم تستطيع مقاومة دمعاتها التي أنهمرت على وجنتيها، دهشت "ملاذ" لتجلس جوارها مربتة على كتفيها بريبة قائلة:
- في أيه يا فريدة؟!!!
فركت "فريدة" كفيها وهي تنظر لهما لتعتلي ملامحها الألم، صمتت قليلاً ثم هتفت بنبرة ضائعة:
- أنا تعبت يا ملاذ، خلاص طاقتي خلصت مش قادرة أتحمل!!!! انا حاولت اسامحه معرفتش، و ف نفس الوقت مش قادرة أبعد عنه، مش قادرة أصلاً اتخيل حياتي و هو مش فيها، كل مرة بقوله فيها أبعد بيطلع مني ألف صوت يقوله خليك، مش قادرة أسيبه و أمشي، مش قادرة أعمل كدا!!!!
صُدمت "ملاذ" من حديثها لتهتف بإندفاع:
- لاء أوعي تسيبيه!!!!
نهضت "فريدة" لتسير ذهاباً و إياباً قائلة بيكاء:
- للأسف هو دة الحل الوحيد!!!
نهضت "ملاذ" لتقول سريعاً بنبرة هوجاء:
- بلاش دلوقتي يا فريدة!!!!!
ألتفتت لها "فريدة" لتنظر لها بشك، ثم تقدمت منها قائلة بحدة:
- يعني ايه بلاش دلوقتي!!!! أشمعنا دلوقتي؟!! انتِ مخبية عليا حاجة يا ملاذ!!!!!
أدركت "ملاذ" الخطأ التي وقعت به، لتسرع مبررة قولها:
- انا قصدي يعني ان هو اتغير وبقا كويس وكل دة عشانك.. وانتِ بتحبيه أساساً يعني صعب تبعدي عنه!!!
لم تقتنع "فريدة" بما تقوله، فهي منذ أن أتى "مازن" وهي تشعر بشئ سئ يحمله على عاتقه، فجلست "فريدة" على الفراش لتنظر إلى "ملاذ" برجاءٍ حار:
- ملاذ انا قلبي مش مرتاح حاسة انه مش كويس، عشان خاطري يا ملاذ لو انتِ تعرفي حاجة قوليلي و أنا مش هقول لحد والله!!!!
صُدمت "ملاذ" مما قالته، لتجلس جوارها وهي تنظر أمامها بثبات تحاول ألا تظهر لها توترها لتردف:
- مافيش حاجة من دي!!!!
أمسكت "فريدة" بكفيها بتوسل نابع من قلبها قائلة:
- ملاذ أرجوكي دة جوزي قوليلي أيه اللي حصله، ترضي لو جوزك بعد الشر في حاجة و انا عارفة ومش عايزة اقولك؟!!!
تألم قلبها لرؤية صديقتها بهذا الحال، شعرت بقبضة تعتصر قلبها فلم تشعر بنفسها سوى وهي تقول بنبرة مهتزة:
- مازن.. عنده القلب!!!!!!!!!
حبست أنفاسها داخل رئتيها، فأرتخت كل خلية بجسدها، شعرت بقبضة تعتصر قلبها بدون رحمة، نهضت لتبرق عيناها بدموعٍ فياضة وهي تشعر بالأرض تدور بها، كل شئ حولها أصبح أسود اللون، قدميها الرخويتان خانتها فكادت أن تسقط أرضاً لولا "ملاذ" التي حاوطتها بذراعيها تنظر لعيناها اللتان لازالت مفتوحتان قائلة برجاء:
- أهدي يا فريدة عشان خاطري، ظافر قالي أنه يقدر يعمل عملية ويبقى كويس متخافيش!!!!
أستندت "فريدة" على يدها ثم لملمت شتاتها لتثّبت قدميها على الأرضية معلنة أن لا وقت للضعف، أخذت حقيبتها من فوق الفراش ثم أبعدت "ملاذ" ببطئ لتخرج من الغرفة بخطوات مترنحة تائهة، كل درجة تتجاوزها من الدرج مقتربة إلى الطابق السفلى تطبق على صدرها، و دون أن تلتفت لنداء الخادمة القلقة على حالها المريع، فتحت باب القصر ثم خرجت منه لتهرول في خطواتها نحو السيارة والذي يقف السائق جوارها، أستقلت المقعد الخلفي ثم أخبرته بوجهتها ليتحرك هو بأقصى سرعة لديه أمراً منها!!!!
•• • •
ترجلت من السيارة لتركض نحو البناية التي يقطن بها، لمحها البواب فأسرع لها قائلاً بلهفة:
- حضرتك زوجة مازن بيه مش كدا؟!!
كادت أن تتركه وتذهب لولا ذكر أسمه، لتلتفت له وهي تومأ سريعاً، فأخبرها هو و الأسى فوق محياه:
- مازن بيه لقيناه مغمي عليه في شقته لما كسرنا الباب انا والجيران، و هما الله يباركلهم ودوه مستشفى الهلالي!!!!!
صرخت "فريدة" بصدمة شديدة:
- أيـــه!!!!!!
شعرت "رهف" بأنفاسه على عنقها، شفتيه التي لامست جانب عنقها مستنداً عليه بذقنه، و ذراعه المفتول يحاوط خصرها النحيل، تفاجأت بفعلته لتبعد ذراعه ببطئ حتى لا تفيقه، ثم زحفت برأسها بحذر من أسفل ذقنه لتحاوط وجهه جاعلة إياه يستند على الأريكة، جلست جواره لتلتمس بشرته برقة لكي تتأكد من زوال حرارته، و بالفعل وجدته أفضل بكثير عن أمس، وضعت كفها أسفل ذقنها بإبتسامة عابثة وهي تتفرس ملامحه الجذابة، بدايةً من أهدابه الكثيفة التي حاوطت جفنيه، نزولاً بأنفه الشامخ، وصولاً بشفتيه المرتسمة بإبداع خالق، نهضت بعد قليل حتى لا يفيق و يراها تحدق به هكذا، أنبت نفسها بشدة على تساهلها معه، لتقرر أنها ستصبح أقسى و أعنف معه، سيرى أسوأ معاملة قد تعامله أمرأة بها، أنثنت عليه ثم وكزته في كتفه قائلة بأمتعاض:
- بـــاسل!!!!!!
أنتفض "باسل" بخضة قائلاً:
- في أيه!!!!
- قوم عشان تمشي يلا!!!!
أردفت بجمود بعد أن أعتدلت في وقفتها، ففعل هو المثل بعد أن جلس على الأريكة قائلاً بنبرة هادئة ولكن مخيفة:
- امشي!!!! اسمعي بقا يا رهف أنا مش همشي من هنا غير و أنتِ معايا، غير كدا أنا قاعد!!!!
أردف و هو يضع قدمه على الأخرى بغرور يراقب أشتعال ملامحها ببرود، فمالت هي نحوه مستندة بكفيها على ظهر الأريكة جوار رأسه حتى باتت لا يفصل بين وجههما إنش، أنزوت شفتيه بإبتسامة ماكرة لقربها منه، فهدرت "رهف" بنفاذ صبر:
- لاء يا باسل هتمشي و من غيري، و عايزة ورقتي توصلي في خلال يومين!!!!
حدق بها بتحدٍ، يوزع نظراته بين عيناها وشفتيها، ليهتف بجمود:
- ولما أطلقك هتقعدي فين!!!!
نظرت له بغرابة لترفع كتفيها قائلة:
- هِنا طبعاً!!!!!
رفع حاجبيه قائلاً بخبث:
- في شقتي؟!!!!
أعتدلت في وقفتها ترمقه بنظرات مصدومة، تردد بدهشة بالغة:
- شقتك!!!!!، دي شقة ماما رقية و هي قالتلي أقعد فيها!!!!!
نفى برأسه ببساطة، ثم نهض ليتجاوزها يُعطيها ظهره قائلاً بنبرة جامدة:
- دي شقتي أنا يا رهف، و كنت سايب مفتاحها مع أمي عشان لو اي حاجة حصلت، تقدري بقا تقوليلي لما أطلقك هتقعدي فين!!! وطبعاً مش هتروحي لأمك عشان جوزها و أنا اصلاً مش هسمحلك تعتبي بيتهم من غيري، يبقى هتروحي فين؟!!!
أغرورقت عيناها بالدموع لترتد خطوة للخلف غير مصدقة، قائلة بنبرة آلمته:
- أنت بتعايرني عشان ماليش مكان أروحله!!!!!
ألتفت لها سريعاً ليقترب منها قائلاً بحدة:
- أنا مقولتش كدا!!!!!!
أبتعدت هي عنه عدة خطوات للخلف، تحرك رأسها نفياً بهيستيرية، وضعت كفيها على أذنها مطبقة جفنيها بقوة صارخة به:
- أنا بكرهك!!!! بكرهك!!!!!!
صُدم "باسل" من الحالة التي تلبستها فجأة، ليقترب منها فحاول إمساك كتفيها ولكنها نفضت ذراعيه بعنف بعيداً عنها، ليعود محاوطاً جسدها لصدره مردداً بحنو:
- انا مكانش قصدي والله اللي فهمتيه!!!! أهدي يا حبيبتي!!!!
أخذت تضربه بصدره بقوة وهي تصدر شهقات نتجت عن بكائها، حاول "باسل" إحتوائها بذراعيه يمسد على خصلاتها و هو يهدهدها بكلمات حانية، ولكنها لم تستجيب فظلت تدفعه بعيداً عنها حتى تملصت من ذراعيه متجهة لغرفتها لتصفع الباب بعنف ثم أوصدته، سرعان ما أنهارت أرضاً تُخفي وجهها بكفيها وشهقات بكائها تصل له بالخارج، سمعت طرقات قوية على الباب تليها صراخه عليها بأن تفتح وتكف عن أفعالها الطفولية، صرخت هي به بقسوة:
- أبــعــد عــنــي!!!!!!!!
ضرب الباب بكفه بعنف صارخاً:
- أفتحي بقولك الزفت دة!!!!!
أنفجرت ببكاء يمزق نياط القلب، ليمسح وجهه بعنف ثم وضع كفه على الباب ليردف بنبرة حانية:
- طيب متعيطيش لو سمحتي!!!!
إزداد صوت بكائها ونشيجها أكثر، ليتابع بنبرة لطيفة:
- أنا مكنش قاصدي أعايرك يا حبيبتي، أنا أصلاً لآخر نفس فيا هتفضلي مراتي ومش هسيبك لو حصل أيه!!!!
نهضت لتفتح الباب بعنف فوقفت قبالته صارخة بقسوة:
- و أنا بقا هطلق منك ومش هتشوف وشي تاني أبداً!!!!!
دفعها من كتفيها بلطف ليدلف للغرفة، ثم حاوط وجنتيها ليمسح دمعاتها برفق قائلاً بنبرة لطيفة:
- طيب ممكن تهدي؟!!!
أرتعشت شفتيها من شدة البكاء لتحدق بعيناه الدافئة، لتهتف برجاء:
- سيبني يا باسل، عشان خاطري كفاية لحد كدا، انا والله مش هعرف اسامحك على اللي عملته!!! الطلاق هو الحل لينا احنا الاتنين!!!!
تحولت عيناه الدافئة إلى أخر جامدة، و ملامحه اللطيفة لثانية خالية من الحياة، ليبعد كفيه عنها قائلاً بنبرة باردة:
- دة أخر كلام عندك؟!!!
أومأت هي ببطئ، ليضغط على أرنبة أنفه يُحرك رأسه إيجاباً، هاتفاً بنبرة خاوية:
- و أنا مش هغصبك على حاجة، هطلقك يا رهف!!!!!
سقط قلبها أرضاً لجملته الأخيرة، فشعرت بالدماء تهرب من جسدها هرباً وهي تراقب صفحات وجهه، شعرت بقشعريرة عصفت بجسدها من تخيلها أنها ستبتعد عنه للأبد، لتزدرد ريقها لشدة جفافه، فشعرت بغصة في حلقها و كأنها تحارب البكاء بصعوبة، ليتها تُخبره ألا يفعل، تخبره أن وجوده كوجود الأكسجين برئتيها لا تستطيع الإستغناء عنه، ولكن يبقى كبريائهما حاجزاً بينهما، تعالت ضربات قلبها عندما هتف بهدوءٍ:
- بس مش دلوقتي، أصبري أسبوع أكون جهزت أوراقي عشان أسافر، وبعدين هطلقك ومش هتشوفيني تاني أبداً!!!!
إرتخاء غريب في عضلات جسدها وكأنها على وشك فقدان الوعي لتومأ له بشرود، دلف "باسل" خارج الغرفة صافعاٌ الباب خلفه، ثم بعد دقيقة سمعت صفعة باب الشقة، أستندت على الحائط جوارها لتضع رأسها عليها مغمضة عيناها بقوة، لتنهمر الدموع على وجنتيها بألم.
• • • •
جلس "مازن" في شقته بالزمالك واضعاً أوراق شركته على قدميه يقلب فيهما بكثب، نظر لساعته ليجد الساعة قد تعدت الثالثة عصراً و هو يعلم أن عملها ينتهي الواحدة ظهراً، لينتفض ملقياً بأوراقه أرضاً ثم أمسك بهاتفه ليغمض عيناه بعنف عندما وجده صامت و "منير" الذي هاتفه عشرات المرات!!! ضغط على أسنانه بقسوة ثم عبث بالهاتف ليضغط على أسمها بإبهامه، وضع الهاتف على أذنه وكل خلية بجسده تتأهب للصراخ عليها، ولكن صدمه التسجيل الصوتي يخبره بأنه مغلق، هاتف "منير" الذي فورما سمع صوته هتف بلهفة:
- مازن بيه أخيراً بتصل بحضرتك من بدري المدام كل دة لسة مخرجتش و المفروض الشيفت بتاعها خلص من زمان، تحب أدخل أسأل عليها؟!!
لم يجيب سوى بكلمة واحدى أباحت عن النيران المتأججة بقلبه:
- أنا جاي!!!!!!
أغلق معه ليبدل ملابسه بأول قميص وبنطال وقعت عيناه عليهما، ثم أمسك بمفتاح سيارته وهاتفه ليصفع باب الشقة ثم تجاوز الدرج ركضاً، قفز مستقلاً سيارته ليتحرك بسرعة مائتان وقلبه يُخبره بأنها ليست بخير، لهث بعنف فقلبه عاد يؤلمه مجدداً وقد نسي أن يأخذ دوائه..!!!
• • • •
وقف أمام المشفى ليركض له "منير" هاتفاً بقلق:
- مازن بيه أنا حاسس أن في حاجة غلط!!!!
ترجل من السيارة ليدفعه من كتفيه ثم ركض لمدخل المشفى ليقف أمام موظفة الإستقبال متمتماً يحاول إلتقاط أنفاسه:
- فريدة الهلالي فين!!!!
نظرت له الفتاة بتوتر لتلتقط الهاتف الأرضي ثم أجرت مكالمة سريعة، لتعود له قائلة بحرج:
- هي في مكتب دكتور إياد يافندم، الدور الأخير آخر اوضة على الشمال!!!!!
صُدم "مازن" من حديثها لتشتعل عيناه تُقذف جمراً، ليركض في الممر يصعد بالمصعد..
• • • •
قبل نصف ساعة، وقفت فتاة تبلغ من العمر واحد وعشرون عاماً، ذات خصلاتٍ بنية طويلة و عينان بنفس اللون، تجلس على مقعد المشفى البارد لا تتوقف عن شهقات البكاء التي تخرج عنوة من فمها، تنحني بجزعها العلوي للأمام واضعة يدها على قلبها تطمئنه بأنه سيكون بخير، وستدلف لتحتضنه بأقوى ما لديها، رفعت رأسها سريعاً لتقف على قدميها عندما خرجت "فريدة" من غرفة الطوارئ جوار "إياد" الذي أزاح كمامته يمسح حبات العرق التي تكونت على جبينه، لينظر إلى الفتاة قائلاً بجمود دُهشت "فريدة" له:
- أزاي تسكتوا والمريض قلبه متدهور بالطريقة دي، للأسف القلب عنده مقدرش يستحمل.. البقاء لله!!!!!
لم تستوعب الذي قاله لتجحظ عيناها واضعة كفيها على فمها برعب، أنهارت أرضاً و أنهارت معها دموعها كالشلالات، لتقترب "فريدة" منها بعطف ثم ربتت على خصلاتها بشفقة قائلة:
- أهدي يا حبيبتي!!!!
أرتمت الصغيرة في أحضانها تهتف بقهر:
- والله مكنش معايا فلوس اعمله العملية صدقيني، ماما ماتت و هو كمان مات انا مش عارفة اعمل أيه!!!!!
نظر لهم بتأفف ليفقد أعصابه عليها قائلاً بنزق:
- أحنا مستشفى هنا مش جمعية خيرية أنزلي ادفعي مصاريف المستشفى و خدي ابوكي و امشي!!!!
لم تستطيع المدعوة بـ "ليلى" أن ترد عليه لسوء حالتها، او لربما لم تسمعه من الأساس، لترفع "فريدة" أنظارها له بصدمة، تقلصت ملامحها بإشمئزاز قائلة بحدة:
- أنت مين سمحلك تتكلم معاها بالطريقة دي، وبعدين المستشفى دي مش بتاعتك عشان تعمل كدا!!!
نظر لها بضيق ليشير بها بأصبعه و هو يتحرك تجاه غرفته:
- تعالي ورايا!!!!
نظرت "فريدة" للفتاة ذات الملامح البريئة لتقول و هي تحاول التهوين عليها:
- سيبك منه دة مريض نفسي أصلاً، انتِ عندك كام سنة؟!
أجابت "ليلى" بصوتها العذب:
!!!21 -
أومأت لتتابع بتساؤل:
- طيب هتعملي أيه؟!
مسحت دمعاتها قائلة:
- هكلم عمي ييجي!!!
أومأت "فريدة" ثم قالت:
-تمام أنا هروح اشوفه عايز أيه وهجيلك تاني، أومأت هب بإنصياع لتجلس على المقعد، ذهبت "فريدة" لمكتبه في الطابق الأخير بعيداً عن "ليلى" لتفتح الباب دون أستئذان ولم تغلقه، وقفت أمامه بملامح باردة تقول:
- خير؟!!!
نهض "إياد" بملامح شيطانية، ثم تقدم منها بخطوات بطيئة، شعرت "فريدة" بعدم الأرتياح من نظراته لترتد للخلف برهبة، ولكنه كان الأسرع ليجذبها من خصرها وبحركة سريعة لفها للجهة الأخرى ليغلق الباب بقدمه، صُدمت هي مما فعله لتضربه على صدره بكل ما أوتيت من قوة صارخة:
- أنت بتعمل أيه يا حيوان أنت أتجننت!!!!!!
كمم فمها بكفه الغليظ يبتسم بخبث و هو يطالعها برغبة، ليسقط ببصره يتفرسها بنظرات جعلتها تشعر أنها عارية أمامه، أنفجرت مقلتيها بالدموع وهي تحاول إزاحة كفه عن فمها ولكنه سرعان ما دفعها على الأريكة لينزع سترته السوداء عنه، صرخت "فريدة" في أمل أن ينقذها أحد، أشرف عليها "إياد" لينظر لها برغبة قائلاً بجنون:
- أخيراً يا فريدة، كنت مستني اللحظة دي من زمان أوي يا حبيبتي، أنا عارف انك بتحبيني و أنك مغصوبة على اللي اسمه مازن دة، انا كنت بحس كدا من نظراتك ليا زمان، صدقيني يا فريدة مش هتلاقي حد يحبك أدي، جوزك مسافر ومش هيعرف حاجة و آآآآه!!!!!
لم تتركه "فريدة" يكمل حديثه لتجذبه من تلابيبه ثم دفعت بركبتها في معدته، فتكور الأخير أرضاً بألم شديد، نهضت "فريدة" لتعبر من فوقه و هي تحاول الوصول للباب لكي تستنجد بأحد، و لكنه أمسك بقدمها فتعثرت لتسقط مرتطمة بالأرضية ليزحف هو لها ممسكاً برأسها ليضربها بالأرضية صارخاً:
- يا بنت ال***!!!!!!
تآوهت بألمٍ فشعرت به يطبع قبلات على وجهها كانت كالنيران على بشرتها، حاولت إبعاد وجهه القذر عنها تتوسله ببكاء شديد!!!
أرتجف قلبه عندما خرج من المصعد و أستمع لصوتها، ركض للممر الفارغ تماماً ليتجه للغرفة التي ينبع من الصوت، دفع الباب بقدمه بقوة لينفتح، توسعت عيناه لينقض عليه يرفعه من فوقها، ثم كور قبضته ليسدد له لكمه جعلته يرتد للخلف مرتمياً على الأرضية، لم يكتفي "مازن" ليضربه بقدمه في معدته حتى فقد الوعي و الدماء تدفق من فمه بقوة، لهث من شدة الإرهاق الذي فعله ليرفع أنظاره لها، نهضت "فريدة" بمقلتي مصدومتان، طالعت "مازن" بحُرقة ظهرت في عيناها، وبدون شعورٍ منها ركضت نحوه لترتمي في أحضانه متشبثة بعنقه بأقوى ما لديها ليرتد جسده خطوة للخلف فحملها من خصرها محاوطاً جسدها بقوة حتى أصبحت قدميها لا تلامس الأرض، دفنت وجهها بعنقه لتبكي كما لو أنها لم تبكي من قبل، مسد على خصلاتها مغمضاً عيناه ليقبل جانب عنقها المغطى بخصلاتها وقلبه يأن من بكائها و من المجهود الذي بذله، تشبثت بقميصه من الخلف حتى كادت أن تمزقه بـ أظافرها، ليهتف "مازن" بعد صمت طويل قائلاً بحنان:
- ششش أهدي.. خلاص مافيش حاجة أنا جنبك، محدش هيعملك حاجة و أنا معاكي!!!!
حاوطت عنقه بذراعيها أكثر لا تريد تركه، ليضع ذراعه أسفل ركبتيها ثم حملها بخفة، أستكانت رأسها على كتفه مغمضة عيناها، نظر هو لها ليقبل جبينها، ثم خطى خارج الغرفة و هو يتوعد شراً لذلك الملقي أرضاً بالداخل، خرج من باب سري يعلمه حتى لا تلتفت الأنظار حوله، ليجد "منير" يستقبله وسرعان ما أعتلت الصدمة وجهه و هو ينظر لـ "فريدة" ليسرع بقوله:
- أيه اللي حصل يا مازن بيه، الهانم مالها!!!!
هتف "مازن" بعنف و هو يقترب منه وعيناه تلمع بوميض مخيف:
- أطلع الدور الرابع أخر اوضة في الممر، و هات ابن ****** و أطلع على المخزن، بليل يا منير يبقى هناك!!!!!
أومأ له "منير" سريعاً ثم تقدم ليفتح له باب السيارة الأمامي، ليضع هو "فريدة" على المقعد جواره، ثم جلس بمقعده أمام المقود ليسابق الرياح في سرعته، متحهاً نحو شقته، ،وزع نظراته بينها وبين الطريق ليجدها ساكنة تنظر أمامها بملامح جامدة و الدموع تسقط من عيناها، تألم قلبه لحالها ليمد أنامله قابضاً على كفها و هو يقول:
- فريدة؟!!!
كفها شديد البرود بين كفه الدافئ، ليرفع إلى فمه و هو ينظر للطريق ثم طبع قبلة عليه، ليهدر هو بشرارٍ نبع من صوته:
- و عزة جلالة الله ما هسيبه!!!!!
• • • •
دلف لمكتب أخيه بخطواتٍ ثابته، ليجده قابع فوق كرسيه ينظر للأوراق بيده بأهتمام، ليرفع أنظاره له بدهشة، تحولت لتفهم و هو ينهض متقدماً منه، ولكنه لم يشعر سوى بلكمه جعلت وجهه يلتفت للجهة الأخرى ليضغط على أسنانه بقوة و فكه ينبض بحدة، أقترب "باسل" منه ممسكاً بتلابيبه ليهتف بحدة:
- الضربة دي عشان كنت عارف مكانها و مقولتليش!!!!!
نظر له "ظافر" ببرود شديد، ليبتعد عنه "باسل" و هو يشعر بألم شديد أستوطنه، ليخرج من المكتب صافعاً بابه بحدة، ألتفت "ظافر" ليثبت كفيه على مكتبه منحنياً يجزعه العلوي يحاول السيطرة على غضبه و عدم الذهاب له لتحطيم وجهه من كثرة الضرب، فيعود و يقول أنه حقه، فلو كان هو من أختفت زوجته بعيداً عنه شهور عديدة و أخيه يعلم مكانها، كان فعل أكثر بكثير!!!!!
• • • •
جلست "رهف" على الأريكة أمام التلفاز تشاهد أحد الأفلام الكارتونية بإبستمتاع، تحاول أن تنسى عدم وجوده و ما قاله لها، نظرت للباب الذي فُتح فجأة بالمفتاح الذي أخذه منها بالصباح، لتعود ناظرة لشاشة التلفاز ببرود زائف، سمعت بعد قليل صوت باب الغرفة المجاورة لغرفتها يصفع بعنف لتنتفض هي مكانها برعب، نهضت متجهة نحو المطبخ لتبدأ بطهي الطعام ببرود، تضع جوارها هاتفها الذي أنبعث منه صوت إحدى المطربات، لتدندن هي معها تحاول أن ترفع صوتها لكي تثير غيظه، و بالفعل وجدته بعد قليل يخرج من الغرفة متجهاً له ليصيح بغضب:
- أقفلي الزفت دة مش عارف أنام!!!!
أعطته ظهرها وظلت تدندن مع الموسيقى دون أن تبالي به، خطى "باسل" نحوها بإنفعال ثم أمسك بالهاتف ليوقف الموسيقى، لم تكترث "رهف" بل ظلت على حالها تغنو بصوتها الذي لا يصلح للغناء أبداً و كأن الموسيقى لازالت مفتوحة، وقف جوارها ثم أغمض عيناه بعصبية ليقبض على أحد الأكواب الزجاجية بقسوة صارخاً:
- رهــــف!!!
نظرت له ببرود لتبتعد عنه متجهة إلى حوض غسيل الأوانئ بصمت شديد، فألقى هو بالكوب أرضاً ليسقط متناثراً لأشلاء فأنتفضت هي برعب ملتفتة له، سرعان ما أتجه نحوها جاذباً ذراعها له بقسوة يصرخ بوجهها حتى أشتدت عروقه:
- إياكي بعد كدا و أنا بكلمك تسيبيني و تمشي!!!!!
نظرت له بتوجس لتومأ له سريعاً فغضبه تقسم أنه سيلتهم الأخضر و اليابس، لينفض هو ذراعها قائلاً بنظرات باردة:
- أعتذري حالاً!!!!!
أشتعلت عيناها غضباً لتقول بهدوء:
- لاء!!!!!
ألقى عليها نظرات جعلتها تقول سريعاً لكي يذهب من أمامها:
- أسفة!!!!!
ألتفت مبتعداً عنها ليذهب نحو غرفته ليرتطم الباب بإطاره بقوة، لتضرب هي قدميها بالارض متمتمه بخفوت:
- غبي و رخم و رزل و مغرور و مناخيره في السما، انا مش عارفة بحبه ليه!!!!!
أكملت طهي الطعام ثم بعد نصف ساعة وضعته على طاولة الطعام، لتتجه له ثم فتحت الباب بحذر لتجده يتحدث في الهاتف عن أمور العمل، عقدت ذراعيها معاً امام صدرها تنتظر لكي ينهي محادثته، ظلت على وضعها دقيقتان لتزفر بضجر فألتفت هو لها بجمود يشير بأصبعه لكي تنتظر، و بالفعل أنهى مكالمته ليجلس على الأريكة قائلاً بنبرة خالية من المشاعر:
- عايزة أيه؟!!!
أردفت هي بنبرة مماثلة:
- الأكل جاهز!!!!
- مش جعان.!!
قال و هو يعبث بهاتفه لتنظر له بصدمة قائلة:
- مش جعان أزاي أنت مكلتش من أمبارح!!!!
رفع أنظاره لها يقول بهدوء:
- كلي أنتِ!!!
تنهدت بحزن أخفته فهي تكره الجلوس على طاولة الطعام بمفردها، فهذا يجعلها تتذكر تلك الأيام التي كانت وحيدة بها لا يوجد سوى "ملاذ" جوارها، ألتفتت للباب لتخرج من الغرفة دون أن تعلق ثم ذهبت لغرفة الطعام و لم تشعر بدموعها التي سقطت على وجنتيها بخيبة أمل جلست بمقعد جانبي أمام طبقها، أمسكت بالملعقة تعبث بمحتوياته وهي أيضاً لا تشعر بشهية للطعام، نظرت لطبقه في المقعد الأمامي لتتنهد بألم، ولكن توسعت عيناها عندما وجدته يجلس على مقعده ليبدأ بتناول طعامه بصمت، حانت على ثغرها أبتسامة جانبية ثم بدأت هي أيضاً تلوك الطعام في فمها، فنظرت لعابيره الهادئة تستشف إن أعجبه أم لا، ولكنها كالعادة وجدت غموضاً تام وكأنها تفك شفرة، لتزفر بضيق وهي تتساءل:
- عجبك!!!!!
أومأ هو ببساطة لتبتسم ببراءة، لتمسك بملعقتها ثم بدأت الأكل بشراهة، طالعها بطرف عيناه ليبتسم هو بنظرات عاشقة لم تلاحظها، رغم أنه بالفعل لا يريد أن يأكل ولكن مظهرها الحزين و هي تخرج من غرفته جعلته يذهب ورائها على الفور دون تردد، الجلوس أمامها و رؤيته وهي تأكل جعله هو أيضاً ينهي طعامه، ولكنه ظل جالساً حتى لا يتركها بمفردها، و لكنه سريعاً ما هتف بإندفاع:
- كنتي كل الأيام دي بتاكلي لوحدك!!!!
رفتت حدقتيها له بصدمة، ثم سقطت بها على طبقها و هي تومأ ببطئ، ليغمض عيناه يلعن حاله في نفسه، فهو السبب الرئيسي لكل شئ عانته في تلك الشقة بمفردها، لم يستطيع "باسل" مقاومة عيناها التي برقت بالدموع و هي تنظر لطبقها ليجذب مقعدها قريباً منها فتفاجأت هي بحركته، حاوط ذراعيها ليجذب ملعقتها ثم ملئها بالطعام ليقربها من فمها يهتف بنبرة حاول أن يجعلها عادية ولكنه خرجت بحنان بالغ:
- من هنا ورايح أنا اللي هأكلك، عشان أنتِ خاسة الفترة دي!!!!
نظرت له بغرابة لتقول بتردد:
- لاء أنا هاكل لوحدي!!!
نظر لها بتحذير ثم قال :
- أفتحي بؤك بسرعة!!!!
برقت عيناها بسعادة خفية لتفتح فمها فدس هو الطعام به ببطئ، ثم عاود الكرة عدة مرات لتهتف هي ممسكة بمعدتها عندما قرّب الملعقة من ثغرها:
- لاء يا باسل خلاص و النبي مش قادرة!!!!!
نظر لها بحدة ليردف و هو يشير لوعائها:
- هتخلصي الطبق دة كله ومش عايز أعتراض!!!!
جملته جعلتها تشعر بأنها جالسة أمام أبيها وليس زوجها، وضعت كفيها أسفل وجنتيها قائلة بطفولية:
- خلاص يا بابا بجد شبعت!!!!!
أبتسم بعذوبة لها ليردف بحنو:
- هانت يا قلب بابا فاضل معلقتين وخلاص!!!!
نظرت له بصدمة عندما هتف بـ تلك الجملة التي جعلتها تود لو أن تعانقه بقوة و لا تخرج من أحضانه، ولكنها سرعان ما فتحت فمها مجدداً لتمضغ الطعام وهي تنظر له بإبتسامة، عندما أنهت طبقها أبتسم لها قائلاً و كأن من أمامه طفلة لم تتعدى الخمس سنوات:
- شاطرة!!!
داعب النعس جفونها لتومأ له ببطئ ، فقهقه هو على مظهرها لينهض حاملاً إياها بين ذراعيه متجهاً لغرفته هو، أستند بركبته على الفراش ثم وضعها على الفراش برقة ليدثرها جيداً بالغطاء، انحنى عليها مطبقاً بشفتيه فوق شفتيها المزمومة، أغلق الأنوار ليخرج من الغرفة ثم جلس أمام الحاسوب ليتابع أعماله من خلاله!!!!
• • • •
خرجت "ملاذ" من غرفة "رقية"بعد أن نامت من كثرة الإرهاق، ذهبت لجناحهما بخطوات مرهقة لتفتح الباب ببطئ، وجدت "ظافر" مستلقي على الفراش واضعاً ذراعه على عيناه، تقدمت منه بعد أن أغلقت الباب بحذر، أستلقت على الفراش بجانبه لتضع رأسها على ذراعه محاوطة خصره بقوة، قبّلت وجنته اليمنى لتعود واضعة رأسها على صدره، عندما شعرت بسكون جسده أردفت برقة:
- ظافر.. أنت كويس؟!!
لم تستمع لرد منه، لتنظر له مبعدة ذراعه عن عيناه قائلة بقلق:
- في أيه؟!!!
فتح عيناه شديدة الأحمرار لتشهق هي برعب، جلست أمامه لتحاوط وجنتيه قائلة بتوجس:
- في أيه يا حبيبي!!!!!
أبعد كفيها عن وجهه ليردف بجمود:
- ملاذ سيبيني لوحدي شوية!!!
قطبت حاجبيها بغرابة من طلبه لتهتف برفق:
- لاء طبعاً مش هسيبك، أحكيلي أيه اللي حصل؟!!!
صرخ بها بإنفعال:
- ملاذ بقولك سيبيني لوحدي!!!!!
أنتفض جسدها لصراخه، لتنظر له بحزن ثم فركت أصابعها قائلة تزم شفتيها:
- صرخ و أتعصب و أعمل اللي أنت عايزه بس بردو مش هسيبك لوحدك و أنت كدا!!!!
تأفف هو بحنق، ليلتفت معطيها ظهره مغمضاً عيناه، شعر بها هي الأخر تستلقي في آخر الفراش لتضع الغطاء عليها وعليه لينفضه بقدميه بحدة، نظرت له "ملاذ" بأسى لتتنهد بألم، ثم أستلقت على الفراش لتغمض عيناها تعطيه ظهرها هي الأخرى، لم تنتبه لعيناها التي ذرفت الدموع و لا لأنينها الخافت، لتشعر به يسحبها من خصرها يلُفها له ليحتضنها بذراعيه المفتولين، حاولت "ملاذ" الإبتعاد عنه ولكنه لم يعطيها فرصه ليضع قدمه على قدميها يُثبت جسدها بين يداه يهتف برفق:
- أهدي.. أنا أسف، متزعليش مني!!!!
أبعدت وجهها عن صدره لتهدر بعصبية:
- ظافر أبعد عني دلوقتي حالاً!!!!!
حاوط وجنتيها بكفه قائلاً بهدوء:
- طيب أهدي.
رفعت أنظارها له بغضب قائلة:
- مش ههدى أبعد عني!!!!!
تنهد هو بضيق ليُقربها منه مستنداً بجبينه على جبينها، مردفاً بصوتٍ مجهد:
- ملاذ أنا مضغوط اليومين دول.. أستحمليني!!!!
أغمضت عيناها هي الأخرى لتغمغم بعصبية:
- أمتى هتفهم أني مراتك و أن من حقي عليك تقولي أيه اللي مدايقك ونفكر مع بعض، بس لاء هتفضل تكتم في نفسك كدا وتعاملني كأني غريبة!!!!
لفّ وجهه جانباً قائلاً بقنوط:
- عارف انك حقك تعرفي، بس في حاجات مينفعش أقولهالك!!!!
أزداد غضبها أكثر و لكنها حاولت التماسك، لتحاوط وجهه ثم أعادته لها قائلة برفق:
- أنا مش بخبي حاجة عليك، بس أنت بتخبي!!
أعتدل في جلسته ليضع رأسه بين كفيه، ليُفجر صدمة في وجهها:
- مازن عنده القلب!!!!!!!!
أنتفضت "ملاذ" في جلستها برعب، واضعة كلتا كفيها على فمها بصعوق، لتهمهم بصدمة:
- مش معقول!!!!! هو قالك؟!! و عرفت أمتى!!!!
- أيوا قالي بعد مـ سافر فرنسا بكام يوم، لأنه عارف كويس أنه لو قالي قبل كدا مكنتش هخليه يسافر، وباسل كمان عارف..
- طيب يعني هو حالته متأخرة أوي، ينفع يعمل عملية ولا لاء؟!!
- أنا هكلمه في الموضوع دة..
ليلتفت لها محذراً بنظرات مرعبة:
- ملاذ إياكي تقولي لفريدة و لا لأمي ولا لملك!!!!!
توترت تعابير وجهها لتقول:
- يعني فريدة متعرفش؟!!!
ألتفت لها قائلاً:
- لاء طبعاً متعرفش و هو مش عايز يعرفها!!!! ملاذ أنا بحذرك تقوللها ولا تقولي لأي مخلوق!!!!
أومأت "ملاذ" لتطبق شفتيها بحزن على صديقتها و "مازن"، رفعت أنظارها له لتجد ألماً و حيرة لأول مرة تراهم بمقلتيه، رفعت ذراعيها لتحاوط عنقه وهي تجذب رأسه ليستند على كتفيها، فبادلها هو عناقها محاوطاً خصرها واضعاً مقدمة رأسه على طرف منكبيها، مغمضاً عيناه بإستكانة عندما شعر بأناملها تعبث بخصلاته مربتة على ظهره برقة..
• • • •
صفّ سيارته بموقف السيارات الخاص به ليسرع بالترجل من السيارة ملتفتاً لبابها، فتحه سريعةً ثم أدخل جزعه العلوي وحملها برقة ليصفع باب السيارة بغضبٍ أُفرِغ به، صعد البناية لينفتح له المصعد، ظل حاملها بدلاً من أن يجعلها تقف على قدميها.. وكأنه خائف من أنهيارها بدونه، نظر لها ليجدها واضعة رأسها على صدره مغمضة عيناها، أنثنى هو نحوها ليُقبل جبينها قبلةٍ طويلة يخبرها بها أنه معها لن يتركها..!!!
أنفتح المصعد له ليفتح باب الشقة سانداً جسدها بذراعٍ واحد، أغلق الباب خلفه ليدلفا ماضياً بخطوات حادة نحو الأريكة ثم جعلها تجلس عليها بإعتدال، لينحني عليها ممسك بكفيها و رؤيته لنظراتها فارغة تنظر أمامها أقلقته، رفع ذقنها له ليحدق بعيناها الجميلتان بنظراته الدافئة، طال تواصلهما البصري ولكن عندما وجد مقلتيها يمتلئان بالدموع تدريجياً سرعان ما جلس جوارها ليجذبها لأحضانه فبثت هي عن مكنون قلبها بشهقاتٍ باكية مزقت قلبه أشلاءٍ، حاوط كتفيها بذراعيه بقوة ليرفع كفها مقبلاً باطنه و هو يمسد على خصلاتها، ظلت على حالها لم تهدأ، ليتفاجأ بها تدفعه من صدره بقوة لتنهض على قدميها واثبة أمامه، تقول بصراخ عالٍ:
- أنت السبب في كل دة!!!! أنت اللي اديتله الفرصة يعمل معايا كدا!!!!
نهض هو أمامها بصدمة شديدة تجلت على ملامحه، ليردف محاولاً أن يتحكم بأعصابه:
- أزاي يعني!!!!!
تقدمت منه لتضربه بصدره صارخة بحدة:
- لو مكنتش سيبتني لوحدي وسافرت مكنش أتجرأ يعمل كدا لكن هو عمل كدا عشان عارف ان مش ورايا راجل يسألني رايحة فين وجاية منين وشغلي فين وبخلصه أمتى، هو عمل كدا عشان مطمن أن جوزي راميني هنا ومسافر برا وعايش حياته، هو بذات نفسه سألني ليه انت سيبتني ومشيت تفتكر كنت هقوله ايه؟!!!
هقوله ان جوزي اناني مش بيهمه غير نفسه وبس ميفرقش معاه اي حاجة تانيه وانه قبل م يمشي قالي جمله لسة بترن في ودني لحد دلوقتي.. فاكر يا مازن قولتلي أيه؟!! قولتلي انك بتتمنى الزمن يرجع عشان متعيدش الغلطة دي وتتجوزني!!!! لو كنت جنبي ومعايا مكنش حد هيقدر يعمل فيا أي حاجة، كل قرف أنا عيشته كان بسببك، عرفت بقا بقولك ليه انت السبب في دة كله!!!!!
لم تظهر تعبيرات على وجهه، كان بارداً لم تهتز شعرةً له، عيناه جامدة تطالع حدقتيها التي تهتز بعدم إتزان، يراقب زفيرها العالٍ بجمود، ظل هكذا دقائق، ولكنه لم يستطيع التحكم بغضبه ليقبض على كتفيها بقسوة يهزّه بعنف ناهراً، والجمرات المشتعلة إن كان لها أثر فيزيائي لباتت هي فتات من الرماد:
- مين اللي قالك أني رميتك ومكنتش عارف عنك حاجة مين!!!! كل خطوة بتخطيها جوا أو برا البيت كنت عارف عنها كل حاجة، أنا سايب واحد مخصوص من رجالتي يراقبك عشان يعرف أنتِ فين و إذا كان حد أذاكي ولا لاء، كل حاجة عنك كنت عارفها، كنت بطمن عليكي كل دقيقه، عارف كنتي بتاكلي أيه وبتشربي أيه و اهلي بيعاملوكي كويس ولا لاء واذا كنتي فرحانة ولا بتعيطي، تبقي عبيطة لو كنتي فاكرة أني هقدر أستحمل 3 شهور من غير مـ أعرف عنك حاجة ولا حتى اشوفك في الصور، أنتِ متعرفيش اللي حصلي وانتِ بعيدة عني، وجابة دلوقتي تقوليلي أن مافيش وراكي راجل و اني اناني!!!!
لم تستطيع "فريدة" التفوه بحرفٍ فاغرة شفتيها بصعوق، تنكمش بجسدها بين ذراعيه، أرتعش جسدها لنظراته الحارقة لتزدرد ريقها، نفضها هو من بين ذراعيه ليلتفت يعطيها ظهره، مغمضاً عيناه ضاغطاً على أسنانه بشدة، رفعت أنظارها لمنكبيه فهي لازالت غير مستوعبة كلماته، أخذت حقيبتها لتقرر الذهاب، فهي دوماً عندما لا تعلم ماذا ستقول، تهرب بعيداً، لتهتف متجهة نحو الباب:
- أنا ماشية!!!!
توحشت نظراته ليلتفت متجهاً لها ثم أمسك بها من ذراعيها بقوة قائلاً:
- فاكرة نفسك رايحة فين!!! مش هتتحركي من هنا غير و انا معاكي!!!!
تهدلت كتفيها قائلة بصوتٍ راجي على حافة البكاء:
- سيبني امشي يا مازن لو سمحت!!!!
- قولت لاء، انتِ هتفضلي معايا هنا!!!!
قال بصوتٍ حاد لا يقبل النقاش و هو لا زال مشدداً على ذراعها، فبكت هي بحُرقة، شعر "مازن" بنغزات حقيقية بقلبه، كما لوأن قلبه يعتصر من شدة الألم الذي يُعانيه، فقد مر الكثير من الوقت ولم يأخذ دوائه، أرتخت يداه على ذراعها كما أرتخى جسده تدريجياً، ليلتفت للأريكة جالساً عليها يحاول أن لا يظهر لها ألمه، واضعاً كفيه على وجهه منحنياً بجزعة العلوي، فظنت "فريدة" أنها دعوة منه لذهابها، لتفتح الباب سريعاً ثم صفعته خلفها، تجاوزت الدرج لكي لا تضطر لإنتظار المصعد فيغير هو رأيه و يذهب ورائها!!!!
• • • •
أتجهت "فريدة" فور دخولها للقصر إلى "رقية" بعد أن علمت بمرضها، جلست معها قليلاً من الوقت حتى طلبت منها أن تذهب و أنها تكون بخير، وبعد رجاءاً منها نهضت هي ماضية نحو جناح "ملاذ"، طرقت الباب لتفتح لها "ملاذ" التي كانت شبه نائمة، فركت عيناها بنعاس لتشير لها لكي تدلف، بالفعل ذهبت "فريدة" مرتمية على الفراش ولم تستطيع مقاومة دمعاتها التي أنهمرت على وجنتيها، دهشت "ملاذ" لتجلس جوارها مربتة على كتفيها بريبة قائلة:
- في أيه يا فريدة؟!!!
فركت "فريدة" كفيها وهي تنظر لهما لتعتلي ملامحها الألم، صمتت قليلاً ثم هتفت بنبرة ضائعة:
- أنا تعبت يا ملاذ، خلاص طاقتي خلصت مش قادرة أتحمل!!!! انا حاولت اسامحه معرفتش، و ف نفس الوقت مش قادرة أبعد عنه، مش قادرة أصلاً اتخيل حياتي و هو مش فيها، كل مرة بقوله فيها أبعد بيطلع مني ألف صوت يقوله خليك، مش قادرة أسيبه و أمشي، مش قادرة أعمل كدا!!!!
صُدمت "ملاذ" من حديثها لتهتف بإندفاع:
- لاء أوعي تسيبيه!!!!
نهضت "فريدة" لتسير ذهاباً و إياباً قائلة بيكاء:
- للأسف هو دة الحل الوحيد!!!
نهضت "ملاذ" لتقول سريعاً بنبرة هوجاء:
- بلاش دلوقتي يا فريدة!!!!!
ألتفتت لها "فريدة" لتنظر لها بشك، ثم تقدمت منها قائلة بحدة:
- يعني ايه بلاش دلوقتي!!!! أشمعنا دلوقتي؟!! انتِ مخبية عليا حاجة يا ملاذ!!!!!
أدركت "ملاذ" الخطأ التي وقعت به، لتسرع مبررة قولها:
- انا قصدي يعني ان هو اتغير وبقا كويس وكل دة عشانك.. وانتِ بتحبيه أساساً يعني صعب تبعدي عنه!!!
لم تقتنع "فريدة" بما تقوله، فهي منذ أن أتى "مازن" وهي تشعر بشئ سئ يحمله على عاتقه، فجلست "فريدة" على الفراش لتنظر إلى "ملاذ" برجاءٍ حار:
- ملاذ انا قلبي مش مرتاح حاسة انه مش كويس، عشان خاطري يا ملاذ لو انتِ تعرفي حاجة قوليلي و أنا مش هقول لحد والله!!!!
صُدمت "ملاذ" مما قالته، لتجلس جوارها وهي تنظر أمامها بثبات تحاول ألا تظهر لها توترها لتردف:
- مافيش حاجة من دي!!!!
أمسكت "فريدة" بكفيها بتوسل نابع من قلبها قائلة:
- ملاذ أرجوكي دة جوزي قوليلي أيه اللي حصله، ترضي لو جوزك بعد الشر في حاجة و انا عارفة ومش عايزة اقولك؟!!!
تألم قلبها لرؤية صديقتها بهذا الحال، شعرت بقبضة تعتصر قلبها فلم تشعر بنفسها سوى وهي تقول بنبرة مهتزة:
- مازن.. عنده القلب!!!!!!!!!
حبست أنفاسها داخل رئتيها، فأرتخت كل خلية بجسدها، شعرت بقبضة تعتصر قلبها بدون رحمة، نهضت لتبرق عيناها بدموعٍ فياضة وهي تشعر بالأرض تدور بها، كل شئ حولها أصبح أسود اللون، قدميها الرخويتان خانتها فكادت أن تسقط أرضاً لولا "ملاذ" التي حاوطتها بذراعيها تنظر لعيناها اللتان لازالت مفتوحتان قائلة برجاء:
- أهدي يا فريدة عشان خاطري، ظافر قالي أنه يقدر يعمل عملية ويبقى كويس متخافيش!!!!
أستندت "فريدة" على يدها ثم لملمت شتاتها لتثّبت قدميها على الأرضية معلنة أن لا وقت للضعف، أخذت حقيبتها من فوق الفراش ثم أبعدت "ملاذ" ببطئ لتخرج من الغرفة بخطوات مترنحة تائهة، كل درجة تتجاوزها من الدرج مقتربة إلى الطابق السفلى تطبق على صدرها، و دون أن تلتفت لنداء الخادمة القلقة على حالها المريع، فتحت باب القصر ثم خرجت منه لتهرول في خطواتها نحو السيارة والذي يقف السائق جوارها، أستقلت المقعد الخلفي ثم أخبرته بوجهتها ليتحرك هو بأقصى سرعة لديه أمراً منها!!!!
•• • •
ترجلت من السيارة لتركض نحو البناية التي يقطن بها، لمحها البواب فأسرع لها قائلاً بلهفة:
- حضرتك زوجة مازن بيه مش كدا؟!!
كادت أن تتركه وتذهب لولا ذكر أسمه، لتلتفت له وهي تومأ سريعاً، فأخبرها هو و الأسى فوق محياه:
- مازن بيه لقيناه مغمي عليه في شقته لما كسرنا الباب انا والجيران، و هما الله يباركلهم ودوه مستشفى الهلالي!!!!!
صرخت "فريدة" بصدمة شديدة:
- أيـــه!!!!!!