رواية حافية علي جسر عشقي الفصل العشرون 20 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي العشرون:
أستند برأسه على ظهر الأريكة خلفه مطبقاً بشدة على عيناه، ضربات قلبه تتسارع و تتسارع، جسده ينتفض بين الحين والأخر يشعر بأنه في أي لحظة سيسقط صريعاً جثة هامدة ولن يعلم أحد عنه، تصاعدت أنامله الرخوية لتُحرر أزرار قميصه ببطئ و هو لازال يغمض عيناه، لتظهر عضلات صدره ومعدته الصلبة والتي أزدادت ضخامة على ضخامتها، مسح وجهه بعنفه يزيح عنه حبات العرق التي تكونت على جبهته، أبتسم بسُخرية يكشف عن حدقتيه السمراء، لا يصدق أن وبعد أن كانت تتهافت النساء عليه، تُلقين بنفسهن أسفل قدميه لـ ِنيل رضائه، تأتي هي لتبعثره بتلك الطريقة، تجعله بتلك الحالة الأن وهي بعيده عنه، فما آل إليه حاله يُثير الشفقة، ولكنه أشتاق لها، لضحكاتها و عبوسها، أشتاق لتمردها و لِينها، عيناها الجميتان وخصلاتها التي تجعله يحترق للعبث بهما، رائحتها التي تجعله مخموراً، أشتاق لها للحد الذي لا حد له، عُقد حاجبيه عندما شعر بوغز في قلبه، ليضع كفه عليه يشعر به و كأنه هو الأخر يصرخ أشتياقاً لها، تسارعت أنفاسه لبعضٍ من الدقائق لشدة ذلك الألم، ولكنه هدأ بعد قليل عند زوال تلك النغزات رويداً، يعلم أن نهايته باتت قريبة، ولكنه يريد أن ينعم بما تبقّى من حياته جوارها، يريد أن يُلقى حتفه و هو بأحضانها، رُغم أن الطبيب المختص بحالته أخبره أنه لازال أمامه وقت لكي يُجري عملية جراحية لينتهي من ذلك العذاب، ولكنه يرفض أي شئ يُبقيه على قيد الحياة، فلماذا سـ يحيى، تلك الحياة لا تستحق المعافرة لنحيا بها، أغمض عيناه متذكراً ما فعله من إنجازات في تلك الثلاثة أشهر، فقد اصبح اسمه يلمع في سوق رجال الأعمال، وشركته التي أصبحت في قائمة أكبر الشركات في فرنسا وفي وقت قصير، فهو كان بالفعل يخطط لذلك الشئ منذ أن رأى "فريدة"، لم يعُد ذلك الشاب الغير مسؤل، بل أصبح رجلاً يُعتمد عليه في كل شئ، تبدل حاله تماماً في تلك الثلاثة أشهر، لا ينقصه سوى رؤيتها، بعد الكثير من الشرود ألتقط هاتفه ثم عبث بأزراره، ليضعه على أذنه، ثم بعد ثوانٍ هتف في لهفة أعترته:
- مُنير عملت زي مـ قولتلك أمبارح؟!!!
هتف "مُنير" -المتكلف بمراقبتها- على الطرف الأخر بتأكيد قائلاً بنبرة قوية:
- أكيد يا باشا راقبت المدام زي مـ قولتلي و طول الـ 3 شهور مكانتش بتشُك في حاجة لأني كنت ببعت كل كام يوم واحد مختلف يراقبها، و زي مـ قولت لحضرتك مش بتنزل من البيت غير للمستشفى اللي بتروحلها..
أنحنى بجزعه للأمام ليتنسد بمرفقيه على ركبته، قائلاً بعينان مضيئتان و نبرة مترقبة:
- طيب صوّرتها صح؟!!!
أردف "ُمنير" سريعاً:
- أيوا يا بيه هبعتلك الصورة حالاً!!!
وبالفعل أغلق "مازن" معه ثم أمسك بالهاتف يشعر بالدماء تتدفق في أوردته سريعاً، قلبه يصرخ أشتياقاً لها، و بعد ثوانٍ وجد صورةٍ لها تُنير هاتفه، لتنبعث من عيناه نظرة حانية، عيناه تسير على كل إنش بها، ليتلمس شاشة الهاتف وكأنها حقيقة أمامه، أبتسم و هو يرى تلك الهالة الواثقة المحيطة بها، و عيناها المغطاة بنظارة شمسية، سيرها الواثق و خصلاتها المعقودة كـ ذيل الحصان متطايرة خلفها، نظر جواره يُبعد انظاره عنها، يشعر بجسده يهتز إشتياقاً لها، ليعاود النظر لها بحنوٍ شديد، يريد الدخول بالهاتف ليُحطم ضلوعها في عناقٍ قد تصرخ له ألماً، قبض على الهاتف بشدة لينهض عازماً على العودة لها، لن يتركها بعيدة عنه مجدداً!!!!
• • • •
جلست "ملك" على الفراش تهاتف والدتها، تطمئنها على حالها وكم هي سعيدة معه،ولكن عندما أخبرتها "رُقية" بالرياح التي عصفت بحياة كلا من "رهف" و "باسل" تضايقت بشدة، لتغلق معها وهي تفكر بما سيحدث معهما، ولكنها أبتسمت شاردة قبل تلك الثلاثة أشهر!!!
وقفت أمام المرآة جاحظة العينان، هي تخجل رؤية نفسها بتلك الملابس التي لا تستر شيئاً، فماذا إن ظهرت أمامه هكذا، أرتدت "ملك" قميصاً للنوم باللون الأسود يصل لما قبل ركبتيها، من الامام و الظهر أيضاً، كـ جلدٍ ثاني يلتصق بها بشكلٍ مستفز تركت خصلاتها منسدلة بنعومة على ظهرها ليُخفيه، تراجعت "ملك" سريعاً قائلة:
- لاء مستحيل أطلع قدامه بالمنظر دة بلاش قلة أدب بقا، أنا هغيّر و ألبس بيچامة سبونج بوب تاني و إن كان عاجبه بقا!!!!
ألتفتت لكي تدلف لغرفة الملابس، ولكنها وجدت الباب يُفتح بهدوءٍ ليتخشب جسدها بعينان متوسعتان هالعتان، تعطيه ظهرها و هي تشعر بنظراته تخترقها!!!
أرتفعا حاجبيه معاً و هو ينظر لتلك الحورية التي هبطت على غرفته، ليراها و هي تلتفت رويداً لتقف أمامه سالبه عقله عنوةً، هبطت و أرتفعت أنظاره عليها بتفرسٍ غير مصدقاً أنها "ملك" والتي تركها بإحدى مناماتها التي رُسمت عليها شخصية كرتونية، عيناها التي سقطت أرضاً و هي تُفرك أناملها معاً، لتهبط معها خصلاتها الحريرة تحُجب عن عيناه ذراعيها، ليلتوي ثغره بإبتسامة كانت حانية، لتبرّق عيناه بعشقٍ أحتل كيانه، ليُعيد العبوس على وجهه عندما رفعت أنظارها له و مرارة رفضه من قِبلها لازالت عالقة بجوفه، ليشيح بأنظاره عنها مغمضاً عيناه يحاول عدم النظر لعيناها التي تُضعفه، أخذت "ملك" مئزر القميص لتضعه على جسدها لكي يستره، نظرت له بغرابة عندما لاحظت تضايقه، لتقترب منه بهدوءٍ و خوف، ثم وثبت قبالته، لتُميل برأسها جانباً تراقب وجهه المتقلص و عيناه المغمضتان، ثم هتفت في نبرة حذِرة:
- جواد؟!!
كم تلذذ بخروج أسمه من بين شفتيها بصوتها الرقيق، هل تقصد أن تلفظ أسمه بتلك النبرة لتجعله يجِن!!! كوّر قبضتيه بعنف حتى أبيضت أوردته، يحاول منع نفسه عنها ولملمة شتاته، ولكن أناملها الناعمة التي سارت على وجنتيه جعلته يفتح عيناه ناظراً لها وهي تقول بحنو حزين:
- طب أنتَ ليه مش عايز تبُصلي؟! أنت لسة زعلان مني!!
لم يُجيبها و هو مركزاً بأنظاره خلفها حتى لا يصطدم بعيناها، شعر بأناملها تهبط عن وجنتيه رويداً لتُنكس برأسها للأسفل متنهدة بحزن، لينظر هو لها يراقبها بعينان كالصقر، ولكنها لانت قليلاً عندما وجد عيناها تذرف دمعاتٍ سارت على وجنتيها بـ تهافُت، لينظر جانباً يلعن كل شئ يعكر صفوها، رؤيتها تبكي تجعله يريد تخبئتها بأحضانه، كادت"ملك" أن تذهب لداخل غرفة الملابس و لكنها وجدت ذراعه قابضاً على ذراعها ليُعيدها محلها أمامه، فقلبه أبداً لم يطاوعه تركها تذهب حزينة، ليمد كفيه لخصلاتها يبعدهما عن وجهها ثم حاوطه ليجعلها تنظر له بعيناها اللتان أغرورقتا بالدموع، ليردف بحنوٍ:
- ممكن أفهم بتعيطي ليه؟!!!
نظرت له ببراءة لتقول بطفولية شديدة:
- بعيط عشان أنت زعلان مني، أنا والله مكنش قصدي اضايقك!!!
أبتسم "جواد" قائلاً بخبثٍ:
- يعني أنتِ لابسة كدا عشان تصالحيني؟!!!
هتفت بتلقائية وهي تنفي برأسها:
- لاء أنا كنت داخله أغيرّه بس أنت دخلت!!!!
ضحك "جواد" ليقول بمكرٍ:
- طب أيه رأيك أنك لو غيرتيه أنا هزعل منك أكتر!!!!
عقدت حاجبيها معاً لتنظر له قائلة و هي تضيق بعيناها:
- أنت بتستغل الموقف؟!!!
أومأ بإبتسامة لتومأ هي بقلة حيلة قائلة:
- خلاص مش هغيّره..
ثم رفعت نظراتها له مجدداً لتزفر تنهيدة عميقة، لمعت عيناها بشدة لترفع كفيها ثم وضعتهما على منكبيه، تحركت أصابع قدميها والمطلية بلون أحمر لتضعهما فوق حذائه، ثم وقفت على أقدامه ليحاوط هو خصرها بذراعيه المفتولين كي لا تسقط يطالعها بغرابة، ليجدها تقف على أطراف أصابعها تشرأب برأسها لكي تصل له، ثم وضعت وجهها قبالة وجهه لتقترب أكثر، أقتربت بثغرها جوار أذنه هامسة برقة:
- بحبك!!!!!!!!
يشدد "جواد" على خصرها أكثر يُقرب جسده منها، بعينان صادمتان ونبرة مهتزة بعض الشئ هتف:
-قولتي أيه!!!!!
حانت أبتسامة على صفحات وجهها لتصمت مطالعه عيناه عن كُثب، لم تشعر به سوى و هو يقتنص شفتيها بعنفٍ!!!!!
• • • •
وقفت على الفراش وصوت الموسيقى تصدح في الشقة، تتمايل بخصرها بإحترافية شديدة، مطلقة خصلاتها للعنان ترتدي ما يُشابه بذلة للرقص، لترفع ذراعيها تقفز على الفراش عدة مرات بجنون تستغل وجوده بالعمل، تحمد ربها أنه أخبرها بعودته متأخراً لوجود الكثير من الاعمال المتراكمة عليه، ظلت "ملاذ" ترقُص ما يقارب ثلاثة سويعات دون توقف، فلم تسمع باب الشقة الذي أنفتح، ليُصدم "ظافر" صوت الموسيقى التي تكاد تصم أذنيه، ليتجه لغرفتهم ثم فتح الباب بهدوء شديد، كانت "ملاذ" مغمضة عيناها فـ لم تنتبه له، ليقف "ظافر" مستنداً برأسه على إطار الباب مكتفاً ساعديه يطالعها بإبتسامة لأفعالها الجنونية، تُحرك خصرها يميناً ويساراً ترقص على أغنية مشهورة لـ "أصالة" *بنت أكابر*، أطلق ضحكة رجولية عالية عندما فتحت عيناه تطالعه بذعرٍ شديد، واضعة كفها على ثغرها بصدمة، ليتجه هو إلى مُشغل الموسيقى ثم ضغط على زر الإيقاف، تصاعدت حُمرات الخجل إلى وجنتبها و هي تراه يقف واضعاً كلتا كفيه في جيب بنطاله الأسود، بإبتسامة عابثة مرتسمة على ثغره، لتُغمض عيناها تلعن غبائها، أقترب من الفراش ثم مد كفه لها قائلاً بإبتسامة:
- أنزلي يا هبلة تعالي!!!
وضعت كفها في كفه الضخم ثم سقطت واقفة قبالته بخجلٍ، لتمسك بخصلة سقطت على وجهها واضعة إياها خلف أذنها، رفعت عيناها تنظر له قائلة بإرتباك:
- أنت مش قولت أنك هتتأخر جيت بدري يعني!!!
حاوط خصرها ليعقد كفيه معاً خلف ظهرها ثم هتف بخبثٍ:
- الساعة دلوقتي 12 و أنتِ طبعاً مش واخدة بالك!!!
جحظت عيناها لتضع كفيها على ذراعيه تحاول إبعادهما عن خصرها، قائلة برجاءٍ:
- طب سيبني يا ظافر!!!
اقترب بوجهه منها ثم نظر لها بعيناه الزيتونية قائلاً بمكرٍ:
- قوليلي سبب واحد دلوقتي يخليني أسيبك!!!!!
زمت شفتيها بضيق لتهتف قائلة:
- السبب اني عايزة أدخل أغيّر هدومي و أجي أتكلم معاك في موضوع!!!
نظر لها و بؤبؤ عيناه يتسع ليهتف:
- أي موضوع يتأجل النهاردة يا ملاذ!!!
إزدادت نبرتها حدة وجدية معاً قائلة:
- إلا دة!!!!
تأفف "ظافر" بقنوط ليبتعد عنها متمتماً:
- تمام يا ملاذ!!!
تركته لتدلف لغرفة الملابس لكي تُبدل ملابسها، ليجلس "ظافر" على الفراش يُدخن لُفافة تبغه بشرودٍ، لتخرج "ملاذ" بـ مناميتها الشتوية، ضحك "ظافر" قائلاً:
- كان ممكن تتكلمي معايا في الموضوع بـ بدلة الرقص عادي!!!!
ضيّقت عيناها لتضرب كفاً بأخر بقلة حيلة، ثم تحركت لتجلس جواره على الفراش قائلة بنبرة جدية:
- ظافر أنا سيبتك 3 شهور عشان ترتب نفسك وتسيب تجارة السلاح عشان عارفة انك مش هتقدر تسيبها بين يوم وليلة، بس أنت لازم تطلع نفسك من اللي أنت فيه دة وبسرعة لو سمحت!!!!
مال بجزعه للأمام ليعقد كفيه معاً ينظر أمامه ليهتف بجدية:
- مش دلوقتي!!!
نهضت تقف أمامه هادرة بنفاذ صبر وهي تشير بيديها:
- هو أيه اللي مش دلوقتي أومال أمتى انا بقولك سيبتك 3 شهور بحالهم عشان تبقى جاهز وتسيب القرف دة، ظافر بُصلي و أنا بكلمك!!!!
أشاح بوجهه جانباً يحاول التحكم بأعصابه مغمضاً عيناه، لتجلس على ركبتيها أمامه ممسكة بكفيه وهي تقول برجاءٍ:
- عشان خاطري يا ظافر أنا خايفة عليك والله، حاسة أنك ممكن تضيع مني في أي لحظة!!!
نظر لها ليربت على كفيها قائلاً بنبرة بها الكثير من القسوة والجبروت معاً:
- عايزك تعرفي أن محدش يقدر يعمل معايا حاجة!!!
أنهمرت الدموع من عيناها لتقول بنبرة باكية:
- يا ظافر أنا تعبت و أنا حاسة أنك مش في أمان كل مرة بتطلع من البيت و ممكن تعمل عملية من دول و حد يعمل فيك حاجة ومترجعليش تاني!!!!
قبض على كتفيها ليجعلها تنهض ثم وقف هو أيضاً امامها، ليجذبها لأحضانه مقبلاً رأسها بلطف قائلاً بحنو:
- أهدي يا حبيبتي متعيطيش، صدقيني أنا طول الـ 3 شهور دول معملتش ولا عملية ولا صفقة سلاح!!!
حاوطت خصره أكثر لتدفن أنفها بصدره تشتم رائحته الرجولية قائلة ببراءة:
- قول والله كدا!!!!
أبتسم على طفولتها ليربت على خصلاتها هاتفاً بتأكيد:
- والله!!!
صعدت بأنظارها له وهي لازالت بأحضانه قائلة:
- يعني خلاص مش هتعمل صفقات من دي تاني أبداً صح!!!
تنهد لينظر لها قائلاً بجدية:
- لاء، أنا أصلاً لما روحت الشركة النهاردة أتفقت مع جواد على كل حاجة وكمان يومين مافيش شغل في السلاح تاني!!!!
أبتسامة سعيدة حلت على شفتيها لتصفق بسعادة طفولية، ليحتضنها هو مربتاً على ظهرها بضحكاتهم المجلجلة في المنزل، ليهتف "ظافر" قائلاً بعد دقائق:
- حبيبتي لمي هدومك وهدومي عشان هنروح القصر!!!
نظرت له بغرابة قائلة:
- عند ماما رُقية!!!!
- لاء قصرنا أنا وأنتِ!!!
هتف بجدية لتنظر له بصدمة قائلة:
- بس ليه!!! أنا بحب الشقة دي و عايزة أقعد فيها!!!
سارت انامله على وجهها ليقول بنظرات عاشقة:
- حبيبتي أنتِ مقامك قصر، مش شقة..أنتِ ملكة!!!!
ذابت أنظارها لترفع ذراعيها محاوطة عنقه، واضعة رأسها على كتفيه قائلة بو:
- ربنا يخليك ليا يا ظافر!!!
• • • •
دلف لغرفتهم ليجد الأنوار مفتوحة ولكنها مستلقية على الفراش غارقة في سُبات عميق، نزع عن جسده سترته السوداء، ثُم حرر أزرار قميصه ليُلقي به أرضاً بإرهاق، ألقى بجسده على الفراش جوارها لينظر لوجهها المُقابل لوجهه، شفتيها أناملها الصغيرة الموضوع على الوسادة جوارها، و ما ترتديه من منامة ثقيلة، لينظر للأنوار المضيئة، بإنزعاج، فهو لازال لم يعتاد أن ينام والغرفة مضيئة بهذا الشكل، ولكن عندما كان يرى ذعرها عندما يغلقهم كان يُطيح بـ راحته أرضاً ثم يُنيرهم لها مجدداً، حاول معرفة السبب منها ولكنها لم تقول له أي شئ، لينهض عازماً على أن تواجه مخاوفها، و أنه بجانبها لن يترك الظلام يبتلعها، أطفئ الأنوار ليعود هو مستلقياً بجوارها، لاحظ تململها ليرفع حاجبيه بشدة فيبدو أنها ترتعب من الظلام أكثر مما يجب، أمتد ذراعه أسفل رأسها ليأخذها بأحضانه بحذرٍ، لينتفض جسدها برُعب تُزيحه من صدره بعيداً صارخة بإهتياج وبلا وعي:
- لاء لاء النور.. ولع النور!!!!!
أحتضن جسدها بقوة مشدداً عليه كي لا يمكنها التحرك إنشاً مبتعداً عنه، يمسح على خصلاتها بلُطف قائلاً بنبرة هادئة:
- هششش أهدي يا حبيبتي، مافيش حاجة هتجرالك و أنا معاكي، لازم تواجههي الحاجة اللي بتخافي منها وتقفي قدامها، مينفعش يبقى عندك نقطة ضعف!!!!
لم تؤثر بها كلماته لتتشبث بعنقه بقوة تُخبئ وجهها بصدره مطبقة على عيناها بشدة تهتف في رعب:
- لو بتحبني يا جواد أفتح النور عشان خاطري يا جواد أنا خايفة!!!!!
دفن وجهها بصدره أكثر يهتف بحزمٍ رغم تألمه لتوسلاتها التي كادت أن تُضعفه:
- أنا عشان بحبك مش عايزك تبقي خايفة من حاجة، أنتِ بتثقي فيا صح!!!!
أومأت سريعاً وهي لازالت تبكي بأحضانه، لينثنى مقبلاً مقدمة رأسها قائلاً بحنو:
- يبقى لازم تعرفي أن محدش هيأذيكي و أنا معاكي ولا حد يقدر ييجي جنبك أصلاً وأنتِ في حُضني، كل اللي في دماغك دة من عقلك الباطن ومش حقيقي، لازم تواجههي مخاوفك!!!!
حاوطت خصره بأذرعٍ مرتجفة، تستمع إلى حديثه وهي تحاول إدخال الطمأنينة إلى قلبها، فتحت عبناها ببطئ لتطالع نقطة ما في الفراغ، فوجدت أبيها يقف جاحظاً بعيناه المخيفة لها والتي تحولت لجمراتٍ كالنار ينظر لها بنظرات أرعبتها، لتصرخ "ملك" صرخات جعلت من بالقصر ينتفض هلعاً، لتضربه على صدره بعنف صارخة:
- أبعد عني بقا!!!!!
لتقفز "ياسمين" هلعاً من فراشها، و "إيناس" التي صعدت لهما بجزعٍ لتطرق على الباب ثم دلفت وفتحت الأنوار، لترى "ملك" في حالة إنهيار تام و "جواد" يحاول تهدئتها، لتركض لها "إيناس" قائلة بإرتعاد:
- في أيه يا حبيبتي!!!!!
أبتعدت "ملك" عن أحضانه لترتمي في أحضان "إيناس" التي تلقتها بصدرٍ رحب مربتة على خصلاتها برفق قائلة:
- أهدي ياقلبي خلاص مافيش حاجة!!!
نظرت إلى "جواد" الغاضب لتهتف بغرابة:
- في أيه يابني أيه اللي حصل!!!!!
رمقها "جواد" بقنوط لينزع الغطاء بعيداً عنه ثم نهض من الفراش يحفر الأرض أسفل قدميه، ليخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه مما جعل جسدها ينتفض أكثر تحتضن "إيناس" التي مسحت على خصلاتها بحنان أموي قائلة:
- أهدي بس يا ضنايا متعمليش في نفسك كدة، جواد ضايقك طيب ضربك؟!! قوليلي عمل معاكي حاجة ضايقتك ريحي قلبي يابنتي!!!!!
بكت "ملك" بقوة متشبثة بعباءتها، تهتف بحزن وسط أنتفاضات جسدها:
- أنا بخاف من الضلمة.. و.. هو مصمم يطفي النور وينيمني فيها!!!!
ربتت على ظهرها لتهدهدها قائلة بعقلانية:
- يا حبيبتي هو أكيد مش قاصده هو بس بيقنعك أنك مينفعش تخافي من حاجة بس يمكن هو كان قاسي معاكي شوية أبني و أنا عارفاه!!!!
نفت هي برأسها بقوة، فهو لم يكُن قاسياً معها أبداً بل على العكس كان يُعاملها برفقٍ شديد، أنبها ضميرها لما فعلت معه وما قالته له، لتبتعد عن "إيناس" قائلة بخفوت:
- هو فين يا ماما!!!!
تنهدت "إيناس" بحيرة لحالتهما، لتقول بهدوءٍ:
- هتلاقيه في أوضة التدريب بتاعته هو لما بيتعصب بيروح يتدرب فيها، هتلاقيه آخر أوضة في الممر!!!
أومأت "ملك" بطفولية لتنزع الغطاء عنها ثم دلفت خارج الغرفة، لتضرب "إيناس" كفاً بأخر مبتسمة وهي تقول:
- والله مجانين!!!!
أتجهت "ملك" بأقدامٍ حافية تسير في الممر بهوادة، لتقترب من الغرفة الأخيرة، سمعت صوت أنفاسٍ عالية مهتاجة، زفرات تعلو و تهبط وصوت لكماتٍ عالية، لتفتح الباب قليلاً فوجدته يضرب كيس الملاكمة بعنفٍ، يلكمه ويلكمه و حبات العرق تتساقط على عضلات صدره بقوة، تزامناً مع تساقط دمعاتها التي تلهب وجنتيها، لتفتح الباب على آخره ثم دلفت، لم يرمُش له جفناً و هو لازال على حالته المزرية، أقتربت "ملك" من كيس الملاكمة قاصدة تقلص المسافات بينهما، ولكن كاد كيس الملاكمة أن يرتطم بوجهها ليسرع "جواد" بالإمساك به و من ثم هي أرتدت بخوف، نظرت له بندمٍ لتتجه له مجدداً ثم ثم نظرت إلى ذراعيه الممسك بكيس الملاكمة لتنحني لأسفل ثم دلفت لبين ذراعيه تبقي في مواجهته و هو يحاصرها بذراعيه القابضين على كيس الملاكمة، وبدون مقدمات ألقت بنفسها في أحضانه محاوطة خصره بقوة وهي تقول بحزن:
- جواد أنا أسفة!!!!
لم يتكبد عناء النظر لها و هو لازال ينظر لكيس الملاكمة ولم يعيرها أنتباه، لتشدد "ملك" على عناقة، فلم تتحمل لتجهش بالبكاءٍ عندما لاحظت بروده، لتدفن "ملك" أنفها بصدره قائلة بنبرات مهتزة:
-لما كنت صغيرة وكنت بعمل حاجة غلط حتى لو كانت تافهه، كان بابا واللي حرام يتقال عليه أب، كان بيحبسني في أوضة في البدروم، الاوضة دي كان معروفة أنها باردة أوي وفيها فيران منهم اللي أتجمد من كُتر البرودة اللي فيها، كانت ضلمة أوي أوي لدرجة أنك تبقى مفتح كأنك مغمض بالظبط، لما ماما كانت تحاول تطلعني وتزعق معاه كان بيحبسها في أوضتهم و بينزل فيها ضرب، حتى باسل ومازن مكانش بيخليهم يقربولي أو يطلعوني من الأوضة، وبابا دايماً كان يحاول يشتت أنتباه ظافر عشان ميعرفش أني في الأوضة دي، لأن هو الوحيد اللي يقدر يطلعوني منها عشان بابا مكنش بيرفضله طلب، ولما كان بيعرف أني في الأوضة دي بيزعق معاه وبيطلعني، ولما كان يشيلني ويوديني أوضتي جسمي بيبقى متلج وشفايفي زرقا من البرودة، ماما كانت تفضل سهرانه جنبي طول الليل رغم جسمها المهدود من كُتر الضرب، لحد م جالي فوبيا من الضلمة، في الأول لما كنت بدخل الأوضة كنت بفضل أصرخ و أصرخ عشان ظافر يطلعني، قلبي كان هيقف من الخوف وانا سامعة صوت الفيران جنبي و البرد اللي في الأوضة والضلمة!!!!
أنزل ذراعيه من على كيس الملاكمة بعينان تتوسع شيئاً فشيئاً، يكاد يجن مما كانت تُعانيه حبيبته. ليحاوط خصرها بذراعٍ، وبالأخر أمسك بعنقها من الخلف ليضمها له مغمضاً عيناه، وشهقاتها تنفطر لها قلبه!!!!
تابعت "ملك" مشددة على أحتضانه وكأنها تستمد القوة منه لتهتف بشهقات باكية:
- عشان كدا لما كنت بتيجي وأنا صغيرة كنت بجري عليك و أترمي في حضنك و أعيط، مكنتش عارفة ليه بعمل كدا أو حتى لما بتسألني مالك مكنتش عارفة أقولك أيه، بس أنت أماني يا جواد حُضنك كان بينسيني أي حاجة وحشة عملها معايا، مكنتش قادرة أقولك على اللي بيحصل عشان عارفة أنك مكنتش هتسيبه، ولحد لما كبرت وأنا لسة بخاف من الضلمة أو أني أبقى لوحدي، أنا بكرهُه يا جواد ولما مات بالكانسر كان كله بيواسيني ويطبطب عليا ومش بيصدقوا لما كنت أقولهم أني كويسة، لما طفيت النور وحضنتني والله مكنتش هعمل حاجة ولا هعيط وكنت هنام في حضنك عشان أنا لما ببقى معاك بنسى أي حاجة، بس أنا شوفته يا جواد، شوفت عيونيه الخضرا واللي كانت منورة في الضلمة و هو بيبرقلي، نفس البصة اللي كان بيبُصها لما بيدخلني الأوضة، لما قولتلك أبعد عني مكنش قصدي أنت والله، أنا كنت بقوله هو اللي يبعد مش أنت!!!!!
أجهشت في بكاءٍ مرير ليحتضنها "جواد" بقوة لتفر دمعة من عيناه أزالها ببطئ، يمسح على خصلاتها الطويلة وهو يُخفي جسدها الضئيل بجسده الضخم، يهدئها بكلماتٍ حنونة جعلت رأسها ترتخي على صدره، أنحنى بجزعه ليضع ذراع خلف ركبتيها والأخر على ظهرها، ليحملها بخفو كالريشة بين ذراعيه، لتستند هي برأسها على كتفه، تحاوط عنقه بذرايعيها، أتجه بها إلى غرفتهما التي غادرتها "إيناس"، ثم دفع الباب بقدميه ليغلقه، ترك الأنوار مفتوحة لتتمسك هي بعنقه ثم هتفت:
- أطفي النور!!!!!
نظر لها بلُطف ليقول:
- لاء ياحبيبتي خليه!!!
نفت سريعاً قائلة وهي تمسح دمعاتها:
- لاء أطفيه يا جواد وأنا معاك مش بخاف من حاجة!!!
أنثنى بثغره مقبلاً جبهتها قبلة مطولة أغمض بها عيناه، ثم حملها بذراعٍ واحد بسهولة و أغلق الأنوار، ليتجه إلى الفراش، جلس وهي بأحضانه ليجعلها تجلس على قدميه، ثم أمسك بذراعيها وحاوط بهما عنقه لتستند برأسها على كتفه العاري، لتهتف بخجلٍ:
- جواد خليني أنام على السرير عادي!!!
أردف بحزمٍ:
- من هنا ورايح مش هتنامي غير في حُضني كدا!!!!
نظرت لعيناه الخضراوتان قائلة:
- أنا بس مش عايزة أبقى تقيلة عليك!!!
أبتسم بسُخرية قائلاً:
- تقيلة مين بس دة أنت عاملة زي الطفلة، والله أنا لو واخد بنت أختي اللي لسة مجاتش في حُضني كانت هتبقى تقيلة عنك!!!!
أستندت برأسها على عنقه، ثم طبعت قبلة على كتفه ليبتسم هو بعشقٍ، و أنامله تصعد و تهبط على ظهرها، في لمساتٍ جعلتها تغرق في النوم، ليبقى هو فاتحاً جفنيه لم يزُره النوم، ليتمتم بنبرة قاسية مُرعبة:
- المرض رحمُه مني!!!!!
• • • •
- بقالكوا 3 شهور مش عارفين تلاقوا مراتي، الأرض أنشقت وبلعتها يعني!!!!
هتف "باسل" و هو يضرب بكفيه على مكتب الضابط أمامه، ليزفر الأخر بضيق قائلاً بعقلانية:
- يا بيه أهدى لو سمحت و أقعد نتكلم!!!
زمجر "باسل" ليجأر به بقسوة:
- أهدى!!!! أهدى و أنا مش عارف مراتي و أبني اللي في بطنها فين، أكتر من 3 شهور مش عارف حتى إذا كانت عايشة ولا حصل فيها حاجة، مش عارف بتاكل وتشرب منين و أنا هنا متكتف مش عارف أعمل حاجة و لا أنتوا عارفين تلاقوها، متقوليش أهدى عشان مهدِش القسم دة على دماغكوا!!!!
نفذ صبر الضابط لينهض هادراً به بعنف شديد:
- بقولك أهدى يا باسل بيه عشان نتفاهم مراتك أنا بدور عليها بنفسي من 3 شهور و قوى بحالها بتحاول تلاقيها مش موجودة في أي حتة أحنا مش ناقصين غير أننا نخبط على البيوت ندور عليها!!!!
مال "باسل" بجزعه للأمام واضعاً كفيه على المكتب ليكُن في مواجهته، يهتف بنبرة مخيفة:
- لو وصلت أننا نفتش البيوت عليها، نعمل كدا!!! مش دة شغلكوا!!!
ضرب الضابط كفيه معاً بقلة حيلة، ثم جلس على مقعده ليُضيق عيناه قائلاً:
- يا فندم المدام بخير أكيد أهدى بس أحنا مش ساكتين بندور عليها في كل حتة بس مش لاقيينها صدقني، مافيش حل غير أنها ممكن لا قدر الله حصلها حاجة و جثتها مش موجودة!!!!!
جحظت عيناه مشتعلة بنيران تأكل أحشائه لينتصب واقفاً ثم ألتفت له، ليقبض على تلابيبه بقوة حتى ينهض، ثم نهره بعنفٍ قائلة بنبرة أرعبة المسكين:
- جثة مين يا روح أمك!!!!
ثم دفعه بعيداً ليسقط الأخير على مقعده مجدداً، ألقى "باسل" نظرات مشمئزة عليه ثم خرج من المكتب و من قسم الشرطة بأكمله، متجهاً نحو سيارته، ثم أستقلها ليلكم المقود بعنف ينفث عن غضبه به!!!!
• • • •
لوت "رقية" شفتيها بسُخرية ممسكة بالهاتف على أذنها من صراخ شقيقتها عليها لِما فعله ولدُها بأبنتها، لتنفلت الأخرى أعصابها تهتف بحدة:
- مش بنيتك هي اللي وجَعت بين ولَدي و مرَته يا حُسنية!!!!و لا هي ماشية بالمثل بتاع ضربني وبكا وسبجني و أشتكى، دي خربت على أبني و هو بيدوّر على رهف زي المچنون، من الأخر إكده بنتك غلطت غلط واعر، ربيها الأول أنتِ و أبوها يا حُسنية وبعدين أتحدتي (أتكلمي) معايا!!!!!!
ثم أغلقت الهاتف بوجهها بضيق، تجلس على الأريكة لا تعلم أتخبره بمكان زوجته أم تتركه يتعذب قليلاً لكي يعلم قيمتها، ولكنها أم بالنهاية يتمزق قلبها لرؤيته معذباً هكذا!!!
ضغطت على أزرار الهاتف بقلة خبرة ثم حاولت الإتصال بـ "رهف" التي لم تُجيبها، عادت الكرة عدة مرات تحاول الوصول لها ولكن لا جدوى ليعتصر قلبها قلقاً خوفاً من أن يكُن مكروهاً أصابها وهي بمفردها في تلك الشقة، أسرعت تهاتف "ملاذ" التي أجابت سريعاً:
- خير يا ماما في حاجة!!!
وثبت "رقية" قائلة برجاء:
- ملاذ يا بنتي سايج عليكي النبي برن على رهف مش بترُد و خايفة يكون حصل فيها حاچة!!!
أنقبض قلبها لتنهض ثم تحركت في الشقة بخطوات سريعة قائلة:
- طب أهدي يا ماما أنا هنزل أروحلها دلوقتي وهي أكيد كويسة إن شاء الله مافيش حاجة!!!!
• • • •
أسرعت "ملاذ" بمغادرة المنزل دون أخبار "ظافر" الذي ذهب لعمله، ثم جذبت هاتفها ومفاتيح سيارتها، أستقلتها لتقودها سريعاً بذهن مشتت، أمسكت بالهاتف ثم هاتفت "ظافر" لتضعه على أذنها، ولكنها وجدت الهاتف مُغلق، لتصُك على أسانها ثم ألقت به على المقعد جوارها هاتفة بقنوط:
- قافل موبايلك ليه يا ظافر!!! ياربي!!!
وقفت بسيارتها أمام البناية لتترجل سريعاً، تجتاز البواب الذي رحّب بها فهي كانت تأتي كثيراً لها طيلة تلك الأشهر العصيبة، صعدت "ملاذ" بالمصعد ثم وثبت أمام الباب، لتطرق بعنف قائلة بنبرة شبه راجية:
- رهف.. رهف أفتحي بسرعة متقلقنيش عليكي!!!!
ظلت تطرق عدة دمرات ولا مجيب، ليسقط قلبها قلقاً على صديقتها، لتُنادي على البواب بصوت حاد، فصعد لها البواب سريعاً، فأخبرته "ملاذ" بأن يحطم الباب، وبالفعل ظل البواب ذو الجسد الهزيل بعض الشئ يرتطم بجسده بالباب عدة مرات حتى كُسر، لتركض "ملاذ" بأقصى ما لديها، بحثت بعيناها عليها ولكن لم تجدها لتتجه إلى المرحاض، وجدت الباب شبه مغلق لتفتحه بيداها بهدوء، أرتدت للخلف بعنف تُصدر شهقة كادت أن تصم أذنيها وهي ترى "رهف" كالجثة الهامدة على أرضية المرحاض حولها بقعة من الدماء تُلطخ ملابسها!!!!!!
• • • •
جلست "ملاذ" على مقعد باردٍ من مقاعد المشفى، والحوائط حولها تُطبق على أنفاسها، لا تستطيع التوقف عن البكاء وكيف تفعل و صديقتها تصارع الموت بالداخل، هي لا تستطيع الصمود وحدها أمام كل هذا، نظرت للممر لتجد "ظافر" متجهاً نحوها، نهضت "ملاذ" ثم ركضت تجاهه لترتمي بأحضانه تتشبث به بقوة دافنة وجهه بتجويف عنقه ، حاوطها "ظافر" من خصرها مربتاً على خصلاتها قائلاً بهدوء:
- أهدي يا حبيبتي إن شاء الله هتبقى كويسة،أنا أسف أن موبايلي كان مقفول بس لما بعتيلي رسالة وشوفتها جيت ع طول..!!
بكت "ملاذ" أكثر وهي تقول برعب:
- أنا خايفة عليها اوي ياظافر، وخايفة على البيبي اللي في بطنها لو مات هي مش هتستحمل أنا عارفة!!!
أبعد وجهها عن أحضانه ليكوبه ينظر لها بدفء، ثم زال دموعها برقة قائلاً بلُطف:
- صدقيني هي والبيبي هيبقوا كويسين، أنتِ ناسية أنها في المستشفى بتاعتنا يعني هما هيعملوا اللي عليهم و زيادة!!!!
وضعت كفيها على كفيه وهي تومأ براحة، فهو فقط من يستطيع إحتوائها وأطمئنانها، هو يمثل الأمان لها بكل ما للكلمة من معنى!!!
أخذها من كتفيها ليجلسا، ثم وضع رأسها على صدره يمسد على خصلاتها قائلاً بصوت هادئ:
- قوليلي بقا أيه اللي حصل من الأول!!!!
هتفت "ملاذ" بعينان أنهمرت منهما الدموع:
- ماما كلمتني وقالتلي أنها بترن على رهف كتير بس مش بترد، وانها قلقانة عليها أوي، أنا روحت نزلت وخدت العربية وروحتلها ورنيت عليك موبايلك كان مقفول، لما قعدت أخبط وهي مفتحتش البواب كسر الباب، دخلت يا ظافر لقيتها واقعة في الحمام تقريباً غرقانه في دمها، البواب كلم الأسعاف وجينا على المستشفى هنا!!!!
تنهد "ظافر" ثم قبّل خصلاتها، يهتف بشرود:
- أنا لازم أقول لباسل!!!!
أنتفضت "ملاذ" كمن لدغتها عقربة، لتهتف برفضٍ قاطع:
- لاء!!!!
أحتدت عيناه ليقول بصرامة:
- ملاذ مراته و أبنه في خطر لازم يبقى عارف ومعاهم أنتِ متعرفيش حالة باسل عاملة أزاي و هو بيلف حوالين نفسه علشان يلاقيها، أنا هكلمه وهخليه ييجي!!!!
-يا ظافر أرجوك أحنا منقدرش ناخد قرار زي دة من غير م هي تبقى عارفة و موافقة، أنت متعرفش هي عانت أزاي بسببه طول الـ 3 شهور دول، لو سمحت يا ظافر بلاش..!!
مسح وجهه بعنف ليهتف قائلاً بحدة أخافتها:
- يا ملاذ يقولك باسل أخويا وأنا مينفعش أسيبه في الحالة دي!!!، ييجي يشوفها وبعدين يعملوا اللي هُما عايزينه!!!
تضايقت "ملاذ" من صراخه عليها، لتبتعد عن احضانه لتجلس على مقعد بعيداً عنه تماماً، زالت دمعات عيناها ثم نظرت للجهة الأخرى بحزن، ليزفر "ظافر" بضيق وبات يختنق من دلالها الزائد، ولأول مرة لم يحتضنها و يواسيها، لينهض "ظافر" مخرجاً هاتفه من جيب بنطاله، ثم مضى لخارج المشفى تاركاً "ملاذ" تنظُر في أثره بحزن!!!
وقف "ظافر" بالخارج يتنهد بقوة محاولاً إدخال الهواء برئتيه، ثم ضعط على شاشة هاتفه ووضعه على أذنه، ليسمع صوت "باسل" يهتف بنبرة لا حياة بها:
- أيوا يا ظافر..
لانت نبرة صوته ليهتف بلُطف:
- باسل تعالى ضروري لمستشفى الهلالي!!!
أنتفض "باسل" من فوق أريكته هاتفاً بقلق:
- في أيه حد عندك حصله حاجة!!!!
تنهد "ظافر" بإشفاق، ليرمي بقنبلته في وجهه:
- رهــــف!!!!!
شُخصت أبصاره بعيناه السمراء، لتتراخى يداه رويداً فوقع الهاتف مرتطماً بالأرضية، وقع قلبه أرضاً ليستند على مكتبه بالشركة، جذب بذلته ثم ركض بأقصى سرعة لديه خارج المشفى، تاركاً أعين الموظفون ينظرون له بدهشة، ليهرول "باسل" نحو سيارته، ثم قفز لها ليستقلها و هو يكاد يسابق الرياح في سرعته، كان سوف يفتعل الكثير من الحوادث ولكنه تفادها بمهارة سائق خبير، عيناه تضُج بالدماء لما يُآسيه من نوم أفتقد معناه، راحة لم يعرف لها طريق منذ أن ذهبت بعيداً، قلبٍ أنفطر عما حدث لها، هو أهانها جعلها بعيناها كفتاة ليل، خائنه لا تستحق الغفران أو الرحمة، هو دمرها ويستحق أي شئ تفعله به، ولكنه لا يستحق أن تتركه وتذهب بلا عودة، لايستحق ذلك الألم الذي يعصف بقلبها الذي لا يستطيع تركها، لا يُريد تقبل أنها ممكناً أن تتركه وحيداً، أتى في عقله الكثير من السينوريهات حول أنها لربما تشردت و وجدها "ظافر" ثم ذهب بها للمشفى، أو لربما تعرضت لأشياء أقسى بكثير!!!!!
وصل "باسل" بذهن يكاد ينفجر، ليجد "ظافر" يقف على عتبة المشفى، ركض له يقبض على كتفيه قائلاً برجاء:
- هي فين!!!!!
أشار "ظافر" للداخل قائلاً بشفقة:
- جوا .. أوضة 210 الدور التالت!!!!!
تركه "باسل" ثم ركض بأقصى سرعة للداخل مسقلاً المصعد، ليضغط على الطابق الثالث فينفتح المصعد، ركض في الممر ليجد "ملاذ" جالسة تبكي بحُرقة، أتجه لها بذهول ليقبض على كتفيها بعنف منحنياً لها:
- هي فين ياملاذ!!! مراتي فين!!!!
بكت "ملاذ" أكثر تُخفي وجهها داخل كفيها، لتهرب الدماء من وجهه، لانت نبرته ليهمس بخفوت:
- متعيطيش.. هي هتبقى كويسة أكيد أنا عارف!!! هي لازم تقوم عشان تاخد حقها مني، لازم تُردلي الألم أضعاف على اللي عملته فيها، هي مش هتسيبني أنا متأكد!!!!
تركها "باسل" ليلتفت للغرفة المقابلة، فوجد الزجاج موضوع فوقه ستار تمنعه من رؤيتها، لينظر لذلك المصباح الأحمر والذي يُشير بوجود عمليه جراحية داخل الغرفة، أندفع نحو الباب ليطرق عليه بقوة شديدة، يصرخ بصوتٍ أهتزت له المشفى:
- أفــتــحــوا!!!! رهــف!!!!
أندفعت نحوه "ملاذ" تمسك ذراعه قائلة برجاءٍ:
- باسل أهدى والنبي كدا خطر عليها!!!!
دفعها"باسل" بقوة صارخاً:
- أبعدي عني!!!!
كادت "ملاذ" أن تسقط بعد ان اختل توازنها، ليأتي "ظافر" على هذا المشهد، أشتعلت حدقتيه لهيباً ليتجه نحو أخيه الذي فاتت زمام الأمور منه، ثم أمسك كتفيه يُحكم قبضته عليه يصرخ به:
- أهدى بقا أنت مش في وعيك!!!
ألتفت له "باسل" ليدفعه بعيداً مزمجراً بضراوة:
- متقوليش أهدى!!! أنت مخسرتش مراتك متعرفش يعني أيه تكون هي بتموت و أنت متكتف مش عارف تعمل حاجة، متحرمتش منها أو من أبنك اللي لسة مطلعش للدنيا 3 شهور متعرفش عنهم حاجة ولا تعرف هما فبن وبياكلوا ولا لاء وبيتعمل فيهم أيه!!!! أنت متعرفش يعني أيه قلبك يبقى هيتقطع لما عرفت أنك ظالمها وأنها أتبهدلت بسببك و أنها دلوقتي في الأوضة دي وبردو بسببك، متقوليش أهدى و أنت معشتش اللي أنا عيشته فاهم!!!!!
تجمدت ملامح وجهه، لتتحول عيناه من زبتونية مشرقة إلى منطفئة باردة، ليبتسم بهدوءٍ أبتسامة أوحت بالألم الذي يُعانيه من داخله:
- معاك حق!!!!!
ذهب "ظافر" بعيداً عنهم، ليمسح "باسل" وجهه بشراسة يسُب نفسه، ثم نظر إلى "ملاذ" ليهتف بلُطف:
- ملاذ روحي وراه لو سمحتي، وقوليله أنا أسف مكانش قصدي أقوله كدا!!!!
أومأت "ملاذ" بإبتسامة متكلفة، ثم ركضت خلف "ظافر" الذي أتجه إلى أحد المقاعد بالطابق الثاني، اتجهت "ملاذ" نحوه لتجده يجلس مستقيماً عائداً برأسه للخلف يسندها على المقعد مغمضاً عيناه، جلست "ملاذ" بجانبه لتنظر له مستندة بذراعها على ظهر مقعدها، تنظر لملامحه التي جذبتها منذ أن رأته، لتميل نحوه مستندة بأنفها على وجنته اليُسرى، تُغمض عيناها بعشقٍ، تستنشق رائحته التي تُعيد الحياة لها، رفعت كفها لتحاوط وجنته اليُمنى، ثم طبعت قبلة صغيرة على وجنته ليلتوي ثغره بإبتسامة أبتسمت هي أيضاً لأجلها، ومن ثم أقتربت أكثر لتُقبل طرف ثغره، أتعت أبتسامته ليفتح عيناها، ففتحت هي الأخرى عيناها ببطئ، تنظر لعيناه شديدة الجمال، ليلتفت لها "ظافر" ينظر لها، ثم مال مقبلاً عيناها التي أغمضتها، ثم سقط بشفتيه أكثر مقبلاً وجنتها الممتلئة، وطرف ثغرها، ثم توصل إلى مبتغاه، ليقبل شفتيها عدة قبلات رقيقة كادت أن تُذيبها، لتهتف بين قبلاته بنبرة خافتة متلعثمة:
- ظافر أحنا في المستشفى!!!!
لم يُبالي "ظافر" بما تقوله فالطابق فارغ لا يوجد به سواهما، ليُمسك بتجويف عنقها يُطبق بشفتيه على شفتيها، محاوطاً خصرها بتملك، ليبتعد عنها بعد دقائق يهتف بمزاح ونبرة لاهثة:
- هو أنا ممكن أكلِك صح!!!!
ضحكت "ملاذ" بصوتٍ خفيض لتحاوط عنقه بذراعيها، تُقبل وجنته قائلة بنبرة حزينة:
- متزعلش منه ياحبيبي، رغم أني مضايقة من اللي عمله في رهف بس هو بيحبها وصعب عليه اللي بيحصل!!!!
تقافز إلى ذهنه ما رمى به أخيه من كلماتٍ كالسهام المسمومة، ليحاوط خصرها بقوة قائلاً بهدوء:
- أنا مش زعلان منه!!! أنا زعلان عليه!!!!
حاوطت عنقه أكثر مشددة عليه، تهتف يقلبٍ مُنقبض و عينان زائغتان:
- ظافر هو أنا لو موت أو حصلي حاجة وحشة زي ما باسل قال هتعمل أيه!!!!
أشتعلت عيناه غضباً ليُبعدها عنه صارخاً بحدة:
- قولتلك قبل كدا بلاش تجيبي سيرة الموت على لسانك وباسل دة متخلف مش عارف بيقول أيه!!!!!
أرتعبت من صراخه عليه لتتحرك شفتيها قائلة بنبرة حزينة:
- كُلنا هنموت يا ظافر، أنا بس بسأل!!!!
ضرب "ظاف" الحائط جوارها هاتفاً بعنف شديد:
- متسأليش، ورحمة أبويا يا ملاذ لو قولتي حاجة زي دي مرة تانية متعرفيش أنا هعمل أيه!!!!
نظرت له بحدقتيّ برقت بدموع أبت السقوط لتهتف ببراءة:
- متزعقليش كدا!!!!!
لانت نظرات عيناه عندما شاهد عيناها الجميلتان أغرورقتا بالدموع، ليحاوط وجهها بكفيه ثم مال طابعاً قبلات على وجنتيها اليُمنى و اليُسرى قائلاً بحنو:
- حاضر!!!
زمت شفتيها بقنوط لتبتعد عنه محاوطة ذراعيها لصدرها، تقول بحزن:
- لاء أنا زعلانه منك!!!!
أبتسم على برائتها ليحاوط خصرها من الخلف بذراعيه مستنداً برأسه على كتفها، قائلاً بصوتٍ رجولي:
- لاء متزعليش..!!!
نفت برأسها وهي تؤكد على حزنها، ليُقبل هو عنقها عدة قبلات قائلاً بخبث:
- على فكرة أنا لسة محاسبتكيش على اللي عملتيه!!!
ألتفتت له قائلة بغرابة:
- عملت أيه؟!!
كتف ساعديه بقوة قائلاً مضيقاً عيناه بتحذير:
أولاً سيادتك نزلتي لوحدك ومن غير م تستأذنيني حتى لو الفون كان مقفول كنتي ترني على فون الشركة، تاني حاجة أنك خليتي باسل يمسكك من دراعك و دي فيها موتك و موته، تالت حاجة أنك روحتي سيادتك ومسكتيه من دراعك يعني هببتيها أكتر، تالت حاجة بقا أنك نزلتي بشعرك وسيبتيه مفرود و أنتِ عارفة أن موتي وسِمي تنزلي وشعرك مفرود!!!!
جحظت بعيناها لتلتفت له قائلة بصدمة:
- يعني أنت قلبتها عليا دلوقتي وبقيت أنا اللي غلطانه!!!! وبعدين أنا كنت بواسي باسل و كمان انا معرفش رقم الشركة عندك عشان أتصل بيك، دة غير أن من حقي أنزل وشعري مفرود ع فكرة دة شعري أنا!!!
قالت وهي تضع كفيها على خصرها، لينظر لها "ظافر" مُضيقاً عيناه ثم مال بجزعه عليها يضع كفيه على المقعد جوارها يهتف بحدة:
- وأنتِ مالك بيه أصلاً تواسيه ليه، أنتِ تواسيني أنا، و تحطي إيدك عليا أنا، وتسيبيني أنا اللي ألمسك وشعرك دة تسيبيه مفرود ليا أنا بس يا هانم فاهمة!!!!
تراجعت للخلف لتتوسع عيناها من مهاجمته لها، لتومئ برأسها سريعاً قائلة بدون تفكير:
- حاضر والله فاهمة!!!!
كتم أبتسامته ليُميل على ثغرها ثم طبع عليه قبلة سريعة مبتعداً عنها، يقول بإبتسامة متشفية:
- ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا!!!!!
• • • •
هاتف "ظافر" والدته و "فريدة" التي كانت بالمشفى بالأساس، و شقيقته "ملك" و زوجها لكي يأتوا!!!
أقتربت "فريدة" من "ملاذ" لتحتضنها بإشتياقٍ:
- وحشتيني أوي يا ملاذ..!!!
بادلتها "ملاذ" العناق بودٍ قائلة:
- والله أنتِ أكتر ياحبيبتي، بس أيه يا بنتي الحلاوة دي!!!
أبتسمت "فريدة" بتهكمٍ، فهي بالفعل أزدادت جمالاً، ولكن قلبها أُصيب بالشيخوخة!!!
لتهتف لكي تُغير مجرى الحديث قائلة:
- ليه مش قولتوا من الأول أن رهف هنا أنا من بدري و أنا في المستشفى، هي لسة في العمليات صح!!!
ألتفتت لتنظر لغرفة العمليات الجراحية، لتجد "باسل" يقف مكتفاً ذراعيه، مستنداً برأسه على الحائط وجهه تجمعت على صفحاته معالم الإرهاق بأكملها، لتتوسع عيناها عائدة بنظرها إلى "ملاذ" تُشير له قائلة بخفوت:
- هو أزاي ييجي هنا!!!!
أشارت لها بالصمت لتمتم بنبرة لم تسمعها سوى "فريدة:
- ظافر أتصل بيه عشان ييجي رغم أني قولتله لما رهف تفوق الأول، بس هو صمم ياستي!!!!
أومأت "فريدة" تشفق على حالة "رهف" قائلة بقلق:
- ربنا يُستر!!!
تابعت "ملاذ" متسائلة بإهتمام:
-متعرفيش حاجة عن مازن يا فريدة؟!!!
خفق قلبها بعنف لمجرد ذِكر أسمه، لتنظر بجوارها قائلة بجمودٍ:
- لاء، ومش عايزة أعرف!!!!!
تنهدت "ملاذ" بأسى على حال رفيفتها، لتربت على كتفيها قائلة بتأكيد:
- أنتِ بتحبيه يا فريدة بس بتعاندي!!!!!
نظرت لها "فريدة" بحدة لتهتف بنبرة خافتة ولكن غاضبة:
- أنا مش بحبه يا ملاذ!!!أنا مش هحب واحد أذاني و لسة بيأذيني، مش هحب واحد حياتي معاه كانت كلها هم وقرف، اكيد مش هحب واحد سابني ومشي ومعتبر أن جوازنا غلطة!!!! أنا مش عايزاه يرجع، أنا يادوب لسة بحاول أرممم قلبي اللي أتكسر بسببه، لو رجع هنطلق ومش هستنى دقيقة واحدة!!!!
أستمعت لها "ملاذ" بقلبٍ منفطر عليها، فقد أخبرها "ظافر" منذ عدة أيام أن "مازن" أُصيب بمرض القلب الوعائي مع تشديدٌ صارم عليها ألا تخبر "فريدة" أو والدته أو "ملك"، لتنظر لها "ملاذ" بحزن ولم تعقب!!!
أقتربت "ملك" من والدتها لترتمي بأحضانها ببكاءٍ:
- وحشتيني أوي يا ماما، رهف مالها أيه اللي حصل!!!!
أحتضنت "رُقية" أبنتها بشوقٍ، فهي كانت تُخبرها بكُل ما حدث بين "رهف" و "باسل"، لتقُص لها "رُقية" ما حدث، تخبرها بقلقها الشديد لمجئ "باسل" المفاجئ، والذي سيقلب الدنيا ولن يُقعدها إن علِم بأنهما جميعاً كانا يعلما أين زوجته، لتهتف "ملك" بتساؤل:
- طيب فين عمتو سُمية يا ماما!!!
هتفت "رُقية" وهي تقلب شفتيها بإقتضاب:
- لمت هدماتها ورِجعت يابنيتي، حاولت أخليها تجعد شوية بس هي موافجتش!!!
أومأت "ملك" براحة متمتمة بخفوت:
- أحسن بردو!!!!
خرج الطبيب يُزيل حبات العرق المتكونة على جبينه، ثم أزاح كمامة وجهه، لينتفض الجميع متجهين له في مقدمتهم "باسل" الذي هتف بقلقٍ أهتزت له خلايا جسده بأكملة:
- في أيه يا دكتور مراتي كويسة!!!
أومأ الطبيب بأسف ليهتف قائلاً:
- المدام كويسة أحنا قدرنا نوقف النزيف، بس للأسف الجنين مات!!! البقاء لله!!!!!!
شهق الجميع بصدمة ليخفضوا رؤوسهم بحزن، لاسيما "رُقية" التي هتفت بأسى شديد:
- لا حول ولا قوة إلا بالله!!!
حدق "باسل" في الفراغ، لتلتمع عيناه بدموع أبت السقوط، ثم نظر للطبيب يهتف بصوتٍ متحشرج ظهر به بحة متألمة:
- طب وهي.. هي كويسة مش كدا!!!!
أومأ الطبيب قائلاً بتأكيد:
- أيوا كويسة هي نايمة دلوقتي عشان حُقنة المخدر اللي خدتها و طبعاً لازملها راحة تامة عشان تقدر تتقبل الوضع، وياريت شخص واحد بس هو اللي يدخلها عشان تبقى مرتاحة، عن إذنكوا!!!!
ذهب الطبيب لتتقدم "رُقية" مربتة على كتفيه وهي تقول لكي تحثه على الدلوف:
- أدخلها أنت يابني، مهما كان اللي بيناتكوا هي أكيد محتچاك دلوقتي أكتر من اي وقت!!!!
بالفعل تحركت أقدامه نحو الباب، ليُدير المقبض ثم فتحه بهدوء، أغلق الباب خلفه ثم ألتفت لها، لينقبض قلبه عما رأى جسدها هامداً مستلقياً على الفراش لا حياة فيه، موصلاً بالكثير من السلوك بالإضافة إلى الكانيولا التي غرزت بيدها، مضى نحوها أكثر مشتاقاً لها، جذب مقعد ليضعه بجانب الفراش، ثم جلس عليه وعيناه ثابته على وجهها الشاحب، وشفتيها البيضاء، قلبه يتآكل ندماً على ما فعله بها، لتمتد أنامله لكفها ثم حاوطه بكِلتا كفيه، يقربه من ثغره ليطبع عليه عدة قبلات آسفة، خارت قواه لتُغدر به دموعه التي أخذت بالأنهمار على وجنتيه وعلى كفها، مستنداً بمقدمة رأسه على كفيه الممسكين بها، ليردف "باسل" وسط بكاءه:
- من و أنا صغير لما كنت بشوف أبويا بيضرب أمي، كنت واخد وعد على نفسي أني لما أكبر و أتجوز مستحيل أضرب مراتي، مستحيل أزعلها أو أهينها في يوم، مش هخليها تحس بالإحساس اللي كانت أمي بتحسه.. أحساس الذُل و الإهانه، عشان كدا أنا عُمري مـ فكرت أمد إيدي عليكي قبل اللي حصل دة، لما شوفت الرسايل، حسيت كأن روحي خرجت من جسمي، حسيت أن الدم كله أتجمد لدرجة أن جسمي بقا ساقع، قلبي كان واجعني أوي يا رهف، أحساس صعب عليا، عقلي وقف ومفكرتش أن ممكن تكوني مظلومة مع أني والله واثق فيكي أوي، بس الشيطان كان بيوسوسني وبيقولي أنها يمكن رجعت تحب سليم تاني، و أنا بضربك كنت بضرب نفسي، كنت بتوجع أضعاف الوجع اللي سببتهولك، كنت بتمنى إيدي تتشل و أنا بضربك، صدقيني أنتِ عُمرك مـ هونتي عليا، لما مشيتي كنت عامل زي المجنون، حسيت لأول مرة أني خسرت أهم و أغلى شخص في حياتي!!!!!
رفع أنظاره ليراها أهدابها تُرفرف ليعلم أنها مستيقظة ،لينهض ماسحاً على خصلاتها بحنو و هو يقول:
- قومي بقا باحبيبتي، أنا مش متعود عليكي ضعيفة، قومي أضربيني زي مـ ضربتك و خُدي حقك مني، قومي زعقي بس طمنيني عليكي، قوليلي كنتي فين كل المدة دي، طب قوليلي حد أذاكي و أنا بعيد عنك، قومي يارهف عشان خاطري!!!!!!
فتحت عيناها ببطئ، لتنظر إلى وجهه المُرهق، وعيناه الباكية، أنامله المرتعشة على خصلاتها، سقطت أنامله تتفحص وجهها وكأنه يتأكد إن كانت قابعة أمامه بالفعل أم أنها أحد أحلامه، سارت أنامله على عيناها ووجنتبها، شفتيها و ذقنها ليُميل مقبلاً جبهتها عدة قبلات وقلبه يكاد يطير فرحاً، لتمتلئ عيناها دموعاً عندما تذكرت ما أخبرته للطبيب..
عودة بالزمن إلى الوراء قبل ساعة..
تفرقت أهدابها بعيناها العسليتان، تشعر بشئ يجثى على صدرها، تنظر لكل شئ حولها من طبيبٌ يرمقها بإهتمام، و ممرضة تُتابع مسار تلك الأسلاك الموصلة بجسدها، لترتعش شفتيها بتوجسٍ قائلة بضعفٍ:
- أنا فين!!!!
نظر لها ذلك الطبيب الوسيم بلُطفٍ و هو يقول:
- أنتِ في المستشفى، كل الموضوع نزيف طبيعي لأنك في الشهر التالت والحمدلله وقفناه!!!
نظرت له بوهنٍ لتتحسس معدتها قائلة بدموعٍ لم تستطيع الاحتجاز داخل مقلتيها:
- أبني!!!!!
هدأها الطبيب رافعاً لها يده عندما شاهد دموعها:
- أهدي بس يا مدام الجنين كويس جداً وصحته تمام!!!
أومأت "رهف" وهي تزيل دمعاتها قائلة بإرتياح:
- الحمدلله..
أبتسم الطبيب ليهتف قائلاً بوجهٍ بشوش:
- واضح أن زوج حضرتك بيحبك جداً، حقيقي كان صعبان عليا حالته وحشة أوي برا، أنا طلع أقوله أنك بقيتي كويسة!!!!
جحظت عيناها لتهتف بصدمة شديدة:
- أيه!!!! أنت قولت جوزي!!!!
أومأ الطبيب بغرابة ليسترسل مشيراً للخارج:
- أيوا يا مدام زوج حضرتك وعيلتك كلهم برا ومستنيين يطمنوا عليكي!!!!
شهقت بصعوق لتقول وقد بدأ جسدها في الأنتفاض:
- حضرتك متأكد يا دكتور أن جوزي واقف برا!!!!
رفع الطبيب كتفيه قائلاً:
- الممرضة لما سألته إذا كان هو جوزك و لا لاء قالها أنه جوزك!!!
ثم ألتفت إلى تلك الفتاة الواقفة ينظر لها قائلاً:
- مش كدا؟!!
أومأت الممرضة بتأكيد على حديثه، لتنظر "رهف" أمامها بشرود ممسكة برأسها بحدة، لتلتفت له بعيناها البريئتان قائلة برجاء:
- هو أنا ممكن أطلب من حضرتك طلب؟!!!
لانت عيناه عندما رأى عيناها الجميلتان ليهتف بلا وعي:
- طبعاً!!!!
- أنا مش عابزة حد يعرف أني لسة حامل!!!! أرجوك حضرتك هتخدمني أوي أنا عابزة جوزي بالذات يكون عارف أن أبني مات و أني سقطت!!!!
نظر لها الطبيب بدهشة ليرمقها بتوترٍ:
- بس آآآآ..!!!
قاطعته "رهف" وهي تضم كفيها إلى صدرها تردف برجاء شديد:
- أرجوك لو سمحت أعتبرني زي أختك أنا جوزي لو عرف أني لسة حامل هيضربني لحد م أسقّط و أنا عايزة أبني، أرجوك أنت كدا هتنقذ حياة طفل ملهوش ذنب في كل دة!!!!
أومأ الطبيب بأقتناع لتبتسم له "رهف" بشُكرٍ، لتنظر لمعدتها شبه المنتفخة قليلاً لتقول بقلقٍ:
- بس هو ممكن يلاحظ أن بطني يعني كبيرة شوية يا دكتور!!!!
نفى الطبيب سريعاً قائلاً يطمئنها:
- لاء متقلقيش البطن في الشهر التالت مش بتبقى كبيرة فـ حضرتك ممكن تداريها باللبس، لكن هو ممكن يعرف في حالة واحدة.. آآآ يعني آآ!!!
قاطعته "رهف" متفهمة لتردف بسُخرية:
- فهمتك يا دكتور..
ثم تابعت قائلة بودٍ:
- متشكرة أوي ليك، حضرتك ممكن تخرج تقولهم و كمان ياريت تقولهم أني نايمة..!!!!!
نظرت "رهف" إلى "باسل" الذي يرمقها بنظرات حانية، ليهتف بصوتٍ متحشرج أجش:
- أخيراً يا رهف رجعتي تاني، أنا كُنت بموت و أنتِ بعيدة عني!!!!
أستشعرت "رهف" الحنو بصوته، لتزداد دموعها أنهماراً، تُريد أن تُمتع عيناها برؤيته، فهي ستكون أخر مرة تراه بها!!!!
أسرع بمسح دموعها ليحاوط وجنتيها و هو يُميل عليها برأسه قائلاً بقلقٍ و رجاء معاً:
- لاء لاء متعيطيش أبداً مش عايز أشوف دموعك دي، أوعدك أني مش هخليكي تعيطي من هنا و رايح مهما حصل هعوضك عن كل حاجة!!!
نظرت لكفيه الدافئان على وجنتيها لتُغمض عيناها بألمٍ، تمنت لو بإستطاعتها أن تُلقي بجسدها في أحضانه وبين ذراعيه، تخبره كم أشتاقت له، كم تألمت عندما أبتعدت عنه، تخبره أن حياتها كالجحيم و هو بعيد عنها، تخبره عن بكائها طيلة الليالي على وسادتها تتمنى لتلك الأنامل الحنونة أن تمسح دموعها، لكي تخبره أنها كانت خائفة أن ترحل عن تلك الدنيا دون أن تراه لأخر مرة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لازالت تتذكر صفعاته التي هبطت على وجنتيها كجمرٍ أودى بقلبها، لازالت تتذكر كلماته القاسية والتي كانت كالقنابل ألقاها بوجهها، حتى نظراته القاسية التي حُفرت بذهنها ولا تريد الخروج!!! كل شئ تتذكره بتفاصيلٍ دقيقة، لترفع أنظاره لها لا تجد سوى معاني الحب والعشق بأكملها متجسدة داخل مقلتيه، لتتجمد ملامحها رويداً، ثم وضعت كفيها على كفه لتُزيحه بحدة!!!!!
أستند برأسه على ظهر الأريكة خلفه مطبقاً بشدة على عيناه، ضربات قلبه تتسارع و تتسارع، جسده ينتفض بين الحين والأخر يشعر بأنه في أي لحظة سيسقط صريعاً جثة هامدة ولن يعلم أحد عنه، تصاعدت أنامله الرخوية لتُحرر أزرار قميصه ببطئ و هو لازال يغمض عيناه، لتظهر عضلات صدره ومعدته الصلبة والتي أزدادت ضخامة على ضخامتها، مسح وجهه بعنفه يزيح عنه حبات العرق التي تكونت على جبهته، أبتسم بسُخرية يكشف عن حدقتيه السمراء، لا يصدق أن وبعد أن كانت تتهافت النساء عليه، تُلقين بنفسهن أسفل قدميه لـ ِنيل رضائه، تأتي هي لتبعثره بتلك الطريقة، تجعله بتلك الحالة الأن وهي بعيده عنه، فما آل إليه حاله يُثير الشفقة، ولكنه أشتاق لها، لضحكاتها و عبوسها، أشتاق لتمردها و لِينها، عيناها الجميتان وخصلاتها التي تجعله يحترق للعبث بهما، رائحتها التي تجعله مخموراً، أشتاق لها للحد الذي لا حد له، عُقد حاجبيه عندما شعر بوغز في قلبه، ليضع كفه عليه يشعر به و كأنه هو الأخر يصرخ أشتياقاً لها، تسارعت أنفاسه لبعضٍ من الدقائق لشدة ذلك الألم، ولكنه هدأ بعد قليل عند زوال تلك النغزات رويداً، يعلم أن نهايته باتت قريبة، ولكنه يريد أن ينعم بما تبقّى من حياته جوارها، يريد أن يُلقى حتفه و هو بأحضانها، رُغم أن الطبيب المختص بحالته أخبره أنه لازال أمامه وقت لكي يُجري عملية جراحية لينتهي من ذلك العذاب، ولكنه يرفض أي شئ يُبقيه على قيد الحياة، فلماذا سـ يحيى، تلك الحياة لا تستحق المعافرة لنحيا بها، أغمض عيناه متذكراً ما فعله من إنجازات في تلك الثلاثة أشهر، فقد اصبح اسمه يلمع في سوق رجال الأعمال، وشركته التي أصبحت في قائمة أكبر الشركات في فرنسا وفي وقت قصير، فهو كان بالفعل يخطط لذلك الشئ منذ أن رأى "فريدة"، لم يعُد ذلك الشاب الغير مسؤل، بل أصبح رجلاً يُعتمد عليه في كل شئ، تبدل حاله تماماً في تلك الثلاثة أشهر، لا ينقصه سوى رؤيتها، بعد الكثير من الشرود ألتقط هاتفه ثم عبث بأزراره، ليضعه على أذنه، ثم بعد ثوانٍ هتف في لهفة أعترته:
- مُنير عملت زي مـ قولتلك أمبارح؟!!!
هتف "مُنير" -المتكلف بمراقبتها- على الطرف الأخر بتأكيد قائلاً بنبرة قوية:
- أكيد يا باشا راقبت المدام زي مـ قولتلي و طول الـ 3 شهور مكانتش بتشُك في حاجة لأني كنت ببعت كل كام يوم واحد مختلف يراقبها، و زي مـ قولت لحضرتك مش بتنزل من البيت غير للمستشفى اللي بتروحلها..
أنحنى بجزعه للأمام ليتنسد بمرفقيه على ركبته، قائلاً بعينان مضيئتان و نبرة مترقبة:
- طيب صوّرتها صح؟!!!
أردف "ُمنير" سريعاً:
- أيوا يا بيه هبعتلك الصورة حالاً!!!
وبالفعل أغلق "مازن" معه ثم أمسك بالهاتف يشعر بالدماء تتدفق في أوردته سريعاً، قلبه يصرخ أشتياقاً لها، و بعد ثوانٍ وجد صورةٍ لها تُنير هاتفه، لتنبعث من عيناه نظرة حانية، عيناه تسير على كل إنش بها، ليتلمس شاشة الهاتف وكأنها حقيقة أمامه، أبتسم و هو يرى تلك الهالة الواثقة المحيطة بها، و عيناها المغطاة بنظارة شمسية، سيرها الواثق و خصلاتها المعقودة كـ ذيل الحصان متطايرة خلفها، نظر جواره يُبعد انظاره عنها، يشعر بجسده يهتز إشتياقاً لها، ليعاود النظر لها بحنوٍ شديد، يريد الدخول بالهاتف ليُحطم ضلوعها في عناقٍ قد تصرخ له ألماً، قبض على الهاتف بشدة لينهض عازماً على العودة لها، لن يتركها بعيدة عنه مجدداً!!!!
• • • •
جلست "ملك" على الفراش تهاتف والدتها، تطمئنها على حالها وكم هي سعيدة معه،ولكن عندما أخبرتها "رُقية" بالرياح التي عصفت بحياة كلا من "رهف" و "باسل" تضايقت بشدة، لتغلق معها وهي تفكر بما سيحدث معهما، ولكنها أبتسمت شاردة قبل تلك الثلاثة أشهر!!!
وقفت أمام المرآة جاحظة العينان، هي تخجل رؤية نفسها بتلك الملابس التي لا تستر شيئاً، فماذا إن ظهرت أمامه هكذا، أرتدت "ملك" قميصاً للنوم باللون الأسود يصل لما قبل ركبتيها، من الامام و الظهر أيضاً، كـ جلدٍ ثاني يلتصق بها بشكلٍ مستفز تركت خصلاتها منسدلة بنعومة على ظهرها ليُخفيه، تراجعت "ملك" سريعاً قائلة:
- لاء مستحيل أطلع قدامه بالمنظر دة بلاش قلة أدب بقا، أنا هغيّر و ألبس بيچامة سبونج بوب تاني و إن كان عاجبه بقا!!!!
ألتفتت لكي تدلف لغرفة الملابس، ولكنها وجدت الباب يُفتح بهدوءٍ ليتخشب جسدها بعينان متوسعتان هالعتان، تعطيه ظهرها و هي تشعر بنظراته تخترقها!!!
أرتفعا حاجبيه معاً و هو ينظر لتلك الحورية التي هبطت على غرفته، ليراها و هي تلتفت رويداً لتقف أمامه سالبه عقله عنوةً، هبطت و أرتفعت أنظاره عليها بتفرسٍ غير مصدقاً أنها "ملك" والتي تركها بإحدى مناماتها التي رُسمت عليها شخصية كرتونية، عيناها التي سقطت أرضاً و هي تُفرك أناملها معاً، لتهبط معها خصلاتها الحريرة تحُجب عن عيناه ذراعيها، ليلتوي ثغره بإبتسامة كانت حانية، لتبرّق عيناه بعشقٍ أحتل كيانه، ليُعيد العبوس على وجهه عندما رفعت أنظارها له و مرارة رفضه من قِبلها لازالت عالقة بجوفه، ليشيح بأنظاره عنها مغمضاً عيناه يحاول عدم النظر لعيناها التي تُضعفه، أخذت "ملك" مئزر القميص لتضعه على جسدها لكي يستره، نظرت له بغرابة عندما لاحظت تضايقه، لتقترب منه بهدوءٍ و خوف، ثم وثبت قبالته، لتُميل برأسها جانباً تراقب وجهه المتقلص و عيناه المغمضتان، ثم هتفت في نبرة حذِرة:
- جواد؟!!
كم تلذذ بخروج أسمه من بين شفتيها بصوتها الرقيق، هل تقصد أن تلفظ أسمه بتلك النبرة لتجعله يجِن!!! كوّر قبضتيه بعنف حتى أبيضت أوردته، يحاول منع نفسه عنها ولملمة شتاته، ولكن أناملها الناعمة التي سارت على وجنتيه جعلته يفتح عيناه ناظراً لها وهي تقول بحنو حزين:
- طب أنتَ ليه مش عايز تبُصلي؟! أنت لسة زعلان مني!!
لم يُجيبها و هو مركزاً بأنظاره خلفها حتى لا يصطدم بعيناها، شعر بأناملها تهبط عن وجنتيه رويداً لتُنكس برأسها للأسفل متنهدة بحزن، لينظر هو لها يراقبها بعينان كالصقر، ولكنها لانت قليلاً عندما وجد عيناها تذرف دمعاتٍ سارت على وجنتيها بـ تهافُت، لينظر جانباً يلعن كل شئ يعكر صفوها، رؤيتها تبكي تجعله يريد تخبئتها بأحضانه، كادت"ملك" أن تذهب لداخل غرفة الملابس و لكنها وجدت ذراعه قابضاً على ذراعها ليُعيدها محلها أمامه، فقلبه أبداً لم يطاوعه تركها تذهب حزينة، ليمد كفيه لخصلاتها يبعدهما عن وجهها ثم حاوطه ليجعلها تنظر له بعيناها اللتان أغرورقتا بالدموع، ليردف بحنوٍ:
- ممكن أفهم بتعيطي ليه؟!!!
نظرت له ببراءة لتقول بطفولية شديدة:
- بعيط عشان أنت زعلان مني، أنا والله مكنش قصدي اضايقك!!!
أبتسم "جواد" قائلاً بخبثٍ:
- يعني أنتِ لابسة كدا عشان تصالحيني؟!!!
هتفت بتلقائية وهي تنفي برأسها:
- لاء أنا كنت داخله أغيرّه بس أنت دخلت!!!!
ضحك "جواد" ليقول بمكرٍ:
- طب أيه رأيك أنك لو غيرتيه أنا هزعل منك أكتر!!!!
عقدت حاجبيها معاً لتنظر له قائلة و هي تضيق بعيناها:
- أنت بتستغل الموقف؟!!!
أومأ بإبتسامة لتومأ هي بقلة حيلة قائلة:
- خلاص مش هغيّره..
ثم رفعت نظراتها له مجدداً لتزفر تنهيدة عميقة، لمعت عيناها بشدة لترفع كفيها ثم وضعتهما على منكبيه، تحركت أصابع قدميها والمطلية بلون أحمر لتضعهما فوق حذائه، ثم وقفت على أقدامه ليحاوط هو خصرها بذراعيه المفتولين كي لا تسقط يطالعها بغرابة، ليجدها تقف على أطراف أصابعها تشرأب برأسها لكي تصل له، ثم وضعت وجهها قبالة وجهه لتقترب أكثر، أقتربت بثغرها جوار أذنه هامسة برقة:
- بحبك!!!!!!!!
يشدد "جواد" على خصرها أكثر يُقرب جسده منها، بعينان صادمتان ونبرة مهتزة بعض الشئ هتف:
-قولتي أيه!!!!!
حانت أبتسامة على صفحات وجهها لتصمت مطالعه عيناه عن كُثب، لم تشعر به سوى و هو يقتنص شفتيها بعنفٍ!!!!!
• • • •
وقفت على الفراش وصوت الموسيقى تصدح في الشقة، تتمايل بخصرها بإحترافية شديدة، مطلقة خصلاتها للعنان ترتدي ما يُشابه بذلة للرقص، لترفع ذراعيها تقفز على الفراش عدة مرات بجنون تستغل وجوده بالعمل، تحمد ربها أنه أخبرها بعودته متأخراً لوجود الكثير من الاعمال المتراكمة عليه، ظلت "ملاذ" ترقُص ما يقارب ثلاثة سويعات دون توقف، فلم تسمع باب الشقة الذي أنفتح، ليُصدم "ظافر" صوت الموسيقى التي تكاد تصم أذنيه، ليتجه لغرفتهم ثم فتح الباب بهدوء شديد، كانت "ملاذ" مغمضة عيناها فـ لم تنتبه له، ليقف "ظافر" مستنداً برأسه على إطار الباب مكتفاً ساعديه يطالعها بإبتسامة لأفعالها الجنونية، تُحرك خصرها يميناً ويساراً ترقص على أغنية مشهورة لـ "أصالة" *بنت أكابر*، أطلق ضحكة رجولية عالية عندما فتحت عيناه تطالعه بذعرٍ شديد، واضعة كفها على ثغرها بصدمة، ليتجه هو إلى مُشغل الموسيقى ثم ضغط على زر الإيقاف، تصاعدت حُمرات الخجل إلى وجنتبها و هي تراه يقف واضعاً كلتا كفيه في جيب بنطاله الأسود، بإبتسامة عابثة مرتسمة على ثغره، لتُغمض عيناها تلعن غبائها، أقترب من الفراش ثم مد كفه لها قائلاً بإبتسامة:
- أنزلي يا هبلة تعالي!!!
وضعت كفها في كفه الضخم ثم سقطت واقفة قبالته بخجلٍ، لتمسك بخصلة سقطت على وجهها واضعة إياها خلف أذنها، رفعت عيناها تنظر له قائلة بإرتباك:
- أنت مش قولت أنك هتتأخر جيت بدري يعني!!!
حاوط خصرها ليعقد كفيه معاً خلف ظهرها ثم هتف بخبثٍ:
- الساعة دلوقتي 12 و أنتِ طبعاً مش واخدة بالك!!!
جحظت عيناها لتضع كفيها على ذراعيه تحاول إبعادهما عن خصرها، قائلة برجاءٍ:
- طب سيبني يا ظافر!!!
اقترب بوجهه منها ثم نظر لها بعيناه الزيتونية قائلاً بمكرٍ:
- قوليلي سبب واحد دلوقتي يخليني أسيبك!!!!!
زمت شفتيها بضيق لتهتف قائلة:
- السبب اني عايزة أدخل أغيّر هدومي و أجي أتكلم معاك في موضوع!!!
نظر لها و بؤبؤ عيناه يتسع ليهتف:
- أي موضوع يتأجل النهاردة يا ملاذ!!!
إزدادت نبرتها حدة وجدية معاً قائلة:
- إلا دة!!!!
تأفف "ظافر" بقنوط ليبتعد عنها متمتماً:
- تمام يا ملاذ!!!
تركته لتدلف لغرفة الملابس لكي تُبدل ملابسها، ليجلس "ظافر" على الفراش يُدخن لُفافة تبغه بشرودٍ، لتخرج "ملاذ" بـ مناميتها الشتوية، ضحك "ظافر" قائلاً:
- كان ممكن تتكلمي معايا في الموضوع بـ بدلة الرقص عادي!!!!
ضيّقت عيناها لتضرب كفاً بأخر بقلة حيلة، ثم تحركت لتجلس جواره على الفراش قائلة بنبرة جدية:
- ظافر أنا سيبتك 3 شهور عشان ترتب نفسك وتسيب تجارة السلاح عشان عارفة انك مش هتقدر تسيبها بين يوم وليلة، بس أنت لازم تطلع نفسك من اللي أنت فيه دة وبسرعة لو سمحت!!!!
مال بجزعه للأمام ليعقد كفيه معاً ينظر أمامه ليهتف بجدية:
- مش دلوقتي!!!
نهضت تقف أمامه هادرة بنفاذ صبر وهي تشير بيديها:
- هو أيه اللي مش دلوقتي أومال أمتى انا بقولك سيبتك 3 شهور بحالهم عشان تبقى جاهز وتسيب القرف دة، ظافر بُصلي و أنا بكلمك!!!!
أشاح بوجهه جانباً يحاول التحكم بأعصابه مغمضاً عيناه، لتجلس على ركبتيها أمامه ممسكة بكفيه وهي تقول برجاءٍ:
- عشان خاطري يا ظافر أنا خايفة عليك والله، حاسة أنك ممكن تضيع مني في أي لحظة!!!
نظر لها ليربت على كفيها قائلاً بنبرة بها الكثير من القسوة والجبروت معاً:
- عايزك تعرفي أن محدش يقدر يعمل معايا حاجة!!!
أنهمرت الدموع من عيناها لتقول بنبرة باكية:
- يا ظافر أنا تعبت و أنا حاسة أنك مش في أمان كل مرة بتطلع من البيت و ممكن تعمل عملية من دول و حد يعمل فيك حاجة ومترجعليش تاني!!!!
قبض على كتفيها ليجعلها تنهض ثم وقف هو أيضاً امامها، ليجذبها لأحضانه مقبلاً رأسها بلطف قائلاً بحنو:
- أهدي يا حبيبتي متعيطيش، صدقيني أنا طول الـ 3 شهور دول معملتش ولا عملية ولا صفقة سلاح!!!
حاوطت خصره أكثر لتدفن أنفها بصدره تشتم رائحته الرجولية قائلة ببراءة:
- قول والله كدا!!!!
أبتسم على طفولتها ليربت على خصلاتها هاتفاً بتأكيد:
- والله!!!
صعدت بأنظارها له وهي لازالت بأحضانه قائلة:
- يعني خلاص مش هتعمل صفقات من دي تاني أبداً صح!!!
تنهد لينظر لها قائلاً بجدية:
- لاء، أنا أصلاً لما روحت الشركة النهاردة أتفقت مع جواد على كل حاجة وكمان يومين مافيش شغل في السلاح تاني!!!!
أبتسامة سعيدة حلت على شفتيها لتصفق بسعادة طفولية، ليحتضنها هو مربتاً على ظهرها بضحكاتهم المجلجلة في المنزل، ليهتف "ظافر" قائلاً بعد دقائق:
- حبيبتي لمي هدومك وهدومي عشان هنروح القصر!!!
نظرت له بغرابة قائلة:
- عند ماما رُقية!!!!
- لاء قصرنا أنا وأنتِ!!!
هتف بجدية لتنظر له بصدمة قائلة:
- بس ليه!!! أنا بحب الشقة دي و عايزة أقعد فيها!!!
سارت انامله على وجهها ليقول بنظرات عاشقة:
- حبيبتي أنتِ مقامك قصر، مش شقة..أنتِ ملكة!!!!
ذابت أنظارها لترفع ذراعيها محاوطة عنقه، واضعة رأسها على كتفيه قائلة بو:
- ربنا يخليك ليا يا ظافر!!!
• • • •
دلف لغرفتهم ليجد الأنوار مفتوحة ولكنها مستلقية على الفراش غارقة في سُبات عميق، نزع عن جسده سترته السوداء، ثُم حرر أزرار قميصه ليُلقي به أرضاً بإرهاق، ألقى بجسده على الفراش جوارها لينظر لوجهها المُقابل لوجهه، شفتيها أناملها الصغيرة الموضوع على الوسادة جوارها، و ما ترتديه من منامة ثقيلة، لينظر للأنوار المضيئة، بإنزعاج، فهو لازال لم يعتاد أن ينام والغرفة مضيئة بهذا الشكل، ولكن عندما كان يرى ذعرها عندما يغلقهم كان يُطيح بـ راحته أرضاً ثم يُنيرهم لها مجدداً، حاول معرفة السبب منها ولكنها لم تقول له أي شئ، لينهض عازماً على أن تواجه مخاوفها، و أنه بجانبها لن يترك الظلام يبتلعها، أطفئ الأنوار ليعود هو مستلقياً بجوارها، لاحظ تململها ليرفع حاجبيه بشدة فيبدو أنها ترتعب من الظلام أكثر مما يجب، أمتد ذراعه أسفل رأسها ليأخذها بأحضانه بحذرٍ، لينتفض جسدها برُعب تُزيحه من صدره بعيداً صارخة بإهتياج وبلا وعي:
- لاء لاء النور.. ولع النور!!!!!
أحتضن جسدها بقوة مشدداً عليه كي لا يمكنها التحرك إنشاً مبتعداً عنه، يمسح على خصلاتها بلُطف قائلاً بنبرة هادئة:
- هششش أهدي يا حبيبتي، مافيش حاجة هتجرالك و أنا معاكي، لازم تواجههي الحاجة اللي بتخافي منها وتقفي قدامها، مينفعش يبقى عندك نقطة ضعف!!!!
لم تؤثر بها كلماته لتتشبث بعنقه بقوة تُخبئ وجهها بصدره مطبقة على عيناها بشدة تهتف في رعب:
- لو بتحبني يا جواد أفتح النور عشان خاطري يا جواد أنا خايفة!!!!!
دفن وجهها بصدره أكثر يهتف بحزمٍ رغم تألمه لتوسلاتها التي كادت أن تُضعفه:
- أنا عشان بحبك مش عايزك تبقي خايفة من حاجة، أنتِ بتثقي فيا صح!!!!
أومأت سريعاً وهي لازالت تبكي بأحضانه، لينثنى مقبلاً مقدمة رأسها قائلاً بحنو:
- يبقى لازم تعرفي أن محدش هيأذيكي و أنا معاكي ولا حد يقدر ييجي جنبك أصلاً وأنتِ في حُضني، كل اللي في دماغك دة من عقلك الباطن ومش حقيقي، لازم تواجههي مخاوفك!!!!
حاوطت خصره بأذرعٍ مرتجفة، تستمع إلى حديثه وهي تحاول إدخال الطمأنينة إلى قلبها، فتحت عبناها ببطئ لتطالع نقطة ما في الفراغ، فوجدت أبيها يقف جاحظاً بعيناه المخيفة لها والتي تحولت لجمراتٍ كالنار ينظر لها بنظرات أرعبتها، لتصرخ "ملك" صرخات جعلت من بالقصر ينتفض هلعاً، لتضربه على صدره بعنف صارخة:
- أبعد عني بقا!!!!!
لتقفز "ياسمين" هلعاً من فراشها، و "إيناس" التي صعدت لهما بجزعٍ لتطرق على الباب ثم دلفت وفتحت الأنوار، لترى "ملك" في حالة إنهيار تام و "جواد" يحاول تهدئتها، لتركض لها "إيناس" قائلة بإرتعاد:
- في أيه يا حبيبتي!!!!!
أبتعدت "ملك" عن أحضانه لترتمي في أحضان "إيناس" التي تلقتها بصدرٍ رحب مربتة على خصلاتها برفق قائلة:
- أهدي ياقلبي خلاص مافيش حاجة!!!
نظرت إلى "جواد" الغاضب لتهتف بغرابة:
- في أيه يابني أيه اللي حصل!!!!!
رمقها "جواد" بقنوط لينزع الغطاء بعيداً عنه ثم نهض من الفراش يحفر الأرض أسفل قدميه، ليخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه مما جعل جسدها ينتفض أكثر تحتضن "إيناس" التي مسحت على خصلاتها بحنان أموي قائلة:
- أهدي بس يا ضنايا متعمليش في نفسك كدة، جواد ضايقك طيب ضربك؟!! قوليلي عمل معاكي حاجة ضايقتك ريحي قلبي يابنتي!!!!!
بكت "ملك" بقوة متشبثة بعباءتها، تهتف بحزن وسط أنتفاضات جسدها:
- أنا بخاف من الضلمة.. و.. هو مصمم يطفي النور وينيمني فيها!!!!
ربتت على ظهرها لتهدهدها قائلة بعقلانية:
- يا حبيبتي هو أكيد مش قاصده هو بس بيقنعك أنك مينفعش تخافي من حاجة بس يمكن هو كان قاسي معاكي شوية أبني و أنا عارفاه!!!!
نفت هي برأسها بقوة، فهو لم يكُن قاسياً معها أبداً بل على العكس كان يُعاملها برفقٍ شديد، أنبها ضميرها لما فعلت معه وما قالته له، لتبتعد عن "إيناس" قائلة بخفوت:
- هو فين يا ماما!!!!
تنهدت "إيناس" بحيرة لحالتهما، لتقول بهدوءٍ:
- هتلاقيه في أوضة التدريب بتاعته هو لما بيتعصب بيروح يتدرب فيها، هتلاقيه آخر أوضة في الممر!!!
أومأت "ملك" بطفولية لتنزع الغطاء عنها ثم دلفت خارج الغرفة، لتضرب "إيناس" كفاً بأخر مبتسمة وهي تقول:
- والله مجانين!!!!
أتجهت "ملك" بأقدامٍ حافية تسير في الممر بهوادة، لتقترب من الغرفة الأخيرة، سمعت صوت أنفاسٍ عالية مهتاجة، زفرات تعلو و تهبط وصوت لكماتٍ عالية، لتفتح الباب قليلاً فوجدته يضرب كيس الملاكمة بعنفٍ، يلكمه ويلكمه و حبات العرق تتساقط على عضلات صدره بقوة، تزامناً مع تساقط دمعاتها التي تلهب وجنتيها، لتفتح الباب على آخره ثم دلفت، لم يرمُش له جفناً و هو لازال على حالته المزرية، أقتربت "ملك" من كيس الملاكمة قاصدة تقلص المسافات بينهما، ولكن كاد كيس الملاكمة أن يرتطم بوجهها ليسرع "جواد" بالإمساك به و من ثم هي أرتدت بخوف، نظرت له بندمٍ لتتجه له مجدداً ثم ثم نظرت إلى ذراعيه الممسك بكيس الملاكمة لتنحني لأسفل ثم دلفت لبين ذراعيه تبقي في مواجهته و هو يحاصرها بذراعيه القابضين على كيس الملاكمة، وبدون مقدمات ألقت بنفسها في أحضانه محاوطة خصره بقوة وهي تقول بحزن:
- جواد أنا أسفة!!!!
لم يتكبد عناء النظر لها و هو لازال ينظر لكيس الملاكمة ولم يعيرها أنتباه، لتشدد "ملك" على عناقة، فلم تتحمل لتجهش بالبكاءٍ عندما لاحظت بروده، لتدفن "ملك" أنفها بصدره قائلة بنبرات مهتزة:
-لما كنت صغيرة وكنت بعمل حاجة غلط حتى لو كانت تافهه، كان بابا واللي حرام يتقال عليه أب، كان بيحبسني في أوضة في البدروم، الاوضة دي كان معروفة أنها باردة أوي وفيها فيران منهم اللي أتجمد من كُتر البرودة اللي فيها، كانت ضلمة أوي أوي لدرجة أنك تبقى مفتح كأنك مغمض بالظبط، لما ماما كانت تحاول تطلعني وتزعق معاه كان بيحبسها في أوضتهم و بينزل فيها ضرب، حتى باسل ومازن مكانش بيخليهم يقربولي أو يطلعوني من الأوضة، وبابا دايماً كان يحاول يشتت أنتباه ظافر عشان ميعرفش أني في الأوضة دي، لأن هو الوحيد اللي يقدر يطلعوني منها عشان بابا مكنش بيرفضله طلب، ولما كان بيعرف أني في الأوضة دي بيزعق معاه وبيطلعني، ولما كان يشيلني ويوديني أوضتي جسمي بيبقى متلج وشفايفي زرقا من البرودة، ماما كانت تفضل سهرانه جنبي طول الليل رغم جسمها المهدود من كُتر الضرب، لحد م جالي فوبيا من الضلمة، في الأول لما كنت بدخل الأوضة كنت بفضل أصرخ و أصرخ عشان ظافر يطلعني، قلبي كان هيقف من الخوف وانا سامعة صوت الفيران جنبي و البرد اللي في الأوضة والضلمة!!!!
أنزل ذراعيه من على كيس الملاكمة بعينان تتوسع شيئاً فشيئاً، يكاد يجن مما كانت تُعانيه حبيبته. ليحاوط خصرها بذراعٍ، وبالأخر أمسك بعنقها من الخلف ليضمها له مغمضاً عيناه، وشهقاتها تنفطر لها قلبه!!!!
تابعت "ملك" مشددة على أحتضانه وكأنها تستمد القوة منه لتهتف بشهقات باكية:
- عشان كدا لما كنت بتيجي وأنا صغيرة كنت بجري عليك و أترمي في حضنك و أعيط، مكنتش عارفة ليه بعمل كدا أو حتى لما بتسألني مالك مكنتش عارفة أقولك أيه، بس أنت أماني يا جواد حُضنك كان بينسيني أي حاجة وحشة عملها معايا، مكنتش قادرة أقولك على اللي بيحصل عشان عارفة أنك مكنتش هتسيبه، ولحد لما كبرت وأنا لسة بخاف من الضلمة أو أني أبقى لوحدي، أنا بكرهُه يا جواد ولما مات بالكانسر كان كله بيواسيني ويطبطب عليا ومش بيصدقوا لما كنت أقولهم أني كويسة، لما طفيت النور وحضنتني والله مكنتش هعمل حاجة ولا هعيط وكنت هنام في حضنك عشان أنا لما ببقى معاك بنسى أي حاجة، بس أنا شوفته يا جواد، شوفت عيونيه الخضرا واللي كانت منورة في الضلمة و هو بيبرقلي، نفس البصة اللي كان بيبُصها لما بيدخلني الأوضة، لما قولتلك أبعد عني مكنش قصدي أنت والله، أنا كنت بقوله هو اللي يبعد مش أنت!!!!!
أجهشت في بكاءٍ مرير ليحتضنها "جواد" بقوة لتفر دمعة من عيناه أزالها ببطئ، يمسح على خصلاتها الطويلة وهو يُخفي جسدها الضئيل بجسده الضخم، يهدئها بكلماتٍ حنونة جعلت رأسها ترتخي على صدره، أنحنى بجزعه ليضع ذراع خلف ركبتيها والأخر على ظهرها، ليحملها بخفو كالريشة بين ذراعيه، لتستند هي برأسها على كتفه، تحاوط عنقه بذرايعيها، أتجه بها إلى غرفتهما التي غادرتها "إيناس"، ثم دفع الباب بقدميه ليغلقه، ترك الأنوار مفتوحة لتتمسك هي بعنقه ثم هتفت:
- أطفي النور!!!!!
نظر لها بلُطف ليقول:
- لاء ياحبيبتي خليه!!!
نفت سريعاً قائلة وهي تمسح دمعاتها:
- لاء أطفيه يا جواد وأنا معاك مش بخاف من حاجة!!!
أنثنى بثغره مقبلاً جبهتها قبلة مطولة أغمض بها عيناه، ثم حملها بذراعٍ واحد بسهولة و أغلق الأنوار، ليتجه إلى الفراش، جلس وهي بأحضانه ليجعلها تجلس على قدميه، ثم أمسك بذراعيها وحاوط بهما عنقه لتستند برأسها على كتفه العاري، لتهتف بخجلٍ:
- جواد خليني أنام على السرير عادي!!!
أردف بحزمٍ:
- من هنا ورايح مش هتنامي غير في حُضني كدا!!!!
نظرت لعيناه الخضراوتان قائلة:
- أنا بس مش عايزة أبقى تقيلة عليك!!!
أبتسم بسُخرية قائلاً:
- تقيلة مين بس دة أنت عاملة زي الطفلة، والله أنا لو واخد بنت أختي اللي لسة مجاتش في حُضني كانت هتبقى تقيلة عنك!!!!
أستندت برأسها على عنقه، ثم طبعت قبلة على كتفه ليبتسم هو بعشقٍ، و أنامله تصعد و تهبط على ظهرها، في لمساتٍ جعلتها تغرق في النوم، ليبقى هو فاتحاً جفنيه لم يزُره النوم، ليتمتم بنبرة قاسية مُرعبة:
- المرض رحمُه مني!!!!!
• • • •
- بقالكوا 3 شهور مش عارفين تلاقوا مراتي، الأرض أنشقت وبلعتها يعني!!!!
هتف "باسل" و هو يضرب بكفيه على مكتب الضابط أمامه، ليزفر الأخر بضيق قائلاً بعقلانية:
- يا بيه أهدى لو سمحت و أقعد نتكلم!!!
زمجر "باسل" ليجأر به بقسوة:
- أهدى!!!! أهدى و أنا مش عارف مراتي و أبني اللي في بطنها فين، أكتر من 3 شهور مش عارف حتى إذا كانت عايشة ولا حصل فيها حاجة، مش عارف بتاكل وتشرب منين و أنا هنا متكتف مش عارف أعمل حاجة و لا أنتوا عارفين تلاقوها، متقوليش أهدى عشان مهدِش القسم دة على دماغكوا!!!!
نفذ صبر الضابط لينهض هادراً به بعنف شديد:
- بقولك أهدى يا باسل بيه عشان نتفاهم مراتك أنا بدور عليها بنفسي من 3 شهور و قوى بحالها بتحاول تلاقيها مش موجودة في أي حتة أحنا مش ناقصين غير أننا نخبط على البيوت ندور عليها!!!!
مال "باسل" بجزعه للأمام واضعاً كفيه على المكتب ليكُن في مواجهته، يهتف بنبرة مخيفة:
- لو وصلت أننا نفتش البيوت عليها، نعمل كدا!!! مش دة شغلكوا!!!
ضرب الضابط كفيه معاً بقلة حيلة، ثم جلس على مقعده ليُضيق عيناه قائلاً:
- يا فندم المدام بخير أكيد أهدى بس أحنا مش ساكتين بندور عليها في كل حتة بس مش لاقيينها صدقني، مافيش حل غير أنها ممكن لا قدر الله حصلها حاجة و جثتها مش موجودة!!!!!
جحظت عيناه مشتعلة بنيران تأكل أحشائه لينتصب واقفاً ثم ألتفت له، ليقبض على تلابيبه بقوة حتى ينهض، ثم نهره بعنفٍ قائلة بنبرة أرعبة المسكين:
- جثة مين يا روح أمك!!!!
ثم دفعه بعيداً ليسقط الأخير على مقعده مجدداً، ألقى "باسل" نظرات مشمئزة عليه ثم خرج من المكتب و من قسم الشرطة بأكمله، متجهاً نحو سيارته، ثم أستقلها ليلكم المقود بعنف ينفث عن غضبه به!!!!
• • • •
لوت "رقية" شفتيها بسُخرية ممسكة بالهاتف على أذنها من صراخ شقيقتها عليها لِما فعله ولدُها بأبنتها، لتنفلت الأخرى أعصابها تهتف بحدة:
- مش بنيتك هي اللي وجَعت بين ولَدي و مرَته يا حُسنية!!!!و لا هي ماشية بالمثل بتاع ضربني وبكا وسبجني و أشتكى، دي خربت على أبني و هو بيدوّر على رهف زي المچنون، من الأخر إكده بنتك غلطت غلط واعر، ربيها الأول أنتِ و أبوها يا حُسنية وبعدين أتحدتي (أتكلمي) معايا!!!!!!
ثم أغلقت الهاتف بوجهها بضيق، تجلس على الأريكة لا تعلم أتخبره بمكان زوجته أم تتركه يتعذب قليلاً لكي يعلم قيمتها، ولكنها أم بالنهاية يتمزق قلبها لرؤيته معذباً هكذا!!!
ضغطت على أزرار الهاتف بقلة خبرة ثم حاولت الإتصال بـ "رهف" التي لم تُجيبها، عادت الكرة عدة مرات تحاول الوصول لها ولكن لا جدوى ليعتصر قلبها قلقاً خوفاً من أن يكُن مكروهاً أصابها وهي بمفردها في تلك الشقة، أسرعت تهاتف "ملاذ" التي أجابت سريعاً:
- خير يا ماما في حاجة!!!
وثبت "رقية" قائلة برجاء:
- ملاذ يا بنتي سايج عليكي النبي برن على رهف مش بترُد و خايفة يكون حصل فيها حاچة!!!
أنقبض قلبها لتنهض ثم تحركت في الشقة بخطوات سريعة قائلة:
- طب أهدي يا ماما أنا هنزل أروحلها دلوقتي وهي أكيد كويسة إن شاء الله مافيش حاجة!!!!
• • • •
أسرعت "ملاذ" بمغادرة المنزل دون أخبار "ظافر" الذي ذهب لعمله، ثم جذبت هاتفها ومفاتيح سيارتها، أستقلتها لتقودها سريعاً بذهن مشتت، أمسكت بالهاتف ثم هاتفت "ظافر" لتضعه على أذنها، ولكنها وجدت الهاتف مُغلق، لتصُك على أسانها ثم ألقت به على المقعد جوارها هاتفة بقنوط:
- قافل موبايلك ليه يا ظافر!!! ياربي!!!
وقفت بسيارتها أمام البناية لتترجل سريعاً، تجتاز البواب الذي رحّب بها فهي كانت تأتي كثيراً لها طيلة تلك الأشهر العصيبة، صعدت "ملاذ" بالمصعد ثم وثبت أمام الباب، لتطرق بعنف قائلة بنبرة شبه راجية:
- رهف.. رهف أفتحي بسرعة متقلقنيش عليكي!!!!
ظلت تطرق عدة دمرات ولا مجيب، ليسقط قلبها قلقاً على صديقتها، لتُنادي على البواب بصوت حاد، فصعد لها البواب سريعاً، فأخبرته "ملاذ" بأن يحطم الباب، وبالفعل ظل البواب ذو الجسد الهزيل بعض الشئ يرتطم بجسده بالباب عدة مرات حتى كُسر، لتركض "ملاذ" بأقصى ما لديها، بحثت بعيناها عليها ولكن لم تجدها لتتجه إلى المرحاض، وجدت الباب شبه مغلق لتفتحه بيداها بهدوء، أرتدت للخلف بعنف تُصدر شهقة كادت أن تصم أذنيها وهي ترى "رهف" كالجثة الهامدة على أرضية المرحاض حولها بقعة من الدماء تُلطخ ملابسها!!!!!!
• • • •
جلست "ملاذ" على مقعد باردٍ من مقاعد المشفى، والحوائط حولها تُطبق على أنفاسها، لا تستطيع التوقف عن البكاء وكيف تفعل و صديقتها تصارع الموت بالداخل، هي لا تستطيع الصمود وحدها أمام كل هذا، نظرت للممر لتجد "ظافر" متجهاً نحوها، نهضت "ملاذ" ثم ركضت تجاهه لترتمي بأحضانه تتشبث به بقوة دافنة وجهه بتجويف عنقه ، حاوطها "ظافر" من خصرها مربتاً على خصلاتها قائلاً بهدوء:
- أهدي يا حبيبتي إن شاء الله هتبقى كويسة،أنا أسف أن موبايلي كان مقفول بس لما بعتيلي رسالة وشوفتها جيت ع طول..!!
بكت "ملاذ" أكثر وهي تقول برعب:
- أنا خايفة عليها اوي ياظافر، وخايفة على البيبي اللي في بطنها لو مات هي مش هتستحمل أنا عارفة!!!
أبعد وجهها عن أحضانه ليكوبه ينظر لها بدفء، ثم زال دموعها برقة قائلاً بلُطف:
- صدقيني هي والبيبي هيبقوا كويسين، أنتِ ناسية أنها في المستشفى بتاعتنا يعني هما هيعملوا اللي عليهم و زيادة!!!!
وضعت كفيها على كفيه وهي تومأ براحة، فهو فقط من يستطيع إحتوائها وأطمئنانها، هو يمثل الأمان لها بكل ما للكلمة من معنى!!!
أخذها من كتفيها ليجلسا، ثم وضع رأسها على صدره يمسد على خصلاتها قائلاً بصوت هادئ:
- قوليلي بقا أيه اللي حصل من الأول!!!!
هتفت "ملاذ" بعينان أنهمرت منهما الدموع:
- ماما كلمتني وقالتلي أنها بترن على رهف كتير بس مش بترد، وانها قلقانة عليها أوي، أنا روحت نزلت وخدت العربية وروحتلها ورنيت عليك موبايلك كان مقفول، لما قعدت أخبط وهي مفتحتش البواب كسر الباب، دخلت يا ظافر لقيتها واقعة في الحمام تقريباً غرقانه في دمها، البواب كلم الأسعاف وجينا على المستشفى هنا!!!!
تنهد "ظافر" ثم قبّل خصلاتها، يهتف بشرود:
- أنا لازم أقول لباسل!!!!
أنتفضت "ملاذ" كمن لدغتها عقربة، لتهتف برفضٍ قاطع:
- لاء!!!!
أحتدت عيناه ليقول بصرامة:
- ملاذ مراته و أبنه في خطر لازم يبقى عارف ومعاهم أنتِ متعرفيش حالة باسل عاملة أزاي و هو بيلف حوالين نفسه علشان يلاقيها، أنا هكلمه وهخليه ييجي!!!!
-يا ظافر أرجوك أحنا منقدرش ناخد قرار زي دة من غير م هي تبقى عارفة و موافقة، أنت متعرفش هي عانت أزاي بسببه طول الـ 3 شهور دول، لو سمحت يا ظافر بلاش..!!
مسح وجهه بعنف ليهتف قائلاً بحدة أخافتها:
- يا ملاذ يقولك باسل أخويا وأنا مينفعش أسيبه في الحالة دي!!!، ييجي يشوفها وبعدين يعملوا اللي هُما عايزينه!!!
تضايقت "ملاذ" من صراخه عليها، لتبتعد عن احضانه لتجلس على مقعد بعيداً عنه تماماً، زالت دمعات عيناها ثم نظرت للجهة الأخرى بحزن، ليزفر "ظافر" بضيق وبات يختنق من دلالها الزائد، ولأول مرة لم يحتضنها و يواسيها، لينهض "ظافر" مخرجاً هاتفه من جيب بنطاله، ثم مضى لخارج المشفى تاركاً "ملاذ" تنظُر في أثره بحزن!!!
وقف "ظافر" بالخارج يتنهد بقوة محاولاً إدخال الهواء برئتيه، ثم ضعط على شاشة هاتفه ووضعه على أذنه، ليسمع صوت "باسل" يهتف بنبرة لا حياة بها:
- أيوا يا ظافر..
لانت نبرة صوته ليهتف بلُطف:
- باسل تعالى ضروري لمستشفى الهلالي!!!
أنتفض "باسل" من فوق أريكته هاتفاً بقلق:
- في أيه حد عندك حصله حاجة!!!!
تنهد "ظافر" بإشفاق، ليرمي بقنبلته في وجهه:
- رهــــف!!!!!
شُخصت أبصاره بعيناه السمراء، لتتراخى يداه رويداً فوقع الهاتف مرتطماً بالأرضية، وقع قلبه أرضاً ليستند على مكتبه بالشركة، جذب بذلته ثم ركض بأقصى سرعة لديه خارج المشفى، تاركاً أعين الموظفون ينظرون له بدهشة، ليهرول "باسل" نحو سيارته، ثم قفز لها ليستقلها و هو يكاد يسابق الرياح في سرعته، كان سوف يفتعل الكثير من الحوادث ولكنه تفادها بمهارة سائق خبير، عيناه تضُج بالدماء لما يُآسيه من نوم أفتقد معناه، راحة لم يعرف لها طريق منذ أن ذهبت بعيداً، قلبٍ أنفطر عما حدث لها، هو أهانها جعلها بعيناها كفتاة ليل، خائنه لا تستحق الغفران أو الرحمة، هو دمرها ويستحق أي شئ تفعله به، ولكنه لا يستحق أن تتركه وتذهب بلا عودة، لايستحق ذلك الألم الذي يعصف بقلبها الذي لا يستطيع تركها، لا يُريد تقبل أنها ممكناً أن تتركه وحيداً، أتى في عقله الكثير من السينوريهات حول أنها لربما تشردت و وجدها "ظافر" ثم ذهب بها للمشفى، أو لربما تعرضت لأشياء أقسى بكثير!!!!!
وصل "باسل" بذهن يكاد ينفجر، ليجد "ظافر" يقف على عتبة المشفى، ركض له يقبض على كتفيه قائلاً برجاء:
- هي فين!!!!!
أشار "ظافر" للداخل قائلاً بشفقة:
- جوا .. أوضة 210 الدور التالت!!!!!
تركه "باسل" ثم ركض بأقصى سرعة للداخل مسقلاً المصعد، ليضغط على الطابق الثالث فينفتح المصعد، ركض في الممر ليجد "ملاذ" جالسة تبكي بحُرقة، أتجه لها بذهول ليقبض على كتفيها بعنف منحنياً لها:
- هي فين ياملاذ!!! مراتي فين!!!!
بكت "ملاذ" أكثر تُخفي وجهها داخل كفيها، لتهرب الدماء من وجهه، لانت نبرته ليهمس بخفوت:
- متعيطيش.. هي هتبقى كويسة أكيد أنا عارف!!! هي لازم تقوم عشان تاخد حقها مني، لازم تُردلي الألم أضعاف على اللي عملته فيها، هي مش هتسيبني أنا متأكد!!!!
تركها "باسل" ليلتفت للغرفة المقابلة، فوجد الزجاج موضوع فوقه ستار تمنعه من رؤيتها، لينظر لذلك المصباح الأحمر والذي يُشير بوجود عمليه جراحية داخل الغرفة، أندفع نحو الباب ليطرق عليه بقوة شديدة، يصرخ بصوتٍ أهتزت له المشفى:
- أفــتــحــوا!!!! رهــف!!!!
أندفعت نحوه "ملاذ" تمسك ذراعه قائلة برجاءٍ:
- باسل أهدى والنبي كدا خطر عليها!!!!
دفعها"باسل" بقوة صارخاً:
- أبعدي عني!!!!
كادت "ملاذ" أن تسقط بعد ان اختل توازنها، ليأتي "ظافر" على هذا المشهد، أشتعلت حدقتيه لهيباً ليتجه نحو أخيه الذي فاتت زمام الأمور منه، ثم أمسك كتفيه يُحكم قبضته عليه يصرخ به:
- أهدى بقا أنت مش في وعيك!!!
ألتفت له "باسل" ليدفعه بعيداً مزمجراً بضراوة:
- متقوليش أهدى!!! أنت مخسرتش مراتك متعرفش يعني أيه تكون هي بتموت و أنت متكتف مش عارف تعمل حاجة، متحرمتش منها أو من أبنك اللي لسة مطلعش للدنيا 3 شهور متعرفش عنهم حاجة ولا تعرف هما فبن وبياكلوا ولا لاء وبيتعمل فيهم أيه!!!! أنت متعرفش يعني أيه قلبك يبقى هيتقطع لما عرفت أنك ظالمها وأنها أتبهدلت بسببك و أنها دلوقتي في الأوضة دي وبردو بسببك، متقوليش أهدى و أنت معشتش اللي أنا عيشته فاهم!!!!!
تجمدت ملامح وجهه، لتتحول عيناه من زبتونية مشرقة إلى منطفئة باردة، ليبتسم بهدوءٍ أبتسامة أوحت بالألم الذي يُعانيه من داخله:
- معاك حق!!!!!
ذهب "ظافر" بعيداً عنهم، ليمسح "باسل" وجهه بشراسة يسُب نفسه، ثم نظر إلى "ملاذ" ليهتف بلُطف:
- ملاذ روحي وراه لو سمحتي، وقوليله أنا أسف مكانش قصدي أقوله كدا!!!!
أومأت "ملاذ" بإبتسامة متكلفة، ثم ركضت خلف "ظافر" الذي أتجه إلى أحد المقاعد بالطابق الثاني، اتجهت "ملاذ" نحوه لتجده يجلس مستقيماً عائداً برأسه للخلف يسندها على المقعد مغمضاً عيناه، جلست "ملاذ" بجانبه لتنظر له مستندة بذراعها على ظهر مقعدها، تنظر لملامحه التي جذبتها منذ أن رأته، لتميل نحوه مستندة بأنفها على وجنته اليُسرى، تُغمض عيناها بعشقٍ، تستنشق رائحته التي تُعيد الحياة لها، رفعت كفها لتحاوط وجنته اليُمنى، ثم طبعت قبلة صغيرة على وجنته ليلتوي ثغره بإبتسامة أبتسمت هي أيضاً لأجلها، ومن ثم أقتربت أكثر لتُقبل طرف ثغره، أتعت أبتسامته ليفتح عيناها، ففتحت هي الأخرى عيناها ببطئ، تنظر لعيناه شديدة الجمال، ليلتفت لها "ظافر" ينظر لها، ثم مال مقبلاً عيناها التي أغمضتها، ثم سقط بشفتيه أكثر مقبلاً وجنتها الممتلئة، وطرف ثغرها، ثم توصل إلى مبتغاه، ليقبل شفتيها عدة قبلات رقيقة كادت أن تُذيبها، لتهتف بين قبلاته بنبرة خافتة متلعثمة:
- ظافر أحنا في المستشفى!!!!
لم يُبالي "ظافر" بما تقوله فالطابق فارغ لا يوجد به سواهما، ليُمسك بتجويف عنقها يُطبق بشفتيه على شفتيها، محاوطاً خصرها بتملك، ليبتعد عنها بعد دقائق يهتف بمزاح ونبرة لاهثة:
- هو أنا ممكن أكلِك صح!!!!
ضحكت "ملاذ" بصوتٍ خفيض لتحاوط عنقه بذراعيها، تُقبل وجنته قائلة بنبرة حزينة:
- متزعلش منه ياحبيبي، رغم أني مضايقة من اللي عمله في رهف بس هو بيحبها وصعب عليه اللي بيحصل!!!!
تقافز إلى ذهنه ما رمى به أخيه من كلماتٍ كالسهام المسمومة، ليحاوط خصرها بقوة قائلاً بهدوء:
- أنا مش زعلان منه!!! أنا زعلان عليه!!!!
حاوطت عنقه أكثر مشددة عليه، تهتف يقلبٍ مُنقبض و عينان زائغتان:
- ظافر هو أنا لو موت أو حصلي حاجة وحشة زي ما باسل قال هتعمل أيه!!!!
أشتعلت عيناه غضباً ليُبعدها عنه صارخاً بحدة:
- قولتلك قبل كدا بلاش تجيبي سيرة الموت على لسانك وباسل دة متخلف مش عارف بيقول أيه!!!!!
أرتعبت من صراخه عليه لتتحرك شفتيها قائلة بنبرة حزينة:
- كُلنا هنموت يا ظافر، أنا بس بسأل!!!!
ضرب "ظاف" الحائط جوارها هاتفاً بعنف شديد:
- متسأليش، ورحمة أبويا يا ملاذ لو قولتي حاجة زي دي مرة تانية متعرفيش أنا هعمل أيه!!!!
نظرت له بحدقتيّ برقت بدموع أبت السقوط لتهتف ببراءة:
- متزعقليش كدا!!!!!
لانت نظرات عيناه عندما شاهد عيناها الجميلتان أغرورقتا بالدموع، ليحاوط وجهها بكفيه ثم مال طابعاً قبلات على وجنتيها اليُمنى و اليُسرى قائلاً بحنو:
- حاضر!!!
زمت شفتيها بقنوط لتبتعد عنه محاوطة ذراعيها لصدرها، تقول بحزن:
- لاء أنا زعلانه منك!!!!
أبتسم على برائتها ليحاوط خصرها من الخلف بذراعيه مستنداً برأسه على كتفها، قائلاً بصوتٍ رجولي:
- لاء متزعليش..!!!
نفت برأسها وهي تؤكد على حزنها، ليُقبل هو عنقها عدة قبلات قائلاً بخبث:
- على فكرة أنا لسة محاسبتكيش على اللي عملتيه!!!
ألتفتت له قائلة بغرابة:
- عملت أيه؟!!
كتف ساعديه بقوة قائلاً مضيقاً عيناه بتحذير:
أولاً سيادتك نزلتي لوحدك ومن غير م تستأذنيني حتى لو الفون كان مقفول كنتي ترني على فون الشركة، تاني حاجة أنك خليتي باسل يمسكك من دراعك و دي فيها موتك و موته، تالت حاجة أنك روحتي سيادتك ومسكتيه من دراعك يعني هببتيها أكتر، تالت حاجة بقا أنك نزلتي بشعرك وسيبتيه مفرود و أنتِ عارفة أن موتي وسِمي تنزلي وشعرك مفرود!!!!
جحظت بعيناها لتلتفت له قائلة بصدمة:
- يعني أنت قلبتها عليا دلوقتي وبقيت أنا اللي غلطانه!!!! وبعدين أنا كنت بواسي باسل و كمان انا معرفش رقم الشركة عندك عشان أتصل بيك، دة غير أن من حقي أنزل وشعري مفرود ع فكرة دة شعري أنا!!!
قالت وهي تضع كفيها على خصرها، لينظر لها "ظافر" مُضيقاً عيناه ثم مال بجزعه عليها يضع كفيه على المقعد جوارها يهتف بحدة:
- وأنتِ مالك بيه أصلاً تواسيه ليه، أنتِ تواسيني أنا، و تحطي إيدك عليا أنا، وتسيبيني أنا اللي ألمسك وشعرك دة تسيبيه مفرود ليا أنا بس يا هانم فاهمة!!!!
تراجعت للخلف لتتوسع عيناها من مهاجمته لها، لتومئ برأسها سريعاً قائلة بدون تفكير:
- حاضر والله فاهمة!!!!
كتم أبتسامته ليُميل على ثغرها ثم طبع عليه قبلة سريعة مبتعداً عنها، يقول بإبتسامة متشفية:
- ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا!!!!!
• • • •
هاتف "ظافر" والدته و "فريدة" التي كانت بالمشفى بالأساس، و شقيقته "ملك" و زوجها لكي يأتوا!!!
أقتربت "فريدة" من "ملاذ" لتحتضنها بإشتياقٍ:
- وحشتيني أوي يا ملاذ..!!!
بادلتها "ملاذ" العناق بودٍ قائلة:
- والله أنتِ أكتر ياحبيبتي، بس أيه يا بنتي الحلاوة دي!!!
أبتسمت "فريدة" بتهكمٍ، فهي بالفعل أزدادت جمالاً، ولكن قلبها أُصيب بالشيخوخة!!!
لتهتف لكي تُغير مجرى الحديث قائلة:
- ليه مش قولتوا من الأول أن رهف هنا أنا من بدري و أنا في المستشفى، هي لسة في العمليات صح!!!
ألتفتت لتنظر لغرفة العمليات الجراحية، لتجد "باسل" يقف مكتفاً ذراعيه، مستنداً برأسه على الحائط وجهه تجمعت على صفحاته معالم الإرهاق بأكملها، لتتوسع عيناها عائدة بنظرها إلى "ملاذ" تُشير له قائلة بخفوت:
- هو أزاي ييجي هنا!!!!
أشارت لها بالصمت لتمتم بنبرة لم تسمعها سوى "فريدة:
- ظافر أتصل بيه عشان ييجي رغم أني قولتله لما رهف تفوق الأول، بس هو صمم ياستي!!!!
أومأت "فريدة" تشفق على حالة "رهف" قائلة بقلق:
- ربنا يُستر!!!
تابعت "ملاذ" متسائلة بإهتمام:
-متعرفيش حاجة عن مازن يا فريدة؟!!!
خفق قلبها بعنف لمجرد ذِكر أسمه، لتنظر بجوارها قائلة بجمودٍ:
- لاء، ومش عايزة أعرف!!!!!
تنهدت "ملاذ" بأسى على حال رفيفتها، لتربت على كتفيها قائلة بتأكيد:
- أنتِ بتحبيه يا فريدة بس بتعاندي!!!!!
نظرت لها "فريدة" بحدة لتهتف بنبرة خافتة ولكن غاضبة:
- أنا مش بحبه يا ملاذ!!!أنا مش هحب واحد أذاني و لسة بيأذيني، مش هحب واحد حياتي معاه كانت كلها هم وقرف، اكيد مش هحب واحد سابني ومشي ومعتبر أن جوازنا غلطة!!!! أنا مش عايزاه يرجع، أنا يادوب لسة بحاول أرممم قلبي اللي أتكسر بسببه، لو رجع هنطلق ومش هستنى دقيقة واحدة!!!!
أستمعت لها "ملاذ" بقلبٍ منفطر عليها، فقد أخبرها "ظافر" منذ عدة أيام أن "مازن" أُصيب بمرض القلب الوعائي مع تشديدٌ صارم عليها ألا تخبر "فريدة" أو والدته أو "ملك"، لتنظر لها "ملاذ" بحزن ولم تعقب!!!
أقتربت "ملك" من والدتها لترتمي بأحضانها ببكاءٍ:
- وحشتيني أوي يا ماما، رهف مالها أيه اللي حصل!!!!
أحتضنت "رُقية" أبنتها بشوقٍ، فهي كانت تُخبرها بكُل ما حدث بين "رهف" و "باسل"، لتقُص لها "رُقية" ما حدث، تخبرها بقلقها الشديد لمجئ "باسل" المفاجئ، والذي سيقلب الدنيا ولن يُقعدها إن علِم بأنهما جميعاً كانا يعلما أين زوجته، لتهتف "ملك" بتساؤل:
- طيب فين عمتو سُمية يا ماما!!!
هتفت "رُقية" وهي تقلب شفتيها بإقتضاب:
- لمت هدماتها ورِجعت يابنيتي، حاولت أخليها تجعد شوية بس هي موافجتش!!!
أومأت "ملك" براحة متمتمة بخفوت:
- أحسن بردو!!!!
خرج الطبيب يُزيل حبات العرق المتكونة على جبينه، ثم أزاح كمامة وجهه، لينتفض الجميع متجهين له في مقدمتهم "باسل" الذي هتف بقلقٍ أهتزت له خلايا جسده بأكملة:
- في أيه يا دكتور مراتي كويسة!!!
أومأ الطبيب بأسف ليهتف قائلاً:
- المدام كويسة أحنا قدرنا نوقف النزيف، بس للأسف الجنين مات!!! البقاء لله!!!!!!
شهق الجميع بصدمة ليخفضوا رؤوسهم بحزن، لاسيما "رُقية" التي هتفت بأسى شديد:
- لا حول ولا قوة إلا بالله!!!
حدق "باسل" في الفراغ، لتلتمع عيناه بدموع أبت السقوط، ثم نظر للطبيب يهتف بصوتٍ متحشرج ظهر به بحة متألمة:
- طب وهي.. هي كويسة مش كدا!!!!
أومأ الطبيب قائلاً بتأكيد:
- أيوا كويسة هي نايمة دلوقتي عشان حُقنة المخدر اللي خدتها و طبعاً لازملها راحة تامة عشان تقدر تتقبل الوضع، وياريت شخص واحد بس هو اللي يدخلها عشان تبقى مرتاحة، عن إذنكوا!!!!
ذهب الطبيب لتتقدم "رُقية" مربتة على كتفيه وهي تقول لكي تحثه على الدلوف:
- أدخلها أنت يابني، مهما كان اللي بيناتكوا هي أكيد محتچاك دلوقتي أكتر من اي وقت!!!!
بالفعل تحركت أقدامه نحو الباب، ليُدير المقبض ثم فتحه بهدوء، أغلق الباب خلفه ثم ألتفت لها، لينقبض قلبه عما رأى جسدها هامداً مستلقياً على الفراش لا حياة فيه، موصلاً بالكثير من السلوك بالإضافة إلى الكانيولا التي غرزت بيدها، مضى نحوها أكثر مشتاقاً لها، جذب مقعد ليضعه بجانب الفراش، ثم جلس عليه وعيناه ثابته على وجهها الشاحب، وشفتيها البيضاء، قلبه يتآكل ندماً على ما فعله بها، لتمتد أنامله لكفها ثم حاوطه بكِلتا كفيه، يقربه من ثغره ليطبع عليه عدة قبلات آسفة، خارت قواه لتُغدر به دموعه التي أخذت بالأنهمار على وجنتيه وعلى كفها، مستنداً بمقدمة رأسه على كفيه الممسكين بها، ليردف "باسل" وسط بكاءه:
- من و أنا صغير لما كنت بشوف أبويا بيضرب أمي، كنت واخد وعد على نفسي أني لما أكبر و أتجوز مستحيل أضرب مراتي، مستحيل أزعلها أو أهينها في يوم، مش هخليها تحس بالإحساس اللي كانت أمي بتحسه.. أحساس الذُل و الإهانه، عشان كدا أنا عُمري مـ فكرت أمد إيدي عليكي قبل اللي حصل دة، لما شوفت الرسايل، حسيت كأن روحي خرجت من جسمي، حسيت أن الدم كله أتجمد لدرجة أن جسمي بقا ساقع، قلبي كان واجعني أوي يا رهف، أحساس صعب عليا، عقلي وقف ومفكرتش أن ممكن تكوني مظلومة مع أني والله واثق فيكي أوي، بس الشيطان كان بيوسوسني وبيقولي أنها يمكن رجعت تحب سليم تاني، و أنا بضربك كنت بضرب نفسي، كنت بتوجع أضعاف الوجع اللي سببتهولك، كنت بتمنى إيدي تتشل و أنا بضربك، صدقيني أنتِ عُمرك مـ هونتي عليا، لما مشيتي كنت عامل زي المجنون، حسيت لأول مرة أني خسرت أهم و أغلى شخص في حياتي!!!!!
رفع أنظاره ليراها أهدابها تُرفرف ليعلم أنها مستيقظة ،لينهض ماسحاً على خصلاتها بحنو و هو يقول:
- قومي بقا باحبيبتي، أنا مش متعود عليكي ضعيفة، قومي أضربيني زي مـ ضربتك و خُدي حقك مني، قومي زعقي بس طمنيني عليكي، قوليلي كنتي فين كل المدة دي، طب قوليلي حد أذاكي و أنا بعيد عنك، قومي يارهف عشان خاطري!!!!!!
فتحت عيناها ببطئ، لتنظر إلى وجهه المُرهق، وعيناه الباكية، أنامله المرتعشة على خصلاتها، سقطت أنامله تتفحص وجهها وكأنه يتأكد إن كانت قابعة أمامه بالفعل أم أنها أحد أحلامه، سارت أنامله على عيناها ووجنتبها، شفتيها و ذقنها ليُميل مقبلاً جبهتها عدة قبلات وقلبه يكاد يطير فرحاً، لتمتلئ عيناها دموعاً عندما تذكرت ما أخبرته للطبيب..
عودة بالزمن إلى الوراء قبل ساعة..
تفرقت أهدابها بعيناها العسليتان، تشعر بشئ يجثى على صدرها، تنظر لكل شئ حولها من طبيبٌ يرمقها بإهتمام، و ممرضة تُتابع مسار تلك الأسلاك الموصلة بجسدها، لترتعش شفتيها بتوجسٍ قائلة بضعفٍ:
- أنا فين!!!!
نظر لها ذلك الطبيب الوسيم بلُطفٍ و هو يقول:
- أنتِ في المستشفى، كل الموضوع نزيف طبيعي لأنك في الشهر التالت والحمدلله وقفناه!!!
نظرت له بوهنٍ لتتحسس معدتها قائلة بدموعٍ لم تستطيع الاحتجاز داخل مقلتيها:
- أبني!!!!!
هدأها الطبيب رافعاً لها يده عندما شاهد دموعها:
- أهدي بس يا مدام الجنين كويس جداً وصحته تمام!!!
أومأت "رهف" وهي تزيل دمعاتها قائلة بإرتياح:
- الحمدلله..
أبتسم الطبيب ليهتف قائلاً بوجهٍ بشوش:
- واضح أن زوج حضرتك بيحبك جداً، حقيقي كان صعبان عليا حالته وحشة أوي برا، أنا طلع أقوله أنك بقيتي كويسة!!!!
جحظت عيناها لتهتف بصدمة شديدة:
- أيه!!!! أنت قولت جوزي!!!!
أومأ الطبيب بغرابة ليسترسل مشيراً للخارج:
- أيوا يا مدام زوج حضرتك وعيلتك كلهم برا ومستنيين يطمنوا عليكي!!!!
شهقت بصعوق لتقول وقد بدأ جسدها في الأنتفاض:
- حضرتك متأكد يا دكتور أن جوزي واقف برا!!!!
رفع الطبيب كتفيه قائلاً:
- الممرضة لما سألته إذا كان هو جوزك و لا لاء قالها أنه جوزك!!!
ثم ألتفت إلى تلك الفتاة الواقفة ينظر لها قائلاً:
- مش كدا؟!!
أومأت الممرضة بتأكيد على حديثه، لتنظر "رهف" أمامها بشرود ممسكة برأسها بحدة، لتلتفت له بعيناها البريئتان قائلة برجاء:
- هو أنا ممكن أطلب من حضرتك طلب؟!!!
لانت عيناه عندما رأى عيناها الجميلتان ليهتف بلا وعي:
- طبعاً!!!!
- أنا مش عابزة حد يعرف أني لسة حامل!!!! أرجوك حضرتك هتخدمني أوي أنا عابزة جوزي بالذات يكون عارف أن أبني مات و أني سقطت!!!!
نظر لها الطبيب بدهشة ليرمقها بتوترٍ:
- بس آآآآ..!!!
قاطعته "رهف" وهي تضم كفيها إلى صدرها تردف برجاء شديد:
- أرجوك لو سمحت أعتبرني زي أختك أنا جوزي لو عرف أني لسة حامل هيضربني لحد م أسقّط و أنا عايزة أبني، أرجوك أنت كدا هتنقذ حياة طفل ملهوش ذنب في كل دة!!!!
أومأ الطبيب بأقتناع لتبتسم له "رهف" بشُكرٍ، لتنظر لمعدتها شبه المنتفخة قليلاً لتقول بقلقٍ:
- بس هو ممكن يلاحظ أن بطني يعني كبيرة شوية يا دكتور!!!!
نفى الطبيب سريعاً قائلاً يطمئنها:
- لاء متقلقيش البطن في الشهر التالت مش بتبقى كبيرة فـ حضرتك ممكن تداريها باللبس، لكن هو ممكن يعرف في حالة واحدة.. آآآ يعني آآ!!!
قاطعته "رهف" متفهمة لتردف بسُخرية:
- فهمتك يا دكتور..
ثم تابعت قائلة بودٍ:
- متشكرة أوي ليك، حضرتك ممكن تخرج تقولهم و كمان ياريت تقولهم أني نايمة..!!!!!
نظرت "رهف" إلى "باسل" الذي يرمقها بنظرات حانية، ليهتف بصوتٍ متحشرج أجش:
- أخيراً يا رهف رجعتي تاني، أنا كُنت بموت و أنتِ بعيدة عني!!!!
أستشعرت "رهف" الحنو بصوته، لتزداد دموعها أنهماراً، تُريد أن تُمتع عيناها برؤيته، فهي ستكون أخر مرة تراه بها!!!!
أسرع بمسح دموعها ليحاوط وجنتيها و هو يُميل عليها برأسه قائلاً بقلقٍ و رجاء معاً:
- لاء لاء متعيطيش أبداً مش عايز أشوف دموعك دي، أوعدك أني مش هخليكي تعيطي من هنا و رايح مهما حصل هعوضك عن كل حاجة!!!
نظرت لكفيه الدافئان على وجنتيها لتُغمض عيناها بألمٍ، تمنت لو بإستطاعتها أن تُلقي بجسدها في أحضانه وبين ذراعيه، تخبره كم أشتاقت له، كم تألمت عندما أبتعدت عنه، تخبره أن حياتها كالجحيم و هو بعيد عنها، تخبره عن بكائها طيلة الليالي على وسادتها تتمنى لتلك الأنامل الحنونة أن تمسح دموعها، لكي تخبره أنها كانت خائفة أن ترحل عن تلك الدنيا دون أن تراه لأخر مرة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لازالت تتذكر صفعاته التي هبطت على وجنتيها كجمرٍ أودى بقلبها، لازالت تتذكر كلماته القاسية والتي كانت كالقنابل ألقاها بوجهها، حتى نظراته القاسية التي حُفرت بذهنها ولا تريد الخروج!!! كل شئ تتذكره بتفاصيلٍ دقيقة، لترفع أنظاره لها لا تجد سوى معاني الحب والعشق بأكملها متجسدة داخل مقلتيه، لتتجمد ملامحها رويداً، ثم وضعت كفيها على كفه لتُزيحه بحدة!!!!!