رواية حافية علي جسر عشقي الفصل السادس عشر 16 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي الفصل السادس عشر:
لم تكِف "ملاذ" عن التفكير به، فمنذُ ثلاثة أيام يُقضي نهاره خارج المنزل ويعود فجراً، لم يتحدث معها طيلة الثلاثة أيام..لم تسمع صوته حتى، تشعر بروحها تكاد تخرج من جسدها وهي بعيدة عنه..
حادثتها "رقية" و "فريدة" و "رهف" أيضاً ليطمأنوا عليهم، طلبوا مجيئهم ولكن "ظافر" رفض متعللاً بأعماله و أنهم سيذهيوا لها قريباً، إبتسمت ساخرة وهي جالسة أمام التلفاز مثلما أعتادت الآونة الاخيرة، ولكنها تشعر بأنها جالسة على جمر، قلبها يأن حزناً يطلب مجيئه، عقلها يريد رؤيته أيضاً ولكن ليحطم أنفه العالي، أنتفضت فجأة لتنهض بدون مقدمات تحفر الأرض أسفلها لكي تذهب لغرفة المكتب خاصته، وبالفعل أقتحمت الغرفة دون إستئذان، وقفت تستند على مقبض الباب متوقعة صراخه عليها ولكنه كان يتفحص الأوراق بإهتمام غير مبالي لها، أغتاظت بشدة لتتقدم منه بشراسة، ثم ضربت بكفيها على المكتب مقربة وجهها من وجهه المنحني ينظر للأوراق أمامه، لم يتكبد عناء النظر لها ليقلب أوراقه ببرود، ضاقت عيناها لتضغط بشدة على أسنانها لتقول بنبرة عدائية:
- ظافر!!!!
لم يُبدي أي ردة فعل وهو لازال يتفحص أوراقه، زفرت بإختناق وهي تشعر بغصة بحلقها، نظرت لذلك الكوب الزجاجي الموضوع أمامه لتمسك به ملقية إياه على الحائط أمامها ليحدث صوتٍ دوى في الغرفة، ظل على وضعه وكأنها لم تفعل شئ، بينما أصابتها هي حالة من الجنون لتلقي بمحتويات المكتب بأكمله على الأرض بعنفٍ ليتفاجأ هو بما فعلته، نهض بغضبٍ لو أخرجه لعصفَ بهما، كوّر كفه ليضرب على المكتب بقسوة، يطالعها مُراقب صدرها المهتاج ونظراتها الزائغة، جسدها الذي يرتعش بأكمله وكأنها تقف في مواجهة مُناخ قارص البرودة!!!!
أمسكت برأسها لتضغط عليه بضراوة، ثم أطلقت صرخات عالية أعلنت بها عن نفاذ صبرها وعدم أحتمالها لما يحدث، عدم أستطاعتها على تكبد عناء الأمر برمته، آهات متألمة خرجت من فِيها، ليبدأ بالفعل بالشعور بالقلق على حالتها المرضية تلك، لانت ملامحه قليلاً ليتحرك نحوها، وقف قبالتها ليمد أنامله يقبض على كتفيها في محاولة لتهدئتها، وقبل أن يلمسها أرتدت هي للخلف بعنف قائلة بعينان حمرواتين كالدماء:
- متلمسنيش..إياك تلمسني، أنتَ أيه ها؟، أنتَ فاكر نفسك أيه!!!! ملاك!!!مش بتغلط!!! أنا غلطت وعارفة كدة بس أنا حبيتك و وافقت أتجوزك عشان حبيتك مش عشان أنصب عليك، وياريتني مـ حبيتك يا أخي، أنا شوفت فِيك أبويا اللي ملحقتش أشبع من حنيته عليا، شوفت فِيك أخويا السند، وشوفت فِيك حبيبي!!!
وفي الأخر تقولي إن البنات الزبالة اللي تعرفهم أشرف مني!!!!! للدرجة دي أنا رخيصة في نظرك كدة!!!! لـيـه!!!!!
لاء و تقولي أني المكان اللي هيجمعنا السرير!!!! أنـا بـكـرهـك وبكره اليوم اللي قابلتك فيه و بـكـره نفسي عشان حبيتك!!!!!!!!
أنفجرت بالبكاء لترتجف قدميها حتى كادت أن تنهار على الأرضية ليسرع هو بإسنادها واضعاً ذراعٍ على خصرها والأخر على مؤخرة عنقها جاعلاً من وجهها مقابل لقلبه، حاولت إبعاده بوهن تردد بألمٍ:
- بكرهك...
شدد على عناقها مغمضاً العينان يتمتم بنبرة خافتة:
- شششش أهدي..
أسند ذقنه على رأسها يعانق جسدها الصغير إلى جسده أكثر، يشعر بنصلٍ حاد يمزق قلبه إرباً، ودموعها التي تغرق قميصه يجزم أن قلبه يبكي أضعافها، شعر بجسدها يرتخي تدريجياً ليعلم أنها فقدت وعيها من شدة التعب، أنحنى بجزعه ليضع ذراعٍ أسفل ركبتيها و الأخر على خصرها يحملها بخفة، مضى نحو غرفته ليدفع الباب بقدمه، وضعها على الفراش برفق، ظل منحنياً ينظر لها، مسح حبات العرق التي تكونت على جبينها ليدثرها بالغطاء جيداً، أغلق الأنوار ثم خرج من الغرفة، جلس على أقرب مقعد جاء بطريقه ليخرج لُفافة تبغ بُنية اللون من جيب بنطاله، نفث دخانها بإرهاق واضعاً كفه على مقدمه رأسه، يعلم أنه كان قاسي معها تلك الفترة، ولكنه عشقها، وهي طعنته بسكين في ظهره، حياته معها أنقلبت رأساً على عقب، من الصعب أن يخذلك من كنت تتباهى به!!!!!
• • • •
أحتضنت قدميها لصدرها نائمة على الفراش بوضع الجنين، دموعها تنهار مروراً بوجنتيها حتى الوسادة التي تنام عليها، قلبها ينزف دماً، تشعر أنها ناقصة بدونه، تشعر بأنها بـ مهب الرياح وهي ليست بجواره، لا تعلم أهو بخير أم مكروه قد أصابه، يشتاق لرؤيتها مثلما تفعل هي، قلبه ملتاع مثلها، أَم أنه بارد كعادته، لا تعلم أهي تحبه أم ذلك فقط خوفاً على زوجها، ولكنها تتيقن أنها تتألم بدونه، منذ أن أشتمت عطره بذلك البوم في الحديقة وهي على هذا الحال، تبكي ولكن بصمت، لاتظهر لأحد من القصر أنها تشتاقه، سوى "رهف" التي تعلم بنزيف روحها، تنهدت بوهنٍ لتحتضن كفيها إلى صدرها مغمضة عيناها تدعي ربنا بأن يكون بخير، شعرت بالباب يفتح لتجد "يزيد" يقفز فوقها يقبلها من وجنتيها قائلاً بسعادة:
- ديدة أنا بحبِك..
أبتسمت بألم لتنهض جالسة أمامه، لترفع ذراعيها محاوطة كتفيه قائلة بنبرة خافتة:
- أنا كمان بحبك أوي يا حبيبي.. أيه رأيك نخرج النهاردة؟!!!
ربت على ظهرها بكفه الصغير ليتراقص قلبه فرحاً قائلاً ببراءة:
- بجد يا ديدة هنروح فين طيب؟!!
ابتعدت عنه قائلة بحنان:
- المكان اللي أنت عايزة يا قلب ديدة..
وضع أصبع على ذقنه يفكر في مكانٍ ما يذهبوا له، لتتوسع عيناه قائلاً بسرعة:
- عند عمو مازن!!!!!
ذبلت عيناها ليتهدل كتفيها قائلة بحزنٍ بدى ظاهراً في نبرتها:
- لاء يا يزيد شوف مكان تاني.. عمو مازن عنده شغل وهيرجع بعد كام يوم..
زم شفتيه بحزن ليعود قائلاً بعد ثوانٍ:
- خلاص يبقى نروح الملاهي..!!!
حركت رأسها بإيماءه صغيرة قائلة بعطفٍ:
- حاضر يا عمري..!!!
• • • •
أنتقلت "ملك" للقاهرة برفقة مربية المنزل "فتحية" و التي تعتبرها "ملك" كأمها الثانية، نقلت أيضاً جميع أغراضها بالغرفة بمساعدة "فتحية"، دلفت لغرفتها والتي كانت مطلية باللون الوردي الرقيق لتجلس على الفراش تتصفح صورهُ كالعادة، كم يبدو وسيماً في الحقيقة و في الصور، كم تتمنى لو كان يبادلها مشاعرها، ولكنها عزمت على نسيانه، ستنتبه لحياتها ومستقبلها ولن تفكر به، ولكن داهمها ذلك المشهد في عندما كانت بزفاف أخيها، لتتساؤل بصوتٍ يملؤه الحيرة:
- ليه عمل كدا؟!!! دة كأنه كان غيران عليا، الطريقة اللي ضرب بيها الراجل اللي كان بيعاكسني، لما قالي أن الفستان ضيّق.. الطريقة اللي مسكني بيها..كل حاجة بتدل أنه بيحبني.. لاء.. أكيد لاء ياملك متعلقيش نفسك بوهم من جديد، أنا لسة بحاول ألملم قلبي اللي كسره لما قالي أنه مش بيحبني، أيوا صح هو مش بيحبني.. أنا أخت صاحبه وعشرة عمره يعني زي أخته!!!
انا غبيه ليه ضربته بالقلم.. ربنا يستر و مش يقول لظافر عشان آآآآ..
قاطع أندماجها في الحديث دلوف "فتحبة التي جلست على الفراش بجانبها قائلة بحنو:
- أعملك وكل يابنيتي؟!!
- لاء يا دادة مش عايزة أكل انا هنام..
أومأت "فتحية" مربتة على كتفها قائلة بودٍ:
- طيب يا حبيبتي هسيبك أنا..
كادت أن تذهب لولا يد "ملك" التي تشبثت بها قائلة بنبرة يشوبها التوسل:
- دادة ممكن أسألك سؤال؟!!!
عادت لتجلس قائلة بإستفهام:
- جولي يا ضنايا؟
أبتلعت ريقها لتأخذ نفسٍ عميق، أعتدلت متربعة في جلستها لتقول بصوتٍ بدى به الألم:
- أنا.. أنا صحبتي بتحب واحد أوي، بس هو مش بيحبها.. تفتكري صحبتي دي ممكن تعمل أيه مع الراجل دة؟!!!
أبتسمت "فتحية" قائلة بدهاءٍ:
- مـ يمكن يكون هو كمان عيحبها و رايدها وهي متعرفش!!!!
جحظت عيناها قائلة:
- تفتكري يا دادة!!! بس هو قالها أنه مش بيحبها!!!!
- يا بنيتي صدجيني ياما ناس بتجول أنها متعرفش معنى الحُب، وهُما أكتى ناس يتمنوا يعيشوا الإحساس دة، لكن خلي صاحبتك تشوف عينيه، لو اللسان كدب العين عمرها م تكدب يا حبيبتي...!!!!
خفق قلبها بعنف لتضع كفها تحت ذقنها قائلة بإهتمام:
- بس في ناس يا دادة عنيهم بتبقى باردة وغامضة وكأنها لغز مش بيتحل..
- خلاص يبقى ممكن تعرف أنه بيحبها من أهتمامه بيها.. أو غيرته عليها.. حتى لو هو جال أنه مش بيحبها أفعاله ممكن تقول عكس إكده!!!!
تذكرت "ملك" ما حدث بالزفاف لتعلو وجهها أبتسامة ناصعة وقد أشرق الأمل في وجهها، لتطالعها "فتحيه" بغرابة قائلة بشكٍ وثغرها تشكّل بإبتسامة بسيطة:
- متأكدة أنها صاحبتك؟!!!
جفلت "ملك" لتتمتم بتوترٍ مفاجئ:
- ها؟ أيوا..أيوا يا دادا صاحبتي..
طالعتها بنظراتٍ ذات مغزى لتقول:
- طيب يا حبيبتي أنا هجوم أنام بجى..!!
أومأت "ملك" لتنهض "فتحية" تدلف خارج الغرفة، استلقت "ملك" على الفراش، تضم كفيها أسفل رأسها قائلة بإبتسامة:
- أيوا هو أكيد بيحبني.. وإلا مكنش ضرب الراجل دة عشاني.. أنا عارفة أكيد!!!!
• • • •
أستأذنت "فريدة" من "رُقية" لكي تخرج هي و أخيها، فـ وافقت "رقية" على الفور علها تخرج من حالتها تلك، أرتدت "فريدة" بنطال من الجينز يحدد تفاصيل ساقيها الرفيعتان، و پلوڤر باللون الوردي لتظهر بمظهر شبابي أنيق، وجعلت اخيها أيضاً يرتدي ينطال ثلجي اللون و كنزة ثقيلة تحميه من ذلك الطقس القاسي، أوصلها السائق إلى الملاهي ليترجلا من السيارة حديثة النوع، كان المكان مزدحم -كالعادة- والجميع يمرح ويلعب هنا ويضحك هناك، ليضحك أخيها بسعادة قائلاً:
- فاكرة يا ديدا لما عمو مازن جابنا هنا، ولعب معانا كمان!!!!
ابتلعت غصة عالقة بحلقها لتلتمع عيناها منذرة بدموعٍ كادت تسقط لولا أنها أغمضت عيناها بألمٍ مزق قلبُها!!!
حاولت عدم البكاء لتخطوا بأخيها داخل الملاهي، أقتربت من إحدى الألعاب البسيطة التي تناسب صِغر سن اخيها لتجعله يصعدها ووقفت تراقبه، أخبرته أنها ستذهب ولن تبتعد لكي تقوم بشراء المثلجات لهما وأمرته بعدم التحرك او النزول من اللعبة فهي لن تتأخر، وافق هو على الفور و أنصاع لها.. أبتعدت هي ولكنها كانت تراقبه بعيناها..
و بنقطةٍ ليست ببعيدة عنهم.. كان يراقبها هي..بنظراتٍ ثاقبة تتفرسها، أرتفع الإدرنالين بدمه عندما نظر لما ترتديه، كوّر قبضتيه بقوة و أعصابه تهدد بالإنفلات، يريد أن يذهب لها ليحطم وجهها و يعنفها عما ترتديه، ولكنه تعاهد أن يعاقب نفسه بالإبتعاد عنها.. فقد قرر أن يذهب إلى فرنسا وقد حجز طيارته بعد ساعاتٍ فقط عندما تشرق الشمس،ولكن أراد أن يمتع بصرُه بالنظر إلى وجهها.. و إلى كل حركةٍ تصدر منها، قرر وضع حراسه بعيداً عنها لكي يراقبوها ويتدخلوا إن لزم الأمر، تأكد "مازن" من تلك المدة التي أبتعد بها عنها أنه يعشقها، متيم بها حتى النخاع، لربما هو من أضاعها بغباءه وغروره، ولكنه سيستردها بعد أن يتغير تماماً!!!!
ألتفت لكي يغادر الملاهي بقلبٍ ملكوم، ليصعد سيارته وهو يطالع ضحكاتها مع أخيها، كيف يُخبرها أنه يشتاق لها، لكل شئ صغير بها، كيف يُخبرها أنه أدرك قيمتها عندما أبتعد عنها، كيف يخبرها أن فرصةً ستكن بمثابة حياة جديدة له، سيتشبث بتلك الفرصة بكل ما أوتي من قوة، تنهد بضيق ليذهب بالسيارة سريعاً...
شعرت بقلبها ينتفض من بين ضلوعه عندما قال "يزيد" ببراءة شديدة:
- ديدا أنا شوفت عمو مازن دلوقتي!!!!!
- أيـــه!!!!!!فين يا يزيد...
أشار "يزيد" بإصبعه الصغير إلى نقطةٍ ما قائلاً:
- هو كان واقف هنا وكان بيبصلك كمان!!!!
أرتجفت أطرافها لينبض قلبها حتى شعرت أنه كاد أن يتوقف، لتلتف بسرعة ولكنها لم تجده.. بحثت بعيناها عنه ولم تجده، لتلتف لأخيها قائلة بلهفةٍ:
- بس هو مش موجود يا حبيبي..
أومأ "يزيد" وهو يردف ببساطة:
- أيوا عارف.. هو ركب العربية ومشي!!!!!
نزلت لمستواه لتتمسك بكتفيه قائلة بمقلتي أغرورقتا بالدموع:
- ليه مقولتليش يا يزيد.. ليه!!!!!
أنكس "يزيد" رأسه بحزن قائلاً:
-عشان كل م بجيبلك سيرته بتعيطي زي دلوقتي كدا!!!!!
تنهدت بحُرقة لتعتدل في وقفتها، ألتقطت كفه الصغير ليتجها إلى السيارة، أجلسته بها بجانب السائق لتسترسل له بهدوءٍ:
- لو سمحت هسيب يزيد معاك و 5 دقايق وراجعة على طول مش هتأخر..
أومأ ذلك الرجل كبير السن ذو الخصلات البيضاء قائلاً:
- تأمري يا ست هانم..
اومأت بإبتسامة لتبتعد قليلاً عن السيارة، ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها لتبحث عن رقمه بـ أنامل مرتجفة، وجدته أخيراً لتضغط على الأتصال، وضعت الأهاتف على أذنها لتسمع ذلك الرنين الذي يستنزف روحها ببطئٍ، وقع قلبها أرضاً عندما فُتِح الهاتف على الجانب الأخر..
نظر لأسمها المميز الذي يتوسط شاشة هاتفه، يريد فقط سماع صوتها قبل أن يغادر، وبالفعل ضغط على زر الفتح ليضع الهاتف على أذنه، و لأول مرة يشعر بأن لسانه معقود بمكابلٍ من حديد..
أبتلعت ريقها لتنظر أسفلها، أنهمرت دموعها الساخنة على وجنتيها تحرقها ببطئٍ، وبدون قصدٍ منها خرجت منها شهقة أفرغت مكنون قلبها المتألم، مما جعله يغمض عيناه حتى كاد أن يتراجع عما سيقوله لها، رفعت رأسها ببطىٍ لتتمتم بنبرة مهزوزة:
- مـازن!!!!!
أصدر تنهيداً مشتاقاً لأسمهزالذي يخرج من كرزتيها، لتُكمل هي:
- أنت فين؟!! ليه غاوي تعذبني؟!!!!!
إلتوى ثغره بإبتسامة ساخرة، فهي لا تعلم أنه يتعذب أضعاف عذابها، و أخيراً أسترسل بصوتٍ متحشرج بــارد:
- عايزة أيه؟!!!!
صُدمت من نبرته الجافة، لتضغط على شفتيها بقسوة، قائلة بألمٍ ظهر بصوتها:
- عايزة أيه!!!!! للدرجة دي كارهني كدا؟!!!!
- كويس أنك عارفة، أنا فعلاً بكرهك يا فريدة، وبتمنى الزمن يرجع بيا عشان مرجعش أتجوزك و أغلط الغلطة دي!!!
و كأنه لكَّم قلبها بدون رحمة، شعرت بالهواء يصفعها على وجنتيها، صفعات أفاقتها وجعلتها تعي ما حولها، لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها قوية..ساخرة مما آلت لها حياتها:
- طب مـ أحنا فيها!!!! يلا يا مازن تعالي و أرمي عليا يمين الطلاق، عشان أنا حاسة أني في مسرحية بايخة أوي عايزة أطلع منها بقا!!!!
- لاء يا فريدة، مش هطلقك..مش هديكي حُريتك، هتفضلي تحت رحمتي أنا!!!! أنا لما أزهق منك هطلقك لكن غير كدا أنتِ بتاعتي، فاهمة!!!!!
وضعت كفها على وجهها لتصرخ به بحدة:
- أنا مغلتطش لما قولت عليك مش طبيعي..أنت فعلاً مريض نفسي، وربنا هيوقعك في شر أعمالك!!! أنت بتستقوى ليه!!! فاكر نفسك أيه عشان تبيع وتشتري في الناس!!!!!، بس صدقني قريب هطلّق منك وهكمل حياتي مع حد يحبني حب نضيف!!!! مش حُب مريض زيك، أنا أستحملتك كتير.. وأستنيتك عشان قولت يمكن يكون جواك طفل صغير بتخبيه ورا قسوتك دي، بس أنت شيطان!!!! وعمرك مـ هتتغير!!!!!!
أغلقت الهاتف لتجهش بالبكاء، جلست على إحدى المقاعد الموضوعة أمام البحر بإنهيارٍ حقيقي، كوّرت كفها لتضعها على فمها تكتم شهقاتٍ تسحب الهواء من رئتيها، لتضرب المقعد بكفها الأخر بهستيرية مرددة" غبية..غبية وهتفضلي طول عُمرك ساذجة"،ظلت هكذا عدة دقائق لتنهض بوهنٍ وهي تشعر برأسها تدور بها، زاغت أنظارها وهي تعود للسيارة ببطئٍ، لتصعد بجانب "يزيد" الذي غلبه النعاس فنام، تحرّك السواق سريعاً ليصل للقصر!!!
• • • •
ترجل من السيارة واضعاً يده على قلبه مغمضاً عيناه بألمٍ، فقد عاد قلبه يؤلمه من جديد، أستند على السيارة ليتذكر عندما ذهب للطبيب منذ يومان لكي يفحص نفسه بشكلٍ عام، لاسيما عندما بدأ يشعر بإغماء كثير الفترات الأخيرة، وقلبه الذي يؤلمه أحياناً كثيرة، بالإضافة إلى صعوبة التتفس، وبالفعل حدث ما توقعه، هو مُصاب بـ مرض القلب الوعائي، وتنجم امراض القلب الوعائية عن تضيّق أو تصلب في الأوعية الدموية، تؤدي إلى عدم تلقـّي القلب، والدماغ أو أعضاء أخرى في الجسم كمية كافية من الدم، و أخبره الطبيب بضرورة القيام بعملية جراحية، ولكنه لا يريد القيام بها، فلماذا سيصارع لكي يحيا، ما هدفه بتلك الحياة، بعدما رمى بوجهها تلك الكلمات القاسية، كان يريد أن تكرهه ولا تنتظره، فهي من الواضح أنها عشقته مثلما فعل هو، لهذا لا يريد أن تتعلق به، يريدها أن تتقبل أمر أنه بنسبة كبيرة سيغادر تلك الحياة ولن يعود!!!!!
"صدمتكوا ها؟"
• • • •
ترجلت من السيارة بأقدامٍ رخوية، بالكاد تستطيع السير عليهما، تاركة السواق يجلب أخيها، أستندت على باب القصر لتطرق بوهنٍ، فتحت الخادمة الباب سريعاً لتجد "فريدة" بحالة يُرثى لها، ولكن لم تستطيع قدميها أن تحملها أكثر لتسقط مغشياً عليها لتصتدم رأسها بالأرض محتضنة إياها، صرخت الخادمة بفزع:
- فـريـدة هـانم!!!!!!
جاءت "رقية" على صوت الخادمة لتصتدم بـ "فريدة" مرتمية على الأرض، لتضرب بكفيها على صدغيها صارخة وهي تميل عليها محاولة إفاقتها:
- فريدة!!!! فريدة جومي يابنتي!!!! مالها فريدة يا بت!!!!
تمتمت الخادمة بلكنتها الصعيدية:
- مش خابرة يا هانم أنا فتحتلها الباب لجيتها أترمت على الأرض إكده...
صرخت بها "رُقية" بعنف:
- أنتِ لسة هترغي معايا عاد، روحي أتصلي بالدكتور ياجي بسُرعة يا بت!!!!!
• • • •
لامست قدميها الأرضية الباردة، مُزيحة ذلك الغطاء عن جسدها، ليرتعش جسدها من برودة الشتاء التي لا تَرحم، بحثت عنه ولكنها كالعادة وحيدة بين تلك الأربع جدران، ألقت نظرة على غرفة المكتب والتي كانت بحالة يُرثى لها لتغمض عيناها لا تستوعب مدى غباءها وما فعلته، نظفت الغرفة تعيد ترتيبها في وقتٍ قياسي، ثم بدّلت ملابسها إلى بلوڤر طويل يصل إلى ما قبل ركبتيها، وأرتدت بقدميها حذاء قطيفة خاص بالشتاء، مشطت خصلاتها الطويلة لتجلس أمام التلفاز بهدوءٍ، وجدت الباب يدق بسرعة لينتفص جسدها، فـ هو بالتأكيد لن يدق الباب لأن المفتاح بحوزته دائماً، فمن سيأتي هُنا!!!، أزدادت الطرقات علواً لتنهض ببطئٍ، أستندت بأذنها على الباب قائلة بحذرٍ:
- مين؟!!!!
- أفتحي يا ملاذ!!!!
جحظت عيناها بقوة لترتعش أطرافها، قائلة بصدمة جلية على وجهها:
- عــمــاد!!!!!!!!
أبتلعت ريقها لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها حادة كعادتها:
- أنتَ أيه اللي جابك هنا، وعرفت مكاني أزاي!!!!
قال "عماد" بنبرة خبيثة لم تنتبه لها "ملاذ" :
- أفتحي بس اكيد مش هنتكلم من ورا الباب..
هتفت بنبرة حادة:
- أنت فاكر أني هفتحلك الباب!!!! تبقى بتحلم!!!!
تأفف بضيق لتخطر على باله فكرة ستنطلي عليها، ليهتف بنبرة جادة:
- أنا جايلك بخصوص براءة!!!!
قطبت حاجبيها لتندفع بتهورٍ تفتح الباب سريعاً قائلة بإندفاع:
- مالها براءة!!!!!
أندفعت عيناه تتفحصها لتشعر "ملاذ" بالخطر يحدق بها، لعنت نفسها لغباءها لتقول بحدة شديدة:
- عماد رُد عليا!!!!!!!!! في أيه!!!!
دفعها "عماد" فجأة لترتد "ملاذ" للخلف حتى كادت أن تقع أرضاً، ليغلق هو الباب قائلاً بنبرة ماكرةٍ وهو يتفحصها من الاعلى للاسفل
- في أنك بقيتي زي القمر يا حبيبتي!!!!!!
لم تتردد "ملاذ" ليهوى كفها على وجهها بقوة جعلت وجهه يلتفت للجهة الأخرى، مما جعل الدماء تفور بعروقه ليجذبها من خصلاتها بعنف قائلاً بغِل:
- أنتِ أتجننتي يا **** بتضربيني أنا!!!! قسماً بالله يا ملاذ م هتطلعي من تحت إيدي سليمة الليلة دي!!! مش كفاية بقالي أكتر من 3 سنين شغال مرمطون ليكي!!!! بس أنا هاخد حقي منك النهاردة!!!!! هعمل الحاجة اللي كان نفسي أعملها من زمان!!!!!
حاولت إزاحة كفه الغليظ عن خصلاتها ولكنه فاجئها بصفعة جعلت شفتيها تنزف!!!! تليها عدة صفعات وسط صراخ "ملاذ"!!!!!!
"ظافر هيظبُطك يا معلم"
وبالأسفل.. ضغط "البواب" على أزرار هاتفه القديم ليهاتف "ظافر"، وبالفعل أجاب "ظافر" قائلاً :
- في أيه؟!!!
هتف البواب بقلقٍ:
- بقولك يا باشا في واحد كدا طلع من شوية الدور اللي فيه المدام، وقالي أنه أسمه عماد!!!!!!
أنتفض "ظافر" بصدمة قائلاً:
-أيــــه!!!!!!!! عــمــاد!!!!!!قول للحراس بتوعي يطلعوا يكسروا الباب ويجيبوا الـ**** دة و أنا جاي حالاً
وبالفعل أتى "ظافر" يسبق الرياح في سرعته، توقف بسيارته أمام البناية ليترجل منها تاركاً باب السيارة مفتوحاً على مصرعيه، ركض داخل البناية ليصتدم بالبواب الذي قال بلهفة:
- يابيه الحراس كسروا الباب وجابوا الواد و هو معاهم دلوقتي تحت!!!!
أومأ "ظافر" قائلاً و هو يصعد الدرج بسُرعة:
- أوعى يهرب منكوا.. لو هرب هقتلكوا كلكوا فاهمين!!!!!
صعد "ظافر" ليجد باب الشقة نصف مفتوح، يقتحم المنزل ليجدها جالسة على المقعد جسدها باكمله يرتجف، وجهها غُرق بالبكاء و شهقاتٍ عالية تصدر منها، جسدها ينتفض بين اللحظة والأخرى من شدة البكاء، أندفع ليجلس القرفصاء أمامها محاوطاً وجهها المبتل قائلاً بلهفة وقلقٍ و هو يتفحصها:
- ملاذ!!!! أيه اللي حصل، أبن الـ****** عملِك حاجة؟!!!!
جالت عيناه على وجهها ليجد طرف شفتيها مُلطخة بدماءٍ جافة، صدغها الأيمن متورم شديد الإحمرار، أطلق سبّه نابيه بها توعدٍ عما سيفعله به، لترفع عيناها الباكية له، ثم أنفجرت في بكاءٍ عالٍ، مرتمية في أحضانه بقوة، تتشبث في عنقه كالطفلة مصدره عدة شهقات باكية، مسح على ظهرها و خصلاتها ليقبلهما قائلاً بحنو:
- بس يحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص أنا معاكي محدش هيقربلك!!!!!!
ابتعدت عنه قائلة في محاولة للتحدث لتخرج نبراتها مصحوبة بشهقات أستنزفت روحه:
- أنا.. أنا والله مكنش قصدي.. أ.. أفتحله الباب مكنتش أعرف أنه هيعمل كدا.. والله يا ظافر!!!!!
أمسك بكفيها الصغيرتان ليقبلهما قائلاً بحنان و هو يمسح على وجنتيها:
- عارف يا حبيبتي والله عارف!!!!
حاوطت عنقه مجدداً لتدفن أنفها بتجويف رقبته، شعرت أن "ظافر" القديم والذي عشقها وعشقته هي عاد من جديد، ليربت هو على رأسها مقبلاً صدغها الأحمر بتوعد به بأبشع عقابٍ قد يتلقاه بحياته، وبالفعل قال بنبرة مخيفة:
- ورحمة أبويا هدفعه التمن عُمره!!!!!
أبتعدت عنه لينهض هو جالساً بجانبها ممسكاً بكفيها قائلاً بعطف:
- قوليلي يا حبيبتي براحة أيه اللي حصل بالظبط من الاول..؟؟
أومأت لتقص عليه ما حدث منذ البداية بنبرة خائفة من ردة فعله، إلى أن الدفئ لازال يقبع في عيناه، ليومأ بعدها بهدوءٍ قائلاً بلطف:
- انا رايحله دلوقتي، متفتحيش لحد و أنا مش هتأخر..!!!!
نفت بقوة لتتشبت بذراعه قائلة:
- لاء يا ظافر متسيبنيش، متوديش نفسك في داهية عشانه عشان خاطري!!!!
ربت على كفيها الموضوع على ذراعه ليميل مقبلاً جبينها، ثم نزع كفيها عن ذراعه لينهض غالقاً الباب خلفه، تاركها تجلس على جمرٍ مشتعل
• • • •
وبالفعل ذهب "ظافر" إلى المخزن ليجد حراسه قد قاموا بـإكرامه على أكمل وجه، وجد وجهه متورماً من كثرة الضرب وجسده ليس به جزءاً سليماً، إلى أن رعبه زاد أضعاف عندما رأى "ظافر" أمامه، ليزحف للخلف قائلاً برعبٍ حقيقي:
- صدقني يا بيه هي اللي كلمتني وقالتلي تعالي أنا جوزي مش في البيت!!!! صدقني هي اللي أغرتني عشان أروحلها!!!!!!!
أبتسم "ظافر" بقسوة ليميل له يجلبه من ياقة قميصه، نهض "عماد" وقدميه يرتجفان، ليلكمه "ظافر" بوجهه بقسوة، كاد أن يسقط ولكن "ظافر" أعاد الكُرة حتى بصق "عماد" دماً من فمه، امسكه "ظافر" من جديد ليدفع بركبته ملكماً إياه بأسفل بمعدته ليسقط أرضاً متآوهاً بعنف، سدد له عدة لكمات أخرى بأنحاء متفرقة بجسده، وبقسوة شديدة وضع حذائه اللامع على وجهه ليبكي "عماد" من فرط الذل الذي يعانيه، ليلكمه "ظافر" بوجهه بحذائه مما جعله يبثق أسنانه، لم يكتفي "ظافر" بل مال عليه صافعاً إياه عدة صفعات قاسية على وجهه يسُبه بأفظع السباب!!!!!، لُطخ قميصه بالدماء ويده أيضاً ولم يتركه سوى و هو مغشياً عليه، ليقول إلى حراسه:
- أرموه قدام أي مستشفى!!!!!
تركهم ليذهب إليها بسيارته، صعد بالمصعد ثم دسّ المفتاح بالباب ليدلف، وجدها تنتفض واضعة كفها على فمها بصدمة من قميصه المُغطى بالدماء لتقول بفزعٍ:
- ظافر أيه الدم دة!!!!!
حرر أزرار قميصه واحداً تلو الأخر لتقول "ملاذ" ببكاءٍ:
- أنت قتلته مش كدا؟!!!!!!
وقفت خلفه و هو ينزع القميص لتردف برجاءٍ:
- ظافر عشان خاطري سيبه متوديش نفسك في داهية..
كان جوابها الصمت المميت، تحرك "ظافر" نحو المرحاض ليدلف له بهدوءٍ، تاركها تجلس على الفراش لتنهمر الدموع من عيناها!!!!
بعد فترة خرج يلُف منشفة حول خصره، تاركاً قطرات الماء تتسابق على جسده ، لم يجدها بالغرفة ليتنهد بصبرٍ، أرتدى ملابسه المكونة من بنطال و "سويت شيرت" ثقيل، ليخرج من الغرفة متجهاً نحو غرفتها، فتح الباب ليجدها مستلقية على الفراش متدثرة بالغطاء حتى أعلى رأسها.. تنبعث منها شهقاتٍ خفيفة توحي أنها تبكي، أقترب من الفراش ليجلس بجوارها، نزع الغطاء عن رأسها قائلاً بهدوء:
- مش هتعرفي تتنفسي كدا..
نهضت لتجلس على الفراش قائلة بيأسٍ:
-خليني أموت عشان أرتاح بقا..
قطب حاجبيه بغضبٍ قائلاً بحدة طفيفة:
- بعد الشر عليكي، إياكي أسمع الكلام دة منِك تاني...
نظرت له بحبٍ لتمسك بكفه الأسمر قائلة بنبرة يشوبها البكاء:
- عارف يا ظافر.. رغم كل اللي حصل أنا لسة حاسة أني في أمان معاك..لسة حاسة أني لما ببقى جنبك محدش في الدنيا يقدر يأذيني..
أومأ بهدوءٍ مربتاً على كفها، ليردف بنبرة دافئة:
- أنا أسف على اللي قولتهولك مكنتش أقصد، أنا عارف أن كلامي وجعِك بس أنا فعلاً كنت متعصب شوية.. متزعليش مني..
تركت كفه متذكرة ما قاله لها، لتضم ركبتيها إلى صدرها مستندة بذقنها على رأسها، تاركة خصلاتها الطويلة تسترسل حولها، لتقول بنبرة حزينة:
- أنت عارف كلامك عمل فيا أيه؟!! أنا حسيت كأنك جبت سكينة تِلمة وقطعت فيا، أنا حسيت وقتها أني رخيصة أوي في نظرك!!!
لم يكُن بوسعه سوى أن يجذبها إلى أحضانه، لتتشبث بقميصه تاركة العِنان لدموعها، ظلت تبكي بصمتٍ حتى غفت بأحضانه، ليجعلها تستلقي في وضعٍ أكثر أريحية، تنام بين أحضانه، و هو يشعر أن هو من يحتاج ذلك العناق، ظافر سرحان الهلالي" يعلن أنه يصبح طفلاً بين يداها!!!!!!
• • • •
نائمة على الفراش بسكونٍ تام، وكأنها فارقت الحياة، تلتقط أذنيها عبارات الطبيب التي رنّت في أذنها:
- واضح كدا أن المدام مُرهقة، في ضغوطات عليها خليتها مش قادرة تستحمل، ومناعتها كمان ضعيفة انا هكتبلكوا على ڤيتامينات تاخدها عشان تقوي جسمها شوية، ولازم تهتموا بأكلها كويس
فتحت جفونها التي برّقت بالدموع، لتجد "رقية" تربت على رأسها قائلة بنبرة حزينة:
- جلبي واكلني عليكي ياضنايا، فيكي أيه ياحبيبتي..؟!!
حاولت الجلوس لتساعدها "رُقية" و "رهف"،أمسكت برأسها قائلة بنبرة واهنه:
- سيبوني لوحدي..!!
حاولوا الإعتراض عن تركها وحيدة وهي في تلك الحالة ولكنها أصرّت على ذلك.. ليخرجوا بالفعل تاركين إياها، نهضت "فريدة" من على الفراش لتقف أمام المرآة، تطالع وجهها الباهت، حدقتيها المنطفئة، وجسدها الهزيل، لتتحرك شفتيها قائلة بسُخرية:
- طب وبعدين يا فريدة؟!! هتفضلي كدا قاعدة مستنياه!!!، هتفضلي بتعيطي لحد من يحن عليكي ويرجع؟!!! أيه اللي جرالك أنتِ عُمرك مـ كنتي ضعيفة بالطريقة دي!!!!، أوعي تكوني حبتيه، مينفعش تحبيه يافريدة، اللي زي دة مش بيعرف يحب..معندوش قلب أصلاً عشان يحب بيه، أوعي توقعي نفسك في الحفرة بتاعته، أنتِ فاكرة أنه حبِك؟!! لاء فوقي!!! هو أتجوزك من الأول عشان هدف واحد، بس مبقاش أنا يا مازن إن ما خليتك تندم على الكلام اللي قولته، على الطريقة اللي عاملتني بيها، مبقاش أنا يابن الهلالي!!!!!!
• • • •
- أنتَ جايلك قلب تسيب مراتك كدا أزاي يا بني آدم أنت!!! بقولك أُغمى عليها النهاردة والدكتور قال أنها مش كويسة، أرجع بقا أنت كدا بتعذب نفسك وبتعذبها!!!!
قال "باسل" بنبرة حادة ممسكاً بهاتفه يقف في الشُرفة، بعدما تأكد من عدم وجود "رهف" بالغرفة..
ليتنهد "مازن" قائلاً:
- هرجع يا باسل.. هرجع بس مش دلوقتي!!!!! المهم محدش يعرف أن أنت وظافر عارفين مكاني مش كدا؟!!!
قال "باسل" بتنهيدة حارة:
- أيوا محدش يعرف طبعاً، أنت مسافر فرنسا أمتى؟!!!
- أنا خلاص بجهز شنطتي ورايح المطار.. باسل، خلي بالك منها ومن يزيد، أنا مش عارف إذا كنت هلحق أرجعلها ولا لاء!!!!!
شعر "باسل" بشئٍ سئ أصاب أخيه، ليقول محاولاً سبر أغوار عقله:
- قصدك أيه ياض؟!!! أنت مخبي عليا حاجة صح؟!!!
نفى "مازن" قائلاً:
- لاء يا عم هخبي عليك أيه يعني، وبعدين سلام بقا عشان الطيارة متفوتنيش.
-طيب.. خُد بالك من نفسك، سلام.
أغلقا معاً ليعود "باسل" مرتمياً على الفراش بنعاسٍ، ليجد "رهف" أقتحمت الغرفة صارخة به:
-بـــاســـل!!!!!!
أنتفض "باسل" صارخاً بها بصوتٍ رجولي:
- فـي أيـــه يا بنت الهبلة!!!!!!!
أنفجرت "رهف" بالضحك لتقفز فوقه على الفراش تمسك بوجنتيه السمراء قارصة عليهما قائلة بمرحٍ:
- أتخضيتي يا بسِلة؟!!!
نفض كفيها بعنف قائلاً بصرامة:
- بتهزري مع أبن أختك يا ظريفة؟!!!!
ضربت طرف أنفه بأنامله لتقول بإبتسامة طفولية:
- خلاص متزعلش يحبيبي...
حاوط خصرها بذراعه المفتول ليقلب الكُرّة جاعلاً منها أسفل جسده جاعلها تشهق بصدمة، قال بخبثٍ:
- لاء أنا لسة زعلان..!!!!
حاوطت عنقه لتردف بإبتسامة متغنجة:
- طب وحبيبي أرضيه أزاي بقا؟!!!
مال بثغره على أذنها ليهمس بمكرٍ بكلمات جعلتها تشهق بعنف لتضربه على كتفيه قائلة بحدة:
- أنا الظاهر أتجوزت واحد قليل الأدب أوي!!!!
قهقه ملء فمه ليردف بخبثٍ حقيقي:
- لاء وواطي ومشوفتش دقيقتين تربية على بعض ياحبيبتي..ها؟!! قولتي أيه!!!!
نفت سريعاً قائلة بصرامة:
- لاء مستحيل يا باسل والله عيب كدا..
مال مقبلاً وجنتيها الساخنة من شدة الخجل، ليقول بنبرة خافتة أذابتها حرفياً:
- عيب أيه يا حبيبتي أنتِ مراتي مش شاقطك!!!!!
تأففت بضيق لتعض أصابعها قائلة ببراءة:
- طب أنا هلبسُه وبعد 5 دقايق هقلعه ع طول تمام؟!!
ضحِك من قلبه ولأول مرة يدخل بنوبة ضحك كهذه ليعود برأسه إلى الخلف من شدة ضحكاته، ثم عاد مطالعاً شفتيها المزمومة ليهمس بإبتسامة:
- دي الحاجة اللي أضمنهالك برقبتي طبعاً يارهف!!!!!
وضعت كفها على فمها بصدمة لتقول بعدم أستيعاب:
- أنت بجد قليل الأدب يا باسل أوي!!!!!
أبتسم بشقاوة لينهض من فوقها، ثم جلب ذراعها ليجعلها تنهض أيضاً، نظر لعيناها قائلاً بنبرة بنبرة لا تقبل نقاشاً:
- هو عندك في الدولاب، أدخلي ألبسيه يلا..
ضربت الأرض بقدميها بغضبٍ، لتجلبه من الخزانة ثم دلفت لغرفة تبديل الملابس، كان قميص للنوم باللون الأحمر الذي عزز بياض بشرتها قصير عاري تمام، لم يستر شيئاً من منها، كادت "رهف" أن تبكي من شدة خجلها لا تصدق أنه سيراها هكذا، ارتدت مئزر القميص سريعاً ليسترها ، فردت خصلاتها لتضع أحمر شفاه قاني، خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها لتجده يعطيها ظهره العاري بيده لُفافة تبغ ينفث دخانها، ألتفت لها على حين غُره،ليقترب منها ببطئٍ، كانت تبتعد هي عشرات الخطوات بعيداً عنه حتى أصتدمت بجدارٍ منيع خلفها، ليحاصرها "باسل" بذراعيه، ينظر لعيناها البندقية، ثم رفع أنامله يحاوط وجهها، يميل بشفتيه على وجهها، يطبع قبلاته على كل إنشٍ بوجهها المستدير، لتذوب "رهف" من رقة لمساته...
• • • •
شَعر "ظافر" بإرتجاف جسدها بين يداه، مع تقطيبة حاجبيها والعرق الذي تصبب من جبينها، لتتشبث بقميصه برُعبٍ تهمس بخفوت شديد:
- لاء.. ظافر، ظافر متسيبهوش يعمل فيا كدا يا ظافر لاء!!!!!
حاوطها "ظافر" مشدداً على عناقها متمتماً بقلق شديد:
- شششش بس ياحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص دة مجرد كابوس..
أنتفضت "ملاذ" برُعب لتفيق على همساته الحنونه، حاوطت عنقه لتترك رأسها مُخدره على كتفه هامسة ببكاء:
- ظافر أنا خايفة!!!!!
حاوط خصرها بقوة ليقبل خصلاتها قائلاً بنبرة دافئة:
- إياكي تخافي و أنتِ معايا!!!!! و رحمة أبويا مـ حد يقدر ييجي جنبك و أنا عايش!!!!!!
شددت على عناقه أكثر لتهمس بخفوتٍ:
- عارفة...
أستلقى على الفراش ورفض تركها، جاعلاً رأسها على قلبه ماسحاً على رأسها، تلك الحرَكة التي تخدرها، تجعلها تنام بسُرعة البرق، وبالفعل نامت "ملاذ" ليغفي "ظافر" أيضاً بجوارها..!!!
• • • •
نهضت "ملك" بحماسٍ شديد، وقفت أمام خزانتها لتفكر ماذا سترتدي..وقعت عيناها على حلةً جلدية لتلتقطها، أرتدت أسفلها بنطال فضفاض من الجينز، ثم أخفت خصلاتها الحريرة بحجابٍ باللون الكشمير الرقيق، أخذت حقيبتها لتضع بها مستلزمات الجامعة، ثم لم تضع سوى أحمر شفاه خفيف اللون، لتتجه خارج الغرفة، داهمتها رائحة طعام شهية للغاية لتُغمض عيناها تاركة تلك الرائحة تتسلل إلى جوارحها، لتتجه إلى المطبخ على الفور قائلة بحماسٍ:
- عاملة أكل أيه النهاردة يا دادة؟!!!
ألتفتت لها "فتحية" لتضربها على رأسها بخفة قائلة بمزاحٍ:
- يابت جولي صباح الخير الأول!!!!!
زمت شفتيها بعبوس لتعود مبتسمة قائلة وهي تشرأب برأسها تنظر للأواني أمامها:
- صباح الخير ياقمر..
ضربت "فتحية" كف على الأخر قائلة بحسرة:
- البت أتچننت..
ثم أكملت بصرامة زائفة:
- اوعي يابت عشان أحضرلك الفطار جبل مـ تمشي..
خرجت سريعاً من المطبخ ت قائلة بصوتٍ عالي حتى تسمعها:
- لاء يا دادة أنا همشي مش عايزة أتأخر على المحاضرة بتاعتي..!!!وبعدين ريم مستياني تحت البيت...
خرجت "فتحية" راكضة ورائها تقول:
- أستني يا ملك..!!!!
ألتفتت "ملك" لها قائلة بإهتمام:
- أيوا يا دادة؟!!!
أقتربت "فتحية" منها تقول بحذرٍ وهي تربت على كتفيها:
- خلي بالك يابتي أنا مش برتاح للي أسمها ريم دي أبداً!!!!!
قطبت"ملك" حاجبيها بغرابة لتسألها:
- طب وأنتِ تعرفيها منين يادادة؟!!!!
- أنتِ ناسية يابتي أنها كانت بتچيلك القصر، و أنا كنت بحس أنها بتيچي عشان تلعب على مازن أخوكي..بلاش ياضنايا الصاحبة اللي زي دي!!!!!
أعتقدت "ملك" بأنها تتوهم سلوك صديقتها الحبيبة، لتقول بسذاجة:
- يا دادة دي ريم دي حتة سُكرة وجدعة أوي!!!!، وعلى العموم متقلقيش أنا هاخد حذري منها.
• • • •
تأففت المدعوة "ريم" بغلٍ لتقول بنبرة مليئة بالحقد المتوقد بنيران مستعرة داخلها:
- يا ساتر أما باردة بشكل!!!! هفضل واقفة مستنية الهانم كدا!!!! يلا إن كان لك عند الكلب حاجة قوله ياسيدي، أهي بتوصلني بعربيتها ورحماني من المواصلات وقرفها!!!!!!
وجدتها تخرُج من البناية لتصتنع إبتسامة صفراء على الفور، ثم إتجهت لها لتحتضنها بحُبٍ زائف قائلة:
- وحشتيني أوي يا لوكا!!!!! عاملة أيه يا حبيبتي!!!!
بادلتها "ملك" العناق على الفور لتقول ببراءة حقيقة:
- انتِ كمان يا ميمو وحشتيني أوي والله!!!!
أبتسمت "ريم" لتبتعد قائلة بعجالة:
- طب يلا بقا بسرعة عشان منتأخرش ع المحاضرة.. العيال بيقولوا ان الدكتور أتغير وجِه مكانه دكتور سخيف جداً مش بيرحم حد!!!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج لتتجه لسيارتها قائلة بضيق:
- أصلاً المادة صعبة وكمان يجيلنا دكتور يكرهنا فيها أكتر!!!!! يلا أركبي..
أستقلتا السيارة لتقود "ملك" سريعاً..!!!
وصلا للجامعة لتصف "ملك" سيارتها، ثم ترجلتا منها ليتجها معاً للداخل، شعرت "ملك" ببطنها تؤلمها من شدة الجوع لتقول إلى "ريم" سريعاً:
- بقولك أيه يا ريم أنا مفطرتش..روحي أنتِ المحاضرة بسُرعة و أنا هجيب حاجة من الكافتريا أكلها على طول مش هتأخر..
حذرتها "ريم" قائلة:
- طب متتأخريش يا ملك..
أومأت "ملك" سريعاً لتتجه إلى الكافتريا..أخذت شطيرة من الشاورما لتقضم نصفها بشراهة، ثم وضعت النصف الأخر بحقيبتها ثم أخذت تركض إلى المحاضروة، لتكتم شهقة متألمة كادت أن تخرج من فِيها لقدميها التي أُديرت بشكلٍ مُفاجئ حتى كادت أن تسقط على الأرض لولا توازن جسدها، أنحنت لتتفحص قدمها لتجدها قد تورمت مع إحمرار شديد بها، تحاملت على نفسها لتتحرك ببطئ حتى وصلت إلى المدرج، دلفت بخطوات متعرجة بحرجٍ لتردف بعد أن شعرت بأنظارهم موجهة لها:
- أنا أسفة يا دكتور على التأخير بس أنا آآآ...
ألتفت لها أستاذها الجامعي، كان ذو جسدٍ بدين يرتدي نظارة دائرية، كانت عيناه تقدح غضباً، ليسترسل بها بنبرة عالية:
- و أنتِ لسة فاكرة تشرفي؟!!! أتفضلي برا أنا محدش يدخل بعدي!!!!! و أعملي حسابك أنك شايلة المادة بتاعتي، يلا برا!!!!!!
برقت عيناها بالدموع فـ بالإضافة لقدميها المتورمة يأتي هو ليُزيدها أكثر عليها، ألتفتت لتذهب وسط همسات الطُلاب، لتخرج سريعاً من المُدرج، جلست على الدرج لتتفجر بالبكاء كطفلة صغيرة أضاعت طريقها، بحثت في حقيبتها عن هاتفها لتخرجه، عبثت بشاشته ثم حاولت الإتصال بـ "ظافر"، ولكن لسوء حظها وجدته مغلق، هاتفت "باسل" أيضاً ولكنه لم يرد، ثم أخذت تنظر إلى رقمه بحيرة، وبالفعل ضغطت عليه، وضعت الهاتف على أذنها بترددٍ، ليقع قلبها أرضاً عندما سمعت صوته الرجولي يردف:
- مَلَك!!!!!!!
لا تعلم لما شعرت بأنها تريد البكاء، فـ لمجرد سماع صوته بالهاتف أخذت عبراتها تنهار على وجنتيها، لتطلق شهقاتٍ باكية جعلته ينتفض من مكانه قائلاً بصوتٍ عالٍ:
- أنتِ بتعيطي!!!! أنتِ فين قوليلي عشان أجيلك!!!!!
مسحت دموعها لتردف بنبرة باكية:
- أنا في جامعتي هنا في القاهرة..
أخذ مفاتيح سيارته من على مكتبه ليقول سريعاً:
- طيب أنا جايلك متتحركيش من عندك سامعة!!!!!
- حاضر..
• • • •
أستقل سيارته ليتحرك سريعاً، وكأنه يسابق الرياح، فصوت بكائها كافي بجعله يصبح أشبه بالمجنون، ضغط على المقود بشدة حتى أبيضت مفاصله، ليصل بالفعل أمام الجامعة في وقتٍ قياسي، دلف ليهاتفها حتى يعلم أين هي، شرحت له مكانها ليصل لها، وجدها جالسة على الدرج عيناها حمراء منتفخة أثر بكائها، ليجلس القرفصاء أمامها ممسكاً بكفيها، يقول بصرامة:
- مين بقا اللي مخليكي في الحاله دي عشان هشلفط وش أمه دلوقتي!!!!!
أزداد بكائها أكثر لتقول بنبرة حزينة:
- الدكتور طردني من المُدرج عشان أتأخرت وقالي أني هشيل المادة..!!!
ثم أشارت إلى تورم كاحلها قائلة بنبرة بريئة:
- بس أنا والله رجلي أتشنجت ومش عارفة أمشي عليها من ساعتها، والله مكنتش أقصد اتأخر يا جواد!!!!!
نظر إلى قدمها المتورمة ليعود بأنظاره إليها قائلاً بصرامة:
- فين رئيس المخروبة دي؟!!!!
نفت برأسها لتمسح بأناملها دموعها قائلة:
- لاء يا جواد أنا عايزة أمشي بس لو سمحت..!!!
أزداد علو صوته قائلاً بحدة وهو ينهض:
-ملك ملكيش دعوة بالموضوع دة دلوقتي!!!!، دة بقى يخصني أنا..!!!!!
أستندت على مسند الدرج لكي تقف ولكنها أطلقت شهقة متألمة لتستند بعفوية على كتفه، أمسك هو ذراعها قائلاً بلهفة:
- على مهلك..!!!!
أمسك بكفها ليحاوط بذراعها عنقه، أعترضت هي على فعلته قائلة:
- لاء سيبني أنا هعرف أمشي!!!!
لم يعيرها أهتمامٍ لينزل بها على الدرج برفق، حاولت أن تُبتعد عنها قائلة:
- يا جواد...
-مـ تهدي بقا!!!!!!
قال بصرامة موجهاً لها نظرات حادة جعلتها تصمت، تُخفي إبتسامتها عنه، تيقنت الأن أنها لا تحبه..بل تعشقه!!!!!!
• • • •
أتجهوا بالفعل لغرفة الرئيس الجامعي، و عِندنا علِم بهوية "جواد" فُزع من سلطاته، ليأمر سريعاً أستاذها الجامعى بالحضور على الفور، وبالفعل حضر، وفور أن دَلف للمكتب رمقها بنظرة مشمئزة لييقف أمام الرئيس قائلاً بهدوء:
- حضرتك طلبتني في حاجة يا فندم؟!!!
- أيوا فيه يا أستاذ مُنير، أيه اللي صدر من التلميذة بتاعتك دَفعك تعاملها بالإسلوب دة...
وضع "جواد" قدمٍ على الأخرى لينفث سيجارته بتركيز بينها هي بجواره على مشارف البكاء، ليهتف المدعو "مُنير" قائلاً بفظاظة:
- بصراحة يا فندم الهانم فاكرة أنها جامعة أبوها تدخل وقت مـ هي عايزة وتخرج وقت مـ هي عايزة جيالي متأخرة على المحاضرة و واضح كدا أنها أنسة مش محترمة و آآآ....
لم يشعُر "مُنير" سوى بلكمة جعلته يرتمي أرضاً، تليها عدة لكمات قوية جعلته قاب قوسين أو أدنى من الموت!!!!!!!.
لم تكِف "ملاذ" عن التفكير به، فمنذُ ثلاثة أيام يُقضي نهاره خارج المنزل ويعود فجراً، لم يتحدث معها طيلة الثلاثة أيام..لم تسمع صوته حتى، تشعر بروحها تكاد تخرج من جسدها وهي بعيدة عنه..
حادثتها "رقية" و "فريدة" و "رهف" أيضاً ليطمأنوا عليهم، طلبوا مجيئهم ولكن "ظافر" رفض متعللاً بأعماله و أنهم سيذهيوا لها قريباً، إبتسمت ساخرة وهي جالسة أمام التلفاز مثلما أعتادت الآونة الاخيرة، ولكنها تشعر بأنها جالسة على جمر، قلبها يأن حزناً يطلب مجيئه، عقلها يريد رؤيته أيضاً ولكن ليحطم أنفه العالي، أنتفضت فجأة لتنهض بدون مقدمات تحفر الأرض أسفلها لكي تذهب لغرفة المكتب خاصته، وبالفعل أقتحمت الغرفة دون إستئذان، وقفت تستند على مقبض الباب متوقعة صراخه عليها ولكنه كان يتفحص الأوراق بإهتمام غير مبالي لها، أغتاظت بشدة لتتقدم منه بشراسة، ثم ضربت بكفيها على المكتب مقربة وجهها من وجهه المنحني ينظر للأوراق أمامه، لم يتكبد عناء النظر لها ليقلب أوراقه ببرود، ضاقت عيناها لتضغط بشدة على أسنانها لتقول بنبرة عدائية:
- ظافر!!!!
لم يُبدي أي ردة فعل وهو لازال يتفحص أوراقه، زفرت بإختناق وهي تشعر بغصة بحلقها، نظرت لذلك الكوب الزجاجي الموضوع أمامه لتمسك به ملقية إياه على الحائط أمامها ليحدث صوتٍ دوى في الغرفة، ظل على وضعه وكأنها لم تفعل شئ، بينما أصابتها هي حالة من الجنون لتلقي بمحتويات المكتب بأكمله على الأرض بعنفٍ ليتفاجأ هو بما فعلته، نهض بغضبٍ لو أخرجه لعصفَ بهما، كوّر كفه ليضرب على المكتب بقسوة، يطالعها مُراقب صدرها المهتاج ونظراتها الزائغة، جسدها الذي يرتعش بأكمله وكأنها تقف في مواجهة مُناخ قارص البرودة!!!!
أمسكت برأسها لتضغط عليه بضراوة، ثم أطلقت صرخات عالية أعلنت بها عن نفاذ صبرها وعدم أحتمالها لما يحدث، عدم أستطاعتها على تكبد عناء الأمر برمته، آهات متألمة خرجت من فِيها، ليبدأ بالفعل بالشعور بالقلق على حالتها المرضية تلك، لانت ملامحه قليلاً ليتحرك نحوها، وقف قبالتها ليمد أنامله يقبض على كتفيها في محاولة لتهدئتها، وقبل أن يلمسها أرتدت هي للخلف بعنف قائلة بعينان حمرواتين كالدماء:
- متلمسنيش..إياك تلمسني، أنتَ أيه ها؟، أنتَ فاكر نفسك أيه!!!! ملاك!!!مش بتغلط!!! أنا غلطت وعارفة كدة بس أنا حبيتك و وافقت أتجوزك عشان حبيتك مش عشان أنصب عليك، وياريتني مـ حبيتك يا أخي، أنا شوفت فِيك أبويا اللي ملحقتش أشبع من حنيته عليا، شوفت فِيك أخويا السند، وشوفت فِيك حبيبي!!!
وفي الأخر تقولي إن البنات الزبالة اللي تعرفهم أشرف مني!!!!! للدرجة دي أنا رخيصة في نظرك كدة!!!! لـيـه!!!!!
لاء و تقولي أني المكان اللي هيجمعنا السرير!!!! أنـا بـكـرهـك وبكره اليوم اللي قابلتك فيه و بـكـره نفسي عشان حبيتك!!!!!!!!
أنفجرت بالبكاء لترتجف قدميها حتى كادت أن تنهار على الأرضية ليسرع هو بإسنادها واضعاً ذراعٍ على خصرها والأخر على مؤخرة عنقها جاعلاً من وجهها مقابل لقلبه، حاولت إبعاده بوهن تردد بألمٍ:
- بكرهك...
شدد على عناقها مغمضاً العينان يتمتم بنبرة خافتة:
- شششش أهدي..
أسند ذقنه على رأسها يعانق جسدها الصغير إلى جسده أكثر، يشعر بنصلٍ حاد يمزق قلبه إرباً، ودموعها التي تغرق قميصه يجزم أن قلبه يبكي أضعافها، شعر بجسدها يرتخي تدريجياً ليعلم أنها فقدت وعيها من شدة التعب، أنحنى بجزعه ليضع ذراعٍ أسفل ركبتيها و الأخر على خصرها يحملها بخفة، مضى نحو غرفته ليدفع الباب بقدمه، وضعها على الفراش برفق، ظل منحنياً ينظر لها، مسح حبات العرق التي تكونت على جبينها ليدثرها بالغطاء جيداً، أغلق الأنوار ثم خرج من الغرفة، جلس على أقرب مقعد جاء بطريقه ليخرج لُفافة تبغ بُنية اللون من جيب بنطاله، نفث دخانها بإرهاق واضعاً كفه على مقدمه رأسه، يعلم أنه كان قاسي معها تلك الفترة، ولكنه عشقها، وهي طعنته بسكين في ظهره، حياته معها أنقلبت رأساً على عقب، من الصعب أن يخذلك من كنت تتباهى به!!!!!
• • • •
أحتضنت قدميها لصدرها نائمة على الفراش بوضع الجنين، دموعها تنهار مروراً بوجنتيها حتى الوسادة التي تنام عليها، قلبها ينزف دماً، تشعر أنها ناقصة بدونه، تشعر بأنها بـ مهب الرياح وهي ليست بجواره، لا تعلم أهو بخير أم مكروه قد أصابه، يشتاق لرؤيتها مثلما تفعل هي، قلبه ملتاع مثلها، أَم أنه بارد كعادته، لا تعلم أهي تحبه أم ذلك فقط خوفاً على زوجها، ولكنها تتيقن أنها تتألم بدونه، منذ أن أشتمت عطره بذلك البوم في الحديقة وهي على هذا الحال، تبكي ولكن بصمت، لاتظهر لأحد من القصر أنها تشتاقه، سوى "رهف" التي تعلم بنزيف روحها، تنهدت بوهنٍ لتحتضن كفيها إلى صدرها مغمضة عيناها تدعي ربنا بأن يكون بخير، شعرت بالباب يفتح لتجد "يزيد" يقفز فوقها يقبلها من وجنتيها قائلاً بسعادة:
- ديدة أنا بحبِك..
أبتسمت بألم لتنهض جالسة أمامه، لترفع ذراعيها محاوطة كتفيه قائلة بنبرة خافتة:
- أنا كمان بحبك أوي يا حبيبي.. أيه رأيك نخرج النهاردة؟!!!
ربت على ظهرها بكفه الصغير ليتراقص قلبه فرحاً قائلاً ببراءة:
- بجد يا ديدة هنروح فين طيب؟!!
ابتعدت عنه قائلة بحنان:
- المكان اللي أنت عايزة يا قلب ديدة..
وضع أصبع على ذقنه يفكر في مكانٍ ما يذهبوا له، لتتوسع عيناه قائلاً بسرعة:
- عند عمو مازن!!!!!
ذبلت عيناها ليتهدل كتفيها قائلة بحزنٍ بدى ظاهراً في نبرتها:
- لاء يا يزيد شوف مكان تاني.. عمو مازن عنده شغل وهيرجع بعد كام يوم..
زم شفتيه بحزن ليعود قائلاً بعد ثوانٍ:
- خلاص يبقى نروح الملاهي..!!!
حركت رأسها بإيماءه صغيرة قائلة بعطفٍ:
- حاضر يا عمري..!!!
• • • •
أنتقلت "ملك" للقاهرة برفقة مربية المنزل "فتحية" و التي تعتبرها "ملك" كأمها الثانية، نقلت أيضاً جميع أغراضها بالغرفة بمساعدة "فتحية"، دلفت لغرفتها والتي كانت مطلية باللون الوردي الرقيق لتجلس على الفراش تتصفح صورهُ كالعادة، كم يبدو وسيماً في الحقيقة و في الصور، كم تتمنى لو كان يبادلها مشاعرها، ولكنها عزمت على نسيانه، ستنتبه لحياتها ومستقبلها ولن تفكر به، ولكن داهمها ذلك المشهد في عندما كانت بزفاف أخيها، لتتساؤل بصوتٍ يملؤه الحيرة:
- ليه عمل كدا؟!!! دة كأنه كان غيران عليا، الطريقة اللي ضرب بيها الراجل اللي كان بيعاكسني، لما قالي أن الفستان ضيّق.. الطريقة اللي مسكني بيها..كل حاجة بتدل أنه بيحبني.. لاء.. أكيد لاء ياملك متعلقيش نفسك بوهم من جديد، أنا لسة بحاول ألملم قلبي اللي كسره لما قالي أنه مش بيحبني، أيوا صح هو مش بيحبني.. أنا أخت صاحبه وعشرة عمره يعني زي أخته!!!
انا غبيه ليه ضربته بالقلم.. ربنا يستر و مش يقول لظافر عشان آآآآ..
قاطع أندماجها في الحديث دلوف "فتحبة التي جلست على الفراش بجانبها قائلة بحنو:
- أعملك وكل يابنيتي؟!!
- لاء يا دادة مش عايزة أكل انا هنام..
أومأت "فتحية" مربتة على كتفها قائلة بودٍ:
- طيب يا حبيبتي هسيبك أنا..
كادت أن تذهب لولا يد "ملك" التي تشبثت بها قائلة بنبرة يشوبها التوسل:
- دادة ممكن أسألك سؤال؟!!!
عادت لتجلس قائلة بإستفهام:
- جولي يا ضنايا؟
أبتلعت ريقها لتأخذ نفسٍ عميق، أعتدلت متربعة في جلستها لتقول بصوتٍ بدى به الألم:
- أنا.. أنا صحبتي بتحب واحد أوي، بس هو مش بيحبها.. تفتكري صحبتي دي ممكن تعمل أيه مع الراجل دة؟!!!
أبتسمت "فتحية" قائلة بدهاءٍ:
- مـ يمكن يكون هو كمان عيحبها و رايدها وهي متعرفش!!!!
جحظت عيناها قائلة:
- تفتكري يا دادة!!! بس هو قالها أنه مش بيحبها!!!!
- يا بنيتي صدجيني ياما ناس بتجول أنها متعرفش معنى الحُب، وهُما أكتى ناس يتمنوا يعيشوا الإحساس دة، لكن خلي صاحبتك تشوف عينيه، لو اللسان كدب العين عمرها م تكدب يا حبيبتي...!!!!
خفق قلبها بعنف لتضع كفها تحت ذقنها قائلة بإهتمام:
- بس في ناس يا دادة عنيهم بتبقى باردة وغامضة وكأنها لغز مش بيتحل..
- خلاص يبقى ممكن تعرف أنه بيحبها من أهتمامه بيها.. أو غيرته عليها.. حتى لو هو جال أنه مش بيحبها أفعاله ممكن تقول عكس إكده!!!!
تذكرت "ملك" ما حدث بالزفاف لتعلو وجهها أبتسامة ناصعة وقد أشرق الأمل في وجهها، لتطالعها "فتحيه" بغرابة قائلة بشكٍ وثغرها تشكّل بإبتسامة بسيطة:
- متأكدة أنها صاحبتك؟!!!
جفلت "ملك" لتتمتم بتوترٍ مفاجئ:
- ها؟ أيوا..أيوا يا دادا صاحبتي..
طالعتها بنظراتٍ ذات مغزى لتقول:
- طيب يا حبيبتي أنا هجوم أنام بجى..!!
أومأت "ملك" لتنهض "فتحية" تدلف خارج الغرفة، استلقت "ملك" على الفراش، تضم كفيها أسفل رأسها قائلة بإبتسامة:
- أيوا هو أكيد بيحبني.. وإلا مكنش ضرب الراجل دة عشاني.. أنا عارفة أكيد!!!!
• • • •
أستأذنت "فريدة" من "رُقية" لكي تخرج هي و أخيها، فـ وافقت "رقية" على الفور علها تخرج من حالتها تلك، أرتدت "فريدة" بنطال من الجينز يحدد تفاصيل ساقيها الرفيعتان، و پلوڤر باللون الوردي لتظهر بمظهر شبابي أنيق، وجعلت اخيها أيضاً يرتدي ينطال ثلجي اللون و كنزة ثقيلة تحميه من ذلك الطقس القاسي، أوصلها السائق إلى الملاهي ليترجلا من السيارة حديثة النوع، كان المكان مزدحم -كالعادة- والجميع يمرح ويلعب هنا ويضحك هناك، ليضحك أخيها بسعادة قائلاً:
- فاكرة يا ديدا لما عمو مازن جابنا هنا، ولعب معانا كمان!!!!
ابتلعت غصة عالقة بحلقها لتلتمع عيناها منذرة بدموعٍ كادت تسقط لولا أنها أغمضت عيناها بألمٍ مزق قلبُها!!!
حاولت عدم البكاء لتخطوا بأخيها داخل الملاهي، أقتربت من إحدى الألعاب البسيطة التي تناسب صِغر سن اخيها لتجعله يصعدها ووقفت تراقبه، أخبرته أنها ستذهب ولن تبتعد لكي تقوم بشراء المثلجات لهما وأمرته بعدم التحرك او النزول من اللعبة فهي لن تتأخر، وافق هو على الفور و أنصاع لها.. أبتعدت هي ولكنها كانت تراقبه بعيناها..
و بنقطةٍ ليست ببعيدة عنهم.. كان يراقبها هي..بنظراتٍ ثاقبة تتفرسها، أرتفع الإدرنالين بدمه عندما نظر لما ترتديه، كوّر قبضتيه بقوة و أعصابه تهدد بالإنفلات، يريد أن يذهب لها ليحطم وجهها و يعنفها عما ترتديه، ولكنه تعاهد أن يعاقب نفسه بالإبتعاد عنها.. فقد قرر أن يذهب إلى فرنسا وقد حجز طيارته بعد ساعاتٍ فقط عندما تشرق الشمس،ولكن أراد أن يمتع بصرُه بالنظر إلى وجهها.. و إلى كل حركةٍ تصدر منها، قرر وضع حراسه بعيداً عنها لكي يراقبوها ويتدخلوا إن لزم الأمر، تأكد "مازن" من تلك المدة التي أبتعد بها عنها أنه يعشقها، متيم بها حتى النخاع، لربما هو من أضاعها بغباءه وغروره، ولكنه سيستردها بعد أن يتغير تماماً!!!!
ألتفت لكي يغادر الملاهي بقلبٍ ملكوم، ليصعد سيارته وهو يطالع ضحكاتها مع أخيها، كيف يُخبرها أنه يشتاق لها، لكل شئ صغير بها، كيف يُخبرها أنه أدرك قيمتها عندما أبتعد عنها، كيف يخبرها أن فرصةً ستكن بمثابة حياة جديدة له، سيتشبث بتلك الفرصة بكل ما أوتي من قوة، تنهد بضيق ليذهب بالسيارة سريعاً...
شعرت بقلبها ينتفض من بين ضلوعه عندما قال "يزيد" ببراءة شديدة:
- ديدا أنا شوفت عمو مازن دلوقتي!!!!!
- أيـــه!!!!!!فين يا يزيد...
أشار "يزيد" بإصبعه الصغير إلى نقطةٍ ما قائلاً:
- هو كان واقف هنا وكان بيبصلك كمان!!!!
أرتجفت أطرافها لينبض قلبها حتى شعرت أنه كاد أن يتوقف، لتلتف بسرعة ولكنها لم تجده.. بحثت بعيناها عنه ولم تجده، لتلتف لأخيها قائلة بلهفةٍ:
- بس هو مش موجود يا حبيبي..
أومأ "يزيد" وهو يردف ببساطة:
- أيوا عارف.. هو ركب العربية ومشي!!!!!
نزلت لمستواه لتتمسك بكتفيه قائلة بمقلتي أغرورقتا بالدموع:
- ليه مقولتليش يا يزيد.. ليه!!!!!
أنكس "يزيد" رأسه بحزن قائلاً:
-عشان كل م بجيبلك سيرته بتعيطي زي دلوقتي كدا!!!!!
تنهدت بحُرقة لتعتدل في وقفتها، ألتقطت كفه الصغير ليتجها إلى السيارة، أجلسته بها بجانب السائق لتسترسل له بهدوءٍ:
- لو سمحت هسيب يزيد معاك و 5 دقايق وراجعة على طول مش هتأخر..
أومأ ذلك الرجل كبير السن ذو الخصلات البيضاء قائلاً:
- تأمري يا ست هانم..
اومأت بإبتسامة لتبتعد قليلاً عن السيارة، ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها لتبحث عن رقمه بـ أنامل مرتجفة، وجدته أخيراً لتضغط على الأتصال، وضعت الأهاتف على أذنها لتسمع ذلك الرنين الذي يستنزف روحها ببطئٍ، وقع قلبها أرضاً عندما فُتِح الهاتف على الجانب الأخر..
نظر لأسمها المميز الذي يتوسط شاشة هاتفه، يريد فقط سماع صوتها قبل أن يغادر، وبالفعل ضغط على زر الفتح ليضع الهاتف على أذنه، و لأول مرة يشعر بأن لسانه معقود بمكابلٍ من حديد..
أبتلعت ريقها لتنظر أسفلها، أنهمرت دموعها الساخنة على وجنتيها تحرقها ببطئٍ، وبدون قصدٍ منها خرجت منها شهقة أفرغت مكنون قلبها المتألم، مما جعله يغمض عيناه حتى كاد أن يتراجع عما سيقوله لها، رفعت رأسها ببطىٍ لتتمتم بنبرة مهزوزة:
- مـازن!!!!!
أصدر تنهيداً مشتاقاً لأسمهزالذي يخرج من كرزتيها، لتُكمل هي:
- أنت فين؟!! ليه غاوي تعذبني؟!!!!!
إلتوى ثغره بإبتسامة ساخرة، فهي لا تعلم أنه يتعذب أضعاف عذابها، و أخيراً أسترسل بصوتٍ متحشرج بــارد:
- عايزة أيه؟!!!!
صُدمت من نبرته الجافة، لتضغط على شفتيها بقسوة، قائلة بألمٍ ظهر بصوتها:
- عايزة أيه!!!!! للدرجة دي كارهني كدا؟!!!!
- كويس أنك عارفة، أنا فعلاً بكرهك يا فريدة، وبتمنى الزمن يرجع بيا عشان مرجعش أتجوزك و أغلط الغلطة دي!!!
و كأنه لكَّم قلبها بدون رحمة، شعرت بالهواء يصفعها على وجنتيها، صفعات أفاقتها وجعلتها تعي ما حولها، لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها قوية..ساخرة مما آلت لها حياتها:
- طب مـ أحنا فيها!!!! يلا يا مازن تعالي و أرمي عليا يمين الطلاق، عشان أنا حاسة أني في مسرحية بايخة أوي عايزة أطلع منها بقا!!!!
- لاء يا فريدة، مش هطلقك..مش هديكي حُريتك، هتفضلي تحت رحمتي أنا!!!! أنا لما أزهق منك هطلقك لكن غير كدا أنتِ بتاعتي، فاهمة!!!!!
وضعت كفها على وجهها لتصرخ به بحدة:
- أنا مغلتطش لما قولت عليك مش طبيعي..أنت فعلاً مريض نفسي، وربنا هيوقعك في شر أعمالك!!! أنت بتستقوى ليه!!! فاكر نفسك أيه عشان تبيع وتشتري في الناس!!!!!، بس صدقني قريب هطلّق منك وهكمل حياتي مع حد يحبني حب نضيف!!!! مش حُب مريض زيك، أنا أستحملتك كتير.. وأستنيتك عشان قولت يمكن يكون جواك طفل صغير بتخبيه ورا قسوتك دي، بس أنت شيطان!!!! وعمرك مـ هتتغير!!!!!!
أغلقت الهاتف لتجهش بالبكاء، جلست على إحدى المقاعد الموضوعة أمام البحر بإنهيارٍ حقيقي، كوّرت كفها لتضعها على فمها تكتم شهقاتٍ تسحب الهواء من رئتيها، لتضرب المقعد بكفها الأخر بهستيرية مرددة" غبية..غبية وهتفضلي طول عُمرك ساذجة"،ظلت هكذا عدة دقائق لتنهض بوهنٍ وهي تشعر برأسها تدور بها، زاغت أنظارها وهي تعود للسيارة ببطئٍ، لتصعد بجانب "يزيد" الذي غلبه النعاس فنام، تحرّك السواق سريعاً ليصل للقصر!!!
• • • •
ترجل من السيارة واضعاً يده على قلبه مغمضاً عيناه بألمٍ، فقد عاد قلبه يؤلمه من جديد، أستند على السيارة ليتذكر عندما ذهب للطبيب منذ يومان لكي يفحص نفسه بشكلٍ عام، لاسيما عندما بدأ يشعر بإغماء كثير الفترات الأخيرة، وقلبه الذي يؤلمه أحياناً كثيرة، بالإضافة إلى صعوبة التتفس، وبالفعل حدث ما توقعه، هو مُصاب بـ مرض القلب الوعائي، وتنجم امراض القلب الوعائية عن تضيّق أو تصلب في الأوعية الدموية، تؤدي إلى عدم تلقـّي القلب، والدماغ أو أعضاء أخرى في الجسم كمية كافية من الدم، و أخبره الطبيب بضرورة القيام بعملية جراحية، ولكنه لا يريد القيام بها، فلماذا سيصارع لكي يحيا، ما هدفه بتلك الحياة، بعدما رمى بوجهها تلك الكلمات القاسية، كان يريد أن تكرهه ولا تنتظره، فهي من الواضح أنها عشقته مثلما فعل هو، لهذا لا يريد أن تتعلق به، يريدها أن تتقبل أمر أنه بنسبة كبيرة سيغادر تلك الحياة ولن يعود!!!!!
"صدمتكوا ها؟"
• • • •
ترجلت من السيارة بأقدامٍ رخوية، بالكاد تستطيع السير عليهما، تاركة السواق يجلب أخيها، أستندت على باب القصر لتطرق بوهنٍ، فتحت الخادمة الباب سريعاً لتجد "فريدة" بحالة يُرثى لها، ولكن لم تستطيع قدميها أن تحملها أكثر لتسقط مغشياً عليها لتصتدم رأسها بالأرض محتضنة إياها، صرخت الخادمة بفزع:
- فـريـدة هـانم!!!!!!
جاءت "رقية" على صوت الخادمة لتصتدم بـ "فريدة" مرتمية على الأرض، لتضرب بكفيها على صدغيها صارخة وهي تميل عليها محاولة إفاقتها:
- فريدة!!!! فريدة جومي يابنتي!!!! مالها فريدة يا بت!!!!
تمتمت الخادمة بلكنتها الصعيدية:
- مش خابرة يا هانم أنا فتحتلها الباب لجيتها أترمت على الأرض إكده...
صرخت بها "رُقية" بعنف:
- أنتِ لسة هترغي معايا عاد، روحي أتصلي بالدكتور ياجي بسُرعة يا بت!!!!!
• • • •
لامست قدميها الأرضية الباردة، مُزيحة ذلك الغطاء عن جسدها، ليرتعش جسدها من برودة الشتاء التي لا تَرحم، بحثت عنه ولكنها كالعادة وحيدة بين تلك الأربع جدران، ألقت نظرة على غرفة المكتب والتي كانت بحالة يُرثى لها لتغمض عيناها لا تستوعب مدى غباءها وما فعلته، نظفت الغرفة تعيد ترتيبها في وقتٍ قياسي، ثم بدّلت ملابسها إلى بلوڤر طويل يصل إلى ما قبل ركبتيها، وأرتدت بقدميها حذاء قطيفة خاص بالشتاء، مشطت خصلاتها الطويلة لتجلس أمام التلفاز بهدوءٍ، وجدت الباب يدق بسرعة لينتفص جسدها، فـ هو بالتأكيد لن يدق الباب لأن المفتاح بحوزته دائماً، فمن سيأتي هُنا!!!، أزدادت الطرقات علواً لتنهض ببطئٍ، أستندت بأذنها على الباب قائلة بحذرٍ:
- مين؟!!!!
- أفتحي يا ملاذ!!!!
جحظت عيناها بقوة لترتعش أطرافها، قائلة بصدمة جلية على وجهها:
- عــمــاد!!!!!!!!
أبتلعت ريقها لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها حادة كعادتها:
- أنتَ أيه اللي جابك هنا، وعرفت مكاني أزاي!!!!
قال "عماد" بنبرة خبيثة لم تنتبه لها "ملاذ" :
- أفتحي بس اكيد مش هنتكلم من ورا الباب..
هتفت بنبرة حادة:
- أنت فاكر أني هفتحلك الباب!!!! تبقى بتحلم!!!!
تأفف بضيق لتخطر على باله فكرة ستنطلي عليها، ليهتف بنبرة جادة:
- أنا جايلك بخصوص براءة!!!!
قطبت حاجبيها لتندفع بتهورٍ تفتح الباب سريعاً قائلة بإندفاع:
- مالها براءة!!!!!
أندفعت عيناه تتفحصها لتشعر "ملاذ" بالخطر يحدق بها، لعنت نفسها لغباءها لتقول بحدة شديدة:
- عماد رُد عليا!!!!!!!!! في أيه!!!!
دفعها "عماد" فجأة لترتد "ملاذ" للخلف حتى كادت أن تقع أرضاً، ليغلق هو الباب قائلاً بنبرة ماكرةٍ وهو يتفحصها من الاعلى للاسفل
- في أنك بقيتي زي القمر يا حبيبتي!!!!!!
لم تتردد "ملاذ" ليهوى كفها على وجهها بقوة جعلت وجهه يلتفت للجهة الأخرى، مما جعل الدماء تفور بعروقه ليجذبها من خصلاتها بعنف قائلاً بغِل:
- أنتِ أتجننتي يا **** بتضربيني أنا!!!! قسماً بالله يا ملاذ م هتطلعي من تحت إيدي سليمة الليلة دي!!! مش كفاية بقالي أكتر من 3 سنين شغال مرمطون ليكي!!!! بس أنا هاخد حقي منك النهاردة!!!!! هعمل الحاجة اللي كان نفسي أعملها من زمان!!!!!
حاولت إزاحة كفه الغليظ عن خصلاتها ولكنه فاجئها بصفعة جعلت شفتيها تنزف!!!! تليها عدة صفعات وسط صراخ "ملاذ"!!!!!!
"ظافر هيظبُطك يا معلم"
وبالأسفل.. ضغط "البواب" على أزرار هاتفه القديم ليهاتف "ظافر"، وبالفعل أجاب "ظافر" قائلاً :
- في أيه؟!!!
هتف البواب بقلقٍ:
- بقولك يا باشا في واحد كدا طلع من شوية الدور اللي فيه المدام، وقالي أنه أسمه عماد!!!!!!
أنتفض "ظافر" بصدمة قائلاً:
-أيــــه!!!!!!!! عــمــاد!!!!!!قول للحراس بتوعي يطلعوا يكسروا الباب ويجيبوا الـ**** دة و أنا جاي حالاً
وبالفعل أتى "ظافر" يسبق الرياح في سرعته، توقف بسيارته أمام البناية ليترجل منها تاركاً باب السيارة مفتوحاً على مصرعيه، ركض داخل البناية ليصتدم بالبواب الذي قال بلهفة:
- يابيه الحراس كسروا الباب وجابوا الواد و هو معاهم دلوقتي تحت!!!!
أومأ "ظافر" قائلاً و هو يصعد الدرج بسُرعة:
- أوعى يهرب منكوا.. لو هرب هقتلكوا كلكوا فاهمين!!!!!
صعد "ظافر" ليجد باب الشقة نصف مفتوح، يقتحم المنزل ليجدها جالسة على المقعد جسدها باكمله يرتجف، وجهها غُرق بالبكاء و شهقاتٍ عالية تصدر منها، جسدها ينتفض بين اللحظة والأخرى من شدة البكاء، أندفع ليجلس القرفصاء أمامها محاوطاً وجهها المبتل قائلاً بلهفة وقلقٍ و هو يتفحصها:
- ملاذ!!!! أيه اللي حصل، أبن الـ****** عملِك حاجة؟!!!!
جالت عيناه على وجهها ليجد طرف شفتيها مُلطخة بدماءٍ جافة، صدغها الأيمن متورم شديد الإحمرار، أطلق سبّه نابيه بها توعدٍ عما سيفعله به، لترفع عيناها الباكية له، ثم أنفجرت في بكاءٍ عالٍ، مرتمية في أحضانه بقوة، تتشبث في عنقه كالطفلة مصدره عدة شهقات باكية، مسح على ظهرها و خصلاتها ليقبلهما قائلاً بحنو:
- بس يحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص أنا معاكي محدش هيقربلك!!!!!!
ابتعدت عنه قائلة في محاولة للتحدث لتخرج نبراتها مصحوبة بشهقات أستنزفت روحه:
- أنا.. أنا والله مكنش قصدي.. أ.. أفتحله الباب مكنتش أعرف أنه هيعمل كدا.. والله يا ظافر!!!!!
أمسك بكفيها الصغيرتان ليقبلهما قائلاً بحنان و هو يمسح على وجنتيها:
- عارف يا حبيبتي والله عارف!!!!
حاوطت عنقه مجدداً لتدفن أنفها بتجويف رقبته، شعرت أن "ظافر" القديم والذي عشقها وعشقته هي عاد من جديد، ليربت هو على رأسها مقبلاً صدغها الأحمر بتوعد به بأبشع عقابٍ قد يتلقاه بحياته، وبالفعل قال بنبرة مخيفة:
- ورحمة أبويا هدفعه التمن عُمره!!!!!
أبتعدت عنه لينهض هو جالساً بجانبها ممسكاً بكفيها قائلاً بعطف:
- قوليلي يا حبيبتي براحة أيه اللي حصل بالظبط من الاول..؟؟
أومأت لتقص عليه ما حدث منذ البداية بنبرة خائفة من ردة فعله، إلى أن الدفئ لازال يقبع في عيناه، ليومأ بعدها بهدوءٍ قائلاً بلطف:
- انا رايحله دلوقتي، متفتحيش لحد و أنا مش هتأخر..!!!!
نفت بقوة لتتشبت بذراعه قائلة:
- لاء يا ظافر متسيبنيش، متوديش نفسك في داهية عشانه عشان خاطري!!!!
ربت على كفيها الموضوع على ذراعه ليميل مقبلاً جبينها، ثم نزع كفيها عن ذراعه لينهض غالقاً الباب خلفه، تاركها تجلس على جمرٍ مشتعل
• • • •
وبالفعل ذهب "ظافر" إلى المخزن ليجد حراسه قد قاموا بـإكرامه على أكمل وجه، وجد وجهه متورماً من كثرة الضرب وجسده ليس به جزءاً سليماً، إلى أن رعبه زاد أضعاف عندما رأى "ظافر" أمامه، ليزحف للخلف قائلاً برعبٍ حقيقي:
- صدقني يا بيه هي اللي كلمتني وقالتلي تعالي أنا جوزي مش في البيت!!!! صدقني هي اللي أغرتني عشان أروحلها!!!!!!!
أبتسم "ظافر" بقسوة ليميل له يجلبه من ياقة قميصه، نهض "عماد" وقدميه يرتجفان، ليلكمه "ظافر" بوجهه بقسوة، كاد أن يسقط ولكن "ظافر" أعاد الكُرة حتى بصق "عماد" دماً من فمه، امسكه "ظافر" من جديد ليدفع بركبته ملكماً إياه بأسفل بمعدته ليسقط أرضاً متآوهاً بعنف، سدد له عدة لكمات أخرى بأنحاء متفرقة بجسده، وبقسوة شديدة وضع حذائه اللامع على وجهه ليبكي "عماد" من فرط الذل الذي يعانيه، ليلكمه "ظافر" بوجهه بحذائه مما جعله يبثق أسنانه، لم يكتفي "ظافر" بل مال عليه صافعاً إياه عدة صفعات قاسية على وجهه يسُبه بأفظع السباب!!!!!، لُطخ قميصه بالدماء ويده أيضاً ولم يتركه سوى و هو مغشياً عليه، ليقول إلى حراسه:
- أرموه قدام أي مستشفى!!!!!
تركهم ليذهب إليها بسيارته، صعد بالمصعد ثم دسّ المفتاح بالباب ليدلف، وجدها تنتفض واضعة كفها على فمها بصدمة من قميصه المُغطى بالدماء لتقول بفزعٍ:
- ظافر أيه الدم دة!!!!!
حرر أزرار قميصه واحداً تلو الأخر لتقول "ملاذ" ببكاءٍ:
- أنت قتلته مش كدا؟!!!!!!
وقفت خلفه و هو ينزع القميص لتردف برجاءٍ:
- ظافر عشان خاطري سيبه متوديش نفسك في داهية..
كان جوابها الصمت المميت، تحرك "ظافر" نحو المرحاض ليدلف له بهدوءٍ، تاركها تجلس على الفراش لتنهمر الدموع من عيناها!!!!
بعد فترة خرج يلُف منشفة حول خصره، تاركاً قطرات الماء تتسابق على جسده ، لم يجدها بالغرفة ليتنهد بصبرٍ، أرتدى ملابسه المكونة من بنطال و "سويت شيرت" ثقيل، ليخرج من الغرفة متجهاً نحو غرفتها، فتح الباب ليجدها مستلقية على الفراش متدثرة بالغطاء حتى أعلى رأسها.. تنبعث منها شهقاتٍ خفيفة توحي أنها تبكي، أقترب من الفراش ليجلس بجوارها، نزع الغطاء عن رأسها قائلاً بهدوء:
- مش هتعرفي تتنفسي كدا..
نهضت لتجلس على الفراش قائلة بيأسٍ:
-خليني أموت عشان أرتاح بقا..
قطب حاجبيه بغضبٍ قائلاً بحدة طفيفة:
- بعد الشر عليكي، إياكي أسمع الكلام دة منِك تاني...
نظرت له بحبٍ لتمسك بكفه الأسمر قائلة بنبرة يشوبها البكاء:
- عارف يا ظافر.. رغم كل اللي حصل أنا لسة حاسة أني في أمان معاك..لسة حاسة أني لما ببقى جنبك محدش في الدنيا يقدر يأذيني..
أومأ بهدوءٍ مربتاً على كفها، ليردف بنبرة دافئة:
- أنا أسف على اللي قولتهولك مكنتش أقصد، أنا عارف أن كلامي وجعِك بس أنا فعلاً كنت متعصب شوية.. متزعليش مني..
تركت كفه متذكرة ما قاله لها، لتضم ركبتيها إلى صدرها مستندة بذقنها على رأسها، تاركة خصلاتها الطويلة تسترسل حولها، لتقول بنبرة حزينة:
- أنت عارف كلامك عمل فيا أيه؟!! أنا حسيت كأنك جبت سكينة تِلمة وقطعت فيا، أنا حسيت وقتها أني رخيصة أوي في نظرك!!!
لم يكُن بوسعه سوى أن يجذبها إلى أحضانه، لتتشبث بقميصه تاركة العِنان لدموعها، ظلت تبكي بصمتٍ حتى غفت بأحضانه، ليجعلها تستلقي في وضعٍ أكثر أريحية، تنام بين أحضانه، و هو يشعر أن هو من يحتاج ذلك العناق، ظافر سرحان الهلالي" يعلن أنه يصبح طفلاً بين يداها!!!!!!
• • • •
نائمة على الفراش بسكونٍ تام، وكأنها فارقت الحياة، تلتقط أذنيها عبارات الطبيب التي رنّت في أذنها:
- واضح كدا أن المدام مُرهقة، في ضغوطات عليها خليتها مش قادرة تستحمل، ومناعتها كمان ضعيفة انا هكتبلكوا على ڤيتامينات تاخدها عشان تقوي جسمها شوية، ولازم تهتموا بأكلها كويس
فتحت جفونها التي برّقت بالدموع، لتجد "رقية" تربت على رأسها قائلة بنبرة حزينة:
- جلبي واكلني عليكي ياضنايا، فيكي أيه ياحبيبتي..؟!!
حاولت الجلوس لتساعدها "رُقية" و "رهف"،أمسكت برأسها قائلة بنبرة واهنه:
- سيبوني لوحدي..!!
حاولوا الإعتراض عن تركها وحيدة وهي في تلك الحالة ولكنها أصرّت على ذلك.. ليخرجوا بالفعل تاركين إياها، نهضت "فريدة" من على الفراش لتقف أمام المرآة، تطالع وجهها الباهت، حدقتيها المنطفئة، وجسدها الهزيل، لتتحرك شفتيها قائلة بسُخرية:
- طب وبعدين يا فريدة؟!! هتفضلي كدا قاعدة مستنياه!!!، هتفضلي بتعيطي لحد من يحن عليكي ويرجع؟!!! أيه اللي جرالك أنتِ عُمرك مـ كنتي ضعيفة بالطريقة دي!!!!، أوعي تكوني حبتيه، مينفعش تحبيه يافريدة، اللي زي دة مش بيعرف يحب..معندوش قلب أصلاً عشان يحب بيه، أوعي توقعي نفسك في الحفرة بتاعته، أنتِ فاكرة أنه حبِك؟!! لاء فوقي!!! هو أتجوزك من الأول عشان هدف واحد، بس مبقاش أنا يا مازن إن ما خليتك تندم على الكلام اللي قولته، على الطريقة اللي عاملتني بيها، مبقاش أنا يابن الهلالي!!!!!!
• • • •
- أنتَ جايلك قلب تسيب مراتك كدا أزاي يا بني آدم أنت!!! بقولك أُغمى عليها النهاردة والدكتور قال أنها مش كويسة، أرجع بقا أنت كدا بتعذب نفسك وبتعذبها!!!!
قال "باسل" بنبرة حادة ممسكاً بهاتفه يقف في الشُرفة، بعدما تأكد من عدم وجود "رهف" بالغرفة..
ليتنهد "مازن" قائلاً:
- هرجع يا باسل.. هرجع بس مش دلوقتي!!!!! المهم محدش يعرف أن أنت وظافر عارفين مكاني مش كدا؟!!!
قال "باسل" بتنهيدة حارة:
- أيوا محدش يعرف طبعاً، أنت مسافر فرنسا أمتى؟!!!
- أنا خلاص بجهز شنطتي ورايح المطار.. باسل، خلي بالك منها ومن يزيد، أنا مش عارف إذا كنت هلحق أرجعلها ولا لاء!!!!!
شعر "باسل" بشئٍ سئ أصاب أخيه، ليقول محاولاً سبر أغوار عقله:
- قصدك أيه ياض؟!!! أنت مخبي عليا حاجة صح؟!!!
نفى "مازن" قائلاً:
- لاء يا عم هخبي عليك أيه يعني، وبعدين سلام بقا عشان الطيارة متفوتنيش.
-طيب.. خُد بالك من نفسك، سلام.
أغلقا معاً ليعود "باسل" مرتمياً على الفراش بنعاسٍ، ليجد "رهف" أقتحمت الغرفة صارخة به:
-بـــاســـل!!!!!!
أنتفض "باسل" صارخاً بها بصوتٍ رجولي:
- فـي أيـــه يا بنت الهبلة!!!!!!!
أنفجرت "رهف" بالضحك لتقفز فوقه على الفراش تمسك بوجنتيه السمراء قارصة عليهما قائلة بمرحٍ:
- أتخضيتي يا بسِلة؟!!!
نفض كفيها بعنف قائلاً بصرامة:
- بتهزري مع أبن أختك يا ظريفة؟!!!!
ضربت طرف أنفه بأنامله لتقول بإبتسامة طفولية:
- خلاص متزعلش يحبيبي...
حاوط خصرها بذراعه المفتول ليقلب الكُرّة جاعلاً منها أسفل جسده جاعلها تشهق بصدمة، قال بخبثٍ:
- لاء أنا لسة زعلان..!!!!
حاوطت عنقه لتردف بإبتسامة متغنجة:
- طب وحبيبي أرضيه أزاي بقا؟!!!
مال بثغره على أذنها ليهمس بمكرٍ بكلمات جعلتها تشهق بعنف لتضربه على كتفيه قائلة بحدة:
- أنا الظاهر أتجوزت واحد قليل الأدب أوي!!!!
قهقه ملء فمه ليردف بخبثٍ حقيقي:
- لاء وواطي ومشوفتش دقيقتين تربية على بعض ياحبيبتي..ها؟!! قولتي أيه!!!!
نفت سريعاً قائلة بصرامة:
- لاء مستحيل يا باسل والله عيب كدا..
مال مقبلاً وجنتيها الساخنة من شدة الخجل، ليقول بنبرة خافتة أذابتها حرفياً:
- عيب أيه يا حبيبتي أنتِ مراتي مش شاقطك!!!!!
تأففت بضيق لتعض أصابعها قائلة ببراءة:
- طب أنا هلبسُه وبعد 5 دقايق هقلعه ع طول تمام؟!!
ضحِك من قلبه ولأول مرة يدخل بنوبة ضحك كهذه ليعود برأسه إلى الخلف من شدة ضحكاته، ثم عاد مطالعاً شفتيها المزمومة ليهمس بإبتسامة:
- دي الحاجة اللي أضمنهالك برقبتي طبعاً يارهف!!!!!
وضعت كفها على فمها بصدمة لتقول بعدم أستيعاب:
- أنت بجد قليل الأدب يا باسل أوي!!!!!
أبتسم بشقاوة لينهض من فوقها، ثم جلب ذراعها ليجعلها تنهض أيضاً، نظر لعيناها قائلاً بنبرة بنبرة لا تقبل نقاشاً:
- هو عندك في الدولاب، أدخلي ألبسيه يلا..
ضربت الأرض بقدميها بغضبٍ، لتجلبه من الخزانة ثم دلفت لغرفة تبديل الملابس، كان قميص للنوم باللون الأحمر الذي عزز بياض بشرتها قصير عاري تمام، لم يستر شيئاً من منها، كادت "رهف" أن تبكي من شدة خجلها لا تصدق أنه سيراها هكذا، ارتدت مئزر القميص سريعاً ليسترها ، فردت خصلاتها لتضع أحمر شفاه قاني، خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها لتجده يعطيها ظهره العاري بيده لُفافة تبغ ينفث دخانها، ألتفت لها على حين غُره،ليقترب منها ببطئٍ، كانت تبتعد هي عشرات الخطوات بعيداً عنه حتى أصتدمت بجدارٍ منيع خلفها، ليحاصرها "باسل" بذراعيه، ينظر لعيناها البندقية، ثم رفع أنامله يحاوط وجهها، يميل بشفتيه على وجهها، يطبع قبلاته على كل إنشٍ بوجهها المستدير، لتذوب "رهف" من رقة لمساته...
• • • •
شَعر "ظافر" بإرتجاف جسدها بين يداه، مع تقطيبة حاجبيها والعرق الذي تصبب من جبينها، لتتشبث بقميصه برُعبٍ تهمس بخفوت شديد:
- لاء.. ظافر، ظافر متسيبهوش يعمل فيا كدا يا ظافر لاء!!!!!
حاوطها "ظافر" مشدداً على عناقها متمتماً بقلق شديد:
- شششش بس ياحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص دة مجرد كابوس..
أنتفضت "ملاذ" برُعب لتفيق على همساته الحنونه، حاوطت عنقه لتترك رأسها مُخدره على كتفه هامسة ببكاء:
- ظافر أنا خايفة!!!!!
حاوط خصرها بقوة ليقبل خصلاتها قائلاً بنبرة دافئة:
- إياكي تخافي و أنتِ معايا!!!!! و رحمة أبويا مـ حد يقدر ييجي جنبك و أنا عايش!!!!!!
شددت على عناقه أكثر لتهمس بخفوتٍ:
- عارفة...
أستلقى على الفراش ورفض تركها، جاعلاً رأسها على قلبه ماسحاً على رأسها، تلك الحرَكة التي تخدرها، تجعلها تنام بسُرعة البرق، وبالفعل نامت "ملاذ" ليغفي "ظافر" أيضاً بجوارها..!!!
• • • •
نهضت "ملك" بحماسٍ شديد، وقفت أمام خزانتها لتفكر ماذا سترتدي..وقعت عيناها على حلةً جلدية لتلتقطها، أرتدت أسفلها بنطال فضفاض من الجينز، ثم أخفت خصلاتها الحريرة بحجابٍ باللون الكشمير الرقيق، أخذت حقيبتها لتضع بها مستلزمات الجامعة، ثم لم تضع سوى أحمر شفاه خفيف اللون، لتتجه خارج الغرفة، داهمتها رائحة طعام شهية للغاية لتُغمض عيناها تاركة تلك الرائحة تتسلل إلى جوارحها، لتتجه إلى المطبخ على الفور قائلة بحماسٍ:
- عاملة أكل أيه النهاردة يا دادة؟!!!
ألتفتت لها "فتحية" لتضربها على رأسها بخفة قائلة بمزاحٍ:
- يابت جولي صباح الخير الأول!!!!!
زمت شفتيها بعبوس لتعود مبتسمة قائلة وهي تشرأب برأسها تنظر للأواني أمامها:
- صباح الخير ياقمر..
ضربت "فتحية" كف على الأخر قائلة بحسرة:
- البت أتچننت..
ثم أكملت بصرامة زائفة:
- اوعي يابت عشان أحضرلك الفطار جبل مـ تمشي..
خرجت سريعاً من المطبخ ت قائلة بصوتٍ عالي حتى تسمعها:
- لاء يا دادة أنا همشي مش عايزة أتأخر على المحاضرة بتاعتي..!!!وبعدين ريم مستياني تحت البيت...
خرجت "فتحية" راكضة ورائها تقول:
- أستني يا ملك..!!!!
ألتفتت "ملك" لها قائلة بإهتمام:
- أيوا يا دادة؟!!!
أقتربت "فتحية" منها تقول بحذرٍ وهي تربت على كتفيها:
- خلي بالك يابتي أنا مش برتاح للي أسمها ريم دي أبداً!!!!!
قطبت"ملك" حاجبيها بغرابة لتسألها:
- طب وأنتِ تعرفيها منين يادادة؟!!!!
- أنتِ ناسية يابتي أنها كانت بتچيلك القصر، و أنا كنت بحس أنها بتيچي عشان تلعب على مازن أخوكي..بلاش ياضنايا الصاحبة اللي زي دي!!!!!
أعتقدت "ملك" بأنها تتوهم سلوك صديقتها الحبيبة، لتقول بسذاجة:
- يا دادة دي ريم دي حتة سُكرة وجدعة أوي!!!!، وعلى العموم متقلقيش أنا هاخد حذري منها.
• • • •
تأففت المدعوة "ريم" بغلٍ لتقول بنبرة مليئة بالحقد المتوقد بنيران مستعرة داخلها:
- يا ساتر أما باردة بشكل!!!! هفضل واقفة مستنية الهانم كدا!!!! يلا إن كان لك عند الكلب حاجة قوله ياسيدي، أهي بتوصلني بعربيتها ورحماني من المواصلات وقرفها!!!!!!
وجدتها تخرُج من البناية لتصتنع إبتسامة صفراء على الفور، ثم إتجهت لها لتحتضنها بحُبٍ زائف قائلة:
- وحشتيني أوي يا لوكا!!!!! عاملة أيه يا حبيبتي!!!!
بادلتها "ملك" العناق على الفور لتقول ببراءة حقيقة:
- انتِ كمان يا ميمو وحشتيني أوي والله!!!!
أبتسمت "ريم" لتبتعد قائلة بعجالة:
- طب يلا بقا بسرعة عشان منتأخرش ع المحاضرة.. العيال بيقولوا ان الدكتور أتغير وجِه مكانه دكتور سخيف جداً مش بيرحم حد!!!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج لتتجه لسيارتها قائلة بضيق:
- أصلاً المادة صعبة وكمان يجيلنا دكتور يكرهنا فيها أكتر!!!!! يلا أركبي..
أستقلتا السيارة لتقود "ملك" سريعاً..!!!
وصلا للجامعة لتصف "ملك" سيارتها، ثم ترجلتا منها ليتجها معاً للداخل، شعرت "ملك" ببطنها تؤلمها من شدة الجوع لتقول إلى "ريم" سريعاً:
- بقولك أيه يا ريم أنا مفطرتش..روحي أنتِ المحاضرة بسُرعة و أنا هجيب حاجة من الكافتريا أكلها على طول مش هتأخر..
حذرتها "ريم" قائلة:
- طب متتأخريش يا ملك..
أومأت "ملك" سريعاً لتتجه إلى الكافتريا..أخذت شطيرة من الشاورما لتقضم نصفها بشراهة، ثم وضعت النصف الأخر بحقيبتها ثم أخذت تركض إلى المحاضروة، لتكتم شهقة متألمة كادت أن تخرج من فِيها لقدميها التي أُديرت بشكلٍ مُفاجئ حتى كادت أن تسقط على الأرض لولا توازن جسدها، أنحنت لتتفحص قدمها لتجدها قد تورمت مع إحمرار شديد بها، تحاملت على نفسها لتتحرك ببطئ حتى وصلت إلى المدرج، دلفت بخطوات متعرجة بحرجٍ لتردف بعد أن شعرت بأنظارهم موجهة لها:
- أنا أسفة يا دكتور على التأخير بس أنا آآآ...
ألتفت لها أستاذها الجامعي، كان ذو جسدٍ بدين يرتدي نظارة دائرية، كانت عيناه تقدح غضباً، ليسترسل بها بنبرة عالية:
- و أنتِ لسة فاكرة تشرفي؟!!! أتفضلي برا أنا محدش يدخل بعدي!!!!! و أعملي حسابك أنك شايلة المادة بتاعتي، يلا برا!!!!!!
برقت عيناها بالدموع فـ بالإضافة لقدميها المتورمة يأتي هو ليُزيدها أكثر عليها، ألتفتت لتذهب وسط همسات الطُلاب، لتخرج سريعاً من المُدرج، جلست على الدرج لتتفجر بالبكاء كطفلة صغيرة أضاعت طريقها، بحثت في حقيبتها عن هاتفها لتخرجه، عبثت بشاشته ثم حاولت الإتصال بـ "ظافر"، ولكن لسوء حظها وجدته مغلق، هاتفت "باسل" أيضاً ولكنه لم يرد، ثم أخذت تنظر إلى رقمه بحيرة، وبالفعل ضغطت عليه، وضعت الهاتف على أذنها بترددٍ، ليقع قلبها أرضاً عندما سمعت صوته الرجولي يردف:
- مَلَك!!!!!!!
لا تعلم لما شعرت بأنها تريد البكاء، فـ لمجرد سماع صوته بالهاتف أخذت عبراتها تنهار على وجنتيها، لتطلق شهقاتٍ باكية جعلته ينتفض من مكانه قائلاً بصوتٍ عالٍ:
- أنتِ بتعيطي!!!! أنتِ فين قوليلي عشان أجيلك!!!!!
مسحت دموعها لتردف بنبرة باكية:
- أنا في جامعتي هنا في القاهرة..
أخذ مفاتيح سيارته من على مكتبه ليقول سريعاً:
- طيب أنا جايلك متتحركيش من عندك سامعة!!!!!
- حاضر..
• • • •
أستقل سيارته ليتحرك سريعاً، وكأنه يسابق الرياح، فصوت بكائها كافي بجعله يصبح أشبه بالمجنون، ضغط على المقود بشدة حتى أبيضت مفاصله، ليصل بالفعل أمام الجامعة في وقتٍ قياسي، دلف ليهاتفها حتى يعلم أين هي، شرحت له مكانها ليصل لها، وجدها جالسة على الدرج عيناها حمراء منتفخة أثر بكائها، ليجلس القرفصاء أمامها ممسكاً بكفيها، يقول بصرامة:
- مين بقا اللي مخليكي في الحاله دي عشان هشلفط وش أمه دلوقتي!!!!!
أزداد بكائها أكثر لتقول بنبرة حزينة:
- الدكتور طردني من المُدرج عشان أتأخرت وقالي أني هشيل المادة..!!!
ثم أشارت إلى تورم كاحلها قائلة بنبرة بريئة:
- بس أنا والله رجلي أتشنجت ومش عارفة أمشي عليها من ساعتها، والله مكنتش أقصد اتأخر يا جواد!!!!!
نظر إلى قدمها المتورمة ليعود بأنظاره إليها قائلاً بصرامة:
- فين رئيس المخروبة دي؟!!!!
نفت برأسها لتمسح بأناملها دموعها قائلة:
- لاء يا جواد أنا عايزة أمشي بس لو سمحت..!!!
أزداد علو صوته قائلاً بحدة وهو ينهض:
-ملك ملكيش دعوة بالموضوع دة دلوقتي!!!!، دة بقى يخصني أنا..!!!!!
أستندت على مسند الدرج لكي تقف ولكنها أطلقت شهقة متألمة لتستند بعفوية على كتفه، أمسك هو ذراعها قائلاً بلهفة:
- على مهلك..!!!!
أمسك بكفها ليحاوط بذراعها عنقه، أعترضت هي على فعلته قائلة:
- لاء سيبني أنا هعرف أمشي!!!!
لم يعيرها أهتمامٍ لينزل بها على الدرج برفق، حاولت أن تُبتعد عنها قائلة:
- يا جواد...
-مـ تهدي بقا!!!!!!
قال بصرامة موجهاً لها نظرات حادة جعلتها تصمت، تُخفي إبتسامتها عنه، تيقنت الأن أنها لا تحبه..بل تعشقه!!!!!!
• • • •
أتجهوا بالفعل لغرفة الرئيس الجامعي، و عِندنا علِم بهوية "جواد" فُزع من سلطاته، ليأمر سريعاً أستاذها الجامعى بالحضور على الفور، وبالفعل حضر، وفور أن دَلف للمكتب رمقها بنظرة مشمئزة لييقف أمام الرئيس قائلاً بهدوء:
- حضرتك طلبتني في حاجة يا فندم؟!!!
- أيوا فيه يا أستاذ مُنير، أيه اللي صدر من التلميذة بتاعتك دَفعك تعاملها بالإسلوب دة...
وضع "جواد" قدمٍ على الأخرى لينفث سيجارته بتركيز بينها هي بجواره على مشارف البكاء، ليهتف المدعو "مُنير" قائلاً بفظاظة:
- بصراحة يا فندم الهانم فاكرة أنها جامعة أبوها تدخل وقت مـ هي عايزة وتخرج وقت مـ هي عايزة جيالي متأخرة على المحاضرة و واضح كدا أنها أنسة مش محترمة و آآآ....
لم يشعُر "مُنير" سوى بلكمة جعلته يرتمي أرضاً، تليها عدة لكمات قوية جعلته قاب قوسين أو أدنى من الموت!!!!!!!.