رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي الفصل الثاني عشر:
ركض داخل الغرفة متجهاً نحو المرحاض، جزع عندما وجدها منحنية تخرج ما بجوفها على الحوض، شعر بأن حبيبته تصارع الموت، وهو مكبل الأيدي لا يعلم ماذا يفعل، أتجه نحوها في خطواتٍ سريعة، ليحاوط خصرها مبعداً بخصلاتها من على وجهها، يقف خلفها ملصقاً ظهرها بصدره كحائط منيع يصد أي خطر يحاول أن يأخذها منه، مسح على وجهها بالماء بلطفٍ شديد، لفّها له يسندها بذراعيه الممتلئة بالعضلات، أرتجف جسدها متشبثة بقميصه تدفن رأسها بصدره و الألم بقدميها لا يحتمل، فهي قد عانت السير عليها لتصل إلى المرحاض بصعوبة بعد أن خطت بقدمٍ واحدة مستندة على الحائط!!!
مال بجزعه ليضع ذراع على ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بخفة، وضعت هي بدورها كِلتا ذراعيها حول عنقه لتدفن أنفها في عنقها الذي يفوح برائحته الرجولية التي تعشقها..
جلس على الفراش ليجلسها بأحضانه كالطفلة الصغيرة، أخذ يتفحص اللدغة عن كثب، نظر لها بحنو ليربت على ظهرها مقبلاً جبينها، رغماً عنها بكت، بكت لكثرة الهموم على قلبها، بكت لقدميها التي تؤلمها، بكت كارهة الحياة، بكت تريد أن تؤنبه عن عدم وجوده في حياتها مبكراً، هو تأخر.. تأخر كثيرا. بعد أن فقدت شغفها بكل شئ حولها، بكت لكذبتها ااتي ستؤدي بها أسفل الجحيم، بكت لأنها شعرت أن خسارته قريبة، قريبة جداً، بكت كأنها لم تبكي من قبل، كان بكاءها مصحوب برعشة عنيفة بجسدها وهي بين أحضانه، جالسة على ركبتيه، كاد أن يكسر ضلوعها في عناقه لها، لم تكن تعلم أن بكاءها بتلك الطريقة بمثابة لكمات تضرب قلبه بلا رحمة، فرت دمعة هاربة من مقلتيه ليزيلها بقوة، أهو يبكي، هو الذي فقد إنسانيته بالأعمال المشبوهة كتجارة السلاح وغيرها تنساب دمعة خائنه منه و هو يرى حبيبته بتلك الحالة !!!
تشبثت بكنزته تهمس بصوت يرتجف باكٍ:
- ياريتك كنت جنبي من الأول ياظافر، ياريتني قابلتك من زمان، مكنتش هبقى كدا والله!!!!
رفع كفها الصغير يقبل باطنه قائلاً بحنو:
- ورحمة أبويا، أقسم بالله وعد أتحاسب عليه أني مش هسيبك أبداً، طول م أنا جنبك مافيش حاجة هتقرب منك!!!!!!!
• • • •
في الصباح الباكر، جلست "رهف" على الفراش البارد تضم قدميها لصدرها تبكي بقوة، تذكرت ما حدث البارحة....
عندما نزلَت عن الدرج بخطوات متغنجة، في ثوبها البنفسجي الذي أظهر رشاقة قوامها، وبياض بشرتها الناصع، ألتمعت عينان "باسل" بعشقٍ، كاد قلبة أن يطير من فرط جمال محبوبته، قلّص المسافة بينهما ليستقبلها على أول الدرج، كـ ملكٌ ينتظر ملكته على أحر من الجمر، و لحسن حظه كان الجميع منشغل بغرفهم، وقفت أمامه بخجل تنكس برأسها بالأسفل، حاوط وجهها بكلتا يداه، ليزرع قبلات على كل إنش في وجهها الصافي، ارنبة أنفها، جبينها، وجنتيها القابلة للقضم، وأخيراً شفتيها الذي لم ولن يتشبع من إرتواءها، أمسك بكفها ليسيرا معاً، أتجها نحو السيارة ليفتح لها باب السيارة قائلاً بمزاح:
- أتفضلي يا رهف هانم ...
أستقلت السيارة بفرحٌ كبير، نظرت له و هو يلتفت ليجلس جوارها، ثم نظر لها ممسك بكفها، رفعه لثغره ليطبع قبلة حنونة عليه قائلاً بعشقٍ:
- بحبك!!!!
نظرت لفستانها بخجلٍ مسترسلة بوجنتين كالطماطم:
- ميرسي!!!!!
نظر لها بدهشة ليقول بنبرة مازحة:
- بقا انا اقولك بحبك تقوليلي ميرسي، هو أنا عاملك صينية بطاطس يا رهف..
زمت شفتيها قائلة بحزن زائف:
- ماشي يا بسلة أتريق عليا كمان...!!!
قهقه بقوة ليتحرك بالسيارة قائلاً بتوعد مصطنع:
- لما نروَح يا رهف أصبري عليا!!!
• • • •
وصلا لمطعم من أفخم المطاعم بالقاهرة، أتخذا كلاً منهم مقعده، نظرت "رهف" للمطعم بإنبهار، ثم عادت بنظرها إلى "باسل" الذي يطالعها مبتسماً، لتردف قائلة بسعادة برّقت بمقلتيها :
- انا فرحانة أوي!!!!
ابتسم وقال:
- ربنا يقدرني و أفرحك أكتر ....
ثم أكمل قائلاً :
- تطلبي أي يـا موزّة؟!!
نظرت له بدهشة قائلة بإشمئزاز زائف:
- موزّة؟! أنت بيئة أوي!!!
- بيئة عشان بقولك موزّة، يلا يبنت العبيطة!!!
شهقت لتزم شفتيها تنفخ بوجنتيها بضيق زائف مكتفة ذراعيها أمام صدرها، ماذا إن نهض وأكلها الأن، بالتأكيد هي قابلة للأكل، ليته حجز ذلك المطعم الغبي لهما بمفردهما، أبتسم لها بعشقٍ جلي، طلبا ما يريدونه من الطعام، لينهوا عشائهما الرومانسي بنظراتهما المحبة ...
تعلقت بيداه ليخرجا من المطعم، لم يلاحظوا تلك العينان الخبيثة التي تراقبهما، كادا أن يستقلا السيارة، ليوقفهما صوت ماكر يقول:
- أزيك يارهف، وحشتيني!!!!
ألتفتت "رهف" لذلك الصوت بإستغراب، بينما جمدت ملامح "باسل" بالكامل، ليلتفت له واضعاً يداه بجيبه، مراقباً للحديث الذي يدور بينهما ببرودٍ تـــام!!!!!
جمدت أطرافها، نظفت حلقها وهي تقول بصـدمة:
- سـليم!!!!!!
أقترب منها "سليم" يطالعها بنظراته الخبيثة، بينما أبتعدت عنه "رهف" لتختبئ وراء "باسل" متشبثة بحِلته، نظر له "باسل" متأهباٌ للعراك يقول بوجهٍ لا يتبين له أية ملامح:
- أنت مين ؟!!!!
تجاهله "سليم" تماماً، محدقاً بـ "رهف" بنظرات أرعبتها، قدحت حدقتيّ "باسل"، وبدون مقدمات قبض على تلابيبه ليصبح وجههما مقابلاً لبعضهما، كل منهما يحدق بالأخر بتحدٍ حارق، ربت "باسل" على منكبيّ الأخير يقول بهدوء سابق للعاصفة:
- هو أنت متعلمتش يا روح أمك أن لما الرجالة تبقى واقفة متتكلمش مع النسوان!!!!!!
شهقت "رهف" بخوف لتمسك بذراع "باسل" قائلة برجاء حار وهي تتيقن أنها سينشبا عراك في الحال :
- باسل عشان خاطري يلا نمشي من هنا!!!!
ألتفت لها بنظرة جعلتها تصمت متراجعة وكأنها قد أبتلعت لسانها، ليزيح "سليم" يده قائلاً بإبتسامة باردة مستفزة:
- أهدى على نفسك يا عم الشَبح، ده حتى أنا و رهف عارفين بعض.. عـز المـعرفة!!!!!!
حدق به بشراسة ليلتفت لها ممسكاً برسغها بقوة آلمتها :
- مين دة ؟!!!!
أبتلعت ريقها بنظرات زائغة لتتمتم بخفوت:
- هقولك والله بس أحنا لازم نمشي من هنا!!!!!
أبتسم "سليم" بسماجة ليستطرد واضعاً كلتا يداه بجيبه قائلاً:
- أنا اللي كنت خاطبها، أيه يا رهف هو أنتِ مقولتيش لجوزك أنك كنتي مخطوبة ليا قبل كدا!!!!!
• • • •
دلف "باسل" الغرفة صافعاً الباب خلفه، ألقى نظرة جانبيه _باردة_ عليها أخرج لُفافة تبغ ليشعلها بقداحته الذهبية، ليخرج إلى الشرفة الملحقة بالغرفة مستنداً بكفه على السور، ينظر للفراغ بعينان متوعدة، لا يخفى عنه صوت نحيبها الذي يصدر من خلفه، كانت ملامحه جامدة تنذر بشرٍ قريب ..
نهضت "رهف" لتتجه نحوه بخطوات وئيدة، تقدم قدمٍ وتؤخر الأخرى، مسحت دموعها بظهر يداها و هي تقف خلفه مباشرةً، أستندت برأسها على ظهره العريض تدفن وجهها به، محتضنه خصره لتنفجر بالبكاء بشهقاتٍ متتالية
تقلصت ملامحه ألماً قابضاً على سور الشرفة حتى ظهرت أوردته من شدة الغضب، هي لا تعلم ماذا تفعل دموعها به، تلك الطفلة لا تدرك مدى تأثيرها عليه، تغفل عن أنه أصبح مهووساً بها، لم يلتفت لها، ولم يفتح لها ذراعيه كالعادة، بل ظل متخشباً بالأرض لا يبدى أي ردة فعل، لا يستمع سوى لنحيبها الذي أخذ يمزق في روحه
تمتمت بشجنٍ وبصوتٍ راجي:
- أرجولك متعملش كدا فيا، أنا مكنتش هقدر أحكيلك عشان عارفاك متهور وممكن تجيبه وتقتله وتضيع نفسك عشان واحد زي ده!!!
لم يرُد، مصغياً لحديثها بهدوءٍ مخيف، ابتعدت عنه "رهف" لتمسك بكلتا منكبيه تديره لها قائلة ووجهها مملوء بالدموع:
- باسل تعالى نتكلم بالعقل و أنا هفهمك كل حاجة والله!!!! بس متتجاهلنيش بالطريقة دي!!!؟
مسحت بعيناها على وجه لترى ملامحه الجامدة لم تتغير إنشاً، و لأول مرة تراه هكذا كـ لوح الجليد، نفث دخان سيجارته بعيداً عن وجهها مبتسماً بسُخرية لاذعة مردفاً:
- للأسف كان المفروض أسأل عن البني آدمة اللي هتجوزها، واللي هتشيل أسمي وتبقى أم عيالي، دي مش غلطتك دي غلطتي أنا!!!! مكنش ينفع أتجوز واحدة كدابة!!!!!!
وقعت كلماته عليها كالصاعقة، جحظت عيناها بصدمة وكلماته كالخناجر المستقرة في جسدها، وبهدوءٍ شديد أغرورقت عيناها بالدموع الحارة، وذراعها التي كادت أن تضعها عل يده لتواسيه أنزلتها بجوارها، ترددت صدى الكلمات بأذنيها تبتسم لنفسها بألمٍ، ألم تمكن منها يتآكلها، لقد مات أبيها من قبل، أصبحت بلا ظهرٍ تستند عليه، أذاقتها الدنيا مرارة الحياة، بل وصفعتها عدة صفعات لا يتحملها بشريٍ، و عندنا شعرت أن الله يعوضها بزوجٍ أحبها بكل جوارحه، طعنها هو الأخر بظهرها دون أن يسمع مبرراتها ليثبت لها بأن الحياة ظالمة، لم تبدي ردة فعل أو هكذا ظنت، فتعبيرات وجهها كانت كالكتاب المفتوح أمامه..
لوهله شعر بتأنيب الضمير عندما نظر لوجهها الذي بُهت، وعيناها التي أختفت الحياة بهما، إلا أنه رفض التنازل عن كبريائه كرجلٍ، ألتفت ليعود على وضعيته مستنداً على السور بكلتا يداه و كأنها لم يحطم قلبها تواً، ألتفتت "رهف" مبتعدة عنه بوجهٍ متحجر، أتجهت نحو خزانتها لتخرج حقيبتها الكبيرة، فتحت سحابها بهدوء لتضع ملابسها بها عاقدة أن لا تبقى بذلك القصر أبداً، ألتفت "باسل" عندما سمع بالضجة التي تحدثها، تصنمت عيناه عندما رآها تنقل جميع ملابسها للحقيبة، أتجه نحوها قائلاً بتساؤل بارد:
- بتعملي أيه..
لم تعيره أهتمام، وكأن سؤاله لم يوجه لها، لتكمل ما تفعله بهدوءٍ تــام
ظهر الغضب على محياه ليصرخ بها بضراوة :
- لما أكلمك تبصيلي و تردي عليا فاهمه!!!!!!
لاحت أبتسامة ساخرة على وجهها لتترك ما تفعله تتقدم نحوه قائلة بنبرة خالية من الحياة:
- بعفيك من الأختيار الغلط، أنا فعلاً مينفعش أشيل أسمك او أبقى ام لأولادك، عشان كدا أنا رايحة لماما وياريت ورقتي توصلني في أقرب وقت!!!!!
صُدم من حديثها، لم يتوقع أن كلماته ستجرحها بذلك الشكل، أمسك بذراعها بعنف قائلاً بتحذير:
- أيه الجنان اللي بتقوليه دة!!!!
أمسكت بكفه لتزيحه بعيداً عن ذراعها قائلة بهدوء مستفز:
- ده مش جنان، دة الحل ليا وليك يا باسل!!!!!
أمسكها من كتفيها ليهزها بقوة صارخاً بها خارجاً عن طوره بالكامل:
- أنتِ فاكرة أني ممكن أطلقك!!!!! ده بُــعـدك يا رهــف، و سيادتك عايزة تروحي تقعدي عند جوز أمك ال**** دة أنا أهد الدنيا عليكي أنتِ وعيلتك كلها، أنتِ مراتي ومِلكي وهتبقي في المكان اللي أنا فيه غير كدة مش عايز أسمع منك أي حاجة تانيه فـاهمة!!!!!
تلوت بين ذراعيه تصرخ به وعروقها أشتدت لكثرة ما تعانية من ألم كلماته قبل قبضته على جسدها:
- سيبني يا بـاسـل أنا بـكـرهـك ومش عايزة اقعد معاك أبداً سـيبني!!!!!
تلبستها حالة من الجنون الهيستيري تصرخ بوجعٍ وبكاء حارق يكاد يزلزل القصر بأكمله، صُدم "باسل" لما توصلت إليه "رهف" من حالة هيستيرية ليجذبها إلى صدره معانقاً إياها بكلتا ذراعيه يردف سريعاً:
- أهدي يا حبيبتي، أهدي و أنا هعملك اللي أنتِ عاوزاه بس أهدي!!!!!!!
ضربته على صدره عدة ضربات تحاول أن تنزع نفسها من أحضانه ولكنه كان متمسكاً بها لأقصى حد، لم تستكين "رهف" له و هي تردد بـ (طلقني)، حملها "باسل" بين ذراعيه، ليضعها على الفراش بلطفٍ، أستلقى بجانبها لتتخلل يده اسفل ظهرها يرفعها نحوه حتى تجلس بأحضانه، مربتاً على خصلاتها حتى هدأت و غفت بإرهاق..
• • • •
تجلس أمام المرآة ممسكة بالفرشاة تمشط خصلاتها الطويلة، لتضع القليل من مساحيق التجميل، ليظهر جمالها البرّاق، أنتفضت على المقعد عندما وجدته يدلف بهيئة مبعثرة، حيث أول أزرار قميصه المفتوحة وبذلته على يده، خصلاته مبعثرة ووجه مرهق حقاً، رمى بجسده على الفراش مغمضاً عيناه بوهن..
لم تبالي به "فريدة" لتكمل تمشيط خصلاتها كأنها لم تراه، نظرت لما ترتديه والذي كان عبارة عن منامة تتكون من بنطال (مشجر) مُريح، تعلوه كنزة ملتصقة بجسدها لم تغطي كامل ذراعيها، نهضت من امام المرآة، لتهم بالخروج من الغرفة، ولكن أستوقفها صوته الحاد يقول :
- على فين!!!!
التفتت له بتعجب تتمتم بصوت خفيضه لم يسمعه:
- هو مش مغمض عينه عرف أزاي أني ماشية هو ملبوس ولا أيه!!!!
نظرت له تقول بإمتعاض:
- و أنت مالك؟!!
هدر بها بحدة وهو لازال على حاله:
- فــريـدة!!!!! أنا مش ناقصك و عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي...
نظرت له بسُخرية قائلة:
- و أيه الجديد؟!! ع العموم رايحة أشوف يزيد..
نهض ليجلس على الفراش يتفحصها بعيناه من رأسها حتى أخمص قدميها، خجلت "فريدة" من نظراته ولكنها صمتت، لينظر لها "مازن" قائلاً بهدوء :
- ألبسي حاجة محترمة شوية عشان أنا أخواتي تحت!!!!
ضيقت عيناها بغضب لتقترب منه بخطوات بطيئة، وقفت أمامه لتقول بنبرة شرِسة:
- أنت عايز تفهمني أنك بتغير عليا زي أي زوجين طبيعين، مازن أنا وأنت زي الميا والنار مستحيل نتجمع مع بعض، فياريت بلاش تعيش في دور الزوج اللي بيحب مراته، أنت متجوزني لسبب واحدة أنا و أنت عارفينه كويس..
ثم نظرت له بإحتقار لتشير بيدها بسُخرية:
- وبعدين أنا مش نازلة أتمشى في قصركم الفظيع، أنا هقعد مع يزيد في أوضته، ده غير أني مش لابسة بدلة رقص عشان تقولي ألبسي حاجة محترمة!!!!
- خلصتي؟!
قال ببرود شديد ليشير بسبابته إلى الخزانة قائلاً:
- لو ملبستيش حاجة طويلة دلوقتي قسماً بالله م أنتِ شايفة أخوكي النهاردة يا فريدة!!!!!
نظرت له بصدمة لمدى جموده بكلامها لم يؤثر به مقدار ذرة، ضربت الارض بقدميها لتتجه للخزانة تبحث عن شئ محتشم..
• • • •
نزلت من فوق الدرج، فقد أشتاقت لأخيها التي أهملته في هذان اليومان، أشتاقت لأحضانه الدافئة، و عندما يربت بيده الصغيرة على ظهرها ببراءة، ولكن وهي شاردة أرتطمت بالسيدة "رقية" والتي كانت ممسكة بكوب من الشاي الساخن، ولسوء حظها سقطت الماء المغلي على ذراع "فريدة" وسقط الكوب الزجاجي متحولاً لشظايا، صرخت "فريدة" بألم ممسكة بذراعها الملتهب لتنهمر الدمعات من عيناها، غضبت السيدة "رقية" لتصرخ بها و لم ترحم حالتها قائلة:
- أيه عميتي إياك معدتيش بتشوفي زي الخلق!!!!
فركت "فريدة" ذراعها بعينان دامعتان لتنظر لها "رقية بإستحقار مشيرة إلى الزجاج المنثور على الأرض قائلة بتكبرٍ:
- يلا يا بت لِمي الأزاز الي كسرتيه دة!!!!
نظرت لها "فريدة" بصدمة لتقول بصوت باكٍ متجاهله ألم ذراعها:
- أنتِ ليه بتعامليني كدا!!!!، دة أنتِ حتى بتصلي و عارفة ربنا و عندك بنت!!!! ليه أنا بالذات اللي بتكرهيني اوي كدا!!!!!
نظرت لها "رقية" بتقزز:
- لأنك أقل من أني أعاملك بحُسنة، حتة ممرضة لا راحت ولا چات لفت على أبني لحد م أتچوزته وكمان من ورا أهله، عيلتك لا ليها أصل ولا فصل و بعدين لما تتكلمي مع أسيادك تتكلمي بإحترام فاهمه يا بت ولا مبتفهميش!!!!!
- في أيـــه اللي بيحصل هنا؟!!!!
هدر بها "مازن" الذي وقف خلف "فريدة"، ألتفتت له "فريدة" لينصدم من الدموع التي ملئت وجهها، أتجه نحوه في جزعٍ ليربت على ظهرها قائلاً بقلق:
- بتعيطي ليه يا فريدة؟!!!
شهقت "فريدة" ببكاء حقيقي نبع من قلبها، لفتت أنظاره يدها شديدة الإحمرار و الزجاج المنثور في الأرضية، ألتقط يدها قائلاً بصدمة:
- أيه اللي حصل!!!!!
ألتفت لوالدته ليقول بغضبٍ:
- في أيه يا أمي!!!!
ضغطت الأخيرة على شفتيها لتتشدق قائلة:
- مافيش حاجة يا بني مراتك أتدلق عليها شوية شاي عملتها مندبة!!!!
أشتعلت عيناه بإنفعال ليعاود النظر إلى ذراعها الملتهب، جذب رأسها ليطبع قبلة صغيرة على خصلاتها مربتاٌ على ظهرها قائلاً في حنو لأول مرة ينبع منه:
- تعالي أحطلك مرهم...
حاوط كتفيها بذراعه المفتول ليسيرا نحو الغرفة متغاضياً عن صدمتها من كلماته و أفعاله وحنانه الذي ظهر فجأة..
صعدا لغرفتهما ليدلفا تاركين "رقية" تشتعل غيظاً ..
أجلسها "مازن" على الفراش مغلقاً الباب من خلفه، جلب كريم الحروق ليجلس بجوارها، كان الحرق يأخذ حيز كبير من ذراعها، وضع طبقة رقيقة من الكريم على منتصف ذراعها الملتهب، وزعهما برفق حتى لا تتألم ثم رفع ذراعها إلى ثغره، ثم نفخ به بلطف حتى يجف، نظرت له "فريدة" وصدمتها لم تزول عن وجهها، ظنت أنه يتصنع الأهتمام أمام والدته إلى أن نظراته القلقة عبرّت عما بداخله، رفع بصره إليها قائلاً بقلق:
- بيوجعك أوي؟! أجيبلك الدكتور؟!!
نفت برأسها قائلة بخفوت وبنبرة مبحوحة وهي تنزع ذراعها من بين كفه قالت:
- لاء.. أنا كويسة...
ربت على ظهرها بحنو قائلاً:
- أحكيلي أيه اللي حصل بالظبط..
نظرت له وقد عادت الدموع لعيناها عندما تذكرت أفعال أمه قائلة بصوتٍ ينذر بالبكاء:
- أنا كنت رايحة ليزيد زي م قولتلك وخبطت فيها من غير م أقصد والشاي وقع أتكب عليا، وقالتلي أني لفيت عليك و أني مش ليا عيلة!!!!!
لتنفجر في البكاء كالأطفال وهي تتمتم بحزن عميق:
- بس هي مغلطتش انا فعلاً مش ليا عيلة!!!
دفنت رأسها بكفيها باكية بحدة، ليجذبها لصدره بإبتسامة خفيفة لطفولتها، مقبلاً خصلاتها و هو يردف:
- خلاص بقا متعيطيش يا فريدة.. أهدي، وبعدين أنتِ عندك ابوكي على فكرة و أكيد هو بيحبك و عندك أخوكي يزيد كمان صح؟
لم تساعده كلماته سوى على البكاء أكثر، ليمسح هو على خصلاتها قائلاً :
طب أقولك قومي ألبسي و خلي يزيد يلبس عشان نروح الملاهي يلا!!!
أنتفضت "فريدة" تقول بصدمة وهي تمسح عيناها من الدمعات العالقة بهما:
- هـــاه!!! ملاهي!!!!!
• • • •
أنتفضت تلك السيدة البدينة تضرب على قدميها قائلة بحسرة وبلهجتها الصعيدية:
- يا حسرة عليكي يابتي، چوزك طردك ورمى عليكي يمين الطلاق طب و الله لا أنا ولا أبوكي هنسكتله هو مفكر أنك مالكيش ضهر ولا أييهه!!!!
دفنت "مريم" رأسها في أحضان والدتها تبكي بحرقة، لا تصدق أنها ستبتعد عنه، لطالما أحبته "مريم" دون مقابل، أحبت كل شئ و أي حركة تصدر منه، ولكنها دفعت ثمن هذا الحب اللعين غالٍ، لم تستوعب أن حُبها له كان دافعاً جعلها تجلب حية لـ "ملاذ"، لم تكن "مريم" شريرة يوماً، و لكن حبها الأسود لها لم يكن سوى دافع لتلك الشرور، أقسمت "مريم" بداخلها أنها لن تجعله ينعم بحياة هادئة بعيداً عنها، ستجعله يندم على فراقها وطردها بذلك الشكل المهين!!!!
يقترب منهم ذلك الكهل الذي يرتدي جلبابه ويبدو على وجهه الوهن قائلاً بتعب:
- أحنا معندناش بنات تتطلق يابتي، أحنا هنتصرف ونرچعك لچوزك...
• • • •
مال بثغره طابعاً قبلة عميقة فوق جفونها المُسبلة، ممسكاً بكفها الناعم وعيناه تسير على كل شبرٍ في وجهها بنظرات متفرسة، ثم تنهد بإرهاق فهو لم ينام منذ يومان خائفاً على أن يصيبها مكروه، فهو مازال يؤنب نفسه على ما حدث، نهض من جوارها يدثرها جيداً حتى لا تبرد، ليتجه الغرفة المجاورة حتى لا يبتعد عنها، نزع كنزته الملتصقة بجسده ليرتدي كفوف الملاكمة، يقف أمام كيس الملاكمة بنظرات شرِسة، أخذ يلكمه بحدة منفثاً عن الغضب المتأجج داخله، تصبب العرق من فوق جبينه بل من فوق جسده بأكمله..!!!
اشتعلت عيناه بإحمراراً مخيفاً ليلتقط الكيس بين ذراعيه مستنداً عليه بجبهته، نزع الكفوف ليستلقي على الأرض ممارساً تمرين الضغط المفضل له، أشتدت عضلاته بعنف و هو يصل للعد مائتان!!
نهض عن مضجعه ليتجه نحو هاتفه الراقد على الفراش، أمسك به ليعبث بشاشته، وضعه على أذنه ليأتي الرد بعد ثوانٍ، تنهد مردفاً بصدرٍ مهتاج من شدة تعبه:
- الشُحنة يا جواد أخبارها أيه؟!!!
أردف "الجواد" بغرابة:
- ياعم قول أزيك يا جواد مش الشحنة يا جواد خبط لزق كدا!!! ،و بعدين متقلقش الشحنة وصلت وأستلمناها، بس مالك يا ظافر بتنهج ليه كدا أنت فين؟!!
أردف هو بشراسة:
- المهم دلوقتي أنتَ لازم تيجي وتجيب معاك أوراق الصفقات اللي عايزة أمضتي لأني مش هعرف أجي الشركة اليومين دول..
- أنا كنت لسة هقولك كدا، يلا أنا جاي مسافة السكة
أبعد "ظافر" الهاتف من على أذنه ليتجه صوب الحمام الملحق بالغرفة، أغتسل سريعاً ليخرج مرتدي بنطال قطني مريح تعلوه كنزة "كت" سوداء أظهرت عضلات صدره وذراعيه، مضى نحو غرفة "ملاذ"، أدار المقبض ليتفاجأ بها جالسة على الفراش ضامة ساقيها لصدرها تدفن رأسها بهما، ليسمع تنهيداتها المتألمة أقترب منها سريعاً ليجلس بجوارها ماسحاً على ظهرها وهو يقول بقلقٍ من حالتها:
- مالك ياحبيبتي، حاسة بوجع أجيبلك الدكتور؟!!!
رفعت وجهها الذي أغرقته الدموع لها لتقول بصوتٍ متقطع:
- أنت.. كنت.. فين!!!!
حاوط وجهها بكفيه ليطبع قبلة على جبينها قائلاً بحنو:
- أنا كنت في الأوضة اللي جنبك يا حبيبتي متخافيش..
نظرت بعمق داخل عيناه لتقول بصوت مبحوح:
- يعني أنت مش مشيت وسيبتني وزهقت مني؟!!!
ابتسم بحبٍ ليجذبها لأحضانه قائلاً بشبه تأنيب:
- ليه بتقولي كدا؟ أنا مستحيل أزهق منك او أسيبك، أنا بس عايزك تتحسني بسرعة عشان أتجوزك ونمشي من هنا بقا..
حاوطت خصره بذراعيها لتقول بنبرة ضائعة:
- أنا أستاهل اللي بيحصل فيا، أستاهل كل حاجة وحشة بتحصلي يا ظافر!!!!
نزعها من أحضانه قائلاً بتوبيخ وقد ازعجته كلماتها:
- متقوليش كدا يا ملاذ...
نفت برأسها قائلة بألمٍ أعتصر قلبها:
- لاء انا أستاهل صدقني، أنا عايزة أموت بقا و أرتاح أنا تعبت!!!!
نهرها "ظافر" بحدة قائلاً بعنف:
- متدعيش على نفسك سامعة متجيبيش سيرة الموت على لسانك!!!!!
أنهمرت الدموع من عيناها لتنفجر في البكاء ، لترتمي في أحضانه بإندفاع بألمٍ يغزو قلبها، ربت "ظافر" على ظهرها ليقول محاولاً التخفيف عنها:
- حبيبتي قوليلي ايه اللي مزعلك، أنا متأكد انك مش بتعيطي عشان موجوعة، أنا عارف ان في حاجة جواكي شايلة همها، في أيه؟
تشبثت بكنزته لتسترسل بصوتٍ مرتجف:
- ياريتني اعرف أقولك..!!!
مسد على خصلاتها قائلاً بشكٍ:
- طب أنتِ خايفة مني؟!
نفت برأسها قائلة بصدقٍ:
- لاء.. خايفة أخسرك!!!!
أبتسم "ظافر" ليبعدها عن أحضانه، كوّب وجهها قائلاً بنبرة حنونة:
- أنا اللي خايف أخسرك صدقيني..!!!
مسحت عيناها كالأطفال لتنظر له ببندقتيها اللامعة، نظرة جعلته ينصهر كالجليد، مال بثغره ببطىٍ، ليلتقط شفتيها بشفتيه ببطئٍ، سارت أنامله على طول ذراعيها الناعمة ليضع كفه خلف عنقها لتطبع شفتيه على كامل وجهها بقبلات متفرقة وكأنه يواسيها بطريقته، لثم عنقها الطويل بلطفٍ، أبعدته "ملاذ" قائلة بصدرٍ يعلو ويهبط:
- ظـافـر!!!!!
- أنـا عــايـزك!!!!!
• • • •
استقلا ثلاثتهم السيارة ليجلس "يزيد" الصغير بالخلف يشاغب بطفولة، ضرب على كتف "مازن" قائلاً ببرائة:
- عمو مازن هو أحنا هنروح فين؟!
ألتفت له "مازن" بإبتسامة مقتضبة قائلاً:
- خليها مفاجأة...
أبتسمت "فريدة" تطالع الحديث الذي يدور بينهما، صفقت بحماس لينظر لها "مازن" بصدمة:
- مش كفاية طفل واحد في حياتي كمان طلعت متجوز طفلة، آدي أخرة صبري..!!!
قهقهت "فريدة" بقوة" ليشاركها أخيها بالضحك لا يعلم ماذا يقولون لكن رؤية شقيقته جعلته يبتسم لا إرادياً!!!
تحرك "مازن" بالسيارة متجهاً نحو الملاهي...
• • • •
صفّ سيارته ليستقلوا، صرخ "يزيد" بحماس:
- المياجيح (مراجيح)!!!! ألتمعت عيناها ببرائة لتقدم على الذهاب غير عابئة بأحد، ليقبض "مازن" على رسغها قائلاً بجدية:
- فريدة، تفضلي ماسكة إيدي أنتِ شايفة الدنيا زحمة أزاي!!!
نفخت وجنتيها لتومأ برضوخ، مال "مازن" بجزعه، ليحمل"يزيد" بذراع والأخر أمسك بكف زوجته، أتجه أولاً إلى الألعاب الخفيفة حتى لا يتعب "يزيد"، رفض"مازن" تماماً العب معها رغم إلحاحها السديد عليه، إلا أنه تحجج بأنه سيقف يراقبهما، تعالت صرخات"فريدة" و "يزيد" ليبتسم "مازن"، أخذ يفكر، لما يُعامل زوحته بتلك الطريقة، لم يقسو عليها هكذا وهو يعلم أن ليس لها مكان للذهب إليه سوى بجواره، لِم يستغلها -جسدياً- بتلك الطريقة البشعة، أنب نفسه بشدة ليمسح على وجهه بحدة وحيرة، لمح على الجانب الأخر رجلاً طويل القامة يقف خلف فتاة، جحظت عيناه عندما وجده يحاول لمسها بطريقة مقززة مستغلاً ذلك الإزدحام ، أندفع الدماء لرأسه ليلقي نظرة على "فريدة" و "يزيد" ليجدهما لازالا يمرحان على تلك اللعبة، هرول نحو تلك الفتاة ليقبض على ذلك الرجل، طرحه أرضاً ليكيل له ضرباتٍ قوية بوجه وبأماكل متفرقة من جسده، إلتفتت تلك الفتاة برعب لتطالع "مازن" الذي لم يرحم ذلك الراجل الراقد أسفله، ألتفتت تلك الفتاة بإستغراب لتجحظ كاتمة شهقة كادت أن تخرج منها لتصيح بصدمة:
- مـــازن!!!!!.
توقف "مازن" عن ضربه على الفور .. عندما أستمع صوتها، رفع رأسه لتكاد عيناه أن تخرج من محلها و هو يردف بصدمة حقيقية:
- نيرمين!!!!!
ركض داخل الغرفة متجهاً نحو المرحاض، جزع عندما وجدها منحنية تخرج ما بجوفها على الحوض، شعر بأن حبيبته تصارع الموت، وهو مكبل الأيدي لا يعلم ماذا يفعل، أتجه نحوها في خطواتٍ سريعة، ليحاوط خصرها مبعداً بخصلاتها من على وجهها، يقف خلفها ملصقاً ظهرها بصدره كحائط منيع يصد أي خطر يحاول أن يأخذها منه، مسح على وجهها بالماء بلطفٍ شديد، لفّها له يسندها بذراعيه الممتلئة بالعضلات، أرتجف جسدها متشبثة بقميصه تدفن رأسها بصدره و الألم بقدميها لا يحتمل، فهي قد عانت السير عليها لتصل إلى المرحاض بصعوبة بعد أن خطت بقدمٍ واحدة مستندة على الحائط!!!
مال بجزعه ليضع ذراع على ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بخفة، وضعت هي بدورها كِلتا ذراعيها حول عنقه لتدفن أنفها في عنقها الذي يفوح برائحته الرجولية التي تعشقها..
جلس على الفراش ليجلسها بأحضانه كالطفلة الصغيرة، أخذ يتفحص اللدغة عن كثب، نظر لها بحنو ليربت على ظهرها مقبلاً جبينها، رغماً عنها بكت، بكت لكثرة الهموم على قلبها، بكت لقدميها التي تؤلمها، بكت كارهة الحياة، بكت تريد أن تؤنبه عن عدم وجوده في حياتها مبكراً، هو تأخر.. تأخر كثيرا. بعد أن فقدت شغفها بكل شئ حولها، بكت لكذبتها ااتي ستؤدي بها أسفل الجحيم، بكت لأنها شعرت أن خسارته قريبة، قريبة جداً، بكت كأنها لم تبكي من قبل، كان بكاءها مصحوب برعشة عنيفة بجسدها وهي بين أحضانه، جالسة على ركبتيه، كاد أن يكسر ضلوعها في عناقه لها، لم تكن تعلم أن بكاءها بتلك الطريقة بمثابة لكمات تضرب قلبه بلا رحمة، فرت دمعة هاربة من مقلتيه ليزيلها بقوة، أهو يبكي، هو الذي فقد إنسانيته بالأعمال المشبوهة كتجارة السلاح وغيرها تنساب دمعة خائنه منه و هو يرى حبيبته بتلك الحالة !!!
تشبثت بكنزته تهمس بصوت يرتجف باكٍ:
- ياريتك كنت جنبي من الأول ياظافر، ياريتني قابلتك من زمان، مكنتش هبقى كدا والله!!!!
رفع كفها الصغير يقبل باطنه قائلاً بحنو:
- ورحمة أبويا، أقسم بالله وعد أتحاسب عليه أني مش هسيبك أبداً، طول م أنا جنبك مافيش حاجة هتقرب منك!!!!!!!
• • • •
في الصباح الباكر، جلست "رهف" على الفراش البارد تضم قدميها لصدرها تبكي بقوة، تذكرت ما حدث البارحة....
عندما نزلَت عن الدرج بخطوات متغنجة، في ثوبها البنفسجي الذي أظهر رشاقة قوامها، وبياض بشرتها الناصع، ألتمعت عينان "باسل" بعشقٍ، كاد قلبة أن يطير من فرط جمال محبوبته، قلّص المسافة بينهما ليستقبلها على أول الدرج، كـ ملكٌ ينتظر ملكته على أحر من الجمر، و لحسن حظه كان الجميع منشغل بغرفهم، وقفت أمامه بخجل تنكس برأسها بالأسفل، حاوط وجهها بكلتا يداه، ليزرع قبلات على كل إنش في وجهها الصافي، ارنبة أنفها، جبينها، وجنتيها القابلة للقضم، وأخيراً شفتيها الذي لم ولن يتشبع من إرتواءها، أمسك بكفها ليسيرا معاً، أتجها نحو السيارة ليفتح لها باب السيارة قائلاً بمزاح:
- أتفضلي يا رهف هانم ...
أستقلت السيارة بفرحٌ كبير، نظرت له و هو يلتفت ليجلس جوارها، ثم نظر لها ممسك بكفها، رفعه لثغره ليطبع قبلة حنونة عليه قائلاً بعشقٍ:
- بحبك!!!!
نظرت لفستانها بخجلٍ مسترسلة بوجنتين كالطماطم:
- ميرسي!!!!!
نظر لها بدهشة ليقول بنبرة مازحة:
- بقا انا اقولك بحبك تقوليلي ميرسي، هو أنا عاملك صينية بطاطس يا رهف..
زمت شفتيها قائلة بحزن زائف:
- ماشي يا بسلة أتريق عليا كمان...!!!
قهقه بقوة ليتحرك بالسيارة قائلاً بتوعد مصطنع:
- لما نروَح يا رهف أصبري عليا!!!
• • • •
وصلا لمطعم من أفخم المطاعم بالقاهرة، أتخذا كلاً منهم مقعده، نظرت "رهف" للمطعم بإنبهار، ثم عادت بنظرها إلى "باسل" الذي يطالعها مبتسماً، لتردف قائلة بسعادة برّقت بمقلتيها :
- انا فرحانة أوي!!!!
ابتسم وقال:
- ربنا يقدرني و أفرحك أكتر ....
ثم أكمل قائلاً :
- تطلبي أي يـا موزّة؟!!
نظرت له بدهشة قائلة بإشمئزاز زائف:
- موزّة؟! أنت بيئة أوي!!!
- بيئة عشان بقولك موزّة، يلا يبنت العبيطة!!!
شهقت لتزم شفتيها تنفخ بوجنتيها بضيق زائف مكتفة ذراعيها أمام صدرها، ماذا إن نهض وأكلها الأن، بالتأكيد هي قابلة للأكل، ليته حجز ذلك المطعم الغبي لهما بمفردهما، أبتسم لها بعشقٍ جلي، طلبا ما يريدونه من الطعام، لينهوا عشائهما الرومانسي بنظراتهما المحبة ...
تعلقت بيداه ليخرجا من المطعم، لم يلاحظوا تلك العينان الخبيثة التي تراقبهما، كادا أن يستقلا السيارة، ليوقفهما صوت ماكر يقول:
- أزيك يارهف، وحشتيني!!!!
ألتفتت "رهف" لذلك الصوت بإستغراب، بينما جمدت ملامح "باسل" بالكامل، ليلتفت له واضعاً يداه بجيبه، مراقباً للحديث الذي يدور بينهما ببرودٍ تـــام!!!!!
جمدت أطرافها، نظفت حلقها وهي تقول بصـدمة:
- سـليم!!!!!!
أقترب منها "سليم" يطالعها بنظراته الخبيثة، بينما أبتعدت عنه "رهف" لتختبئ وراء "باسل" متشبثة بحِلته، نظر له "باسل" متأهباٌ للعراك يقول بوجهٍ لا يتبين له أية ملامح:
- أنت مين ؟!!!!
تجاهله "سليم" تماماً، محدقاً بـ "رهف" بنظرات أرعبتها، قدحت حدقتيّ "باسل"، وبدون مقدمات قبض على تلابيبه ليصبح وجههما مقابلاً لبعضهما، كل منهما يحدق بالأخر بتحدٍ حارق، ربت "باسل" على منكبيّ الأخير يقول بهدوء سابق للعاصفة:
- هو أنت متعلمتش يا روح أمك أن لما الرجالة تبقى واقفة متتكلمش مع النسوان!!!!!!
شهقت "رهف" بخوف لتمسك بذراع "باسل" قائلة برجاء حار وهي تتيقن أنها سينشبا عراك في الحال :
- باسل عشان خاطري يلا نمشي من هنا!!!!
ألتفت لها بنظرة جعلتها تصمت متراجعة وكأنها قد أبتلعت لسانها، ليزيح "سليم" يده قائلاً بإبتسامة باردة مستفزة:
- أهدى على نفسك يا عم الشَبح، ده حتى أنا و رهف عارفين بعض.. عـز المـعرفة!!!!!!
حدق به بشراسة ليلتفت لها ممسكاً برسغها بقوة آلمتها :
- مين دة ؟!!!!
أبتلعت ريقها بنظرات زائغة لتتمتم بخفوت:
- هقولك والله بس أحنا لازم نمشي من هنا!!!!!
أبتسم "سليم" بسماجة ليستطرد واضعاً كلتا يداه بجيبه قائلاً:
- أنا اللي كنت خاطبها، أيه يا رهف هو أنتِ مقولتيش لجوزك أنك كنتي مخطوبة ليا قبل كدا!!!!!
• • • •
دلف "باسل" الغرفة صافعاً الباب خلفه، ألقى نظرة جانبيه _باردة_ عليها أخرج لُفافة تبغ ليشعلها بقداحته الذهبية، ليخرج إلى الشرفة الملحقة بالغرفة مستنداً بكفه على السور، ينظر للفراغ بعينان متوعدة، لا يخفى عنه صوت نحيبها الذي يصدر من خلفه، كانت ملامحه جامدة تنذر بشرٍ قريب ..
نهضت "رهف" لتتجه نحوه بخطوات وئيدة، تقدم قدمٍ وتؤخر الأخرى، مسحت دموعها بظهر يداها و هي تقف خلفه مباشرةً، أستندت برأسها على ظهره العريض تدفن وجهها به، محتضنه خصره لتنفجر بالبكاء بشهقاتٍ متتالية
تقلصت ملامحه ألماً قابضاً على سور الشرفة حتى ظهرت أوردته من شدة الغضب، هي لا تعلم ماذا تفعل دموعها به، تلك الطفلة لا تدرك مدى تأثيرها عليه، تغفل عن أنه أصبح مهووساً بها، لم يلتفت لها، ولم يفتح لها ذراعيه كالعادة، بل ظل متخشباً بالأرض لا يبدى أي ردة فعل، لا يستمع سوى لنحيبها الذي أخذ يمزق في روحه
تمتمت بشجنٍ وبصوتٍ راجي:
- أرجولك متعملش كدا فيا، أنا مكنتش هقدر أحكيلك عشان عارفاك متهور وممكن تجيبه وتقتله وتضيع نفسك عشان واحد زي ده!!!
لم يرُد، مصغياً لحديثها بهدوءٍ مخيف، ابتعدت عنه "رهف" لتمسك بكلتا منكبيه تديره لها قائلة ووجهها مملوء بالدموع:
- باسل تعالى نتكلم بالعقل و أنا هفهمك كل حاجة والله!!!! بس متتجاهلنيش بالطريقة دي!!!؟
مسحت بعيناها على وجه لترى ملامحه الجامدة لم تتغير إنشاً، و لأول مرة تراه هكذا كـ لوح الجليد، نفث دخان سيجارته بعيداً عن وجهها مبتسماً بسُخرية لاذعة مردفاً:
- للأسف كان المفروض أسأل عن البني آدمة اللي هتجوزها، واللي هتشيل أسمي وتبقى أم عيالي، دي مش غلطتك دي غلطتي أنا!!!! مكنش ينفع أتجوز واحدة كدابة!!!!!!
وقعت كلماته عليها كالصاعقة، جحظت عيناها بصدمة وكلماته كالخناجر المستقرة في جسدها، وبهدوءٍ شديد أغرورقت عيناها بالدموع الحارة، وذراعها التي كادت أن تضعها عل يده لتواسيه أنزلتها بجوارها، ترددت صدى الكلمات بأذنيها تبتسم لنفسها بألمٍ، ألم تمكن منها يتآكلها، لقد مات أبيها من قبل، أصبحت بلا ظهرٍ تستند عليه، أذاقتها الدنيا مرارة الحياة، بل وصفعتها عدة صفعات لا يتحملها بشريٍ، و عندنا شعرت أن الله يعوضها بزوجٍ أحبها بكل جوارحه، طعنها هو الأخر بظهرها دون أن يسمع مبرراتها ليثبت لها بأن الحياة ظالمة، لم تبدي ردة فعل أو هكذا ظنت، فتعبيرات وجهها كانت كالكتاب المفتوح أمامه..
لوهله شعر بتأنيب الضمير عندما نظر لوجهها الذي بُهت، وعيناها التي أختفت الحياة بهما، إلا أنه رفض التنازل عن كبريائه كرجلٍ، ألتفت ليعود على وضعيته مستنداً على السور بكلتا يداه و كأنها لم يحطم قلبها تواً، ألتفتت "رهف" مبتعدة عنه بوجهٍ متحجر، أتجهت نحو خزانتها لتخرج حقيبتها الكبيرة، فتحت سحابها بهدوء لتضع ملابسها بها عاقدة أن لا تبقى بذلك القصر أبداً، ألتفت "باسل" عندما سمع بالضجة التي تحدثها، تصنمت عيناه عندما رآها تنقل جميع ملابسها للحقيبة، أتجه نحوها قائلاً بتساؤل بارد:
- بتعملي أيه..
لم تعيره أهتمام، وكأن سؤاله لم يوجه لها، لتكمل ما تفعله بهدوءٍ تــام
ظهر الغضب على محياه ليصرخ بها بضراوة :
- لما أكلمك تبصيلي و تردي عليا فاهمه!!!!!!
لاحت أبتسامة ساخرة على وجهها لتترك ما تفعله تتقدم نحوه قائلة بنبرة خالية من الحياة:
- بعفيك من الأختيار الغلط، أنا فعلاً مينفعش أشيل أسمك او أبقى ام لأولادك، عشان كدا أنا رايحة لماما وياريت ورقتي توصلني في أقرب وقت!!!!!
صُدم من حديثها، لم يتوقع أن كلماته ستجرحها بذلك الشكل، أمسك بذراعها بعنف قائلاً بتحذير:
- أيه الجنان اللي بتقوليه دة!!!!
أمسكت بكفه لتزيحه بعيداً عن ذراعها قائلة بهدوء مستفز:
- ده مش جنان، دة الحل ليا وليك يا باسل!!!!!
أمسكها من كتفيها ليهزها بقوة صارخاً بها خارجاً عن طوره بالكامل:
- أنتِ فاكرة أني ممكن أطلقك!!!!! ده بُــعـدك يا رهــف، و سيادتك عايزة تروحي تقعدي عند جوز أمك ال**** دة أنا أهد الدنيا عليكي أنتِ وعيلتك كلها، أنتِ مراتي ومِلكي وهتبقي في المكان اللي أنا فيه غير كدة مش عايز أسمع منك أي حاجة تانيه فـاهمة!!!!!
تلوت بين ذراعيه تصرخ به وعروقها أشتدت لكثرة ما تعانية من ألم كلماته قبل قبضته على جسدها:
- سيبني يا بـاسـل أنا بـكـرهـك ومش عايزة اقعد معاك أبداً سـيبني!!!!!
تلبستها حالة من الجنون الهيستيري تصرخ بوجعٍ وبكاء حارق يكاد يزلزل القصر بأكمله، صُدم "باسل" لما توصلت إليه "رهف" من حالة هيستيرية ليجذبها إلى صدره معانقاً إياها بكلتا ذراعيه يردف سريعاً:
- أهدي يا حبيبتي، أهدي و أنا هعملك اللي أنتِ عاوزاه بس أهدي!!!!!!!
ضربته على صدره عدة ضربات تحاول أن تنزع نفسها من أحضانه ولكنه كان متمسكاً بها لأقصى حد، لم تستكين "رهف" له و هي تردد بـ (طلقني)، حملها "باسل" بين ذراعيه، ليضعها على الفراش بلطفٍ، أستلقى بجانبها لتتخلل يده اسفل ظهرها يرفعها نحوه حتى تجلس بأحضانه، مربتاً على خصلاتها حتى هدأت و غفت بإرهاق..
• • • •
تجلس أمام المرآة ممسكة بالفرشاة تمشط خصلاتها الطويلة، لتضع القليل من مساحيق التجميل، ليظهر جمالها البرّاق، أنتفضت على المقعد عندما وجدته يدلف بهيئة مبعثرة، حيث أول أزرار قميصه المفتوحة وبذلته على يده، خصلاته مبعثرة ووجه مرهق حقاً، رمى بجسده على الفراش مغمضاً عيناه بوهن..
لم تبالي به "فريدة" لتكمل تمشيط خصلاتها كأنها لم تراه، نظرت لما ترتديه والذي كان عبارة عن منامة تتكون من بنطال (مشجر) مُريح، تعلوه كنزة ملتصقة بجسدها لم تغطي كامل ذراعيها، نهضت من امام المرآة، لتهم بالخروج من الغرفة، ولكن أستوقفها صوته الحاد يقول :
- على فين!!!!
التفتت له بتعجب تتمتم بصوت خفيضه لم يسمعه:
- هو مش مغمض عينه عرف أزاي أني ماشية هو ملبوس ولا أيه!!!!
نظرت له تقول بإمتعاض:
- و أنت مالك؟!!
هدر بها بحدة وهو لازال على حاله:
- فــريـدة!!!!! أنا مش ناقصك و عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي...
نظرت له بسُخرية قائلة:
- و أيه الجديد؟!! ع العموم رايحة أشوف يزيد..
نهض ليجلس على الفراش يتفحصها بعيناه من رأسها حتى أخمص قدميها، خجلت "فريدة" من نظراته ولكنها صمتت، لينظر لها "مازن" قائلاً بهدوء :
- ألبسي حاجة محترمة شوية عشان أنا أخواتي تحت!!!!
ضيقت عيناها بغضب لتقترب منه بخطوات بطيئة، وقفت أمامه لتقول بنبرة شرِسة:
- أنت عايز تفهمني أنك بتغير عليا زي أي زوجين طبيعين، مازن أنا وأنت زي الميا والنار مستحيل نتجمع مع بعض، فياريت بلاش تعيش في دور الزوج اللي بيحب مراته، أنت متجوزني لسبب واحدة أنا و أنت عارفينه كويس..
ثم نظرت له بإحتقار لتشير بيدها بسُخرية:
- وبعدين أنا مش نازلة أتمشى في قصركم الفظيع، أنا هقعد مع يزيد في أوضته، ده غير أني مش لابسة بدلة رقص عشان تقولي ألبسي حاجة محترمة!!!!
- خلصتي؟!
قال ببرود شديد ليشير بسبابته إلى الخزانة قائلاً:
- لو ملبستيش حاجة طويلة دلوقتي قسماً بالله م أنتِ شايفة أخوكي النهاردة يا فريدة!!!!!
نظرت له بصدمة لمدى جموده بكلامها لم يؤثر به مقدار ذرة، ضربت الارض بقدميها لتتجه للخزانة تبحث عن شئ محتشم..
• • • •
نزلت من فوق الدرج، فقد أشتاقت لأخيها التي أهملته في هذان اليومان، أشتاقت لأحضانه الدافئة، و عندما يربت بيده الصغيرة على ظهرها ببراءة، ولكن وهي شاردة أرتطمت بالسيدة "رقية" والتي كانت ممسكة بكوب من الشاي الساخن، ولسوء حظها سقطت الماء المغلي على ذراع "فريدة" وسقط الكوب الزجاجي متحولاً لشظايا، صرخت "فريدة" بألم ممسكة بذراعها الملتهب لتنهمر الدمعات من عيناها، غضبت السيدة "رقية" لتصرخ بها و لم ترحم حالتها قائلة:
- أيه عميتي إياك معدتيش بتشوفي زي الخلق!!!!
فركت "فريدة" ذراعها بعينان دامعتان لتنظر لها "رقية بإستحقار مشيرة إلى الزجاج المنثور على الأرض قائلة بتكبرٍ:
- يلا يا بت لِمي الأزاز الي كسرتيه دة!!!!
نظرت لها "فريدة" بصدمة لتقول بصوت باكٍ متجاهله ألم ذراعها:
- أنتِ ليه بتعامليني كدا!!!!، دة أنتِ حتى بتصلي و عارفة ربنا و عندك بنت!!!! ليه أنا بالذات اللي بتكرهيني اوي كدا!!!!!
نظرت لها "رقية" بتقزز:
- لأنك أقل من أني أعاملك بحُسنة، حتة ممرضة لا راحت ولا چات لفت على أبني لحد م أتچوزته وكمان من ورا أهله، عيلتك لا ليها أصل ولا فصل و بعدين لما تتكلمي مع أسيادك تتكلمي بإحترام فاهمه يا بت ولا مبتفهميش!!!!!
- في أيـــه اللي بيحصل هنا؟!!!!
هدر بها "مازن" الذي وقف خلف "فريدة"، ألتفتت له "فريدة" لينصدم من الدموع التي ملئت وجهها، أتجه نحوه في جزعٍ ليربت على ظهرها قائلاً بقلق:
- بتعيطي ليه يا فريدة؟!!!
شهقت "فريدة" ببكاء حقيقي نبع من قلبها، لفتت أنظاره يدها شديدة الإحمرار و الزجاج المنثور في الأرضية، ألتقط يدها قائلاً بصدمة:
- أيه اللي حصل!!!!!
ألتفت لوالدته ليقول بغضبٍ:
- في أيه يا أمي!!!!
ضغطت الأخيرة على شفتيها لتتشدق قائلة:
- مافيش حاجة يا بني مراتك أتدلق عليها شوية شاي عملتها مندبة!!!!
أشتعلت عيناه بإنفعال ليعاود النظر إلى ذراعها الملتهب، جذب رأسها ليطبع قبلة صغيرة على خصلاتها مربتاٌ على ظهرها قائلاً في حنو لأول مرة ينبع منه:
- تعالي أحطلك مرهم...
حاوط كتفيها بذراعه المفتول ليسيرا نحو الغرفة متغاضياً عن صدمتها من كلماته و أفعاله وحنانه الذي ظهر فجأة..
صعدا لغرفتهما ليدلفا تاركين "رقية" تشتعل غيظاً ..
أجلسها "مازن" على الفراش مغلقاً الباب من خلفه، جلب كريم الحروق ليجلس بجوارها، كان الحرق يأخذ حيز كبير من ذراعها، وضع طبقة رقيقة من الكريم على منتصف ذراعها الملتهب، وزعهما برفق حتى لا تتألم ثم رفع ذراعها إلى ثغره، ثم نفخ به بلطف حتى يجف، نظرت له "فريدة" وصدمتها لم تزول عن وجهها، ظنت أنه يتصنع الأهتمام أمام والدته إلى أن نظراته القلقة عبرّت عما بداخله، رفع بصره إليها قائلاً بقلق:
- بيوجعك أوي؟! أجيبلك الدكتور؟!!
نفت برأسها قائلة بخفوت وبنبرة مبحوحة وهي تنزع ذراعها من بين كفه قالت:
- لاء.. أنا كويسة...
ربت على ظهرها بحنو قائلاً:
- أحكيلي أيه اللي حصل بالظبط..
نظرت له وقد عادت الدموع لعيناها عندما تذكرت أفعال أمه قائلة بصوتٍ ينذر بالبكاء:
- أنا كنت رايحة ليزيد زي م قولتلك وخبطت فيها من غير م أقصد والشاي وقع أتكب عليا، وقالتلي أني لفيت عليك و أني مش ليا عيلة!!!!!
لتنفجر في البكاء كالأطفال وهي تتمتم بحزن عميق:
- بس هي مغلطتش انا فعلاً مش ليا عيلة!!!
دفنت رأسها بكفيها باكية بحدة، ليجذبها لصدره بإبتسامة خفيفة لطفولتها، مقبلاً خصلاتها و هو يردف:
- خلاص بقا متعيطيش يا فريدة.. أهدي، وبعدين أنتِ عندك ابوكي على فكرة و أكيد هو بيحبك و عندك أخوكي يزيد كمان صح؟
لم تساعده كلماته سوى على البكاء أكثر، ليمسح هو على خصلاتها قائلاً :
طب أقولك قومي ألبسي و خلي يزيد يلبس عشان نروح الملاهي يلا!!!
أنتفضت "فريدة" تقول بصدمة وهي تمسح عيناها من الدمعات العالقة بهما:
- هـــاه!!! ملاهي!!!!!
• • • •
أنتفضت تلك السيدة البدينة تضرب على قدميها قائلة بحسرة وبلهجتها الصعيدية:
- يا حسرة عليكي يابتي، چوزك طردك ورمى عليكي يمين الطلاق طب و الله لا أنا ولا أبوكي هنسكتله هو مفكر أنك مالكيش ضهر ولا أييهه!!!!
دفنت "مريم" رأسها في أحضان والدتها تبكي بحرقة، لا تصدق أنها ستبتعد عنه، لطالما أحبته "مريم" دون مقابل، أحبت كل شئ و أي حركة تصدر منه، ولكنها دفعت ثمن هذا الحب اللعين غالٍ، لم تستوعب أن حُبها له كان دافعاً جعلها تجلب حية لـ "ملاذ"، لم تكن "مريم" شريرة يوماً، و لكن حبها الأسود لها لم يكن سوى دافع لتلك الشرور، أقسمت "مريم" بداخلها أنها لن تجعله ينعم بحياة هادئة بعيداً عنها، ستجعله يندم على فراقها وطردها بذلك الشكل المهين!!!!
يقترب منهم ذلك الكهل الذي يرتدي جلبابه ويبدو على وجهه الوهن قائلاً بتعب:
- أحنا معندناش بنات تتطلق يابتي، أحنا هنتصرف ونرچعك لچوزك...
• • • •
مال بثغره طابعاً قبلة عميقة فوق جفونها المُسبلة، ممسكاً بكفها الناعم وعيناه تسير على كل شبرٍ في وجهها بنظرات متفرسة، ثم تنهد بإرهاق فهو لم ينام منذ يومان خائفاً على أن يصيبها مكروه، فهو مازال يؤنب نفسه على ما حدث، نهض من جوارها يدثرها جيداً حتى لا تبرد، ليتجه الغرفة المجاورة حتى لا يبتعد عنها، نزع كنزته الملتصقة بجسده ليرتدي كفوف الملاكمة، يقف أمام كيس الملاكمة بنظرات شرِسة، أخذ يلكمه بحدة منفثاً عن الغضب المتأجج داخله، تصبب العرق من فوق جبينه بل من فوق جسده بأكمله..!!!
اشتعلت عيناه بإحمراراً مخيفاً ليلتقط الكيس بين ذراعيه مستنداً عليه بجبهته، نزع الكفوف ليستلقي على الأرض ممارساً تمرين الضغط المفضل له، أشتدت عضلاته بعنف و هو يصل للعد مائتان!!
نهض عن مضجعه ليتجه نحو هاتفه الراقد على الفراش، أمسك به ليعبث بشاشته، وضعه على أذنه ليأتي الرد بعد ثوانٍ، تنهد مردفاً بصدرٍ مهتاج من شدة تعبه:
- الشُحنة يا جواد أخبارها أيه؟!!!
أردف "الجواد" بغرابة:
- ياعم قول أزيك يا جواد مش الشحنة يا جواد خبط لزق كدا!!! ،و بعدين متقلقش الشحنة وصلت وأستلمناها، بس مالك يا ظافر بتنهج ليه كدا أنت فين؟!!
أردف هو بشراسة:
- المهم دلوقتي أنتَ لازم تيجي وتجيب معاك أوراق الصفقات اللي عايزة أمضتي لأني مش هعرف أجي الشركة اليومين دول..
- أنا كنت لسة هقولك كدا، يلا أنا جاي مسافة السكة
أبعد "ظافر" الهاتف من على أذنه ليتجه صوب الحمام الملحق بالغرفة، أغتسل سريعاً ليخرج مرتدي بنطال قطني مريح تعلوه كنزة "كت" سوداء أظهرت عضلات صدره وذراعيه، مضى نحو غرفة "ملاذ"، أدار المقبض ليتفاجأ بها جالسة على الفراش ضامة ساقيها لصدرها تدفن رأسها بهما، ليسمع تنهيداتها المتألمة أقترب منها سريعاً ليجلس بجوارها ماسحاً على ظهرها وهو يقول بقلقٍ من حالتها:
- مالك ياحبيبتي، حاسة بوجع أجيبلك الدكتور؟!!!
رفعت وجهها الذي أغرقته الدموع لها لتقول بصوتٍ متقطع:
- أنت.. كنت.. فين!!!!
حاوط وجهها بكفيه ليطبع قبلة على جبينها قائلاً بحنو:
- أنا كنت في الأوضة اللي جنبك يا حبيبتي متخافيش..
نظرت بعمق داخل عيناه لتقول بصوت مبحوح:
- يعني أنت مش مشيت وسيبتني وزهقت مني؟!!!
ابتسم بحبٍ ليجذبها لأحضانه قائلاً بشبه تأنيب:
- ليه بتقولي كدا؟ أنا مستحيل أزهق منك او أسيبك، أنا بس عايزك تتحسني بسرعة عشان أتجوزك ونمشي من هنا بقا..
حاوطت خصره بذراعيها لتقول بنبرة ضائعة:
- أنا أستاهل اللي بيحصل فيا، أستاهل كل حاجة وحشة بتحصلي يا ظافر!!!!
نزعها من أحضانه قائلاً بتوبيخ وقد ازعجته كلماتها:
- متقوليش كدا يا ملاذ...
نفت برأسها قائلة بألمٍ أعتصر قلبها:
- لاء انا أستاهل صدقني، أنا عايزة أموت بقا و أرتاح أنا تعبت!!!!
نهرها "ظافر" بحدة قائلاً بعنف:
- متدعيش على نفسك سامعة متجيبيش سيرة الموت على لسانك!!!!!
أنهمرت الدموع من عيناها لتنفجر في البكاء ، لترتمي في أحضانه بإندفاع بألمٍ يغزو قلبها، ربت "ظافر" على ظهرها ليقول محاولاً التخفيف عنها:
- حبيبتي قوليلي ايه اللي مزعلك، أنا متأكد انك مش بتعيطي عشان موجوعة، أنا عارف ان في حاجة جواكي شايلة همها، في أيه؟
تشبثت بكنزته لتسترسل بصوتٍ مرتجف:
- ياريتني اعرف أقولك..!!!
مسد على خصلاتها قائلاً بشكٍ:
- طب أنتِ خايفة مني؟!
نفت برأسها قائلة بصدقٍ:
- لاء.. خايفة أخسرك!!!!
أبتسم "ظافر" ليبعدها عن أحضانه، كوّب وجهها قائلاً بنبرة حنونة:
- أنا اللي خايف أخسرك صدقيني..!!!
مسحت عيناها كالأطفال لتنظر له ببندقتيها اللامعة، نظرة جعلته ينصهر كالجليد، مال بثغره ببطىٍ، ليلتقط شفتيها بشفتيه ببطئٍ، سارت أنامله على طول ذراعيها الناعمة ليضع كفه خلف عنقها لتطبع شفتيه على كامل وجهها بقبلات متفرقة وكأنه يواسيها بطريقته، لثم عنقها الطويل بلطفٍ، أبعدته "ملاذ" قائلة بصدرٍ يعلو ويهبط:
- ظـافـر!!!!!
- أنـا عــايـزك!!!!!
• • • •
استقلا ثلاثتهم السيارة ليجلس "يزيد" الصغير بالخلف يشاغب بطفولة، ضرب على كتف "مازن" قائلاً ببرائة:
- عمو مازن هو أحنا هنروح فين؟!
ألتفت له "مازن" بإبتسامة مقتضبة قائلاً:
- خليها مفاجأة...
أبتسمت "فريدة" تطالع الحديث الذي يدور بينهما، صفقت بحماس لينظر لها "مازن" بصدمة:
- مش كفاية طفل واحد في حياتي كمان طلعت متجوز طفلة، آدي أخرة صبري..!!!
قهقهت "فريدة" بقوة" ليشاركها أخيها بالضحك لا يعلم ماذا يقولون لكن رؤية شقيقته جعلته يبتسم لا إرادياً!!!
تحرك "مازن" بالسيارة متجهاً نحو الملاهي...
• • • •
صفّ سيارته ليستقلوا، صرخ "يزيد" بحماس:
- المياجيح (مراجيح)!!!! ألتمعت عيناها ببرائة لتقدم على الذهاب غير عابئة بأحد، ليقبض "مازن" على رسغها قائلاً بجدية:
- فريدة، تفضلي ماسكة إيدي أنتِ شايفة الدنيا زحمة أزاي!!!
نفخت وجنتيها لتومأ برضوخ، مال "مازن" بجزعه، ليحمل"يزيد" بذراع والأخر أمسك بكف زوجته، أتجه أولاً إلى الألعاب الخفيفة حتى لا يتعب "يزيد"، رفض"مازن" تماماً العب معها رغم إلحاحها السديد عليه، إلا أنه تحجج بأنه سيقف يراقبهما، تعالت صرخات"فريدة" و "يزيد" ليبتسم "مازن"، أخذ يفكر، لما يُعامل زوحته بتلك الطريقة، لم يقسو عليها هكذا وهو يعلم أن ليس لها مكان للذهب إليه سوى بجواره، لِم يستغلها -جسدياً- بتلك الطريقة البشعة، أنب نفسه بشدة ليمسح على وجهه بحدة وحيرة، لمح على الجانب الأخر رجلاً طويل القامة يقف خلف فتاة، جحظت عيناه عندما وجده يحاول لمسها بطريقة مقززة مستغلاً ذلك الإزدحام ، أندفع الدماء لرأسه ليلقي نظرة على "فريدة" و "يزيد" ليجدهما لازالا يمرحان على تلك اللعبة، هرول نحو تلك الفتاة ليقبض على ذلك الرجل، طرحه أرضاً ليكيل له ضرباتٍ قوية بوجه وبأماكل متفرقة من جسده، إلتفتت تلك الفتاة برعب لتطالع "مازن" الذي لم يرحم ذلك الراجل الراقد أسفله، ألتفتت تلك الفتاة بإستغراب لتجحظ كاتمة شهقة كادت أن تخرج منها لتصيح بصدمة:
- مـــازن!!!!!.
توقف "مازن" عن ضربه على الفور .. عندما أستمع صوتها، رفع رأسه لتكاد عيناه أن تخرج من محلها و هو يردف بصدمة حقيقية:
- نيرمين!!!!!