رواية دائرة العشق الفصل الثامن والاربعين 48 بقلم ياسمين رجب
تنهيدة حارقة خرجت من صدره وهو يلتفت لوالده قائلا....
:_ مش عايز منك مبرر مش عايز شرح لاني مش مسامح في حقي انا رجعتلك ابنك الي خسرته وبعدت عنك وعن بيتك انا عشت عمري كله وحيد زي طير مكسور الجناح لهو مات ولا عارف يطير تاني مش طالب منك حاجة غير انك تسيبني اعيش الباقي من عمري اربي بنتي على الي انا اتحرمت منه سيب ليا صاحب عمري و متحاولش تفرق بنا انا طلعت من كل الليلة دي بعماد وقت ما انت و مراتك مكنش حد فيكم بيسأل عني كان عماد الوحيد الضهر الي اتسندت عليه زيارته ليا هناك كانت فارقة معايا فمتحاولش تبعد بنا و اني أخدت البنت الي هو حبها.... يارا لو مكنتش على ذمتي وعرفت بحبه لها انا كنت انسحبت حتي لو روحي فيها و عارف ان عماد هيعمل نفس الشئ مع اني متأكد انه كان مجرد اعجاب منه فبلاش تملي دماغه بأن في ست قدرت تفرق بينا
ناظرته عينين توفيق بآلم يعلم بم يجيش بصدر أبنه من وجع ، السنوات التي قضاها ريان بتلك المدرسة و ما تعرض له كان اكبر عقاب لتوفيق، ان يمتنع عن رؤية ولده أن يلقي به بالتهلكة دون أن يقدر على الاقتراب منه
:_ اذا كنت أنت اتعذبت يا ريان فأنا يا ابني عذابي كان أضعاف
بعينين شق الحزن الطريق إليهما قال.....
:_انا كنت مجبور كنت عايز احميك منهم مقدرتش أعمل اي حاجه غير أني أسلمك بنفسي للمدرسة دي علشان أضمن انك تعيش، مكنتش عايز اخسرك زي اخوك
صوت تكسير و تحطيم كان الرد الوحيد لحديثه حينما ألقي ريان كل ما وجد فوق سطح مكتبه ليلتفت بعدها و قد أشتدت قساوة عيناه قائلا بصوت أهتزت له الجدران...
:_ كده كنت بتحميني ده انت بأيدك قتلتني هي دي الحماية من وجهة نظرك، انا كنت بموت هناك انا تقريبا ميت و الوحيد المسؤل عن الي انا فيه انت
:_كانوا هيقتلوك كنت عايز احافظ عليك
:_ الموت كان ارحم ليا كنت سبتهم قتلوني اريح ليا من كل الي وصلت ليه، الاذي النفسي الي انت اتسببت بيه ليا اكبر بكتير من الي هما عملوه فيا...
اقترب منه محاولا لمس كتفه إلا ان الاخر كان تراجع للخلف ليكمل توفيق كلامه....
:_ريان انت أب حط نفسك مكاني، فكر كده لو حد حاول يأذي سلين... لو خيارك الوحيد انك تبعدها عنك علشان تضمن سلامتها حط نفسك مكاني وفكر...
قست عيناه أكثر وهو يتقترب منه قائلا بغضب...
:_ حطيت نفسي مكانك بدل المرة ألف و لقيت نفسي اني عمري ما كنت هعمل زيك، انت اخترت الحل السهل لو انا مكانك كنت عمري ما هرمي حته مني للمستنقع ده مش هسيب طفل عمره سبع سنين لناس معندهاش يأمه ارحميني الناس دي أختارتني أنا بالذات علشان ابنك و عززت شعور الكره جوايا ليك فأنت دلوقتي كل مبرراتك غلط مش عايز اسمعها..... انا لو كنت مكانك بصحيح كنت قلبت الدنيا علشان اوجد حل احافظ بيه على ابني
بخطوات ثقيلة تراجع للخلف و خارت قواه جالسا على المقعد خلفه ليرفع بعدها عينيه المرهقتين وهو يقول بيأس.....
:_ على الاقل اسمع الحكاية من الاول....
ابتلع ريقه الجاف ثم بلل شفتيه بطرف لسانه وهو يسترجع أسوأ أيام حياته... بينما وقف ريان متخصرا يراقب ملامحه المتعبة لقد هرم والده و هذه الخاطرة اوجعته لم يحظى من عمر والده بلحظات قد تشفع له عمره الذي أفناه في خدمة وطنه ومن دفع ثمن ذالك كان هوو...
:_ أنا و زيدان الله يرحمه كنا أيد واحدة في شغلنا أي مهمة بنستلمها كنا لازم نقبض على التشكيل كله عمرنا ما فشلنا في مهمة و كان من ضمن المهمات دي اننا بنحارب مافيا دولية الناس دي كانت بتقوم بتدمير شبابنا و بلدنا وقدرنا اننا نكشف جزء كبير من رجالهم في الوطن العربي وقتها كان عمرك سنة انت وعماد كنتوا نفس العمر جالنا تهديدات كتير بس ده موقفناش عن هدفنا لحد ما نفذوا التهديد و قتلوا زيدان و مراته...... متخيل تخسر اقرب صاحب ليك وهو في اخر لحظة بيأمنك على أولاده
غصة مريرة استحكمت حلقه وهو يقول بحزن
:_كان عماد لسه طفل بيرضع لم اخدته هو و اخوه الكبير و يعلم ربنا اني كنت بشوفهم ولادي بعدها كنت بحاول اتخطي حادثة زيدان وكنت اخدت عهد على نفسي اجيب حقه وفعلا كل مهمة استلمتها كنت بنجح فيها لحد ما عدي كام سنة و وقتها خطفوا عمار اخوك و انت اتصابت برصاصة.... متخيل نفسك مكاني واحد ضاع مني والتاني بين الحياه والموت بعدها التهديدات زادت انهم هيقتلوك و وقتها
القيادة قرارات اني ابعدك عني علشان احميك و احافظ عليك و احافظ على الامانة الي في رقبتي
كانت عينيه تنظران للفراغ وهو يستمع لحديث والده دون أن يرف له جفن لكن بداخله بركان أوشك على الانفجار
فتابع توفيق بقلة حيلة....
:_ فكر كده تاني كنت هتعمل اي لو اتحطيت مكاني
ناظره ريان بسخرية يحاول تحليل كل كلمة وكل ما سمعه بهذه الليلة يربطه بكل ما مر عليه في السنوات الماضية ليقول بعدها بهدوء زائف متسائلا.....
:_فلنفترض كلامك صح مفيش ولا مره صعبت عليك من معاملتك ليا محستش بالذنب و انت شايفني بكرهك كل يوم أكتر من الاول.....
________________________________
بالخارج
جلست يارا بجوار والدة زوجها التي ابتهجت ملامحها إليها ما ان رأتهم عائدين من الخارج و يارا تحمل حفيدتها التي تعالت ضحكاتها كلما دغدغتها الاخر بعنقها
لتقول هي.....
:_سلين متعلقة بيكي اوي
ابتسمت يارا بحنان وهي تقبل سلين بحب قائلة...
:_ انا كمان متعلقة بيها جدا انتي مش متخيله بحبها قد ايه
ناظرتها المرأة بحنو و ابتسامتها ازدادت اتساع حينما قالت......
:_ريان في طفولته كان نسخة من سلين بس كان شقي جدا وعنيد إلا انه كان حنين اوي
ضحكت بخفة وهي تمسد فوق شعر سلين....
:_ كان غيور جدا و يقول اني بحب عماد أكتر منه و دايما يحسده ويقوله انه بيشاركه في حب مامته
غامت عينين المرأة بالذكري وهي تقول بحزن
بس كان يرجع ويقول ان عماد اخوه وحتى لو حبيته اكتر منه عمره ما هيزعل.... وبرغم كل ده عمره ما غار من اخو عماد الكبير.... انا كنت بحبها نفس المحبة عمري ما فرقت بينهم.... بس ريان كان متعلق بيا زيادة كأنه كان حاسس انه هيتحرم من حضني
و دلوقتي مبقاش طايق يبص في وشي
لاحظت يارا دموعها فأقتربت منها بعدما أنزلت سلين للارض وهي تقول بهدوء......
:_كل شئ هيتحل بأذن الله .... تعرفي ريان ده احن واحد شفته ميغركيش القسوة الي بتبان عليه بس من جواه طفل.....
ابتسمت حماتها بسعادة وهي تقول...
:_بتحبيه
اتسعت ابتسامتها الخجولة وهي تقول بحب تعمق بين ثنايا قلبها....
:_ اكدب عليك لو قلت ان شعوري تجاه ريان حب بس... ده احساس والله ما قادره أعرف اسمه ايه
احتضنت كفها وهي تبتسم بسعادة بعدما اغرقت عيناها بالدموع قائلة
:_ربنا يسعدكم يا بنتي و
لم تتم جملتها حينما دخل ريان غرفة مكتبه
وبعدها تبعه توفيق الذي دخل خلف ريان مغلقا الباب بينهما
نظرت كلامن يارا و حماتها لبعضها البعض وصل إلى مسمعهم صوت حديثهم الموجع و صوت ريان كالاسد الجريح يصرخ بكل قوته.......
________________________________
بالمكتب....... قال توفيق محاولا شرح حقيقة ما حدث.....
:_كان لازم تكرهني يا ريان وانا كان لازم استحمل كرهك ده و الا مكنش حد هيرحمك
و اديني كرهتك وكرهت نفسي وكرهت كل شئ يربطني بيك ليه بقا جاي دلوقتي تفتح الدفاتر القديمة
الخزي تملك من عينين والده الذي قال بأنكسار لمس قلب ريان...
:_علشان تعبت من التمثيل تعبت من نظرتك ليا و انا شايفك كارهني يا أبني غلطي اه كان كبير بس كان غصب عني
لم يتحمل وقوفه اكثر من ذالك بل
خرج من مكتبه بعينين قاتمتين و قد اتسعت زرقة عيناه
غاضبا ثائرا و خائر القوي لا يقدر على شيء.. حتى سقط بصره على والدته الواقفة بجوار الحائط عيناها دامعتين وكاتمة صوت بكائها بكفيها الخزي يطل من عيناها تلك المرأة لازالت تستفز عاطفته تخرج الطفل بداخله حنانها الذي حرم منه وقد كانت كريمة العطاء لكل طفل غريب عنها بينما هو ظل ليالي متعبا يتمني ان يعود منزله ان تضمه أمه تخبره ان ذاك الكابوس سينتهي و ان الالم الذي يحرق فؤاده سيذهب ما ان تربت يدها على ظهره.... كانت قوية كريمة وكثيرة العطاء و كان هو متسول للحظة من ذاك العطف فلم يجد سوي السرير البارد بتلك الغرفة المظلمة تؤوي قلبه المسكين..... اقترب منها بخطوات بطيئة حتى وقف أمامها صامتا يراقبها بعين طفل لازال بالسابعة من عمره لازالت تحتفظ بملامحها الجميلة و تلك التجاعيد زادت من رقتها بعينه الحنان يطل من قسمات وجهها فأبتسم بيأس من مشاعر الطفل بداخله
قائلا بسخرية....
:_ سؤال واحد بس .... قلبك ده كان حجر ازي قدرتي تستحملي الي جوزك عمله فيا طب هو له أسبابه أنتي كانت اسبابك أيه
سكبت عيناها الدموع وهي تطالعه بندم بينما أكمل الاخر حديثه الساخر.... رغم مرارة الوجع التي تقطر من كلماته
:_محستيش ان ابنك وحشك، طب مفيش مرة قولتي يا تري ابني أكل او مأكلش؟يا تري مين بياخد باله منه؟ محستيش ولا مره اني ممكن اكون تعبان و محتاجك معايا!..... حسيتي بعماد و اخوه الي علشان بقوا أيتام و انا مقدرتيش تحسي بيا و انا شبه يتيم بعيد عنك كنتي ازي بيجيلك قلب تحضني آسيا وعماد وفي حته منك متعرفيش عنه حاجة، ازي فهميني قوليلي و اشرحيلي زي ما هو حاول يشرح يمكن اقدر اطفي النار الي جوايا
ضرب بقبضته على صدره وهو يصرخ بها قائلا....
:_ازي فهميني هو في ام كده في ام بكل الجحود ده
اتكلمي و اشرحي ولا معندكيش اسباب معندكيش حجة مقنعة
رفعت يدها عن شفتيها محاولة الحديث اللحظة التي تخشاها قد جأت ريان امامها ينتظر أثبات منها أنها فعلت ذلك رغما عنها فنظرت إليه بقلة حيله
وهي تمتم بوجع
:_ مقدرتش اشوفك هناك يا ريان مقدرتش اروحلك و مخدكش في حضني ابوك كان اخد قرار انه يحطك في المدرسة و انا حاولت معاه وقتها بس كنا خايفين نخسرك يا ريان خفت اخسرك يا ابني
:_ انتي فعلا خسرتي ابنك من زمان عذر اقبح من ذنب
ألقي جملته وهو ينظر إليها بأسف على حال قلبه الذي تمني ان تكون حجتها كبيرة تسد جوع فؤاده
قادته قدماه للخارج حتى شعر بخروج والده ليهتف بعدها بصوت فاقد للحياه....
:_انا مش مسامح في حقي مش مسامح حد فيكم انتوا الاتنين........
قالها وغادر ليتجه بعدها صوب سيارته ولم يستمع لنداء يارا التي ركضت خلف محاولة ايقافه بل قاد سيارته بكل غضب خارجا من بوابة الفيلا و وقفت هي بأرضها تتابع طيف السيارة التي غادرت للتو
بعينين دامعتين وقفت تحدق بأرض الحديقة الالم يشق صدرها تشعر و كأن الارض تميد بها بدوار يلف رأسها ولم تصدق حتى الآن ان كل ذالك قد مر به ريان
قبضه مؤلمة اعتصرت صدرها وهي تحاول ان تكفكف دموعها فأتجهت بعدها للداخل وهي تراقب توفيق الذي جلس بالقرب من زوجته محاولا ان يخفف عنها المرأة تبدوا منكسرة محطمة و كأنها على حافة الموت
سؤال واحد يلف ذهنها كيف أستطاع الاثنين فعل ذلك بطفل صغير حتى و ان كانت حياته معرضة للخطر ؟
نظرت إليهم بنظرات صامتة لم تستطيع الاقتراب او التفوه بكلمة
فأتجهت بخطوات ثقيلة للطابق الاعلي بعدما أطمئنت على سلين ثم نزعت ثيابها و دخلت المرحاض تغتسل و ما ان بللت المياه رأسها حتى سقطت جالسة تبكي حبيبها و ما عاناه بحياته تتمني الان ان تكون بجواره كيف حاله بتلك اللحظة بما يشعر دمعت عيناها بحرقة وظلت مكانها لا تعرف كيف أنقضي عليها الوقت.......
بعد قليل
كانت صلت فروضها ثم اتجهت للنافذة وجلست امامها برداء الصلاة الذي لم تنزعه بعد فألقت الهاتف بأهمال على الطاولة امامها بعدما تلقت الرسالة الصوتية المسجلة بأن الهاتف المطلوب مغلق.. ازدادت دموعها و رفعت وجهها للسماء داعيا الله ان يرده إليها بخير....
__________________
أقسي ما يعانيه المرء هو الشعور بالكبت..... شعور منفر للروح ان تكون على فوهة بركان تريد الانفجار بكل ما حوالك لكنك مقيد.... ما يشعر به الان يهلك بدنه ويحرق فؤاده ليته بقي كما هو لا يعرف شئ عن حقيقة ترك والده له ليته لم يسعي لفتح دفاتر الآلم ليته لم يسعي لشئ فا هو يقف الان بمنتصف كل شئ لا ارتاح قلبه من التفسير فغفر الذنب ولا كان الذنب بأيديهم حتي يبقي على النبذ والكراهية لهما....
انتبه لصوت بواق سيارة قادمة حتى صفت بجواره لم يلتفت وهو يعرف هوية السائق الذي ترجل من سيارته حتى وقف مستند على مقدمة السيارة بجواره قائلا...
:_زي ما انت لسه كل ما تكون مضايق تيجي هنا تقف لواحدك
شبه ابتسامة ظهرت على شفتيه وهو يقول بنبرة تقطر وجعا....
:_ ولسه زي ما انت كل ما أجي هنا تحصلني
ارتفعت زاوية شفتيه بأبتسامة وهو يرفع حاجبيه قائلا
:_ صعبان عليك نفسك اني انا الوحيد الي بعرف مكانك
غامت عيناه وهو يضع يديه بجيبي بنطاله مبتعدا عن مقدمة السيارة....
:_ انت الوحيد الي عارفني يا عماد انت الوحيد الي ليا يا صاحبي
ظهر التآثر على قسمات وجهه متذكرا اتصال آسيا به والتي اخبرته ان والدها و ريان قد تشاجرا حتى ان ريان كان يصرخ بوجهه وانه خرج بعدها غاضبا فصب باقي غضبه بوالدتها ثم رحل تاركا المنزل..... استطاع بعدها الاتصال بتوفيق والذي أخبره بكل ما دار بالمكتب
عاد للواقع وهو يقترب من ريان محاولا عدم التطرق إلى اي حديث قد يؤلم صديقه.....
:_ ريان خد اجازة من الشركة حاول تسافر يومين ترتاح فيهم.....
نظر للافق حوله الآلم بصدره يشتد ثم قال بعد صمت دام قليلا....
:_ تفتكر انا عمري هرتاح يعني هيجي يوم وبطل اخاف على الي حواليا اكون مطمن و مش حاسس بخوف
عاد لصمته لينظر بعدها لعماد وتابع.....
:_ انا لسه بخاف اصحى في يوم ألقيني لوحدي... لسه بخاف اكون محبوس في المدرسة و الاوضة الضلمة من تاني.... لسه بخاف اكون وسط جثث مطلوب مني انقذ حياتهم
انا لسه بخاف يا صاحبي
هذا الاعتراف الان احدث شرخ بقلب صاحبه وهو يراقب ملامحه الشاحبة حينها اقترب منه وضمه بقوة حضن أخوي صادق و كأنه يربت على روحه المكسورة ريان وكل ما مر به طوال السنوات الماضية هذه هي المرة الأولى التي يعترف بها أنه تأذي و انه يخاف الفقد و يهاب الظلام
كان الاخر صامتا و بعينين فارغتين ابتعد عنه وقال...
:_انا فعلا محتاج ابعد يومين اعيد ترتيب حساباتي من تاني....
ابتسم عماد وهو يقول بهدوء.....
:_ طب ايه الوقت اتأخر خلينا نرجع البيت
بادله ريان الابتسام وهو يراقبه يتجه لسيارته حتى ناداه مجددا...
:_ عماد
وقف الاخر وهو يواليه ظهره حتى سمع قول ريان
:_ انا مدين لك بأعتذار
ألتفت الاخر اليه مصدوما وهو ينظر إليه بترقب
بينما كانت ملامح ريان أرتخت قليلا وهو يقول ...
:_انا أسف... اسف لاني بضغط عليك و اسف انك بتخاطر بحياتك بسببي.... و كمان أسف لكل شيء كان سبب ضرر ليك سواء كان بقصدي او بدون قصد ......بس الشئ الوحيد الي مش أسف عليه اني منعتك من السفر...لاني مش هقدر استغنى عنك يا صاحبي
ابتلع غصة مريرة وهو يعود بأنظاره بعيدا حتى فهم الاخر ما يريد ريان الاعتذار عنه ........ الوضع كان مؤلم لكليهما
امرأة واحدة على قلب صديقين فالوضع مخزي لو انه علم بنية ريان للارتباط بها لأبتعد و ما صرح بحبه ... لو علم لدفن قلبه تحت قدميه دون ان يجرح كرامته كرجل و يخسر مكانته كصديق...... رغم أن ريان تجاوز الامر ظاهريا إلا انه في قرارة نفسه يشعر بالآلم تجاهه
حاول عماد ان يخفى انفعالات وجهه وهو يقول بمزاح ......
:_لو كنت سبتني أسافر مكنتش هسامحك يا بوب
لاني كنت هفهم وقتها اننا خسرنا بعض خلاص
قالها وهو يصعد سيارته و بداخله اخذ قرار نسيان الماضي بكل اوجاعه و نظرة مشاكسة احتلت عيناه حينما تذكر تلك الفتاة وهو يخطط ان الايام القادمة ستكون اكثر تسلية من ذي قبل
بينما راقب ريان أنصرافه وهو يجاهد نفسه على الرحيل هو لا يقوي على العودة لذاك المنزل لكنه لن يهرب مرة أخرى عليه مواجهة الماضي بكل أخطائه حتى يعيش ما بقي من حاضره في أمان.... وهنا تنفس الصعداء وهو يمني نفسه بحضن دافئ وحنون ينسيه مرارة الفقد الذي عاشه
_____________________________________
حينما صف سيارته كانت الساعة تجاوزت الخامسة صباحا لقد قضي الليل بأكمله يجوب شوارع المدينة محاولا تصفية عقله من كل أشباح الماضي.... فصعد درجات السلم الرخامي بخطوات بطيئة متثاقلة عكس آمس كان يطير فوق الدرجات وكأنه في سباق مع الزمن...... وصل إلى غرفة أبنته و هو يقف أمام سريرها الصغير كانت نائمة كالملاك في هذه اللحظة تخيل بأن ابنته معرضة للخطر وعليه تركها حتى يحافظ على حياتها.....مال يلثم جبهتها بقبلة حنونة حتى شعر بشفتيه قد طالت بالقبلة ليبتعد عنها و عيناه قد غامت بالدمع قائلا بنبرته التي تقطر حزن...
:_ وحتى لو كان اني اسيبك هو الخيار الاخير ليا.... فمستحيل اسيبك.... هلف الدنيا و اطوف و احارب كل الناس بس مستحيل اتخلي عن روحي.. مستحيل
ليبتسم إليها وهو يدثرها جيدا ثم
وبنفس الخطوات الثقيلة غادر جناح الصغيرة ليصعد بعدها إلى الطابق الثالث
حينما دخل كان الجناح مظلم إلا من ضوء النهار الذي بدأ يتسلل من النافذة حيث كانت هي هناك جالسة على أحد المقاعد تضم قدميها لصدرها و قد غفت مكانها دون وعي منها اغمض عيناه بأجهاد وهو ينزع سترته يلقي بها ارضا ثم أتبعها بقميصه و اتجه إليها حينما وقف أمامها شردت عينيه بتلك الهالة من الجمال التي تحيط بها كأنها لوحة فنية وقد عجز الرسام عن تكرارها... او مقطوعة موسيقية لا تسمع إلا مرة واحدة فتعجز امامها عن سماع غيرها مهما تشابهت الالحان
جثي امامها على عقيبه وهو يبعد خصلاتها عن وجهها كاشفا وجنتيها الشهيتين ملامحها التي تذكره بزهرة الياسمين تفوح بالعطر فتملئ رئتيك بعطرها تمني بتلك اللحظة لو أنه تعرف عليها قبل هذا الوقت تمني لو انه لم يكن ريان رسلان بل فقط شاب فقير بأول العشرين يسرقها لمكان بعيد يخصهم هما الاثنين فيكتب حرفها على احدى الجدران يتبعها بقلب له سهمين و في الجهة الاخري تكتب هي أسمه.... تمنحه وعد اللقاء مرة أخرى ويتكرر اللقاء ويتجدد العهد ويبقى حبها يلوح بالقلب...... تحسست يده وجنتها الدافئة ثم حملها بين ذراعيه متجه بها نحو الفراش حينما شعرت به فتحت عيناها إليه و هالها حاله كان يضم نفسه إليها يدفن رأسه بصدرها وهو يضمها بقوة قائلا....
:_خليني في حضنك يارا انا محتاج ليه بجد
رجفة خفيفة بعمودها الفقري وهي تشعر برودة صدره العضلي فضمت نفسها إليه اكثر مستندة برأسها على رأسه وهي تربت على ظهره بحنو متمتمة ببعض الآيات القرآنية
وبين الحين و الاخر تلثم جبهته بشفتيها
كان متعبا وحينما ضمها وجد السكينة عندها فغاب بثبات عميق و كأن لم يذق طعم النوم قبل الان........
____________________________________
بالشركة.....
جلست تنتظر مقابلة ريان .... اليوم جأت لتقدم أستقالتها فلن تستطيع العمل بهذا المكان بعد الان فخلال اليومين الماضيين لم تكف عن التفكير به عينيه الزرقاوين يلاحقان أحلامها مرارا وتكرارا حتى بصحوها لم يفارق خيالها تذكرت قربه منها و انفاسه التي لفحت بشرتها الناعمة حتى شذي عطره كان يلاحقها هذا الرجل خطر يهدد كل خلية بها
:_ انسة همس
انتبهت لصوت السكرتيرة التي عادت للنظر لأوراقها وهي تقول .....
:_ تقدري تتفضلي البيه في انتظارك
هزت رأسها بأيجاب وهي تنهض من مجلسها تعدل من ثوبها الرقيق صحيح انها فكت الرابط الطبي عن ذراعها لكن الضماد لازال يغطي ذراعها اسفل ملابسها... الناعمة
دخلت من باب المكتب وهي تغلق الباب خلفها بهدوء حينما لاحظت ان الجالس خلف المكتب كان هو من تهرب منه كان عماد بطلته الجميلة السارقة لأنفاسها تجمدت قدميها بالارض حينما رفع عيناه إليها خطر ببالها مقولة ان الموج الازرق بعينيه الواسعتين وقفت مكانها لم تسطيع الحراك
بينما عماد طالعها هذه المرة يقيمها بنظرة ذكورية و هو يستكشف بها ما تخفيه خلف لسانها السليط جميلة هي بطريقتها الخاصة بريئة و قوية و ان كان لسانها الذي يحتاج للقص هو ما يعيبها إلا انه دائما ما تلفت انتباهه الشئ الوحيد المتغير بها هو خصلاتها الطويلة التي جمعتها خلف رأسها حتى كشفت عن عنقها الابيض البض
استعاد رشده وهو يقول بهدوء
:_اهلا آنسه همس اتفضلي
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تقترب من مكتبه تفرك كفيها ببعضهما
بينما هو رجع بالكرسي للخلف سامحا لنفسه بحرية النظر إليها فقالت هي بكلمات متعثرة...
:_ ليك انا أجيت لهون حتى قابل أستاذ ريان بس هو اصل... شو وينه الاستاذ
ابتسامة ماكرة داعبت شفتيه وهو يراقب تعلثمها و وجهها المتوتر الذي يشبه حبات الطماطم ليقول بعدها بصوته المتلاعب.....
:_ استاذ ريان مش موجود... بس انا هنا مكانه
غصة استحكمت حلقها وهي تدور بعينيها بالمكان كله عدي النظر إليه لتهتف بتوتر وهي تخرج ورقة مطوية من حقيبتها ثم مدت يدها بها إليه فأخذها هو وقام بفتحها
صمت قليلا وهو يرفع عيناه إليها ثم وضع الورقة من يده قائلا بهدوء
:_ ايه ده
رفعت عيناها إليه قائلة...
:_اظن حضرتك قرأت انها أستقالتي
نظر إليها مطولا ثم نهض من مجلسه حتى وقف مقابلا لها قائلا
:_ليه تقدمي استقالتك ثم ان حضرتك سكرتيرة مكتبي يبقى من باب أوله الاستقالة تقدم على مكتبي مش مكتب ريان
صرت على أسنانها تحاول إلا تغضب وهي تقول بهدوء مزيف...
:_ انا تم تعييني من ريان بيك... ام سبب سؤالك ليه
فأسفة ماعندي اي أجابة لحضرتك
تلاعبت الابتسامة فوق شفتيه وهو يقول بهدوء كأنه لم يسمع شئ....
:_ اخبار دراعك أيه
تعجبت من رد فعله و كيف انه تخطي كلامها بسؤاله فقالت هي بنبرة حادة...
:_ عماد بيك بعتقد طلبي كان واضح
لازالت الابتسامة المتلاعبة على شفتيه وهو يراقب غضبها شئ بداخله سعيد بتحفزها هذا فقال بهدوء وهو يضع يديه بجيبي بنطاله
:_ حضرتك جاوبتي سؤالك بنفسك ان ريان هو الي شغلك يبقى هو الي يستغني عنك..... انما أنا هنا مكانه علشان هو مسافر....
:_شو لوين مسافر و امتا راح يرجع..
قالتها بذهول
ليهتف الاخر بسخرية
:_ عريس جديد هيروح فين غير شهر العسل
ابتلعت ريقها بتوتر وخجل ظهر لعينيه فأضحت أكثر رقة و اكثر آنوثة رغم قدها الصغير إلا انها فاتنة شهية كقطعة حلوي
بينما قوس الاخر شفتيه على ابتسامته التي تحارب للظهور هيئتها المصدومة جعلتها أكثر جاذبية لعينيه
هو لم يكن بالشخص المستقيم دائما ما كان له علاقات نسائية كثيرة وهو الان بحاجة لآنثي تسد جوع عاطفته فلا ينكر انه يرئ الاعجاب البادي بعينين الفتاه تجاهه إلا انه لم يشاء ان تتورط مشاعرها به وانها ليست من هؤلاء الفتيات التي يقضي معهم الليالي.... لن يستغلها لمجرد انه يريد الهرب من تجربة فاشلة ليس هو من يفعل ذالك
حمم بضيق من نفسه وقد عادت جديته ليقول بعدها محاولا اخذ هدنة بينهما...
:_ آنسه همس اتمني اننا ننسي الخلافات وكل الايام الي فاتت و نبدأ صفحة جديدة... خصوصا أني مدين ليكي كفاية اصابتك علشاني
اهو ساحر كيف يكون مشاكسا و جاد بالان ذاته اهو من قال هدنة ايقول انه مدين لها..... لحظة لحظة هل قال همس هل نطق اسمها
شعور غريب تملك من قلبها فزادت خفقاته المجنونة وكأنها تريد منه أكثر تريده ان يتحدث ولا يكف عن الثرثرة فلقد سقطت همس بمحراب هواء وها هي ترفع راية الاستسلام مسلمة قيود مشاعرها لهذا الرجل......
كان الاثنان يقفان امام بعضهما حتى طرقت السكرتيرة باب المكتب ثم دخلت بعدها قائلة...
:_عماد بيه الوفد الايطالي وصل بس للاسف استاذ يوسف من قسم الترجمة مش موجود
انتبه عماد لم تفوهت به وهو يعود لجديته قائلا بغضب
:_يعني ايه مش موجود وبعدين متشوفي غيروا
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تقول....
:_للاسف يا فندم استاذ يوسف عمل حادثة امبارح وفي حالة حرجة.....وكمان معندناش حد بديل ليه يا فندم
حك مؤخرة رأسه بغضب وهو يلعن الجميع فهذه الصفقة تساوي الملايين لديهم و ان خسرها ريان لن يمررر الامر على خير
قال بغضب...
:_اتصرفي شوفي مين في الشركة ليه في الايطالي